التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 166654
تحميل: 7332

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166654 / تحميل: 7332
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

اسم نبيّنا ‏(‏ محمّد ‏)‏صلى‌الله‌عليه‌وآله كان سابقاً لتلك الأسماء في الوضع والتقدير ‏الإلهي، وهذا يعني أنّ كلّ من سَمّوا به هم تَبَعٌ لاسمه المبارك في الحقيقة وإن تقدّموه في ‏الوجود الخارجي(١) ، ولذلك نرى أنّ جميع المتسمين بذلك كانوا مقاربين زماناً لمولد ‏النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومشارفين لآيات ولادة نبيّ آخر الزمان.

بعد كل هذا التفصيل نرجع إلى صلب الموضوع لنرى هل حقّاً أنّ الأئمّة سَمّوا أولادهم ‏- غير المعصومين - بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة أم لا ؟ و إذا كانوا قد سَمُّوا بذلك ففي ‏ضمن أي الأقسام السابقة تدخل تلك التسميات ؟

من الطبيعي أ نّها لا تدخل ضمن القسم الأوّل، لأنّ الإمام علياً لم يكن من الجاهليين ‏لتدخل التسمية تحت هذا القسم في تسميات أولادهم.

وكذلك لا تدخل في القسم الثالث; لأنّ المسمَّين من ولدهعليه‌السلام لم يكونوا جميعهم ‏من المعصومين حتّى نقول أنّ أسماءهم مشتقة من الإسم الإلهيّ.

فيبقى دخول هذه التسميات من قِبَلِهِم ضمن القسم الثاني، أي يكفي فيها أن تكون أسماءً ‏غير قبيحة من حيث اللّغة، ولهذا أُقِرَّت التسمية بعمر وعائشة وأمثالها عندهم لوجود معنى ‏مقبول لها في اللّغة.

فقلنا: من مضر، فقال: أما إنه سوف يبعث منكم وشيكاً نبيّ فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا، فإنه خاتم ‏النبيين.

فقلنا: ما اسمه ؟

قال: محمّد، فلمّا صرنا إلى أهلنا، ولد لكلّ واحد منّا غلام فسمّاه محمّد اً، (فتح الباري ٦: ٥٥٦، سبل الهدى ‏والرشاد للصالحي الشامي ١: ١١٣ ورواه الطبراني في المعجم الكبير ١٧: ١١١ ح ٢٧٣).

____________________

١- روى محمّد بن عدي أنه سأل أباه كيف سمّاه في الجاهلية محمّداً ؟

فقال: خرجتُ مع جماعة من بني تميم، فلما وردنا الشام نزلنا على غدير عليه شجر، فأشرف علينا ديراني ‏فقال: من أنتم؟

٦١

المقدّمة الثانية

تسمية الأولاد في الإسلام، لمن ؟

وأما الكلام عن المقدّمة الثانية فيأتي من خلال نقطتين:‏

‏١ - التسمية حقّ مَن ؟

أ - إنّها للآباء

جاء في الحديث النبويّ: إنّ من حقّ الولد على والده أن يحسن اسمه، و يحسن ‏مرضعه، و يحسن أدبه(١) .

وجاء في حديث آخر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّكم تُدْعَوْنَ يوم القيامة ‏بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أَسماءكم(٢) .

ولا يخفى عليك بأنَّ كون التسمية من حقوق الأب لا يمانع القول بجواز تسمية الأمهات ‏أو الأجداد لأولادهم وأحفادهم.

وقد مرّ عليك بأنّ عبدالمطلب جدّ الرسول الأكرم سمَّى حفيده النبي ‏

____________________

١- شعب الإيمان ٦: ٤٠١ ح ٨٦٦٧، وانظر معجم الشيوخ للصيداوي: ٣٢٠، وفيه: ويحسن موضعه، ‏الجامع الصغير ١: ٥٧٩ ح ٣٧٤٦، التيسير بشرح الجامع الصغير ١: ٥٠٠، قال: (ويحسن موضعه) في ‏نسخ بالواو وفي بعضها بالراء أي رضاعه.

٢- سنن أبي داود: ٤: ٢٨٧ ح ٤٩٤٨، سنن الدارمي ٢: ٣٨٠ ح ٢٦٩٤، وتحفة المولود: ١١١، ١٤٨، ‏قال: رواه أبو داود بإسناد حسن.

٦٢

محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وعمّه أبو طالب أطلق عليه اسمه الآخر: أحمد.

وحدّد بعض المؤرّخين والفقهاء والمحدّثين صلاحية التسمية للأمّ والجدّ فيما لو كان ‏الأب غائباً، أو متوفّى، وقد مثل لذلك تسمية أم مريم لابنتها في قولها( إِنِّي سَمَّيْتُهَا ‏مَرْيَمَ ) (٢) ، أو تسمية فاطمة بنت أسد ابنها بحيدر(٣) ، وقال: أما لو كان حاضراً ‏وموجوداً فهو للأب خاصّة.

لكنّي لا أرى صحّة ذلك، لأنّ المرأة الحرّة لها حقّ التسمية بعكس الأَمة - المغلوبة ‏على أمرها - ففاطمة بنت أسد سمّته حيدراً مع وجود أبي طالب الذي أبدل اسمه، ولأجل ‏ذلك ترى الإمام يفتخر بما سمّته به(٤) أمّه، وهو دليل على احترامه لتسميتها وقبوله بها ‏بعد استقرار اسم عليٍّ عليه من قبل أبيه.

و يؤ يّد ذلك حديث ولادة الحسن والحسين وسؤال عليّ لفاطمة: ما سمّيتيه ؟ فقالت: ما ‏كنت لاسبقك باسمه، ثمّ سأل النبيّ عليّاً عن اسمه، فقالعليه‌السلام : ما كنت لاسبقك ‏باسمه، فقال النبيّ: ما كنت لأسبق باسمه ربّي(٥) .

وهذه النصوص تشير من جهة أخرى إلى إمكان وجود اسمين لشخص واحد عند ‏العرب. ويؤكّد ذلك ما جاء في الكامل في التاريخ: استخلف هشام بن عبدالملك ليالي بقين ‏من شعبان، وكان عمره يوم استخلف أربعاً وثلاثين سنة وأشهراً، وكانت ولادته عام قتل ‏مصعب بن الزبير سنة اثنين وسبعين، فسمّاه عبدالملك منصوراً، وسمّته أمّه باسم أبيها ‏هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد ‏

____________________

١- الاشتقاق لابن دريد: ٨.

٢- آل عمران: ٣٦، انظر تفسير الرازي ٨: ٢٤.

٣- عمدة الطالب: ٥٨ - ٥٩.

٤- وذلك في قولهعليه‌السلام:‏

أنا الذي سمتني أمّي حيدره ضرغامُ آجام وليثٌ قَسْوَرَه

٥- انظر الامالي، للصدوق: ١٩٧.

٦٣

بن المغيرة المخزومي فلم ينكر عبدالملك ذلك(١) .

و يؤيّده أيضاً قول الإمام الحسينعليه‌السلام للحرّ: أنت الحرّ كما سمّتك أ مّك [حرّاً] ‏أنت الحُر إنشاء الله في الدنيا والآخرة(٢) .

وعليه يمكن أن تسمّي الحرّة ابنها بعكس الأَمة، ومن هنا جاء سؤال عمر عن مولود ‏عليّ وأ نّه من أي نسائه ؟ فقالعليه‌السلام : من التغلبيّة.

لأنّ المولود لو كان لحرّة لما أمكن لعمر بن الخطّاب أن يطلب من الإمام أن يهبه ‏اسمه; لأنّ ذلك هو تجاوز على العرف آنذاك.

ولعلّ إِخبارَ الإمام عليٍّعليه‌السلام لعمر بولادة مولود له من أَمَتِهِ التغلبية جاء لاثبات ‏عتق أَمته عنده و إنها صارت في عداد الأحرار بهذا الولد، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ‏ولا تقسيمها في الميراث، إذ المولود لابدّ من تثبيت اسمه واسم أبيه وأ مّه في الديوان لأخذ ‏العطاء، ولمعرفة حال أمّه، وهل أنّها صارت ضمن الأحرار فعلا أو تعليقاً أم لا، فالإمام ‏أراد أن يُعرِّف عمر هذه الحقيقة، وقد يكون في هذا الأمر شيء أخر.

نعم، كان من الأدب إذا طلب شخصٌ من شخص أن يسمّي ولده أن لا يردّه وأن يسمح ‏له بذلك، فروي أنّ عبدالله بن عباس ولد له مولود فقال له علي بن أبي طالب: ما سمَّيته ؟ ‏قال: يا أميرالمؤمنين أَوَ يجوز لي أن أسمِّيه حتَّى تسمِّيَهُ ! فأمر به وأُخرج إليه فحنّكه ودعا ‏له، ثمّ رده إليه وقال: خذ إليك أبا الأملاك، وقد سمّيته: عليّاً، وكنيته: أبا الحسن(٣) .

ومن هذا الباب أراد البعض أن يستفيد من تسمية عمر بن الخطّاب لابن الإمام علي ‏ب- ‏(‏ عمر ‏)‏ على أ نّه كان للدلالة على الصداقة والمحبّة بينهما، في حين ‏

____________________

١- الكامل في التاريخ ٤: ٣٧٥.

٢- تاريخ الطبري ٣: ٣٢٠.

٣- انظر شرح النهج ٧: ١٤٨. وهناك نصوص اخر ترد عليك لاحقاً فانتظر.

٦٤

أنّ الاستشهاد بمثل هذا على المحبة يحتاج إلى دليل - كما في تصريح ابن عبّاس بأ نّه ‏لا يسبق بتسميته عليّاًعليه‌السلام - وهو مفقود في نص ابن شبة الآنف، بل العكس هو ‏الصحيح.

لأنّ الإمام علي بن أبي طالب - في هذا النص - يعترف بحقّ التسمية للأب، ولا يريد ‏مزايدة ابن عباس عليه، فيقول له: ما سمّيته ؟ وهنا يأتي دور ابن عباس المحبّ ليقول ‏للإمام: ‏(‏ أَوَ يجوز لي أن أسمِّيه حتّى تسمِّيه ‏)‏ ؟!‏

وهذا النص يختلف تماماً عن نص ابن شبّة النميري، والذي فيه طلب عمر من علي ‏تسمية ولده ابتداءً ودون سابق سؤال، بقوله: ‏(‏ هب لي اسمه، قلت: نعم، فقال: قد سمّيته ‏باسمي ونحلته غلامي موركاً ‏)‏(١) .

إنّ سكوت الإمام، وعدم مخالفته مع طلب عمر يرجع للظروف التي كان يعيشها ‏آنذاك، فهوعليه‌السلام أَخبر عُمَرَ عَرَضاً بما ولد له، ولم يطلب منه التسمية; إذ لا نراه ‏يقول: أنا جئتك لتسمِّيه، وأمثال ذلك، بل إنّ قبوله بتسمية ابنه ب- ‏(‏ عمر ‏)‏ ليوحي بأ نَّه لم ‏يكن للمحبة; لأنّ دلالات المحبة غير ذلك.

فلو أُريد الاستدلال بنصّ ابن شبة على المحبّة، فلابدّ من التأكيد على المؤشّرات ‏الظاهرة والخفية فيه، إذ النصّ يشير إلى غير ذلك، لأنّ الإمام كان يريد أن يحكي ولادة ‏مولود له من زوجته صهباء التغلبية المسبية من اليمامة أو عين التمر، وليس فيه أكثر من ‏هذا، و إنّ استجابته بقوله: ‏(‏ نعم ‏)‏، لا يعني قبول الإمام بهذا الاسم وأ نّه كان عن رضى ‏وطيب خاطر، بل قد يكون مُحْرَجاً حينما سمع بطلب عمر أن يهبه تسمية الغلام، كما هو ‏ظاهر الخبر.

و إنّ قوله: ( نعم )، يختلف عن قوله: كيف لي أن أسمّيه وأنت فينا، أو: أَوَ يجوز ‏لي أن أسمّيه حتّى تسمِّيه، ألم يكن على الإمام أن يقول كما قال ذلك الرجل ‏

____________________

١- تاريخ المدينة ١: ٤٠٠.

٦٥

لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ; إذ حكى ابن كثير في تفسيره: ان رجلاً قال: يا ‏رسول الله ولد لي الليلة ولد فما أُسمِّيه ؟

قال: سَمِّ ابنك عبدالرحمن(١) .

وممّا يمكن احتماله بهذا الصدد: أنّ الإمامعليه‌السلام جاء بخبر المولود إلى عمر بن ‏الخطاب - كغيره من المسلمين - كي يفرض له العطاء، إذ المسلمون كان لهم ديوان، ‏وهو بمثابة دائرة النفوس اليوم، وكان يثبت فيه اسم من ولد منهم، فقد يكون شأن الإمام - ‏في هذا الموضوع - شأن سعد بن جنادة الذي جاء إلى الإمام عليّ أ يّام خلافته لكي يسجّل ‏اسم ابنه في دائرة الأحوال المدنية، المسمّى آنذاك بالديوان، لكن بفارق أنّ سعد بن جنادة ‏حين الإخبار طلب من الإمام أن يسمِّي ابنه، بخلاف الإمام علي الذي لم يطلب التسمية من ‏عمر بن الخطاب.

فقد جاء في الطبقات الكبرى أن سعد بن جنادة جاء إلى علي بن أبي طالب وهو ‏بالكوفة فقال:‏

يا أمير المؤمنين، إنّه ولد لي غلام فَسَمِّهِ.

قال: هذا عطية الله، فَسُمِّيَ عطيّة، وكانت أمّه أمّ ولد رومية.

وعن فضيل، عن عطية، قال: لمّا وُلِدْتُ أتى بي أبي عليّاً فأخبره، ففرض ‏لي مائة، ثمّ أعطى أبي عطائي، فاشترى أبي منها سمنا وعسلاً(٢) .

تأمَّل في فقرات هذين النَّصَّين وقارنهما مع ما جاء في ( تاريخ المدينه ) من أنّ عمر ‏بن الخطاب طلب بِسَماجَة من الإمام علي أن يسمِّي ولده باسمه، لترى في هذين النصين ‏هذه الجمل:‏

____________________

١- تفسير ابن كثير ١: ٣٦٠.

٢- انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٦: ٣٠٤.

٦٦

‏١ - لمّا وُلِدْتُ أتى بي أبي علياً فأخبره ففرض لي في مائة.

‏٢ - ثمّ أعطى أبي عطائي.

‏٣ - فاشترى أبي منها [أي من المائة] سمناً وعسلاً.

‏٤ - طلب سعد من الإمام، وهذا ما لا نلاحظه في نص ابن شبة. في حين الموجود في ‏نص ( تاريخ المدينة ) لابن شبة:‏

‏١ - أنّ الإمام عليّاً لم يأت بولده إلى عمر بن الخطاب بل أخبره عَرَضاً.

‏٢ - لم نقف على زيادة من الإمام عليّ لعطية على ما فرض له من حقّ كأحد ‏المسلمين، لكنّا وقفنا على هذه الزيادة عند عمر إذ قال: ‏(‏ وهبته غلامي موركا ‏)‏.

‏٣ - طلب عمر من الإمام أن يسمّي ابنه، بعكس سعد بن جناده الذي طلب من الإمام ‏أن يسمّي ابنه.

وعليه فليس في نص ابن شبة أكثر من أن يكون الإمام قد أخبر عمر بحال سبيّة ‏اليمامة وأنّ الله رزقه منها ولداً.

لكنّه لما رأى إرادة عمر أن ينحله اسمه، لم يخالفه لكون اسم عمر اسماً عربياً رائجاً ‏وان الإمام اسمى من ان يختلف على الاسماء.

وفي هذه القضية بَيَّنَ الإمامُعليه‌السلام أمراً لشيعته، وهو جواز التسمية بأسماء ‏الأعداء لو مَرّوا بظروف قاسية، أي أنهعليه‌السلام فعل مثل ما فعل النبي حين تزوج ‏زوجة زيد بن حارثه - زينب بنت جحش - كي يبين عدم حرمة تزوج ابناء التبني والذي ‏كان محرماً في الجاهلية.

فالنبي بزواجه من زينب أراد أن ينفي الحرمة المعهودة من هذا الزواج في الجاهلية، ‏والإمامعليه‌السلام بفعله هنا أراد بيان جواز التسمية باسماء الأعداء في ظروف خاصة ‏تقية وتسهيلاً، فلا يحقّ لشيعي بعد ذلك; لو مرّ بظروف حرجة أن يمتنع من التسمية بأبي ‏بكر وعمر وعثمان وأمثالها، لأ نّه ليس بأولى من الإمام علي بن ‏

٦٧

أبي طالب وأولاده المعصومين الذين سكتوا على تسمية أولادهم بأسماء الثلاثة.

على أنني لا أبعد أن يكون الإمام لحظ بعمله هذا الوقوفَ أمام حرب الأسماء الباردة ‏التي شنت في عهده ثم استمرت من بعده وهي غالباً ما تتستر بالشيخين، فالإمام وبإمضائه ‏لاسم عمر على ولده اراد الوقوف أمام استغلال أرباب النهج المنحرف لهذه الأسماء في ‏صراعهم مع الإمام علي، والذي تبيّن جليّاً واضحاً من بعد في زمان معاو ية بن أبي ‏سفيان.

إنّ مخالفة الإمام لطلب عمر - لو وقعت - تعني مخالفته مع أصل التسمية بهذا الاسم أو ‏ذاك، وهو ما لا يريدهعليه‌السلام ، خصوصاً مع عدم وجود قبح ذاتي في أصل التسمية ‏باسم عمر لغة.

إنّ المخالفة تعني خروجاً عن أصل الضوابط العرفية المرسومة في التسميات، ‏والدخول في حرج مع الأشخاص والأسماء، وتشديد الأزمة بينه وبين النهج الحاكم، ‏والدخول في أمور جزئية هو في غنى عنها، لأنّ عمر بن الخطاب كان يمكنه أن يقول ‏للإمام علي - عند عدم ارتضائه التسمية -: هل القبح فيَّ، أم في اسمي ؟ فإن كان القبح ‏فيَّ، فلماذا تخالف التسمية باسمي ؟ وما هو جرم مَن سُمّي بعمر قبلي وبعدي ؟

و إن كان الخلاف في معنى اسمي فادّعاؤك خلاف اللغة، لأنّ معنى اسمي غير قبيح.

وعليه فالمخالفة من الإمام علي تكون انفعالية لا أصولية. والإمام علي - بل كل ‏عظيم - لا يرتضي ذلك، بل يرى نفسه جزءً من الكلّ، و إن اهتماماته بالقيم ترجّح على ‏الأنانية والشخصنة.

بعكس الضعيف الذي يرى نفسه الكل في الكل وان كل شيء يتجسم فيه وهو الكلّ في ‏الكلّ، فلا يرتضي النقد، و يريد أن يحمد بما لم يفعله.

٦٨

فالإمام عليعليه‌السلام لم ينفعل حينما أصدر أوامره ضدّ قاتله ابن ملجم، فقال ‏للحسنعليه‌السلام : ضربة بضربة(١) ، ولم يجز الإمام علي للحسنعليه‌السلام التنكيل ‏والتمثيل بقاتله، ومثله كان حال غيره من أئمّة أهل البيت كالحسن والحسين مع مخالفيهم.

نعم الأئمة يخالفون هذه الأسماء لو صارت علماً للنهج غير الصحيح، وأن مخالفتهم ‏تأتي لمخالفة أولئك الناس للقيم واعتراضهم على الرسول لا لأسمائهم. وبذلك لا ترى ‏اسقاطات النزاع القيمي بين علي وعمر يؤثر على الأسماء.

وعليه فالإمام لا يريد الخروج عن الضوابط العرفيّة بصرف النظر عن الشرعية، ‏لان عمر واسمه لم يعرفا بعد كشاخص بارز في المضادة مع رسول الله وأ نّه من المخالفين ‏للسنة النبوية والناهين عن تدوين حديثهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمعترضين على رسول الله ‏في قضايا كثيره(٢) ، بل المتأمل في مواقفهعليه‌السلام يرى جليّاً أنّه كان يسعى للتأكيد ‏على التعايش السِّلمي الإسلامي، ولزوم الوقوف أمام الفتن.

إنّ الاستدلال بنص ابن شبة على المحبّة يحتاج إلى دليل، لأنّ الدعاوي لو لم توثّق ‏لبقيت على عواهنها دعاوي بلا أدلّة.

نعم، هناك نصّ يدل على لحاظ المحبة في خصوص تسمية ابن الإمام علي بعثمان، ‏لكنّا لم نقف على نص صريح مثله في سبب التسمية بأبي بكر أو عمر، وهذا النص صدر ‏عن الإمام في اواخر عهد عثمان بن عفان، أي في وقت تحكم فيه بنو أمية.

فالإمام أراد أن لا يستغل الأمو يون هذه التسمية والقول بأن هناك محبة بين علي ‏وعثمان بن عفان، وهو الاخر يؤكّد بأنّ التسمية بأبي بكر وعمر لم توضعا من ‏

____________________

١- تاريخ الطبري ٣: ١٥٨، نهج البلاغة: ٤٢٢ الرقم ٤٧ من وصية لهعليه‌السلام للحسن والحسينعليهم‌السلام .

٢- انظر في ذلك كتابنا منع تدوين الحديث.

٦٩

باب المحبة و إلاّ لذكر الإمام السبب كما ذكره في سبب تسميته ابنه بعثمان. وبذلك ‏يكون استغلال النص الصادر الدال على محبة عثمان بن مظعون وتعميمه على الآخرين ‏باطل، بل فيه تلميح و إشارة إلى شيء آخر.

وخصوصاً مجئ كلام الإمام علي في سبب التسمية بعثمان متأخّراً - أي بعد تسمية ‏ابنيه بعمر وأبي بكر(١) - فقد يكونعليه‌السلام عنى بكلامه التعريض بمن يدَّعي بأ نّه ‏سمى ابنيه الأوّلين احتراماً للشيخين; لأ نّه هنا يقول ‏(‏ إنّما سميته باسم أخي عثمان بن ‏مظعون ‏)‏(٢) ، فكأ نّهعليه‌السلام قال: إنّي أريد أن أدفع بهذه التسمية ما يتصوّره بعض ‏الناس بأني سمّيته حبّاً بعثمان بن عفان.

كما أ نّي لم أسمِّ ابنَيَّ الأولين حبّاً بالشيخين، أي ان الإمامعليه‌السلام بذكره هذا ‏التعليل عرَّض بالآخَرَيْنِ كنائياً.

وعليه، فعلى المدّعي بأنَّ وضع اسمى أبي بكر وعمر كان للمحبّة أن يأتي بدليل ‏صريح في ذلك، مثلما جاء عن مسروق أ نّه قال:‏

دخلت عليها ‏ ‎ ] أي على عائشة ‎ [ ‎ ‏ فاستدعت غلاماً باسم عبدالرحمن، فسألتها ‏عنه: فقالت: عبدي، فقلت: كيف سمّيته بعبدالرحمن ؟

قالت: حبّاً بعبدالرحمن بن ملجم قاتل علي(٣) .

وما جاء عن عبدالملك بن مروان أ نّه سمّى ابنه بالحجّاج لحبّه للحجاج بن ‏يوسف الثقفي، وقال:‏

____________________

١- نقول بذلك مسامحة، وذلك لعدم اعتقادنا بوجود ولد للإمام اسمه أبوبكر فهو كنية لمن اسمه عبدالله أو محمّد ‏الأصغر، وقد وضّحنا ذلك قبل قليل وسنشرحه أكثر عند الكلام في ‏(‏زوجات الإمام وأمهات أولاده‏)‏ في ليلى ‏النهشليّة.

٢- مقاتل الطالبين: ٥٥، تقريب المعارف: ٢٩٤.

٣- الشافي في الإمامة ٤: ٣٥٦، الجمل للمفيد: ٨٤.

٧٠

سمّيته الحجّاج بالحجاجِ الناصحِ المكاشفِ المداجي(١)

وهذان نصان صريحان بأنّ التسمية جاءت لحبّ فلان وفلان، أ مّا فيما نحن فيه فهو ‏مفقود، إذ أنّ استجابة الإمام لطلب عمر لا تعني المحبة قطعاً، فقد يكون تقية، وقد تكون ‏مجاملة، وقد يكون لشيء آخر، لأن الإمام لم يصرّح بما في نفسه ولا يحق لنا أن نُقَوِّلَهُ ما ‏لم يقله، وليس لنا علم بمكنون نفسه، ومثل ذلك موضوع التسمية أو التكنية بأبي بكر فلم ‏يرد نص بوضعها من قبلهعليه‌السلام ، بل كلّ ما رايناه هو ادعاء معاو ية ذلك على ‏الإمام، وتناقل المؤرخين ذلك في كتبهم.

ونحن لو أردنا حصر سبب التسمية على المحبة للزمنا القول بأن عثمان بن عفان سمى ‏ابنه ب- ‏(‏ عمرو ‏)‏ حباً بأبي جهل ‏(‏ عمرو بن هشام ‏)‏ راس المشركين والكافرين، كما أن ‏عمر بن الخطاب سمى ابنه بعبدالله حباً برئيس المنافقين عبدالله بن اُبي بن سلول أو عبدالله ‏بن أبي سرح الذي أمر رسول الله بقتله يوم دخل مكة، وهذا ما لا يقبله الأخرون، فنقول ‏لهؤلاء: - كيف تلزمونا بما لا تلتزمو به أ يَّها المسلمون.

اجل إنّك لو القيت نظرة على الحقبة الأولى من تاريخ صدر الإسلام وقست اقوال ‏الإمام علي - أو ما جاء عن أهل بيتهعليهم‌السلام - مع المدعيات الفارغة من قبل نهج ‏الخلفاء في التسميات لوقفت على التضاد بين الفكرين فجاء في تفسير على بن إبراهيم ‏القمي عن هشام عن أبي عبدالله الصادق - والخبر طويل - قال: وقوله( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ ‏يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ ) قال: هم الذين سموا أنفسهم بالصديق والفاروق ‏وذي النورين ثم كُنّى عنهم فقال( انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) وهم الذين غاصبوا ‏آل محمّد حقهم(٢) .

____________________

١- شرح نهج البلاغة ١٩: ٣٦٩، الوافي بالوفيات ١١: ٢٤٣ الترجمة ٣.

٢- تفسير علي بن إبراهيم القمي ١: ١٤٠.

٧١

وفي الخرائج والجرائح: روي أن اعرابياً اتى أمير المؤمنين وهو في المسجد فقال: ‏مظلوم.

قال: ادن مني، فدنا حتى وضع يديه على ركبتيه، فقال: ما ظلامتك ؟ فشكا ‏ظلامته.

قال: يا اعرابي أنا اعظم ظلامة منك ظلمني المدر والوبر ولم يبق بيت من العرب إلاّ ‏وقد دخلت مظلمتي عليهم وما زلت مظلوماً حتى قعدت مقعدي هذا، ان عقيل بن أبي ‏طالب يومه ليرمد فما يدعهم يذرونه(١) ، حتى يأتوني فإذر وما بعيني رمد.

ثم كتب له بظلامته ورحل، فهاج الناس وقالوا قد طعن على الرجلين(٢) ، فدخل عليه ‏الحسن فقال: قد علمت ما شرب قلوب الناس من حب هذين، فخرج فقال: الصلاة ‏جامعة(٣)

وفي تقريب المعارف عن فضيل بن الزبير عن فضيع عن أبي كديبة الأزدي قال: قام ‏رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فسأله عن قول الله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا ‏تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) فيمن نزلت ؟

قال: ما تريد ؟ أتريد أن تغري بي الناس ؟!.

قال: لا يا أمير المؤمنين، ولكني أُحبّ أن أعلم.

قال: اجلس، فجلس، فقال: اكتب عامراً، اكتب معمراً، اكتب عمراً، اكتب ‏عمّاراً، اكتب معتمراً، في أحد الخمسة نزلت !‏

قال سفيان: قلت لفضيل: أتراه عمراً ؟ قال: فمن هو غيره ؟!(٤)

____________________

١- أي يصبون في عينه الدواء.

٢- أي أبي بكر وعمر.

٣- بحار الأنوار ٤٢: ١٨٨.

٤- بحار الأنوار ٣٠: ٣٧٩ - ٣٨٠ عن تقريب المعارف: ٢٤٣.

٧٢

إذن التضاد بين الخطين واضح ومتجذر ولا يمكن اثبات دعوى المحبة بين علي ‏وعمر وفق الحدس والتخمين، فالتسمية أ مّا كانت خوفاً أو مداراة، وقد لا يدخل في هذين ‏السياقين لكون الأسماء توضع للعلمية ولا ينظر فيها الحب والبغض، وقد تكون ناظرة إلى ‏أشياء اخر.

ومن الطريف هنا أن أنقل ما حكاه ابن كثير في البداية والنهاية، عن محمّد بن زيد ‏العلوي - أمير طبرستان والديلم - أ نَّه تقدّم إليه يوماً خصمان، اسم أحدهما معاو ية، واسم ‏الآخر عليّ، فقال محمّد بن زيد: إن الحكم بينكما ظاهر، فقال معاوية: أ يّها الأمير، لا ‏تغترنَّ بنا، فإن أبي كان من كبار الشيعة، وانّما سمّاني معاو ية مداراة لمن ببلدنا من أهل ‏السنّة، وهذا كان أبوه من كبار النواصب فسمّاه عليّاً تقاة لكم، فتبسّم محمّد بن زيد، ‏وأحسن إليهما(١) .

وفي ذيل تاريخ بغداد لابن النجار: أ نّه ولد لبعض الكتاب ولد، فسماه عليّاً وكناه أبا ‏حفص، فقال له بعضهم: لم كنيته بأبي حفص ؟

قال: اردت أن انغصه على الرافضة(٢) .

انظر إلى هذين النصين فهما صريحان بوجود التناقض والتضاد بين اسم ( علي ) ‏وكنية ( أبي حفص ) وأن كل واحد يدل على اتجاه معين، فالشيعي يسمي معاوية مداراة ‏لأهل السنة وفي المقابل أهل السنة كانوا يسمون في ولاية العلوي على طبرستان بعلي ‏تقاة، وكذا قد وقفت على جواب ذاك السني الانفعالي وانه اراد نغص الشيعة بتكنية ذلك ‏الولد بأبي حفص، كل ذلك يؤكد بوجود التناقض بين المسيرين قبل ابن تيمية.

نعم، لو تنازع الأبوان في تسمية الولد، فهي للاب خاصّة، وهو بالخيار أن ‏

____________________

١- البداية والنهاية ١١: ٨٣ حوادث سنة ٢٨٧ ه-.

٢- ذيل تاريخ بغداد ٤: ٧٢.

٧٣

يرضى بما سمّته الأم والجد أو يغيّر ذلك، وعلى ذلك روايات كثيرة، وسبحانه يقول ‏‏( ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ) (١) .

‏(‏ لأنّ الولد يتبع أ مّه في الحرية والرقّ، ويتبع أباه في النسب والتسمية، وقد زعم ‏البعض أ نّهم يدعون بأمهاتهم; لما جاء من حديث أمامة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - والمروي في معجم الطبراني - في تلقين الميت(٢) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ‏إذا مات أحدٌ من إخوانكم فسوّيتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا ‏فلان بن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنّه يستوي قاعداً ثمّ ‏يقول: يا فلان بن فلانة، فإنّه يقول: أرشدنا يرحمك الله ...‏

وفيه: فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أ مّه ؟ قال ينسبه إلى حواء: يا فلان بن ‏حواء...‏)‏(٣) .

وهذا النص يعطي مكاناً للأمّهات و يبرهن على دورهنّ في المنظومة الإلهية، ‏فالتسمية و إن كانت حقّاً للأب، لكن ذلك لا يمانع من أن تسمي الأمّهات أولادهن أيضاً، ‏خصوصاً لو كانت الأُمّ حرّة ويؤكد ذلك ما جاء في تاريخ الطبري: انّ عبدالملك سار إلى ‏مصعب فقتله، فلمّا قتله بلغه مولد هشام فسمّاه منصوراً يتفاءل بذلك، وسمّته أمّه باسم ‏ابيها هشام فلم ينكر ذلك عبدالملك(٤) .

وفي ( الغارات ) للثقفي: ان ميثم التمار كان لامراة من بني أسد فاشتراه الإمام علي ‏واعتقه، وقد ساله عن اسمه، فقال: سالم. فقالعليه‌السلام : ان رسول الله أخبرني ان ‏اسمك الذي سماك به ابوك في العجم ميثم. قال: صدق الله ورسوله وصدقت يا أمير ‏المؤمنين، فهو والله أسمي.

____________________

١- الأحزاب: ٥.

٢- وهذا دليل على كذب من يدعي ان التلقين للميّت هو بدعة مثل الوهابية وغيرهم.

٣- المعجم الكبير ٨: ٢٤٩.

٤- تاريخ الطبري ٤: ١١١.

٧٤

فقالعليه‌السلام : ارجع إلى اسمك ودعت سالماً، فنحن نكنيك به، فكناه ابا ‏سالم(١) .

ب - التسمية للامّهات

جاء في مقاتل الطالبيين: أنّ فاطمة بنت أسد سمّت ولدها حيدرة، فغير أبو طالب ‏اسمه وسمّاه علياً(٢) ، وقال ابن عنبة في عمدة الطالب عند ذكره عقب أمير المؤمنين علي ‏بن أبي طالبعليه‌السلام مثل ذلك، والنص هو:‏

واُمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمنافرضي‌الله‌عنه ، وكان قد ولد ‏وأبوه غائب فسمّته فاطمة بنت أسد: حيدره، لأن حيدرة من أسماء الأسد، ‏وقد ذكر ذلك في شعره يوم خيبر فقالعليه‌السلام : أنا الذي سمتني أمي ‏حيدرة(٣) .

وانّما غَيَّر أبو طالب اسمه لأ نّه كان قد ناجى ربّه في تسمية وليده ، ‎

بقوله:‏

يا ربَّ هذا الغسقِ الدَّجِيِّ والقمرِ المنبلجِ المُضِيِّ

بَيِّن لنا من حكمك المقضيِّ ماذا ترى في إِسْمِ ذا الصبيِّ

فجاءه الجواب:‏

خُصصتما بالولدِ الزَّكيِّ والطاهرِ المنتجبِ الرضيِّ

فإِسْمُهُ من شامخ عَلِيِّ عَلِيٌّ اشتُقَّ من العَلِيِّ(٤)

____________________

١- شرح النهج ٢: ٢٣٩.

٢- مقاتل الطالبيين: ١٤، خزانة الأدب ٦: ٦٣.

٣- عمدة الطالب: ٥٩.

٤- مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٣، ألقاب الرسول وعترته: ١٨، وانظر الفضائل لابن شاذان: ٥٧، باختلاف ‏يسير.

٧٥

وهذان البيتان يوحيان إلى أنّ اسم الإمام عليعليه‌السلام كان بإلهام من الله إلى أبي ‏طالب، وهو يشبه ما رآه عبدالمطلب في المنام وأنّ رجلا أمره أن يسمّى حفيده بمحمّد، ‏وانتظار الرسول أمر البارئ في تسمية الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وهو يؤكد بأنّ ‏هذه التسميات إلهية.

نعم، إنّ اسم علي اسمٌ ذو مغزى عظيم وقد اشرنا سابقاً إلى بعض ملامحه، فهو اسم ‏شامل لعلوّه على أقرانه في العلم والأخلاق والجهاد، وشامل لعلوّ داره في الجنّة ومحاذاته ‏لمنازل الأنبياء، وهو بالتالي اسم له اشتقّ من اسم البارئ، الذي أ كّد بقول وفعل ‏الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو الذي علا حتّى كاد ينال السماء حين رفعه رسول ‏اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كتفيه لكسر الاصنام.

‏ ومن الّذين سمّتهم الأ مّهات هو مرحب اليهودي; لأ نّه قال في رجزه:‏

أنا الذي سمتني أمي مرحبْ شاكي السلاح بطل مجرّبْ

إذا الليوث اقبلت تَلَهَّبْ وأحجمت عن صولة المغلَّبْ(١)

فأجابه الإمام علي:‏

أنا الذي سمتني أمي حيدرَه كليث غابات كريه المنظره(٢)

و يروى:‏

أنا الذي سمتني أمّي حيدرة أضرب بالسيف رؤوس الكفرة

أكيلهم بالصاع كيل السندرة(٣)

____________________

١- إمتاع الاسماع ١١: ٢٩١، وفيه: شاكٌ سلاحي، زاد المعاد ٣: ٣٢١، وانظر الخصال: ٥٦١.

٢- مصنف بن أبي شيبة ٧: ٣٩٣، طبقات ابن سعد ٢: ١١٢، وأمتاع الاسماع ١١: ٢٩١، وفيه: كليث ‏غابات غليظ القسورة، كما ورد تسميته حيدرة في مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٣٠٥، ٣١٩، بحار الأنوار ‏‏٢١: ١٨، عن الديوان المنسوب إلى الإمام عليعليه‌السلام ، فتح الباري ٧: ٤٧٨، و ١٣: ٣٧٠، ‏الاستيعاب ٢: ٧٨٧، الروض الأنف ٤: ٨٠، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢: ٦٤٣، المجالسة وجواهر ‏العلم: ١٥٦، مشارق الانوار: ١٨٤.

٣- امتاع الإسماع للمقريزي ١١: ٢٩١، الروض الأنف ٤: ٨٠.

٧٦

‏وممّن سمتهم الأمهات كذلك، عمر بن عبدالعزيز، وقيل: إنّ ذلك هو في: عمر ‏بن الخطاب.

قال رجل لعمر بن عبدالعزيز: يا خليفة الله، فقال: ويلك لقد تناولت تناولا بعيداً، إنّ ‏أمي سمتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قَبِلتُ، ثمّ كبرت فكنّيت أبا حفص، فلو دعوتني ‏به قبلت، ثمّ وليتموني أموركم فسميتوني أمير المؤمنين فلو دعوتني بذاك كفاك(١) .

وقد مرّ عليك ما جاء عن الإمام الحسينعليه‌السلام أ نّه قال للحر بن يزيد الرياحي ‏لمّا وضعوه بين يديهعليه‌السلام وبه رمق، فجعلعليه‌السلام يمسح التراب عن وجهه ‏ويقول: أنت الحر كما سمّتك أمك حراً، أنت الحرّ في الدنيا والآخرة(٢) .

وذكر أ نّه لما أدخل سعيد بن جبير على الحجاج بن يوسف الثقفي قال له الحجاج: أنت ‏شقيّ ابن كسير، قال: لا، أمّي أعرف باسمي حيث سمتني بسعيد بن جبير(٣) .

وسعيد بن جبير بقوله ( لا، أمّي أعرف ) أراد أن يقول للحجّاج بأ نّه ابن حُرّة وليس له ‏الحقّ في نبزه.

وعن أبي حصين، قال: أتيت سعيد بن جبير بمكة فقلت: إنّ هذا الرجل قادم - يعني ‏خالد بن عبدالله - ولا آمنه عليك فأطعني واخرج، فقال: والله لقد فررت حتى استحييت ‏من الله، قلت: والله إنّي لاَراك كما سمّتك أمّك سعيداً، فقدم خالد ‏

____________________

١- الأذكار النووية: ٢٨٦، صبح الأعشى ٥: ٤١٨، مرقاة المفاتيح ١٠: ٢٢ وقد نسب الشيخ محمّد صالح ‏المنجد في موقع الإسلام على الانترنت في الفتوى رقم ٣١٩٠٠، تحت عنوان: لا يقال عن أحد إنّه خليفة الله، ‏نسبه إلى عمر بن الخطّاب.

٢- تاريخ الطبري ٣: ٣٢٠، الفتوح ٥: ١٠٢ والمتن منه، اللهوف في قتلى الطفوف: ٦٢، مقتل الحسين ‏لأبي مخنف: ١٢٢، أعيان الشيعة ١: ٦٠٤، ٤: ٦١٤.

٣- تهذيب الكمال ١٠: ٣٧٤، روضة الواعظين: ٢٩٠، اختصاص المفيد: ٢٠٥، رجال الكشي ١: ٣٣٥، ‏المحن: ٢٣٣، أخبار المدينة ٢: ١٩٩، ٢٨٣، أخبار القضاة ٢: ٤١١.

٧٧

مكّة فأرسل إليه فأخذه(١) .

وعن عمر بن محمّد، قال: جاءت بيعة الوليد وسليمان، [فدعا] هاشم بن إسماعيل، ‏وهو والي المدينة سعيدَ بن المسيب مع قومه من بني مخزوم إلى أن يبايع لهما، فأبى أن ‏يفعل، فجلده والبسه ثياب شعر، فقال: أين تريدون تذهبون بي ؟ قالوا: نقتلك، فقال: أنا ‏إِذاً لسعيد كما سمتني أمي(٢) .

وفي مختصر تاريخ دمشق: عن المنجي بن سليم الكاتب، قال: قلت لأبي محمّد ‏الحسن بن جميع الغساني: أنت اسمك حسن، والأغلب عليك سكن.

فقال: كانت أمّي ما يعيش لها ولد، فلمّا ولدتني أمّي سمّاني أبي: حسن، فرأت امرأة ‏في المنام هاتفاً يقول لها: تقول لأمّ حسن: تسمّيه سكن، حتّى يسكن(٣) .

وقد ذكر أصحاب الأدب طرائف ونوادر وفي بعضها هجاء، وكلّها تشير إلى أنّ ‏التسميات لم تكن منحصرة في الآباء، بل للأمهات دور في التسمية كذلك، فمن تلك ‏النوادر ما قاله أبو ذؤيب النميري والذي ذكره دعبل في شعراء اليمامة وأنشد له:‏

سمّتك أمك ديناراً وقد كذبت بل أنت في القوم فلس غير دينار(٤)

وقال يحيى بن نوفل للعريان بن الهيثم وهو بالكوفة:‏

سمّتك أمّك عرياناً وقد صدقت عَرِيتَ من صالحِ الأخلاقِ والدينِ

____________________

١- حلية الأولياء ٤: ٢٧٥، تهذيب الكمال ١٠: ٣٦٧، سير أعلام النبلاء ٤: ٣٢٧، صفة الصفوة ٣: ٨٠.

٢- المعرفة والتاريخ ١: ٢٥٦.

٣- تاريخ دمشق ١٣: ٣٥٤.

٤- المؤتلف والمختلف للآمدي: ١٥١.

٧٨

زعمت أنّك عدل في إمارتكم وأنت أسرق من ذئب السراحين(١)

وقد هجا رجلٌ أبانَ بن الحميد اللاّحقي مولى الرقاشيين بقوله:‏

صَحَّفتْ أُمُّك إذ سَمَّ- -تك في المهد أبانا

صَيَّرَتْ باء مكان التَّ- -اء تصحيفاً عيانا(٢)

وقال برصوما الزامر لأ مّه: و يحك ! ما وجدت لي إسماً تسمّيني به غير هذا ! قالت: ‏لو علمت أ نّك تجالس الخلفاء والملوك سمّيتك: يزيد بن مزيد(٣) .

الانتساب إلى الأمهات مدح أم ذم ؟

وهنا نكتة لابدّ من ذكرها، و إن كان في النظر البدوي يراها القارئ خارجة عن ‏الموضوع، لكنها ترتبط بنحو وآخر بهذه الدراسة. وهي: إنّ النسبة إلى الأمّهات تارة ‏تكون رفعة وشرفاً للشخص، وأخرى استنقاصاً وذمّاً له.

وقد استخدمت هذه النسبة في كتب التاريخ والأنساب في أخبار المدح والذمّ معاً، ‏ومثال ذلك كثير في النصوص التاريخيّة.

فقد ذُمَّ معاو ية بانتسابه إلى أ مّه هند(٤) ، كما ذم مروان بانتسابه إلى جدّته الزرقاء، ‏وكذلك زياد إلى سُمية، لأنّ هنداً والزرقاء كانتا من ذوات ‎

الرايات في الجاهليّة(٥) ، أمّا سُمية فقد ادعى في ابنها رجلين أحدهم أبو ‎

____________________

١- أنساب الاشراف ٩: ٧١.

٢- أعيان الشيعة ٥: ٣٧١، وانظر محاضرات الأدباء ١: ١٤٣.

٣- شرح نهج البلاغة ٥: ٥٧٢.

٤- انظر شرح نهج البلاغة ١: ٣٣٦ والطرائف لابن طاووس: ٥٠١.

٥- مثالب العرب: ٧٢ باب نكاح الجاهلية، شرح النهج ١: ٣٣٦، الطرائف لابن طاووس: ٥٠١، أنساب ‏الأشراف ٦: ٢٥٧، الكامل في التاريخ ٤: ١٥، تاريخ دمشق ٥٧: ٢٣٣، جمهرة أنساب العرب: ٨٧.

٧٩

سفيان(١) .

وفي المقابل هناك من نسب لأمّه لمزيد رفعة وشرف فيها، فيقال لولد عليّعليه‌السلام : أبناء فاطمة، أو ولد فاطمة، وللزبير: ابن صفية، ولعمار: ابن سميّة، ‏ولعيسى: ابن مريم، فإنّ فاطمة ابنة رسول الله، وصفيّة عمّته، وسمية اول شهيدة في ‏الإسلام، ومريم هي المصطفاة على نساء العالمين حسب تعبير القرآن الكريم.

والآن سؤال يطرح نفسه وهو: ما هو سبب اشتهار عمر بن الخطاب في كتب التاريخ ‏والأنساب بابن حنتمة(٢) أو الصهّاك، هل انّ ذلك جاء مدحاً له أم ذمّاً وبغضاً له، أمّ أن ‏في تلك النصوص اشارة إلى حقيقة تاريخيّة ؟ فمن هي حنتمة، ومن هي الصهاك(٣) ، ‏وما هو موقعهما في التاريخ الجاهلي وقبل الإسلام ؟

إنّ اشارتي إلى هذه النكتة لم يكن استنقاصاً لعمر كما يريد أن يصوره مخالفي، وذلك ‏لوروده في كلام من يريد مدحه أيضاً، فعن أبي هريرة أ نّه قال: رحم الله ابن حنتمة لقد ‏رأيته في عام الرمادة وانّه يحمل على ظهره جرابين وعكّة زيت في يده(٤) .

نعم، ورد ذلك في لسان من يريد ذمه أيضاً، فعن عمرو بن العاص أ نّه قال: ان ابن ‏حنتمة بعجت له الدنيا أمعاءها والقت إليه أفلاذ كبدها - إلى أن قال -: فمصّ منها مصّاً ‏وقمص منها قمصاً(٥) .

____________________

١- فتح الباري ٨: ٤٦، المجروحين ١: ٣٠٥ ت ٣٥٨، لسان الميزان ٢: ٤٩٣ ت ١٩٧١.

٢- أنساب الأشراف ٥: ١٧، ١٨ و ١٠: ٣٧٩.

٣- ولمزيد من الاطلاع راجع كتاب مثالب العرب لابن الكلبي :٨٧، باب تسمية من تدين بسفاح الجاهلية.

٤- طبقات ابن سعد ٣: ٣١٤، تاريخ دمشق ٤٤: ٣٤٧، الكامل في التاريخ ٢: ٤٥٥.

٥- تاريخ دمشق ٤٤: ٣٧٨، غريب الحديث لابن قتيبة ٢: ٣٧٠، الفائق ١: ٣٢٥.

٨٠