التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 166665
تحميل: 7335

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166665 / تحميل: 7335
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

وروي انّ عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص وكان على مصر: وجهت ‏إليك محمّد بن مسلمة ليقاسمك مالك قال المدائني: فلمّا قاسم محمّد ابن مسلمة عمرو بن ‏العاص، قال [عمرو]: انّ زماناً عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء، فقال ‏محمّد: لولا زمان ابن حنتمة هذا الذي تكرهه أُ لْفِيتَ معتقلا عنزاً بفناء بيتك يسرّك غرزها ‏ويسوءك كباؤها، قال: أنشدك أن لا تخبر عمر(١) .

وفي ( المثل السائر ) لابن الاثير ‏(‏ ان العرب كان يعير بعضها بعضاً بنسبته إلى أ مّه ‏دون أبيه، ألا ترى أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه كان يقال له: ابن حنتمة، و إنّما ‏كان يقول لذك(٢) من يغض منه، وأ مّا قول النبيّ للزبير بن صفية: بشر قاتل ابن صفية ‏بالنار، فانّ صفية كانت عمّة النبيّ، و إنّما نسبه إليها رفعاً لقدره في قرب نسبه منه وأ نّه ‏ابن عمّته، وليس هذا كالأوّل في الغضِّ من عمر في نسبه إلى أمّه ‏)‏(٣) .

وعليه فكل ما قدمته كان لتوضيح الحقيقة ولفت الأنظار إلى قضية مجهولة في ‏البحث، وليس في كلامي تعريض بأحد.

بهذا فقد أعطينا صورة مصغّرة عن تسمية الأمّهات والانتساب إليهنّ، ولهذا بحث ‏طو يل نتركه لحينه.

كلّ هذه النصوص تؤكّد إمكان تسمية الأ مّهات أولادهنّ ولا مانع من ذلك، خصوصاً ‏لو كانت الأمّ حرّة، وبه تعرف بأن التسمية و إن كانت حقّاً للآباء، لكنّ الأمهات والأجداد ‏وأصحاب المقام كانوا يضعون الأسماء في بعض الحالات كذلك، ثمّ يأتي دور الآباء ‏فكانوا إمّا أن يتركوا تلك التسميات أو يغيّرونها.

____________________

١- فتوح البلدان: ٢٢١، الخراج وصناعة الكتابة: ٣٣٩.

٢- هكذا في النص ويحتمل أن يكون (بذلك).

٣- المثل السائر لابن الاثير ٢: ٣٠٣.

٨١

ج - انّها للوالدين معاً، لأنّ العرب كانت تعدّد الأسماء‏

إنّ حمل الإنسان العربي اسمين أو أكثر قد يعود للوضع القبلي الذي كان يعيشه، وقد ‏قيل بأنّ الشخص كلّما عظم في عيون الناس كثرت أسماؤه وتوالت على الألسن صفاته، ‏ومن هذا المنطلق ذهبوا إلى أنّ لله تسعة وتسعين اسماً(١) ، وأنّ للرسول عشرة أسماء ‏خمسة منها في القرآن وخمسة ليست في القرآن.

فأ مّا التي في القرآن: محمّد، وأحمد، وعبدالله، ويس، ون، وأ مّا التي ليست في ‏القرآن: فالفاتح، والخاتم، والكافي، والمقفي، والحاشر(٢) وقيل بأكثر من ذلك.

و إنّ الأئمّة وأبناءهم وأتباعهم لا يخرجون من هذه القاعدة(٣) ، فترى لفاطمة الزهراء ‏تسعة اسماء، ومن هذا المنطلق ترى لبعض ولد الأئمّة اسمين، فمثلاً قيل بأنّ الاسم الآخر ‏للسيّدة سكينة بنت الحسين هو آمنة بنت الحسين، أو أن اسم السيدة رقية كان فاطمة كذلك، ‏وقد مر عليك بأن لميثم التمار اسمان.

وهذه الحالة كانت متعارفة عند العرب، فلو راجعت تاريخ الإسلام للذهبي في ترجمة ‏مالك بن أحمد بن علي، أبي عبدالله البانياسيّ الأصل البغدادي، لرأيته يصرّح بهذا الأمر ‏ويقول: سمّاني أبي مالكاً وكنانّي بأبي عبدالله، وسمّتني أمّي علياً وكنتّني أبا الحسن، فأنا ‏أُعرف بهما(٤) .

نعم، إنّ هذا كان وما زال متداولاً في بلداننا العربية كالعراق ولبنان والجزيرة،

____________________

١- الكافي ١:٨٧ ح ٢، ١٤٤ ح ٢، صحيح البخاري ٥:٢٣٥٤ ح ٦٠٤٧، و ٦: ٢٦٩١ ح٦٩٥٧.

٢- الخصال ٢: ٤٨، بحار الانوار ١٦: ٩٦ ح ٣١، تفسير مجمع البيان ٨: ٢٥٥.

٣- قال الطبرسي في أعلام الورى ١: ٣٠٣ عن أميرالمؤمنين: وأسماؤه في كتب الله تعالى المنزلة كثيرة، ‏أوردها أصحابنا رضي‌الله‌عنهم في كتبهم.

٤- تاريخ الإسلام ٣٣: ١٦١، وفي البداية والنهاية ١٢: ١٤٢ ان اسم الاب وكنيته غلب على تسمية الأم.

٨٢

فقد يكون وضع أحد هذين الاسمين كان من قبل الأب، والآخر من قبل الأم، أو الجدّ ‏الأبيّ أو الأمّي، وقد يكون وضع بعض تلك الأسماء آتياً من المحبة الزائدة، وقد يكون من ‏قبل الآخرين للتوصيف أو للتنقيص. وقد يكون اسماً يُلَعَّب به الطفل و يُرَقَّص فيبقى عليه ‏بل يكون أعرَفُ به كما هو الحال في ( بَبَّه(١) ).

هجا جريرٌ الأَخطلَ بقوله:‏

بكى دَوْبَلٌ لا يُرْقئُ الله دمعَهُ ألا إنّما يبكي من الذُّلِّ دَوْبَلُ

فقال الأخطل: ما لجرير لعنه الله، والله ما سمتني أمي دوبلا إلاّ وأنا صبي صغير، ‏ثم ذهب ذلك عنّي لمّا كبرت(٢) .

وحكي عن أبي خالد الكابلي أ نّه كان يخدم محمّد بن الحنفية دهراً وما كان يشك في ‏أ نّه الإمام المفترض طاعته، ثم سأله عمّن يجب طاعته فأخبره أ نّه الإمام السجاد، فأقبل ‏أبو خالد إلى الإمام السجادعليه‌السلام فاستأذن عليه، فلمّا دخل عليه قال له الإمام: ‏مرحباً بك يا كنكر، ما كنت لنا بزائر، ما بدا لك فينا ؟

فخر أبو خالد ساجداً فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت.

فقال له الإمام زين العابدين: وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد ؟

قال: إنك دعوتني باسمي الذي سمّتني به أمّي التي ولدتني، وكنت في عمياء من أمري ‏- إلى أن قال -: ثمّ أذنت لي فجئت فدنوت منك فسمّيتني باسمي الذي سمتّني أمي، فعلمت أنك ‏الإمام الذي فرض الله طاعته عليَّ وعلى كل مسلم(٣) .

____________________

١- قال ابن الأعرابي: يقال للشاب الممتليء البدن نعمة وشباباً ‏(‏بَبّة‏)‏، وأنشد لامرأة ترقص ابنها: لأنكحَنَّ بَبَّه ‏جارية خِدَبَّة وهو قول هند بنت أبي سفيان لأبنها عبدالله بن الحارث. تهذيب اللغة ١٥: ٤٢٥، سر صناعة ‏الأعراب ٢: ٤١٢.

٢- الاغاني ١٢: ٢٣٨، وطبقات فحول الشعراء ٢: ٤٨١.

٣- اختيار معرفة الرجال ١: ٣٣٧، قاموس الرجال ١٠: ٤٣٠، بحار الأنوار ٤٢: ٩٥ و ٤٦: ٤٦، ‏والخرائج والجرائح ١: ٢٦١، ومدينة المعاجز ٤: ٢٨٨، ٤٠٣.

٨٣

وهذه النصوص تؤكد عدم استبعاد أن يُسَمَّى الإنسان باسمين وخصوصاً في ذلك ‏الزمن العصيب، فقد يكون أحد الاسمين هو ما يشتهر به، والآخر يبقى مخفياً عند ‏المقرّبين ولا يعرفه إلاّ الأوصياء من ربّ العالمين، فينادون به ذلك الشخص عند ‏الضرورة أو لإثبات الحقّ وتقديم آية له.

عن أبان بن تغلب أ نّه قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من ‏أهل اليمن، فسلّم عليه فردّ عليه أبو عبدالله، وقال له: مرحباً بك يا سعد !‏

فقال له الرجل: بهذا الاسم سمّتني أميّ، وما أقلّ من يعرفني به(١) .

وفي ( الثاقب في المناقب ): إن أمير المؤمنين خاطب الراهب في طريقه إلى صفين: ‏شمعون ؟

قال الراهب: نعم شمعون، هذا اسم سمّتني به أمّي، ما اطّلع عليه أحد إلاّ الله ثم ‏أنت، فكيف عرفته(٢) ؟!‏

وفي ترجمة محمّد بن الحسين المعروف بقطيط من تاريخ بغداد: ولمّا ولدت سمّيت ‏قطيطاً على أسماء أهل البادية فكان اسمي إلى أن كبرت، ثمّ إنّ بعض أهلي سمّاني ‏محمّداً، فاسمي الآن قطيط ولقبي محمّد وهو الغالب عليَّ(٣) .

وقد أخبرني أحد ابناء عمومتي المسمّى بالسيّد مرتضى والشهير بالسيّد ناصر أ نّه سأل ‏أحد كبار العائلة عن ظاهرة تفشي اسمين عند العرب، فقال له ذلك الكبير: إنّ العربي ‏يشتهر بأحد الاسمين ويخفي الثاني كثيراً، ولهذا فوائد كثيرة عند العرب.

أحدها: إنّ الاسم المشهور غالباً ما يكون اسماً غير مقدّس في وسطنا نحن المتدينين، ‏فمثلاً اسمك المشهور عندنا هو السيّد ناصر، في حين أنّ اسمك ‏

____________________

١- الخصال للصدوق: ٤٨٩، وفي فرج المهموم للسيّد ابن طاووس: ٩٨ سعيد.

٢- الثاقب في المناقب لابي حمزة الطوسي: ٢٥٩ - ٢٦٠.

٣- تاريخ بغداد ٢: ٢٥٣ - ٢٥٤، اللباب في تهذيب الانساب ٣: ٤٨.

٨٤

الآخر والمثبت في دائرة الأحوال الشخصيّة هو السيّد مرتضى، وكذا اسم أخيك ‏فالمشهور عند العائلة وأصدقائه هو السيّد نوري، في حين أنّ اسمه في الجنسية هو السيّد ‏مصطفى.

فقد يكون والدك أو والدتك كانوا يخاطبونك بناصر ويخاطبون أخاك بنوري للمحافظة ‏على الأسماء والصفات المقدّسة للمعصومين كالمصطفى الخاتم، والمرتضى الوصي، ‏من تجاوز الأطفال وغيرهم.

نعم، إنّ إخوتي كانوا يحملون اسمين، فيقال مثلاً لشقيقي السيّد جواد: عطاء الله، ‏ولشقيقي الاخر السيّد زين العابدين: قوام الدين، وكانوا يشتهرون في العراق بالسيّد قوام ‏الدين والسيّد عطاء، في حين أن اسميهما اليوم كما هو المثبت في دائرة الاحوال المدنيّة: ‏السيّد زين العابدين والسيّد جواد، فالاسمان الأوّلان هما ما اشتهرا بهما أيام الشباب، أما ‏اليوم فلا يعرفهما أحد بتلك الأسماء إلاّ الخواص.

فقد يكون الأبوان وراء التعدد في الأسماء، وقد يكونا أرادا بذلك الحفاظ على اسميهما ‏الحقيقيين والموجودين في الجنسية، لأنّ الاسمين الموجودين في دائرة الاحوال المدنيّة ‏يحملان اسمين لإمامين معصومين من أهل بيت الرسالة هما الإمام زين العابدين، والإمام ‏الجواد، فللمحافظة على الاسمين المقدسين جاؤوا بالاسمين الرائجين.

وقد يعود سبب التعدد هو الاحترام للأب الذي سمّى الولد بأحد الاسمين، أو الاحترام ‏للجدّ الأمّي الذي سمَّى الاسم الآخر، وقد يكون لأمر آخر.

وثانيها: إنّ العرب كانوا يخفون أحد الاسمين للأيام الحرجة التي كانوا يمرّون بها، ‏فمثلاً أنك تُعرف باسم ( ناصر ) و يعرف أخوك باسم ( نوري )، فلو رفع أحد أعدائك ‏تقريراً ضدّك، فالجهات المعنّية يسألون عن ناصر وليس لديهم ما يدل على أ نّه أنت، ‏لأ نّك المسمّى في دائرة الأحوال المدنيّة: مرتضى، أي أ نّهم

٨٥

كانوا يخفون اسمك الحقيقيّ وراء اسمك الظاهر والمعروف به، وأ نّهم كانوا يسمّونك ‏كما يعرف اليوم بالاسم الحَرَكي، لأنّ المجاهد غالباً ما يشتهر باسمه الحركي، أ مّا اسمه ‏الحقيقي فيبقى مجهولاً حتّى لا تعرفه الجهات الرسمية. وقيل بأنّ الكنى جاءت عند العرب ‏من هذا الباب.

وعليه فوضع الأسماء لم تكن لعلّة واحدة، فقد تكون للمحبة، وقد تكون للخوف، وقد ‏تكون لوضع الأمهات، أو الاباء، أو الاجداد، أو من كبار القوم أو ...‏

وبعد هذا نقول: إذا وقفت على اسم أبي بكر أو عمر أو عثمان بين أولاد الأئمّة ‏المعصومين فقد يكون موضوعاً من قبل الأمّهات، أو الجد الأمّي للعائلة، والإمام لم ‏يعترض على ما سمّته الأمّهات أو الاجداد لأ نّه اسم عربي غير قبيح لغة، ولو أراد تغييره ‏لأثار حساسية بينه وبين عائلة زوجته الذين سمّوا المولود، بل لاستلزام ذلك تبديل معظم ‏اسماء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، لان كثيراً من هؤلاء الصحابة والتابعين كانوا ‏قد تعاونوا مع السلطة لغصب خلافة الإمام علي، فإن تغير هذه الأسماء تدعو إلى تبديل ‏اسماء الأقرباء والأصدقاء وكلّ من يَمُتُّ إليهم بصلة، وذلك غير معقول، لأنّ كثيراً من ‏الصحابة كان الإمام عليّعليه‌السلام لا يرتضي سلوكهم، فلو أَلْغَى أسماءهم لأصبحت ‏شحّة الأسماء معركة ذلك العصر.

وكذا وجود كثير من التابعين وتابعي التابعين على غير وفاق مع أئمّة أهل البيت، ‏والائمّة لو أرادوا حذف هذه الأسماء أو تلك لكانوا البادئين بشنّ الحرب على الآخرين، في ‏حين أنّهم اكتفوا بإعطاء الضابطة في التسميات من لزوم تحسين الأسماء، وعدم التسمية ‏بأسماء الأعداء، وأنّ التسمية بمحمد وعلي يبقى الولد، وما الدِّينُ إلاّ الحب والبغض، إلى ‏غيرها من العمومات، وتركوا لكلٍّ ذوقه في اللغة والمجتمع.

٨٦

ومن المعلوم أنّ زوجات الأئمّةعليهم‌السلام - غير أمّهات المعصومين - كنّ من ‏النساء العاديات، وكان بينهنّ من سعين إلى قتل الإمام كما فعلته جعدة بالإمام الحسن، وأم ‏الفضل بالإمام الجواد، وغيرهنّ بغيرهم، فلا يستبعد أن تكون بعض هذه التسميات قد ‏جاءت من قبل أولئك، والإمام أقرها كما شاهدناه في إقرار الإمام علي في تسمية عمر بن ‏الخطاب لابنه من الصهباء التغلبية.

فانّ وجود نساء كهؤلاء في بيوت الأئمّة، ومرور الأئمّة بظروف عصيبة خاصة من ‏قبل الحكّام والاتجاهات الفكرية الفاسدة، كلّها جعلت قبول الأئمّة بهذه التسميات أمراً ‏طبيعياً.

وانّي سأوضّح لاحقاً بانّ المكنّى بأبي بكر بن عليّ والمختلف في اسمه هل هو محمّد أم ‏عبدالله قد يرجع سببه إلى انّ الإمام عليّاًعليه‌السلام سمّاه بمحمّد، أ مّه بعبدالله، فهما ‏اسمان لشخص واحد لا اثنان، ولا اختلاف في البين(١) ، وقد وقع التسليم عليه في زيارة ‏الناحية طبق ما سمّاه الإمام عليّ إن كان المقصود في السلام عليه في الزيارة هو ابن ليلى ‏النهشلية لا المولود من أم ولد، كما ذهب إليه بعض المؤرخين.

ولا يخفى عليك بأن هذا الشخص ان اُريد ذكره في كتب التاريخ - والتي كتبت بريشة ‏الحكّام - يأتون بأسمه طبق ما سمّته أمّه وأخواله أي: عبدالله لا ما اسماه الإمام علي.

وعليه فوضع الأسماء قد يكون تحاشيا من المشكلات، وقد تكون طمعاً في النوال ‏والحصول على المكاسب والامتيازات، وقد تكون لأمور أخرى، وبما أنّ الاحتمالين ‏الأخيرين بعيدان عن الأئمّة فيبقى قبول الإمام بتلك الأسماء هو التحاشي من المشاكل، ‏وبهذا فحصر كل تلك الأمور في شيء واحد وهو المحبة ‏بعيد ولا يقبله العقل والمنطق.

____________________

١- انظر الصفحه ٣٠٠ وصفحة ٣٩٢ إلى ٤٢٢ من هذا الكتاب.

٨٧

التسمية والمجتمع

من المعلوم أنّ الباحث الاجتماعيَّ لو أراد أن يدرس أيّ ظاهرة اجتماعية في أيّ ‏مجتمع، عليه أن يتعرّف أوّلاً على العقائد والأعراف والتقاليد السائدة في ذلك المجتمع، ‏لأنّ المجتمع البدويّ يختلف عن المجتمع المتمدّن، ولكل واحد منهما عقائده وأعرافه ‏وتقاليده الخاصة.

وكذا الحال بالنسبة إلى الأشخاص، فلو أراد الإنسان أن يترجم شخصاً مّا فعليه ‏التعرّف على أخلاقياته وعقائده والاعراف السائدة في مجتمعه، حيث إنّ ثقافة الفرد تنشأ ‏مع بيئته التي تربّى فيها.

فالمجتمع لو كان مهتمّاً بالحرب صار الشخص محبّاً للفَرَسِ، والسيف، والقوس، ‏والرمح، والرجز و ...‏

أ مّا لو كانت البيئة مبتنية على الميوعة والشهوات فتراه يهتم بالخمر والنساء والغناء ‏والمنادمة والسهر.

وبما أنّ المجتمع العربي قبل الإسلام كان يهتم بحياته المعيشية الخاصة ولا يهتم بالأُمّة ‏بما أنّها أُمة، فتراه يهتم في شعره بوصفِ ما حوله من النبات ‎

والحيوان وأحداث الجو وأدوات الحرب، و إذا تعدّى ذلك فإلى منفعة قبيلته ‎

فقط.

وبما أنّ المجتمع الجاهليّ كان يحترم الأصنام، رأيناهم يقدّسون اللاّت والعزّى ‏و يسمّون أبنائهم بها، بعكس الحنيفي المسلم الذي يقدّس الله، فتراه يسمّي ابنه بأسماء ‏تحمل معنى عبوديّة الله، ويكفُر بالجبت والطاغوت.

وكذا الحال اليوم بالنسبة إلى المعجب بالثقافة الغربية، تراه يسمّي أبناءَه ‏

٨٨

بأسماء غربية أو معرَّبة منها، وهكذا الحال بالنسبة إلى المتأثّرين بالثقافات الأخرى، ‏حيث إنّهم يسمّون أولادهم بأسماء لا يعرفون معناها، ولو عرفوا ما تعني تلك الأسماء لما ‏سَمَّوا بها، لأنّ المتأثّر بالثقافة الغربية لا يعجبه الدّين ‎

أ يّاً كان - إسلاماً أو مسيحية أو يهودية - فتراه يسمي بأسماء بعيدة عن إطاره الديني الذي ‏يعيش-ه في الشرق، فيسمى: ‏(‏ جوزيف ‏)‏ و ‏(‏ ديفيد ‏)‏ و ‏(‏ ايسو ‏)‏ و ‏(‏ ماري ‏)‏ وأمثالها.

ولا يعلم بأن ‏(‏ جوزيف ‏)‏ هو يوسف، و ‏(‏ ديفيد ‏)‏ هو داود، و ‏(‏ ايسو ‏)‏ هو عيسى، و ‏‏(‏ ماري ‏)‏ أو ‏(‏ ماريا ‏)‏ هي مريم العذراء، أي أنّ الغربي يسمّي بأسماء دينية ولا عيب ‏عنده، لكنّ المتغرِّب أو الشرقيّ الجاهل يستنكف و يتعالى عن التسمية بأسماء الأنبياء.

وبذلك يكون الغربي بتسميته الأسماء المقصودة قد ربح ثقافته، والشرقي بجهله قد ‏خسر دينه وثقافته; لأنّه تصوّر بأنّ هذه الأسماء تخالف الدين وتعطي صورة للثقافة ‏الغربية والميوعة الجنسية وما شابه ذلك، لكنّه لو عرف حقيقة هذه الأسماء وأ نّها ما هي ‏إلاّ أسماءٌ للأنبياء والصالحين لما تبجَّح وتظاهر بالعلم والمعرفة والحضارة، والعصيان ‏على القيم والأصول، ومن أجل هذا قيل: ‏(‏ أَ عْرِفُكَ من حيث سمّاك أبوكَ ‏)‏، أي من حيث ‏سمّاك أبوك أعرفك أ نّك شخص متدين أو غربي، تعبد الله أو تعبد الأصنام ؟

وعليه فدراسة الظواهر الاجتماعية تتوقّف على دراسة المجتمعات بما لها وعليها، ‏والمجتمع العربي الجاهلي لا يخرج عن هذه القاعدة، والإسلام جاء ليصحّح ما كان عليه ‏الجاهليون من أفكار باطلة، واعتبار بعض ما يستحسنه العرب قبيحاً، فذمّ العصبية، ‏ومقت الظلم والبغي، وعاب السَّرَف والتبذير، وكره التعاون على الإثم والعدوان.

٨٩

وعلى الجملة فقد جاءهم الإسلام بجديد في كلّ فروع الحياة.

وقد كان مما فعله الإسلام هو توحيد العرب وجمعهم على لغة واحدة، بل قل على ‏لهجة واحدة، وهي لهجة قريش، فأزال الشواذّ منها التي كانت تشين قرائح العرب، كما ‏هذّبها من الخشن الجافّ، والحوشي الغريب، كما أمدّهم بألفاظ ومعاني جديدة لم يعرفوها ‏من قبل، مثل معنى المؤمن، والكافر، والمنافق، والفاسق، والصلاة، والصوم و ...‏

فالعرب عرفت المؤمن من الأمان، والكفر من الغطاء والستر، والنفاق من سرب ‏الأرض; و يسمى المنافق منافقاً لمشابهة عمله مع اليربوع الذي يخرج تراب الجحر ثم ‏يسدّ به فم الآخر; فشبّه به لأنّه يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي دخل فيه.

والفسق بمعنى خروج الرطبة من قشرتها، والصلاة بمعنى الدعاء، والزكاة بمعنى ‏النماء، والصوم بمعنى الإمساك، والحجّ بمعنى القصد، وكانوا لا يعرفون غير هذه ‏المعاني، والإسلام أمدهم بمعاني ومفاهيم جديدة، وهي المعروفة عند المسلمين اليوم.

وبفضل القرآن رفعت مكانة اللغة وصقلت المفاهيم وتذوّق العرب الحضارة وخرجوا ‏من البداوة.

نعم، إنّ الإسلام أهمل بعض الألفاظ لا لعدم إقراره بمعانيها، بل لكونها غريبة ‏وحشية أو خشنة جافة، أو متنافرة الأصوات، أو عديمة الظِّلال، أو متعثّرة المعنى، فهو ‏ينظر إلى انسيابية الكلمة مع لحاظ معناها اللغوي، فلا يرضى بالمعنى اللغوي مع وحشية ‏الكلمة.

لكنّ المشركين والجاهليين من العرب كانوا يتعاملون مع الألفاظ والأسماء على أ نّها ‏علائم للتمييز فقط، كما أ نّهم كانوا يسعون للوقوف أمام المدّ الإسلامي ‏

٩٠

الأصيل بنقائضهم الشعرية، حتى قيل بأنّ شعر النقائض أخذ طابعه بعد هجرة ‏الرسول من مكة إلى المدينة، فصار الشعر إسلامياً وقيميّاً عند البعض، بعد أن كان فخراً ‏وهجاءً جاهلياً في سبيل السيادة القبلية والمطالب المادية، في حين بقي البعض الآخر يشيد ‏بأ يّام العرب والقيم الجاهلية بعد الإسلام.

فمدرسة المدينة دافعت عن فكر الرسول وتعاليمه العالية.

ومدرسة مكة وقفت مع المشركين تارة علناً وتارة خفية ونفاقاً، وهذا ما يعرفه اللبيب ‏العالم.

‏٢ - أهمية التسمية في الإسلام‏

وانطلاقاً من الحركة التصحيحية التي قام بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سعى إلى ‏تغيير بعض الأسماء والكنى، ودعا إلى تحسين الأسماء.

فعن الإمام الصادقعليه‌السلام ، عن أبيهعليه‌السلام : إن رسول الله كان يغيّر ‏الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان(١) .

وعن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: قال رسول الله: إنّ أوّل ما يَنْحَلُ أحدُكُم ‏ولده الاسم الحسن، فليحسّن أحدكم اسم ولده(٢) .

وعن أبي عبدالله الصادقعليه‌السلام ، قال: قال رسول الله: استحسنوا أسماءكم ‏فإنّكم تُدْعَوْنَ بها يوم القيامة: قم يا فلان بن فلان إلى نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نُورَ ‏لك(٣) .

وروى الواقدي أنّ أبا ذرّ لمّا دخل على عثمان، قال له [عثمان]: لا أنعم الله ‏

____________________

١- قرب الإسناد: ٩٣ ح ٣١٠، وعنه في وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٠ ح ٦، وفيه عن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام.

٢- الجعفريات:١٨٩ وعنه في مستدرك وسائل الشيعة ١٥:١٢٧ ح ١ وأنظر الكافي ٦:١٨ ح ٣.‏

٣- الكافي ٦: ١٩ ح ١٠، وعنه في وسائل الشيعة ٢١: ٣٨٩ ح ٢.

٩١

بك عيناً يا جنيدب !‏

فقال أبو ذر: أنا جندب، وسمّاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبدالله، فاخترت اسم ‏رسول الله الذي سمّاني به على اسمي(١) .

وعن عبدالحميد بن جبير بن شيبة، قال: جلست إلى سعيد بن المسيب فحدّثني أن جده ‏‏(‏حَزْناً‏)‏ قدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما اسمك ؟ قال: اسمي حزن، ‏قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغيّر اسماً سمّانيه أبي، قال ابن ‏المسيب: فما زالت فينا الحُزُونةُ بعد(٢) .

وعن ريطة بنت مسلم، عن أبيها: أ نّه شهد مع رسول الله حنيناً فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما اسمك ؟

قال: غراب.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اسمك مسلم(٣) .

وفي الجرح والتعديل - ترجمة راشد بن عبدالله -: كان سادن ‏(‏ شداخ ‏)‏ صنم بني ‏سليم، وكان يُدْعَى غاوي بن ظالم، قدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلم فقال له: ما ‏اسمك ؟

قال: غاوي بن ظالم.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل أنت راشد بن عبدالله(٤) .

وقال ابن إسحاق: ارتجز المسلمون في الخندق برجل يقال له: جعيل - بضم الجيم، ‏أو جعالة - بن سراقة، وكان رجلاً دميماً، وكان يعمل في الخندق، فغيّر رسول الله اسمه يومئذ فسماه عَمْراً، فجعل المسلمون يرتجزون ويقول:‏

____________________

١- تقريب المعارف: ٢٧٠، الشافي في الإمامة ٤: ٢٩٥، شرح نهج البلاغة ٨: ٢٥٨.

٢- صحيح البخاري ٥: ٢٢٨٨ و ٢٢٨٩ رقم ٥٨٣٦ ورقم ٥٨٤٠، وانظر عمدة القارئ ١٦: ٢٩٠.

٣- المستدرك على الصحيحين ٤: ٣٠٧ ح ٧٧٢٧.

٤- الجرح والتعديل ٣: ٤٨٢ ت ٢١٧٧.

٩٢

سمّاه من بعد جعيل عَمْرا وكان للبائِس يوماً ظهرا

وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقول شيئاً من ذلك، إلاّ إذا قالوا: عمرا، وإذا ‏قالوا: ظهرا، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عمراً وظهراً، ولا يقول باقي الشعر، وكان ‏جعيل بن سراقة ‎

يعمل معهم ويقول مثل قولهم و يضحك إليهم، فعلموا أ نّه لا يسوؤه ارتجازهم به(١) .

وعن زينب بنت أبي سلمة، قالت: سُمِّيتُ برَّة، فقال رسول الله: لا تزكُّوا أنفسكم، ‏الله أعلم بأهل البرّ منكم، سمّوها زينب(٢) .

وعن ابن عمر: إنّ بنتاً كانت لعمر يقال لها: عاصية، فسماها رسول الله: جميلة. ‏رواه مسلم(٣) .

وفي التاريخ الكبير: راشد السلمي، أبو أثيلة، حجازيٌّ، قال إبراهيم بن المنذر: ‏حدّثنا خالي محمّد بن إبراهيم، عن راشد بن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف: ‏كان جدّي من قِبَلِ أ مّي يُدعى في الجاهلية ظالماً ، ‎

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اسمك راشد، قال راشد بن حفص: سمّتني أمّي باسم ‎

جدّها(٤) .

وفي أسد الغابة: ولد أسعد بن سهل بن حنيف في حياة النبي قبل وفاته بعامين، وأتى ‏به أبوه النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله فحنّكه وسمّاه باسم جدّه لأُمّه: أسعد بن زرارة ‏

____________________

١- سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي ٤: ٣٦٦، سيرة ابن كثير ٣: ١٨٣، المجازات النبويّة ‏للرضي: ٧٥ والنص منه.

٢- انظر صحيح مسلم ٣: ١٦٨٧ ح ٢١٤٢.

٣- مشكاة المصابيح ٣: ١٣٤٥ وانظر صحيح مسلم ٣: ١٦٨٦ - ١٦٨٧ ح ٢١٣٩.

٤- التاريخ الكبير ٣: ٢٩١ ت ٩٩٣، وتعجيل المنفعة ١: ١٢٢.

٩٣

وكناه بكنيته(١) .

بهذه الثقافة وهذه الأصول رسم الإسلام القواعد العامّة للتسمية، و إنّ رسول الله قد ‏غيّر اسم ابن أبي قحافة من ( عبدالكعبة ) إلى عبدالله، كما غيّر اسم ابن عوف من ‏‏( عبدالحارث )(٢) إلى عبدالرحمن، واسم ( شعب الضلالة ) إلى شعب الهدى، و ( بني ‏الريبة ) إلى بني الرشدة، و( بني معاوية ) إلى بني المرشدة، وسمَّى يثرب: طيبة، وزيد ‏الخيل إلى زيد الخير(٣) .

وغيّر اسم ابن أبي سلول المسمّى في الجاهلية ب- ( الحباب ) إلى عبدالله، وقال: حباب ‏اسم شيطان.

وسمّى الحصين بن سلاّم - الحبر عالم أهل الكتاب - بعبدالله.

والحكم بن سعيد بن العاص سماه عبدالله.

وعبدالحجر سماه عبدالله.

وجبار بن الحارث سماه عبدالجبار.

وعبد عمرو ويقال عبدالكعبة - أحد العشرة - سماه عبدالرحمن.

وعبد شرّ - من ذوي ظليم - سمّاه عبد خير.

وأبو الحكم بن هاني بن يزيد سمّاه أبا شريح بأكبر أولاده.

وسمّى حرباً مسلماً(٤) .

وقال رسول الله: لا تسمّوا صبًّا ولا حرباً ولا مرّةً ولا خناساً; فإنها من أسماء الشيطان(٥) .

____________________

١- أسد الغابة ١: ٧٢، الاصابة ١: ١٨١ ت ٤١٤.

٢- لأن الحارث من أسماء الشيطان.

٣- شرح نهج البلاغة ١٩: ٣٦٦، وانظر فتح الباري ٧: ٩، المعارف: ٢٣٥، سنن أبي داود ٤: ٢٨٩ ح ‏‏٤٩٥٦، طبقات ابن سعد ١: ٢٩٢، وفيه من بني الزنية إلى بني الرشدة، وكذا في الاصابة وتاريخ دمشق ‏وسنن أبي داود، مصنف عبدالرزاق ٩: ٢٦٧ ح ١٧١٦٧، الكشاف ٤: ٩٤، المعجم الكبير ١٠: ٢٠٢ ح ‏‏١٠٤٦٤.

٤- سبل الهدى والرشاد ٩: ٣٦٠ - ٣٦١ بتصرّف.

٥- الجامع في الحديث ١: ١٢٠ بتصرف.

٩٤

وقال: لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح(١) .

وعن الصادق أ نّه قال: إنّ رسول الله دعا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى ‏عن أسماء يُتَسَمَّى بها، فقبض ولم يسمِّها، منها: الحكم وحكيم وخالد ومالك، وذكر أ نّها ‏ستة أو سبعة ممّا لا يجوز أن يتسمى بها(٢) .

وعن أبي جعفر الباقر: إنّ أبغض الأسماء إلى الله عزّوجلّ حارث ومالك وخالد(٣) .

وعن شريح بن هاني، عن أبيه: أ نّه لمّا وفد إلى رسول الله مع قومه سمعهم يكنّونه ‏بأبي الحكم، فدعاه رسول الله فقال: إنّ الله هو الحَكَمُ و إليه الحُكْمُ، فلِمَ تكنى أبا الحكم ؟

قال: إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين بحكمي.

فقال رسول الله: ما أحسن هذا، فما لك من الولد ؟

قال: لي شريح، ومسلم، وعبدالله.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فمن أكبرهم ؟

قال قلت: شريح.

قال: فأنت أبو شريح، رواه أبو داود والنسائي(٤) .

____________________

١- صحيح مسلم ٣: ١٦٨٥ ح ٢١٣٧، سنن أبي داود ٤: ٢٩٠ ح ٤٩٥٨، المعجم الكبير ٧: ١٨٨ ح ‏‏٦٧٩٣.

٢- الكافي ٦: ٢٠ - ٢١ ح١٤، التهذيب ٧: ٤٣٩ ح ١٥، وعنهما في وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٨ ح ١ وقد ‏علّق المجلسي في مرآة العقول ٢١: ٣٦ على الخبر بقوله: ‏(‏ لا يبعد أن يكون الثلاثة المتروكة أسماء الثلاثة ‏الملعونة: عتيقاً وعمر وعثمان، وترك ذكرهم تقية ‏)‏ وقد يكون الإشارة إلى الشيخين فقط، لان الإمام قال: أ نّها ‏سته أو سبعة. فلا يعقل ان ينسى الإمام.

٣- الكافي ٦: ٢١ ح ١٦.

٤- سنن أبي داود ٤: ٢٨٩ ح ٤٩٥٥، سنن النسائي الكبرى ٣: ٤٦٦ ح ٥٩٤٠.

٩٥

وعليه، فإنّ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتحسين الأسماء ونهيه من التسمية ‏بالأسماء القبيحة وتغييره لبعض الأسماء، كلها تشير إلى أنّ المعاني ملحوظة في ‏التسميات عند المسلمين وأ نّها لم تكن ارتجالية بحته، وأنّ الإسلام لا ينظر إلى الاسم على ‏أ نّه علامة فقط، بل إنّ الاسم عنده مشتق من ‏(‏ سما يسمو ‏)‏، أي يلحظ فيه العلو والرفعة ‏مع لحاظ العلمية، أو من ‏(‏ وسم يَسِمُ ‏)‏ لكن يلحظ فيه العلامة الصالحة والسِّمة المعبِّرة عن ‏الشخص بما لها من دلالة إيجابيّة، ولذلك دعا الإسلام إلى تحسين التسمية.

وهو الآخر يشير إلى وجود الرابطة بين المعتقد والتسمية، وقد مرّ عليك بأنّ ربّ ‏العالمين أنكر على المشركين تسميتهم آلهتهم بالعزّى وأمثالها بقوله( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ ‏سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَان ) (١) ، وهو ليؤكّد بأنّ الإسلام جاء ‏ليهذّب اللغة، ويربّي الإنسان على الأخلاق الفاضلة والكلمات الجميلة الحسنة، وأن يبتعد ‏عن التنابز بالألقاب، والتسمية بالأسماء القبيحة، كما أ نّه جاء ليغيّر المفاهيم الجاهلية إلى ‏مفاهيم توحيدية.

فسعى إلى تغيير الأسماء الجاهلية كعبدالكعبة، وعبدالعزّى، وعبدالحارث، إلى ‏عبدالله، وعبدالخالق، وعبدالرحمن، ففي كتاب ( المنتخب ) للطريحي، - في خبر - في ‏دخول نصراني من ملك الروم على رسول الله إلى أن قال: فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ‏اسمك ؟ فقلت: اسمي عبدالشمس، فقال لي: بَدِّل اِسمَكَ فإنّي أُسمِّيك عبدالوهَّاب(٢) .

فالتسمية إذن ترتبط بالمعتقد كما هي علامة كذلك، وإنّ علماء الاجتماع والتاريخ واللغة يدرسون هذه الروابط في بحوثهم، لأ نّهم لو أرادوا التعرّف على

____________________

١- النجم: ٢٣.

٢- مستدرك وسائل الشيعة ١٥: ١٢٨ ح ٧، بحار الانوار ٤٥: ١٨٩ ح ٣٦.

٩٦

‏قناعات مجتمع ما لابدّ لهم من دراسة عقائدهم وأعرافهم، وقد لا يحصل لهم ذلك إلاّ من ‏خلال وقوفهم على التسميات، لأن الأسماء لها ارتباط بالمسمى و يلمح إلى الاتجاه الفكري ‏للطرف الآخر وما يحمله من فكر وعقائد، و إنّك اليوم ترى أوّل ما تقوم به الثورات هو ‏تغيير وتبديل أسماء المراكز والساحات والمدن للدلالة على أنّ الوضع قد تغيّر في غالب ‏معاييره.

رسول الله حينما غيّر اسم عاصية إلى جميلة، أو العاص إلى عبدالله، أراد أن ‏لا يظن من يسمع باسم العاصي أنّ ذلك صفة له، أو أ نّه إنّما سُمّي بذلك لمعصيته ربّه، ‏فحوّل ذلك إلى ما إذا دُعي به كان صدقا مثل عبدالله.

وأ مّا تحو يله ‏(‏ برَّة ‏)‏ إلى زينب، فلأنَّ ذلك كان تزكية ومدحاً لها، فحوّله إلى ما ‏لا تزكية فيه بل فيه نوع من المدح والتفاؤل بالبِرِّ. وعلى هذا النحو سائر الأسماء التي ‏غيّرها رسول الله.

فأولى الأسماء أن يتسمّى الإنسان بها أقربها إلى الصدق وأَحراها أن لا يُشْكَلَ على ‏سامعها، لأنّ الأسماء إنّما هي للدلالة والتعريف(١) .

وكذا الحال بالنسبة إلى الأسماء المنهيّ عنها مثل: حكم، وحكيم، وخالد، ومالك، ‏وحارث، فقد نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله عنها لدلالة بعضها على الصفات الإلهية، أو لكونها ‏اسماً للشيطان، ومن الثابت بأنّ التسمية بهذا اللحاظ منهيٌّ عنها، أ مّا لو أريد من اسم مالك ‏أ نّه مالك لأَرْبِهِ، أو مالك لنفسه، فلا نهي عنه، و إنّا سنعود إلى توضيح هذا الأمر في ‏الصفحات اللاّحقة إن اقتضى الأمر.

____________________

١- شرح ابن بطال ١٧: ٤٣٣.

٩٧

المقدمة الثالثة

بيان بعض الأسباب التي دعت إلى تطابق بعض

أسماء ولد الأئمّة مع أسماء الخلفاء

قبل الكلام عن المقدّمة الثالثة لابد من الإشارة إلى انا سنركز الكلام عن اسمي عمر ‏وعائشة، لكوننا قد أرجعنا الكلام عن أبي بكر إلى القسم الثاني من هذه الدراسة: ‏‏( الكنى ).

وأ مّا اسم عثمان فلا خلاف في تسمية الإمام علي ابنه به من أمّ البنين الكلابيّة محبة ‏لعثمان بن مظعون، وهذا الاسم قد انقرض في ولد المعصومين من بعد الإمام عليعليه‌السلام ، وحتى في ولد غير المعصومين من الهاشميين.

ولا يخدش هذا العموم وجود اسم أو اسمين في ولد عقيل وجعفر إلى زمن النسابة ابن ‏عنبة (ت ٨٢٨ ه- )، وهذا خير مؤشّر على عدم محبوبية هذا الاسم عند الطالبيين و إن ‏كان هذا الاسم عربياً رائجاً انذاك، لكنه متروك عند الطالبين.

وقد يعود عدم ارتياحهم لهذا الاسم هو احتماء الأمويّين باسمه، وقد يكون لعدم ‏محبوبية سيرة الخليفة الثالث عندهم، أو لعدم جمالية هذا الإسم، وقد تكون لأمور ‏أُخرى -.

وأ مّا اسم عمر: ففي التاج: ‏(‏ عامر: اسم للقبيلة وعُمَر معدول عنه - أي معدول ‏عن عامر - وفي حال التسمية لأ نّه لو عدل عنه في حال الصفة لقيل العُمَر ‏

٩٨

يراد: العامر ‏)‏(١) .

وأ مّا عائشة: فهي من العيش في الحياة، فيقال للمراة: عائشة، تفاؤلاً بطول العمر ‏والعيش السعيد(٢) .

وهذان الاسمان - مع غيرهما من الأسامي التي قد تأتي تبعاً واستطراداً - هي محور ‏هذا القسم من دراستنا، وقد سعى البعض استغلالها والاستفادة منها إعلامياً للقول بأنّ أئمّة ‏أهل البيت قد سمّوا أولادهم بهذه التسميات حبّاً لأصحاب رسول الله وأ مّهات المؤمنين، ثمّ ‏أضافوا بالقول: على أقلّ تقدير أنّ هذه التسميات تشير إلى عدم وجود خلاف بينهم.

لكنّا نقول في جواب هكذا اثارات: بأنّ التسميات قد تكون حبّاً لشخص معيّن، كأن ‏يسمّي الإنسان ابنه باسم أبيه أو أخيه أو أيّ عزيز آخر عليه.

وقد تكون لعلاقته وتناغمه مع ذلك الاسم بغضّ النظر عمّن تسمّى به حتى - ولو كان ‏عدوّاً له - ومن هذا القبيل تسمية بعض الشيعة أولادهم بخالد وزياد مع معرفتهما بمواقف ‏خالد بن الوليد وزياد بن أبيه، لاعتقادهم بعدم جواز محاربة الأسماء بما هي أسماء، فهم ‏لا يمتنعون من التسمية بها، لوجود رجال يخالفونهم ولا يحبّونهم قد تسمّوا بها، و إلاّ لو ‏فُتح هذا الباب لشحّت الأسماء وصارت أندر من الكبريت الأحمر.

وقد تأتي تذكيراً بواقعة مفرحة أو مؤلمة، كتسمية الحاجّ ابنه ب- ‏(‏ مكّي ‏)‏ تذكيراً بسفره ‏إلى بيت الله، وقد أخبرني أحد المؤمنين بأنّ أحد الطغاة سجن ابناً له وتزامناً مع نجاة ابنه ‏رزقه الله بنتاً سماها ‏(‏ نجاة ‏)‏، فإنّ ابنته نجاة تذكّره وتذكّر جميع العائلة بما جرى على ‏ابنهم من ظلم وعَسْفِ ذلك الطاغية.

____________________

١- تاج العروس ٧: ٢٦٣، مادة: عمر.

٢- لسان العرب ٦: ٣٢١ مادة ( عيش ); وانظر الاشتقاق لابن دريد: ٣٥٤.

٩٩

فالتسمية إذن بما هي تسمية لا تدل على شيء، فقد يسمّي الإنسان ابنه ‏(‏ أَنور ‏)‏ أو ‏‏(‏حسني‏)‏ لاستلطافه لذلك الاسم، لا حبّاً بأنور السادات أو حسني مبارك، بل لعشقه ‏وارتباطه باسم ( أنور ) و ( حسني ) مع كراهته لأحد الأفراد المُسَمَّيْن به، أي أنّ الوَقْع ‏الموسيقيّ للكلمة هو الذي دعاه إلى تسمية ابنه أو بنته بهذا الاسم أو ذاك.

والآن لنتكلّم عما نحن فيه، فنقول: إنّ من يدّعي أنّ وضع الإمام علي لهذه الأسماء ‏على أبنائه كان لمحبته للخلفاء الثلاثة عليه أن يأتينا بدليل على ما يقول، وحيث لا دليل ‏فسيبقى مجرّد احتمال لا يمكن إثباته بهكذا تخرّصات.

وباعتقادي أنّ الإمام علي بن أبي طالب وبذكره سبب تسمية ابنه عثمان بعثمان بن ‏مظعون، وخصوصاً بعد مقتل عثمان بن عفان كان يريد أن يدفع ما أشاعته الجهات ‏الحاكمة وأتباعهم عن سبب تسميته أولادهعليه‌السلام بأسماء الخلفاء سابقاً، فقال ‏صريحاً: ‏(‏ سمّيته بعثمان لأخي عثمان بن مظعون ‏)‏(١) ، ومن خلال هذا النص نفهم ‏تعريضه بمن أشاع عنه بأنّه وضع الاسمين الأوّلين حبّاً بعمر بن الخطاب واحتراماً لأبي ‏بكر بن أبي قحافة.

لأ نّهعليه‌السلام - وكما عرفت - لم يضع اسم عمر على ابنه بل أ نّه أقرّ ما وضعه ‏عمر بن الخطاب، وكذا كنية أبي بكر على ولده - عبدالله أو محمّد - لم تثبت وضعها من ‏قبل الإمام، بل هناك قرائن تدلّ على أنّ القوم وضعوها عليه، وأنّ اشتهار هكذا أمور ‏دعت الإمام أن يصرّح في سبب تسمية ابنه الأخير - أو ما قبل الأخير - بأ نّه لم يكن لأجل ‏عثمان بن عفّان دفعاً لكل تلك الشائعات.

وعليه فالتسمية باسم ما لا يكشف عن حبّه لشخص ما إلاّ أن يأتي صريحاً في كلامه ‏كما في ‏(‏ عثمان بن مظعون ‏)‏، وكما مرّ في تسمية عائشة خادمها ‏

____________________

١- أنظر تقريب المعارف للحلبي: ٢٩٤.

١٠٠