وقعة الطف

وقعة الطف0%

وقعة الطف مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 290

وقعة الطف

مؤلف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن مسلم الازدى الغامدى
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 171528
تحميل: 7433

توضيحات:

وقعة الطف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171528 / تحميل: 7433
الحجم الحجم الحجم
وقعة الطف

وقعة الطف

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

[ معقل يدخل على مسلم ]

ثمّ إنّ معقلاً اختلف إلى مسلم بن عوسجة أيّاماً ليدخله على ابن عقيل، فأقبل به حتّى أُدخله عليه فأخبره خبره فأخذ بيعته، وأمر أبا ثمامة الصائدي(١) فقبض ماله الذي جاء به وأقبل يختلف إليهم، فهو أوّل وآخر خارج يسمع أخبارهم ويعلم أسرارهم، ثمّ ينطلق بها حتّى يقرّها في أذن ابن زياد(٢) .

[ إحضار هانئ عند ابن زياد ]

قال ابن زياد لجلسائه: ما لي لا أرى هانئاً؟ فقالوا: هو شاك. [ و ] دعا عبيد الله [ بن زياد ] محمّد بن الأشعث(٣) وأسماء بن

____________________

(١) كان يقبض أموالهم وما ُيعين به بعضهم بعضاً ويشتري لهم السلاح، وكان بصيراً به، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة ٥ / ٣٦٤ وعقد له مسلم على ربع تميم وهمدان ٥ / ٣٦٩ وحضر كربلاء فكان بوّاب الحسينعليه‌السلام ٥ / ٣٦٤.

وهو الذي سأل الحسينعليه‌السلام أنْ يصلّي بهم ظهيرة عاشوراء، فدعا له الإمامعليه‌السلام بخير، فقال:« ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين » ٥ / ٤٣٩.

وبارزه قبل الصلاة ابن عمّ له كان مع عسكر عمر بن سعد فقتله أبو ثمامة ٥ / ٤٤١.

(٢) عن أبي مِخْنف: عن المعلّى بن كليب عن أبي الودّاك ٥ / ٣٦١. وفي الإرشاد / ٢٠٨.

(٣) محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي، هو الذي طلب زياد منه حجراً، فطلب منه حجر أنْ يطلب له الأمان من زياد حتّى يذهب إلى معاوية فيرى فيه رأيه، ففعل ٥ / ٢٦٣ - ٢٦٤. فقال عبيدة الكندي يُعيّر محمّد بن الأشعث بخذلانه حجراً وقتاله مسلماًعليه‌السلام :

أسلمت عمّك لمْ تقاتل دونه

فرقاً ولو لا أنت كان منيعا

وقتلت وافد آل بيت محمّدٍ

وسلبت أسيافاً له ودروعا

٥ / ٢٨٥

ورفع راية الأمان فيمَن طاعه من كندة وحضرموت، يخذّل النّاس عن ابن عقيل ٥ / ٣٦٩ لكنّه لقتاله بعث معه رجالاً من قيس لكراهة كلّ قوم أنْ يقتل فيهم ابن عقيل ٥ / ٣٧٣ وآمنه ابن الأشعث ٥ / ٣٧٤ وأخبر ابن زياد بأمانه، فلمْ يمضه ٥ / ٣٧٥ وشفع في هانئ بن عروة، فلمْ يشفّعه فيه ٥ / ٣٧٨.

١٢١

خارجة(١) وعمرو بن الحجّاج(٢) . وكانت روعة أخت عمرو بن الحجّاج تحت هانئ بن عروة. فقال لهم: ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا؟ قالوا: ما ندري، أصلحك الله! وإنّه ليتشكّى(٣) . قال: بلغني أنّه قد برأ، وهو يجلس على باب داره فالقوه فمروه ألاّ يدع ما عليه في ذلك من الحقّ؛ فإنّي لا أحبّ أنْ يفسد عندي مثله من أشراف العرب(٤) .

____________________

وكانت كندة تقوم بأمر عمر بن سعد لأنّهم أخواله، فلمّا هلك يزيد بن معاوية ودعاهم ابن زياد إلى نفسه رفضوه، ولكنّهم أمّروا عمر بن سعد، فلمّا تقلّد رجال همدان السّيوف وبكت نساؤهم حسيناًعليه‌السلام انصرف ابن الأشعث، وقال: جاء أمر غير ما كنّا فيه ٥ / ٥٢٥. وكتبوا إلى ابن الزبير بمكّة، فبعث ابن الزبير محمّد بن الأشعث بن قيس على الموصل، فلمّا قدم عليه عبد الرحمن بن سعيد بن قيس من قبل المختار أميراً تنحّى له عن الموصل، وأقبل حتّى نزل تكريت وأقام بها مع أشراف من قومه وغيرهم، ينظر ما يصنع النّاس، ثمّ شخص إلى المختار فبايعه ٦ / ٣٦.

ولمّا أقبل ابن زياد بجيش الشام إلى الموصل، وخرج أصحاب المختار لحربه التقى أشراف الكوفة فأرجفوا به، وفيهم محمّد بن الأشعث. وخرج ابنه إسحاق بن محمّد بن الأشعث في جبانة كندة واثبين على المختار ٦ / ٣٩ - ٤٥، وانكسروا فخرج محمّد بن الأشعث بن قيس إلى قريته بجنب القادسيّة، فبعث إليه المختار في مئة من الموالي وغيرهم، وخرج محمّد بن الأشعث فلحق بمصعب بن الزبير فهدم داره ٦ / ٦٦. فأمره مصعب أنْ يذهب إلى المهلّب بن أبي صفرة فيقبل به بكتاب مصعب إليه، فذهب وجاء بالمهلّب لحرب المختار ٦ / ٩٤، وسرّح محمّد بن الأشعث في خيل عظيمة من خيل أهل الكوفة ممّن كان المختار، طردهم فكانوا أشدّ عليهم من أهل البصرة لا يدركون مهزوماً أسيراً إلاّ قتلوه ٦ / ٩٧ فقُتل في حرب المختار مع مصعب، فبعث مصعب ابنه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث إلى كناسة الكوفة ٦ / ١٠٤.

(١) الفزارى: وهو ممّن كُتبت شهادته على حجر بن عدي الكندي ٥ / ٢٠٧، وهو الذي ذكّر الحجّاج بكميل بن زياد النّخعي وعمير بن ضابئ، أنّهما ممّن خرج إلى عثمان فقتلهما الحجّاج ٤ / ٤٠٤.

واعترض على ابن زياد لضربه وحبسه لهانئ بن عروة، فأمر به إلى الحبس ٥ / ٣٦٧، ثمّ كان مع أصحاب ابن مطيع العدوي ٦ / ٣١ ومع أصحاب مصعب بن الزبير سنة (٦٨ هـ) ٦ / ١٢٤.

(٢) سبقت ترجمته فيمَن كتب إلى الإمامعليه‌السلام من أهل الكوفة، فراجع.

(٣) يتشكّى، أي: يشتكي ممّا به من السّقم والمرض.

(٤) عن أبي مِخْنف: عن المعلّى بن كليب، عن أبي الودّاك والمجالد بن سعيد، والحسن بن عقبة المرادي ونمير بن وعلة، عن أبي الودّاك ٥ / ٣٦١ - ٣٦٤، وفي الإرشاد / ٢٠٨.

١٢٢

[ هانئ يُدعى إلى ابن زياد ]

فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة، وهو جالس على بابه، فقالو: ما يمنعك من لقاء الأمير، فإنّه قد ذكرك وقال: لو أعلم أنّه شاك لعدته؟، فقال لهم: الشكوى تمنعني. فقالوا له: يبلغه أنّك تجلس كلّ عشيّة على باب دارك، وقد استبطأك والإبطاء والجفاء لا يحتمله السّلطان، أقسمنا عليك لمّا ركبت معنا.

فدعا بثيابه فلبسها، ثمّ دعا ببغله فركبها حتّى إذا دنا من القصر، كأنّ نفسه أحسّت ببعض الذي كان، فقال لحسّان بن خارجة: يابن أخي إنّي والله، لهذا الرجل لخائف! فما ترى؟ قال: أي عمّ والله، ما أتخوّف عليك شيئاً، ولِمَ تجعل على نفسك سبيلاً وأنت بريء؟

فدخل القوم على ابن زياد ودخل معهم، فلمّا طلع [ على ابن زياد ]، قال عبيد الله [ ابن زياد ]: أتتك بحائن رجلاه(١) ، فلمّا دنا من ابن زياد و [ كان ] عنده شريح القاضي(٢) التفت نحوه، فقال:

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد(٣)

____________________

(١) الحائن: الأحمق، وهو: مثل يُضرب لمثل المقام. وأخطأ مَن كتب: بخائن.

[ انظر ] الفاخر / ٢٥١.

(٢) شريح بن الحارث الكندي: استقضاه عمر على الكوفة سنة (١٨ هـ) ٤ / ١٠١. وكان من المحرّضين لنصرة عثمان في أهل الكوفة ٤ / ٣٥٢. وكُتب في الشهود على حجر بن عدي شريح بن الحارث القاضي، فكان يقول: سألني زياد عنه، فأخبرته أنّه كان صوّاماً قوامّاً ٥ / ٢٧٠.

واستشاره زياد لقطع يده المجذومة، فأشار عليه بعدم القطع فلاموه فقال، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المستشار مؤتمن » ٥ / ٢٨٩. وأراده ابن الزبير لقضاء الكوفة فأبى عليه ٥ / ٥٨٢، ولكنّه قبل القضاء للمختار، فلمّا سمع أنّ أصحاب المختار يقولون فيه: أنّه كان عثمانياً، وأنّه ممّن شهد على حجر بن عدي، وأنّ علي بن أبي طالب عزله عن القضاء، وأنّه لمْ يبلّغ عن هانئ ما أرسله به؛ تمارض فجعل المختار مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود، ثمّ عبد الله بن مالك الطائي ٦ / ٣٤، وبعد المختار قبل القضاء لابن الزبير ٦ / ١٤٩ واستعفى الحجّاج من القضاء، وأشار عليه بأبي بردة بن أبي موسى الأشعري سنة (٧٩ هـ)، فأعفاه الحجّاج وولّى أبا بردة ٦ / ٣٢٤، فقضى نحواً من ستّين سنة.

(٣) لعمرو بن معد يكرب الزبيدي. والحِباء - بكسر الحاء - من: الحبوة، أي: العطاء.

وفي الكامل، والإرشاد / ٢٠٨: أريد حياته، وهو تحريف.

١٢٣

[ هانئ عند ابن زياد ]

فقال له هانئ: وما ذاك أيّها الأمير؟ قال: إيه يا هانئ بن عروة، ما هذه الأمور التي تربصّ في دورك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك، وظننت أنّ ذلك يُخفى عليّ لك؟

قال: ما فعلت، وما مسلم عندي.

قال: بلى، قد فعلت.

قال: ما فعلت.

قال: بلى.

فلمّا كثر ذلك بينهما وأبى هانئ إلاّ مجاحدته ومناكرته، دعا ابن زياد معقلاً - ذلك العين -(١) فجاء حتّى وقف بين يديه.

فقال: أتعرف هذا؟

قال: نعم. وعلم هانئ عند ذلك، أنّه كان عيناً عليهم وأنّه قد أتاه بأخبارهم. فقال له: اسمع منّي وصدّق مقالتي فوالله، لا أكذّبك والله الذي لا إله غيره، ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتّى رأيته جالساً على بابي، فسألني النزول عليّ فاستحييت من ردّه، ودخلني من ذلك ذمام

____________________

(١) العين: الجاسوس.

١٢٤

فأدخلته داري وضفته وآويته، وقد كان من أمره الذي بلغك، فإنْ شئت أعطيت الآن موثقاً مغلّظاً وما تطمئن إليه ألاّ أبغيك سوءاً، وإنْ شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتّى آتيك وأنطلق إليه فآمره أنْ يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض، فأخرج من ذمامه وجواره.

فقال: لا والله، لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به.

فقال: لا والله، لا أجيئك [ به ] أبداً، أنا أجيئك بضيفي تقتله!

قال: والله، لتأتيني به.

قال: والله، لا آتيك به.

فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي، فقال: أصلح الله الأمير، خلّني وإيّاه حتّى كلّمه. وقال لهانئ: قُم إليّ ههنا حتّى اكلّمك. فقام، فخلا به ناحية من ابن زياد، وهما منه على ذلك قريب حيث يراهما إذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان، وإذا خفضا خفى عليه ما يقولان. فقال له مسلم [ بن عمرو الباهلي ]: يا هانئ، إنّي انشدك الله،أنْ تقتل نفسك وتدخل البلاء على قومك وعشيرتك! فوالله، إنّي لأنفس بك عن القتل، إنْ هذا الرجل [ مسلم بن عقيل ] ابن عمّ القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه، فادفعه إليه؛ فإنّه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة، إنّما تدفعه إلى السّلطان.

قال: بلى والله، إنّ عليّ في ذلك الخزي والعار، أنا أدفع جاري وضيفي وأنا حيّ صحيح أسمع وأرى، شديد السّاعد كثير الأعوان! والله، لو لمْ أكن إلاّ واحداً ليس لي ناصر لمْ أدفعه إليه حتّى أموت دونه. وهو يرى أنّ عشيرته ستحرّك في شأنه، فأخذ يناشده، وهو يقول: لا والله، لا أدفعه إليه أبداً.

فسمع ابن زياد ذلك، فقال ادنوه: منّي، فأدنوه منه. فقال: والله، لتأتيني به أو لأضربنّ عنقك.

١٢٥

قال: إذاً تكثر البارقة حول دارك(١) . وهو يظنّ أنّ عشيرته يسمعونه.

فقال: والهفاه عليك! أبالبارقة تخوّفني؟! أدنوه منّي، فأُدني فاستعرض وجهه بالقضيب فلمْ يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفه وسيّل الدماء على ثيابه، ونثر لحم خدّيه وجبينه على لحيته حتّى كسر القضيب.

وضرب هانئ بيده إلى قائم سيف شرطيّ من تلك الرجال وجاذبه الرجل ومنع.

فقال عبيد الله [ بن زياد ] أحروريّ سائر اليوم(٢) ! أحللت بنفسك قد حلّ لنا قتلك، خذوه فألقوة في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه واجعلوا عليه حرساً، ففعل ذلك به.

فقام إليه أسماء بن خارجة، فقال: أرُسُل غدر سائر اليوم! أمرتنا أنْ نحيئك بالرجل حتّى إذا جئناك به وأدخلناه عليك هشّمت وجهه وسيّلت دمه على لحيته، وزعمت أنّك تقتله؟ فقال له عبيد الله: وإنّك لها هنا، فأمر به فلُهز وتُعتع به(٣) فحُبس.

____________________

(١) وروى الطبري، عن عيسى بن يزيد الكناني: أنّ ابن زياد قال له: يا هانئ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر، وكان من حجر ما قد علمت؟

ثمّ لمْ يزل يحسن صحبتك، ثمّ كتب إلى أمير الكوفة إنّ حاجتي قبلك هانئ؟ قال: نعم. قال: فكان جزائي أنْ خبّأت في بيتك رجلاً ليقتلني! قال: ما فعلت.

فأخرج التميمي [ أي: مولاهم ] الذي كان عيناً عليهم، فلمّا رآه هانئ علم أنْ قد أخبره الخبر، فقال: أيها الأمير، قد كان الذي بلغك ولن أضيّع يدك عنّي، فأنت آمن وأهلك فسر حيث شئت!

وكان مهران - مولاه - قائماً على رأسه في يده معكزة، فقال: وا ذُلاّه! هذا العبد الحائك يؤمّنّك في سلطانك! وطرح إليه المعكزة، وقال: خذه. وأخذ بضفيرتي هانئ وأخذ عبيد الله المعكزة، فضرب بها وجه هانئ حتّى كسّر أنفه وجبينه، وندر الزّج فارتزّ في الجدار ٥ / ٣٦١.

(٢) نسبة إلى: حروراء من نواحي الكوفة، وهو أوّل موضع خرج فيه الخوارج على عليعليه‌السلام .

(٣) التعتعة: الحركة العنيفة. واللهز: الضرب في اللهازم، أي: مجامع ثيابه فوق صدره إلى عنقه.

١٢٦

وأمّا محمّد بن الأشعث، فقال: قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أمْ علينا، إنّما الأمير مؤدّب(١) .

وقام إلى عبيد الله بن زياد، فكلمه وقال: إنّك قد عرفت منزلة هانئ بن عروة في المصر وبيته في العشيرة، وقد علم قومه أنّي وصاحبي سقناه إليك فأنشدك الله لمّا وهبته لي؛ فإنّي أكره عداوة قومه، هم أعزّ أهل المصر وعدد أهل اليمن(٢) . فوعده أنْ يفعل(٣) .

وبلغ عمرو بن الحجّاج أنْ هانئاً قد قُتل، فأقبل في مذحج ومعه جمع عظيم حتّى أحاط بالقصر، ثمّ نادى: أنا عمرو بن الحجّاج، هذه فرسان مذحج ووجوهها لمْ تخلع طاعة، ولم تفارق جماعة وقد بلغهم أنّ صاحبهم يُقتل فأعظموا ذلك!

فقِيل لعبيد الله: هذه مذحج بالباب.

فقال لشريح القاضي: ادخل على صاحبهم فانظر إليه، ثمّ اخرج فأعلمهم، أنّه حيّ لمْ يُقتل وأنّك قد رأيته(٤) .

قال [ شريح ]: دخلت على هانئ، لمّا رآني قال: يا لله يا للمسلمين! أهلكت عشيرتي؟ فأين أهل الدين وأين أهل المصر، تفاقدوا ويخلّوني وعدوّهم وابن عدوّهم - والدماء تسيل على لحيته -؟ إذ سمع الرجّة على باب القصر، وخرجت واتبعني فقال: يا شريح، إنّي لأظنّها أصوات مذحج وشيعتي

____________________

(١) ٥ / ٣٦٧. قال ابو مِخْنف: حدثني غير بن وعلة، عن أبي الودّاك، قال

(٢) لأنّ كندة كانت من قبائل اليمن بالكوفة؛ ومراد: ومذحج من قبائل كندة.

(٣) قال أبو مِخْنف: حدّثني الصقعب بن زهير، عن عون بن أبي جحيفة، قال ٥ / ٣٧٨.

[ انطر ] الإرشاد / ٢١٠، والخوارزمي / ٢٠٥.

(٤) ٥ / ٣٦٧. قال ابو مِخْنف: حدثني نمير بن وعلة، عن أبي الودّاك، قال

[ انظر ] الإرشاد / ٢١٠، والخوارزمي / ٢٠٥.

١٢٧

من المسلمين، إن دخل عليّ عشرة نفر أنقذوني.

قال: فخرجت إليهم، ومعي حميد بن بكير الأحمري(١) أرسله معي ابن زياد، وكان من شرطته ممّن يقوم على رأسه، فلمّا خرجت إليهم، قلت: إنّ الأمير لمّا بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني الدخول إليه فأتيته فنظرت إليه، فأمرني أنْ ألقاكم وأنْ أعلمكم: أنّه حيّ، وأنّ الذي بلغكم من قتله كان باطلاً.

فقال عمرو [ بن الحجّاج ] وأصحابه: فأمَا إذ لمْ يقتل فالحمد لله، ثمّ انصرفوا(٢) .

[ خطبة ابن زياد بعد القبض على هانئ ]

وخشي عبيد الله أنْ يثب النّاس به فخرج، ومعه أشراف النّاس وشرطه وحشمه فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، أيها النّاس فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم، ولا تختلفوا ولا تفرّقوا فتهلكوا وتذلّوا، وتقتلوا وتجفوا وتحرموا، إنّ أخاك مَن صدّقك، وقد أعذر من أنذر(٣) .

[ خروج مسلمعليه‌السلام ]

وأرسل مسلم بن عقيل عبد الله بن خازم رسولاً إلى القصر لينظر إلى ما

____________________

(١) كان مع زياد، وكان تبيع العمّال - أي: من يتتبّع أثرهم -، فبعثه زياد في أناس من أصحابه في طلب أصحاب حجر بن عدي، وهو ضارب ابن عقيل على شفته العليا وقاتله ٥ / ٣٧٣ - ٣٧٨، وكان عبداً شاميّاً.

(٢) قال ابو مِخْنف: فحدثني الصقعب بن زهير، عن عبد الرحمن بن شريح، قال: سمعته يحدّث إسماعيل بن طلحة، قال ٥ / ٣٦٧.

(٣) قال ابو مِخْنف: حدّثني الحجّاج بن علي، عن محمّد بن بشر الهمداني، قال ٥ / ٣٦٨.

١٢٨

صار أمر هانئ.

قال فلمّا ضُرب وحُبس ركبت فرسي وكنت أوّل أهل الدار، دخل على مسلم بن عقيل بالخبر، وإذا نسوة لمراد مجتمعات، ينادين: يا عشيرتاه! يا ثكلاه! فدخلت على مسلم بن عقيل بالخبر فأمرني أنْ أنادي في أصحابه: يا منصور أمتْ. وقد ملأ الدور حوله وقد بايعه ثمانية عشر ألفاً، وفي الدور أربعة الآف رجل، فناديت: يا منصور أمت، وتنادى أهل الكوفة فاجتمعوا إليه.

فعقد مسلمعليه‌السلام لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة، وقال: سر أمامي في الخيل. ثمّ عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد، وقال: انزل في الرجال فأنت عليهم. وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان، وعقد لعبّاس بن جعدة الجدلي(١) على ربع المدينة، وأقبل مسلم يسير في النّاس من مراد.

[ اجتماع الأشراف بابن زياد ]

وأقبل أشراف النّاس يأتون ابن زياد من قبل الباب الذي يلي دار الروميّين(٢) . ودعا عبيد الله [ ابن زياد ] كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي(٣) ، فأمره

____________________

(١) نرى: على ميسرة جيش المختار المبعوث إلى المدينة لقتال ابن الزبير، مَن يُدعى: عيّاش بن جعدة الجدلي، وعند انهزامهم أمام أصحاب ابن الزبير لمْ يدخل في راية أمانه هو وثلثُمئة معه، فلمّا وقعوا في أيديهم، قُتلوا إلاّ نحواً من مئتي رجل مات أكثرهم في الطريق ٦ / ٧٤.

وحيث لمْ نجد لعبّاس أو عيّاش الجدلي أيّ ذكر غير هذا، وبقرينة وفائه للمختار يستعبد أنْ يكونا شخصين، ويرجح أنْ يكون شخصاً واحداً، إمّا باسم: العبّاس أو: العيّاش. بقي بعد مسلم حتّى خرج مع المختار فقُتل أو مات هناك.

(٢) من هنا يُعلم: أنّ دار الروميّين كان يلي خلف دار الإمارة، وحيث كانوا مع أهل الذمة تستّربهم ابن زياد للخروج والولوج إلى القصر، وفات أصحاب مسلمعليه‌السلام أنْ يسدّوا ذلك الوجه والمنفذ.

(٣) كان ممّن كتبت شهادته على حجر بن عدي ٥ / ٢٦٩ وحمل حجر وأصحابه إلى معاوية ٥ / ٢٧٠، وهو أوّل مَن عُقد له ابن زياد، وأشرف على النّاس يُخذّلهم عن مسلمعليه‌السلام ٥ / ٣٧٠.

١٢٩

أنْ يخرج فيمَن طاعه من مذحج، فيسير بالكوفة ويخذّل النّاس عن ابن عقيل، ويخوّفهم الحرب ويحذّرهم عقوبة السّلطان.

وأمر محمّد بن الأشعث أنْ يخرج فيمَن طاعه من كندة وحضرموت، فيرفع راية أمان لمَن جاءه من النّاس.

وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي(١) وشيث بن ربعي التميمي، وحجّار بن أبجر العجلى وشمر بن ذي الجوشن العامري(٢) ،(٣) .

وعقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه [، و ] قال: أشرفوا على النّاس، فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة، وخوّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة، وأعلموهم فصول الجنود من الشام إليهم(٤) .

____________________

(١) كان ممّن كتبت شهادته على حجر بن عدي ٥ / ٢٦٩، وحارب مسلماًعليه‌السلام (٥ / ٢٧٠ ٣٨١).

(٢) ٥ / ٣٦٨. قال ابو مِخْنف: حدثنى يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن خازم، قال

(٣) كان مع عليعليه‌السلام بصفّين ٥ / ٢٨، وفيمَن كُتبت شهادته على حجر بن عدي ٥ / ٢٧٠.

وهو الذي حرّض ابن زياد على قتل الحسينعليه‌السلام ٥ / ٤١٤ وحضر كربلاء ودعا بني اُمّ البنين، إخوة العبّاسعليه‌السلام إلى أمان ابن زياد، وخذلان الإمامعليه‌السلام ٥ / ٤١٥. واستشاره ابن سعد لإمهال الحسينعليه‌السلام ليلة عاشوراء، فلمْ يجبه بشيء ٥ / ٤١٧.

وكان على ميسرة ابن سعد ٥ / ٤٢٢ وأجاب خطبة الإمام الحسينعليه‌السلام بكلام بذيء فشتمه ابن مظاهر ٥ / ٤٢٥، وأجاب خطبة زهير بن القين بسهم رماه به فشتمه ابن القين ٥ / ٤٣٦ وحمل في ميسرة ابن سعد على أهل ميسرة الحسينعليه‌السلام ٥ / ٤٣٦ وطعن فسطاط الحسين برمحه ونادى بالنّار ليحرق الخباء على أهله، فصاح النّساء وخرجن من الفسطاط فدعا عليه الإمام ٥ / ٤٣٨. وهو الذي قتل نافع بن هلال الجملي ٥ / ٤٤٢، وأراد قتل الإمام السجّادعليه‌السلام فمنعه النّاس ٥ / ٤٥٤. وكان فيمَن قدم بالرؤوس على ابن زياد (٥ / ٤٥٦) وبها السّبايا إلى يزيد (٥ / ٤٦٠ - ٤٦٣)، وكانت الرؤوس معه عشرون رأسا مع هوازن ٥ / ٤٦٨ وبعثه ابن مطيع على جبانة سالم بالكوفة؛ لحرب المختار ٦ / ١٨ ومعه ألفان ٦ / ٢٩.

وكان ممّن ثار مع أشراف الكوفة لقتال المختار ٦ / ٤٤ وفرّ من الكوفة منهزماً ٦ / ٥٢ وقتله منهزماً عبد الرحمن بن أبي الكنود سنة (٦٦ هـ) ٦ / ٥٣، وكلمة (شَمِر) عبرية أصلها:

شامر، بمعنى: سامر، كما يقال اليوم: إسحاق شآمير.

قال أبو مِخْنف: وحدّثني يونس بن إسحاق، عن عبّاس الجدلي، قال ٥ / ٣٦٩.

(٤) قال أبو مِخْنف: فحدّثنى أبو الجناب الكلبي ٥ / ٣٦٩.

١٣٠

[ خروج الأشراف برايات الأمان للتخذيل عن مسلم ]

فتكلّم كثير بن شهاب أوّل النّاس فقال: أيها النّاس، الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشرّ ولا تعرضوا أنفسكم للقتل، فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى الله الأمير عهداً لئن أتممتم على حربه ولمْ تنصرفوا من عشيّتكم أنْ يحرّم ذرّيتك العطاء، ويفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع، وأنْ يأخذ البرئ بالسّقيم والشاهد بالغائب حتّى لا يبقى فيكم بقيّة من أهل المعصية، إلاّ أذاقها وبال ما جرّت أيديها. وتكلّم الأشراف بنحو من كلام هذا.

فلمّا سمع مقالتهم النّاس أخذوا يتفرّقون(٢) [ و ] إنّ المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها، فتقول: انصرف النّاس يكفونك؛ ويجيء الرجل ابنه أو أخيه، فيقول: غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف، فيذهب به(٣) .

وخرج محمّد بن الأشعث حتّى وقف عند دور بني عمارة، وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي عليه سلاحه وهو يريد ابن عقيل، فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه. فبعث ابن عقيل إليه من المسجد [ لقتاله ] عبد الرحمن بن شريح الشبامي(٤) [ ومعه ناس كثير، وجال القعقاع بن شور الذهلي على مسلم وأصحابه

____________________

(١) قال أبو مِخْنف: حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن عبد الله بن خازم الكثيري من الأزد، قال ٥ / ٣٧٠.

(٢) قال أبو مِخْنف: فحدّثني المجالد بن سعيد ٥ / ٣٧١.

(٣) قال ابو مِخْنف: فحدّثني أبو حاب الكلبي ٥ / ٣٦٩.

١٣١

من موضع بالكوفة، يقال له: العرار ](١) وأرسل إلى محمّد بن الأشعث: قد جلت على ابن عقيل من العرار، فتأخّر عن موقفه(٢) [ وقاتلهم شبث بن ربعي، ثمّ جعل يقول: انتظروا بهم اللّيل يتفرّقوا. فقال له القعقاع بن شور: إنّك سددت على النّاس وجه مصيرهم، فأخرج لهم ينسربوا ](٣) .

[ غربة مسلمعليه‌السلام ]

قال عبّاس الجدلي: خرجنا مع ابن عقيل أربعة الآف، فما بلغنا القصر إلاّ ونحن ثلثُمئة(٤) ، فما زالوا يتفرّقون ويتصدّعون حتّى أمسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفساً في المسجد، فما صلّى مع ابن عقيل إلاّ ثلاثون نفساً، فلمّا رأى [ ذلك ] خرج متوجّهاً نحو أبواب كندة وبلغ الأبواب ومعه منهم عشرة، ثمّ خرج وإذا ليس معه إنسان والتفت، فإذا هو لا يحسّ أحداً يدلّه على الطريق ولا يدلّه على منزل، ولا يواسيه بنفسه إنْ عرض له عدوّ.

فمضى على وجهه يتلدّد في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب حتّى خرج إلى دور بني جبلة من كندة، فمشى حتّى انتهى إلى باب امرأة، يقال لها: (طوعة) اُمّ ولد، كانت للأشعث بن قيس(٥)

____________________

(١) ذكره هارون بن مسلم، عن علي بن صالح، عن عيسى بن يزيد ٥ / ٣٨١، وحيث لمْ يكن من أخبار أبي مِخْنف؛ لذلك جعلناه بين: معقوفين.

(٢) راجع: الهامش رقم / ٢ من الصفحة السّابقة.

(٣) راجع: الهامش رقم / ٣ من الصفحة السّابقة.

(٤) قال أبو مِخْنف: وحدّثني يونس بن أبي إسحاق ٥ / ٣٦٩.

(٥) وفد الأشعث بن قيس في ستّين راكباً من كندة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سنة (١٠ هـ)وانتسب إلى كلّ المرار من قبل اُمّه، إذ كانوا ملوكاً. وأراد أنْ يُنسب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك، فانتسبصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى النّضر بن كنانة فلمْ يُعجب ذلك الأشعث ٣ / ١٣٧.

وتزوّج رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخته: (قتيلة)، فتوفّي قبل أنْ يدخل بها، فارتدّت عن الإسلام مع أخيها الأشعث ٣ / ١٦٨، وارتد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحارب فهُزم ٣ / ٣٣٥ وطلب الأمان فآمنوه ٣ / ٣٣٧، ثمّ سرّحوا به مع الأسارى والسّبايا إلى أبي بكر. وكان قد خطب أخته: (أمّ فروة) فزوّجه ولمْ يدخل بها، ثمّ ارتدّ فأطلق أبوبكر أساره وأقلّه عثرته، وقبل إسلامه وردّ عليه أهله ٣ / ٣٣٩.

وعند وفاته، قال: لوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه؛ فإنّه تخيّل إليّ أنّه لا يرى شرّاً إلاّ أعان عليه ٣ / ٤٣٠.

١٣٢

فأعتقها، فتزوّجها سيّد الخضرمي(١) فولدت له بلالاً، وكان بلال قد خرج مع النّاس واُمّه قائمة تنتظره، فسلّم عليها ابن عقيل فردّت عليه، فقال لها: يا أمة الله، أسقيني ماء. فدخلت فسقته، فجلس وأدخلت الإناء ثمّ خرجت.

فقالت: يا عبد الله، ألمْ تشرب! قال: بلى. قالت: فاذهب إلى أهلك،

____________________

ولحق الأشعث بن قيس بجيش القادسيّة في ألف وسبعمئة من أهل اليمن ٣ / ٤٨٧ ورآه سعد فيمَن لهم منظر لأجسامهم وعليهم مهابة ولهم آراء، فبثهم دُعاة إلى ملك الفرس ٣ / ٤٩٦.

وكان يحرّض قومه على حرب الفرس في القادسيّة لأسوة العرب، وليس فيه كلام لله ٣ / ٥٣٩، ٥٦٠. وزحف في سبعمئة من كندة، وقتل قائد فيلق الفرس: تُرك. الطبري ٣ / ٥٦٣. وطمع فيما أصاب خالد بن الوليد من الغنائم والأنفال فانتجعه - أي: طلب منه شيئاً - فأجازه بعشرة الآف ٤ / ٦٧. واشترك في وقعة نهاوند ٤ / ١٢٩، واشترى سنة ثلاثين من عثمان ما كان من الأنفال في طيرناباد بالعراق بمال له في حضرموت ٤ / ٢٨٠، وبعثه سعيد بن العاص من الكوفة والياً على آذربايجان سنة (٣٤ ه) ٤ / ٣٣١، فمات عثمان وهو على آذربايجان ٤ / ٤٢٢، فدعاه عليعليه‌السلام إلى بيعته والانصراف إليه لنصرته فبايعه، وانصرف إليه ٤ / ٥٦١.

وانتدب في صفّين لاسترجاع الماء من أصحاب معاوية ٤ / ٥٦٩، وهو الذي عصى أمير المؤمنينعليه‌السلام فرضي بالتحكيم ورشّح الأشعري، وأبى من رضي به الأميرعليه‌السلام من ابن عبّاس أو الأشتر، مصرّاً على الأشعري متبرّماً من القتال ٤ / ٥١. وهو أوّل من كُتبت شهادته على صحيفة التحكيم، ودعا الأشتر للإمضاء فأبى الأشتر وشتمه وسبّه، وخرج الأشعث بالكتاب يقرؤه على النّاس ٥ / ٥٥.

وأبى على عليٍّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد النّهروان التوجّه إلى معاوية، وأصرّ على الرجوع إلى الكوفة بحجّة الاستعداد ٥ / ٨٩.

وكان عثمان قد طعمه خراج آذربايجان مئة ألف كلّ سنة ٥ / ١٣٠، وكان قد بنى مسجداً بالكوفة ٥ / ٢٢.

(١) هو سيّد بن مالك الحضرمي، قِيل: هو الذي قتل عبد الله بن مسلم في كربلاء، وابنه بلال دلّ على موضع مسلم بمنزلهم فأدّى إلى قتلهعليه‌السلام .

١٣٣

فسكت، ثمّ عادت فقال مثل ذلك فسكت، ثمّ قالت له: فيّ الله(١) سبحان الله! ياعبد الله، فمرّ إلى أهلك عافاك الله؛ فإنّه لا يصلح لك الجلوس على بابي، ولا أحلّه لك.

فقام، فقال: يا أمَة الله، مالي في المصر منزل ولا عشيرة، فهل لك إلى أجر ومعروف، ولعلّي مكافؤك به بعد اليوم؟

فقالت: يا عبد الله وما ذاك؟

قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم وغرّوني.

قالت: أنت مسلم!

قال: نعم.

قالت: ادخل.

فأدخلته بيتاً في دارها غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له، وعرضت عليه العشاء فلمْ يتعشَّ.

ولمْ يكن بأسرع من أنْ جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه، فقال: والله، إنّه ليُريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ اللّيلة وخروجك منه! إنّ لك لشأناً؟ قالت: يا بني، ألْهُ عنه هذا. قال: لها والله، لتخبرنّي؟ قالت: أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء. فألحّ عليها، فقالت: يا بنيّ، لا تحدّثنّ أحداً من النّاس بما أخبرك به، وأخذت عليه الإيمان، فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت(٢) .

____________________

(١) يقال: فيّ الله، أي: اتّق فيّ الله.

(٢) قال أبو مِخْنف: فحدّثني المجالد بن سعيد ٥ / ٣٧١، وفي: الإرشاد / ٢١٢، والخوارزمي / ٢٠٨.

وروى الطبري، عن عمار الدهني، عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: « فلمّا رأى مسلم أنّه قد بقي وحده يتردّد في الطرق، أتى باباً فنزل عليه فخرجت إليه امرأة، فقال لها: استقيني. فسقته، ثمّ دخلت فمكثت ما شاء الله، ثمّ خرجت فإذا هو على الباب، قالت: يا عبد الله، إنّ مجلسك مجلس ريبة، فقم. قال: إنّي أنا مسلم بن عقيل، فهل عندك مأوى؟ قالت: نعم، ادخل.

وكان ابنها مولى لمحمّد بن الأشعث، فلمّا علم به الغلام انطلق إلى محمّد فأخبره فانلطق محمّد إلى عبيد الله فأخبره، فبعث عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي إليه، وكان صاحب شرطه، ومعه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث، فلمْ يعلم مسلم حتّى أحيط بالدار » ٥ / ٣٥٠.

ويأتي قريباً، أنّ صاحب شرطته كان الحصين بن تميم.

١٣٤

[ موقف ابن زياد ]

ولمّا طال على ابن زياد وأخذ لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتاً كما كان يسمعه قبل ذلك، قال لأصحابه: أشرفوا، فانظروا هل تَرون منهم أحداً؟ فأشرفوا فلمْ يروا أحداً. قال: فانظروا لعلّهم تحت الظلال(١) قد كمنوا لكم، ففزعوا بحابح المسجد(٢) وجعلوا يخفضون شعل النّار في أيديهم، ثمّ ينظرون هل في الظلال أحد. وكانت أحياناً تُضيء لهم وأحياناً لا تُضيء لهم كما يُريدون، فدلّوا القناديل وأنصاف الطّنان(٣) تشدّ بالحبال، ثمّ تجعل فيها النيران ثمّ تدلّى حتّى تنتهي إلى الأرض، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها، حتّى فعلوا ذلك بالظلّة التي فيها المنبر، فلمّا لمْ يروا شيئاً أعلموا ابن زياد، [ فـ ] -أمر [ كاتبه ] عمرو بن نافع(٤) فنادى: ألاَ برءت الذمّة من رجل من: الشرطة والعرفاء أو، المناكب أو المقاتلة صلّى العتمة إلاّ في المسجد.

فلمْ يكن إلاّ ساعة حتّى امتلأ المسجد من النّاس.

فقال [ له ] الحصين بن تميم [ التميمي ]، وكان على شرطته(٥) : إنْ شئت

____________________

(١) الظلال جمع: الظلّة، وهي: السّقيفة.

(٢) جمع بحبوحة: السّاحة الفسيحة وأفنيتها.

(٣) الطنّان جمع: الطنّ، وهو: الحزمة من القصب.

(٤) هو كاتبه الذي كتب له كتابه إلى يزيد بقتل مسلمعليه‌السلام ، وكان أوّل مَن أطال في الكتب فكرهه ابن زياد ٥ / ٣٨٠.

(٥) بعثه ابن زياد إلى القادسيّة؛ لينظّم الخيل ما بينها إلى خفّان والقطقطانة، ولعلع ٥ / ٣٩٤.

وهو الذي بعث رسول الحسينعليه‌السلام ، قيس بن مسهر الصيداوي إلى ابن زياد فقتله ٥ / ٣٩٥ وكذلك عبد الله بن يقطر ٥ / ٣٩٨، وهو الذي قدّم الحرّ بين يديه في ألف من بني تميم من القادسيّة؛ ليستقبل الحسينعليه‌السلام .

وكان في كربلاء على الشرطة ويحرّض على قتل الحرّ ٥ / ٤٣٤، وبعث معه ابن سعد خمسمئة من المرامية فبعثهم ليرشقوا أصحاب الحسينعليه‌السلام ، فدنوا ورشقوهم بالنبال فعقروا خيولهم ٥ / ٤٣٧ وحمل على أصحاب الحسينعليه‌السلام وهم يتأهّبون للصلاة، فخرج إليه حبيب بن مظاهر وضرب وجه فرسه بالسّيف فشبّ ووقع عنه، فحمل على حبيب بديل بن صريم العقفاني التميمي فضرب حبيباً بالسّيف على رأسه، وحمل عليه آخر من بني تميم فطعنه بالرمح، ثمّ رجع إليه الحصين بن تميم فضربه على رأسه بالسّيف فوقع، ونزل إليه التميمي فاحتزر رأسه ودفعه إلى الحصين، فعلّقه في عنق فرسه وجال به في العسكر، ثمّ دفعه إلى قاتله ٥ / ٤٤٠.

ورمى الحسينعليه‌السلام بسهم، وقد دنا ليشرب ماء فوقع السّهم في فمهعليه‌السلام فدعا عليهم ٥ / ٤٤٩.

١٣٥

صلّيت بالنّاس أو يصلّي بهم غيرك، فإنّي لا آمن أنْ يغتالك بعض أعدائك.

فقال: مُر حرسي فليقوموا ورائي كما كانوا يقفون، ودُرفيهم. ففتح باب السّدة التي في المسجد، ثمّ خرج وخرج أصحابه معه فصلّى بالنّاس.

[ خطبة ابن زياد بعد غربة مسلم ]

ثمّ صعد المنبر [ و ] قام فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّ ابن عقيل السّفيه الجاهل، قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرءت ذمّة الله من رجل وجدناه في داره ومَن جاء به، فله ديّته.

اتّقوا الله عباد الله وألزموا طاعتكم وبيعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً. يا حصين بن تميم، ثكلتك أمّك! إنْ صاح باب سكّة من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل ولمْ تأتني به، وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصدةً على أفواه السّكك.

وأصبح غداً واستسبر الدور وجس(١) خلالها حتّى تأتيني بهذا الرجل

____________________

(١) من قولهم: سبر غوره، أي: تعمّق فيه. وجس، أي: تجسّس.

١٣٦

[ ابن زياد في طلب مسلم ]

ثمّ نزل ابن زياد فدخل، وعقد لعمرو بن حريث(١) راية وأمره على النّاس(٢) ، وأمره أنْ يقعد لهم في المسجد.

[ و ] جاء المختار بن أبي عبيد خبر ابن عقيل، أنّه قد ظهر بالكوفة والمختار في قريه له بخطرنية، تدعى: لقفا. [ وكان ] فيمَن بايع [ مسلم ] من أهل الكوفة وناصحه ودعا إليه من طاعه، فأقبل في موال له حتّى انتهى إلى باب الفيل بعد الغروب، وقد عقد عبيد الله بن زياد لعمرو بن حريث راية على جميع النّاس.

فلمّا كان المختار على باب الفيل، مرّ به هانئ بن أبي حيّة الوداعي(٣) ، فقال

____________________

(١) المحزومي: هو الذي اشترى من السّائب بن الأقرع الثقفي الكاتب الحاسب في جيش المسلمين في فتح نهاوند، سفطين عظيمين من الغنائم، فيهما: اللؤلؤ والزبرجد والياقوت بألفي ألف، ثمّ خرج بهما إلى أرض العجم فباعها بأربعة الآف ألف - أربعة ملايين - فما زال أكثر أهل الكوفة مالاً سنة (٢١ هـ) ٥ / ١١٧.

وكان خليفة سعيد بن العاص على الكوفة، ويُسكّن النّاس عن عثمان سنة (٣٤ هـ) ٤ / ٣٣٢. وكان خليفة زياد بن سميّة على الكوفة سنة (٥١ هـ) فحصبه أصحاب حجر ٥ / ٢٥٦. وكان على ربع أهل المدينة، وشهد على حجر وأصحابه ٥ / ٢٦٨. وكان خليفة ابن زياد على الكوفة سنة (٦٤ هـ)، فلمّا هلك يزيد ودعا ابن زياد النّاس إلى نفسه تبعه ابن حريث ودعا النّاس إليه، فحصبه أهل الكوفة ٥ / ٥٢٤ وأخرجوه من القصر ٥ /٥٦٠. واعتزل النّاس ونزل في البرّ في نهضة المختار سنة (٦٦ هـ) ٦ / ٣٠.

وكان له حمّام بالكوفة ٦ / ٤٨ وقرّبه عبد الملك وأدناه سنة (٧١ هـ) ٦ / ١٦٧. وكان خليفة بشر بن مروان على الكوفة سنة (٧٣ هـ) ٦ / ١٩٤ ولمْ يأتِ بالماء لمسلم بن عقيل ٥ / ٣٦٧، ولمْ يشفع لزينب عند ابن زياد ٥ / ٤٥٧ إلاّ حميّة قرشيّة ومات سنة (٨٥ هـ). وكان عمره يوم وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنتي عشرة سنة، كما في ذيل المذيل / ٥٢٧، طبعة سويدان.

(٢) قال أبو مِخْنف: فحدثنى المجالد بن سعيد ٥ / ٣٧١ - ٣٧٣.

(٣) كان ممّن كُتبت شهادتهم على حجر وأصحابه ٥ / ٢٧٠، وممّن ذهب برأس مسلم وهانئ إلى يزيد ٥ / ٣٨، والتقى بالمختار في مكّة على عهد ابن الزبير سنة (٦٤ هـ)، وعلم من المختار أنّه يُريد الرجوع إلى الكوفة والوثوب بها، فحذّره من فتنة الضلال ٥ / ٥٧٨.

١٣٧

المختار: ما وقوفك ها هنا، لا أنت مع النّاس ولا أنت في رحلك؟ قال: أصبح رأيي مرتجّاً لعظم خطيئتكم. فقال له: أظنّك والله، قاتلاً نفسك. ثمّ [ أقبل إلى ] عمرو بن حريث فأخبره [ خبره ](١) .

[ موقف المختار ]

قال عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي(٢) كنت جالساً عند عمرو بن حريث حين بلّغه هانئ بن أبي حيّة عن المختار هذه المقالة، فقال لي [ ابن حريث ]: قم إلى عمّك فأخبره أنّ صاحبه [ يعني: مسلم بن عقيلعليه‌السلام ] لا يدرى أين هو؟ فلا يجعلنّ على نفسه سبيلاً. فقمت لآتيه.

ووثب إليه زائدة بن قدامة بن مسعود(٣) فقال له: يأتيك على أنّه آمن؟

فقال له عمرو بن حريث: أمّا منّي فهو آمن، وإنْ رقّى إلى الأمير عبيد الله بن زياد شيء من أمره، أقمت له بمحضره الشهادة وشفعت له أحسن الشفاعة.

فقال له زائدة بن قدامه: لا يكوننّ مع هذا إنْ شاء الله إلاّ خيراً.

قال عبد الرحمن: فخرجت، وخرج معي زائدة إلى المختار فأخبرناه وناشدناه بالله، أنْ لا يجعل على نفسه سبيلاً.

____________________

(١) ٥ / ٥٦٩. قال أبو مِخْنف، قال: النّضر بن صالح

(٢) كان مع المختار في نهضته سنة (٦٧ هـ) ٦ / ٩٨.

والظاهر: أنّه هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي، ابن أخت معاوية اُمّ الحكم الذي استعمله معاويه على الكوفة سنة (٥٨ هـ) بعد الضحّاك ابن قيس. وكان على شرطته زائدة بن قدامة الثقفي ٥ / ٣١٠ وقبل ذلك كان عامل الموصل لمعاوية سنة (٥١ هـ).

وهو الذي قتل عمرو بن الحمق الخزاعي، يزعم قصاصاً لعثمان، وكان مريضاً ٥ / ٢٦٥. وأساء السّيرة في أهل الكوفة فطردوه فلحق بمعاوية خاله، فولاّه مصراً فطردوه عنها، فرجع إلى معاوية ٥ / ٣١٢، ولو لا قرابته من يزيد لمَا نفعه ابن حريث.

(٣) سبقت ترجمته في المقدّمة، فراجع.

١٣٨

فنزل إلى ابن حريث فسلّم عليه وجلس تحت رايته حتّى أصبح(١) .

وإنّ كثير [ بن شهاب الحارثي ] ألفى رجلاً في بني فتيان [ موضع بالكوفة ] من كلب، يقال له: عبد الأعلى بن يزيد قد لبس سلاحه يُريد ابن عقيل، فأخذه حتّى أدخله على ابن زياد فأخبره خبره، فقال [ الكلبي لابن زياد ]: إنما أردتك. قال [ ابن زياد ]: وكنت وعدتني ذلك من نفسك. فأمر به فحُبس(٢) .

[ ولمّا أصبح ابن زياد ]

فلمّا أصبح جلس مجلسه وأذن للنّاس فدخلوا عليه.

وأقبل محمّد بن الأشعث، فقال: مرحباً بمَن لا يستغشّ ولا يتّهم، ثمّ أقعده إلى جنبه.

وأصبح ابن تلك العجوز [ التي ] آوت ابن عقيل، وهو بلال بن سيّد فغدا إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند اُمّه، فأقبل عبد الرحمن حتّى أتى أباه فسارّه وهو عند ابن زياد، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال: أخبرني أنّ ابن عقيل في دار من دورنا، فنخس بالقضيب في جنبه، ثمّ قال: قُم فأتني به السّاعة(٣) .

[ خروج محمّد بن الأشعث لقتال مسلم ]

[ و ] بعث [ ابن زياد ] إلى عمرو بن حريث، وهو خليفته على النّاس في المسجد: أنْ ابعث مع ابن الأشعث ستّين أو سبعين رجلاً من قيس. وإنّما كره

____________________

(١) قال أبو مِخْنف: فأخبرني النّضر بن صالح، عن عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي، قال ٥ / ٥٧٠.

(٢) قال أبو مِخْنف: فحدّثني أبو جناب الكلبي ٥ / ٣٦٩.

(٣) قال أبو مِخْنف: فحدّثني المجالد بن سعيد ٥ /٣٧١ - ٣٧٣، وفي الإرشاد / ٢١٣، والخواص / ٢٠٨.

١٣٩

أنْ يبعث معه قومه(١) ؛ لأنّه قد علم أنّ كلّ قوم يكرهون أنْ يُصادف فيهم مثل: ابن عقيل.

فبعث معه [ عمرو بن حريث ]، عمرو بن عبيد الله بن عبّاس السلمي في ستّين أو سبعين من قيس حتّى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل.

[ خروج مسلمعليه‌السلام لقتال الأشعث ]

فلمّا سمع [ مسلمعليه‌السلام ] وقع خوافر الخيل وأصوات الرجال، عرف أنّه قد أتي فخرج إليهم بسيفه، واقتحموا عليه الدار، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار، ثمّ عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك.

فضرب بُكيُر [ بن حمران الأحمري الشامي ] فمَ مسلم فقطع شفته العليا، وأشرع السّيف في السّفلى وفصلت ثنيّتاه، فضربه مسلم ضربة في رأسه منكرةً، وثنّى بأخرى على حبل العاتق كادت أنْ تطلع على جوفه.

[ قصبات النيران والحجّارة، والأمان ]

فلمّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت فأخذوا يرمونه بالحجّارة، ويلهبون النّار في طنان القصب، ثمّ يقلبونها عليه من فوق البيت.

فلمّا رأى ذلك خرج عليهم مصلتاً بسيفه في السكّة فقاتلهم فاقبل عليه محمّد بن الأشعث، فقال: يا فتى، لك الأمان، لا تقتل نفسك. فأقبل يُقاتلهم، وهو يقول:

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا

وإن رأيت الموت شيئاً نكرا

كل امرئ يوماً ملاق شرّا

ويخلط البارد سخناً مرّاً

ردّ شعاع النّفس(٢) فاستقرّا

أخاف أن أكذب أو أغرّا

____________________

(١) أمّا نفس ابن الأشعث، فلعلّه كان يبرّر ذلك بأنّه إنّما يخرج مسلماً من بيت مولاتهم طوعة وابنها بلال. ومن هنا يُعلم: كيف كان ابن زياد بصيراً بأمور العشائر خبيراً بها، يرعاها ويستخدمها في أهدافه.

(٢) فيما بأيدينا من نسخ الطبري وغيره من الكتب، جاء شعاع النّفس: شعاع الشمس.

وذكر الشيخ السّماوي في إبصار العين / ٤٩: إنّ ذلك تصحيف ممّن لمْ يفهم شعاع النّفس، فرأى: أنّ الشعاع بالشمس أليق؛ والمراد بشعاع النّفس: خوف النّفس، يقال: مارت نفسه شعاعاً، أي: تفرقت نفسه كلشعاع الدقيق من الخوف، فإنّ الشعاع هو المتفرق من الشيء تفرقاً دقيقاً، وقد جاء في الشعر:

أقول لها وقد طارت شعاعاً

من الأبطال ويحك لا تراعى

فالمعنى في الرجز: أنّ النّفس استقرت بعدما خافت.

١٤٠