ثم شيعني الالباني

ثم شيعني الالباني0%

ثم شيعني الالباني مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 305

  • البداية
  • السابق
  • 305 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65164 / تحميل: 6501
الحجم الحجم الحجم
ثم شيعني الالباني

ثم شيعني الالباني

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
العربية

ثمّ شيّعني الألباني

تأليف: الشيخ عبد الحميد الجاف

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

مركز الأبحاث العقائدية :

إيران ـ قم المقدسة ـ صفائية ـ ممتاز ـ رقم ٣٤

ص ب : ٣٣٣١ / ٣٧١٨٥

الهاتف : ٧٧٤٢٠٨٨ (٢٥١) (٠٠٩٨)

الفاكس : ٧٧٤٢٠٥٦ (٢٥١) (٠٠٩٨)

العراق ـ النجف الأشرف ـ شارع الرسول (صلى الله عليه وآله)

جنب مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله

ص ب : ٧٢٩

الهاتف : ٣٣٢٦٧٩ (٣٣) (٠٠٩٦٤)

الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

شابك (ردمك) :

٢

ثمّ شيّعني الألباني

تأليف: الشيخ عبد الحميد الجاف

الطبعة الأولى: ٢٠٠٠ نسخة

سنة الطبع: ١٤٣٠هـ

المطبعة ستارة

* جميع الحقوق محفوظة للمركز *

٣

مقدّمة المركز

بقلم الشيخ محمّد الحسّون

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على حبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا، النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

والحمدُ لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ لنا الإسلام ديناً، بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين وبعد.

شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تحولاً مذهبيّاً كبيراً، وانتقالاً إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) لا يمكن لأيّ منصفٍ أن ينكره، ممّا حدى برجال دين وقادة سياسيين في الدول العربيّة وغيرها، إلى الحديث عن هذه الظاهرة، بل التنبيه والتحذير منها.

ولا نبالغ إن قلنا: إنّ عدد هؤلاء المتحوّلين يصل إلى مئات الآلاف، بل عدّة ملايين، وقد ذكرنا أدلّتنا على ذلك في بعض ما كتبناه سابقاً عن هذا الموضوع، وبعض اللقاءات في الفضائيات وغرف البالتوك

والقاسم المشترك لهؤلاء المتحوّلين، الذي جعلهم يتركون مذهبهم السابق الذي تعبّدوا الله به ردحاً من الزمن، وترك موروثهم الديني الذي ورثوه من

٤

آبائهم وأجدادهم، هو قناعتهم الكاملة بوجوب التعبّد بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، المبنيّ أساساً على استحقاق سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) للخلافة والإمامة بعد رحيل النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الرفيق الأعلى.

وهذه القناعات التي تولّدت عند هذا العدد الكبير من المسلمين المستبصرين، كانت نتيجةً للتطوّر الحاصل في وسائل الإعلام والارتباط في العالم، الذي كان لأتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) نصيب فيها، بامتلاك عدّة فضائيات ومواقع على الإنترنيت وغرف في البالتوك.

وعند ذلك بدأ العلماء والمثقفون المنصفون الباحثون عن الحقيقة، بالاطلاع عل أدلّتنا وحججنا على عقائدنا عموماً، وفي مقدّمتها الأدلّة على ولاية علي بن أبي طالب(عليه السلام).

وبدأ الكثير من المستبصرين بتدوين تجاربهم الجديدة في التحوّل المذهبي، في كتب مستقلّة أو مقالات نُشرت هنا وهناك، بيّنوا فيها الأسباب التي دعتهم لترك مذهب الآباء والأجداد نحتفظ بالكثير منها في مركز الأبحاث العقائديّة، وقمنا بوضع بعضها في موقع المركز.

حتّى أنّ بعضهم جعل سبب استبصاره عنواناً لما كتبه من كتب ومقالات، مثل: " لقد شيّعني الحسين(عليه السلام) "، و" بنور فاطمة اهتديت "، و" مظلوميّة الزهراء وأهل البيت(عليهم السلام) عناصر تشيّعي "، و" عقيدة أهل البيت(عليهم السلام) في التوحيد هي التي شيّعتني"، و"شيّعني حديث الاثني عشر خليفة"، و"حديث انقسام الأمّة والفرقة الناجية هو الذي شيّعني"، و"الكذب على الشيعة هو الذي شيّعني"،

"شيّعتني آية الوضوء"، و"شيّعني حديث الطائفة الظاهرة على الحقّ"، و"مودّة

٥

قربى النبيّ(صلى الله عليه وآله) عند الشيعة هي التي شيّعتني"، و"شيّعتني الحجج التي في كتب السّنة المعتمدة"، و"شيّعني حديث الثقلين"، و"حديث الغدير وحادثته هما اللذان شيّعاني"، و"رزيّة الخميس هي التي شيّعتني"، و"فوجئت بحقيقة الشيعة والتشيّع فتشيّعت"، و"وسطية الشيعة ودعوتهم إلى الوحدة الإسلامية والعمل من أجلها هما عوامل تشيّعي"، و"تناقض القائلين بالشورى في الحكم هو الذي شيّعني"، و"شيّعتني روحيّة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) "، و"شيّعتني فطرتي وكتاب المراجعات"

والكتاب الذي نقدّم له، هو أحد تلك الكتب الكثيرة التي جعل مؤلّفه الكريم سبب استبصاره عنواناً له " ثمّ شيّعني الألباني "، وعند مطالعته سوف نعرف كيف أنّ هذا العالم السلفي صار سبباً لاستبصار الأخ العزيز الشيخ عبد الحميد الجاف حفظه الله ورعاه وسدّد خطاه.

فمن هو الألباني؟

وكيف تأثّر بأسلافه ابن تيميّة وابن قيّم الجوزية ومحمّد بن عبد الوهاب؟

ومَن وقف ضدّه من العلماء من أتباع مدرسة الخلفاء؟ ولماذا سُجن مدّة من الزمن؟

وكيف انتقد الألباني الكثير من علماء السلف؟

ولنا وقفة قصيرة مع هذا الكتاب ومؤلّفه.

٦

الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني

هو محمّد ناصر الدين بن نوح نجاتي بن آدم، الملقّب بـ (( الألباني )) نسبةً إلى بلده ألبانيا، المكنّى بأبي عبد الرحمن.

ولد سنة ١٣٣٢هـ في مدينة (( أشقودرة )) عاصمة (( ألبانيا )) في ذلك الوقت، ونشأ في أسرة فقيرة بعيدة عن الغنى، وكان والده الحاج نوح نجاتي قد تخرّج من المعاهد الشرعيّة في العاصمة العثمانية (( الآستانة ))، ورجع إلى بلاده لتعليم الناس أحكام دينهم.

ولمّا تولّى الحكم في (( ألبانية )) الملك أحمد زوغو، وسار على نهج جيرانه من أهل الكتاب، هاجر الحاج نوح نجاتي إلى دمشق واستقرّ بها، وكان عمر ولده آنذاك تسع سنوات، فأدخله المدرسة الابتدائية، ثمّ لم يسمح له بإكمال دراسته في المدارس الحكوميّة، بل أخذ يدرسّه بنفسه الصرف والنحو وتجويد القرآن ومقدمات الفقه الحنفي، ثمّ عهد بتدرسه إلى صديقه الشيخ سعيد البرهاني(١) .

يقول الشيخ الألباني:

(( إن نعم الله عليّ كثيرة، لا أُحصي لها عدّاً، ولعلّ من أهمها اثنتين: هجرة والدي إلى الشام، ثمّ تعليمه إياي مهنته في إصلاح الساعات.

_____________________

١- الألباني الإمام، لعبد القادر الجنيد: ١ -٤.

٧

أمّا الأولى: فقد يَسَّرت لي تعلّم العربيّة، ولو ظللنا في " ألبانية " لما توقّعت أن أتعلّم منها حرفاً، ولا سبيل إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلاّ عن طريق العربية.

وأمّا الثانية: فقد قيضت لي فراغاً من الوقت، أملؤه بطلب العلم، وأتاحت لي فرص التردّد على المكتبة الظاهريّة وغيرها ساعات من كلّ يوم، ولو أنّي لزمت صناعة النجارة التي حاولت التدرّب عليها أولاً، لالتهمت وقتي كلّه، وبالتالي لسدّت بوجهي سبل العلم، الذي لابدّ لطالبه من التفرّغ ))(١) .

ويقول أيضاً:

(( وذات يوم لاحظتُ بين الكتب المعروضة لدى أحد الباعة جزءاً من مجلة " المنار " فاشتريته، ووقعت فيه على بحث بقلم السيّد رشيد يصف فيه كتاب "الإحياء" للغزالي، ويشير إلى محاسنه، ومآخذه، ولأوّل مرّة أواجه مثل هذا النقد العلمي، فاجتذبني ذلك إلى مطالعة الجزء كلّه، ثمّ أمضي لأتابع موضوع "الإحياء" في الإحياء نفسه، وفي الطبعة التي تحتوي على تخريج الحافظ العراقي، ورأيتني أسعى لاستئجاره لأنّي لا أملك ثمنه، ومن ثمّ أقبلت على قراءة الكتاب، فاستهواني ذلك التخريج الدقيق حتّى صمّمت على نسخه أو تلخيصه، وهكذا جهدت حتّى استقامت لي طريقة صالحة تساعد على تثبيت تلك المعلومات.

وأحسب أنّ هذا المجهود الذي بذلته في دراستي تلك، هو الذي شجّعني وحبّب إليّ المضي في ذلك الطريق، إذ وجدتني أستعين بشتى المؤلّفات اللغويّة والبلاغيّة، وغريب الحديث لتفهّم النصّ إلى جانب تخريجه"(٢)

________________________

١- المصدر السابق: ٣-٤.

٢- علماء ومفكرّون عرفتهم للمجذوب: ٢٩١ - ٢٩٢.

٨

وقال أيضاً:

(( ومن توفيق الله تعالى وفضله عليّ أن وجّهني منذ أوّل شبابي إلى تعلّم هذه المهنة تصليح الساعات - ذلك لأنّها حُرة لا تتعارض مع جهودي في علم السنّة، فلقد أعطيت لها من وقتي كلّ يوم - ما عدا الثلاثاء والجمعة - ثلاث ساعات فقط، وهذا العدد يمكنني من الحصول على القوت الضروري لي ولعيالي وأطفالي على طريقة الكفاف طبعاً، فإنّ من دعائه عليه الصلاة والسلام: " اللهمّ اجعل رزق آل محمّدٍ قوتاً " رواه الشيخان.

وسائر الوقت أصرفه في سبيل طلب العلم والتأليف، ودراسة كتب الحديث، وبخاصّة المخطوطات منها في المكتبة الظاهريّة، ولذلك فإنّني ألازم هذه المكتبة مُلازمة موظفيها لها، ويتراوح ما أقضيه من الوقت فيها ما بين ستّ ساعات إلى ثماني ساعات يومياً على اختلاف النظام الصيفي والشتوي في الدوام "(١) .

وكان أول عمل حديثي قام به الألباني هو نسخه كتاب " المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار " للحافظ العراقي والتعليق عليه، وهذا الكتاب هو تخريج لأحاديث كتاب " إحياء علوم الدين " للغزالي.

وأخر كتاب عمل فيه هو كتاب "تهذيب صحيح الجامع الصغير والاستدراك عليه"(٢) .

وقد مدحه وأثنى عليه علماء السلفيّة كثيراً:

قال عبد العزيز بن عبد الله بن باز: " لا أعلم تحت قبّة الفلك في هذا العصر

_____________________

١- انظر " حياة الألباني " للشيباني ١: ٤٨ -٥٢.

٢- انظر " ترجمة موجزة للشيخ الألباني " لعبد الله ناصر الدوسري :٢.

٩

أعلم من الشيخ ناصر في علم الحديث "، ووصفه بأنّه: " مجدّد هذا العصر في علوم الحديث ".

وقالت الشيخ محمّد بن صالح العثيمين: " بل هو محدّث العصر "، ووصفه بـ " أنّه ذو علم جمّ في الحديث دراية ورواية ".

وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء في السعوديّة: " وهو واسع الاطلاع في الحديث، قويّ في نقدها، والحكم عليها بالصحة والضعف ".

ووصفه الشيخ حمّاد الأنصاري بأنّه " ذو اطّلاع واسع في علم الحديث ".

ووصفته مشيخة أهل الحديث في الهند، بأنّه: " أكبر عالم بالأحاديث النبويّة في هذا العصر ".

وقال شارح سنن النسائي الشيخ محمّد علي آدم الأثيوبي: " وله اليد الطولى في معرفة الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً، كما تشهد بذلك كتبه القيّمة، فقلّ من يُدانيه في هذا العصر الذي ساد فيه الجهل بهذا العلم الشريف "(١) .

_____________________

١-الألباني الإمام، لعبد القادر الجنيد: ٦ -٧.

١٠

اتّباع الألباني لعلماء السلفيّة

لا يخفى على أحد اتّباع الألباني لعلماء السلفيّة، مثل ابن تيميّة، وابن قيّم الجوزيّة، ومحمّد بن عبد الوهاب، والسير على منهجهم العلمي والاعتقاد بعقائدهم ومدحهم كثيراً واعتبارهم قدوة له وإن كان في بعض الأحيان ينقدهم ويخرج عمّا ساروا عليه في منهجهم.

قال في تسجيل صوتي له من سلسلة " الهدى والنور" رقم٨٨٠ :

منهجنا قائم على اتّباع الكتاب والسنّة، وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح، وأعتقد أنّ البلاد السعوديّة إلى الآن لا يزال الكثير من أهل العلم فيهم على هذا المنهج، متأثّرين بما تأثرّنا به نحن مثلهم، بدعوة شيخ الإسلام بحقّ أحمد ابن تيميّة.

ثمّ تلميذه ابن قيّم الجوزيّة، ثمّ بمَن سار على منهجهم، وسلك سبيلهم كالشيخ محمّد بن عبد الوهاب، الذي كان له الفضل الأوّل بإحياء دعوة التوحيد في بلاد نجد أولاً، وبتفصيل دقيق، حتّى لمسناه في الصغار قبل الكبار هناك، كما أنّه أسّس للدعوة: اتّباع السنّة، وعدم إيثار أي مذهب من مذاهب أهل السنّة الأربعة على الكتاب والسنّة.

وكان له الفضل الثالث بعد الشيخين ابن تيميّة وابن قيّم الجوزيّة في اعتقادي، بإحيائه منهج الشيخين في العالم النجدي أوّلاً، ثمّ في العالم الإسلامي ثانياً، وله الفضل في عصره في نشر هذه الدعوة المباركة، وقد التزمها كثير من العلماء ليس في نجد ثمّ الحجاز التي تليها، بل في سائر العالم الإسلامي في الهند والباكستان وفي بلاد أخرى.

١١

موقف علماء السنّة من الألباني وإبعاده وسجنه

بعد أن عُرف الألباني واشتهر في الأوساط العلميّة، كداعية للمذهب الوهابي، ومتاثّراً بأفكار السلفية، وسائراً على نهج ابن تيميّة وابن القيّم ومحمّد بن عبد الوهاب، أخذ كبار رجال الدين وعلمائهم ينظّمون له الدعوات ويهيؤون له الجلسات العلميّة من أجل نشر أفكاره ومعتقداته.

ومن الطبيعي أن يقف ضدّه مَن يخالفه الرأي ولا يعتقد بأفكار الوهابيّة من علماء ومثقّفين من أتباع مدرسة الخلفاء، ومن هنا بدأ الصراع بين الألباني ومشايخ العلماء في سوريا.

يقول الألباني عن نشاطه في الدعوة للوهابيّة، وما لاقاه من مضايقات من قبل المشايخ: " لقد بدأتُ الاتصال بالمعارف والأصدقاء وأصدقائهم، وجعلتُ من الحانوت ندوةً نجتمع بها، ثمّ رأينا الانتقال إلى دار أحد الأنصار، ثمّ إلى واحدة أخرى أكبر، ومن ثمّ استأجرنا إحدى الدور لهذه الغاية، وجعل الحضور يتكاثرون، حتّى ضيق بهم المكان، وبلغ النشاط مستوىً عالياً من قراءة الحديث وشرحه وأسانيده.

واستمر هذا دأبنا حتّى أثمرت مساعي المعارضين لهذا الاتجاه، فضيّق علينا، ثمّ ألغيت الاجتماعات، وانفضّ السامر، وها نحن أولاء حتّى الآن لم نخلص من هذه المضايقات، نجتمع حين يكون ذلك ممكناً، وإذا حيد بيننا وبين الاجتماع

١٢

انقطعنا إلى التأليف والتحقيق اللذين لا نستطيع الانقطاع عنها "

ويقول أيضاً: " وكان من آثار هذا الإقبال الطيّب الذي لقيته هذه الدعوة أن رتّبنا برنامجاً لزيارة بعض مناطق البلاد ما بين حلب واللاذقيّة إلى دمشق.

وعلى الرغم من قصر الأوقات التي خُصصّت لكلّ المدن، فقد صادف هذه الرحلات نجاحاً ملموساً، إذ جمعت العديد من الراغبين في علوم الحديث على ندوات شبه دورية، يقرأ فيها كتب السنّة، وتتوارد الأسئلة ويدور النقاش المفيد.

إلاّ أنّ هذا التجوال قد ضاعف من نقمة الآخرين، فضاعفوا من سعاياتهم لدى المسؤولين، فإذا نحن تلقاء مشكلات يتصل بعضها برقاب بعض "(١) .

ثمّ توسّعت رحلات الألباني لتشمل مدن ومحافظات كثيرة في سوريا، داعياً إلى الفكر الوهابي، الأمر الذي أثار استنكار المخالفين للوهابية من علماء ومثقفين.

يقول القريوتي: " وقد كان للشيخ رحلات شهرية منظّمة، بدأت أسبوعياً كلّ شهر، ثمّ استقرّت على نحو ثلاث أيام، كان يقوم بها إلى المحافظات السوريّة: حلب، إدلب، اللاذقيّة، السلميّة، ثمّ حمص، ثمّ حماة، ثمّ الرقّة. ولقد كان لتلك الجهود والرحلات ثمراتها الطيّبة في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، وإلى التوحيد ونبذ الشرك والخرافة، مع ما صاحبها من المعارضة من أهل الأهواء"(٢) .

وكان لتأييد الألباني الوهابيّة واتّباعهم، وتمجيدهم، والسير على نهج ابن تيميّة وابن القيّم، كان له تأثير مضادّ من قبل بعض العلماء والمشايخ من أتباع مدرسة الخلفاء، إذ بدأوا بتحذير عموم الناس منه ومن دعوته، ودعوة الناس إلى

_____________________

١- علماء ومفكّرون عرفتهم، للمجذوب ١: ٢٩٥.

٢- كوكبة من أئمة الهدى: ١٩٥.

١٣

عدم الاستماع إلى محاضراته، وتحذير طلاب العلم من التأثّر بأفكاره، ومجالسته، والدعوة إلى هجره ومقاطعته.

ثم قام جماعة من مشايخ بلده بتنظيم عريضة ضدّه، ورفعوها إلى مفتي الشام، بعد أن جمعوا لها توقيعات الناس، ومفادها: (( أنّه يقوم بدعوة وهابيّة تشوّش على المسلمين )). فرفعها المفتي إلى مدير الشرطة، واستدعي الألباني على إثرها إلى مركز الشرطة، ولم يخرج منه إلاّ بضمانات بعض الشخصيات الاجتماعية.

بعد ذلك قام جماعة من العلماء والمثقّفين برفع شكوى على الألباني، بأنّ كلامه ومحاضراته تؤدّي إلى التفرقة بين المسلمين، فرفع مفتي " إدلب " هذه الشكوى إلى وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأمن في سوريا، فقام باستدعاء الألباني وإبلاغه بالشكوى وطلب المفتي منعه من دخول بلده - إدلب - ثم بعد ذلك تمّ إبعاده إلى مدينة الحسكة.

ولم ينتهِ الأمر إلى هذا الحدّ، بل قام جماعة من العلماء برفع شكوى على الألباني وتقديمه إلى المحاكمة التي حكمت عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، فسجن في سجن القلعة بدمشق، وهو نفس السجن الذي سجن فيه قبله ابن تيميّة وابن قيّم الجوزية(١) .

وأشار الألباني في " صحيفته " ٣: ٤-٥ إلى مذكّرة أصدرها وزير الأوقاف في بعض الإمارات العربيّة، نشرت في أوائل شوال سنة ١٤٠٦هـ، قال عنها الألباني: إنّ الوزير المذكور يتهم إخواننا السلفيين في تلك الإمارة بتهم شتى، منها التطرّف والخطورة على العقيدة الإسلامية، وإنكار المذاهب الأربعة، ويقول فيها: كما جرى طرده - أي الألباني - من الإمارات قبل أربع سنوات ومنعه من العودة للبلاد.

_____________________

١-الألباني الإمام، لعبد القادر الجنيد: ١٣.

١٤

العلماء الذين ردّوا على الألباني

وقام جماعة من المشايخ والعلماء بالردّ على الألباني وكتبه وأفكاره، فألفوا عدّة رسائل، منها:

١) تنبيه المسلم إلى تعدّي الألباني على صحيح مسلم، للعلاّمة المحدّث الشيخ محمّد سعيد الشافعي

٢) وصول التهاني بإثبات سنية السبحة والردّ على الألباني، له أيضاً.

٣) القول المقنع في الردّ على الألباني المبتدع، للعلاّمة الحافظ الشيخ عبد الله ابن الصدّيق الغماري.

٤) قاموس شتائم الألباني، للشيخ العالم حسن بن علي السقّاف.

٥) تناقضات الألباني الواضحات، له أيضاً.

٦) البشارة والاتحاف في ما بين ابن تيميّة والألباني في العقيدة من الاختلاف، له أيضاً

٧) الشماطيط في ما يهذي به الألباني في مقدماته من تخبّطات وتخليط، له أيضاً.

٨) الألباني شذوذه وأخطاؤه، للعلاّمة المحدّث الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.

٩) كتاب مفتوح إلى الشيخ ناصر الدين الألباني من تلميذه محمود مهدي الاستانبولي.

١٠) التعريف بأوهام من قسّم السنن إلى صحيح وضعيف، للعلاّمة محمود سعيد ممدوح.

١٥

انتقاد الألباني للكثير من علماء السلف والعلماء المعاصرين

إذا كان الألباني وجّه سهامه ولسانه اللاذع لعلماء السلف وانتقدهم في ما كتبه من مؤلّفات، كالحافظ السيوطي، والذهبي، والحاكم، والمنذري، وابن الجوزي، وابن حجر، والسبكي، والمناوي.

فمن الطبيعي أن تكون حصّة العلماء الذين عاصروه من الانتقاد كبيرة، بل والخروج عن القواعد العلمية والأدبية للبحث العلمي والحوار الرصين.

ونذكر هنا بعض كلماته، ليقف عليها القاريء، بغضّ النظر عن مدى صحة كلامه والمورد الذي انتقده:

١) قال عن السيوطي: (( وجعجع حوله السيوطي في اللآلي دون طائل )). الضعيفة ٤: ١٨٩.

(( فيا عجباً للسيوطي كيف لم يخجل من تسويد كتابه الجامع الصغير بهذا الحديث )). الضعيفة ٣: ٤٧٩.

(( ومع هذا فقد تجرّأ السيوطي أو غفل فسوّد بهذا الحديث الجامع الصغير)). الضعيف ٣: ١٨٧.

(( لقد شغله - السيوطي - نعمة التعقّب على ابن الجوزي عن معرفة علّة هذا الحديث الحقيقية )). الضعيفة ٤: ١٨٢.

٢) وقال عن الذهبي: (( فلمَ إذن وافق الحاكم على تصحيح إسناده؟! وكم له من مثل هذه الموافقات الصادرة عن قلّة نظر وتحقيق )). غاية المرام: ٣٥.

١٦

(( فتأمل مبلغ تناقض الذهبي، لتحرص على العلم الصحيح وتنجو من تقليد الرجال )). الضعيفة ٤: ٤٢٢.

٣) وقال عن الحاكم النيسابوري: (( ولذلك أخطأ الحاكم خطأً فاحشاً )). الضعيفة ٣: ٤٥٨.

٤) وقال عن الحافظ السبكي: (( ثمّ تعقّبه السبكي نحو ما سبق من تعقّب الحافظ لابن ظاهر، ولكنّه دافع عنه بوازع من التعصّب المذهبي، لا فائدة كبرى من نقل كلامه وبيان ما فيه من التعصّب )). الضعيفة ٢: ٢٨٥.

٥) وقال عن المحدّث المناوي: (( بل هو من تعصّب المناوي )). الضعيفة ٢: ٣٤٥.

(( وإنّ من عجائب المناوي التي لا أعرف لها وجهاً أنّه في كثير من الأحيان يناقض نفسه )). الضعيفة ٤: ٣٤.

٦) وقال عن الشيخ محمّد سعيد رمضان البوطي والشيخ محمّد عوامة: ((وظنّي أنّ هذا المقلّد وذاك، على ما بينهما من الخلاف في الأصول والفروع إلاّ في التقليد الأعمى... فما حيلتنا مع أناس ندعوهم إلى اتّباع الكتاب والسنّة لينجو بذلك من العصبيّة المذهبيّة والغباوة الحيوانيّة، فيأبون )) الآيات البيّنات: مقدّمة الآيات البينات.

٧) وقال عن الشيخ عبد الفتاح أبو غدّه: (( أشلّ الله يدك وقطع لسانك )). كشف النقاب: ٥٢.

٨) وقال عن الشيخ الصابوني في مقدّمة الصحيحة: (( سرّاق، غير صادق، جاهل مضلّل، صاحب دعوى فارغة، سأكشف خزيه وعاره )).

٩) وقال في مقدّمة آداب الزفاف عن العلاّمة المحدّث حبيب الرحمن

١٧

الأعظمي: (( وقد استعان الأنصاري بأحد أعداء السنّة وأهل الحديث ودعاة التوحيد والمشهور بذلك، ألا وهو الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي )).

١٠) وقال عن الشيخ محمّد علي الصابوني والشيخ نسيب الرفاعي: (( وهما من أجهل مَن كتب في هذا المجال في ما علمت، وبخاصة الرفاعي منهما فإنّه أجرؤهما إقداماً على التصحيح بجهل بالغ )). الضعيفة ٤: ٥١.

١٨

ردّ الألباني على ابن تيميّة

على الرغم من أنّ الألباني كان من أتباع ابن تيميّة، والسائرين على نهجه العلمي، خصوصاً في العقائد، لكن مع ذلك نشاهده ينتقده ويردّ عليه في موارد كثيرة، نذكر اثنين منها ؛ لكونّها قد أثرّت كثيراً في المؤلّف، كما يذكر خلال سرده لقصته هذه:

أولاً: فمن العجب حقّاً أن يتجرأ شيخ الإسلام ابن تيميّة على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنّة ، كما فعل بالحديث المتقدّم هناك (( من كنت مولاه )) مع تقريره أحسن تقرير - إلى أن قال -: هذا كلّه من بيان شيخ الإسلام وهو قوي متين كما ترى!! فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث ؛ إلا التسرّع والمبالغة في الردّ على الشيعة )). الصحيحة حديث ٣٢٢٣.

ثانياً: وعند كلامه عن حديث الغدير قال: (( إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام عن الحديث وبيان صحته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيميّة قد ضعّف الشطر الأول من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري عن تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها، والله المستعان )). الصحيحة ٤: ٣٤٤.

١٩

وفاته

توفّي الألباني ووفد على ربّه بأعماله، إن كان محسناً فله، وإن كان مسيئاً فعليه، وذلك يوم السبت ٢٢ جمادى الآخرة سنة ١٤٢٠هـ في مدينة عمّان، وخلّف مجموعة آثار منها:

(( سلسلة الأحاديث الصحيحة ))، (( سلسلة الأحاديث الضعيفة ))، "صحيح الجامع الصغير"، "تمام النعمة"، تحقيق كتاب (( الاحتجاج بالقدر )) لابن تيميّة، تحقيق كتاب (( الآيات البيّنات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنفيّة السادات )) للآلوسي، تحقيق كتاب (( الإيمان )) لابن تيميّة، رسالة (( الحديث حجّة نفسه في العقائد والأحكام ))، تحقيق (( شرح العقيدة الطحاوية )) لابن أبي العزّ الحنفي، تحقيق كتاب (( السنّة )) لابن أبي عاصم، اختصار كتاب (( العلو )) للذهبي، تحقيق كتاب (( كلمة الإخلاص )) لابن رجب الحنبلي، رسالة (( منزلة السنّة في الإسلام ))، بالإضافة إلى صحاح وضعاف للسنن الأربعة، وغيرها.

٢٠