التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 166385
تحميل: 7324

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166385 / تحميل: 7324
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

وذؤالة(١) ، ورويفع(٢) ، وزنباع(٣) ، وزنيم(٤) ، وسحيم(٥) ، وسخبرة(٦) ، ‏وسخرور(٧) ، وشعبل(٨) ، وعثعث(٩) ، ودعثور(١٠) ، وعداس(١١) ، وعرام(١٢) ، ‏إلى غيرها من عشرات الأسماء، وغالبها أسماءٌ غير مأنوسة، وقد تكون في بعض ‏الأحيان قبيحة.

وقد يسمّي العربي نفسه وابنه بالصفات فيقال: الأسود بن أبيض(١٣) ، وأبيض بن ‏أسود(١٤) وأبيض بن حمّال(١٥) وأسمر بن أبيض(١٦) و ...‏

وعليه فالتسمية عند العربي هي إمّا طبق إحدى الاحتمالات الخمسة التي قالها ‏الجاحظ.

أو هي مبتنية على احتمالات أخرى: كالارتجال، وكإخافة العدوّ، وكتسمية الشيء ‏بضِدِّه، وأمثالها. ولولا نهي الرسول عن التسمية بالأسماء القبيحة والمهملة ‏

____________________

١- ذؤالة بن عوقلة اليماني، انظر الاصابة ٢: ٤٠٥ ت ٢٤٣٧.

٢- رُويفع مولى النبي، انظر الاصابة ٢: ٥٠١ ت ٢٧٠٢.

٣- زِنباع بن سلامة، له صحبة، انظر الاصابة ٢: ٥٦٨ ت ٢٨١٩.

٤- زنيم قيل له صحبة، انظر الاصابة ٢: ٥٧٠ ت ٢٨٢١.

٥- سُحيم بن خفاف له صحبة، انظر الاصابة ٢: ٣٥ ت ٣٠٩٧.

٦- سَخبَرة بن عبيدة الاسدي روى عن النبي، انظر الاصابة ٣: ٣٦ ت ٣١٠١.

٧- سخرور بن مالك الحضرمي، يقال: له صحبة، انظر الاصابة ٣: ٣٦ ت ٣١٠٢.

٨- شعبل بن أحمر التميمي يقال: له صحبة، انظر الاصابة ٣: ٣٥٠ ت ٣٩١٦.

٩- عثعث بن عمرو الكندي، انظر الاصابة ٥: ١٢٢ ت ٦٤١٨.

١٠- دعثور بن الحارث، شهد مع النبيّ غزوة أنمار، انظر الاصابة ٢: ٣٨٧ ت ٢٣٩٨.

١١- عداس مولى شيبة بن ربيعة، انظر الاصابة ٣: ٤٦٦ ت ٥٤٧٢.

١٢- عرام بن المنذر، انظر الاصابة ٥: ١٢٣ ت ٦٤٢٢.

١٣- انظر الاصابة ١: ٦٧ ت ١٤٦.

١٤- انظر الاصابة ١: ٢٣ ت ١٨.

١٥- انظر الاصابة ١: ٢٣ رقم ١٩.

١٦- انظر الاصابة ١: ٦٧ ت ١٤٥.

٤١

لبقيت هذه الأسماء عندنا ولحدّ اليوم، وانّ عدم وجودها اليوم هو من بركة النبيّ ‏الاعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والآن لنتكلّم بعض الشيء عن الاسم وأصل اشتقاقه من أيّ شيء سيكون، وهل هو ‏من ( سما يسمو )، أي يلحظ المعنى فيه مع العلمية، أو قل: غلبة المعنى على العلمية.

أم أنّ دلالته على العلمية والعلامة فقط ؟

وكيف كانت نظرة رسول الله وأئمة أهل البيت إلى الأسماء، وهل أ نّهم يسمون بأسماء ‏مخالفيهم أم لا ؟

بل ما هي الاطر التي تتأطر بها التسميات عندهم. بل ماذا تعني أسمائهمعليهم‌السلام ، وأ نّها تدخل ضمن أي الأقسام التي سنبينها.

وهل أن هذه الأسماء كانت موجودة في الجاهلية.

أم أ نّها حادثة جاءت مع مجي الإسلام ؟

اشتقاق الاسم ارتجالي أم معنوي ؟

لا أقصد بكلامي المعنى المصطلح للاسم عند الصرفيين والنحاة; إذ المنقول هو قبال ‏المرتجل لا المعنوي، لكنّي هنا أردت بيان حالة العرب واقرارها للأسماء القبيحة، ‏والمهملة - التي لا معنى لها - لأنَّ العَلَمَ المرتجل هو ما وضع لشيء لم يسبق له استعمال ‏قبل العلمية، والمنقولَ هو ما استعمل قبل التسمية في غيرها ثمّ نقل إليها، وهو الغالب في ‏الأعلام.

ف- ‏(‏ أَسَد ‏)‏ مثلاً منقول عن الحيوان إلى الإنسان، أو أ نّه منقول عن صفة نحو كريم، ‏وكلاهما يمكن لحاظ المعنى فيه، لكن بفارق أنّ الذي يلحظ المعنى في الألفاظ أكثر من ‏الذي يأخذها ارتجالاً.

٤٢

وقد اختلف النحاة في أصل اشتقاق الاسم، فذهب الكوفيّون إلى أ نّه مشتقّ من ‏(‏ وَسَمَ ‏يَسِمُ‏)‏، والوسم: هو العلامةُ، والعلامة عندهم تغلب على السُّمُوُّ والرفعة في المعنى.

وذهب البصريون إلى أ نّه مشتق من ‏(‏ سما يسمو ‏)‏، والسموّ: هو العلوّ والرفعة.

وبذلك يكون أصل الاسم على رأي الكوفيين ‏(‏ وَسْماً ‏)‏ حذفت فاؤه - التي هي الواو - ‏وعوّض عنها الهمزة، وإنّما سُمّي اسماً; لأ نّه سمة وعلامة توضع على الشيء، يعرف ‏بها.

وأ مّا البصريون فأخذوه من السُّمُوّ على وزن العُلُوّ والغُلُوّ، ثم حذفت لامه - التي هي ‏الواو - وعوّض عنها الهمزة في أوله، وسمي اسماً; لأ نّه ‎

سما بمسمّاه فرفعه وكش-ف معناه، وقيل: سمّي بذلك لعلوّه على قس-يميه -الفعل والحرف‏-.

قال ابن دريد في مقدِّمة كتابه الاشتقاق: وكان الذي حدانا على إنشاء هذا الكتاب أنّ ‏قوماً ممن يَطعنُ على اللسان العربي و ينسب أهله إلى التسمية بما لا اصل له في لغتهم، ‏و إلى ادِّعاء ما لم يقع عليه اصطلاح من أوَّليَّتهم، وعدّوا أسماء جهلوا اشتقاقها ولم ينفذ ‏علمهم في الفحص عنها، فعارضوا بالإنكار، واحتجّوا بما ذكره الخليل بزعمهم(١) .

وكان ابن دريد قد قال قبله عن الجاهليين العرب: ‏(‏لهم مذاهب في أسماء أبنائهم ‏وعبيدهم وأتلادهم، فاستشنع قوم - إمّا جهلاً و إمّا تجاهلاً - تسميتهم كلباً وكُليباً وأكلُبَ، ‏وخنزيراً وقرداً، وما أشبه ذلك، مما لم يُسْتَقْصَ ذكره، فطعنوا من حيث لا يجب الطعن، ‏وعابوا من حيث لا يُسْتنبط عيب، فشرحنا في كتابنا هذا ‏

____________________

١- الاشتقاق لابن دريد: ٤.

٤٣

أسماء القبائل والعمائر وأفخاذها وبطونها وتجاوزنا إلى أسماء ساداتها وثُنيْانِها ‏وشعرائها وفرسانها ...‏)‏(١) .

وعن أحمد بن أشيم، عن الرضاعليه‌السلام ، قال: قلت له: لم سموا [العرب ‏ ‎ ‎‎ ] ‎ أولادهم بكلب ونمر وفهد وأشباه ذلك ؟

قال: كانت العرب أصحاب حرب، فكانت تُهَوِّل على العدوّ بأسماء أولادهم، ‏ويسمّون عبيدهم: فرج، ومبارك، وميمون، وأشباه ذلك يتيمنون بها(٢) .

وعليه فالأسماء والكنى والألقاب وضعت عند العرب لدوافع مختلفة عندهم.

فقد يلقبون الاشخاص بالصائغ والاسكافي والبزاز لمهنتهم.

وقد يسمونهم بحجة الإسلام وشيخ الطائفة وسيد الأمة وزين العابدين لرفعة مكانتهم.

وقد يطلقون عليهم البغدادي والكوفي والقزو يني نسبة إلى بلدهم.

وقد يأتون باللقب والكنية لعاهة فيه فيقولون: الاعمش، والاحول، والبصير.

وقد يسمون و يكنون ويلقبون بالضد.

إذن المثقّفون من العرب كانوا يلحظون المعاني حين تسميتهم للأشياء، ولأجل ذلك ‏خاطبهم البارئ تعالى في محكم كتابه مبيِّناً خطأ تسميتهم للأصنام بعزّى وأمثالها في قوله ‏تعالى:( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَان ) (٣) ، ‏لأنّ تلك الأصنام ليست بعزيزة، ولا توصل من تعبَّد بها ‏

____________________

١- الاشتقاق لابن دريد: ٣.

٢- عيون أخبار الرضا ١: ٢٨١ ح ٨٩، معاني الأخبار ٣٩١ ح ٣٥ وعنه في وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٠ ح ‏‏٥.

٣- النجم: ٢٣.

٤٤

إلى العزة، فمن الخطأ البيّن أن يقال لها: عُزَّى.

ومن هذا القبيل الأسماءُ التي جاءت في القرآن أو جاء بها النبي، حيث إنّها أسماء ‏ملحوظ فيها المعاني لا محالة، بل إنّ إحدى أهداف الرسالة هي تغيير الوضع الجاهلي في ‏لغته وأفكاره وقيمه، و إنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله جدّ لتغيير الأسماء القبيحة ‏وتهذيبها، وخصوصاً التي تحمل مفاهيم خاطئة، كعبد العزّى، وعبدالكعبة، ‏وعبدالحارث، وعبد شمس; لأنّ الرّسول محمّد اًصلى‌الله‌عليه‌وآله بَدَأَ دعوته بمفاهيم ‏وقيم لم يعرفها الجاهليون، مع أ نّهم كانوا يتصوّرون بأنّ ما أتى به الرسول ما هو إلاّ ‏تحكيم لسلطانه، في حين أنّ الأمر لم يكن كذلك، بل كان يتعلّق بربّ العالمين والمقرَّرات ‏الإلهيّة.

فمن الطبيعي أن يكون للأسماء تأثير على سلوك الفرد سلباً أو إيجاباً، فلو تسمّى ‏شخص مثلاً باسم ‏(‏ عالم ‏)‏ و ‏(‏ مخترع ‏)‏ فإِن هذا سيؤثر على سلوكه للتعلّم أكثر كي يكون ‏مبدعاً لأمور جديدة، ومن هذا الباب جاء التأكيد على التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين، ‏ليقُتدى بهم والنهي عن التسمية بأسماء أعداء الدين لكي لا يغترّ أحد بالتشبّه بهم أو يتأثّر ‏بسلوكهم ومشاربهم.

وقد ورد عن الحسن البصري أ نّه قال:‏

إنّ الله ليوقف العبد بين يديه يوم القيامة اسمه أحمد أو محمّد، قال: فيقول الله تعالى ‏له: عبدي أما استحييت منّي وأنت تعصيني واسمك اسم حبيبي محمّد ؟ فينكس العبد رأسه ‏حياءً ويقول: اللهم إنّي قد فعلت [وندمت]، فيقول الله عزّ وجلّ: يا جبرئيل خذ بيد عبدي ‏وأدخله الجنّة فإنّي أستحي أن أعذّب بالنار من اسمه اسم حبيبي(١) .

وفي مستدرك وسائل الشيعة: إنّ رجلا يؤتى به في القيامة واسمه محمّد، ‏

____________________

١- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: ١٢٩.

٤٥

فيقول الله له: ما استحيت أن عصيتني وأنت سَمِيُّ حبيبي ! وأنا أستحي أن أعذّبك ‏وأنت سميُّ حبيبي(١) .

وعليه فأسماء الرموز الدينية تأخذ طابعاً مقدّساً فتكون كماهيّاتهم، فلا يجيز الفقهاء ‏مسّ الأسماء المقدَّسة كأسماء البارئ تعالى وأسماء الأنبياء والأوصياء إلاّ على طهر، أي ‏أنّ منزلتهم ومكانتهم تكون كالقرآن الذي( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٢) .

وكذلك هي الحال في الطرف المقابل بالنسبة إلى النهي عن التسمية بأسماء الأعداء، ‏فقد جاء النهي عنها، كي لا يطمع أحد أن يكون مَثَلاً مميَّزاً في الشَّرّ، ولا يكون كيزيد ‏والحجاج المخلَّدَيْن بأعمالهما الاجرامية.

والان يجب أن نتريث بعض الشي كي نرى هل التسمية بعمر قد اثرت على سلوكية ‏عمر الأطراف بن علي بن أبي طالب أم لا ؟

وهل يمكن تصنيف نزاعه مع ابناء أخوته: عبدالله بن الحسن، وعلي بن الحسين ‏السجاد، وعبيدالله بن العباس، والمطالبه بأرث اخوته ابناء أم البنين - مع وجودها ‏واستشهادهم قبل العباس بن علي في واقعة الطف - ضمن تأثيرات الاسماء; أم لا ؟

وفوق كُلِّ ذلك، لو تأمّلت في أسماء الخمسة أصحاب الكساء لرأيت وضعها لم يكن ‏اعتباطياً، فهي ليست أسماء ارتجالية، ولا مجرّد أسماءً ذوات معاني لغو يّة بحتة، بل ‏لوحظ فيها معاني إلهيّة سامية كذلك و إليك توضيح ‎

ذلك.

____________________

١- مستدرك ١٥: ١٣٠ ح ٤.

٢- الواقعة: ٧٩.

٤٦

أسماء النبي والأئمّة أسماء إلهيّة

فاسم ‏(‏ محمّد ‏)‏صلى‌الله‌عليه‌وآله لوحظ فيه المحمدة الإلهيّة، ففي الحديث القدسي: ‏فأنا المحمود وهو أحمد، ‏(‏ وقد سمّاه الله تعالى في كتابه محمّداً وأحمدَ ‏)‏، فأمّا اسمه أحمد ‏فهو على وزن ‏(‏ أَ فْعَل ‏)‏ مبالغة من صفة الحمد، ومحمّد ‏(‏ مُفَعَّل ‏)‏ مبالغة من كثرة الحمد، ‏فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله أجلُّ مَن حَمِدَ، وأفضل مَنْ حَمِدَ، أكثر الناس حَمداً، فهو أحمد ‏المحمودين، وأحمد الحامدين، ومعه لواء الحمد يوم القيامة، وبعثه ربّه مقاماً ‏محموداً(١) .

وكذا اسم عَلِيٍّعليه‌السلام مُشْتَقٌ من العُلَى الإلهي، فالله العالي اشتقَّ لذات ‏أميرالمؤمنين اسم ‏(‏ علي ‏)‏ من اسمه المقدَّس، ففي كليهما لوحظت المحمدة والعلوّ ‏الإلهيَّين.

واسما الحسن والحسين أيضاً لوحظ فيهما الحسن الإلهي، والدين الإسلامي يدعو إلى ‏كل حسن، ولهذا أَمَرَ رسولُ الله الناسَ بتحسين الأسماء، فقال: حسِّنوا أسماءكم.

فإن صاحب الاسم الحسن قد يستحي من فعل ما يضادّ اسمه، وقد يحمله اسمه على ‏فعل ما يناسبه وترك ما يضاده، لأنّ من يُسَمَّى كريماً أو جواداً يحاول أن يكون أكرم ‏وأجود ممن يكون في مثل شرائطه وظروفه.

واسم فاطمة دلَّ على فطم شيعتها من النار يوم القيامة، فجاء فيما رواه محمّد بن ‏مسلم، عن أبي جعفر الباقر، قول الزهراء لربّ العالمين: إلهي وسيدي سمَّيتني فاطمة ‏وفطمتَ بي مَن توّلاني وتولّى ذريتي من النار، ووَعْدُكَ الحق وأنت لا تخلف الميعاد.

فيقول الله عزّ وجلّ: صدقتِ يا فاطمة إنّي سمّيتك فاطمة وفطمتُ بك من ‏

____________________

١- الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ١: ٢٢٨ - ٢٣١.

٤٧

أحبّك وتولاّك وأحب(١) .

ومن ذلك صفة الهادي، فقد وضعت لهداية الأمة إلى الحق، وجعفر سُمّي جعفراً بأسم ‏نهر في الجنة، وهكذا أسماء وصفات المعصومين اشتقت من أسماء البارئ وصفاته; قال ‏الشيخ الصدوق في مقدمة ‏(‏ كمال الدين ‏)‏ - عند بحثه عن قوله تعالى( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ ‏كُلَّهَا ) (٢) - قال: أراد به أسماء الأئمةعليهم‌السلام ، وللأسماء معان كثيرة وليس أحد ‏معانيها بأولى من الآخر.

وللأسماء أوصاف وليس أحد الأوصاف بأولى من الآخر، فمعنى الأسماء أ نّه سبحانه ‏علم آدم أوصاف الأئمّة كلّها أَوَّلها وآخرها، ومن أوصافهم: العلم، والحلم، والتقوى، ‏والشجاعة، والعصمة، والسخاء، والوفاء، وقد نطق بمثله كتاب الله عزّوجلّ في أسماء ‏الأنبياءٌ كقوله عزّوجلّ:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ) (٣) ، وقوله: ‏‏( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ ‏بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً * وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * ‏وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ) (٤) ، وكقوله عزّوجلّ:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً ‏وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِن ‏رحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ) (٥) ، فوصف الرسلعليهم‌السلام وحمدهم بما كان فيهم من ‏الشيم المرضية والأخلاق الزكية، وكان ذلك أوصافهم وأسماءهم، كذلك علّم اللهُ آدمَ ‏الأسماء كلها(٦) .

____________________

١- علل الشرائع للصدوق ١: ١٧٩ ح ٦.

٢- البقرة: ٣١.

٣- مريم: ٤١.

٤- مريم: ٥٤ - ٥٧.

٥- مريم: ٥١ - ٥٣.

٦- كمال الدين ١: ١٥.

٤٨

قال ابن عبدالبر في التمهيد: والأسماء هنا الصفات سواء، فمحمّد ‏(‏ مُفَعَّل ‏)‏ من ‏الحمد(١) .

وفي سبل الهدى والرشاد: إذا اشتقت اسماؤه في صفاته كثرت جداً والذي وقفنا عليه ‏من اسمائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثمائة وبضع واربعون، وهي أقسام:‏

الأول: ما ورد في القران بصريح الاسم، وعد منها ( ٧٨ ).

والثاني: ما ورد فيه بصيغة الفعل وعدّ منها ( ٤٤ ).

والثالث: ما ورد في الحديث والكتب القديمة، وذكر منها ( ٢٣٢ )(٢) .

التسمية في معانيها الثلاثة

تبيّن مما مرَّ أنَّ وضع الأسماء لا يخرج عند العرب عن نمطين:‏

‏١ - أن يلحظ فيها العلامة سواء كان له استعمال سابق ثمّ نقل إلى آخر، أم لم يسبق له ‏استعمال قبل العَلَمية، وبذلك يكون الاسم عندهم مأخوذ من الوَسْم أي العلامة، والعَلَميَّة ‏عندهم تغلب على المعنى.

‏٢ - أن يلحظ فيها العلوّ والرفعة في المعنى كذلك، وهي سيرة العظماء والحكماء ‏والمثقّفين قديماً وحديثاً فلا يسمون إلاّ باسماء لها معاني حسنة.

وهناك نمط ثالث جاء به الإسلام، وهو تسمية أولي العصمة بأسماء ملحوظ فيها ‏الأوصاف الإلهيّة والذوات المقدّسة، ولذلك طابق اسم الحسن والحسين بالعربيّة اسم شبر ‏وشبير بالسريانيّة.

وهذا النمط هو ما فعله الأنبياء والمرسلون والأوصياءعليهم‌السلام - أخذاً عن الله - ‏في التسميات، فإنهم لا يسمّون أولادهم إلاّ بعد لحاظ معنى التسمية الإلهيّة فيه.

____________________

١- التمهيد ٩: ١٥٤.

٢- سبل الهدى والرشاد ١: ٤١٠، كما في الكنى والالقاب للشيخ محمّد رضا المامقاني: ٦٩.

٤٩

ومن ذلك تكون تسمية الأئمّة أولادهم غير المعصومين بأسماء حسنة لُغَو يّاً، أ مّا ‏أسماء المعصومين فهي مشتقة من اسم ربِّ العالمين; لأ نّه جلّ وعلا اتّخذ الأسماء الحسنة ‏المشتقة من اسمه أسماءً لرسله وأنبيائه وأوليائه، فقد جاء في الحديث: أنا المحمود وهذا ‏محمّد، وأنا العليّ وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، وأنا ‏الإحسان وهذا الحسين(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سمّاني الله عزّ وجلّ من فوق عرشه وشقّ لي اسماً من ‏أسمائه فسمّاني محمّد اً وهو المحمود(٢) .

وفي الاحتجاج: قالوا: ولِم سُمِّيتَ محمّداً ؟ قال: سمّاني الله محمّداً واشتق اسمي من ‏اسمه، وهو المحمود وأنا محمّد، وأمّتي الحامدون على كلّ حال(٣) (٤) .

____________________

١- شرح الأخبار ٣: ٦، وانظر شرح الأخبار ٢: ٥٠٠، دلائل الإمامة: ٤٤٨.

٢- انظر الخصال، للصدوق: ٤٢٥، وعنه في بحار الانوار ١٦: ٩٢.

٣- الاحتجاج ١: ٥٦، وعنه في بحار الانوار ٩: ٢٩٠، ١٦: ٣٢٨.

٤- وفي مسند أحمد وأبي يعلى قال: لما ولد الحسن سمّاه حمزة، فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر، قال علي: ‏فدعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: إني أُمِرْتُ أن اغيّر اسم هذين فقلت: الله ورسوله أعلم، فسمّاهما ‏حسناً وحسيناً. (مسند أحمد ١: ١٥٩ ح ١٥٩، مسند أبي يعلى ١: ٣٨٤ / ح ٤٩٨)‏

وعن محمّد بن علي، عن أبيهعليه‌السلام : قال رسول الله: أمرت أن أسمّي ابنَيَّ هذين حسناً وحسينا. (مناقب ‏بن شهرآشوب ٣: ١٦٦، ورواه الديلمي في الفردوس ١: ٣٩٧ ح١٦٠٢، كشف الغمة ٢: ١٤٨).

وعن شرح الأخبار: قال الصادقعليه‌السلام : لما ولد الحسن بن علي أهدى جبرئيل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اسمه في شقة من حرير من ثياب الجنة فيها حسن، واشتق منه اسم الحسينعليه‌السلام ، فلما ولدت ‏فاطمةعليها‌السلام الحسنعليه‌السلام : أَتت به رسول الله فسماه حسناً، فلما ولدت الحسينعليه‌السلام أتته به ‏فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا أحسن من ذلك فسماه الحسين. (شرح الأخبار ٣: ١١٠، مناقب آل أبي طالب ‏‏٣: ١٦٦).

وفي رواية اخرى: إنّ جبرئيل هبط على رسول الله وطلب من الرسول تسميته ب- (شبر)، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لساني عربي، فقال جبرائيل: سمّه الحسن. (علل الشرائع ١: ٣٧ ح ٥، أمالي الصدوق: ١٩٨ المجلس ‏‏٢٨، روضة الواعظين: ١٥٤، اعلام الورى ١: ٤١١، مستدرك الوسائل ١٥: ١٤٤ ح٧).

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ‏(‏سمّي الحسن حسناً لأنّ بإحسان الله قامت السماوات والأرضون، واشتقّ ‏الحسين من الحسن، وعلي والحسن اسمان من أسماء الله، والحسين تصغير الحسن‏)‏. (مناقب ابن شهرآشوب ‏‏٣: ١٦٦).

بلى قد تاب الله على آدم ببركة أصحاب هذه الأسماء، ولو تأملت في التفسير الأثري لقوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ ‏الأَسْماءَ كُلَّهَا) لرأيت سبحانه قد علّم آدم أسماء ذريته المعصومين بجنب ما علمه من جميع الأسماء.

قال الصدوق: إذا علّم ‏ ‎ [ ‎ الله ‎ ] ‎ ‏ آدم الأسماء كلها على ما قاله المخالفون، فلا محالة أنّ أسماء الأئمةعليهم‌السلام ‏داخلة في تلك الجملة، فصار ما قلناه في ذلك بإجماع الأمة. (كمال الدين وتمام النعمة: ١٤).

٥٠

____________________

وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: سألت رسول الله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ؟ ‏قال: سأله بحق محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ ما تبت عليّ، فتاب عليه. (امالي الصدوق: ١٣٥، ‏الطرائف: ١١٢، عن مناقب ابن المغازلي).

وفي الكافي: عن علي بن إبراهيم في قوله تعالى( فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَات ) قال: سأله بحق محمّد وعلي ‏والحسن والحسين وفاطمة صلى الله عليهم. (الكافي ٨: ٣٠٥ ح٤٧٢).

قال السيوطي: وأخرج الطبراني في المعجم الصغير، والحاكم، وأبو نعيم، والبيهقي في الدلائل، وابن ‏عساكر، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله: لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء ‏فقال: أسالك بحق محمّد إلاّ غفرت لي، فأوحى الله إليه: وما محمّد ومن محمّد ؟ فقال: تبارك اسمك لما خلقتني ‏رفعتُ رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، فعلمت أنّه ليس أحد أعظم عندك ‏قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك، فأوحى الله إليه: يا آدم إنّه آخر النبيين من ذريتك، وإن أمته آخر الأمم من ‏ذريتك، ولولاه يا آدم لما خلقتك. (الدر المنثور ١: ١٤٢، المعجم الصغير ٢: ١٨٢ ح٩٢٢ والمتن منه، ‏مجمع الزوائد ٨: ٢٥٣).

ومثل ذلك ما جاء في التفسير الأثري لقوله تعالى:( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلَمَات فَأَتَمَّهُنَّ ) ، فعن المفضل بن ‏عمر، عن الصادقعليه‌السلام ، قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ:( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلَمَات فَأَتَمَّهُنَّ ) : ‏ما هذه الكلمات ؟ قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو أنّه قال: يا رب أسالك بحق محمّد ‏وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ، فتاب الله عليه إنّه هو التواب الر حيم، فقلت له: يا ابن رسول ‏الله فما يعني عزّوجل بقوله:( فَأَتَمَّهُنَّ ) ؟ قال: فاتمهن إلى القائمعليه‌السلام اثني عشر اماماً تسعة من ولد ‏الحسين. (الخصال، للصدوق: ٣٠٤ - ٣٠٥، كمال الدين: ٣٥٨ - ٣٥٩ ح٥٧، معاني الاخبار: ١٢٥ ح١، ‏مناقب ابن شهرآشوب ١: ٢٤٣).

وفي تفسير العيّاشي: عن صفوان الجمّال، قال: كنّا بمكّة فجرى الحديث في قول الله:( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ ) ‏قال: أتمهنّ بمحمّد وعليّ والأئمّة من ولد عليّ صلّى الله عليهم (تفسير العيّاشي: ٥٧، وعنه في بحارالأنوار ‏‏٢٥: ٢٠١ ح١٤).

٥١

لا نريد الإطالة في هذا الأمر كثيراً، بل نقول: إنّ هذه الكلمات التي تلقّاها آدم من ‏ربّه، أو التي ابتُلي بها إبراهيم - كما في أخبار اخرى - سواء كانت هذه الكلمات هي أسماء ‏الخمسة من أهل الكساء، أو الأدعية التي علم الله آدم(١) ، أو التي دعا بها إبراهيم ‏ربه(٢) ، فهي تؤكد بأنّ هذه الكلمات والأسماء لم تكن أسماءً عاديّة، وأنّ وضعها لم يكن ‏اعتباطياً، ولا لُغَويّاً بحتاً على عادة العرب، بل إنّ الباري أحبّها وجعلها معياراً لكلمته، ‏كما جعل أسماء الأنبياء كلّها مقدّسة، وجعل أنبياءه كلمات له سبحانه وتعالى، فقد بشر ‏سبحانه وتعالى مريم بقوله:( إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ ‏مَرْيَمَ ) (٣) ، وقوله تعالى:( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ ) (٤) ، ‏وقوله تعالى:( أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَة مِنَ اللهِ ) (٥) ، وغيرها.

وعليه، فوضع أسماء الأنبياء والمعصومين يختلف عن غيرها من الأسماء، ‏

____________________

١- تفسير القمي ١: ٤٤ - ٤٩.

٢- الدعوات للراوندي: ٤٨، مستدرك الوسائل ٦: ٢٨٣ ح ٥.

٣- آل عمران: ٤٥.

٤- النساء: ١٧١.

٥- آل عمران: ٣٩.

٥٢

ومن تأمّل علم أ نّه ليس من أسماء الناس اسم يجمع من معاني صفات الحمد ما يجمعه ‏هذان الاسمان ( أحمد ومحمّد ):‏

فأحمد اسم منقول من صفة ل- ‏(‏أَفْعَل‏)‏، وتلك الصفة - أفعل - التي يراد بها التفضيل، ‏فمعنى أحمد، أي أحمد الحامدين لربّه، والأنبياءُعليهم‌السلام كلّهم حامدون لله، إلاّ أنّ ‏نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثرهم حمداً، فيكون هو الأحقّ بالحمد، ومحمّد هو البليغ في ‏الحمد، فمن سمّي بهذين الاسمين فقد سُمِّي بأجمع الأسماء لمعاني الفضل; يقال: رجل ‏محمّد ومحمود، إذا كثرت خصاله المحمود فيها، وقد جاء في صحيح البخاري قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم ؟ يشتمون مُذَمَّماً، ‏ويلعنون مُذَمَّماً، وأنا مُحَمَّدٌ(١) .

ومثله اسم أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فربُّ العالمين حينما أمر أبا طالب عن ‏طريق الالهام أو المنام أن يُسَمِّي ابنه علياً عنى بكلامه العلوّ والرفعة، وأ نّه مشتقٌّ من ‏اسمه ( العلي )، لا كما كان يأخذه العرب من الصلابة والشدة(٢) .

وجاء عن الإمام الكاظمعليه‌السلام أ نّه قال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما ‏شقة حرير، فنشراها فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية [يعني أمّ الإمام الرّضاعليه‌السلام ] فقالا: يا موسى، ليكوننّ لك من هذه الجارية خير أهل الأرض، ثمّ أمرني إذا ‏وَلَدَتْهُ أن أُسمّيه عليّاً، وقالا: إنّ الله عزّ وجلّ سيظهر به العدل والرأفة والرحمة(٣) .

ومن هذا الباب جاء قول الصادقعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى( وَلِلّهِ الأَسْماءُ ‏الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (٤) ، قال: نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من ‏

____________________

١- صحيح البخاري ٣: ١٢٩٩ ح ٣٣٤٠، امتاع الاسماع ٢: ١٣٩ - ١٤١.

٢- انظر الاشتقاق لابن دريد: ٥٤.

٣- دلائل الإمامة: ٣٤٨.

٤- الأعراف: ١٨٠.

٥٣

العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا(١) .

وهذا النص يريد أن يقول: فكما أنّ الاسم يدلّ على المسمّى كذلك همعليهم‌السلام أدلاّء على الله وأسمائه وصفاته، ولذلك نفى العينية بين الأسماء والذات ، ‎

فالألفاظ أسماء الأسماء، أو إن شئت قل: الألفاظ الموضوعة هي أسماء مس-مّيات ‏الأسماء.

وعليه فالعلم قد يأتي مفرداً مثل محمّد وعلي، واخرى مركباً من مضاف ومضاف إليه ‏مثل عبدالرحمن، أو من فعل وفاعل مثل تابط شرا، أو من اسمين قد ركبا وصارا بمنزلة ‏الاسم الواحد مثل سيبويه.

وقد يكون المفرد منقولاً من مصدر كفضل، أو من اسم فاعل كصالح، أو من اسم ‏مفعول كمحمود أو من أفعل التفضيل كأحمد.

ونحن من خلال هذا العرض السريع أردنا إعطاء صورة توفيقيه بين رأي الكوفيين ‏والبصريين في اشتقاق الاسم، والقول بأنّ من يرون اشتقاقه من ( وسم يَسِمُ ) كالكوفيين ‏فهم يلحظون العلمية أكثر من المعنى حين التسمية. فهم أقرب إلى كون وضعها ارتجالياً.

أ مّا البصريون فهم يغلّبون المعاني حين التسمية على العَلَمِيّة، لأَنّ اشتقاق الاسم ‏عندهم من ( سما يسمو )، أي يلحظ فيه العلوّ والرفعة، وعلى كلا التقديرين فإنّ أسماء ‏الأنبياء والأوصياء ملحوظ فيها المعاني الإلهية، إن كانت من الوسم فالوسم يطابق ‏الموسوم، و إن كانت السّموّ فلحاظ معاني السموّ الإلهي أوضح وأجلى، وأ مّا أسماء عامة ‏أولاد الأئمّة وعامة الناس فلا يشترط فيها هذا اللحاظ الإلهي طبق المبنيَيْنِ.

فأسماء الأوصياء هي أسماء مشتقة من اسم الباري، أو قل أ نّها أسماء محبوبة ‏

____________________

١- الكافي ١: ١٤٤ ح ٤.

٥٤

عنده جل وعلا.

أ مّا الأسماء التي يضعها المعصومون على أولادهم غير المعصومين، أو يقبلون بها - ‏كالتي وضعت من قبل الأمهات أو الخلفاء مثلاً - فلا يلزم فيها أكثر من أن تكون أسماءً ‏حسنة عند العرب، أي أنّ الإمام يكتفي في التسميات لحاظ المعنى اللّغوي للاسم فقط ‏بحيث لا يكون قبيحاً.

وبهذا فإني اعتذر من قرائي الكرام لو اطلت بعض الشيء في الكلام عن التسمية ‏بأسماء النبي وآله، لأني رأيت ابناء أبي سفيان بدءاً من معاوية إلى السفياني - الذي يأتي ‏في آخر الزمان - يخالفون هذه الأسماء و يقتلون من تسمى بها. في حين يحبذون التسمية ‏بأسماء اعداء الله ورسوله، ولاجل ذلك رأيت من الضروري التأكيد على جذور هذه ‏الأسماء وتاريخها واشتقاقها لأ نّها توضح لها ملابسات الأسماء. والصراع فيه، ولنضيف ‏إليهما بعض الشي عن التسمية بهما في الجاهلية.

التسمية بمحمد وأحمد وعلي في الجاهلية

ومن المؤسف أن نرى اللغويين يتعاملون مع أسماء أمثال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ‏والإمام علي بمحض اللّغة، فيقولون مثلاً أنّ اشتقاق ‏(‏ علي ‏)‏ مأخوذ من الصلابة والشدة، ‏في حين أنّ تسميات هؤلاء لا يلحظ فيها الاشتقاق اللغوي المحض، بل يلحظ معه الاشتقاق ‏الإلهي كذلك.

فصحيح أنّ اسم ‏(‏ عليّ ‏)‏ الموضوع لغير أمير المؤمنين مأخوذ من الصلابة والشدة ‏لغةً، وهذا ما عرفه العرب في الجاهلية حينما كانوا يسمّون أولادهم ب- ‏(‏ علي ‏)‏، وكذا ‏الحَسَن من الحُسْن، ومحمّد من المحمدة، لكن لمّا راينا تطابق هذه الأسماء مع اسماء رب ‏العالمين، وتاكيده جل جلاله على أشخاص معنيّين ‏

٥٥

معيّنين في كتابه وسنة نبيه أخذ يحمل طابعاً آخر، وحسبما مرّ عليك في الحديث أن ‏الله سبحانه وتعالى قال: أنا المحمود وهذا محمّد وأنا العلي وهذا علي ...‏

إِذن نحن لا نوافق ابن حجر وابن دريد الأزدي فيما قالوه عن اشتقاق أسماء ‏المعصومين، ونُرجعُ ذلك إلى نظرتهم الأُحادية اللّغوية، لأ نّهم يدرسونها كموادّ لغو يّة ‏بحتة ولا يدرسونها مع ما تحمل من مفاهيم معرفيّة وعقائديّة، أي أنّ بحثهم لهكذا اشتقاقات ‏جاءت في إطار اللغة فقط، و إنّي أُرجِّحُ - خلافاً لجميع المؤرّخين وأصحاب التراجم - ‏بأنّ هذه الأسماء لم تكن بمعانيها الآلهية قبل ولادة هذه الذوات، وعلى فرض التنزّل ‏والقول بأ نّها كانت في الجاهلية فمن المؤكّد أ نّها لم تكن تحمل نفس اللحاظ والمعنى، بل ‏أتت لاحقاً بمفهوم أعلى من مفهوم اللغة.

إذ حكى ابن دريد الأزدي في كتاب ‏(‏ الاشتقاق ‏)‏: أنّ عبدالمطّلب نحر جزوراً لمّا ولد ‏الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا له: ما سميت ابنك هذا ؟ قال: سمّيته محمّداً، قالوا: ‏ما هذا من أسماء آبائك !! قال: أردت أن يحمد في السماوات والأرض.

فمحمد ‏(‏ مُفَعَّل ‏)‏، لأ نّه حُمِدَ مرّةً بعد مرّة، كما تقول كرّمته وهو مكرّم، وعظّمته ‏وهو معظّم، إذا فعلت ذلك مراراً(١) .

وفي الكافي: عن ابن السائب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام ، ‏قال: عقّ أبو طالب عن رسول الله يوم السابع ودعا آل أبي طالب، فقالوا: ما هذه ؟

فقال: هذه عقيقة أحمد.

قالوا: لأيّ شيء سمّيته أحمد ؟

قال: سمّيته أحمد لمَحْمَدَةِ أهل السماء والأرض(٢) .

____________________

١- الاشتقاق لابن دريد: ٨.

٢- الكافي ٦: ٣٤ ح ١، من لا يحضره الفقيه ٣: ٤٨٥ ح ٤٧١٦، وسائل الشيعة ٢١: ٤٣١ ح ٥.

٥٦

وفي الدرّ المنثور، عن ابن عبّاس: إنّ جمعاً من أهل حضر موت جاءُوا رسولَ الله ‏وقالوا: أَبَيْتَ اللَّعْنَ(١) ، فقال رسول الله: لست ملكاً أنا محمّد بن عبدالله، قالوا: نسمّيك ‏باسمك. قال: لكنّ الله سمّاني(٢) .

وقد روى ابن عبدالبرّ خبراً عن أبي إسماعيل الترمذي، عن علي بن زيد بن جدعان، ‏قال: أحسن بيت قيل فيما قالوا قول عبدالمطلب أو قول أبي طالب - الشكّ من أبي ‏إسماعيل -:‏

وشَقَّ له من إِسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو العرشِ محمودٌ وهذا محمّدُ(٣)

وقد ضمّن حسّان بن ثابت هذا البيت في قصيدة له منها:‏

أَغَرُّ عليه للنبوة خاتمٌ من الله ميمونٌ يلوحُ ويشهدُ‏

وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيِّ إلى اسمِهِ إذا قال في الخَمْسِ المؤذّنُ: أَشْهَدُ

وشَقَّ له مِنْ إِسْمِهِ ليُجلَّهُ فذُو العرشِ محمودٌ وهذا محمّدُ(٤)

وقال ابن دريد بعد ذلك عن اشتقاق اسم علي: أ نّه من الصلابة والشدة، قال ابن ‏مقبل:‏

وكل عليّ قُصَّ أسفلُ ذيله فشمّر عن ساق وأوظفه عُجر(٥)

وباعتقادي أنّ ما جاء على لسان من لامُوا عبدالمطّلب خيرُ دليل على عدم وجود اسم ‏محمّد قبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ جملة ‏(‏ ما هذا من أسماء آبائك ‏)‏ لا يُعنى بها عدم وجود ‏هذا الاسم في من هم في صلبه المباشر، بل هو من قبيل قوله تعالى:( إِنَّا

____________________

١- أبيت اللعن، كلمة كانت العرب تُحَيِّي بها الملوك.

٢- الدرّ المنثور ٧: ٧٧.

٣- التمهيد ٩: ١٥٤، الثقات لابن حبان ١: ٤٢، التاريخ الاوسط ١: ١٣ السنه للخلال ١: ١٩٣ ح ٢٠٩.

٤- شرح قصيدة ابن القيم ١: ٢٠.

٥- الاشتقاق لابن دريد: ٥٤.

٥٧

وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة ) (١) ، حيث يُعنى بالآباء القبيلة والعشيرة التي ينتمي إليها لا ‏آباؤُهُم الصُّلبيُّون فقط، بل هو أعمُّ من ذلك.

و إذا ثبت هذا فإنّه يُخَطِّئُ ما ألّفه ابن حجر في كتاب أسماه ‏(‏ الإعلام بمن سُمّي محمّداً ‏قبل الإسلام ‏)‏، والذي ردّ فيه على ابن خالويه في كتاب ‏(‏ ليس ‏)‏، وبعده على السهيلي في ‏‏(‏ الروض الأُنُف ‏)‏، حيث قالا أ نّه: لا يعرف في العرب من تسمى محمّداً قبل النبي إلاّ ‏ثلاثة أو ستّة أو سبعة، فردّهم الحافظ ابن حجر بقوله ‏(‏ وهو حصر مردود، وقد جمعتُ ‏أسماء من تسمّى بذلك في ( جزء مفرد ) فبلغوا نحو العشرين، لكن مع تكرُّر في بعضهم، ‏ووَهَم في بعض، فيتلخّص منهم خمسة عشر نفساً ‏)‏(٢) .

لكنّا نقول له: إنّ حصرك مردود أيضاً، بل ليس هناك من سُمِّي بمحمّد أو أحمد قبل ‏الإسلام، وقد جاء مضمون ذلك على لسانك أيضاً، عند مناقشتك لرواية نافع بن جبير - ‏عند ابن سعد، والتي فيها زيادة اسم ( خاتم ) - على ما أخرجه البخاري عن محمّد بن جبير ‏بن مطعم، عن أبيه، قال: قال رسول الله: لي خمسة أسماء، أنا محمّد، وأحمد، وأنا ‏الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا ‏العاقب.

قال ابن حجر في فتح الباري: وزعم بعضهم أنّ العدد ليس من قول النبي وانّما ذكره ‏الراوي بالمعنى، وفيه نظر لتصريحه في الحديث بقوله: إِنّ لي خمسة أسماء، والذي ‏يظهر أ نّه أراد أنّ لي خمسة أسماء أَخْتَصُّ بها لم يُسَمَّ بها أحد قبلي أو مُعَظَّمَة أو مشهورة ‏في الأمم الماضية لا أ نّه أراد الحصر فيها.

قال عياش: حمى الله هذه الأسماء أن يُسَمَّى بها أحد قبله، و إنّما تَسَمَّي ‏

____________________

١- الزخرف: ٢٢.

٢- فتح الباري ٦: ٥٥٦. وانظر فتح المنان بمقدمة لسان الميزان لمحمد عبدالرحمن المرعشلي: ١١٣.

٥٨

بعض العرب ‏(‏ محمّداً ‏)‏ قرب ميلاده لمّا سمعوا من الكهنة والأحبار أنّ نبيّاً سيبعث في ‏ذلك الزمان يُسَمَّى محمّداً، فرجوا أن يكونوا هم، فس-مّوا أبناءهم بذلك(١) .

لا أدري كيف وفق ابن حجر بين الذين ذكرهم في كتابه ( الإعلام ) وبين ما قاله في ‏فتح الباري بأنّ هذه الأسماء الخمسة مختصّة برسول الله لم يُسمَ بها أحد قبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!‏

أجل كأنّ ابن حجر تنبّه إلى تهافت كلامه فتعقّبه بالقول: ( أو مُعَظَّمة أو مشهورة ).

قال الزرقاني في شرحه: انّ النبيّ قال لي خمسة أسماء، يعني أختصّ بها، لم يَتَسَمَّ ‏بها أحد قبله أو مُعَظَّمة أو مشهورة في الأمم الماضية(٢) .

وفي طرح التثريب في شرح التقريب: وفي الصحيحين من حديث جبير بن مطعم عن ‏النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ لي خمسة أسماء أنا محمّد وأنا أحمد الحديث، ولم يتسمّ ‏بأحمد قبله أحد ولا في زمنه، ولا في زمن أصحابه; حمايةً لهذا الإسم الذي بشّر به ‏الأنبياء وأ مّا من تسمّى بمحمّد فذكر أبو القاسم السهيلي أ نّه لا يعرف في العرب من ‏تسمّى به قبله إلاّ ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا به وبقرب زمانه أن يكون ولداً لهم، ‏فذكرهم وبلغ بهم القاضي عد ستة أو سبعة(٣) .

أنا لا أريد التفصيل أكثر من هذا، ولا أقبل بوجود اسم محمّد قبل الإسلام(٤) ، لكن ‏على فرض وجوده أقول: إنّه لم يكن اسماً فيه المعنى الذي ‏

____________________

١- فتح الباري ٦: ٥٥٦، وعنه في تحفة الاحوذي ٨: ١٠٤.

٢- شرح الزرقاني ٤: ٥٥٧.

٣- طرح التثريب في شرح التقريب ١: ٢١.

٤- قال القاضي عياض في الشفاء: أمّا أحمد الذي أتى في الكتب وبشّرت به الأنبياء فمنع الله تعالى بحكمته أن ‏يسمّى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعوّ قبله، حتّى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك.

وكذلك محمّد أيضاً لم يسمّ به أحد من العرب ولا غيرهم، إلى أن شاع قبيل وجودهصلى‌الله‌عليه‌وآله وميلاده أنّ ‏نبياً يبعث اسمه محمّد، فسمَّى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يجعل ‏رسالته، ثمّ أخذ القاضي عياض يعدّد أسماءهم (انظر الشفا للقاضي عياض ١: ٢٣٠، الروض الانف ‏‏١: ٢٨٠، أسد الغابة ٤: ٣١٠، إمتاع الأسماع للمقريزي ٢: ١٤٠ - ١٤١)‏

وفي أخبار مكّة للفاكهي ٣: ١١٦ (أوّل من سمّى محمّداً): ويقال أنّ أوّل من سمّي من العرب محمّداً أو أحمد ‏النبيُّ، ولم يكن العرب يسمّون هذين قبله.

وفي حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح ١: ٦: إن حمى هذه الإسمين أن يسمى بأحدهما أحد قبل زمانه مع ‏ذكرهما في الكتب القديمة والامم السابقة مع أنّهما من الأعلام المنقولة فلم يقع ذلك لاحد قبله اصلاً أمّا احمد ‏فبالاتفاق، وأمّا محمّد فعلى الأصحّ كما ذكره الشهاب في شرح الشفا، وقيل: لما قرب زمانه ونشر أهل الكتاب ‏نعته سمّى بعض العرب ابناءهم بمحمّد رجاء أن يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالته.

٥٩

قصده ربّ العالمين من هذه التسمية بل لحظ فيه المعاني اللغوية البحته.

فالعرب حينما كانوا يضعون هذه الأسماء على أولادهم كانوا لا يعرفون ولا يعنون ‏بأنّ محمّد اً مشتق من الله المحمود، وعليّ من الله العلي، والحسن من الإحسان الإلهي، ‏بعكس اسم النبي الذي كان ملحوظاً فيه المعنى الإلهي كما عرفت، وقد جاء في بعض ‏الروايات أنّ جدّ الرسول الأعظم عبدالمطلب رأى في المنام أنّ شخصاً يأمره أن يضع اسم ‏محمّد على حفيده.

وفي آخر: رأى سلسلة من فضّة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في ‏الأرض، فقصها فعبّر له بمولود يكون من صلبه يتّبعه أهل المشرق والمغرب و يحمده ‏أهل السماء والأرض(١) .

وقد مرّ عليك في خبر ( الكافي ) أنّ عمّه أبا طالب سمّاه أحمد كذلك، لكنّ التسمية لم ‏تكن من عنده، بل الله أجراها على لسانه.

على أنّ وجود المسمّين ب- ‏(‏ محمّد ‏)‏ في الجاهليّة لا يحقّق السبق الواقعي، لأنّ ‏

____________________

١- إمتاع الأسماع للمقريزي ٢: ١٤٠ - ١٤١.

٦٠