التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 166352
تحميل: 7324

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166352 / تحميل: 7324
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

عن طيب خاطر.

و إذا أردت المزيد فقارن ما فعله أبو بكر وعمّاله في كيفية أخذ الزكوات بما كتبه أمير ‏المؤمنينعليه‌السلام لعماله على الصدقات حيث كتب لهم:‏

انْطلِقْ عَلَى تَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلاَ تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً وَلاَ تَجْتَازَنَّ ‏عَلَيْهِ كَارِهاً، ولاَ تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقٍّ أَبْيَاتَهُمْ، مَالِهِ.

فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَآنْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ، ثُمَّ آمْضِ ‏إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَآلْوَقَارِ; حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ ‏لَهُمْ، ثُمَّ تَقُولَ: عِبَادَ اللهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِي اللهِ وَخَلِيفَتُهُ، لآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ ‏اللهِ فِي أَمْوَلِكُمْ، فَهَلْ للهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ ؟ فَإِنْ قَالَ ‏قَائِلٌ: لاَ فَلاَ تُرَاجِعْهُ.

وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ، فَآنْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ ‏تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَب أَوْ فِضَّة.

فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ نَدْخُلْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا ‏فَلاَ تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلَّط عَلَيْهِ وَلاَ عَنِيف بِهِ. وَلاَ تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلاَ ‏تُفْزِعَنَّهَا، وَلاَ تَسُوءَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا.

وَاصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ. فَلاَ ‏تَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللهِ فِي مَالِهِ; فَآقْبِضْ حَقَّ اللهِ مِنْهُ ‏فَإِن اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ، ثُمَّ اخْلِطْهُمَا ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ ‏حَقَّ اللهِ فِي مَالِهِ.

وَلاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَلاَ هَرِمَةً وَلاَ مَكْسُورَةٌ وَلاَ مَهْلُوسَةً، وَلاَ ذَاتَ عَوَار، وَلاَ ‏تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ، رَافِقاً بِمَالِ آلْمُسْلِمينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ ‏فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ .‏

وَلاَ تُوَكِّلْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحاً شَفِيقاً وَأَمِيناً حَفِيظاً، غَيْرَ مُعْنِف وَلاَ مُجْحِف، وَلاَ ‏مُلْغِب وَلاَ مُتْعِب.

٤٦١

ثُمَّ آحْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللهُ بِهِ، فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُكَ ‏فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَة وَبَيْنَ فَصِيلِهَا، وَلاَ يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذلِكَ ‏بِوَلَدِهَا; وَلاَ يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً، وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذلِكَ وَبَيْنَهَا، ‏وَلْيُرَفِّهْ عَلَى اللاَّغِبِ، وَلْيَسْتَأْنِ بِالنِّقِبِ وَالظَّالِعِ، وَلْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ ‏الْغُدُرِ.

وَلاَ يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الاَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ، وَلْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ، ‏وَلْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ وَالاَعْشَابِ، حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللهِ بُدْناً مُنْقِيَات، غَيْرَ ‏مُتْعَبَات وَلاَ مَجْهُودَات، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى‌الله‌عليه‌وآله - فَإِنَّ ذلِكَ أَعْظَمُ لأَجْرِكَ، وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

فالفرق إذن بعيد بعد الأرض عن السماء بين كيفية أخذ الزكاة عند النبي والوصي، ‏وكيفيتها عند أبي بكر وعمّاله.

وهذا بنظرنا هو السبب الواقعي الذي جعل مناوئي أبي بكر يذكّرونه بكنيته القديمة ‏ولقبه القديم ‏(‏أبو الفصيل‏)‏ ‏(‏أبو الخلال‏)‏، وذلك أ نّه لَهج ولَجّ بأخذ الإبل، بل أخذ خصوص ‏الإبل الجيّدة منها بالقَسْر، فامتنع عليه بعض من امتنع لسيرته وسيرة عمّاله التعسفية ‏وراحوا يذكّرونه بماضيه القديم دون الكنى والألقاب والمدائح المتأخرة التي كالها عليه ‏أصحابه وأتباعه كيلاً جزافاً.

والذي يعزز ما قلناه أ نّهم لم ينعتوه ب- ‏(‏أبي الدوانيق‏)‏ لأن النزاع لم يكن حول النقدين - ‏و إن كانت هي أعظم واشرف عند الناس من الإبل - ولا وصفوه ب- ‏(‏أبي حبة‏)‏ أو ‏(‏أبي ‏شعيرة‏)‏ أو ‏(‏أبي حنطة‏)‏ أو أو، بل وصفوه بما كان عليه في الجاهلية.

والنبي - كما حكي عنه - جاراه بكنية توافق كنيته السابقة، لكنّها أشرف وأحسن من ‏تلك، ولم يكنه بأبي عبدالرحمن وأبي محمّد وأمثال ذلك، وفي هذه التفاتة يجب الوقوف ‏عنها.

٤٦٢

٤٦٣

المحور الثالث

هل الأئمّةعليهم‌السلام كنوا انفسهم أو أولادهم بأبي بكر ؟

بعد أن انتهينا من بيان عدم دلالة التسميات على المحبة، أشرنا إلى اختلاف النصوص ‏في وجود ابن للإمام عليعليه‌السلام باسم أبي بكر، فذهب البعض إلى وجوده، والآخر ‏إلى انكاره معتقداً بأنّ المولود من ليلى النهشلية - زوجة الإمام علي - يكنّى بأبي بكر، في ‏حين أن اسمه هو عبدالله أو محمّد.

وهذا ما قالوه أيضاً في ولد الإمام الحسن المجتبي السبط، إذ صرح الموضح النسابة ‏بأنّ أبا بكر بن الحسن اسمه عبدالله(١) و إن كان هناك من بتّ بأنّ اسمه أبو بكر.

أما الإمام الحسين فلم يثبت أن يكون له ولد قد سمى أو كنّي بأبي بكر، وكل ما في ‏الأمر هو تصحيفهم كلمة (الحسن) إلى (الحسين)، لأنّ ما قالوه في ابن الحسين هو موجود ‏لابن الحسنعليه‌السلام بحذافيره، ولا أنكر إمكان التعدد، لكنه بعيدٌ بنظرنا، ولنا ‏شواهدنا.

وكذا الحال بالنسبة إلى الأئمّة من ولد الحسينعليه‌السلام بدءاً من الإمام علي بن ‏

____________________

١- المجدي: ٢٠١.

٤٦٤

الحسين السجاد إلى الإمام الحجة، فلم نجد فيهم أو في أولادهم من سمي بأبي بكر.

ونحوه القول بالنسبة إلى ما قيل من وجود ولد لعبدالله بن جعفر باسم أبي بكر، ‏فبتصوّري أ نّه كنية لابنه محمّد الأصغر وليس باسم له.

ولا يخفى عليك أنّ الأمر يعود لتعدّد الأسماء للشخص الواحد، فقد يضع الأب لولده ‏اسماً والأمّ اسما آخر. وقد يكنّى ذلك المسمى بكنية واحدة أو كنيتين.

والإمام علي سمى ابنه من ليلى النهشلية بمحمد عملاً بالسنة النبوية القاضية برجحان ‏تسمية الطفل بمحمد لسبعة أيام، أ مّا الأم أو الجد لأمه من بني دارم فقد سمّاه بعبد الله.

فكأنّ القومَ سعوا إلى تكنية المسمى بعبدالله بأبي بكر، تجانساً بين اسم ابن أبي قحافة ‏وكنيته، ثم أطلقوا هذه الكنية أيضاً على المسمّى من قبل أبيه ب- ‏(‏محمّد‏)‏، فقالوا: محمّد ‏الأصغر بن علي بن أبي طالب من ليلى النهشلية، المكنّى بأبي ‎ بكر.

ثمّ تطوّر الأمر فكنّوا الابن الآخر للإمام - من أمّ ولد - المسمى بمحمد الأصغر بأبي ‏بكر أيضاً.

وهناك قول شاذّ انفرد به المزّي - وتبعه على ذلك الصفدي - بأنّ اسم المكنّى بأبي بكر ‏بن علي هو عتيق، فقالوا بأن عتيقاً استشهد في كربلاء(١) ، وهذا يؤكّد محاولات التبديل ‏في الأسماء والكنى.

قالوا بكل ذلك كي يدلّلوا على وجود المحبة بين علي وابي بكر، وذلك لتقارب الاسم ‏والكنية بين ولد علي وأبي بكر.

____________________

١- سير أعلام النبلاء ٣: ٢١٦، مرآة الجنان ١: ١٣١ - ١٣٢ وعنه الدياربكري في تاريخ الخميس ‏‏٢: ٣٣٣.

٤٦٥

حيث أن المشهور عندهم أنّ كنية أبي بكر هو لمن شغل منصب الخلافة بعد رسول ‏الله، فارادوا أن يقولوا بأنّ من يسمى بعبدالله ويكنّى بأبي بكر هو ممن يحب الخليفة ‏و يتولاه !!‏

في حين أنك عرفت أن المسمى من قبل الإمام هو محمّد وليس بعبدالله، وقد يكون ‏عبدالله اطلق عليه من قبل اُمه، لكن هذا لا يسمح باطلاق كنية أبي بكر أيضاً عليه، ولم ‏تكن هناك نصوص ظاهرة واضحة تدل على أن الإمام كناه بتلك الكنية.

و إذا كانت تلك الكنية ثابته له، لما اختلفوا في اطلاقها على ابن ليلى النهشلية وابن اُم ‏ولد معاً، كما أ نّهم لم يختلفوا في أ نّها اسم له أم كنية.

وهذا ما أجروه على عمر الأطرف أيضاً، فقالوا بأنّ كنيته أبو حفص، في حين أطبق ‏النسّابة على أنّ كنيته أبو القاسم، وهناك قول على سبيل التمريض: أبو حفص لا يؤخذ ‏به.

ولا يخفى عليك بأن ما يتصدر بأبي وابن واُم وأخت فهو في سياقه الطبيعي موضوع ‏للكنية لا للاسم، فلا نرى بين أولاد الأئمّة من سُمّي بأبي عبدالله، أو أبي محمّد، أو أبي ‏القاسم، أو أبي الحسين، فلو جاءت هذه الكلمات فهي كنية للشخص لا اسماً له، وهو ‏يخطّئ ما قالوه بأنّ أبا بكر هو اسم لابن النهشلية أو لغيره.

والآن لنناقش النصوص المتمسّك بها للدلالة على أن ‏(‏أبا بكر‏)‏ هي كنية موضوعة ‏للأئمّة المعصومين من أهل البيت كالسجاد والرضا والهاديعليهم‌السلام ، وقيل للإمام ‏الحجةعليه‌السلام .

‏١ - الإمام علي بن الحسين السجاد وتكنيهم إيّاه بأبي بكر !!‏

قال الحسين بن حمدان الخصيبي (ت ٣٣٤ ه-) في الهداية الكبرى:‏

‏(‏وكنيته أبو الحسن، والخاص أبو محمّد، وروي أ نّه كُنّي بأبي بكر ولم تصحّ ‏

٤٦٦

هذه الكنية‏)‏(١) .

وقال محمّد بن جرير الطبري الشيعي المتوفّى في أوائل القرن الرابع الهجري في ‏دلائل الإمامة: ‏(‏علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم يكنّى: ‏أبا محمّد وأبا الحسن وأبا بكر، والأول أشهر وأثبت‏)‏(٢) .

وقال العلوي (من اعلام القرن الخامس) في المَجْدي: ‏(‏وجدت بخطّ شيخنا أبي الحسين ‏أنَّ زين العابدين كان يكنّى أبا محمّد، وكان يكنّى أبا بكر، والأوّل الصحيح‏)‏(٣) .

وقال منتجب الدين الرازي من أعلام القرن الخامس الهجري في (فهرست أسماء ‏علماء الشيعة ومصنفاتهم) ضمن خطبة الكتاب وذكره نسب أبي القاسم يحيى قال:‏

‏(‏... بن عبدالله الباهر بن الإمام زين العابدين، أبي محمّد، ويقال: أبي القاسم، ويقال ‏أبي الحسن، ويقال: أبي بكر بن الحسين بن علي ...‏)‏(٤)

وقال ابن شهرآشوب (ت ٥٨٨ ه-) في مناقب آل أبي طالب:‏

‏(‏وكنيته: أبو الحسن، والخاص أبو محمّد، ويقال أبو القاسم، وروى أ نّه كنّي بأبي ‏بكر‏)‏(٥) .

وقال الأربلي (ت ٦٩٣) في كشف الغمة ‏(‏فأ مّا كنيته، فالمشهور أبو الحسن، ويقال: ‏أبو محمّد، وقيل: أبو بكر‏)‏(٦) .

وقال ابن الصباغ المالكي (ت ٨٥٥ ه-) في الفصول المهمة:‏

____________________

١- الهداية الكبرى: ٢١٣.

٢- دلائل الإمامة: ١٩٢.

٣- المجدي: ٢٨٣.

٤- فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفاتهم: ٤، ط- المكتبة الرضوية - طهران، وفي صفحة: ٣٧٢ من ‏المترجم إلى الفارسية.

٥- مناقب آل أبي طالب ٣: ٣١٠، وانظر تاريخ الأئمّة للكاتب البغدادي: ٢٩ أيضاً.

٦- كشف الغمة ٢: ٢٨٥.

٤٦٧

نسبه: هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد تقدم بسط ذلك. كنيته ‏المشهورة أبو الحسن، وقيل: أبو محمّد، وقيل: أبو بكر(١) .

هذه هي الأقوال التي قيلت في هذا الباب، وهي تؤكّد بوضوح على أنّ كنية ‏(‏أبي بكر‏)‏ ‏لم تكن ثابتة للإمام السجاد; لإطباقهم على ذكرها على سبيل التمريض - بل آخِرَ الكنّى ‏المُمَرَّضة - مثل: و ‏(‏روي‏)‏ و ‏(‏قيل‏)‏ و ‏(‏يقال‏)‏ مع تصريح الخصيبي بقوله: ‏(‏ولم تصح هذه ‏الكنية‏)‏ أو قول ابن جرير الطبري الشيعي ‏(‏والأوّل أشهر وأثبت‏)‏، أو قول ابن شهرآشوب ‏‏(‏والخاص أبو محمّد‏)‏ أو قول صاحب المجدي ‏(‏الأوّل الصحيح‏)‏ وغيرهم، هذا اولاً.

وثانياً: لم يعرف أنَّ للإمام ولداً باسم (بكر) حتى يكنّى به، وكلامنا هذا لا يعني لزوم ‏التكنية باسم الولد في جميع الحالات، لأنّ الكنى توضع على الاشخاص من الصغر وهو ‏أمر مستحب، لكن بما أنّ التسمية بمحمد مستحبة، فالتكنّي بأبي محمّد تكون أقرب إلى ‏الإمام واقعاً، والأئمّة سمّوا أولادهم بمحمد وتكنّوا به، والإمام السجّاد كُنِّي بأبي محمّد - ‏وهو المشهور عنه - لولده الأكبر المسمّى بمحمد الباقر.

أ مّا كنية ‏(‏أبي الحسن‏)‏ فهي الأُخرى أقرب إلى الإمام من كنية أبي بكر، لأ نّها ‏موضوعة لكل من سُمِّي بعليِّ على مر التاريخ ولحدِّ هذا اليوم، ولذلك عدّها الخصيبي ‏وابن شهرآشوب الكنية العامّة - أي التي يكنّى بها كل من اسمه علي - مقابل الكنية الخاصة ‏به وهي ‏(‏أبو محمد‏)‏، وأ مّا كنية ‏(‏أبي بكر‏)‏ فليست خاصة ولا عامّة، فيبقى أ نّها كنية ‏مُلصقَة ألصقها به أبناء العامّة.

وعليه فمن غير البعيد أن يكنّى الإمام السجاد بأبي الحسن، لأ نّها كنية جده الإمام أمير ‏المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو المشتهر عنه في كتب الحديث ‏

____________________

١- الفصول المهمة لابن الصباغ ٢: ٨٥٥.

٤٦٨

والتراجم والرجال الشيعيّة.

أ مّا كنية أبي بكر فهي أجنبية عنه، ولا يمكن لحاظها إلاّ من خلال إحدى الاحتمالات ‏المطروحة لاحقاً.

وثالثاً: من المعلوم أن كنية الإمام لا تنحصر بأبي بكر، فقد كُنّىعليه‌السلام بأبي ‏الحسن(١) ، وأبي الحسين(٢) ، وأبي القاسم(٣) ، وأبي محمّد(٤) ، وأبي عبدالله(٥) ، ‏وأبي عبدالله المدني(٦) ، وأبي الحسين المدني(٧) ، وأبي الأئمة(٨) ، وابن ‏

____________________

١- المناقب ٣: ٣١٠، إعلام الورى ١: ٤٨٠، كشف الغمة ٢: ٢٨٦، المجدي: ٢٨٢، ألقاب الرسول ‏وعترته (المجموعة): ٥٠، العدد القوية: ٥٨، دلائل الإمامة: ١٩٢، جامع المقال: ١٨٤، طبقات الحفّاظ ‏للسيوطي: ٣٧ برقم ٦٩، منتهى المقال ١: ٢٥، (الطبعة المحققه)، تاريخ الأئمّة للبغدادي: ٢٩، شرح ‏الأخبار ٣: ٢٧٥، (في نسخة بدل)، تاج المواليد للطبرسي: ٣٥، فهرست منتجب الدين: ٣٠، المقتنى في ‏سرد الكنى ١: ١٨٦ برقم ١٥٨٤، تهذيب التهذيب ٧: ٢٦٨ ت ٥٢١، تاريخ دمشق ٤١: ٣٦٠ ت ٤٨٧٥.

٢- تاريخ أهل البيت: ٧٨، شرح الأخبار ٣: ٢٧٥، أعيان الشيعة ١: ٦٢٩، عن طبقات ابن سعد ‏‏٥: ٢١١، تاريخ الأئمّة للبغدادي: ٢٩، المقتنى في سرد الكنى ١: ١٨٦ برقم ١٥٨٤، رجال صحيح البخاري ‏‏٢: ٥٢٧ ت ٨١٧، تاريخ دمشق ٤١: ٦٣٠ ت ٤٨٧٥.

٣- المناقب ٣: ٣١٠، إعلام الورى ١: ٤٨٠، فهرست منتجب الدين: ٣٠، جامع المقال: ١٨٤.

٤- دلائل الإمامة: ١٩٢، تاريخ الأئمة للبغدادي: ٢٩، ألقاب الرسول وعترته: ٥٠، المقنعة للمفيد: ٤٧٢، ‏تاج المواليد: ٣٥، فهرست منتجب الدين: ٣٠، جامع المقال: ١٨٤، المناقب لابن شهرآشوب ٣: ٣١٠، ‏إعلام الورى ١: ٤٨٠، العدد القوية: ٥٨، كشف الغمة ٢: ٢٨٦، أعيان الشيعة ١: ٦٢٩، التعديل والتجريح ‏‏٣: ٩٥٦، تهذيب التهذيب ٧: ٢٦٨ ت ٥٢١، رجال صحيح البخاري ٢: ٥٢٧ ت ٨١٧، تاريخ دمشق ‏‏٤١: ٣٦٠ ت ٨٤٧٥، الطبقات الكبرى ٥: ٢١٣.

٥- تاريخ دمشق ٤١: ٣٦٠ ت ٨٤٧٥، سير أعلام النبلاء ٤: ٣٨٦، تاريخ الإسلام ٦: ٤٣٦.

٦- السيوطي في طبقات الحفاظ: ٣٧ برقم ٦٩، تهذيب التهذيب ٧: ٢٦٨ ت ٥٢١، تهذيب الكمال ٦: ٣٩٥ ‏ت ١٣٢٣.

٧- إسعاف المبطّا: ٢١.

٨- المناقب ٣: ٣١٠، شرح الأخبار ٣: ٢٥٣.

٤٦٩

الخيرتين(١) ، ووجود هذه الكنى الكثيرة له، واشتهاره ببعضها في كتب الحديث ‏والأنساب مع نَفْي الناقل الأوّل لخبر الكنية وهو الخصيبي (ت ٣٣٤) بقوله: (ولم تصح ‏هذه الكنية) وتأكيد ابن جرير الطبري الشيعي، وصاحب المجدي بأن الأول هو الصحيح ‏والأثبت والأشهر.

كل هذه الاُمور تشكّكنا في قبول كون هذه الكنية موضوعة عليه من قبل أهل البيت أو ‏الطالبيين، لأ نّا لا نرى تكنية الإمام السجاد بهذه الكنية في كتب الحديث والأنساب، وبذلك ‏فالقول بأ نّها من وضع الآخرين هو الأقرب.

ورابعاً: إنّ التكنّي عند العرب تارة تكون من قبل الأب، وأخرى من قبل الأم أو ‏الجد، وقد تكون من قبل أهل البلد، أو السلطان أيضاً، فقد يكون أتباع النهج الحاكم أطلقوا ‏على الإمام كنية مَن يحبّونه، بزعم تشابههما في بعض الصفات والسمات !!‏

وقد رأينا كثيراً من الناس يطلقون اسم عمر على بعض الأشخاص لتشبيههم سلوكه ‏بسلوك عمر.

فكأنَّ أهل الشام أو بعض أهل المدينة - من أتباع أبي بكر - أطلقوا هذه الكنية على ‏الإمام حبّاً به، ولتقارب سماته مع سمات من يحبونه - بالطبع حسب زعمهم - وهذا ليس ‏بعزيز في كتب التاريخ والرجال.

فأهل العراق كنّوا عثمان بن عفان بأبي عمرو القرشي، في حين أنّ كنيته كانت عند ‏أهل المدينة (أبو عبدالله); كُنّي باسم ابنه من رقية ربيبة رسول الله(٢) .

وجاء في كتاب (الثقات) بأنّ عطاء بن يسار قدم الشام وكان أهلها يكنّونه ‏

____________________

١- المناقب لابن شهرآشوب ٣: ٣٠٤، الوافي بالوفيات ٢٠: ٢٣١ ت ٣٢١، وفيات الأعيان ٣: ٢٦٧ ت ‏‏٤٢٢، نثر الدر ١: ٢٣٢، كشف الغمة ٢: ٣١٨، الكامل للمبرد ٢: ٩١، الكافي ١: ٤٦٧، تاريخ الأئمّة ‏للبغداديّ: ٢٤، الهداية الكبرى: ٢١٤.

٢- تاريخ دمشق ٣٩: ١٢.

٤٧٠

بأبي عبدالله، وقدم مصر وكان أهلها يكنّونه بأبي يسار(١) .

وفي العلل للدارقطني وتهذيب الكمال أن أبا محمّد الهذلي الكوفي كان يكنّى من قبل ‏أهل البصرة بأبي المورع(٢) .

وفي تاريخ بغداد أنّ أحمد بن الحسين بن عيسى كان يكنّى بأبي بكر، ثمّ كناه الناس ‏بأبي الحسن وغلبت عليه(٣) .

وفي تاريخ الإسلام: أنّ نصر بن الحسين بن القاسم كان يكنّى بأبي ليث، فلمّا قدم ‏مصر كنّي بأبي الفتح(٤) . فلا يستبعد أن يكون بعض أهل المدينة أو أهل الكوفة أو أهل ‏الشام كنوه بهذه الكنيه.

وخامساً: أنّ إطلاق كنية ‏(‏أبي بكر‏)‏ على الإمام السجاد لا تّتفق مع ما قدّمناه من كون ‏أسمائهمعليهم‌السلام وكناهم إلهيّة، فإنّك لو ألقيت نظرةً فاحصةً على أسماء المصطفين ‏من الأنبياء والأوصياء لَما رأيت بين أسمائهم وكناهم من كُني أو سمى باسم أحد الحيوانات ‏و إن كانت من خيار الحيوان; لأنّ ذلك لا يتطابق مع اشتقاقها من المفاهيم الربانية ‏الإلهية.

وسادساً: إنّ التكنية بأبي بكر هي أَولى بالإمامين الباقر والصادق لا الإمام الس-جاد، ‏لأنّ كتب التراجم ذك-رت بأنّ الإمام الباقر قد ت-زوّج اُم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي ‏بكر، واُمها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر.

فأبو بكر هو جدّ الإمام الصادق وجدّ زوجة الإمام الباقر (اُم فروة).

وبذلك تكون هذه الكنية أقرب إلى الصادِقَيْن من غيرهما، لكنّ القوم لم يقولوا بذلك بل ‏حصروا الأمر بكلّ من اسمه علي من المعصومين، وفي هذه ‏

____________________

١- الثقات ٥: ١٩٩.

٢- علل الدارقطني ٤: ١٩٧، تهذيب الكمال ٣٤: ٢٦٣.

٣- تاريخ بغداد ٤: ٩٣.

٤- تاريخ الإسلام ٣٣: ١٩٢ - ١٩٣.

٤٧١

الملازمة التفاتة يجب الوقوف عندها والتأمل في معانيها(١) .

وسابعاً: لماذا وضعت كنية (أبي بكر) لمن اسمه (علي) بين ولد الإمام علي بن أبي ‏طالب المعصومين فقط ؟!‏

فلماذا لا يكنّى الحسن أو الحسين أو الباقر أو الصادق أو الكاظم أو الجواد أو ‏العسكريعليهم‌السلام بهذه الكنية ؟

فهل جاءت هذه الكنية عفويّة أُم هي كُنى مزوّرة مقصودة؟ كل ذلك مع ‎

الأخذ بنظر الاعتبار التشكيك بوجود هذه الكنية لهمعليهم‌السلام في كتب الحديث ‏الشيعية ؟

ألا يؤكّد ذلك أ نّهم أرادوا بهذا العمل أن يقاربوا بين أبي بكر وعلي ؟! وهذا تساؤل ‏ندعو القارئ للإجابة عليه !!‏

‏٢ - الإمام علي بن موسى الرضا وتكنيتهم إيّاه بأبي بكر ؟

إنّ مستند هذه التكنية نص واحد ذكره أبو الفرج الاصفهاني (ت ٣٥٦ ه-) حسبما ‏وقفت عليه; إذ قال في ترجمة الإمام علي بن موسى الرضا: ‏(‏ويكنّى أبا الحسن وقيل: ‏يكنّى أبا بكر.

قال أبو الفرج: حدثني الحسن بن علي الخفّاف، قال: حدثنا عيسى بن ‏

____________________

١- وبهذا فلا يستهجن ما جاء عن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر في تأويل قوله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ ‏اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا) قالعليه‌السلام : يا جابر أما السنة فهي جدي رسول الله، وشهورها اثنا عشر شهراً ‏اثنا عشر إماماً حجج الله في خلقه وأمناؤه على وحيه وعلمه، والأربعة الحرم الذين هم الدين القيم، أربعة ‏يخرجون باسم واحد: علي أمير المؤمنين، وأبي عليُّ بن الحسين، وعليُّ بن موسى، وعليُّ بن محمّد ...) الغيبة ‏للطوسي: ١٤٩ / ح ١١٠، والهداية الكبرى: ٣٧٧، وروى مثله النعماني في كتاب الغيبة: ٩٠، والجوهري ‏في مقتضب الأثر: ٣٠ بسندهما عن داود بن كثير الرقي قال: دخلت على جعفر بن محمّد عن صحيفة ورثها ‏عن آبائهعليهم‌السلام .

٤٧٢

مهران، قال، حدّثنا أبو الصلت الهروي، قال: سألني المأمون يوماً عن مسألة، ‏فقلت: قال فيها أبو بكر كذا وكذا.

قال ‏ ‎ المأمون ‎‎ ‏: من ‏ ‎‎ هو ‎‎ ‏ أبو بكر ! أبو بكرنا أو أبو بكر العامّة ؟

قلت: أبو بكرنا.

قال عيسى: قلت لأبي الصلت: من أَبُو بكركم ؟ فقال: علي بن موسى الرضا(١) ‏‏.

وهذا النص يؤكد مدّعانا بأنّ إطلاق كنية ‏(‏أبي بكر‏)‏ على الأئمّة كانت من قبل ‏المتسبصرين أو من لَهُ اختلاط معهم لا من قبل الطالبيين.

فقد قال الشيخ في رجاله عن أبي الصلت: أ نّه عامّي(٢) ، وتبعه على ذلك العلاّمة في ‏الخلاصة(٣) ، ويستفاد من أحد خَبَرَي الكشي أ نّه كان مخالطاً للعامة وراوياً ‏لأخبارهم(٤) .

وقال التفرشي في نقد الرجال: ثقة إلاّ أ نّه مختلط بالعامة وراو ‎

لأخبارهم كما يظهر من كلام الكشي، وكلام الشهيد الثاني في حاشيته على ‎

الخلاصة(٥)

إذن هذه الكنية هي من إطلاق الآخرين عليه ولا تصحّ بنظرنا لعدة ‎

اُمور:‏

الأول: إنّ المشهور في كتب الحديث وتراجم الرجال الشيعية هو تكنيته بأبي ‏

____________________

١- مقاتل الطالبيين: ٣٧٤.

٢- رجال الطوسي: ٣٦٠ / ت ١٤ في أصحاب أبي الحسن الثانيعليه‌السلام .

٣- خلاصة الأقوال: ٤٢٠/ ت ٦.

٤- رجال الكشي ٢: ٨٧٢، ح ١١٤٨، ١١٤٩.

٥- نقد الرجال ٣: ٦٠/ ت ٢٩١٢.

٤٧٣

الحسن الثاني(١) ، أو أبي الحسن(٢) ، أو أبي الحسن الخراساني(٣) ، أو أبي ‏علي(٤) ، أو أبي القاسم(٥) ، أو أبي محمّد(٦) ، وأبي إسماعيل(٧) وليس فيها أ نّه كُنِّي ‏بهذه الكنية ولو لمرّة واحدة.

الثاني: إنّ كنية ‏(‏أبي بكر‏)‏ لا تتفق مع ما جاء في الكافي(٨) وعيون أخبار ‏الرضا(٩) ، عن الإمام الكاظم أ نّه قال: إنّي قد نحلته كنيتي، ولا يخفى عليك بأنّ كنية ‏الإمام الكاظم هي ‏(‏أبو الحسن‏)‏.

وثالثاً: إنّ كنية ‏(‏أبي بكر‏)‏ لا تتجانس مع كُنى المعصومين الإلهيّة حسبما قلناه قبل ‏قليل.

ورابعاً: إنّ قول أبي فرج الاصفهاني ومن أخذ عنه جاءت على سبيل التمريض لقوله ‏‏(و يُكنَّى أبا الحسن، وقيل: يكنّى أبا بكر)، ثم ذكر مستند كلامه.

____________________

١- جامع المقال: ١٨٤ - ١٨٥، مجمع الرجال ٧: ١٩٣، منتهى المقال: ٦ حجرية، و ١: ٢٥ المحققه، تاج ‏المواليد: ٤٨، رجال الطوسي: ٣٣٩ ت ٥٠٤٠، الرسائل الرجالية للكلباسي ٢: ١٥، ١٧٧، معجم رجال ‏الحديث ١٣: ٢٠٤ ت ٨٥٤٧، ألقاب الرسول وعترته: ٦٣.

٢- الهداية الكبرى: ٢٧٧، ألقاب الرسول وعترته: ٦٦، تاج المواليد: ٤٨، عمدة الطالب: ١٩٨، سر ‏السلسلة العلوية: ٣٨، المجدي: ٣٢٢، الإمامة والتبصرة: ١١٤، تهذيب الأحكام ٦: ٨٣، تاريخ ‏الأئمّة: ١٢، الفصول المهمة ٢: ٩٦٩ - ٩٧٠، المناقب ٣: ٤٧٥، دلائل الإمامة ٣٥٩، كشف الغمة ‏‏٣: ٥٣، المقنعة للمفيد: ٤٧٦، جامع المقال: ١٨٤، مجمع الرجال ٧: ١٩٣، منتهى المطلب ٢: ٨٩٤، ‏معجم رجال الحديث ١٣: ٢٠٤ ت ٨٥٤٧، الوافي بالوفيات ٢٢: ١٥٤ ت ٤، اللباب في تهذيب الأنساب ‏‏٢: ٣٠.

٣- رجال الكشي ١: ٣٥٧ برقم ٢٢٩، ٢: ٧٣٠ برقم ٨٠٩، الرسائل الرجالية للكلباسي ٢: ١٨٧، تفسير ‏العياشي ١: ٣٣٠، ٣٥٦.

٤- المناقب ٣: ٤٧٥.

٥- منتهى المطلب ٢: ٨٩٤، تحرير الأحكام ٢: ١٢٤.

٦- دلائل الإمامة: ٣٥٩، الهداية الكبرى: ٢٧٩.

٧- تاريخ مواليد الأئمّة لابن الخشاب البغدادي: ٣٦.

٨- الكافي ١: ٣١١ و ٣١٣ / ح ١ و ١٠.

٩- عيون أخبار الرضا ٢: ٣١/ ح ٢.

٤٧٤

وخامساً: قد يكون أبا الصلت كّناه بذلك تقية، أو استمالة لقلوب الآخرين.

سادساً: قد يكون المأمون العباسي - وهو المعروف بالدهاء - كنّاه بذلك ليجمع بين ‏الشيعة والعامّة بعد البيعة بولاية العهد للرضاعليه‌السلام وسخط كثير من العباسيين على ‏تلك البيعة فكأنّ المأمون أراد تقريب وجهات النظر بين الطرفين، فكنّى المكنّى ب- ‏(‏ أبي ‏الحسن ‏)‏ ب- ‏(‏ أبي بكر‏)‏ جمعاً بين رمزَي الخلافة الظالمة والإمامة المظلومة، وتقريباً ‏لأطراف النزاع، وحفاظاً على ملكه، وتنفيذاً لخط-طه ومآربه.

‏٣ - الإمام علي بن محمّد الهادي وتكنيتهم إيّاه بأبي بكر ؟

لم أقف في كتب الرجال والتراجم على وجود هذه الكنية لهعليه‌السلام ، بل هي ‏معلومة خاطئة ادّعاها بعض الجاهلين أو المغرضين من أعداء الشيعة، محيلاً إلى بعض ‏المصادر التاريخية والحديثية، لكنّي بمراجعة تلك الكتب وقفت على سقم كلامه، وأنّ ليس ‏هناك من ادّعى هذا القول قبله، فقد يكون الأمر اختلط عليه فنسب ما هو محكي عن الإمام ‏السجاد إلى الإمام الهادي، وقد يكون مغرضاً في احالاته للمصادر، والثاني هو الأقرب ‏إلى نفسيّة أمثال هؤلاء.

ولو كان حقاً فهو يخالف المتواتر عند فقهاء ومحدّثي أهل البيت بأنّ كنيتهعليه‌السلام ‏هي أبو الحسن(١) ، وأبو الحسن الأخير(٢) ، وأبو الحسن الثالث(٣) ، ‏

____________________

١- المناقب ٣: ٥٠٥، دلائل الإمامة: ٤١١، جامع المقال: ١٨٤، منتهى المقال ١: ٢٥ (المحققه)، ملخّص ‏المقال: ٥، مجمع الرجال ٧: ١٩٣، الهداية الكبرى للخصيبي: ٣١٣، المقنعة للمفيد: ٤٨٥، منتهى المطلب ‏‏٢: ٨٩٥، تاج المواليد: ٥٤، الوافي بالوفيات ٢٢: ٤٨ ت ٣، اللباب في تهذيب الأنساب ٢: ٣٤٠، التدوين ‏في أخبار قزوين ٣: ٤٢٥، المنتظم ١٢: ٧٤ ت ١٥٦٢، تاريخ الإسلام ١٨: ١٩٩، ١٩: ٢١٨، أنساب ‏السمعاني ١: ٨٥.

٢- نوادر المعجزات: ٥٧، الرسائل الرجالية ٢: ١٩٠، مجمع النورين: ١٨١.

٣- المناقب ٣: ٥٠٥، إعلام الورى: ١٠٩، كشف الغمة ٣: ١٩٠، جامع المقال: ١٨٥، تاج ‏المواليد: ٥٤، مجمع الرجال ٧: ١٩٣، منتهى المقال ١: ٢٥ (المحققة)، الرسائل الرجالية للكلباسي ‏‏٢: ١٧٧، مصباح المتهجد: ٣٦٧، ألقاب الرسول وعترته: ٦٣، ٧٣، رجال الطوسي: ٣٨١، خلاصة ‏الأقوال: ٦٢، ١٠٠، ١٤٢، ٢٤١.

٤٧٥

وأبو الحسن صاحب العسكر(١) ، وأبو الحسن العسكري(٢) ، وابن الرضا(٣) ، في ‏حين أكّد الخصيبي في الهداية الكبرى(٤) ، وابن شهرآشوب في المناقب(٥) ، ‎

وابن الصبّاغ في الفصول المهمة(٦) ، وغيرهم بأنّ كنية الإمام الهادي أبو الحسن ‎ لا غير.

دعوى تكنية الإمام الحجةعليه‌السلام بأبي بكر‏

ونحن لو أضفنا إلى هذا ما قلناه سابقاً من استبعاد وجود هذه الكنية للإمامين السجاد ‏والرضا لثبت كذب مدعيات القائل، وأنّها لا تتطابق مع نظرية الاصطفاء الإلهي للأئمّة، ‏بل لزوم السمّو بهم عن وضع أسماء الحيوانات عليهم.

‏ وهناك قول يتيم واستنتاج غير صحيح للمحدّث النوري أراد أن ينتزعه من كلام ‏وقف عليه في كتاب قديم اصطلح عليه ب- (المناقب القديمة); حيث قال عن ذلك الكتاب: ‏‏(‏يشتمل على مجمل أحوال الأئمّة، ولم يعلم لحد الآن مؤلفه، وقد نقل هذه الرواية ‏أيضاً(٧) ، وذكر ألقاباً كثيرة له، ونحن نعبّر عنه (بالمناقب ‏

____________________

١- مصباح المتهجد: ٨٠٥، كفاية الأثر: ٢٨٩، رجال الكشي: ٢٩٠، رجال النجاشي: ٤٤، ١٦١، نقد ‏الرجال ٢: ٢٢١، اعلام الورى ٢: ٢٤٧، عوالي اللئالي ٣: ٢٨٥، خاتمة المستدرك ٤: ٤٠٤.

٢- الإمامة والتبصرة: ١١٨، فقه الرضا لابن بابويه: ٢٩، الكافي ١: ٣٢٦، ٣٣٢، علل الشرايع ‏‏١: ٢٤٥، عيون أخبار الرضا ٢: ٢٨٢، الغيبة للطوسي: ٨٢، وغيرها.

٣- إعلام الورى: ١٢١، دلائل الإمامة: ٤١٩، الكافي ١: ٥٠٢ ح ٨.

٤- الهداية الكبرى: ٣١٣.

٥- مناقب بن شهرآشوب ٣: ٥٠٥.

٦- الفصول المهمة، لابن الصباغ ٢: ١٠٦٤.

٧- قد يعني المحدث النوري بكلامه ما ذكره الخصيبي وغيره بأنّ للإمام الحجة كنية أحد عشر إماماً من آبائه ‏ومن عمه الحسن بن علي السبط أيضاً. ومن خلال نقله لهذه الرواية أراد أن يثبت ما قيل في كنية الإمامين ‏السجاد والرضا وتطبيق ذلك على الإمام الحجة، وهذا استنتاج باطل; إذ لم تثبت هذه الكنية للإمام السجّاد أو ‏الرضا حتى يجعلها للإمام الحجة.

٤٧٦

القديمة)، وطبق هذا الخبر سوف تكون من ألقابه: الثاني عشر: أبو الحسن، الثالث ‏عشر: أبو تراب، والكنيتان لأمير المؤمنين ...، الرابع عشر: أبو بكر، وهي إحدى كُنّى ‏الإمام الرضا كما ذكرها أبو الفرج في مقاتل الطالبيين، الخامس عشر: أبو صالح ...‏)‏(١)

وهذا الكلام غير صحيح أيضاً، لأنّ مسألة التسميات أَخذت طابعها الخاص من بعد ‏شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ثمّ نضجت في عهد الإمام الحجة، لكن بالكناية ‏والتاويل، لا بالتصريح; لأن الخلفاء الأمويين ومن بعدهم العباسيين كانوا لا يرتضون ‏الجمع بين الاسم والكنية معاً، فلا يجيزون لمسلم أن يُسَمَّى بعلي و يكنّى بأبي الحسن، ‏لاعتقادهم بأ نّه دالٌّ على المحبة، وقد مر عليك نهي عبدالملك بن مروان علي بن عبدالله ‏بن عباس عن ذلك، وألزمه أن يغيّر أحدهما، فغيَّر الكنية دون الاسم، وقد غير البحتري ‏كنيته من أبي الحسن إلى أبي عبادة ارضاءً للمتؤكل العباسي.

وعلى ضوء هذه المجريات والأحداث، ووقوفنا على تجريح الأئمّة للخلفاء الثلاثة ‏كنائياً، فلا نقبل تكنية الهاشميين للأئمة بهذه الكنية، وخصوصاً حينما نقف على المحكيّ ‏عن أبي محمّد العسكري أ نّه قال لعثمان بن سعيد العَمْري - بفتح العين -: لا يجتمع على ‏أمرئ بين عثمان وأبي عمرو، وأمر بكسر كنيته فقيل العمري(٢) ، ويضاف إلى هذا أنّ ‏الثابت عند الجميع أنّ رسول الله قال عن الإمام ‏

____________________

١- النجم الثاقب: ١٧٢، أعيان الشيعة ٢: ١٣.

٢- الغيبة للشيخ الطوسي: ٣٥٤، خلاصة الأقوال: ٢٢٠ - ٢٢١.

٤٧٧

الحجة بأنّ اسمه اسم رسول الله وكنيته كنية رسول الله(١) .

فلو كانت كنيته هي كنية رسول الله وكنية عمه الحسن السبط والأحد عشر ‎ من آبائه بَدْءاً من رسول الله إلى الإمام العسكري، فهل هو بحاجة إلى ‎ كنية أخرى ؟ إلاّ أنّ يكون الأخرون قد أحتاجوا إليها فوضعوها عليه طبقاً ‎ لاهوائهم.

أجل، نحن أكّدنا أكثر من مرة على أنّ القوم كانوا يسعون لتحريف الأمور وسرقة ‏الألقاب، فقد منحوا ابن أبي قحافة لقبَ الصدّيق جزافاً(٢) ، كما أ نّهم رووا حديثاً عن ‏مشاهدات النبي في المعراج وأ نّه رأى على العرش مكتوباً ‏(‏لا إله إلاّ الله، محمّد رسول ‏الله، أبو بكر الصديق‏)‏، وحين سمع الإمام الصادق هذا الخبر استاء وقال: سبحان الله ‏غيَّروا كل شيء حتى هذا(٣) !!‏

ومن هذا الباب جاء تغيير الأسماء و إطلاق الكنى على أهل البيت وأولادهم، فقد ‏غيروا اسم عمرو بن الحسن إلى عمر بن الحسن، ثم قالوا بوجود عمر بن الحسين، ‏وكنّوا عمر الأطرف - خلافاً للمشهور في كنيته (أبو القاسم) - بأبي حفص، وجعلو المكنّى ‏بأبي بكر من ولد الإمام علي اسمه عتيقاً مقارنةً بين ‎

الاسم والكنية، وادعوا أيضاً بأن أبا بكر هو اسم لولد علي والحسن والحسين ‎ فقالوا:‏

‏١ - أبو بكر بن علي بن أبي طالب.

‏٢ - أبو بكر بن الحسن السبط.

‏٣ - أبو بكر بن الحسين الشهيد.

____________________

١- دعائم الإسلام ٢: ١٨٨، كمال الدين: ٢٨٦، كفاية الأثر: ٦٧، ٨٣، مستدرك الوسائل ١٥: ١٣٣.

٢- هذا ما وضحناه في رسالتنا (من هو الصديق ومن هي الصديقة).

٣- الاحتجاج ١: ٢٣٠، وعنه في مدينة المعاجز ٢: ٣٧٦.

٤٧٨

كل ذلك لتوثيق الصلة بين الآل والخلفاء، في حين ليس بأيدينا نصٌّ واحد ولو كان من ‏ضعاف الأخبار يشير إلى أنّ الأئمّة أطلقوا هذه الكنية على أنفسهم أو على أولادهم.

والآن لندرس ما حكوه عن الإمام الصادق - ترسيخاً لما ادّعوه في تكنية ابن أبي قحافة ‏بأبي بكر - من أنّ الإمام قَبِلَ هذه الكنية له، لأ نّه قال: ما أرجو ‎

من شفاعة علي شيئاً إلاّ وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله، ولقد وَلَدَني ‎ مرّتين(١) .

الإمام الصادق وانتسابه إلى ابن أبي قحافة‏

نحن لا ننكر اتّصال الإمام الصادق بابن أبي قحافة من جهة الأم(٢) ، لكنّا في الوقت ‏نفسه نشكّ في صدور هذا الخبر وأمثاله عنه، لأنّ شرف الانتساب إلى النبيّ هو الشرف ‏الذي ما فوقه من شرف، فلو كان الإمام ذكر ذلك لكان دفعاً ‎ للشرّ أو تأليفاً للقلوب، لأ نّه ليس من المعقول أن يقرن الإمام الصادق بين ‎ الإمام عليعليه‌السلام - الذي لم يسجد لصنم قط وهو من المطهّرين بنص الآية - مع‏ ‎ مَن عبد الأصنام لفترة والمسمّى بعبد الكعبة أو عتيقاً في الجاهلية، ويرجو ‎ شفاعته ؟

وهل منزلة الذي ولد في الكعبة وقُتل في المحراب تقاس بالذي لا يعرف عنه أ نّه قتل ‏رجلاً من المشركين.

وهل يمكن مقايسة قوم لم يشتهروا بالفضيلة، مع قوم أذهب الله عنهم الرجس ؟

____________________

١- تهذيب الكمال ٥: ٨٢، تذكرة الحفاظ ١: ١٦٧، سير أعلام النبلاء ٦: ٢٥٩.

٢- و إن كان هناك من ينكر صحة ذلك، كصاحب كتاب ‏(‏ذخر العالمين في شرح دعاء الصنمين‏)‏.

٤٧٩

وكيف يتطابق هذا مع ما جاء عن الصادقعليه‌السلام توريةً حينما سئل عن أبي بكر ‏وعمر فقال: كانا امامين قاسطين عادلين، كانا على الحق وماتا عليه، فرحمة الله عليهما ‏يوم القيامة.

فلمّا خلا المجلس قال له بعض أصحابه: كيف قلت يابن رسول الله ؟

فقال: نعم، أما قولي: كانا إمامين، فهو مأخوذ من قوله تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ‏يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ).

وأ مّا قولي: قاسِطَيْن، فهو من قوله تعالى (وَأَ مَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً).

وأ مّا قولي: عادلين، فهو مأخوذ من قوله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).

وأ مّا قولي: كانا على الحقُّ; فالحق علي، فهما قد تظاهرا عليه.

وقولي: ماتا عليه، المراد أ نّها لم يتوبا عن تظاهرهما عليه، بل ماتا على ظلمهما ‏إيّاه.

وأ مّا قولي: فرحمة الله عليهما يوم القيامة، فالمراد أنّ رسول الله ينتصف له منهما، ‏أَخْذاً من قوله تعالى (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(١) .

بل إنّ هذا القول المدَّعى صدوره عن الإمام الصادق يخالِف صريحاً ما ثبت عن أمير ‏المؤمنينعليه‌السلام من قوله في الخطبة الشقشقية: ‏(‏متى اعترضَ الريبُ فِيَّ مع الأوّل ‏منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر‏)‏(٢) ؟! إذ لم يعترض الريب في أمير المؤمنين ‏بأنّ أبا بكر ليس كفواً له ولا نظيراً له، فكيف يساوي ويقارن بينهما الإمام الصادقعليه‌السلام ؟!‏

____________________

١- بحار الأنوار ٣٠: ٢٨٦ ح ١٥٠.

٢- نهج البلاغة:‏

٤٨٠