وقعة الطف

وقعة الطف0%

وقعة الطف مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 290

وقعة الطف

مؤلف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن مسلم الازدى الغامدى
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 171461
تحميل: 7425

توضيحات:

وقعة الطف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171461 / تحميل: 7425
الحجم الحجم الحجم
وقعة الطف

وقعة الطف

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

فدعاه إليه(١) .

[ استشارة مروان ]

فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع وترحّم عليه، واستشاره الوليد في الأمر، وقال: كيف ترى أنْ نصنع؟ قال: فإنّي أرى أنْ تبعث السّاعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة، فإنْ فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم، وإن أبوا قدّمتهم وضربت أعناقهم قبل أنْ يعلموا بموت معاوية؛ فإنّهم إنْ علموا بموت معاوية وثب كلّ امرئ منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابذة، ودعا النّاس إلى نفسه(٢) .

[ رسول البيعة ]

فأرسل [ الوليد ] عبد الله بن عمرو بن عثمان - وهو إذ ذاك غلام حدث(٣) - إليهما يدعوهم فوجدهما في المسجد، وهما جالسان فأتاهما في ساعة لمْ

____________________

(١) وتمام الخبر: وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارهاً، فلمّا رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه، فبلغ ذلك مروان فجلس عنه وصرمه [ أي: قاطعه ]، فلمْ يزل كذلك حتّى جاء نعي معاوية إلى الوليد، فلمّا عظم على الوليد هلاك معاوية وما أمر به من أخذ هؤلاء الرهط بالبيعة، فزع عند ذلك إلى مروان ودعاه ٥ / ٣٢٥.

(٢) ٥ / ٣٣٩. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ...، ورواه الخوارزمي / ١٨١.

(٣) كان حيّاً إلى سنة (٩١ هـ)، حيث كان فيمَن استقبل الوليد بن عبد الملك بالمدينة من رجال قريش ٦ / ٤٦٥، ويلقّب بـ (المطرف). مات سنة (٩٦هـ)، القمقام / ٢٧٠.

وعمرو، أبوه: ابن عثمان بن عفّان الخليفة، واُمّه: اُمّ عمرو، بنت جندب الأزدي٤ /٤٢٠. وقال في٥ / ٤٩٤: اُمّه من دوس.

واتهمه مسلم بن عقبة في وقعة الحرّة: أنّه لمْ يكن فيها مخلصاً لبني اُميّة، فلمّا أتى به شتمه وأمر به فنُتفت لحيته٥ / ٤٩٤.

٨١

يكن الوليد يجلس فيها للنّاس ولا يأتيانه في مثله(١) ، فقال: أجيبا الأمير

____________________

(١) هكذا يقتصر خبر أبي مِخْنف هنا على وصف هذه السّاعة، بأنّه لمْ يكن الوليد يجلس فيها للنّاس من دون تعيين لها، متى كانت؟ أمن ليل أمْ من نهار؟

إلاّ أنّ نفس هذا الخبر يشتمل على قرائن تعيننا على تعيين تلك السّاعة، بأنّها كانت ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة لأربع بقين من رجب:

أ - إنّ نصّ الخبر هكذا: فأرسل إليهما يدعوهم، فأتاهما فوجدهما، فقال: أجيب الأمير يدعوكم. فقالا له انصرف، الآن نأتيه. فالدعوة كانت لهما في ساعة واحدة ...، وفي آخر الخبر عن ابن الزبير، أنّه قال: (الآن آتيكم. ثمّ أتى داره فكمن فيه، فبعث الوليد إليه مرّة ثانية فوجده مجتمعاً متحرّزاً في أصحابه، فألحّ عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال [ مرّةًٍ ثالثةً ورابعةً على الأقل ] فقال: لا تعجلوني أمهلوني، فانّي آتيكم. فبعث الوليد إليه [ مرّةً خامسةً ] موالي له فشتموه وصاحوا به: يابن الكاهليّة! والله، لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك.

فلبث نهاره كلّه وأوّل ليله، [ وهو ] يقول الآن أجيء، [ فلمّا ] إستحثوه، قال: والله، لقد استربت بكثرة الإرسال وتتابع هذه الرجال، فلا تعجلوني حتّى أبعث إلى الأمير مَن يأتيني برأيه وأمره. فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير، فقال: رحمك الله! كفّ عن عبد الله؛ فإنّك قد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك، وهو آتيك غداً إن شاء الله، فمر رسلك فلينصرفوا عنّا. فبعث إليهم فانصرفوا [ عند المساء ]. وخرج ابن الزبير من تحت اللّيل.

فالظاهر أنّ هذه الأمور كلّها كانت في النّهار، بل صريح النّص: فلبث بذلك نهاره وأوّل ليله. وحيث كانت الدعوة له وللإمامعليه‌السلام معاً؛ يظهر أنّ دعوة الإمامعليه‌السلام أيضاً كانت في أوّل النّهار.

ب - يشتمل الخبر على عبارة: فألحّوا عليهما عشيّتهما تلك، وأوّل ليلهما. وهذه العبارة قد توهم للبعض أنّ الدعوة كانت في العشيّة - أي: العصر - ولكنّه وهمٌ، إذ العبارة: فألحّوا عليهما، والإلحاح هو الإلحاف والإصرار والتكرار في الدعوة والطلب، فلابدّ أنْ يكون مسبوقاً بدعوة سابقة قبل العشيّ - العصر - فالعبارة بنفسها تدلّنا على أنّ الدعوة كانت في النّهار لا في اللّيل.

ج - يروي أبو مِخْنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن مخرمة، عن أبي سعيد المقبري، قال: نظرت إلى الحسينعليه‌السلام داخلاً مسجد المدينة فما مكث إلاّ يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة ٥ / ٣٤٢.

٨٢

يدعوكما. فقالا له: انصرف، الآن نأتيه(١) .

ثمّ أقبل أحدهما على الآخر، فقال عبد الله بن الزبير للحسينعليه‌السلام : وظنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه السّاعة التي لمْ يكن يجلس فيه!

فقال الحسينعليه‌السلام :« قد ظننت [ أنّ(٢) ]طاغيتهم قد هلك، فبعث

____________________

وهذا يؤيد خبره الآخر، إذ أنّه يفيد أنّ ابن الزبير كمن في داره وتحرّز في أصحابه، فلبث بذلك نهاره وأوّل ليله وخرج تحت اللّيل، فلمّا أصبح الوليد بعث إليه فوجده قد خرج، فبعث ثمانين راكباً خلفه فلمْ يقدروا عليه فرجعوا فتشاغلوا [ بهذ ] يومهم [ هذا الثاني ] حتّى أمسوا، فبعث إلى الحسينعليه‌السلام عند المساء، فقال: أصبحوا ثمّ ترون ونرى. فكفّوا عنه تلك اللّيلة ولمْ يلحّوا عليه فخرج من تحت ليلته، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب٥ / ٣٤١.

فالنتيجة: أنّ ابن الزبير بقي بالمدينة بعد بدء الدعوة يوماً واحداً وفي اللّيل خرج، والإمامعليه‌السلام بقي بها بعد الدعوة يومين وفي اللّيلة الثانية خرج.

وحيث كانت ليلة خروجهعليه‌السلام ليلة الأحد، يكون يوم مكثه يوم الجمعة وليلة السّبت ويوم السّبت، وتكون الدعوة مبدؤاً بها في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة، وحينئذٍ فيصحّ وصفها بأنّها: ساعة لمْ يكن الوليد يجلس فيها للنّاس، ويكون اجتماع ابن الزبير بالإمامعليه‌السلام في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صباح يوم الجمعة، ولعلّه كان بعد صلاة الصبح، وكان دخولهعليه‌السلام إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - الذي يرويه أبو مِخْنف عن المقبري - مع رجلين يُعتمد عليهما، بعد رجوعه من دار الوليد مع رجلين من رجاله الذين كان قد ذهب بهم إلى دار الوليد.

فالنتيجة: أنّ الدعوة كانت في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة لأربع بقين من رجب، لمْ يكن يجلس فيها الوليد للنّاس؛ لأنّها يوم الجمعة، ولمْ تكن الجمعة يوم عمله.

(١) ٥ / ٣٣٩. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ورواه السّبط بنصّه / ٢٠٣، والخوارزمي / ١٨١، بمعناه.

ولا يُدرى لماذا الضمير مثنى والرسالة إلى ثلاثة؟ والذي يظهر من نهاية الرواية أنّهم الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير فقط، ولا ذكر لعبد الرحمن بن أبي بكر، ولا لعبد الله بن عمر، فلعلّ عدم ذكر الأوّل كان لوفاته قبل هذا - كما سبق -، والثاني لغيبته عن المدينة، كما رواه الطبري عن الواقدي - ٥ / ٣٤٣ -.

والرسول في رواية الخوارزمي - عن ابن الأعثم - / ١٨١، وكذلك السّبط / ٢٣٥: عمرو بن عثمان. وفي تاريخ ابن عساكر - ٤ / ٣٢٧ - أنّه: هو عبد الرحمن بن عمرو بن عثمان بن عفّان.

(٢) النصّ:« قد ظننت أرى طاغيتهم » . والمرجّح ما ذكرناه.

٨٣

إلينا؛ ليأخذنا بالبيعة قبل أنْ يفشوَ في النّاس الخبر » .

فقال [ ابن الزبير ]: وما أظنّ غيره، فما تريد أنْ تصنع؟

قال [ الحسينعليه‌السلام ]:« أجمع فتياني السّاعة، ثمّ امشي إليه، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه، ثمّ دخلت عليه » .

قال [ ابن الزبير ]: فإنّي أخافه عليك إذا دخلت.

قال [ الحسينعليه‌السلام ]:« لا آتيه إلاّ وأنا على الامتناع قادر » .

فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته، ثمّ أقبل يمشي حتّى انتهى إلى باب الوليد، وقالعليه‌السلام لأصحابه:« إنّي داخل، فإنْ دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا، فاقتحموا عليّ بأجمعكم، وإلاّ فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم » (١) .

[ الحسينعليه‌السلام عند الوليد ]

فدخل عليه فسلّم بالإمرة، ومروان جالس عنده [ وكان مروان قد جلس عن الوليد وصرمه من قبل - كما سبق ].

فقال الحسين [عليه‌السلام ] - كأنّه لا يظنّ ما يظنّ من موت معاوية -:« الصلة خير من القطيعة، أصلح الله ذات بينكم » . فلمْ يُجيباه في هذا بشيء.

وجاء حتّى جلس، فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة. فقال الحسين [عليه‌السلام ]:« إنّا لله وإنّا إليه راجعون ...، أمّا ما سألتني من البيعة، فانّ مثلي لا يُعطي بيعته سراً، ولا أراك تجتزئ بها منّي سرّاً دون أنْ تُظهرها على رؤوس النّاس علانية ». قال: أجل. قالعليه‌السلام « فإذا خرجت إلى النّاس فدعوتهم إلى البيعة، دعوتنا مع النّاس فكان أمراً واحداً » (٢) .

____________________

(١) ورواه المفيد - باختصار - / ٢٠٠، والسّبط / ٢٣٦، والخوارزمي / ١٨٣.

(٢) ورواه الخوارزمي / ١٨٣، بلفظ آخر.

٨٤

وكان [ الوليد ] يحبّ العافية [ من أمر الحسينعليه‌السلام ]، فقال له: فانصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع جماعة النّاس.

فقال له مروان: والله، لئن فارقك السّاعة ولمْ يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتّى يبايع، أو تضرب عنقه(١) .

فوثب عند ذلك الحسين [عليه‌السلام ]، فقال:« يابن الزرقاء (٢) ، أنت تقتلني أمْ هو؟! كذبت والله، وأثمت» (٣) ، ثمّ خرج فمرّ بأصحابه فخرجوا معه حتّى أتى منزله(٤) .

____________________

(١) ورواه الخوارزمي / ١٨٤.

(٢) هي: الورقاء بنت موهب، كانت من المومسات من ذوات الرايات كما في الكامل - ٤ / ٧٥ -، فليس هذا من الإمام قذفاً، والنبز باللقب السّوء هنا كما في القرآن الكريم في شأن الوليد بن المغيرة المخزومي:( عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ) - سورة القلم / ١٣ -. والزنيم في اللغة: الدعيّ في النّسب، اللصيق به.

(٣) ورواه الخوارزمي / ١٨٤، وأضاف:« إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس معلن بالفسق، فمثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة؟ » .

وسُمع من بالباب صوت الحسينعليه‌السلام وقد علا، فهمّوا أن يقتحموا عليهم بالسّيوف، ولكن خرج إليهم الحسينعليه‌السلام فأمرهم بإلانصرف إلى منازلهم.

ورواه السيّد ابن طاووس (ت ٦٩٣ هـ) في الملهوف، وابن نما (ت ٦٤٥هـ) في مثير إلاّحزان.

(٤) ٥ / ٣٣٩. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ورواه. الخوارزمي / ١٨٤. وتمام الخبر، فقال مروان للوليد: عصيتني، لا والله، لا يمكنك من مثلها من نفسه أبداً. ورواه الخوارزمي / ١٨٤.

قال الوليد ويح غيرك يا مروان! إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله، ما أحبّ أنّ لي طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا، وإنّي قتلت حسيناًعليه‌السلام .

ورواه السّبط / ٢٢٦ - باختصار -: سبحان الله! أقتل حسيناً أنْ قال: لا أبايع؟ والله، إنّي لأظنّ امرءاً يحاسب بدم الحسينعليه‌السلام خفيف الميزان عند الله يوم القيامة، ورواه المفيد / ٢٠١.

فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك، فقد أصبت فيما صنعت، يقول هذا وهو غير حامد له على رأيه.

٨٥

[ الحسين عليه‌السلام في مسجد المدينة ]

وتشاغلوا عن الحسين [عليه‌السلام ] بطلب عبد الله بطلب عبد الله [ ابن الزبير اليوم الأوّل

____________________

[ موقف ابن الزبير ]:

وأمّا ابن الزبير، فقال: الآن آتيكم. ثمّ أتى داره فكمن فيها، فبعث الوليد إليه فوجده مجتمعاً في أصحابه متحرّز، فألحّ عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال ...، فقال: لا تعجلوني فإنّي آتيكم، أمهلوني.

فلبث بذلك نهاره كلّه وأوّل ليله [ وهو ] يقول: الآن أجيء [ حتّى ] بعث الوليد إلى ابن الزبير موالي له فشتموه وصاحوا به: يابن الكاهليّة، والله، لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك. فألحّوا عليـ [ -ه و ] استحثّوه [ فـ ] قال: والله، لقد استربت بكثرة الإرسال وتتابع هذه الرجال، فلا تعجلوني حتّى أبعث إلى الأمير مَن ياتيني برأيه وأمره.

فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير، فقال [ له ]: رحمك الله! كفّ عن عبد الله؛ فإنّك قد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك، وهو آتيك غداً إن شاء الله، فمر رسلك فلينصرفوا عنّا. فبعث إليهم [ الوليد ] فانصرفوا.

وخرج ابن الزبير من تحت اللّيل ليلة السّبت [ لثلاث بقين من شهر رجب ] قبل [ خروج ] الحسين [عليه‌السلام ] بليلة فأخذ طريق الفرع، هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث، وتجنّب الطريق الأعظم مخافة الطلب، وتوجّه نحو مكّة - ورواه السّبط، ص / ٢٣٦ -.

فلمّا أصبح [ الوليد ] بعث إليه فوجده قد خرج، فقال له: مروان والله، إنْ [ خطا إلاّ إلى مكّة ]، فسرّح في أثره الرجال. فبعث الوليد راكباً من موالي بني اُميّة في (ثمانين راكباً) فطلبوه، فلمْ يقدروا عليه فرجعوا.

وبينا عبد الله ابن الزبير يساير أخاه جعفر، إذ تمثّل جعفر بقول صبرة الحنظلي:

وكل بني اُمّ سيمسون ليلة

ولم يبقَ من أعقابهم غير واحد

فقال عبد الله: سبحان الله! ما أردت [ بـ ] -ما أسمع، يا أخي؟ قال: والله، يا أخي ما أردت به شيئاً ممّا تكره. فقال [ عبد الله ]: فذاك والله، أكره إليّ أنْ يكون جاء على لسانك من غير تعمّد - وكأنّه تطيّر منه -.

ومضى ابن الزبير حتّى أتى مكّة، وعليها عمرو بن سعيد، فلمّا دخل مكّة قال: إنّما أنا عائذ. ولمْ يكن يصلّي بصلاتهم ولا يفيض بإفاضتهم، كان يقف هو وأصحابه ناحية، ثمّ يفيض بهم وحده ويصلّي بهم وحده. - ٥ / ٣٤٣ - قال هشام بن محمّد بن أبي مِخْنف، ورواه المفيد / ٢٠١، وكذلك السّبط / ٢٣٦، ويقول: وخرج الحسينعليه‌السلام في اللّيلة الآتية بأهله وفتيانه، وقد اشتغلوا عنه بابن الزبير.

ويرويه / ٢٤٥، عن هشام ومحمّد بن إسحاق: يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب. وقال الخوارزمي / ١٨٩: لثلاث مضين من شهر شعبان.

٨٦

ثمّ صبيحة خروجه ] حتّى أمسوا.

ثمّ بعث [ الوليد ] الرجال إلى الحسين [عليه‌السلام ] عند المساء [ من هذا اليوم الثاني السّبت ال ثمن والعشرين من شهر رجب ]، فقال أصبحوا ثمّ ترون ونرى، فكفّوا عنه اللّيلة [ الثانية، أي: ليلة الأحد التاسع والعشرين من شهر رجب ] ولمْ يلحّوا عليه(١) .

[ ففي أوّل يوم من هذين اليومين خرج الحسينعليه‌السلام إلى مسجد المدينة معتمداً على رجلين كما ] عن أبي سعيد المقبري، قال: نظرت إلى الحسين [عليه‌السلام ] داخلاً مسجد المدينة، وإنّه ليمشي وهو معتمد على رجلين، يعتمد على هذا مرّة وعلى هذا مرّة، وهو يتمثل بقول [ يزيد ] ابن المفرّغ [ الحميريّ ]:

لا ذعرت السّوام في فلق الصبح

مُغيراً، ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى من المهابة ضيماً

والمنايا يرصدنني أن أحيد(٢)

قال، فقلت في نفسي: والله، ما تمثّل بهذين البيتين إلاّ لشيء يريده. فما مكث إلاّ يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة(٣) .

[موقف محمّد بن الحنفيّة ] (٤)

[ وأمّا محمّد بن الحنفيّة فإنّه لمّا سمع بالأمر جاء إلى أخيه الحسين

____________________

(١) ٥ / ٣٣٨، ٣٤١. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف، والمفيد / ٢٠١.

(٢) أي: لا كنت حيّاً - أدعى باسمي وأحرك السّوائم بعزمي - إذا كنت أعطى من المهابة ذلّة وصغاراً، وأنا أستطيع أنْ ألقى منيّتي دون الذلّة. ورواها الخوارزمي إلى هنا / ١٨٦.

(٣) ٥ / ٣٤٢. قال أبو مِخْنف: وحدّثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن أبي سعيد المقبري. - وقد سبقت ترجمته في المقدّمة - ورواه السّبط / ٢٣٧، بلفظ آخر.

(٤) اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس من بني بكر بن وائل ٥ / ١٥٤، وكان مع أبيه عليعليه‌السلام يوم الجمل فأعطى بيده اللّواء ٥ / ٤٤٥، وقاتل فقطع يد رجل من الأزد كان يحثّهم على القتال دون الجمل ٤ / ٥١٢، واشترك في صفّين فبارزه عبيد الله بن عمر، فمنعه عليعليه‌السلام عنه إشفاقاً عليه أنْ يُقتل ٥ / ١٣.

٨٧

عليه‌السلام و ] قال له: يا أخي، أنت أحبّ النّاس إليّ وأعزّهم عليّ، ولست أدّخر النّصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك؛ تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثمّ ابعث رسلك إلى النّاس فادعهم إلى نفسك، فإنْ بايعوك حمدت الله على ذلك، وإنْ أجمع النّاس على غيرك لمْ ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولا يذّب به مرؤتك ولا فضلك، إنّي أخاف أنْ تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من النّاس فيختلفون فيما بينهم؛ فطائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأوّل السّنة [ غرضاً ]؛ فاذن خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.

فقال له الحسين [عليه‌السلام ]« فإنّي ذاهب يا أخي » .

فقال [ محمّد بن الحنفيّة ] فانزل مكّة؛ فإنّ طمأنّت بك الدار فسبيل ذلك، وإنْ نبتْ بك لحقت بالرّمال وشعف(١) الجبال، وخرجت من بلد إلى

____________________

وكان يوم خروج الحسينعليه‌السلام من مكّة إلى العراق مقيماً بالمدينة ٥ / ٣٩٤، وادّعى المختار أنّه قد أتى أهل الكوفة من قبله ٥ / ٥٦١، فأُخبر بذلك ابن الحنفيّة وسُئل عنه، فقال: لوددت أنّ الله انتصر لنا من عدونا بمَن شاء من خلقه. فبلغ ذلك المختار فلقّبه بالإمام المهدي ٦ / ١٤.

وأخرج المختار كتاباً لإبراهيم بن مالك الأشتر يدعوه إلى اتّباعه منسوباً، إلى ابن الحنفيّة ٦ / ٤٦، فذكر ذلك عند ابن الحنفيّة، فقال: يزعم أنّه لنا شيعة، وقتلة الحسينعليه‌السلام جلساؤه على الكراسي يحدّثونه! فقتل المختار عمر بن سعد وابنه وبعث برأسيهما إلى ابن الحنفيّة ٦ / ٦٢، وحاول أنْ يبعث إلى ابن الحنفيّة جنداً يقابل بها ابن الزبير، فرفض ذلك ابن الحنفيّة ونهاه عن سفك الدماء ٦ / ٧٤، فبلغ ذلك ابن الزبير فحبس ابن الحنفيّة وسبعة عشر رجلاً من أهل بيته، ومن رجال أهل الكوفة معه في زمزم حتّى يُبايعوا أو يُحرقوا بالنار!، فوجّه ابن الحنفيّة ثلاثة نفر من أهل الكوفة إلى المختار يستنجده، فبعث المختار أربعة الآف رجل ومعهم مال كثير، فدخلوا مكّة والمسجد الحرام حتّى أخرجوهم من حبسهم، واستأذنوا محمّد بن الحنفيّة في قتال ابن الزبير، فلم يأذن لهم وفرّق فيهم الأموال ٦ / ٦٧.

وكان ينهى الشيعة من الغلو ٦ / ١٠٣، وكانت له راية مستقلّة في الحجّ سنة (٦٨ هـ)، وكان يقول: إنّي رجل أدفع عن نفسي من ابن الزبير، وما يروم منّي، وما أطلب هذا الأمر أنْ يختلف عليّ فيه اثنان ٦ / ١٣٨. وكان حيّاً إلى سنة الجحاف (٨١ هـ) وله إذ ذاك ٦٥ سنة ٥ / ١٥٢، وتوفى بالطائف فصلّى عليه ابن عبّاس ٥ / ١٥٤.

(١) رؤوس الجبال، ولا يصحّ: شعب الجبال. انظر: مجمع البحرين.

٨٨

بلد حتّى تنظر إلى ما يصير النّاس، وتعرف عند ذلك الرأي؛ فانّك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً [ حين ] تستقبل الأمور استقبال، ولا تكون الأمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدبار.

فقال [ له الحسينعليه‌السلام ]« يا أخي، قد نصحت فأشفقت، فأرجو أنْ يكون رأيك سديداً موفّقاً » (١) .

[ خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة ]

[ وقد كان الحسينعليه‌السلام قال للوليد ]:« كفّ حتّى تنظر وننظر، وترى ونرى » . فتشاغلوا عن الحسينعليه‌السلام بطلب عبد الله [ بن الزبير اليوم الأوّل، ثمّ يوم خروجه ] حتّى أمسوا. [ فلمّا أمسوا ] بعث [ الوليد ] الرجال إلى الحسينعليه‌السلام عند المساء [ من هذا اليوم الثاني السّبت، السّابع والعشرين من شهر رجب ] فقالعليه‌السلام :« أصبحوا ثمّ ترون ونرى » .

فكفّوا عنه تلك اللّيلة [ الثانية، أي: ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر رجب ] ولمْ يلحّوا عليه.

فخرج الحسينعليه‌السلام من تحت ليلته هذه [ الثانية ]، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستّين [ من الهجرة ] ببنيه وإخوته وبني أخيه وجُلّ أهل بيته، إلاّ محمّد بن الحنفيّة(٢) ، وهو يتلو هذه الآية:( فَخَرَجَ مِنْهَا

____________________

(١) ٥ / ٣٤١. قال هشام بن محمّد: عن أبي مِخْنف ورواه المفيد / ٢٠٢، والخوارزمي / ١٨٨، بزيادات.

وأضاف الخوارزمي، عن ابن الأعثم وصيّة الإمامعليه‌السلام لابن الحنفيّة:« أمّا بعد، فإنّي لمْ أخرج » . وزاد: (وسيرة الخلفاء الراشدين)!

(٢) ٥ / ٣٤٠،٣٤١. وتاريخ الخروج في ص /٣٨١ - أيضاً -: عن أبي مِخْنف عن الصقعب بن زهير، عن عون بن أبي جحيفة.

والمفيد / ٢٠٩، والسّبط / ٢٣٦، يقولا: وخرج الحسينعليه‌السلام في اللّيلة الآتية بأهله وفتيانه، وقد اشتغلوا عنه بابن الزبير.

ويرويه أيضاً [ السبط ] / ٢٤٥، عن محمّد بن إسحاق وهشام: يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب.

وقال الخوارزمي / ١٨٩: لثلاث مضين من شهر شعبان.

٨٩

خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) . فلمّا دخل مكّة تلا هذه الآية:( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل ) (٢) و(٣) .

____________________

(١) سورة القصص / ٢١.

(٢) سورة القصص / ٢٢.

(٣) ٥/ ٣٤٣. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف

٩٠

موقف عبد الله بن عمر:(١)

ثمّ بعث الوليد إلى عبد الله بن عمر، فقال [ له ]: بايع ليزيد. فقال: إذا بايع النّاس بايعت(٢) . فقال [ له ]: رجل ما يمنعك أنْ تبايع، إنذما تريد أنْ يختلف النّاس بينهم فيقتتلوا ويتفانوا، فإذا جهدهم ذلك، قالوا: عليكم بعبد الله بن عمر، لمْ يبقَ غيره بايعوه. [ فـ ] -قال عبد الله: ما أحببت أنْ يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا، ولكن إذا بايع النّاس ولمْ يبقَ غيري بايعت. فتركوه، وكانوا لا يتخوّفونه.

____________________

(١) ٥ ٣٤٢. بلفظ، قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ثمّ قال: وزعم الواقدي (ت ٢٠٧ هـ) أنّ ابن عمر لمْ يكن بالمدينة حين ورود نعي معاوية وبيعة يزيد على الوليد.

وكذلك رواه السّبط / ٢٣٧: وأن ابن الزبير والحسينعليه‌السلام لمّا دعيا إلى البيعة ليزيد أبيا وخرجا من ليلتهما إلى مكّة، فلقيهما ابن عبّاس وابن عمر جائيين من مكّة، فسألاهما ما وراءكم؟ قالا: موت معاوية والبيعة ليزيد. فقال ابن عمر: اتّقيا الله، ولا تفرّقا جماعة المسلمين. وقدم فأقام أيّاماً ينتظر حتّى جاءت البيعة من البلدان، فتقدّم هو وابن عبّاس فبايعاه.

(٢) كما عرّفه بهذا معاوية في وصيته، ومروان في مشورته على الوليد، كما مرّ.

٩١

[ الإمام الحسين عليه‌السلام في مكّة ]

[ مكّة ]

[ الحسينعليه‌السلام في طريقه إلى مكّة ]

قال عقبة بن سمعان خرجنا [ من المدينة ] فلزمنا الطريق الأعظم، فقال للحسين [عليه‌السلام بعض ] أهل بيته: لو تنكّبت الطريق الأعظم، كما فعل ابن الزبير، لا يلحقك الطلب؟ قالعليه‌السلام :« لا والله، لا أفارقه حتّى يقضي الله ما هو أحبّ إليه » (١) .

[ عبد الله بن مطيع العدوي ](٢)

فاستقبلنا عبد الله بن مطيع، فقال للحسينعليه‌السلام : جعلت فداك، أين تريد؟ قالعليه‌السلام :« أمّا الآن فإنّي أريد مكّة؛ وأمّا بعدها

____________________

(١) ٥ / ٤٥١. حدّثت عن هشام بن محمّد عنه - أي: أبي مِخْنف - قال حدّثني عبد الرحمن بن جندب، قال: حدّثني عقبة بن سمعان، مولى الرباب بنة امرئ القيس الكلبية، امرأة الحسينعليه‌السلام وأمّ سكينة بنة الحسينعليه‌السلام . وقد سبقت ترجمته.

ورواه المفيد / ٢٠٢، والخوارزمي / ١٨٩: ينسب الكلام إلى مسلم بن عقيلعليه‌السلام .

(٢) قرشي ولد على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان على قريش مع أهل المدينة في خروجهم على يزيد ٥ /٤٨١، ثمّ لحق بابن الزبير في مكّة فحارب معه، ثمّ ولي من قبله على الكوفة ٥ / ٦٢٢، واليعقوبي ٣ / ٣ - ٥ والمسعودي ٣ / ٨٣، والخوارزمي ٢ / ٢٠٢، نقلاً عن محمّد بن إسحاق، وكان يعارض المختار حتّى أخرجه المختار من الكوفة ٦ / ٣١ وسيروي الطبري، عن هشام عن أبي مِخْنف، عن محمّد بن قيس ٥ / ٣٩٥ لقاء آخر لابن مطيع مع الإمامعليه‌السلام في بعض مياه العرب، بعد الحاجر وقبل زرود.

٩٢

فإنّي أستخير الله.

[ فـ ] -قال [ عبد الله ] خار الله لك، وجعلنا فداك فاذا أنت أتيت مكّة فإيّاك أنْ تقرب [ الكوفة ] فانّها بلدة مشؤومة؛ بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه، ألزم الحرم، فانّك سيّد العرب لا يعدل بك والله، أهل الحجاز أحداً، ويتداعى إليك النّاس من كلّ جانب، لا تفارق الحرم، فداك عمّي وخالي فوالله، لئن هلكت لنسترقنّ بعدك(١) .

[ الحسينعليه‌السلام في مكّة ]

فأقبل حتّى نزل مكّة(٢) ، ودخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان(٣) . فاقام بمكّة: شعبان وشهر رمضان، وشوّال وذا القعدة إلى ثماني ذي الحجّة(٤) .

فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه، ومَن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق.

وابن الزبير بها قد لزم الكعبة، فهو قائم يصلّي عامّة النّهار ويطوف ...، ويأتي حسيناًعليه‌السلام فيمَن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين، ويأتيه بين كلّ

____________________

(١) ورواه السّبط / ٢٤٣: عن هشام بن إسحاق. والخوارزمي / ١٨٩: عن ابن الأعثم.

(٢) ٥ /٣٥١. من خبر عقبة، أيضاً.

(٣) ٥ / ٣٨٧. قال أبو مِخْنف: حدّثني الصقعب بن زهير، عن عون بن أبي جحيفة.

وقد كان خروجهعليه‌السلام من المدينة ليومين بقيا من رجب، وعلى هذا يكون قد قطع المسافة من المدينة إلى مكّة في خمسة أيّام فقط، والمسافة: (٥٠٠) كيلومتر تقريباً، فيكون قد قطععليه‌السلام في كلّ يوم وليلة: مئة كيلومتر تقريباً - أي: ما يقرب من (١٨) فرسخ - وهذا ضعف مقدار المسافة اليوميّة العادية - ٨ فراسخ -؛ ويستفاد من هذا: أنّهعليه‌السلام وإنْ لمْ يتنكّب الطريق الأعظم مخافة الطلب - كما سلف - لِمَا فيه من الخوف والفرار المشين على الإمامعليه‌السلام ، إلاّ أنّه أسرع في سفره.

(٤) ٥ / ٣٨١. من خبر عون بن أبي جحيفة أيضاً. ورواه السّبط أيضاً، عن هشام / ٢٤٥.

٩٣

يومين مرّة ولا يزال يُشير عليه بالرأي، وهوعليه‌السلام أثقل خلق الله على ابن الزبير؛ [ لأنّه ] عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه، ولا يتابعونه أبداً ما دام الحسينعليه‌السلام بالبلد، وأنّ حسيناًعليه‌السلام أعظم في أعينهم وأنفسهم، وأطوع في النّاس منه(١) .

[ كتب أهل الكوفة ](٢)

فلمّا بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية، أرجف أهل العراق بيزيد، وقالوا:

____________________

(١) ٥ / ٣٥١. من خبر عقبة أيضاً، ورواه المفيد / ٢٠٢.

(٢) وكان بالكوفة ممّن شهد القادسيّة ثلاثون ألفاً - ٤ / ٧٥ -، واستقضى عمر شريح بن الحراث الكندي على الكوفة سنة ثمانية عشر - ٤ / ١٠١ - وفي سنة عشرين عزل عمر سعداً عن الكوفة لشكايتهم إيّاه، وقالوا: لا يحسن أنْ يصلّي! وفيها أجلى عمر يهود نجران إلى الكوفة - ٤ / ١١٢ -.

وفي سنة إحدى وعشرين ولّى عمّار بن ياسر على الكوفة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض والخراج فشكا أهل الكوفة عمّارا فاستعفى عمّار - ٤ / ١٤٤ -، وأمر أبا موسى الأشعري عليهم بعد عمّار، فأقام عليهم سنة فشكوه، فعزله واستعمل المغيرة بن شعبة. وفي الكوفة مئة ألف مقاتل - ٤ / ١٥٦ -، وكان في الكوفة إذ ذاك أربعون ألف مقاتل، وكان يغزو الثغر منهم في كلّ سنة عشرة الآف فكان الرجل يصيبه في كلّ أربع سنين غزوة - ٤ / ٢٤٦ -.

وفي سنة ٣٧ أمرهم أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنْ يكتب رئيس كلّ قوم ما في عشيرته من المقاتلة وأبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال وعبدان عشيرتهم ومواليهم، فيرفعون ذلك إليهعليه‌السلام فرفعوا إليه أربعين ألف مقاتل، وسبعة عشر من الأبناء ممّن أدرك، و ثمانية الآف من مواليهم وعبيدهم، فهؤلاء خمس وستّون ألف مقاتل - ٥ / ٧٩ - فيهم ثمان مئة من أهل المدينة - ٤ / ٨٥ -

وجعلهم سعد أسباعاً، فصارت كنانة وحلفاؤها من الأحابيش وجديلة سبعاً، وقضاعة وبجيلة وخثعهم وكندة وحضرموت والأزد سبعاً، ومذحج وحمير وهمدان وحلفاؤهم سبعاً، وتميم وهوازن والرباب سبعاً، وأسد وغطفان ومحارب والنمر وضبيعة وتغلب سبعاً، وأياد وعك وعبد القيس وأهل هجر وحمراء الديلم سبعاً، فلمْ يزالوا كذلك زمان عمر وعثمان وعليعليه‌السلام حتّى ربّعهم زياد - ٤ / ٤٨ -.

فكان عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان، وقيس بن الوليد بن عبد شمس على ربع ربيعة وكندة، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري على مذحج وأسد، وكلّهم شهدوا على حجر وأصحابه - ٥ / ٢٦٨ -.

٩٤

قد امتنع حسينعليه‌السلام وابن الزبير ولحقا بمكّة(١) .

(٢) [ قال ] محمّد بن بشر الهمداني: اجتمعـ [ نا ] في منزل سليمان بن ُصرد [ الخزاعي(٣) فخطبنا ]، فقال: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناًعليه‌السلام قد تقبّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكّة وأنتم شيعته وشيعة أبيه؛ فإنْ كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه، فاكتبوا إليه، وإنْ خفتم الوهل(٤) والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.

[ فـ ] -قالوا: لا، بل نقاتل عدوّه، ونقتل أنفسنا دونه. قال: فاكتبوا إليه(٥) . فكتبوا إليه:

(بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي، من سليمان بن ُصرد والمسيّب بن نجبة(٦) ،

____________________

(١) ٥ / ٣٥١. من خبر عقبة، أيضاً.

(٢) ٥ / ٣٥٢. قال أبو مِخْنف: فحدّثني الحجّاج بن علي، عن محمّد بن بشر الهمداني قال:

(٣) ذكره الكشّي في رجاله / ٦٩، الحديث / ١٢٤، عن الفضل بن شاذان تحت عنوان: من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم. وذكره الشيخ في رجاله / ٤٣ في: أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، إلاّ أنّه قال: المتخلف عنه يوم الجمل المروي كذباً عذره. وقد روى التخلّف والعذر نصر بن مزاحم في كتابه / ٦، فقال، قال له عليعليه‌السلام :« ارتبت وتربّصت وراوغت، وقد كنت من أوثق النّاس في نفسي وأسرعهم فيما أظنّ إلى نصرتي » . فقال: يا أمير المؤمنين استبق مودّتي تخلص لك نصيحتي، وقد بقيت أمور تعرف فيها وليّك من عدوّك. فسكت عنه، ثمّ جعله عليعليه‌السلام على رجّالة الميمنة في صفّين - صفّين / ٢٠٥ -، فبارز حوشب سيّد اليمن من أهل الشام فقتله، وهو يقول:

أمسى عليعليه‌السلام عندنا محبباً

نفديه بالاُمّ ولا نبغي أباً

[ انظر ] صفّين / ٤٠١.

وضرب وجهه بالسّيف في صفّين - صفّين / ٥١٩ -، وعدّه أبو مِخْنف من الصحابة ومن رؤساء الشيعة - الطبري ٥ / ٥٥٢ -، وكان قائد التوّابين سنة (٦٤هـ) - ٥ / ٥٥٥ -، وكان اعتذاره: ادّهنا وتربّصنا وانتظرنا ما يكون حتّى قُتل - ٥ / ٥٥٤ -.

(٤) أي: الفزع. انظر: مجمع البحرين.

(٥) ورواه الخوارزمي - بتفصيل - / ١٩٣.

(٦) ذكره الكشّي في رجاله / ٦٩، الحديث / ١٢٤، بعنوان: من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم.

وذكره الشيخ في رجاله ص/ ٥٨، برقم / ٨: في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وفي أصحاب الإمام الحسن ص / ٧٠ برقم / ٤. وأضاف الفزاري: كان من رؤساء الجماعة الذين خفّوا لنصرة عليعليه‌السلام من الكوفة إلى البصرة، كما في الطبري / ٤ ٤٤٨. ووجّهه الإمام عليعليه‌السلام مع بشر و كثير من قومه لمقاومة غارة عبد الله بن مسعدة الفزاري ٥ / ١٣٥. وكان قائد التوّابين بعد سليمان بن ُصرد، فقُتل معهم سنة (٦٥ هـ) ٥ / ٥٩٩.

٩٥

ورفاعة بن شدّاد(١) ، وحبيب بن مظاهر(٢) ، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة.

سلام عليك:

فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة، فابتزّها وغصبها فيئها، وتأمر عليها بغير رضى منها، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود.

____________________

(١) ذكره الكشّي في رجاله / ٦٥، الحديث / ١١٨: ممّن دفن أباذر، من الصالحين.

وذكره الشيخ في رجاله ص / ٤١: في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام . وص / ٦٨: في أصحاب الإمام الحسنعليه‌السلام . وزاد البجلي: وكان في صفّين مع عليعليه‌السلام على بني بجلة (بجيلة) صفّين / ٢٠٥، ثمّ أصبح من أصحاب حجر بن عدي وعمرو بن الحمق، فذهب مع عمرو - لمّا طلبه زياد بن أبيه - إلى جبال الموصل فأخذ عمرو، وفرّ شدّاد بفرسه - ٥ / ٢٦٥ -.

وكان ثاني مَن خطب من رؤساء التوّابين - ٥ / ٥٥٣ -، وإليه فوّض تعبئة التوّابين - ٥ / ٥٨٧ -. وكان الأمير الأخير للتوّابين - ٥ / ٥٩٦ -، وكان قصّاصاً يقصّ على أهل الميمنة، يحثّهم على القتال - ٥ / ٥٩٨ -، وكان يقاتل - ٥ / ٦٠١ -، ولكنّه رجع بالنّاس ليلاً حتّى دخل الكوفة - ٥ / ٦٠٥ - فتراسل المختار - ٦ / ٨ - وأخذ له البيعة - ٦ / ٩ -، ولكنّه خرج عليه مع اليمنيين بالكوفة فكان يصلّي بهم - ٦ / ٤٧ -، ثمّ لمّا سمع رجلاً من همذان، يقول: يا لثارات عثمان! - في جواب أصحاب المختار، يا لثارات الحسينعليه‌السلام ! - قال لهم رفاعة بن شدّاد: ما لنا ولعثمان؟ لا أقاتل مع قوم يبغون دم عثمان، فعطف عليهم يقول:

أنا ابن شدّاد على دين علي

لست لعثمان بن أروى بولي

فقُتل عند حمّام المهبذان بالسّبخة، وكان ناسكاً ٦ / ٥٠.

(٢) كان على ميسرة أصحاب الحسينعليه‌السلام ٥ / ٤٢٢ وتفاخر بقتله الحصين بن تميم فعلّق رأسه في لبان فرسه. وقتل ابنه القاسم بن حبيب قاتله بديل بن صريم التميمي قصاصاً، وهما في عسكر مصعب بن الزبير في غزو باجميرا ٥ /٤٤٠.

٩٦

إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقّ، والنّعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إنْ شاء الله، والسّلام عليك ورحمة الله(١) .

ثمّ سرّحنا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني(٢) وعبد الله بن وال [ التميمي ](٣) .

فخرج الرجلان مسرعين حتّى قدما على الحسينعليه‌السلام بمكّة، لعشر مضين من شهر رمضان(٤) .

ثمّ لبثنا يومين، ثمّ سرّحنا إليه قيس بن مسهر الصيداوي(٥) وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي(٦) وعمارة بن عبيد السّلولي(٧) ، فحملوا معهم

____________________

(١) ورواه الخوارزمي / ١٩٤.

(٢) ذكره المفيد ص /٢٠٣: عبد الله بن مسمع. والخوارزمي ص / ١٩٤: عبد الله بن سبيع، وقُتل مع الحسينعليه‌السلام .

(٣) ذكره السّبط ص /١٩٤: عبد الله بن مسمع البكري.

واكتفى بذكر اسمهما الشيخ الطوسي (ره) - رجال الشيخ /٧٧ -، فقال: عبد الله وعبيد الله معروفان، وعبد الله بن وال التميمي كان القائد الثالث للتوّابين، فقُتل ٥ / ٦٠٢.

(٤) ورواه المفيد / ٢٠٣، والسّبط / ٢٤٤.

(٥) الأسدي، رجع إلى العراق مع مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، فلمّا تضايق به الأمر في بطن المضيق، أرسله بكتابه إلى الحسينعليه‌السلام ٥ / ٣٥٤، فرجع مع الإمامعليه‌السلام حتّى بلغ بطن الحاجر، فبعثه بكتابه إلى أهل الكوفة حتّى انتهى إلى القادسيّة، فأخذه الحصين بن تميم التميمي فبعث به إلى ابن زياد، فأمر به فرمي من فوق القصر فقُطّع فماترحمه‌الله ٥ / ٣٩٥.

فلمّا بلغ الحسينعليه‌السلام إلى عذيب الهجانات، بلغه خبره فترقرقت عيناه ولمْ يملك دمعه، وقال:( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ( سورة الأحزاب / ٢٣ ) .

اللهمّ، اجعل لنا ولهم الجنّة نزل، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ورغائب مذخور ثوابك » ٥ / ٤٠٥.

(٦) ذكره المفيد / ٢٠٣، باسم: عبد الله و عبد الرحمن شدّاد الأرحبي. والسّبط / ١٩٤: عبد الله بن عبد الرحمن، وكان مع مسلم إلى العراق ٥ / ٣٥٤.

(٧) ذكره الخوارزمي /١٩٥: عامر بن عبيد. وذكره المفيد / ٢٠٣، والسّبط / ٢٤٤: عمارة بن عبد الله السّلولي. كان مع مسلم إلى العراق ٥ / ٣٥٤ وفي بيت هانئ ٥ / ٣٦٣، ثمّ لمْ يُعلم أثره بعدُ.

٩٧

نحواً من [ مئة ] وخمسين صحيفة(١) من الرجل والاثنين والأربعة.

قال: ثمّ لبثنا يومين آخرين، ثمّ سرّحنا إليه هانئ بن هانئ السّبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي(٢) وكتبنا معهما: بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي، من شيعته من المؤمنين والمسلمين، أمّا بعد، فحيّ هلاّ؛ فإنّ النّاس ينتظرونك، ولا رأي لهم في غيرك، فالعجل العجل! والسّلام عليك(٣) .

وكتب شبث بن ربعي(٤) .

____________________

(١) النصّ في الطبري: نحواً من ثلاثة وخمسين، ولكن الشيخ المفيد ذكر العدد: ٢٠٣، مئة وخمسين وكذلك السّبط: ٢٤٤، عن هشام ومحمّد بن إسحاق، وكذلك الخوارزمي / ١٩٥، عن ابن الأعثم؛ فالظاهر أنّ (الثلاثة) في الطبري تصحيف لـ (المئة).

(٢) سيأتي أنّهما رجعا إلى أهل الكوفة بجواب الإمامعليه‌السلام ؛ فأمّا هانئ فلمْ يُعلم أثره؛ وأمّا الحنفي فإنّه لحق بالإمامعليه‌السلام فقُتل معه.

(٣) ورواه المفيد / ٢٠٣، والسّبط / ٢٤٤.

(٤) اليربوعي التميمي ٥ / ٣٦٩، كان مؤذّن سجاح المضريّة مدّعية النبوّة ٣ / ٢٧٣، ثمّ أسلم، وكان ممّن أعان على عثمان ثمّ صحب عليّاًعليه‌السلام ، فكان في صفّين معه على بني عمرو بن حنظلة في الكوفة، صفّين / ٢٠٥. وفي النّهروان على ميسرة عليعليه‌السلام طبري ٥ / ٨٥. وكان الرسول بين عليعليه‌السلام ومعاوية مع جماعة صفّين / ٩٧.

شهد على حجر بن عدي بالخروج على زياد ٥ / ٢٦٩، ثمّ حضر قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان على الرجّالة يوم عاشوراء ٥ / ٤٢٢، وكانوا يرون منه الكراهة لقتال الإمامعليه‌السلام ، فإنّه لمّا قال له ابن سعد: ألاَ تقدم إلى الرماة تكون عليهم فترمى الحسينعليه‌السلام ؟ قال له: سبحان الله! أتعمد إلى شيخ مضر وأهل المصر عامة تبعثه في الرماة، لمْ تجد مَن تندب لهذا ويجزي عنك غيري؟

وكان يقول بعد ذلك: لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً، ولا يسدّدهم لرشد، ألاَ تعجبون أنّا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعد آل أبي سفيان خمس سنين! ثمّ عدونا على ابنه، وهو خير أهل الأرض، نقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية! ضلال يا لك من ضلال ٥ / ٤٣٢ - ٤٣٧، وهو الذي لام أهل الكوفة لفرحهم بقتل ابن عوسجة ٥ / ٤٣٦، ولكنّه خاف ابن زياد من مواقفه هذه فبنى مسجداً إظهاراً للفرح بقتل الحسين ٦ / ٢٢، ثمّ حارب المختار في ثلاثة الآف لابن المطيع عن ابن الزبير ٦ / ٢٣.

٩٨

وحجّار بن أبجر(١) ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم(٢) ، وعزرة بن قيس(٣) .

____________________

(١) العجلي ٥ / ٣٦٩، كان أبوه نصرانياً، وكان له منزلة فيهم ٥ / ١٤٥، وكان ممّن شهد على حجر بن عدي لزياد ٥ / ٢٧٠، ورفع راية الأمان لابنه يوم خروج مسلم ٥ / ٣٦٩، وأنكر كتابه للامامعليه‌السلام يوم عاشوراء ٥ / ٤٢٥ ثمّ حارب المختار ٦ / ٢٢، ثمّ حارب عبد الله بن الحرّ لمصعب فانهزم أمامه فشتمه مصعب وردّه ٦ / ١٣٦.

ثمّ كان فيمن كتب إليهم عبد الملك بن مروان من أهل الكوفة، فشرطوا عليه ولاية إصبهان فأنعم بها لهم كلّهم ٦ / ١٥٦، ولكنّه كان قد خرج مع مصعب متظاهراً بقتال عبد الملك، فلمّا دعاه مصعب للحرب، قال: إلى هذه العذرة؟ ٦ / ١٥٨ وكان حيّاً إلى سنة (٧١هـ)، ثمّ لمْ يُعلم أثره.

(٢) أبو حوشب الشيباني، أنكر كتابه يوم عاشوراء ٥ / ٤٢٥، فلمّا قُتل يزيد وخلّف عبيد الله بن زياد على الكوفة عمرو بن حريث فدعا إلى بيعة ابن زياد، قام يزيد بن الحارث هذا، فقال: الحمد لله الذي أراحنا من ابن سميّة، لا، ولا كرامة. فأمر به عمرو بن حريث أنْ يسجن فحالت بنوبكر بن وائل دون ذلك ٥ / ٥٢٤، ثمّ أصبح من أصحاب عبد الله بن يزيد الخطمي الآنصاري، والي الكوفة لابن الزبير قبل ابن مطيع. فكان يحثّه على قتال سليمان بن ُصرد وأصحابه قبل خروجهم ٥ / ٥٦١ ٥٦٣، ثمّ كان يحثّه على حبس المختار ٥ /٥٨٠، ثمّ بعثه ابن مطيع إلى جبّانة مراد؛ لقتال المختار ٦ / ١٨ وفي ألفين إلى سكّة لحّام جرير، فوقفوا في أفواه السكك ٦ / ٢٦ ووضع رامية على أفواه السكك فوق البيوت، فمنع المختار من دخول الكوفة ٦ / ٢٨.

ثمّ ثار على المختار في إمارته ببني ربيعة ٦ / ٤٥، فانهزم بأصحابه ٦ / ٥٢، ثمّ كان فيمن حارب الأزارقة الخوارج مع الحارث بن أبي ربيعة والي ابن الزبير على الكوفة سنة (٦٨هـ) ٦ / ١٢٤، فأمره مصعب على المدائن ٦ / ١٣٤، ثمّ ولي لعبد الملك بن مروان على الري سنة (٧٠ هـ) ٦ / ١٦٤، فقتله الخوارج. إبصار العين / ١٥.

وكان جدّه يزيد بن رويم الشيباني على ذهل الكوفة مع عليعليه‌السلام بصفّين، صفّين / ٢٠٥.

(٣) الأحمسى كان من الشهود على حجر بن عدي ٥ / ٢٧٠؛ ولهذا كتب إلى الإمامعليه‌السلام ليكفّر ذلك؛ ولهذا استحيا أنْ يأتي الإمامعليه‌السلام من قبل ابن سعد فيسأله ما الذي جاء به ٥ / ٤١٠؛ ولهذا أيضاً أجابه زهير بن القين عشيّة التاسع من المحرّم يعرّض به: أما والله، ما كتبت إليه كتاباً قطّ، ولا أرسلت إليه رسولاً قطّ، ولا وعدته نصرتي قطّ. وكان عزرة عثمانياً، فقال لزهير: ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت، إنّما كنت عثمانيّاً ٥ / ٤١٧. وجعله عمر على الخيل يوم عاشوراء، وكان يحرسهم باللّيل ٥ / ٤٢٢، فكان أصحاب الإمامعليه‌السلام لا يحملون على خيله إلاّ ويكشفونه، فشكى ذلك إلى ابن سعد وطلب منه أنْ يعفيه من ذلك، ويبعث إليهم الرجّالة والرماة، ففعل ٥ / ٤٣٦.

ثمّ كان فيمَن حمل رؤوس أصحاب الإمامعليه‌السلام إلى ابن زياد ٥ / ٤٥٦، ثمّ لمْ يُعلم أثره.

٩٩

وعمرو بن الحجّاج الزبيدي(١) ومحمّد بن عمر التميمي(٢) :

أمّا بعد، فقد اخضرّ الجنان وأينعت الثمار، وطمّت الجُمام(٣) ، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنّد. والسّلام عليك(٤) .

____________________

(١) كان فيمَن شهد على حجر بن عدي ٥ /٢٧٠، وكانت أخته روعة بنت الحجّاج تحت هانئ بن عروة، وهي اُمّ يحيى بن هانئ ٥ / ٣٦٤، فلمّا قُتل هانئ أقبل في جمع عظيم من مذحج، فلمّا أخبرهم شريح بحياة هانئ تفرّقوا ٥ / ٣٦٧.

ثمّ حضر كربلاء فبعثه عمر بن سعد على خمسمئة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الإمامعليه‌السلام وأصحابه وبين الماء، وذلك قبل القتل بثلاث ٥ / ٤١٢.

ولام ابن سعد على تريّثه عن إجابة الإمام إلى استمهال ليلة العاشر ٥ / ٤١٧، ثمّ كان على ميمنة عمر بن سعد يوم العاشر ٥ / ٤٢٢ من نحو الفرات فحمل بهم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه، وكان يحرّضهم على قتلهم ٥ / ٤٣٥، ثمّ كان ممّن حمل رؤوسهم إلى الكوفة ٥ / ٤٥٦، ثمّ كان مع ابن مطيع على المختار ٦ / ٢٨، في ألفي رجل من سكّة الثوريّين ٦ / ٢٩، ثمّ في جبّانة مراد بمن تبعه من مذحج ٦ / ٤٥، فلمّا غلب المختار ركب راحلة فأخذ طريق شراف وواقصة، فلمْ يُرَ بعد ذلك ٦ / ٥٢.

(٢) ابن عطارد، كان ممّن شهد على حجر بن عدي ٥ / ٢٧٠، وكان على مضر في محاربة المختار ٦ / ٤٧، ثمّ بايع المختار فبعثه والياً على آذربايجان ٦ / ٣٤. وكان مع الحارث بن أبي ربيعة والي الكوفة لابن الزبير في قتال إلاّزارقة الخوارج ٦ / ١٢٤، وكان ممّن كاتبه عبد الملك بن مروان من مروانيّة الكوفة ٦ / ١٥٦، ثمّ ولاه همدان ٦ / ١٦٤، ثمّ رجع إلى الكوفة فكان بها في ولاية الحجّاج سنة (٧٥هـ) ٦ / ٢٠٤، ثمّ لمْ يُعلم أثره.

وكان أبوه عمير بن عطارد على تميم الكوفة مع عليعليه‌السلام بصفّين - صفّين / ٢٠٥ -، ثمّ هو ممّن سعى في دم عمرو بن الحمق الخزاعي عند زياد حتّى لامه على ذلك عمرو بن حريث وزياد. انظر: الطبري ٥ / ٢٣٦.

(٣) الجمام جمع: جمّة، وهي مجتمع الماء. وطمّت، أي: علت المياه وغمرت. وانظر أهل الدنيا كيف يحسبون أنّ الدنيا من دواعي إقبال الإمامعليه‌السلام إليهم، يا لقصر العقول!

(٤) ورواه المفيد / ٢٠٣، والسّبط / ٢٤٤.

١٠٠