ثم شيعني الالباني

ثم شيعني الالباني0%

ثم شيعني الالباني مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 305

  • البداية
  • السابق
  • 305 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65174 / تحميل: 6503
الحجم الحجم الحجم
ثم شيعني الالباني

ثم شيعني الالباني

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
العربية

محسوباً من المرّاق، فيحكم عليَّ بالردة وترك الحق، ويُسام عليَّ سوء العذاب، عن حقّ ــ بزعمهم ــ وعن استحقاق، وفعلاً قد حصل معي الكثير من ذلك فيما بعد، سَأُعرِّجُ على ذكر بعض ما فعلوه معي من تصرّفات وتهديدات وويلات في محلّه إن شاء الله(عزوجل) خالق البريات.

فترددت ــ مع كلّ هذه المخاطر والخطوب التي تنتظرني، وهذه الأجواء التي ستحيط بي، والعسر المادي والمعنوي الذي سيصيبني (١) ــ في خوض غمار هذا البحث الخطير الذي طالما حذّرني من خطورته وعدم جدواه أساتذتي وزملائي في المسجد، وأنّه قلما وصل من سلك طريقه إلى نتيجة مخالفة لما هو عليه من مذهب واعتقاد، كان قد ورثه عن الآباء والأجداد، وأنّه نادراً ما استفاد من سلك طريقه فحصل له الانتقال المنشود بعد بذل الجهد والجهاد، وبالتالي فقد تقرر عندي بأنّ بحثي هذا سوف يكون تضييعاً للعمر وللوقت والاجتهاد.

________________________

أمّا المعاناة المعنوية فلأنّ المفهوم المتعارف عند السنّة أنّ أسوأ وأكذب فرقة وأذل طائفة هم الرافضة ــ بزعمهم ــ وأفضل طريقة وأصحّها والفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي السلفية!! فماذا سأقول إن تحوّلت من فرقة مغرورة مستعلية على سائر المسلمين لا ترى الحقّ إلاّ معها ولا ترى الباطل إلاّ في سائر الفرق الأخرى التي تخالفها وخصوصاً الشيعة! فهذه النظرة الدونية للشيعة والراسخة في الأذهان هو ما سيجعلني أشعر بالذنب والحياء إن أنا تحوّلت دون سائر الناس من السلفية إلى التشيّع فعلى الأقل سوف تقل قيمتي اجتماعياً! بعد أن كنت رأساً محترماً! يشار له بالبنان والأسبقية في هذا المضمار! وكذلك سوف أسأل نفسي دائماً وأشك في صحّة اختياري وتحوّلي لما ذكرته آنفاً ممّا رسخ في أذهاننا وما تربّينا عليه، وكذلك بالنسبة للمعاناة المادية فإنّني أعمل في بيع الكتب السلفية ولا أجيد غير ذلك، خصوصاً أنّ ذلك معروف عنّي في السوق فلا أستطيع بعد ذلك بيع كتب الشيعة أمام الجميع، لا سيما وأنّني قررت عدم مفارقة السنّة والبقاء معهم للمناصحة وتوحيد الصفوف وتقبُّل الآخر دون إعلان تشيّعي لعدم تقبّلهم مني حينها، هذا بالإضافة إلى الخوف من الأمن الصدامي! ولا أستطيع أيضاً بيع كتب السلفية بعد ذلك وأنا أقطع بأنّ أكثرها كتب ضلال.

١٢١

ولكنني ــ في نفس الوقت ــ خيرت نفسي بين الدنيا والآخرة، وبين الجنّة والنار، وبين الفوز والخسران؛ فحينئذ هانت الصعاب في نظري، وتضاءلت الخطوب في خاطري، وكان أسوتي وقدوتي في ذلك سلمان الفارسي (المحمّدي)، الذي شرّفه النبيّ(صلى الله عليه وآله) واعتبره من أهل البيت(عليهم السلام) بسبب بحثه عن الحق، واتّباعه وانقياده وتسليمه له أينما وكيفما ومع من كان، مع ما لاقاه من بيع واستعباد ومشاق، وترك للجاه والسمعة والقصور والمعابد ووراثة لآبائه السدان، فجازاه الله بالإكرام والإحسان، ورفعه وعوّضه أعلى المراتب والمنازل، فصار يشار إليه بالبنان، فكان حقّاً محمّدياً سلمان، فصار لكلّ باحث عن الحقّ عزاء وسلوان.

فبدأتُ الرحلة متوكّلاً على الله تعالى، قاصداً للبحث عن الحق بكلّ تجرّد، وتذكّرت حينها شعاراً سلفياً شيعياً "أن لا نعمل إلاّ بدليل"، وبعبارة شيعية "نحن أتباع الدليل أينما مال نميل"، وتعاهدت مع نفسي أن أتّبع الحقّ ولو كان مع المجوس أو اليهود ناهيك عن الصوفية أو الإخوان أو الشيعة، إن ثبت لي ذلك الحقّ بالدليل وحصل عندي معه الاطمئنان والتصديق، وبهذه الروح المجردة والمتجردة بدأت الرحلة لأكون منصفاً في الحكم غير مائل لجهة دون جهة، بخلاف ما كنت عليه في السابق من بذل قصارى جهدي في إيجاد الأعذار والتأويلات المقبولة وغيرها كي أصحح مذهبي ورأيي كما تعلمت ذلك من أساتذتي، ولو كانت غير مقبولة أو بعيدة أو دون دليل أو بترجيح المرجوح أو البقاء بلا جواب، لإحسان الظن بالعلماء لاعتقادي بأنّ هذا الإشكال أو ذاك قد ورد عليهم قطعاً وأجابوه حتماً، وما إلى ذلك من تبريرات وأعذار ما أنزل الله بها من سلطان، وقد تصل النوبة فيها إلى التعصّب والتقليد دون قناعة أو اطمئنان!!

١٢٢

القرار الصعب

قررت خوض هذه الرحلة بعد أن ثبت لي وجوب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) دون من سواهم، وبعد أن انكشفت لي حقيقة مذهب أهل السنّة وتهدّمت لديّ أهم أركانه، وسقط عندي أقوى دليل على صحّته؛ وهو اتّباع الكتاب والسنّة النبوية بنقل أيّ صحابي، وجواز الأخذ عنه لا على التعيين وبلا أي تخصيص أو استثناء أو قيد أو تأمّل في أحد منهم!! سقط من نظري عن بصيرة، وانهار كيانه باندهاش وحيرة، فسببت لي تلك الحقيقة وذلك الانكشاف صدمةً وتزلزلاً وشكّاً وعدم معرفة بكيفية التصرّف المناسب مع مثل هذه المستجدات والمفاجآت التي حصلت معي بالذات دون غيري من بين قرابة مليار مسلم على وجه هذه المعمورة، دون سابق إنذار أو توقّع أو استعداد، وهذه الصدمة جعلتني أدور في دوامة وشكوك لا أوّل لها ولا آخر، ولا مرشد لي فيها ولا ناصر غير الله، فأيّ أخٍ أستطيع التحدّث معه فيعذرني، وأيّ عالم أو أستاذ متجرّد يمكنني سؤاله واسترشاده فينفعني، وأيّ صديق يمكن أن أستسرّه فيؤمنني، فبقيت على هذه الحال من صراع وقلق وخوف من كلّ شيء حولي.

وقد يقول قائل هذه مبالغة! فأقول: لا والله، فإنّكم لو جرّبتم أو خضتم، لما قلتم ما قلتم، وما بذلك تفوّهتم، وكذلك لو تعرّض أحدكم ــ عافاه الله ــ لما تعرّضت إليه من تهديد ووعيد، لما قال ما قال، لأنّه فوق التصوّر ناهيك عن التصديق!

١٢٣

فبقيتُ في تلك الدوامة وذلك القلق أتقدّم خطوة وأرجع خطوات، فإلى من أشكو، ومن يسمعني، ولمن أعرض ما توصّلتُ إليه، ومن يطّلع على مثل هذه الأمور التي تضرّ بي ولا تنفعني ولو دنيوياً أو اجتماعياً، ناهيك عن عدم توقّعي أو تخطّري يوماً ما أن يكون الحقّ مع الشيعة؛ فالشيعة قد كانوا مشركين في نظري غير موحّدين، ولا يؤمنون بهذا القرآن، ويكفّرِون كلّ السلف والصحبان، وللأئمةِ عُبّاَد، وهم للدين هُدّام، بل هم أخطر وأشرّ على الإسلام عندنا من اليهود وأهل الصلبان، بالإضافة إلى كونهم منبوذين في العراق محارَبين، فهم يُعتَبرون مواطنين من الدرجة الثانية، فلا يحقّ لهم بناء مسجد واحد أو حسينية أو قاعة للمناسبات ولعقد اللقاءات، بل إنّ الكثير من مساجدهم قد اغتصبها بعض السلفيين دون أن يستطيع الشيعة منعهم، بل لم يستطيعوا حتّى الاعتراض عليهم، وكذلك منعوا بيع وشراء واقتناء الكتب الشيعية، بل حتّى صلاة الشيعة يصعب أداؤها في الأماكن العامّة أو الحكومية، بل حُبس الكثير من الشيعة وأُعدموا بتهمة الانتماء إلى (حزب الدعوة) لمجرد صلاتهم في المساجد، خصوصاً أثناء الحرب مع إيران، وهكذا سماع إذاعة إيران والمحاضرة الدينية للشيخ الوائلي(رحمه الله) وغيره أمر لا يتمّ إلاّ بشقِّ الأنفس والمجازفة؛ فهذا قليل من كثير ممّا يعانيه الشيعة في العراق؛ فلا أدري ما الذي سيقنعني ويدفعني لأن أكون فرداً من هذه الجماعة المظلومة المغلوبة على أمرها، المسلوبة إرادتها وحقوقها، بل المسلوبة حقوقها وهي في وطنها التي من حقّها أن تعيش بكرامة ومساواة مع غيرها، وحريتها في اختيار عقيدتها وممارساتها الدينية، ويزداد الألم حينما نعلم بأنّهم يشكّلون الأغلبية الساحقة من السكان، وأراضيهم أغنى بقاع العراق على الإطلاق، وهم يعيشون الحرمان بكلّ معانيه، ويعانون الذل والهوان بسبب تسلّط أولئك المتسلّطين المتجبّرين الطغام، وبأوامر مباشرة من سادتهم المستعمرين الأمريكان، وتواطيء الطائفيين من الجيران.

١٢٤

فما الذي سيعجبني من هذا الحال، ويدفعني للانضمام إلى صفوف أناس بهذه الصفات، وهذا البعد عن التوحيد والإنصاف، وهذا الحال من الجهل والبعد عن الحقّ، بل معاداة الدين ومحاولة الانتقام، وتمنّي هدمه بحسب عقيدتي فيهم وسابق ظنّي، أمّا من الناحية الاجتماعية فتعج بهم كلّ هذه الآلام، وكونهم فرقة لا يحقّ لهم الكلام، وطائفة محرومة ومسلوبة الحقوق بين السكان..

ولكن! من جانب آخر دلَّ عندي الدليل على أحقّيتهم، وأوجب عليّ البرهان متابعتهم؛ بحيث لا يمكن أن يهتدي من أراد الهداية إلاّ من خلالهم، لعدم وجود جماعة تَتَّبع أهل البيت(عليهم السلام) ــ الذين ثبت عندي وجوب اتّباعهم ــ سواهم، فهم ينتهلون من منهلهم ويعرفون أخبارهم وأخلاقهم ويهتمون بهم ويلتزمون حبّهم ويتمسّكون بحبلهم فلا أستطيع تجاوزهم مع امتيازهم وتميّزهم.

بخلاف غيرهم من المخالفين للشيعة، ممّن يدّعي محبّتهم ومتابعتهم وهم لا يعرفون عنهم أيّ شيء، بل لا يعرفون غير التنكيل بشيعتهم ومحاربة من يدّعي اتّباعهم وينتسب إليهم بعد رميه بالغلو فيهم، وفي نفس الوقت يقومون بتولّي أعدائهم والدفاع عمّن قتلهم وقاتلهم أو كفّرهم أو لعنهم وسبّهم وأبغضهم، مع روايتهم عمّن نصب العداء لأهل البيت(عليهم السلام) والخوارج والملوك والخلفاء بكلّ إخلاص وافتخار، ودفاع مستميت عنهم وتوثيقهم بأعلى الدرجات، وعدم مقارنة جلالتهم بأحد حتّى مع أهم علمائهم المعتدلين! فهؤلاء عندهم أوثق الناس، مع أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) يصفهم بأشنع الأوصاف وينفر عنهم ويحذّر من اتّباعهم أو التزام طريقتهم.

فقد رووا هم أنفسهم بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد أثبت للمبغضين والنواصب النفاق حين أخبر عليّ(عليه السلام) عنه(صلى الله عليه وآله) بعهده إليه: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّه عهد إلى

١٢٥

النبيّ الأمي أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق) (١) ، ورووا أيضاً بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد وصف الخوارج بأنّهم: (شرّ البرية) (٢) ، و(شرّ الخلق والخليقة) (٣) ، وأنّهم (كلاب النار) (٤) ، وأخبر(صلى الله عليه وآله) عماراً بخصوص معاوية والقاسطين وإنّه سوف (يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار) (٥) ، ومع ذلك يأتي أهل السنّة ويتولّونهم ويتبعونهم ويثقون برواياتهم ويأخذون الدين عنهم! مع أنّ المنافق قد وصفه النبيّ(صلى الله عليه وآله) لنا بأنّه: (إذا حدَّث كذب)، وفي نفس الوقت يتعاملون مع الشيعة الذين يسمّونهم الروافض بخلاف وعكس تعاملهم مع الخوارج والنواصب، فقد قرروا بأنّهم لا يروون عمّن يسبّ أبا بكر وعمر ولا كرامة كما يصرحون بذلك، بخلاف فعلهم مع من يبغض عليّاً! مع أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) فضح مبغضي عليّ(عليه السلام) لا غيرهم وحذّر منهم وبيّن بوضوح بأنّهم دعاة إلى النار!!

وقد أكّد الحافظ ابن حجر العسقلاني هذا المعنى تماماً ولكنّه برره بعد ذلك تبريراً بارداً يضحك الثكلى فقال كما في تهذيب التهذيب حيث قال: وقد كنتُ أستشكلُ توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعة مطلقاً ولا سيما أنّ عليّاً ورد في حقّه: (لا يحبّهُ إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق)، ثمّ ظهر لي في الجواب عن ذلك أنّ البُغض ها هنا مقيَّد بسببٍ هو كونه نصر النبيّ(صلى الله عليه وآله)... (٦) .

________________________

١- رواه مسلم في صحيحه (١/٦١) وغيره.

٢- الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/٢٢٥) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات، وأخرجه الحاكم في مستدركه (٢/١٥٤).

٣- صحيح مسلم (٣/١١٦).

٤- الترمذي (٤/٢٩٤)، وابن ماجة (١/٦١و٦٢)، والحاكم (٢/١٤٩) و(٣/٥٧١)، والهيثمي في مجمع الزوائد (٥/٢٣٠) و(٦/٢٣٠) وما بعدها، وأخرجه أيضاً البيهقي والطيالسي وأحمد وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والحميدي وابن أبي عاصم في كتاب السنّة وغيرهم.

٥- صحيح البخاري (١/١١٥) وفيه أيضاً بلفظ: يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار في (٣/٢٠٧).

٦- تهذيب التهذيب (٨/٤١١).

١٢٦

ولنأخذ مثلاً على اتّباع أهل السنّة لغير أهل البيت(عليهم السلام)، وتفضيل كلّ من هبَّ ودبَّ عليهم، فهم يأخذون دينهم ويروون السنّة المطهرة عن مثل أبي هريرة الذي رووا عنه (٥٣٧٤) حديثاً! تلك الشخصية القلقة المجهولة المشكوك فيها، والذي صحب النبيّ(صلى الله عليه وآله) أقل من سنتين! مع قوله بأنّه روى لهم جراباً من الجرابين ودلواً من الدلوين!! بينما يروون عن عليّ(عليه السلام) (٥٠) حديثاً صحيحاً فقط! وبما يتوافق مع مذهبهم طبعاً، كتحريم المتعة، وغسل الرجلين، وما إلى ذلك، مع أنّ الإمام(عليه السلام) تربّى منذ نعومة أظافره في حجر النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وعاشره وصحبه طيلة مدّة البعثة الشريفة وبقي بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) ثلاثين سنة وهو الحافظ للقرآن، العالم بالسنّة، وأقضى الناس بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والذي كان مستشاراً وناصحاً ومعلّماً لكلّ من طلب النصيحة منه، دون أن يسأل هو أحداً أو يحتاج إلى علم آيةٍ أو حديثٍ من أحدٍ مطلقاً.

ويروي البخاري في صحيحه الذي يعتبرونه أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى عن مثل عمران بن حطان مادح قاتل عليّ وكبير الخوارج (١) ! وعن مروان بن الحكم الذي قتل طلحة غدراً (٢) والذي فعل ما فعل للاستحواذ على الخلافة والملك! وعن حريز بن عثمان كبير النواصب الذي كان يسبّ عليّاً(عليه السلام) ويلعنه على المنبر! وكان بعض النواصب يُنسبون إليه فيقولون عن الناصبي (كان حريزي المذهب) (٣) !

________________________

١- راجع سير أعلام النبلاء للذهبي (٤/٢١٤) وغيره.

٢- مجمع الزوائد للهيثمي (٩/١٥٠) وعن قيس بن أبي حازم قال رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم فوقع في عين ركبته فما زال يسيح إلى أن مات، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

٣- راجع لمعرفة كلّ ذلك في ترجمته من تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب والكامل في الضعفاء وميزان الاعتدال ولسانه وكلام ابن حبان في الجوزجاني السعدي الناصبي الذي يعتبرونه من أئمة الجرح والتعديل وقوله فيه (كان حريزي المذهب)!!!!! نستجير بالله تعالى.

١٢٧

وفي المقابل، يترك الرواية عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، ولم يخرج للإمام الحسن(عليه السلام) سيّد شباب الجنّة أيضاً ولو حديثاً واحداً!

فكيف يصح لي أن أترك من تمسّك بعليّ(عليه السلام)، وأصدّق وأتّبع من يُفضّل ويتّبع مثل هؤلاء المجاهيل؟! وآخذ ديني وعقيدتي ممّن يروي عن كعب الأحبار، ويروي عن مثل وهب وهمام ابني منبه روايات تفوح منها رائحة بني إسرائيل، خصوصاً بعد قول النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله) لنا، ووصيته لمن أراد الهداية منّا، مراراً وتكراراً كما رواه جمع، منهم أبو سعيد الخدري عنه(صلى الله عليه وآله): (تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (١) ، فكيف لي أن أخالف هذا الحديث الواضح الذي يصرّح بثقلهما ونفاستهما وخلافتهما لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ووصيته بالتمسّك بهما ومراعاتهما واتّباعهما وأخذ الدين عنهما مع استمرارهما من بعده ودون انقطاع إلى يوم القيامة؟!!

أراد النبيّ(صلى الله عليه وآله) كتابة ذلك في وثيقة ــ كما استعرضته فيما مضى ــ في آخر أيام عمره الشريف ولكنهم اعترضوا على طلبه ورفضوا تقديم الكتاب له(صلى الله عليه وآله) ليكتب لهم ذلك ومنعوه من كتابة وصيته الشريفة، والتي صرّح لهم بأهميتها، فهذا النص

________________________

١- رواه بطرق وألفاظ مختلفة الكثير من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم بألفاظ مختلفة ومتقاربة كمسلم والترمذي وأحمد والطبراني والحاكم والدارقطني والطحاوي في مشكل آثاره وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وابن أبي عاصم في السنّة وصححه الألباني والحاكم والذهبي والهيثمي.

١٢٨

الذي يثبت الضلال عند المخالفة يدلّ على حصر خلافته(صلى الله عليه وآله) بالكتاب الكريم والعترة الطاهرة(عليهم السلام)؛ فلا يمكن بعد ذلك أن تختار الأمّة بصورة كيفية ومزاجية واجتهاد وإعمال رأي في قبال اختيار الله تعالى ونصّ رسوله(صلى الله عليه وآله): {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (١) ، ومن ثمّ عمموا وجوّزوا خلافة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وخلافة الله تعالى كما قال(عزوجل): {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (٢) لكلّ من هبّ ودبّ! بعد تخصيصه(صلى الله عليه وآله) وتحديده لخلفائه على نحو الحصر بأهل البيت(عليهم السلام) للأمن من الضلال، ومن ثمّ الهداية إلى الله وإلى الحقّ والفوز بالجنّة والنجاة من النار.

________________________

١- القصص: ٦٨.

٢- البقرة: ٣٠.

١٢٩

وجوب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام)

في هذه الأحوال الصعبة وهذه الظروف العصيبة، وما ثبت لي فيها من فوارق جذرية بين الفريقين؛ قررت ترك ونبذ مذهب أهل السنّة عموماً، والسلفية خصوصاً، بعد أن تهدّمت وتهاوت أركانه ومعالمه وعرشه.

بدأت البحث عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) الذي ثبت لي وجوب اتّباعه بالحجّة والدليل والبرهان، إن أردتُ النجاة والهداية وعدم الضلال، والذي نصّ عليه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأكّد على التمسّك به من بعده، في أكثر من مناسبة ومحفل؛ فأوصانا بالتمسّك بخليفتيه والثقلين اللذين تركهما في أمّته من بعده، وهما كتاب الله وأهل بيته من عترته (١) ، وأخبر بأنّه خَلَّف فينا بعده خلفاء شرعيين راشدين هاديين مهديين ربانيين تجب طاعتهم والتمسك بِسُنَّتِهم، مطلقاً دون قيد أو شرط، فإنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد أكّد على ذلك وشدد وحضّ عليه مطلقاً، بعد أن بيّن تعالى للجميع منزلتهم فأوضح لنا(وتعالى سبحانه) عصمتهم خلافاً لغيرهم، ونصّ في آية التطهير على طهارتهم وإذهاب الرجس عنهم، فأمرنا تعالى باتّباعهم وطاعتهم كما نطيعه ونطيع رسوله، وأمرنا على لسان رسوله(صلى الله عليه وآله)

________________________

١- أخرجه مسلم بتفصيل، والحاكم في مستدركه (٣/١١٠)، والترمذي وأحمد والطبراني وابن أبي عاصم والدارقطني والديلمي وابن عبد البر في جامع بيان العلم والطحاوي، وصحح بعض طرقه الحاكم ووافقه على أكثرها الذهبي، وحسنه الترمذي، وصححه الألباني (انظر السلسلة الصحيحة له: ح١٧٦١) والهيثمي وغيرهم كثير.

١٣٠

باتّباع سنّتهم والعضّ عليهم بالنواجذ بعد أن وصفهم بالخلفاء الراشدين المهديين (١) ، وأنّ عددهم اثنا عشر خليفة (٢) ، وأنّهم كعدّة نقباء بني إسرائيل (٣) ، وأنّه(صلى الله عليه وآله) أراد كتابة ذلك والنص على الإمامة ومساعدة الأمّة على قبولها وتثبيت إمامة عليّ(عليه السلام) بوصية واضحة صريحة لا لبس فيها وبمرأى ومسمع ممّن كان يرفض ذلك ويقاومه، لئلا ينكروا أو يغيرّوا أو يبدّلوا أو يتمرّدوا على الأمر الإلهي ويحاولوا عدم إمضائه وإنفاذه وتطبيقه وامتثاله بعد رحيله(صلى الله عليه وآله)، فقام رسول الله(صلى الله عليه وآله) بما قام وفعل ما فعل وبذل كلّ ما يمكنه بذله من جهد، لكي يوفّر لصحابته وأمّته من بعدهم وإلى يوم القيامة سبب هدايتهم.

فأغلق النبيّ(صلى الله عليه وآله) باب ذلك الخيار الذي يفضحهم مع أنّه سيفقد فرصة تحصيل تلك المصلحة بصورتها الكاملة، فاختار هذا الخيار الصعب بالرغم من مرجوحيته، وفضّله على الخيار الآخر وهو كتابة ذلك الكتاب رغماً عنهم، مع اعتراضهم ورفضهم القوي؛ لأنّ الأخير سيسبب رِدَّة الناس جميعاً عن الإسلام وترك التوحيد والنبوّة ناهيك عن الإمامة، فلو كان ذلك سيؤدّي إلى تعطيل الإمامة فحسب لهان الأمر، وكان إرغامهم على قبول كتابة الكتاب راجحاً من جهة إقامة الحجّة عليهم، والنبيّ(صلى الله عليه وآله) لا يعدل عن الراجح إلى المرجوح إلاّ بسبب يمسّ جوهر العقيدة والدين، فاختار النبيّ(صلى الله عليه وآله) حصول أقل الضررين واكتفى ببيان جريمتهم

________________________

١- رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة وابن أبي عاصم في السنّة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني أيضاً.

٢- البخاري (٨/١٢٧)، ومسلم (٦/٣ - ٤)، وأحمد والترمذي وأبو داود والحاكم وغيرهم.

٣- رواه أحمد وأبو يعلى والبزار في مسانيدهم وحسنّه ابن حجر في فتح الباري (١٣/١٨٣) وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (٥/١٩٠): وفيه مجالد بن سعيد وثّقه النسائي وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات.

١٣١

الكبرى وفساد فعلهم وخطأ اختيارهم بطردهم وقوله لهم بعد أن وصفوه بالهجر ونسبوه إلى الهذيان، وبعدما أكثروا من اللغط والاختلاف: (دعوني ــ قوموا عنّي ــ فالذي أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه) (١) كما قرر ابن تيمية ذلك تماماً واعترف به حين قال في منهاج سنّته: (رأى النبيُّ(صلى الله عليه وآله) أنّ الكتاب في هذا الوقت لم يبق فيه فائدة ؛ لأنّهم يَشُكُّون هل أملاه مع تغيِّره بالمرض(أي: مع هجره)؟ أم مع سلامته من ذلك؟ فلا يرفع النزاع فتركه) (٢) !

وهذا الترديد بين القبول على مضض، وبين الرفض والقتال والمجابهة قد صرّح به عمر نفسه في حادثة السقيفة وبنصّه فلا يأتي أحد بعد ذلك ويقول قد افتريتم على عمر أو أنّه لا يمكن أن يفعل شيئاً من هذا القبيل، فهذا هو طبعه وهذه عقيدته! فقد قال عمر كما يروي البخاري ذلك: (فخشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا فإمّا بايعناهم على ما لا نرضى وإمّا أن نخالفهم فيكون فساد) (٣) ، فهذا التصريح منه وهذا النَفَس يتّفق مع فعلته في تلك الرزية وقوله الشنيع ؛ لأنّه عين قوله في تلك الحادثة المؤلمة تماماً؛ حيث شكك بعصمة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وطعن في أوامره واجتهد في قبال نصّه(صلى الله عليه وآله)، فترك النبيّ(صلى الله عليه وآله) كتابة الوصية ــ لا نفس الوصية ــ ومن ثمّ لم يتمكّن من إلزامهم بها من بعده من دون أن يبقى مجال لأحد في إنكارها أو التشكيك بها أو تأويلها، ومن ثمّ ضيّعوا الهداية على الأمّة جمعاء، بحيث لم يكن ليضلَّ أحد ولو كان من الرعاع؛ ولكن قد سبق القدر والقضاء في مخالفتهم لإرادة أرحم الرحماء، هنا في يوم الرزية كما في يوم إنفاذ جيش أسامة وكما في حجّة الوداع، فكانوا من الأشقياء، وتسببوا في ضلال

________________________

١- البخاري (٣/١١١١ و١١٥٥) و(٤/ ١٦١١) ومسلم (٣/١٥٨).

٢- منهاج السنّة لابن تيمية (٦/٣١٥).

٣- البخاري (٨/٢٨).

١٣٢

الأمّة فحصل لها ما يخشى عليها من ضلال وتمزّق وانفتاق، فحرفوا الدين عن مساره فافترقت الأمّة أيّ افتراق، وأخذوا به بعيداً عن الحقّ فاختلف المسلمون وأصبحوا في فراق، وتكفيريين ومُرّاق، ففشلٌ وذهاب ريح وارتماء، فحُرِموا وحَرموا الأمّة من السموّ والارتقاء.

كلّ هذه المعاناة والمحاولات للنبيّ(صلى الله عليه وآله) تدلّ على حرصه على الأمّة وتبليغه الرسالة أعظم تبليغ، بل أقام الحجّة البالغة التي لا يجحدها ولا يشكك أحد فيها وإلى قيام الساعة، فجزاه الله عنا خير ما جازى به نبيّاً عن أمّته.

وقد بلّغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) الرسالة وأدّى الأمانة ونصح للأمّة، ولكن البعض أبوا وأصرّوا على خلافه واجتهدوا في قبال أمره وصريح تبليغه، ففعلوا وخططوا وخالفوا إرادة الله تعالى من قبول حصر الإمامة والخلافة للنبيّ(صلى الله عليه وآله) في أهل بيته(عليهم السلام)، بعد اصطفائهم من الله تعالى وتطهيرهم بالإضافة إلى أفضليتهم الظاهرة على جميع الأمّة، والتي يعترفون هم أنفسهم بها حاشا الإمامة والخلافة للنبيّ(صلى الله عليه وآله)، كلّ ذلك لجدارتهم ولياقتهم لهذا الأمر الصعب والتكليف الرباني العسير من قيادة الناس وهدايتهم، وخلافة نبيّهم(صلى الله عليه وآله).

وهذا ليس ادّعاءً أو فهماً أو استنباطاً منّي دون دليل! وإنّما هو عين ما نصّ عليه الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) حين حذّر الصحابة، وبالتالي نبّه أمّته على ما سيحدث من بعده وما سيغيّر وما سينقلب عنه المسلمون ويجحدون من نعمة وفضل من الله تعالى عليهم قبل أن يكون تفضيلاً لأهل البيت(عليهم السلام) واصطفائهم لذلك الأمر دونهم؛ فإنّ الله تعالى وصف إمامة أهل البيت(عليهم السلام) بإكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب، فيا لها من نعمة قد جحدوها، ويا له من فضل كفروه، ويا له من لطف رفضوه، فحرموا منه ولم يجنوا ثماره اليانعة الطيبة.

فحرموا أنفسهم من فضل ونعمة ينبغي لهم أن يعترفوا بخسرانهم من دونها

١٣٣

في الدنيا والآخرة، ويجب عليهم أن ينتبهوا لتركهم ذلك الأمر العظيم فيعودوا إليه، ويعتذروا عن التمرّد عليه وجحده وهو بهذه المكانة والأهمية حتّى أمر الله تعالى ورسوله الكريم(صلى الله عليه وآله) بطاعتهم المطلقة والانقياد لهم ليهتدوا، كما نبّه النبيّ(صلى الله عليه وآله) على أهمية ذلك بوصفه لمن يترك إمامة وولاية أهل البيت(عليهم السلام) ولا ينقاد لها بأنّه يموت ميتة جاهلية، وأنّ من لا يتمسّك بالثقلين والخليفتين على الأمّة بعد نبيّها(صلى الله عليه وآله) فإنّه يضلّ من بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) بلا شك ولا ريب.

فبعد أن رأيت ما بينّاه من حرصِ النبيّ(صلى الله عليه وآله) وإصراره على بيان أمر الخلفاء من بعده وجهاده ومعاناته الشديدة بتبليغهم هذا الأمر الإلهي العظيم المكلّف به من الله، وطعنهم في شخصه الشريف وعصمته ونبوّته، حيث لاقى ما لاقاه من الرادّين عليه والساخطين على أمره وحكمه الشرعي الإلهي هذا.

والذي يحتمل أنّ بعضهم ظنّ بأنّه اجتهاد شخصي من النبيّ(صلى الله عليه وآله) ورأي رآه وتحيّز وتفضيل لابن عمّه عليهم دون وجه استحقاق وفضل أو دون أمر إلهي شرعي، وإنّما كان ذلك لمجرد رغبة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وحبّه لعليّ(عليه السلام) وترشيحه له برأيه الخاص والشخصي ــ إحساناً منّي للظن بالبعض ولكي لا نظلم أحداً ــ ولذلك قد يكون صدر منهم ما صدر فلا يدخل هذا الصنف مع المعاندين، ومع ذلك بقي(صلى الله عليه وآله) يبيّن ذلك الأمر ويحاول تطبيقه وتنفيذه بكلّ وسيلة مشروعة ومتاحة ومقدورة له وبشتّى الطرق والأساليب التي بيّنا بعضها هنا، وبكلّ عزم وإصرار ودون هوادة أو مداهنة أو تقصير أو يأس، واضعاً بين عينيه قول الله تعالى له وخطابه الشديد اللهجة معه، مبيّناً فيه عدم كون ذلك الأمر لقرابة أو رغبة شخصية منه لعليّ(عليه السلام) مهما ظنّت قريش ذلك، وإنّما هو أمر إلهي ونصّ شرعي ووجوب ديني، بل هو حكم عقلي وأصل عقائدي لا يتمّ الدين من دونه، فقال تعالى مبيّناً ذلك: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ

١٣٤

مِنَ النَّاسِ} (١) فلا يكون النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد بلّغ تمام رسالته إلاّ بهذا الأمر الذي هو ليس منه بل من ربّه!! فيكون تبليغه ناقصاً غير تام من دون ذلك؛ ولا يعتبر حينئذ قد بلّغ الدين الذي أراده الله تعالى للأمّة، فلا يكون مبلّغاً للرسالة الحقيقية الكاملة الخاتمة، والتي بها صلاح الناس وكمالهم الذي أراده الله تعالى لهم وأحبّ أن يكونوا عليه، وشرّع ذلك الدين الخاتم الكامل المتكامل من أجل تحقيق هذه الغاية والوصول إليها، وبذلك الأمر (إمامة أهل البيت(عليهم السلام)) يؤمَن من تحريف الدين أو تأويله أو التلاعب به أو تضييعه أو ضياعه؛ لوجود قيّم معصوم عليه بصورة مستمرّة وعدم استغلال أحد للدين أو تسييسه من قبل السلطات والحكومات الغاصبة الظالمة، وبالتالي يؤمن من ضلال الأمّة واختلافها فتحصلُ الهداية العامّة للأمّة، والتي أومأ إليها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأشار إليها وبلّغها بقوله: (إنّي تارك فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (٢) .

فرأيت بأنّ من المحتم عليّ أن أتأسّى برسول الله(صلى الله عليه وآله) حين تبليغه لهذا الأمر، وأتحمل مشاق هذا الطريق وصعوباته من باب أولى وأوجب؛ لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ما فعل كلّ ذلك وأصرّ هذا الإصرار وبيّن ذلك البيان، وحذّر مَن يتركه مِن حتمية الضلال؛ إلاّ لأهمية هذا الأمر وعظمته وكونه أصلاً عقائدياً وركناً دينياً لا يتمّ الدين إلاّ به ومن خلاله.

ويشهد لذلك تحذير الله تعالى لنبيّه(صلى الله عليه وآله) من ترك تبليغه لهذا الأمر، وتهديده

________________________

١- المائدة: ٦٧.

٢- قال الهيثمي في مجمع الزوائد (١/١٧٠) ورجاله ثقات، و(٩/١٦٢): رواه أحمد وإسناده جيّد، وأخرى (١/١٧٠): رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢٤٥٧).

١٣٥

بعدم تبليغ الرسالة أصلاً من دونه، وبيان الله تعالى لنبيّه(صلى الله عليه وآله) بأنّه معه ومؤيّده وعاصمه ممّن يخاف اعتراضهم وسخطهم وحتّى تهوّرهم وانتقامهم.

فأنا لم ولن أتعرّض لمثل ظرف رسول الله(صلى الله عليه وآله) والضغوط التي مورست عليه قطعاً، فلا يوجد حولي أناس بتلك الشراسة والدهاء، ولم يكن من حولي اليوم في مثل ظرف الأوّلين في فرصتهم الوحيدة لإمكانية اعتلائهم كرسي الخلافة وتحقيق الطموح الشخصي، والحقد والحسد والبغض لعليّ(عليه السلام) وبني هاشم، فليس السنّي مهما كان حاله كالقرشي في طموحه في كلّ ذلك وتقديم المصلحة الشخصية على الدين والاعتقاد الحقّ والاقتناع التام بالدين، فإعطاء قريش الحقّ لكلّ أحد في خلافة المسلمين بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يجعله المسلم السنّي نصب عينيه مثل القرشي في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله) الأعظم مع أنّهم الآن سيستفيدون من ذلك أيضاً! إذْ إنّ القول بعموم الخلافة لكلّ من هبّ ودبّ تجعل طموح وأمل أيّ فرد من أفراد الأمّة مشروعاً في أن يكون يوماً ما إماماً على المسلمين وأميراً للمؤمنين! ولكن الأمر عند قريش كان أوضح وآكد منه عند أهل السنّة اليوم ممّن جاء بعدهم وأحسن الظن بهم.

فتشجّعت بذلك واطمأن قلبي له، فخضت وسلكت هذا الطريق الصعب بقوّة وسكينة، متوكّلاً على الله تعالى الذي تعهّد بهداية كلّ من جاهد فيه وطَلَبَ الوصول إليه وإلى سبله المؤدّية إلى رضوانه وقبوله، بواسطة طاعة أمره وشرعه هو لا بما يناسب هوانا وقناعتنا، فقد تعهّد الله(عزوجل) بذلك حين قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (١) .

________________________

١- العنكبوت: ٦٩.

١٣٦

فسلكت السبيل

حينها استرجعت في ذاكرتي فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) خصوصاً وأهل البيت(عليهم السلام) عموماً، وصرت أراها برؤية أخرى تختلف جذرياً عن رؤيتي السابقة لها تماماً ــ إن لم أقل تناقضها حقيقة ــ فبعد أن كنت ملزماً بتأويل كلّ فضيلة لعليّ(عليه السلام) خشية تأثيرها على عقيدتي من وجوب تفضيل غيره عليه وعدالة من خالفه أو سبّه أو لعنه أو قاتله صلوات الله وسلامه عليه، أو خوفاً من تأدية ذلك إلى تقوية أو تصحيح قول الشيعة وعقيدتهم، وبالتالي مخالفة عقيدتي وأصول مذهبي.

فأصبحت بعد تحرري عن هذا الفهم الموهوم، وهذه القواعد المغلوطة المكذوبة أفهم الأمور وأراها على حقيقتها، ولا أخاف من مخالفة تلك القواعد وتلك الأسماء التي سمّيناها نحن وآباؤنا، والتي ما أنزل الله بها من سلطان.

فأصبحت دلالات الأحاديث والآيات الكريمة واضحة لي وضوح الشمس، وتعجّبت لحالي السابق حينها!! فأصبحت لا أتصوّر بأنّني كنت أفهمها فهماً آخر مخالفاً لفهمي الحالي، وكيف كنت مقتنعاً بذلك؟! بل أصبحت والله أضحك على نفسي وأستشنع قولي وفهمي السابق ولا أستسيغه أو أبرره لمن يقول به أبداً! لانكشاف الأمور لي بحمد الله وتوفيقه، حتّى أصبحت أفهم النصوص كأنّي أتلّقى الحقّ عن قلب النبيّ(صلى الله عليه وآله) وفمه الشريف مباشرة وكأنّي معه كواحد من الصحابة،

١٣٧

بحيث يخاطبني مباشرة بقوله، ويهمس في أذني وكأنّي أراه وأسمعه، وأعي ما يقول ويقصدهُ، فأفهمه على حقيقته، بخلاف ما كنت عليه في السابق، وقبل أيام فقط، من تكلّفٍ وتأويل وليّ أعناق النصوص، بل تجريدٍ للفضائل والخصائص العظيمة عن معناها وجعلها لا تدلّ على شيء البتة، نتصوّر ونصوّر النبيَّ(صلى الله عليه وآله) وكأنّه يتكلّم عن بديهيات ويوضّح واضحات، ولا يقصد بيان أيّ شيء مهم أو حكم شرعي أو تعليم إلهي، وإنّه لا همَّ له إلاّ حلِّ خلافات وفصل خصومات ونزاعات شخصية حصلت عرضاً ومصادفة بين ابن عمّه عليّ(عليه السلام) وخصومه أو مبغضيه أو المعترضين عليه أو منتقديه!!

وبالتالي فهذه الأفهام السقيمة المجردة للنصوص النبوّية عن معناها ومغزاها كما فعله ابن تيمية وورثناه عنه، بل قلبها إلى سيئات وأخطاء!! ناهيك عن تجريدها عن الفضيلة بعد الفراغ عن الردّ والإنكار والتضعيف والتكذيب بلا دليل ولا برهان!

١٣٨

شبهة أزيلت بجواب ربّاني أثلج قلبي

وبعد مطالعتي للأحاديث الشريفة في فضائل أهل البيت(عليهم السلام) وسيّدهم عليّ(عليه السلام)، راودتني بعض الشكوك وأثيرت في ذهني بعض الشبهات حول أفضلية الإمام عليّ(عليه السلام) على سائر الصحابة وأهل البيت(عليهم السلام)، بعد أن رأيت حديث النبيّ(صلى الله عليه وآله) في أفضلية سبطيه وريحانتيه من الدنيا وولديه الحسن والحسين(عليهما السلام) وهو يصفهم بقوله(صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة) (١) ؛ ففهمت من هذا الحديث أفضليتهما(عليهما السلام) على كلّ الصحابة وأهل البيت(عليهم السلام) على الإطلاق ودون استثناء، لكون أهل الجنّة كلّهم شباب لقول النبيّ(صلى الله عليه وآله) في حديث آخر: (يدخل أهل الجنّة الجنّة: أبناء ثلاث وثلاثين في خَلق آدم وحسن يوسف وقلب أيوب) (٢) ، فإن ذلك الفهم للحديث سوف يصطدم بحقيقة لا خلاف عليها وهي أفضلية أبيهما عليّ(عليه السلام) عليهما، فإن استثنيته دون دليل فحينئذ يمكن استثناء غيره معه فلا يستقيم تفضيلهم(عليهم السلام) على من سواهم، ولا يتمّ لي الدليل في تفضيل عليّ(عليه السلام) على كلّ البشر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)!

________________________

١- رواه أحمد والترمذي والطبراني وابن حبان والبزار والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وغيرهم؛ راجع في تفصيل تخريجه سلسلة الأحاديث الصحيحة للمحدث السلفي الألباني (ح٧٩٦) وقال في آخر تخريجه: فالحديث صحيح بلا ريب؛ بل هو متواتر كما نقله المناوي، وكذلك الزيادات التي سبق تخريجها، فهي صحيحة ثابتة. انتهى الحديث.

٢- رواه أحمد (٢/٢٩٥،٣٤٣) و(٥/٢٤٣) والترمذي (٤/٨٨) والطبراني والهيثمي في مجمع الزوائد (١٠/٣٩٨) وحسّن بعض طرقه.

١٣٩

ولكن رحمة الله تعالى وألطافه وتوفيقاته يسّرت وقوع حديث تحت أنظاري من حيث لا أحتسب حين قررت متابعة طرق هذا الحديث وألفاظه رغم علمي باتّفاق المسلمين على صحّته وشهرته، بل تواتره عندهم وعدم اطّلاعي على مخالف يضعّف أو يطعن في الحديث أبداً، فقلَّبتُ كتاب سلسلة الأحاديث الصحيحة لمحدّث العصر الشيخ السلفي الألباني ــ شيخي المفضّل حينها! ــ فاطّلعت على تخريجه المفصّل لهذا الحديث، فرأيت المفاجأة الجميلة والدواء الذي أزال ما كنت أشكو منه من شك وحيرة لفهم هذا الحديث على واقعه الظاهر والموافق لما توصّلت إليه من نتائج، وهي وجوب اتّباع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) وكذلك أفضليتهم على سائر الصحابة، وأنّ عليّاً(عليه السلام) هو وصي رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأفضل الخلق من بعده، فرأيت الكثير من طرق الحديث تحتوي على زيادات مهمّة جدّاً تبيّن مراد النبيّ(صلى الله عليه وآله) الحقيقي من الحديث بشكل واضح وصريح ودون لبس أو شك كما عانيت من ذلك لفترة ليست بالقصيرة، وتصرّح هذه الزيادات في الحديث نفسه بأفضلية أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) على الحسن والحسين(عليهما السلام) واستثناء أبيهما(عليه السلام) من سيادتهما على جميع الأمّة، فزال اللبس واتّضح القصد وتم الفضل وبان حقّ كلّ ذي حقّ وأخذ كلّ ذي منزلة ومكانة ما يناسبه، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.

فقد قال الألباني (١) بعد أن ذكر عشرة من الصحابة ورد الحديث عنهم وبطرق كثيرة منها:

١ــ وأمّا حديث ابن مسعود؛ فله عنه طريقان: ...فذكره. وفيه الزيادة: (وأبوهما خير منهما). أخرجه الحاكم (٣/١٦٧) وقال: صحيح بهذه الزيادة، ووافقه الذهبي. وأقول (والكلام كلّه للألباني): إنّما هو حسن للخلاف المعروف في عاصم".

وذكر أيضاً بعض طرقه، فقال: "٢ـ وأمّا حديث حذيفة... فقال (النبيّ(صلى الله عليه وآله)):

________________________

١- سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ المحدّث الألباني السلفي (ح٧٩٦).

١٤٠