وقعة الطف

وقعة الطف0%

وقعة الطف مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 290

وقعة الطف

مؤلف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن مسلم الازدى الغامدى
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 171386
تحميل: 7425

توضيحات:

وقعة الطف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171386 / تحميل: 7425
الحجم الحجم الحجم
وقعة الطف

وقعة الطف

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

ذلك لي توبة؟

قال [ الإمامعليه‌السلام ]:« نعم، يتوب الله عليك ويغفر لك، ما اسمك؟ ».

قال: أنا الحرّ بن يزيد(١) .

قالعليه‌السلام :« أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك، أنت الحرّ - إنْ شاء الله - في الدنيا والآخرة، انزل » .

قال: أنا لك فارساً خير منّي لك راجلاً، أقاتلهم على فرسي ساعة و إلى النّزول ما يصير آخر أمري.

قال الحسينعليه‌السلام :« فاصنع ما بدا لك ».

فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال:

[ خطبة الحرّ بن يزيد الرياحي ]

أيّها القوم، ألاَ تقبلون من حسينعليه‌السلام خصلة من هذه الخصال التي عُرضت عليكم، فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟

قالوا: هذا الأمير عمر بن سعد، فكلّمه.

فكلّمه بمثل ما كلّمه به قبلُ، وبمثل ما كلّم به أصحابه.

قال عمر [ بن سعد ]: قد حرصتُ، لو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلتُ.

فقال: يا أهل الكوفة، لاُمّكم الهُبل والعُبْر(٢) ، إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كلّ جانب فمنعتموه التوجّه في بلاد الله

____________________

(١) فلعلّه كان شاكياً في السّلاح مطرقاً مطأطئاً من الخجل؛ ولذلك لمْ يُعرف فسأله، وإلاّ فقد كان يعرفه من قبلُ.

(٢) الهبل والعبر: بمعنى الهلاك والموت.

٢٢١

العريضة حتّى يأمن ويُأمّن أهل بيته، وأصبح في أيديكم كالأسير، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضرّاً، وحلأ تموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهوديّ والمجوسيّ والنّصراني، وتمرّغ فيه خنازير السّواد وكلابه، وهاهم أولاء قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمّداً في ذرّيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! لاسقاكم الله يوم الظّمأ!، إنْ لمْ تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه(١) . فحملت عليه رجّالة لهم ترميه بالنّبل، فأقبل حتّى وقف أمام الحسينعليه‌السلام (٢) .

وكان يزيد بن زياد بن المهاصر ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام ، فلمّا ردّوا الشروط على الحسينعليه‌السلام مال إليه(٣) [، فهو ممّن اهتدى يوم عاشوراء بخطبة الحرّ الرياحي ].

____________________

(١) وفي الإرشاد / ٢٣٥، والتذكرة / ٢٥٢.

(٢) عن أبي جناب الكلبي، عن عديّ بن حرملة، قال ٥ / ٤٢٧، والمفيد في الإرشاد / ٢٣٥.

(٣) حدّثني، فضيل بن خديج الكندي: أنّ يزيد بن زياد، وهو أبو الشعثاء الكندي من بني بهدلة ٥ / ٤٤٥.

٢٢٢

[ بدء القتال ]

وزحف عمر بن سعد نحوهم، ثمّ نادى: يا ذويد،(١) أدْنِ رايتك. فأدناها، [ فـ ] -وضع سهمه في كبد قوسه ثمّ رمى، فقال: أشهدوا، أنّي أوّل مَن رمى(٢) .

فلمّا دنا عمر بن سعد ورمى بسهم، ارتمى النّاس.

[ ثمّ ] خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فقالا مَن يُبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم.

فوثب حبيب بن مظاهر، وبُرير بن حُضير، فقال لهما الحسينعليه‌السلام :« اجلسا » .

فقام عبد الله بن عمير الكلبي(٣) ، فقال: أبا عبد الله - رحمك الله - ائذن لي

____________________

(١) ذكره المفيد في الإرشاد: دُريد / ٢٣٣، ٢٣٦، ط النّجف.

(٢) عن الصقعب بن زهير، وسليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم ٥ / ٤٢٩. الإرشاد / ٢٣٦.

(٣) كان قد نزل الكوفة واتّخذ عند بئر الجعد من همدان داراً، فرأى القوم يعرضون بالنّخيلة ليسرّحوا إلى الحسينعليه‌السلام فسأل عنهم، فقِيل له: يُسرّحون إلى الحسين بن فاطمةعليهما‌السلام بنت رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ]). فقال: والله، لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً، وإنّي لأرجو أنْ لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثواباً، عند الله من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين.

وكانت معه امرأة، يُقال لها: اُمّ وهب. فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يُريد. فقالت: أصبت، أصاب الله بك، أرشد أمورك، افعل وأخرجني معك. فخرج بها ليلاً حتّى أتى حسيناًعليه‌السلام فأقام معه ٥ / ٤٢٩.

٢٢٣

فلا أخرج إليهما. فرأ [ ه ] حسينعليه‌السلام رجلاً طويلاً شديد السّاعدين، بعيد مابين المنكبين، فقال حسينعليه‌السلام :« إنّي لأحسبه للأقران قتّالاً، أخرج إنْ شئت ». فخرج إليهما.

فقالا له مَن أنت؟ فانتسب لهما. فقالا: لا نعرفك، ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر، أو بُرير بن خضير.

و[ كان ] يسار [ مولى زياد ] مستنتلاً [ مستعداً ] أمام سالم [ مولى عبيد الله بن زياد ]، فقال الكلبي [ ليسار ]: يابن الزانية! وبك رغبة عن مبارزة أحد من النّاس؟ وما يخرج إليك أحد من النّاس إلاّ وهو خير منك.

ثمّ شدّ عليه فضربه بسيفه حتّى برد.

[ فبينما هو ] مشتغل به يضربه بسيفه، إذ شدّ عليه سالم [ مولى عبيد الله ]، فصاح به [ أصحاب الحسينعليه‌السلام ] قد رهقك العبد. فلمْ يأبه له حتّى غشيه فبدره الضربة، فاتّقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى، ثمّ مال عليه الكلبي فضربه حتّى قتله.

وأقبل الكلبي وقد قتلهما جميعاً، مرتجزاً يقول:

إن تنكروني فأنا ابن كلب

حسبي بيتي في عليم حسبي

انيّ امرؤ ذو مرة وعصب(١)

ولست بالخوّار عند النّكب

اني زعيم لك امّ وهب

بالطعن فيهم مقدماً والضرب

ضرب غلام مؤمن بالربّ

فأخذت امرأته اُمّ وهب عموداً، ثمّ أقبلت نحو زوجها، تقول له: فداك أبي وأمّي أقاتل دون الطيّبين ذرّيّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فأقبل إليها يردّها نحو النّساء، فأخذت تجاذبه ثوبه، ثمّ قالت: إنّي لن أدعك دون أنْ أموت معك.

____________________

(١) مرّة وعصب، أي: القوّة.

٢٢٤

فناداها حسينعليه‌السلام ، فقال:« جُزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي رحمك الله إلى النّساء فاجلسي معهن؛ فإنّه ليس على النّساء قتال » .

فانصرفت إليهنّ.

[ الحملة الأولى ]

وحمل عمرو بن الحجّاج - وهو على ميمنة النّاس - في ميمنة [ الحسينعليه‌السلام ]، فلمّا أنْ دنا من حسينعليه‌السلام جثوا له على الرّكب، وأشرعوا الرّماح نحوهم فلمْ تقدم خيلهم على الرماح [ و ] ذهبت لترجع، فرشقوهم بالنّبل، فصرعوا منهم رجالاً وجرحوا منهم آخرين(١) .

[ كرامة وهداية ]

[ و ] جاء رجل من بني تميم، يُقال له: عبد الله بن حوزة حتّى وقف أمام الحسينعليه‌السلام ، فقال: يا حسين، يا حسين،

فقال حسينعليه‌السلام :« ما تشاء؟ ».

قال: أبشر بالنّار.

قالعليه‌السلام :« كلاّ، إنّي أقدم على ربّ رحيم، وشفيع مطاع، مَن هذا؟ ».

قال له أصحابه: هذا ابن حوزة.

قالعليه‌السلام :« ربّ حزه إلى النّار! » .

فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه، وتعلّقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض، ونفر الفرس فأخذ يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر وكلّ

____________________

(١) حدّثني أبو جناب، قال ٥ / ٤٢٩، والمفيد في الإرشاد / ٢٣٦، ط النّجف.

٢٢٥

شجرة حتّى مات(١) .

قال مسروق بن وائل: كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسينعليه‌السلام ، فقلت أكون في أوائلها لعلّي أصيب رأس الحسينعليه‌السلام ، فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد، فلمّا انتهينا إلى حسينعليه‌السلام تقدّم رجل من القوم - يُقال له: ابن حوزة -، فقال أفيكم حسينعليه‌السلام ؟

فسكت حسينعليه‌السلام . فقالها ثانيةً، فسكت حتّى إذا كانت الثالثة، قالعليه‌السلام :« قولوا: له نعم، هذا حسين فما حاجتك؟ »

قال: يا حسين، أبشر بالنّار!

قال:عليه‌السلام « كذبت، بل أقدم على ربّ غفور وشفيع مطاع، فمَن أنت؟ ».

قال: ابن حوزة.

فرفع الحسينعليه‌السلام يديه حتّى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب، ثمّ قال:« اللهمّ، حزه إلى النّار!». فغضب ابن حوزة، فذهب ليُقحم إليه الفرس وبينه وبينه نهر، فعلّقت قدمُه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها، فانقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقى جانبه معلقاً بالركاب.

[ قال ] عبد الجبّار بن وائل الحضرميّ: فرجع مسروق وترك الخيل من ورائه، فسألته [عن ذلك]. فقال: لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً، لا أقاتلهم أبداً(٢) .

____________________

(١) فحدّثني أبو جعفر حسين، قال ٥ / ٤٣٠.

(٢) عن عطاء بن السّائب، عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي، عن أخيه مسروق بن وائل ٥ / ٤٢١.

٢٢٦

[ مبأهلة بُرير ومقتله ]

وخرج يزيد بن معقل [ من عسكر عمر بن سعد ]، فقال: يا بُرير بن حُضير(١) ، كيف ترى الله صنع بك؟

قال [ بُرير ]: صنع الله والله، بي خيراً، وصنع الله بك شرّاً.

قال [ يزيد بن معقل ]: كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّاباً، هل تذكر - وأنا أُماشيك في بني لوذان - وأنت تقول إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضالّ، وإنّ إمام الهدى والحقّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

فقال له بُرير: أشهد أنّ هذا رأيي وقولي.

فقال له يزيد بن معقل: فإنّي أشهد أنّك من الضالّين.

فقال له بُرير بن حُضير: هل لك، فلأباهلك(٢) ولندع الله أنْ يلعن الكاذب وأنْ يقتل المبطل، ثمّ أخرج فلأ بارزك. فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه أنْ يلعن الكاذب، وأن يقتل المحقّ المبطل.

ثمّ برز كلّ واحد منهما لصحابه فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بن معقل بُرير بن حُضير ضربة خفيفةً لمْ تضرّه شيئاً، وضربه بُرير بن حُضير ضربة قدّت المغفر وبلغت الدّماغ، فخرّ كأنّما هوى من حالق [ مرتفع ] وإنّ سيف ابن حُضير لثابت في رأسه، فكأنّي انظر إليه ينضنضه من رأسه(٣) .

وحمل عليه رضيّ بن مُنقذ العبدي [ من عسكر عمر بن سعد ] فاعتنق

____________________

(١) مضت ترجمته من قبل في حوادث عشيّة التاسع من المحرم.

(٢) المبأهلة: الملاعنة، بأنْ يدعو الله كلّ من الطرفين، أنْ يلعن المبطل الظالم.

(٣) يُنضنضه: يُحرّكه.

٢٢٧

بُريراً، فاعتركا ساعةً، ثمّ إنّ بُريراً قعد على صدره، فقال رضيّ: أين أهل المصاع والدفاع؟(١) .

فحمل عليه كعب بن جابر الأزدي بالرمح حتّى وضعه في ظهر [ بُرير ]، فلمّا وجد [ بُرير ] مسّ الرمح برك على [ رضيّ بن مُنقذ العبدي ] فعضّ بوجهه وقطع طرف أنفه، فطعنه كعب بن جابر حتّى ألقاه عن [ العبدي ]، وقد غيّب السّنان في ظهر [ بُرير ]، ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله [ رحمة الله عليه ](٢) و(٣) .

____________________

(١) المصاع: الصراع.

(٢) حدّثني يوسف بن يزيد، عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس، وكان قد شهد مقتل الحسينعليه‌السلام ٥ / ٤٣١. وتمام الخبر في: الهامش رقم / ٣.

(٣) فلمّا رجع كعب بن جابر الأزدي، قالت له امرأته أو أخته النّوّار، بنت جابر: أعنت على ابن فاطمةعليها‌السلام وقتلت سيّد القرّاء؟! لقد أتيت عظيماً من الأمر، والله، لا كلّمك من رأسي كلمة أبداً. وقال كعب بن جابر:

سلي تخبري عنّي، وأنت ذميمة

غداة حسين والرّماح شوارع

الم آت اقصى ما كرهت، ولم يخل

علىّ غداة الرّوع ما أنا صانع

معي يزنى لم تخنه كعوبه

وأبيض مخشوب الغرارين قاطع(١)

فجردته في عصبة ليس دينهم

بديني، واني بابن حرب لقانع

ولم ترعيني مصلهم في زمأنّهم

ولا قبلهم في النّاس اذ أنا يافع

اشدّ قراعاً بالسّيوف لدى الوغى

ألكل من يحمى الذمار مقارع

وقد صبروا للطعن والضرب حسّراً

وقد نازلوا، لو أن ذلك نافع

فابلغ (عبيد الله) امّا لقيته

بأنّى مطيع للخليفة سامع

قتلت بُريراً ثمّ حمّلت نعمة

أبا مُنقذ لما دعى من يماصع(٢)

____________________

(١) يزنيّ: رمح منسوب إلى سيف بن ذي يزن اليمنّي. محشوب: مفعول من الخشب، أي: مغمد بالخشب، ولا يكون ذلك إلاّ للسيف القاطع الحادّ. الغرارين: الحدّين.

(٢) يُماصع: يُناصح، ويخلص في النّصرة والإمداد والإغاثة. وأبو مُنقذ: هو الذي صارعه بُرير فدعا النّاس إلى إنقاذه كعب بن جابر الأزدي.

قال أبو مِخْنف فأجابه رضيّ بن مُنقذ العبدي:

ولو شاء ربّي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النّعمّاء عندي ابن جابر

لقد كان ذاك اليوم عاراً وسبّة

يعيره إلأبناء بعد المعاشر

فياليت أني كنت من قبل قتله

ويوم حسين، كنت في رمس قابر

٢٢٨

وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري يُقاتل دون حسينعليه‌السلام ، وهو يقول:

قد علمت كتيبة الأنصا

ر أني سأحمى حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شاري

دون حسين مهجتى وداري(١) .

فقُتل [ رحمة الله عليه ].

وكان أخوه علي [ بن قرظة ] مع عمر بن سعد، فنادى: يا حسين، يا كذّاب ابن الكذّاب! أضَلَلت أخي وغَررته حتّى قتلته؟ قال [ الحسينعليه‌السلام ]:« إنّ الله لمْ يُضلّ لأخاك، ولكنّه هدى أخاك وأضلّك » . قال: قتلني الله إنْ لمْ أقتلك أو أموت دونك. [ و ] حمل على [ الإمامعليه‌السلام ].

فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه، فحمله أصحابه فاستنقذوه(٢) .

[ وكان ] النّاس يتجاولون ويقتتلون، و[ فيهم ] الحرّ بن يزيد [ الرياحي ] يحمل على القوم ويتمثل قوله:

ما زلت أرميهم بثُغرة نحره

ولَبانه حتّى تسربل بالدم(٣)

وإنّ فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبه، ودماؤه تسيل.

[ وكان ] يزيد بن سفيان [ التميمي يقول ]: أمَا والله، لو إنّي رأيت الحرّ بن

____________________

(١) حدّثنى، عبد الرحمن بن جندب، قال ٥ / ٤٣٣.

(٢) عن ثابت بن هبيرة ٥ / ٤٣٤.

(٣) اللبان: الصدر. والشِعر من: عنترة.

٢٢٩

يزيد حين خرج لا تَبعتُه السّنان، فقال [ له ] الحصين بن تميم(١) : هذا الحرّ بن يزيد الذي كنت تتمنّى. قال: نعم. فخرج إليه، فقال له: هل لك يا حرّ بن يزيد في المبارزة؟ قال: نعم، قد شئت. فبرز له، فكأنّما كانت نفسه في يده، ما لبث الحرّ حتّى خرج إليه أنْ قتله(٢) .

[ وكان ] نافع بن هلال [ المرادي الجملي ] يُقاتل، وهو يقول: أنا الجملي، أنا على دين عليعليه‌السلام . فخرج إليه رجل، يُقال له: مزاحم بن حريث. فقال: أنا على دين عثمان. فقال له: أنت على دين شيطان. ثمّ حمل عليه فقتله.

فصاح عمرو بن الحجّاج [ الزبيدي ]: يا حمقى، أتدرون مَن تقاتلون؟! فرسان المصر، قوماً مستميتين، لا يبرزنّ لهم منكم أحد، فإنّهم قليل وقلّما يبقون، والله، لو لمْ تَرموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم.

فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت.

وأرسل إلى النّاس يعزم عليهم، أنْ لا يُبارز رجل منكم رجلاً منهم(٣) .

[ الحملة الثانية ]

[ ثمّ ] دنا عمر بن الحجّاج من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، [ وهو ] يقول:

يا أهل الكوفة! ألزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتأبوا في قتل مَن مرق من الدين وخالف الإمام.

فقال له الحسينعليه‌السلام :« يا عمرو بن الحجّاج، أعليّ تحرّض النّاس؟ أنحن مرقنا وأنتم ثبتّم عليه! أمَا والله، لتعلمنّ - لو قد قُبضت أرواحكم

____________________

(١) وكان على شرطة عبيد الله بن زياد، فبعثه مع عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام ، فولاّه عمر على الشرطة المجفّقة، وهم اللاّبسون التجفاف، وهي: آلة للوقاية.

(٢) حدّثنى، أبو زهير النّضر بن صالح العبسي ٥ / ٤٣٤.

(٣) حدّثني يحيى بن هانئ بن عروة المرادي ٥ / ٤٣٥.

٢٣٠

ومُتّم على أعمالكم - أيّنا مرق من الدين؟ ومَن هو أولى بصلّي النّار؟ »

ثمّ إنّ عمرو بن الحجّاج حمل على الحسينعليه‌السلام في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات، فاضطربوا ساعةً.

فصرع [ جماعة من أصحاب الحسينعليه‌السلام منهم ]:

[ مسلم بن عوسجة ](١)

[ قتله من أصحاب عمرو بن الحجّاج ] عبد الرحمن البجلي و مسلم بن عبد الله الضَبّابي، فنادى أصحاب عمرو بن الحجّاج: قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي. ثمّ انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وارتفعت الغبرة، فإذا هم به صريع.

فمشى إليه الحسينعليه‌السلام فإذا به رَمق، فقال:عليه‌السلام « رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة: ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) » (٢) .

ودنا منه حبيب بن مظاهر، فقال: عزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنّة.

فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك الله بخير.

____________________

(١) جاء في هذا الخبر: فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي أوّل أصحاب الحسينعليه‌السلام ، بينما ذكر قبله مقتل: بُرير وعمرو بن قرظة بالمبارزة، ثمّ توقيف المبارزة وبدء الحملات، فهو أوّل مَن قُتل في الحملة الأولى. كان يُبايع لحسينعليه‌السلام ومن طريقه دخل معقل على مسلم بن عقيل ٥ / ٣٦٢، وعقد له مسلم بن عقيل على ربع مذحج وأسد ٥ / ٣٦٩.

وهو الذي قام بعد خطبة الإمامعليه‌السلام ليلة عاشوراء، فقال: أنحن نخلّي عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك؟ أمَا والله، حتّى أكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولا أفارقك، ولو لمْ يكن معي سلاح اقتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتّى أموت معك ٥ / ٤١٩.

وهو الذي استأذن الإمامعليه‌السلام ليرمي شمراً، وقال: يابن رسول الله جُعلت فداك، ألاَ أرميه بسهم؛ فإنّه من أعظم الجبّارين؟ فقال له الحسينعليه‌السلام :« لا ترمه؛ فإنّي أكره أنْ أبدأهم » . ٥ / ٤٢٤.

ولا يُدرى كيف لحق بالحسينعليه‌السلام من الكوفة، فلمْ يذكر التاريخ شيئاً عنه.

(٢) سورة الأحزاب / ٢٣.

٢٣١

فقال له حبيب: لو لا إنّي أعلم أنّي في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه، لأحببت أنْ توصيني بكل ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك، بما أنت أهل له في القرابة والدّين.

قال [ مسلم ]: بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله - وأهوى بيده إلى الحسينعليه‌السلام - أنْ تموت دونه.

قال [ حبيب ]: أفعل وربّ الكعبة.

فما كان بأسرع من أنْ مات في أيديهم [رحمه‌الله ].

فصاحت جارية له: يابن عوسجتاه! يا سيّداه!(١) .

[ الحملة الثالثة ]

وحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة [ من أصحاب الحسينعليه‌السلام ]، فثبتوا له [ و ] طاعنوه وأصحابه، فحمل هانئ بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حيّ التيمى [ على عبد الله بن عمير ] الكلبي، فقتلاه [رحمه‌الله ](٢) .

____________________

(١) فتنادى أصحاب عمرو بن الحجّاج: قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي.

فقال شبث بن ربعى التميمي لبعض من حوله من أصحابه: ثكلتكم اُمّهاتكم! إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتُذلّلون أنفسكم لغيركم، تفرحون أنْ يُقتل مثل مسلم بن عوسجة! أمَا والذي أسلمتُ له، لربّ موقف له قد رأيته - في المسلمين - كريم! لقد رأيته يوم سلق (*) آذربايجان، قتل ستة من المشركين قبل تتامِّ خيول المسلمين.

أفيُقتل منكم مثله وتفرحون؟ ٥ / ٤٣٦.

(٢) جاء في هذا الخبر: وكان القتيل الثاني من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، وهو وهم.

____________________

* سلق: هي جبال في حدود آذربايجان إلى الموصل، في شمال العراق وغربي إيران، كما في القمقام / ٤٩٤.

٢٣٢

[ حملات أصحاب الحسين ومبارزاتهم ]

وقاتل أصحاب الحسينعليه‌السلام قتالاً شديداً، وأخذت خيلهم تحمل وإنّما هم: اثنان وثلاثون فارساً(١) ؛ وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلاّ كشفته.

فلمّا رأى عزرة بن قيس [ التميمي ] - وهو على خيل أهل الكوفة - أنْ خيله تنكشف من كلّ جانب، بعث عبد الرحمن بن حصن إلى عمر بن سعد، [ يقول ]: أمَا ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة! ابعث إليهم الرجّال والرّماة.

فقال لشبت بن ربعي [ التميمي ]: ألاَ تقدم إليهم؟

فقال: سبحان الله! أتعمد إلى شيخ مضر، وأهل المصرعامّة تبعثه في الرّماة! لمْ تجد غيري مَن تندب لهذا ويجزئ عنك؟

[ فـ ] -دعا عمر بن سعد: الحُصين بن تميم، فبعث معه المجفّفة، وخمسمئة من المرامية، فأقبلوا [ فما ] دنوا من الحسينعليه‌السلام وأصحابه رشقوهم بالنّبل، فلمْ يلبثوا أنْ عقروا خيولهم وصاروا رجّالة كلّهم(٢) .

[ وعقر فرس الحرّ بن يزيد الرياحي ]، فما لبث أنْ أرعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسّيف في يده، وهو يقول:

____________________

(١) لعلّ هذا ما تبقّى من فرسان أصحابهعليه‌السلام ، وإلاّ فالمسعودي يقول: إنّهعليه‌السلام عدل إلى كربلاء وهو في مقدار خمسمئة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مئة راجل. ثمّ هو يقول: وكان جميع من قُتل مع الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء بكربلاء: سبعة وثمانين ٣ / ٧٠ - ٧١.

وروى السّيّد ابن طأووس في الملهوف / ٨٨، عن الإمام الباقرعليه‌السلام :« إنّهم كانوا خمسة وأربعين فارساً، ومئة راجل » . وكذلك ذكر سبط ابن الجوزي / ٢٤٦ - ٢٥١. والعجيب، أنّه نُقل عن المسعودي أنّه ذكرهم: ألف رجل، وليس في مروج الذهب هذا.

(٢) حدّثنى، الحسين بن عقبة المرادي، قال الزبيدي ٥ / ٤٣٥ - ٤٣٦.

٢٣٣

إن تعقروا بي فانا ابن الحرّ

اشجع من ذي لبد هزبر(١) .

وقاتلوهم حتّى انتصف النّهار أشدّ قتال، و[ هم ] لا يقدرون على أنْ يأتوهم إلاّ من وجه واحد، لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض.

فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالاً يقوّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ليُحيطوا بهم، فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسينعليه‌السلام يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرّجل، وهو يقوّض فيقتلونه ويرمونه ويعقرونه.

[ فـ ] -عند ذلك أمر بها عمر بن سعد، فقال: أحرقوها بالنّار.

فقال حسينعليه‌السلام :« دعوهم، فليحرّقوها؛ فإنّهم لو حرّقوها لمْ يستطيعوا أنْ يجوزوا إليكم منها » . وكان كذلك. [ فـ ] -أخذوا لا يُقاتلونهم إلاّ من وجه واحد.

[ الحملة الرابعة ]

وحمل [ فيمَن حمل ] شمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاط الحسينعليه‌السلام برمحه ونادى: عليّ بالنّار حتّى أحرّق هذا البيت على أهله.

فصاح النّساء وخرجنَ من الفسطاط.

وصاح به الحسينعليه‌السلام :« يابن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنّار لتحرّق بيتي على أهلي؟ حرّقك الله بالنّار » (٢) .

____________________

(١) هزبر: كلمة فارسيّة أصلها: هژبر، بمعنى: أسد. ولا يُخفى أنْ الرجز يقول:أنا ابن الحرّ .

والنّقل عن الحرّ نفسه، ولمْ يعقّبه أبو مِخْنَف ولا الكلبي ولا الطبري وغيره بشيء. ولعلّ مَن قال بحضور ابن الحرّ وتوبته، وقتله مع الحسينعليه‌السلام ؛ أخذه من هنا. ولعلّ الحرّ: اسم جدّه أو أحد أجداده، أو قصد معناه. وكذلك ذكر الرجز المفيد، ولمْ يعقّبه بشيء / ٢٣٧.

(٢) ٥ / ٤٣٧. قال أبو مِخْنَف، حدّثنى نمير بن وعلة: أنّ أيّوب بن مشرّخ الخيواني كان يقول.

٢٣٤

قال حميد بن مسلم [ الأزدي فـ ] -قلت لشمر: سبحان الله! إنّ هذا لا يصلح لك، أتريد أنْ تجمع على نفسك خصلتين: تُعذّب بعذاب الله، وتقتل الولدان والنّساء؟ والله، إنّ في قتلك الرّجال لما تُرضي به أميرك(١) .

(و) جاءه شبث بن ربعيّ [ التميمي ]، فقال: ما رأيت مقالاً أسوأ من قولك، ولا موقفاً أقبح من موقفك، أمُرعباً للنساء صرت؟

وحمل عليه زهير بن القين في عشرة رجال من أصحابه فشدّ على شمر وأصحابه، فكشفهم عن البيوت حتّى ارتفعوا عنها.

(ثمّ) تعطّف النّاس عليهم فكثروهم، فلا يزال الرجل من أصحاب الحسينعليه‌السلام يُقتل، فإذا قُتل منهم الرجّل والرجلان تبيّن فيهم، وأولئك كثير لا يتبيّن فيهم ما يُقتل منهم.

[ الاستعداد لصلاة الظهر ]

فلمّا رأى ذلك أبو ثُمامة عمرو بن عبد الله الصائدي(٢) قال للحسينعليه‌السلام :

يا أبا عبد الله، نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله، لا تُقتل حتّى أُقتل دونك - إنْ شاء الله - وأحبّ أنْ ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها.

فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه، ثمّ قال:

« ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين! نعم، هذا أوّل وقتها » .

____________________

(١) فقال: مَن أنت؟ فخشيت أنْ لو عرفني أنْ يضرّنى عند السّلطان. فقلت: لا أخبرك مَن أنا.

(٢) الهمداني كان بالكوفة يقبض ما يُعين به الشيعة مسلم بن عقيل، ويشتري لهم السّلاح بأمر مسلم ٥ / ٣٦٤. وعقد له مسلم يوم خروجه على ربع تميم وهمدان ٥ / ٣٦٩، وهو الذي عرّف رسول عمر بن سعد في كربلاء إلى الإمامعليه‌السلام ، عزرة بن الأحمسي، فقال للإمامعليه‌السلام : يا أبا عبد الله، قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرؤه على دم وأفتكه. ومنعه عن الوصول إليه خوفاً منه على الإمامعليه‌السلام ٥ / ٤١٠.

٢٣٥

ثم قالعليه‌السلام :« سلوهم أنْ يكفّوا عنّا حتّى نُصلّي » .

فقال لهم الحُصين بن تميم: إنّها لا تُقبل.

فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت [ أنّ ] الصلاة من آل رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ]) لا تُقبل، وتُقبل منك يا حمار!

[ مقتل حبيب بن مظاهر ](١)

فحمل عليهم الحُصين بن تميم [ التميمي ] وخرج إليه حبيب بن مظاهر [ الأسدي ]، فضرب وجه فرسه بالسّيف فشبّ ووقع عنه، وحمله أصحابه فاستنقذوه.

وأخذ حبيب، يقول:

أنا حبيب وأبي مظاهر

فارس هيجاءو حرب تسعر

أنتم أعدّ عدّة وأكثر

ونحن أوفى منكم وأصبر

ونحن أعلى حجّة وأظهر

حقاً وأتقى منكم وأعذر

____________________

(١) كان ممّن كتب إلى الإمامعليه‌السلام من زعمّاء الشيعة من أهل الكوفة ٥ / ٣٥٢. وكان ممّن أجاب مسلم بن عقيل للبيعة للإمامعليه‌السلام ، قائلاً: أنا والله، الذي لا إله إلاّ هو على مثل ما هذا عليه - مشيراً إلى عابس بن أبي شبيب الشاكري - ٥ / ٣٥٥.

وقال لقرّة بن قيس الحنظلي التميمي - رسول عمر بن سعد إلى الإمامعليه‌السلام - بكربلاء: ويحك يا قرّة بن قيس! أنّى ترجع إلى القوم الظالمين! انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وإيّانا معك ٥ / ٤١١. ولمّا نهض ابن سعد إلى الحسينعليه‌السلام عشيّة التاسع من المحرم، وزحف نحوهم بعد صلاة العصر، فاستقبلهم العبّاس بن عليعليه‌السلام في نحو من عشرين فارساً كان منهم حبيب بن مظاهر. فلمّا ذهب العبّاس إلى الإمامعليه‌السلام يخبره الخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم، قال حبيب: أمَا والله، لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرّيّة نبيّه وعترته وأهل بيته، وعبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالسّحر والذاكرين الله كثيراً! ٥ / ٤١٦. وجعله الإمامعليه‌السلام على ميسرة أصحابه ٥ / ٤٣٦.

ولمّا وقف مسلم بن عوسجة فأوصاه مسلم بنصرة الإمامعليه‌السلام ، قال: أفعل وربّ الكعبة ٥ / ٤٣٦. وتفاخر بقتله الحُصين بن تميم فعلّق رأسه بلبان فرسه، وقتل ابنه القاسم بن حبيب، قاتله بديل بن ُصريم التميمي قصاصاً، وهما في عسكر مصعب بن الزبير في غزو باجميرا ٥ / ٤٤٠.

٢٣٦

ويقول:

أقسم لو كنّا لكم أعدادا

أو شطركم وليّتم أكتادا(١)

يا شرّ قوم حسباً وآدا(٢)

وقاتل قتالاً شديداً، فحمل عليه رجل من بني تميم، يُقال له: بديل بن صُريم فطعنه، فوقع فذهب ليقوم فضربه الحُصين بن تميم [ التميمي ] على رأسه بالسّيف، فوقع ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه(٣) و(٤) .

ولمّا قُتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك حسيناًعليه‌السلام وقال:« احتسب نفسي وحماة أصحأبي » .

[ مقتل الحرّ بن يزيد الرياحي ]

[ وبرز الحرّ ] فأخذ يرتجز، ويقول:

____________________

(١) أكتادا: جماعات.

(٢) آدا: أصلاً.

(٣) حدّثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم ٥ / ٤٣٨ - ٤٣٩.

(٤) فقال له الحُصين: أبي لشريك في قتله. فقال الآخر: والله، ما قتله غيري. فقال الحُصين: أعطنيه أعلّقه في عنق فرسي كيْما يرى النّاس ويعلموا أنّي شركت في قتله. ثمّ خُذه أنت بعد فامضِ به إلى عبيد الله بن زياد، فلا حجّة لي فيما تعطاه على قتلك إيّاه. فأبى عليه فأصلح قومه فيما بينهما على هذا، فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر، فجال به في العسكر - قد علّقه في عنق فرسه -، ثمّ دفعه بعد ذلك إليه. فلمّا رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلّقه في لبان فرسه، فأقبل به إلى ابن زياد في القصر.

فبصر به القاسم بن حبيب بن مظاهر، وهو يومئذٍ قد راهق فأقبل مع الفارس لا يُفارقه فارتاب به، فقال: مالك يا بني، تتبعني؟ قال: إنّ هذا الرأس الذي معك رأس أبي، أفتعطينيه حتّى أدفنه؟ قال: يا بني، لا يرضى الأمير أنْ يُدفن، وأنا أُريد أنْ يُثيبني الأمير على قتله ثواباً حسناً. فقال له الغلام: لكنّ الله لا يُثيبك على ذلك إلاّ أسوأ الثواب، أمََا والله، لقد قتلت خيراً منك، وبكى.

ولمّا غزا مصعب بن الزبير باجميرا، دخل القاسم بن حبيب عسكر مصعب، فوجد قاتل أبيه في فسطاط فدخل عليه نصف النّهار وهو قائل، فضربه بالسّيف حتّى برد ٥ / ٤٤٠.

٢٣٧

[ اني أنا الحرّ ومأوى الضيّف ]

أضرب في أعراضهم بالسّيف

عن خير من حلّ منى والخيف

[ أضربهم ولا أرى من حيف ]

ويقول أيضاً:

آليت لا أقتل حتّى أقتلا

ولن أصاب اليوم إلا مقبلا

أضربهم بالسّيف ضرباً مقصلا

لا نكلا عنهم ولا مهلّلا

[ وخرج معه زهير بن القين فـ ] -قاتلا قتالاً شديداً، فكان إذا شدّ أحدهما - فإنْ استلحم(١) - شدّ الآخر حتّى يخلّصه ففعلا ذلك ساعة، ثمّ شدّت رجّالة على الحرّ بن يزيد فقُتل [ رحمة الله عليه ].

[ صلاة الظهر ]

ثمّ صلّى بهم الحسينعليه‌السلام صلاة الخوف(٢) فاستقدم [ سعيد بن عبد الله الحنفي ] أمامه، فاستهدف لهم يرمونه بالنّبل يميناً وشمالاً، فما زال يُرمى قائماً بين يديه حتّى سقط [ رحمة الله عليه ].

[ مقتل زهير بن القين ]

[ وخرج زهير بن القين فـ ] -أخذ يضرب على منكب حسينعليه‌السلام ، ويقول:

أقدم هديت هادياً مهديا

فاليوم تلقى جدّك النّبيّا

وحسناً والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وأسد الله الشهيد الحيّا

____________________

(١) أي: اشتدّ القتال وتداخل.

(٢) هذا، ولعلّه صلّى قصراً لا خوفاً. وروى الصلاة المفيد / ٢٣٨، والسّبط / ٢٥٢ - ٢٥٦.

٢٣٨

وقاتل قتالاً شديداً، [ وهو ] يقول:

أنا زهير وانا ابن القين

اذودهم بالسّيف عن حسين(١)

فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس، فقتلاه [ رحمة الله عليه ].

[ مقتل نافع بن هلال الجملي ](٢)

وكان نافع بن هلال الجمليّ قد كتب اسمه على أفواق نبله، فجعل يرمي بها مسوّمة، وهو يقول:أنا الجملي، أنا على دين علي عليه‌السلام ، فقتل اثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد، سوى مَن جُرح.

[ وجُرح و ] كُسرت عضداه فأخذه شمر بن ذي الجوشن، ومعه أصحاب له أسيراً يسوقون[ -ه ] حتّى أتى به عمر بن سعد، والدماء تسيل على لحيته.

فقال له عمر بن سعد: ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك؟

قال: إنّ ربّي يعلم ما أردت، والله، لقد قتلت منكم اثنى عشر سوى مَن جرحتُ، وما ألوم نفسي على الجهد، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني.

فقال له شمر: أقتله أصلحك الله؟

قال: إنْ شئت فاقتله.

فانتضى شمر سيفه، فقال له نافع: أمَا والله، أنْ لو كنت من المسلمين، لعظم عليك أنْ تلقى الله

____________________

(١) رواها السّبط / ٢٥٣، ط النّجف.

(٢) هو الذي كان قد بعث فرسه مع الطرمّاح بن عَدي إلى الإمامعليه‌السلام في طريقه إلى الكوفة ٥ / ٤٠٥. ولمّا اشتدّ العطش بالإمامعليه‌السلام وأصحابه دعا أخاه العبّاس بن عليعليه‌السلام ، فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، واستقدم أمامهم نافع بن هلال ورحّب به عمرو بن الحجّاج، وقال: اشرب هنيئاً. فقال: لا والله، لا اشرب منه قطرة وحسينعليه‌السلام عطشان ٥ / ٤١٢.

ولمّا خرج علي بن قرظة أخو عمرو بن قرظة الأنصاري، فحمل على الحسينعليه‌السلام اعترضه نافع بن هلال المرادي، فطعنه فصرعه ٥ / ٤٣٤.

٢٣٩

بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه. فقتله [ رحمة الله عليه ].

[ الأخوان الغفاريّان ]

فلمّا رأى أصحاب الحسينعليه‌السلام أنّهم لا يقدرون على أنْ يمنعوا حسيناًعليه‌السلام ولا أنفسهم، تنافسوا في أنْ يُقتلوا بين يديه.

فجاءه عبد الله وعبدالرحمن ابنا عزرة الغفاريّان، فقالا:

يا أبا عبد الله - عليك السّلام - حازنا العدوّ إليك، فأحببنا أنْ نُقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك.

قالعليه‌السلام :« مرحباً بكما، أدْنيا منّي ». فَدَنيا منه.

فجعلا يُقاتلان وأحدهما، يقول:

قد علمت حقاً بنو غفار

وخندف بعد بنينزار

لنضربنّ معشر الفجار

بكل عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأحرار

بالمشرّفي والقنا الخطّار

[ فقاتلا بين يديه قتالاً شديداً حتّى قُتلارحمهما‌الله ].

[ الفتيان الجابريّان ]

وجاء الفتيان الجابريّان: سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عمٍّ وأخوانِ لأمٍّ، فأتيا حسيناًعليه‌السلام فدَنَيا منه، وهما يبكيان.

فقالعليه‌السلام :« أي، ابني أخي، ما يُبكيكما؟ فوالله، أنا لأرجو أنْ تكونا قريري عين عن ساعة ».

قالا: جعلنا الله فداك، لا والله، ما على أنفسنا نبكي ولكنّا نبكي عليك، نراك قد أُحيط بك ولا نقدر على أنْ نمنعك.

٢٤٠