وقعة الطف

وقعة الطف0%

وقعة الطف مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 290

وقعة الطف

مؤلف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن مسلم الازدى الغامدى
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 171532
تحميل: 7434

توضيحات:

وقعة الطف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171532 / تحميل: 7434
الحجم الحجم الحجم
وقعة الطف

وقعة الطف

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

[ جواب الإمام الحسين عليه‌السلام ]

وتلاقت الرسل كلّها عنده فقرأ الكتب، وسأل الرسل عن أمر النّاس، ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ السّبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي - وكانا آخر الرسل -:

« بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين، أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم - وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم -، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم إنّه ليس علينا إمام فأقبل، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ.

وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي: مسلم بن عقيل، وأمرته أنْ يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإنْ كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي ملئكم، وذوي الفضل والحجى منكم، على مثل ما قدمتْ عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً - إنْ شاء الله - فلعمري، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والأخذ بالقسط، والدائن بالحقّ والحابس نفسه على ذات الله. والسّلام » (١) .

[ سفر مسلمعليه‌السلام ]

ثمّ دعا مسلم بن عقيل فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي(٢) وعمارة بن عبيد السّلولي(٣) وعبد الرحمن عبد الله بن الكدن الأرحبي(٤) فأمره بتقوى الله،

____________________

(١) ٥ / ٣٥٣. قال أبو مِخْنف: فحدّثني الحجّاج بن علي عن محمّد بن بشر الهمداني، قال: ورواه المفيد / ٢٠٤، والسّبط / ١٩٦.

(٢، ٣، ٤) هم الذين حملوا إلى الإمامعليه‌السلام الصحائف المئة والخمسين من أهل الكوفة، وقد ترجمنا لهم. وعمارة بن عبيد، ذكره المفيد والسّبط: ابن عبد الله.

وعبد الرحمن بن عبد الله، ذكره المفيد هكذا: عبد الله وعبد الرحمن، ابنا: راشد الأرحبي / ٢٠٤.

١٠١

وكتمان أمره واللطف، فإنْ رأى النّاس مجتمعين مستوسقين، عجّل إليه بذلك.

فأقبل مسلم حتّى أتى المدينة، فصلّى في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم)، وودّع مَن أحبّ من أهله، ثمّ استأجر دليلين من قيس فأقبلا به، فضّلا الطريق وجارا وأصابهم عطش شديد، وقال الدليلان: هذا الطريق [ خذه ] حتّى تنتهي إلى الماء وذلك بالمضيق من بطن الخبيت(١) .

[ كتاب مسلم إلى الإمامعليه‌السلام من الطريق ]

فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى الحسينعليه‌السلام :

أمّا بعد، فأنّي أقبلت من المدينة معي دليلان لي، فجارا عن الطريق وضلاّ واشتدّ علينا العطش، فلمْ يلبثا أنْ ماتا، وأقبلنا حتّى انتهينا إلى الماء فلمْ ننجِ إلاّ بحشاشة أنفسنا؛ وذلك الماء بمكان يُدعى المضيق من بطن الخبيت(٢) ؛ وقد تطيّرت من وجهي هذا، فإنْ رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري. والسّلام(٣) .

[ جواب الإمامعليه‌السلام إليه ]

فكتب إليه الحسينعليه‌السلام :

« أمّا بعد، فقد خشيت أنْ لا يكون حملك على الكتاب إليّ في الاستعفاء

____________________

(١) ٥ / ٣٥٤. بعد رواية عن أبي مِخْنف، عن أبي المخارق الراسبي.

(٢) أصل خبت: واقع حوالي المدينة إلى جهة مكّة، فكأنّ الدليلين ضلا حتّى ملا إلى مكّة، كما في إبصار العين / ١٦.

(٣) ورواه المفيد / ٢٠٤، والخوارزمي / ١٩٧، بلفظ قريب إلاّ يسيراً. ورواه الطبري أيضاً، عن معاوية بن عمار، عن الإمام الباقرعليه‌السلام ٥ / ٣٤٧.

١٠٢

من الوجه الذي وجّهتك له إلاّ الجبن، فامض لوجهك الذي وجّهتك له. والسّلام عليك ».

فقال مسلمعليه‌السلام لمن قرأ الكتاب: هذا ما لست أتخوّفه على نفسي.

فأقبل حتّى مرّ بماء لطيّئ، فنزل بهم ثمّ ارتحل منه، فاذا رجل قد رمى صيداً - حيث أشرف له - فصرعه، فقال مسلمعليه‌السلام يقتل عدوّنا إن شاء الله.

١٠٣

[ دخول مسلم عليه‌السلام الكوفة ]

ثمّ أقبل مسلمعليه‌السلام حتّى دخل الكوفة [ ومعه أصحابه الثلاثة: قيس بن مصهر الصيداوي وعمارة بن عبيد السّلولي وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي ](١) ، فدخل دار المختار بن أبي عبيد(٢) .

____________________

(١) ٥ / ٣٥٥. وذلك لخمس خلون من شوّال، كما في مروج الذهب ٢ / ٨٦.

(٢) الثقفي، وُلد في السّنة الأوّلى للهجرة ٢ / ٤٠٢ واستخلفه على المدائن عمّه، سعد بن مسعود الثقفي سنة (٣٧ هـ) ٥ / ٧٦، وكان بها عند عمّه إلى بعد عام الجماعة سنة (٤٠ هـ) ٥ / ١٥٩.

وأشار الطبري إلى ما أشار به المختار على عمّه بتسليم الحسنعليه‌السلام إلى معاوية ٥ / ٥٦٩. وفي ولاية زياد على الكوفة دعاه إلى الشهادة على حجر بن عدي فراغ عنها ٥ /٢٧٠، وكان صاحب راية يوم خروج مسلم ٥ / ٣٨١، ولكنّه كان قد خرج برايته ومواليه إذ علم بحبس هانئ وقبل خروج مسلمعليه‌السلام على غير ميعاد من أصحابه، فاستسلم لدعوة عمرو بن حريث المخزومي إياه إلى الدخول تحت راية إلاّمان لابن زياد، وأدخل عليه فعرض وجهه بقضيبه فخبط عينه فشتره، وحبس حتّى قُتل الحسينعليه‌السلام .

وكانت أخته صفيّة زوجة عبد الله بن عمر، فبعث بابن عمّه زائدة بن قدامة الثقفي إلى ابن عمر يسأله ليكتب إلى يزيد، فيكتب إلى ابن زياد باخراجه من السّجن، ففعل وأخرجه ابن زياد من الكوفة، فخرج إلى الحجاز فبايع ابن الزبير وقاتل معه أهل الشام قتإلاّ شديد.

وبعد موت يزيد بخمسة أشهر ترك ابن الزبير وأقبل إلى الكوفة ٥ / ٥٧٠ - ٥٧٨، فدخلها وسليمان بن ُصرد الخزاعي يدعو الشيعة إلى التوبة والطلب بدم الحسينعليه‌السلام ، فادّعى المختار: أنّه جاءهم من قِبل محمّد بن الحنفية، وأنّ سليمان لاعلم له بالحرب يقتل نفسه وأصحابه ٥ / ٥٦٠ و ٥٨٠. فلمّا خرج التوّابون حبسه ابن مطيع عامل ابن الزبير ٥ / ٦٠٥ فبعث المختار: غلامه زربياً إلى ابن عمر يسأله أنْ يكتب له إلى عامل ابن الزبير؛ ليخرجه فكتب فاخرجه بضمان ويمين ٦ / ٨، فخرج وغلب على الأمر وقاتل ابن زياد فقتله، وقتل قتلة الحسينعليه‌السلام حتّى قتله مصعب بن الزبير سنة (٦٧ هـ) ٦ / ١٠٧ وأمر مصعب بكفّ المختار، فسمّرت بمسمار إلى جانب المسجد حتّى نزعها الحجّاج الثقفي ٦ / ١١٠.

وقتل مصعب زوجته، عمرة بنت النّعمان بن بشير، وأطلق زوجته الآخرى اُمّ ثابت بنت سمرة بن جندب ٦ / ١١٢ وفي سنة (٧١ هـ) حارب مصعب عبد الملك، وكان زائدة بن قدامة الثقفي حاضراً، فقتل مصعباً، وقال: يا لثارات المختار! ٦ / ١٥٩ وكانت دار المختار لزيقة المسجد - أي: بجانبه - فابتاعها عيسى بن موسى العبّاسي من ورثة المختار سنة (١٥٩ هـ) ٨ /١٢٢.

ويبدو أنْ علّة اتّخاذ داره مقرأ لمسلمعليه‌السلام ؛ كونه صهر النّعمان بن بشير أمير الكوفة، وكفى بهذا [ ستراً ] هذا، ولا سيّما إذا أصفنا إلى ذلك، خبر الطبري: كانت الشيعة تشتم المختار وتعتبه لمَا كان منه في أمر الحسن بن عليعليهما‌السلام ، يوم طُعن في مظلم ساباط فحمل إلى أبيض المدائن ٥ / ٥٦٩.

١٠٤

وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فلمّا اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام فأخذوا يبكون.

[ و ] قام عابس بن أبي شبيب الشاكري(١) ، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّي لا أخبرك عن النّاس ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرّك منهم، والله، لأحدّثنك عمّا أنا موطّن نفسي عليه، والله، لأجيبنّكم إذا دعوتم ولا قاتلنّ معكم عدوّكم، ولا ضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله.

فقام حبيب بن مُظاهر الفقعسي [ الأسدي ] فقال:

رحمك الله، قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك.

ثمّ قال: وأنا والله، الذي لا إله إلاّ هو، على ما هذا عليه.

ثمّ قال الحنفي(٢) مثل ذلك.

واختلفت الشيعة إليه حتّى علم مكانه، فبلغ ذلك النّعمان بن بشير(٣) .

____________________

(١) وبعد هذا ذهب بكتاب مسلم بن عقيلعليه‌السلام إلى الإمامعليه‌السلام ٥ / ٣٧٥ ثمّ كان معه حتّى قُتل ٥ / ٤٤٤، وهو من همدان.

(٢) هو: سعيد بن عبد الله الحنفي، رسول أهل الكوفة إلى الإمامعليه‌السلام ، وكان قد رجع إلى الكوفة بجواب الإمام إليهم.

(٣) ٥ / ٣٥٥. قال أبو محنف: حدّثني نمير بن وعلة، عن أبي الودّاك، قال: خرج إلينا النّعمان بن بشير، فصعد المنبر

١٠٥

[ فخرج ] فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، فاتّقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فإنّ فيهما يهلك الرجال وتسفك الدماء، وتغصب الأموال إنّي لمْ أقاتل مَن لمْ يُقاتلني ولا أثب على مَن لا يثب عليّ، ولا أشاتمكم ولا أتحرّش بكم، ولا آخذ بالقذف ولا الظنّة ولا التهمة، ولكنّكم إنْ أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم، فوالله، الذي لا إله غيره لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي، ولو لمْ يكن لي منكم ناصراً أمَا إنّي أرجو أنْ يكون مَن يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي(١) - حليف بني اُميّة - فقال:

إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم [ أي: الظلم ]، إنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين.

فقال [ النّعمان بن بشير ]:

أنْ أكون من المستضعفين في طاعة الله أحبّ إليّ من أنْ أكون من الأعزّين في معصية الله، ثمّ نزل.

وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية:

أمّا بعد، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن عليعليه‌السلام ، فإنْ كان لك بالكوفة حجّة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفّذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوّك؛ فإنّ النّعمان بن بشير رجل ضعيف، أو هو يتضعّف.

ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة(٢) بنحو من كتابه.

____________________

(١) جاء اسمه في الشهود على حجر بن عدي: عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي ٥ / ٢٦٩.

(٢) هو: أخو الوليد بن عقبة بن أبي معيط، خرج هو وأخوه الوليد من مكّة إلى المدينة يسألان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ يردّ عليهما أختمها اُمّ كلثوم المهاجرة بعهد الحديبيّة، فأبى ٢ / ٦٤٠.

وكان منزله مع أخيه برحبة الكوفة ٤ / ٢٧٤، وكانت ابنته اُمّ أيّوب تحت المغيرة بن شعبة، فلمّا مات تزوّجها زياد بن أبيه ٥ / ١٨ وهو الذي سعى عند زياد على عمر بن الحمق ٥ / ٢٣٦، جئ بأبيه عقبة بن أبي معيط إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كافراً، فأمر به أنْ يُضرب عنقه، فقال: يا محمّد َمَن للصبيّة؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« النّار » ٥ / ٣٤٩.

وكان حاضراً في القصر يوم مقتل مسلم ٥ / ٣٧٦، وهو الذي سعى بالمختار إلى ابن زياد يوم خروج مسلم ٥ / ٥٧٠، ثمّ تُخفى أخباره بعد هذا.

١٠٦

ثمّ كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص(١) بمثل ذلك(٢) .

____________________

(١) اُمّه: بشرى بنت قيس بن أبي الكيسم من سبي المرتدّين بعد رسول الله ٣ / ٣٤١ فيكون من مواليد أوائل العشر الثاني من الهجرة، وله يوم كربلاء زهاء خمسين سنة. وفي سنة سبعة عشر أو تسعة عشر بعثه أبوه سعد مع عياض بن غنم؛ لفتح أرض الجزيرة - أي: شمال العراق وسورية -، وهو يومئذٍ غلام حدث السنّ ٤ / ٥٣. وفي سنة (٣٧ هـ) لمْ يدع عمر أباه حتّى أطمعه في حضور التحكيم، فأحضره في أذرخ في دومة الجندل، وكان أبوه على ماء لبني سليم بالبادية، فقال: يا أبتِ، أشهدهم فإنّك صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحد الشورى، فاحضر فإنّك أحقّ النّاس بالخلافة ٥ / ٣٥٦. وكره وصيّة مسلم بن عقيل إليه وأفشاه لابن زياد، فقال ابن زياد: إنّه لا يخونك الأمين، ولكن قد يؤتمن الخائن ٥ / ٣٧٧.

وأراد محمّد بن الكندي أنْ يؤمّره على الكوفة بعد قتل ابن زياد، فجاء رجال بني همدان متقلّدين السّيوف وجاءت نساؤهم يبكين حسيناًعليه‌السلام ٥ / ٥٢٤ وبعث إليه المختار أبا عمرة فقتله، وجاءه برأسه، ثمّ قتل ابنه حفص بن عمر، وقال: والله، لو قُتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا بأنملة من أنامل الحسينعليه‌السلام ، وبعث برأسيهما إلى المدينة إلى محمّد بن الحنفيّة ٦ / ٢ - ٦١.

(٢) قال هشام، قال عوانة: فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلاّ يومان، دعا يزيد بن معاوية سرجون(*) مولى معاوية فقال: ما رأيك؟ فانّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين، وقد بلغني عن النّعمان ضعف وقول سيّىء.. فما ترى؟ مَن استعمل على الكوفة، وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد؟ فقال سرجون: أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذاً برأيه؟ قال: نعم. فأخرج عهد عبيد الله على الكوفة، فقال هذا رأي معاوية، ومات وقد أمر بهذا الكتاب فأخذ برأيه. ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلى(**) فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة، وكتب إليه: =

____________________

(*) سرجون بن منصور الرومي، كان كاتب معاوية وصاحب أمره في الديوان. ٥ / ٢٣٠، ٦ / ١٨٠.

(**) مسلم بن عمرو الباهلي، كان مع زياد بن أبيه في البصرة شريفاً في باهلة عريفاً سنة (٤٦ هـ) عليها معه ٥ / ٢٢٨، ثمّ سكن الشام فكان بصريّاً شاميّاً، ورجع من الشام إلى البصرة بكتاب يزيد إلى ابن زياد، ثمّ معه إلى الكوفة، وتكلّم مع هانئ بن عروة إذ أدخل على ابن زياد ليسلّم إليه مسلم بن عقيلعليه‌السلام ٥ / ٣٦٦، وشتم مسلم بن عقيل حين انتهائه إلى باب القصر وطلبه ماء ٥ / ٣٧٦. ثمّ ازدلف إلى مصعب بن الزبير فبعثه لحرب ابن الحرّ الجُعفي فهزم سنة (٦٨ هـ) ٦ / ١٣٢، وكان كلوزير لمصعب ٦ / ١٣٦، وقُتل معه بدير الجاثليق في الحرب مع مروان سنة (٧١ هـ) ٦ / ١٥٨، وكان يحبّ المال حبّاً جمّاً ٥/ ٤٣٢، وكان له سبعة بنون: قتيبة وعبد الرحمن وعبد الله، وعبيد الله وصالح وبشار ومحمّد ٦ / ٥١٦ وصاروا هؤلاء بعده إلى الحجّاج بن يوسف، فولّى قتيبة على خراسان سنة (٨٦ هـ) ٦ / ٤٢٤، فغزا وفتح: بيكند ونوشكث ورامثين، وبخارى وشومان وكشّ، ونسف وخام جرد وسمرقند، وشاش وفرغانة وكاشغر، وحدود الصين وصالح نيزك والسغد، وخوارزم شاه، وقُتل مع إخوته سنة (٩٦هـ)، ٦ / ٤٢٩ - ٥٠٦.

١٠٧

........................................................................

____________________

= أمّا بعد، فإنّه كُتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين، فسرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه، والسّلام.

فأقبل مسلم بن عمرو حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة، فأمر عبيد الله بالجهاز والتهيّؤ والمسير إلى الكوفة من الغد ٥ / ٣٥٧. وروى بسنده عن عمّار الدهني(*) عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام : « فدعا مولى له يقال له: سرجون - وكان يستشيره - فأخبره الخبر، فقال له: أكنت قابلاً من معاوية لو كان حيّاً؟ قال: نعم. قال: فاقبل منّي، فإنّه ليس للكوفة إلاّ عبيد الله بن زياد، فولّها إيّاه وكان يزيد عليه ساخطاً، وكان همّ بعزله عن البصرة - فكتب إليه برضائه وأنّه ولاّه الكوفة مع البصرة، وكتب إليه أنْ يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إنْ وجده » ٥ / ٣٤٨.

____________________

(*) عمّار الدهني: أبو معاوية بن عمّار من أصحاب الإمام الصادق والإمام الكاظمعليهما‌السلام ، وكان أبوه عمّار ثقة في العامّة وجهاً يكنّى أبا معاوية، وروى أحياناً عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام (رجال العلاّمة: ١٦٦)، ولعمّار كتاب كما في (الفهرست: ٢٣٥ ط اُوربا) لابن النديم.

١٠٨

[ كُتب الإمام عليه‌السلام إلى أهل البصرة ]

كتب الحسينعليه‌السلام مع مولى لهم، يقال له: سليمان(١) بنسخة [ واحدة ] إلى

____________________

(١) اختلفوا في اسم رسول الحسينعليه‌السلام هذا إلى البصرة بكتابه، فهو: هنا سليمان، وكذلك في مقتل الخوارزمي عن ابن الأعثم ١ / ١٩٩ وفي اللهوف، إلاّ أنّه كنّاه: بأبي رزين وهو اسم أبيه، واُمّه كبشة، جارية للحسينعليه‌السلام كانت تخدم في بيت اُمّ إسحاق التيميّة من زوجات الحسينعليه‌السلام ، فتزوّجها أبو رزين فولدها سليمان.

وفي مثير الأحزان لابن نما / ١٢: أنّه أرسل الكتاب مع ذريع السّدوسي. وذكر الاثنين معاً السيّد الأمين في لواعج الأشجان / ٣٦.

١٠٩

رؤوس الأخماس بالبصرة(١) ، و إلى الأشراف مالك بن مسمع البكري(٢) ، والأخنف بن قيس(٣) ،

____________________

(١) كانت البصرة قد قُسّمت خمسة أخماس، ولكلّ خمس منها رئيس من الأشراف.

(٢) مالك بن مسمع البكري الجحدري: كان على بني بكر بن وائل في البصرة ٤ / ٥٠٥، ثمّ آوى مروان بن الحكم يوم الهزيمة، وحفظ لهم بنو مروان ذلك بعد وانتفعوا به عندهم وشرّفوهم بذلك ٤ / ٥٣٦ وكان رأيه مائلاً إلى بني اُميّة، فلمْ ينصر زياداً على ابن الحضرمي الذي كان وجّهه معاوية إلى البصرة للدعاء إلى نفسه ٥ / ١١٠، وهو الذي بايع ابن مرجانة بعد هلاك يزيد، ولكنّه نكث بيعته له فعدى مع جماعة على بيت المال، فنهبوه ٥ / ٥٠٥، ثمّ اتّهم بعد هذا أنّه كان يحاول أنْ يردّ ابن زياد إلى دار الإمارة بالبصرة ٥ / ٥١٢.

وقد كان مالك بن مسمع مملكاً على بكر بن وائل من ربيعة اليمن، وهم اللهازم وهم بنو قيس بن ثعلبة وحلفاؤهم: غزة وشيع اللات، وحلفاؤها: عجل وآل ذهل بن ثعلبة، وحلفاؤها: يشكر وضيعة بن ربيعة بن نزار، فهؤلاء من أهل الوبر وحنيفة من أهل المدر ٥ / ٥١٥، ثمّ لمّا لحق الأزد بالبصرة في آخر خلافة معاوية وأوّل خلافة يزيد بن معاوية، أتاهم مالك بن مسمع فجدّد معهم الحلف ٥ / ٥١٦، وفي سنة (٦٤ هـ) جدّد الحلف معهم، وعليهم مسعود بن عمرو المعنى فخرجوا على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب القرشي الهاشمي؛ ليردّوا ابن زياد إلى دار الإمارة، فهُزموا وأُحرق دار مالك بن مسمع ٥ / ٥٢١.

ودافع عن أصحاب المختار بالبصرة حمية من دون أنْ يكون على رأيهم ٦ / ٦٨، ثمّ كان على خمس بكر بن وائل مع مصعب في حربه المختار ٦ / ٩٥، ثمّ أجار خالد بن عبد الله بن خالد بن سيّد الذي قد وجّهه عبد الملك بن مروان داعياً له إلى البصرة، وقاتل دونه حتّى أُصيبت عينه فضجر من الحرب فاستأمن عبيد الله بن عبيد الله بن معمر، خليفة مصعب فآمنه فأخرج خالداً من البصرة، ثمّ خاف من المصعب فلحق مع قومه بثأج ٦ / ١٥٢ - ١٥٥، فهدم المصعب داره ٦ / ١٥٥، ثمّ تخفى أخباره.

(٣) الأحنف صخر بن قيس أبو بحر السّعدي: روى عن العبّاس بن عبد المطلب ١ / ٢٦٣، وأوفده عتبة بن غزوان سنة (١٧ هـ) إلى عمر مع وفد أهل البصرة ٤ / ٧٤، وحارب فيمَن حارب من أهل البصرة أهل فارس سنة (١٧ هـ) ٤ / ٨١، ودفع إليه عمر لواء خراسان؛ لفتحه نزولاً على رأيه ٤ / ٩٤ فطارد يزدجرد حتّى قُتل ٤ / ١٧١ وفتح هراة سنة (٣١ هـ) ٤ / ٣٠١، وصالح مرودود ٤ / ٣١٠ وأهل بلخ ٤ / ٣١٣، وكان ممّن كتبت إليه عائشة من أهل البصرة ٤ / ٤٦١.

١١٠

والمنذر بن الجارود(١) ،

____________________

وخرج إلى عليعليه‌السلام في فتنة البصرة، فدعاه عليعليه‌السلام إلى القعود بقومه من أهل البصرة عن قتاله، فدعاهم فأجابوه فاعتزل بهم، فلمّا ظفر عليعليه‌السلام دخل معه وهم عشرة الآف رجل ٤ / ٤٩٧ أو ستّة الآف ٤ / ٤٦٨ أو أربعة الآف ٤ / ٥٠١ وبايعه من جديد في العشي ٤ / ٥٤١. ثمّ قدم الكوفة على عليعليه‌السلام وكتب إلى عشيرته بالبصرة أنْ يشخصوا إلى الكوفة ليصيروا إلى صفّين فقدموا - وقعة صفّين / ٢٤ - فكان على تميم وضبة والرباب - صفّين/ ١١٧ -، ولكنّه كان يتخوّف من ذهاب العرب - صفّين / ٣٨٧ -.

ورشّح نفسه على عليعليه‌السلام للتحكيم، وذكر لين أبي موسى فأبى الأشعث بن قيس - صفّين /٥٠١ - وأبى على عليعليه‌السلام محو اسمه من إمرة المؤمنين في صفّين - صفّين / ٥٠٨ - فلمّا جاء الأشعث يقرأ على النّاس قرار التحكيم ردّ عليه وتناوشه بسيفه رجل من بني تميم، فجاء أهل اليمن لينتقموا من بني تميم فمضى الأحنف إليه واعتذر منه - صفّين / ٥١٣ -. ونصح أبا موسى أنْ لا ينخدع - صفّين / ٥٣٦ -، وكان يدخله عليعليه‌السلام في المشورة مع بني هاشم - ط ٥ / ٥٣ - وخرج للخروج الثاني إلى صفّين ببني تميم في ألف وخمسمئة ٥ / ٧٨ ووفد على معاوية سنة (٥٠ هـ) فأجازه مئة ألف ٥ / ٢٤٢.

وأوفده ابن زياد سنة (٥٩ هـ) إلى معاوية فأدخله عليه في آخر النّاس ٥ / ٣١٧ وبايع عبيد الله بن زياد بعد يزيد؛ ليكون أميراً على البصرة ٥ / ٥٠٧ وتعهد له أنْ يأتيه بداعية ابن الزبير، فلمّا رأى امتناعه امتنع وقعد عنه ٥ / ٥٠٨.

ولمّا أراد الأزد ردّ ابن زياد إلى دار الإمارة بعد هروبه، اجتمع بنو تميم على الأحنف يشكون إليه رجوع ابن زياد إلى الحكم، ومقتل رجال من تميم على يد الأزد، فثار بهم على الأزد حتّى قتلوا مسعود بن عمرو، زعيم الأزد ومجير ابن زياد، ففرّ ابن زياد إلى الشام ٥ / ٥١٩، ثمّ بايع لابن الزبير ٥ / ٦١٥. ثمّ حارب المختار مع مصعب بن الزبير سنة (٦٧ هـ) ٦ / ٩٥ وهو الذي أشار على مصعب بقتل جمع من استسلم من أصحاب المختار ٦ / ١١٦، وكأنّه كان ميّتاً سنة (٧١ هـ) ٦ / ١٥٧.

(١) كان على جذعة وبكر من عبد القيس يوم الجمل مع عليعليه‌السلام ٥ / ٥٠٥. وكانت بحريّة بنته عند عبيد الله بن زياد، فلمّا هجا يزيد بن المفرّغ الحميري آل زياد، أجاره المنذر فلم يجره ابن زياد ٥ / ٣١٨، ثمّ ولاّه ابن زياد السّند من بلاد الهند، فمات بها سنة (٦٢ هـ)، كما في الإصابة ٣ / ٤٨٠.

١١١

ومسعود بن عمرو(١) ، وقيس بن الهيثم(٢) ، وعمرو بن عبد الله بن معمر:

____________________

(١) مسعود بن عمرو بن عدي الأزدي: قائد الأزد يوم البصرة ٤ / ٥٠٥.

وهو الذي أجار ابن مرجانة لمّا نابذه النّاس ومنع عنه، فمكث تسعين يوماً بعد موت يزيد،، ثمّ خرج إلى الشام ٥ / ٥٢٥ وبعث مسعود مع ابن زياد مئة من الأزد عليهم قرّة بن عمرو بن قيس حتّى قدموا به الشام ٥ / ٥٢٢ واستخلف حين توجّه إلى الشام مسعود بن عمرو على البصرة، فخرج في قومه حتّى انتهى إلى القصر فدخله ٥ / ٥٢٥، فجاءت عصابة من الخوارج حتّى دخلوا المسجد، ومسعود على المنبر يبايع من أتاه فرماه منهم مسلم من أهل فارس. دخل البصرة فأسلم، ثمّ دخل في الخوارج ٥ / ٥٢٥، وكان هؤلاء أربعمئة من الأساورة - أي: الآشوريين - ٥ / ٥١٩ أو خمسمئة مع: (ماه أفريدون) انتدبوا إلى بني تميم، فقال له سلمة: أين تريدون؟ قالوا إيّاكم أردنا. قال: فتقدّموا. فكانوا أمامهم ٥ / ٥١٨ فأصابوا قلبه فقتلوه، وخرجوا وخرجت الأزد إليهم، فقتلوا منهم وجرحوا حتّى طردوهم عن البصرة. وصدّق أناس من بني تميم، أنّهم هم الذين بعثوا إليهم فقدموا بهم البصرة، فازدلف الأزد إلى بني تميم فقُتل من الفريقين قتلى كثيرون، ثمّ اصطلحوا على ديته بمئة ألف درهم عشر ديات ٥ / ٥٢٦.

(٢) القيس بن الهيثم السلمي: استخلفه عبد الله بن عامر على خراسان مع ابن عمّه عبد الله بن خازم سنة (٣٢ هـ)، فلمّا خرج منها عبد الله بن عامر جمع قارن أربعين ألفاً من: هراة وقهستان وطبس وبادغيس، فأخرج ابن خازم عهداً من ابن عامر، أنّه هو أمير خراسان إنْ كانت حرب، وكان قد افتعله عمداً، فخلاّه والبلاد ٤ /٣١٤. وأتى إلى البصرة فكانت الفتنة على عثمان، واستنصر عثمان بأهل البصرة من عبد الله بن عامر فاستنصرهم ابن عامر، فقام قيس بن الهيثم فخطب وحرّض النّاس على نصر عثمان، فسارع النّاس إلى ذلك وأتاهم قتل عثمان فرجعوا ٥ / ٣٦٩. وقد قِيل: إنّه ولي شرطة البصرة على عهد معاوية لعبد الله بن عامر أيضاً سنة (٤١ هـ) ٥ / ١٧٠، ثمّ بعثه والياً على خراسان سنتين (٥ / ١٧٢) فاستبطأه في الخراج فأراد عزله، فطلب إليه عبد الله بن خازم أنْ يولّيه إيّاها، فهمّ أنْ يكتب له فبلغ ذلك قيساً فترك خراسان وأقبل، فضربه ابن عامر ٥ / ٢٠٩ مئة وحلقه وحبسه، وكان من أخواله فطلبت إليه أمّه فأخرجه ٥ / ٢١٠ وبعث على خراسان رجلاً من بني يشكر ٥ / ٢٠٩، وهو: طفيل بن عوف اليشكري أو عبد الله بن أبي شيخ اليشكري سنة (٤٤ هـ) ٥ / ٢١٣، ثمّ عطف على قيس بن الهيثم فاستخلفه على البصرة إذ أراد القدوم على معاوية ٥ / ٢١٣ فأنكحه معاوية ابنته هنداً، ثمّ عزله عن البصرة سنة (٤٤ هـ) ٥ / ٢١٤ ثمّ ولّى معاوية على البصرة سنة (٤٥ ه) زياد بن سميّة فبعث قيس بن الهيثم على: مرود الروذ والفارياب والطالقان ٥ / ٢٢٤. =

١١٢

« أمّا بعد، فإنّ الله اصطفى محمّداً (صلّى الله عليه [ وآله ]) على خلقه، وأكرمه بنبوّته واختاره لرسالته، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به (صلّى الله عليه [ وآله ])، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ النّاس بمقامه في النّاس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولاّه (١) وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحقّ.

وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه [ وآله ]) فإنّ السّنة قد أُميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وإنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري، أهدكم سبيل الرشاد. والسّلام عليكم ورحمة الله ».

فكلّ مَن قرأ ذلك الكتاب من أشراف النّاس كتمه، غير المنذر بن الجارود؛ فإنّه خشي بزعمه أنْ يكون [ رسول الحسينعليه‌السلام : سليمان ] دسيساً من قبل عبيد الله فجاءه بالرسول من العشيّة التي يريد أنْ يسبق في صبيحتها إلى الكوفة، وأقرأه كتابه إليه، فقدّم [ عبيد الله ] الرسول فضرب عنقه.

وصعد منبر البصرة

____________________

= ثمّ وُلي خراسان خليفة عن عبد الرحمن بن زياد سنة (٦١ هـ) - أي: بعد مقتل الحسينعليه‌السلام - من قبل يزيد بن معاوية حينما أراد عبد الرحمن القدوم على يزيد، فعزله يزيد فانعزل قيس بن الهيثم ٥ / ٣١٦ فلمّا هلك يزيد كان قيس بالبصرة، فكتب إليه الضحّاك بن قيس يدعوه إلى نفسه ٥ / ٥٠٤. وكان رأي قيس ابن الهيثم مع النّعمان بن صهبان الراسبي إذ حكّمهما أهل البصرة فيمَن يتولّى أمرهم بعد ابن زياد في بني أميّة، ثمّ اتّفق رأيهما على مضري هاشمي ٥ / ٥١٢.

وكان على الشرطة والمقاتلة في البصرة لابن الزبير في مقاتلة مثنى بن مخرّبة العبدي البصري الداعي إلى المختار سنة (٦٦ هـ) ٦ / ٦٧. وكان على خمس أهل العالية مع مصعب بن الزبير لمقاتلة المختار سنة (٦٧ هـ) ٦ / ٩٥. وكان سنة (٧١ هـ)، يستأجر الرجال يُقاتلون معه خالد بن عبد الله داعية عبد الملك بن مروان معيناً لابن الزبير - ٦ / ٧١ -. وكان يحذّر أهل العراق من الغدر بمصعب ٦ / ١٥٧.

وهذا آخر عهدنا به، فلعلّه قُتل مع أصحاب مصعب بيد عبد الملك بن مروان سنة (٧١ هـ).

(١) وهذا يدلّ على أنّ رضاهم به إنّما كان خشية الفرقة ودفعاً للشرّ، لا رضا طوعٍ ورغبة.

١١٣

[ خطبة ابن زياد بالبصرة ]

فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فوالله، ما تقرن بي الصعبة(١) ولا يقعقع(٢) لي، وإنّي لنكل(٣) لمَن عاداني، وسمّ لمَن حاربني:

أنصف القارّة مَن راماها(٤)

يا أهل البصرة، إنّ أمير المؤمنين ولاّني الكوفة، وأنا غاد إليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان، وإيّاكم والخلاف والإرجاف، فوالذي لا إله غيره، لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليّه، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستمعوا لي، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق.

أنا ابن زياد أشبهه من بين مَن وطأ الحصى، ولمْ ينتزعني شبه خال ولا ابن عمّ(٥) .

____________________

(١) الصعبة: الناقة صعبة القياد. كأنّه يقول: أنا راكب البصرة وقائدها، فلا أجعلها تكون لي صعبة القياد.

(٢) القعقعة: الصوت. كأنّه يقول: لا أدع النّاس يتكلمون ببغضي وكراهتي.

(٣) أي: معذّب من النّكل، أي: العذاب والانتقام.

(٤) كذا في الطبري، وهو رجز لرجل: من قبيلة تدعى القارّة. وكانوا حذّقاً في الرماية في الجاهلية، فالتقى رجل منهم بآخر من غيرهم، فقال له القارّي: إنْ شئت صارعتك، وإنْ شئت سابقتك، وإن شئت راميتك؟ فقال الآخر: قد اخترت المراماة. فقال الرجل القاري:

قد أنصف القارة من راماه

ا إنّا إذا ما فئة نلقاها

نردّ أولاها على أخراها

ثمّ رماه بسهم فشكّ به فؤاده، فلعلّ ابن زياد قال: قد أنصفت القارّة مَن راماها، يُشير إلى أنّ من اختار المراماة معنا - بني أميّة - كان كمَن اختار المراماة مع الرجل القارّي؛ فانّ بني أميّة حذّاق في المراماة كما كانت قبيلة القارّة حذّقاً فيها.

(٥) يريد: أنّه يُشبه أباه في نكله ونقمته وشدّة وطأته وبطشه، ولا يُشبه خاله العجم، ولا ابن عمّه يزيد فيما اشتُهر فيه من: الغناء والطرب والمجون، والصيد والعبث واللهو. وذكر الخبر السّبط في تذكرته / ١٩٩.

١١٤

[ دخول ابن زياد إلى الكوفة ]

ثمّ خرج من البصرة وأقبل إلى الكوفة، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي(١) وشريك بن الأعور الحارثي(٢) وحشمه وأهل بيته بضعة عشر رجلاً(٣) حتّى دخل الكوفة، وعليه عمامة سوداء وهو متلثمّ والنّاس قد بلغهم إقبال حسينعليه‌السلام إليهم، فهم ينتظرون قدومه فظنّوا - حين قدم عبيد الله - أنّه الحسينعليه‌السلام فأخذ لا يمرّ على جماعة من النّاس إلاّ سلّموا عليه، وقالوا: مرحباً بك يابن رسول الله، قدمت خير مقدم. فرأى من تباشيرهم بالحسينعليه‌السلام مساءه وغاضه ما سمع منهم، وقال: ألاَ أرى هؤلاء كما أرى. فلمّا أكثروا، قال مسلم بن عمرو الباهلي: فأخّروا، هذا الأمير عبيد الله بن زياد!

فلمّا دخل القصر وعلم النّاس أنّه عبيد الله بن زياد دخلهم من ذلك كآبة وحزن شديد(٤)

____________________

(١) سبقت ترجمته في هامش الهامش الثاني لصفحة ١٠٢.

(٢) استعمل على إصطخر فارس فبنى مسجداً بها سنة (٣١ هـ) ٤ / ٣٠١، وشهد صفّين مع علي ٥ / ٣٦١، وبعثه عليعليه‌السلام مع جارية بن قدامة السّعدي في رجال من بني تميم إلى البصرة لقتال ابن الحضرمي ومن معه ممّن أجاب دعوته إلى معاوية سنة (٣٨هـ) ٥ / ١١٢.

وبعثه عبد الله بن عامر إلى البصرة مع ثلاثة الآف من فرسان ربيعة؛ لقتال المستورد بن علّفة الخارجي ٥ / ١٩٣، ووُلي كرمان من قبل عبيد الله بن زياد سنة (٥٩ هـ) ٥ / ٣٢١ ولبث بعد وصوله الكوفة أيّاماً فمات، فصلّى عليه ابن زياد ٥ / ٣٦٤.

(٣) وروى الطبري: عن عيسى بن يزيد الكناني، أنّه قال: لمّا جاء كتاب يزيد إلى عبيد الله ابن زياد، انتخب من أهل البصرة خمسمئة، فيهم: عبد الله بن الحارث بن نوفل وشريك بن الأعور ٥ / ٣٥٩.

(٤) ٥ / ٣٥٧. قال أبو مِخْنف: حدثنى الصقعب بن زهير، عن أبي عثمان الهندي، قال

[ انظر ] الإرشاد / ٢٠٦، والخوارزمي / ٢٠٠.

١١٥

[ خطبة ابن زياد عند دخوله الكوفة ]

[ و ] لمّا نزل القصر [ وأصبح ]، نودي: الصلاة جامعة، فاجتمع النّاس فخرج فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين - أصلحه الله - ولاّني مصركم وثغركم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متّبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كلوالد البرّ، وسوطي وسيفي على مَن ترك أمري وخالف عهدي، فليبقَ امرؤ على نفسه، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.

ثمّ نزل فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً، فقال: اكتبوا إليّ الغرباء ومَن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومَن فيكم من الحروريّة(١) وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق، فمَن كتبهم لنا فبرئ، ومَن لمْ يكتب لنا أحداً فيضمن لنا ما في عرافته ألاّ يخالفنا منهم مخالف، ولا يبغي علينا منهم باغ، فمَن لمْ يفعل برءت منه الذمّة وحلال لنا ماله وسفك دمه.

وأيّما عرّيف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لمْ يرفعه إلينا صلب على باب داره، وأُلقيت تلك العرّافة من العطاء وسيّر إلى موضع بعمان الزارة(٢) ،(٣) .

____________________

(١) أي: الخوارج، نسبته إلى حروراء من نواحي الكوفة أوّل موضع اجتمع به الخوارج في منصرفهم من صفّين قبل وصولهم إلى الكوفة.

والعرّافة: كانت من وظائف الدولة لمعرفة الرعيّة وتنظيم عطائهم من بيت المال، وقد كان بالكوفة: (مئة عرّيف). وكان العطاء يدفع إلى امرء أرباع الكوفة الأربعة، فيدفعونه إلى: العرفاء والنقباء وإلاّمناء فيدفعونه إلى أهله في دورهم ٤ / ٤٩، وكان يؤمر لهم بعطائهم في المحرم من كلّ سنة، وبفيئهم عند طلوع الشعرى في كلّ سنة؛ وذلك إدراك الغلاّت ٤ / ٤٣، وكانت العرّافة حتّى على عهد النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ٣ / ٤٤٨.

(٢) عمان الزّارة، هي: عمان المعروفة على ساحل الخليج قرب بحر عمان، وهي حارّة شديدة الحرارة؛ ولذلك يُوعد ابن زياد بتبعيد المخالفين إليها لشدّة العيش به.

(٣) والخبر ٥ / ٣٥٨. قال ابو مِخْنف: حدثني المعلّى بن كليب، عن أبي ودّاك، قال

[ انظر ] الإرشاد / ٢٠٢، والخواص / ٢٠٠.

١١٦

[ انتقال مسلم من دار المختار إلى دار هاني ]

وسمع مسلم بن عقيل مجيء عبيد الله ومقالته التي قالها، وما أخد به العرفاء والنّاس فخرج من دار المختار، وقد علم به حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة المرادي، فدخل بابه وأرسل إليه أنْ اخرج، فخرج إليه هانئ وكره مكانه حين رآه. فقال له مسلم: أتيتك لتجيرني وتضيّفني. فقال: رحمك الله! لقد كلفتني شططاً ولو لا دخولك داري وثقتك، لأحببت ولسألتك أنْ تخرج عنّي، غير أنّه يأخذني من ذلك ذمام وليس مردود مثلي على مثلك عن جهل، أدخل فآواه.

وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ بن عروة(٢)

وقد كان مسلم بن عقيل، حيث تحوّل إلى دار هانئ بن عروة وبايعه ثمانية عشر ألفاً، قدّم كتاباً إلى حسينعليه‌السلام مع عابس بن أبي شبيب الشاكري(٣)

____________________

(١) قال المسعودي: هو شيخ مراد و زعيمها، وهو يومئذٍ يركب في أربعة الآف دارع و ثمانية الآف راجل، وإذا أجابتها أحلافها من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع. مروج الذهب ٣ / ٦٩.

ومن هنا يُعلم لماذا خرج مسلم من دار المختار إلى دار هانئ بن عروة شيخ العشيرة، ولكنّه كان كما قال المسعودي: فلمْ يجد زعيمهم منهم أحداً، فشلاً وخذلاناً. كان هو وأبوه من الصحابة، وقُتل وهو ابن ثمانين أو تسعين سنة، كما في طبقات ابن سعد.

وذكر المبرّد في الكامل: إنّ أباه كان من الخارجين مع حجر بن عدي فشفع فيه زياد بن أبيه؛ ولذلك قال له ابن زياد - كما روى الطبري -: يا هانئ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر، وكان من حجر ما قد علمت؟ ثمّ لمْ يزل يحسن صحبتك، ثمّ كتب إلى أمير الكوفة: إنّ حاجتي قبلك هانئ. قال: نعم. قال: فجزائي أنْ خبّأت في بيتك رجلاً ليقتلني!

(٣) قال ابو مِخْنف: حدّثني جعفر بن حذيفة الطائي ٥ / ٣٧٥.

١١٧

أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي؛ فإنّ النّاس كلّهم معك، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى. والسّلام.

وكان [ ذلك ] قبل أنْ يُقتل لسبع وعشرين ليلة(١)

[ تجسّس معقل الشامي على مسلمعليه‌السلام ]

ودعا ابن زياد مولى له، يقال له: معقل(٢) . فقال له: خذ ثلاثة الآف درهم، ثمّ اطلب مسلم بن عقيل واطلب لنا أصحابه، ثمّ أعطهم هذه الثلاثة الآف، فقل لهم: استعينوا بها على حرب عدوّكم، وأعلمهم أنّك منهم، فانّك لو أعطيتها إيّاكم طمأنّوا إليك ووثقوا بك، ولمْ يكتموك شيئاً من أخبارهم، ثمّ اغد عليهم ورح.

فجاء [ معقل ] حتّى أتى إلى مسلم بن عوسجة الأسدي(٣) في المسجد الأعظم، وهو يصلّي و[ كان ] سمع النّاس، يقولون: إنّ هذا يبايع للحسينعليه‌السلام . فجاء حتّى فرغ من صلاته، ثمّ قال: يا عبد الله، إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت وحبّ مَن أحبّهم، فهذه ثلاثة الآف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة

____________________

(١) قال أبو مِخْنف: وحدّثني محمّد بن قيس ٥ / ٣٩٥.

(٢) وروى الطبري: عن عيسى بن يزيد الكناني: أنّ مسلم بن عقيل قدم قبل ابن زياد بليلة واخبر ابن زياد بذلك وأنّه بناحية الكوفة، فدعا مولى لبني تميم فأعطاه مالاً، وقال: انتحل هذا الأمر وأعنهم بالمال، واقصد لهانئ ومسلم وأنزله عليه ٥ / ٣٦٠.

(٣) قال شبث بن ربعي لبعض مَن حوله من أصحابه: إذ تنادوا بقتل مسلم بن عوسجة ثكلتكم اُمّهاتكم، إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذللون أنفسكم لغيركم، تفرحون أنْ يقتل مثل مسلم بن عوسجة! أمَا والذي أسلمت له، لربّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سلق آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل تتامّ خيول المسلمين، أفيُقتل منكم مثله وتفرحون؟! ٥ / ٤٣٦.

١١٨

يبايع لابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ])، وكنت أريد لقاءه فلمْ أجد أحداً يدلّني عليه ولا يعرف مكانه، فإنّي لجالس آنفاً في المسجد إذ سمعت نفراً من المسلمين يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، وإني أتيتك لتقبض هذا المال وتدخلني على صاحبك فأبايعه، وإنْ شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال [ له مسلم بن عوسجة ]: أحمد الله على لقائك إيّاي، فقد سرّني ذلك؛ لتنال ما تحبّ ولينصر الله بك أهل بيت نبيّه، ولقد ساءني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أنْ ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته.

فأخذ بيعته قبل أنْ يبرح وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحنّ وليكتمنّ، فأعطاه من ذلك ما رضي به. ثمّ قال: اختلف إليّ أيّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن على صاحبك. فطلب له الإذن فأخذ يختلف مع النّاس(١) .

[ مؤتمر قتل ابن زياد ]

مرض هانئ بن عروة فجاء عبيد الله [ ابن زياد ] عائداً له، فقال له عمارة بن عبيد السّلولي(٢) : إنّما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية، فقد أمكنك الله منه فاقتله. قال هانئ: ما أحبّ أنْ يُقتل في داري [ فعاده ابن زياد و ] خرج.

فما مكث إلاّ جمعة حتّى مرض شريك بن الأعور [ الحارثي ]، وكان كريماً على ابن زياد وعلى غيره من الامرء، وكان شديد التشيّع، فأرسل إليه عبيد الله [ ابن زياد ] إنّي رائح إليك العشيّة. فقال [ شريك ] لمسلم: إنّ هذا الفاجر

____________________

(١) عن أبي مِخْنف عن المعلّى بن كليب، عن أبي السوّاك، قال: ٥ / ٣٦١.

[ انظر ] الإرشاد / ٢٠٧، والخواص / ٢٠١.

(٢) هو: من رُسل أهل الكوفة إلى الإمامعليه‌السلام بمكّة بثلاث وخمسين صحيفة، وسرّحه الإمام مع مسلم بن عقيل وقيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الرحمن الأرحبي إلى الكوفة ٥ / ٣٤٣ - ٣٤٤.

١١٩

عائدي العشيّة، فإذا جلس فاخرج إليه فاقتله، ثمّ اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه، فإنْ بُرءت من وجعي هذا أيّامي هذه، سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها.

فلمّا كان من العشي أقبل عبيد الله [ ابن زياد ] لعيادة شريك [ الحارثي ] فقام مسلم بن عقيل ليدخل، وقال له شريك: لا يفوتنّك إذا جلس. فقام هانئ بن عروة إليه، فقال: إنّي لا أحبّ أنْ يُقتل في داري - كأنّه استقبح ذلك -. فجاء عبيد الله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكاً عن وجعه، وقال: ما الذي تجد؟ [ و ] طال سؤاله إياه.

و[ لمّا ] رأى [ شريك ] أنّ [ مسلم ] لا يخرج، خشي أنْ يفوته فأخذ يقول:

ما تنظرون بسلمى أنْ تحيّوها

أسقنيها وإنْ كانت فيها نفسي. قال ذلك مرّتين أو ثلاثاً.

فقال عبيد الله: ما شأنه، أترونه يهجر؟

فقال له هانئ: نعم، أصلحك الله! ما زال هذا دُيدنه قُبيل عماية الصبح حتّى ساعته هذه. [ فـ ] -قام [ ابن زياد و ] انصرف. فخرج مسلم. فقال له شريك: ما منعك من قتله؟

فقال: خصلتان؛ أمّا أحدهما، فكراهة هانئ أنْ يُقتل في داره؛ وأمّا الآخرى، فحديث حدّثه النّاس عن النبيّ (صلّى الله عليه [ وآله ]):« إنّ الإيمان قيد الفتك، ولا يفتك مؤمن » .

فقال هانئ: أمَا والله، لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً غادراً، ولكن كرهت أنْ يُقتل في داري(١)

____________________

(١) عن أبي مِخْنف: عن المعلّى بن كليب عن أبي الودّاك، قال ٥ / ٣٦١.

١٢٠