ثم شيعني الالباني

ثم شيعني الالباني0%

ثم شيعني الالباني مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 305

  • البداية
  • السابق
  • 305 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65182 / تحميل: 6503
الحجم الحجم الحجم
ثم شيعني الالباني

ثم شيعني الالباني

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
العربية

فهذا تخلٍّ عن الحقّ وتخاذلٌ عن الصادقين وخلفاء رسول ربّ العالمين، وهذا يجعلنا نجزم بفوات الخير الكثير علينا، وتركنا لأناس نأمن من الضلال بمتابعتهم، وتفريطنا بأئمة وجب علينا التمسّك بهم، لننجوا من الضلال والنار!

فقال: كيف تقول ذلك وقد نسب إليهم الشيعة الكثير من الأمور المخالفة للأدلة الصحيحة الثابتة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كالتقية والمتعة ومسح الرجل والإسبال وتأخير الإفطار حتّى يرون النجمة وتكفيرهم للصحابة والكلام في عرض عائشة والغلو في الأئمة والشرك ودعاء الأموات وو..! قلت: مهلاً! واحدة واحدة يمكننا التكلّم عنها ولكن يجب أن نبدأ ببدايةٍ متّفق عليها وهي وجوب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) دون سائر الصحابة والعلماء ومعرفة الأئمة والخلفاء الراشدين الشرعيين بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أعني الأئمة الاثني عشر!

قال: لا لا لا، ما دليلك على حصر أهل البيت(عليهم السلام) بالأئمة الاثني عشر أو الخمسة أصحاب الكساء؟قلت له: إنّ حصر أهل البيت(عليهم السلام) في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالخمسة واضح جدّاً، فهم من اختصّوا بكونهم أهل المباهلة حين قال(صلى الله عليه وآله) مبيّناً ومحدداً وحاصراً: (اللّهمّ هؤلاء أهلي) (١) ، وهم دون غيرهم من طَبَّق عليهم رسولُ الله(صلى الله عليه وآله) آيةَ التطهير (٢) واختصّهم بها، فأدخلهم تحت كسائه وثوبه وقال بعد أن نزلت وتلاها:

________________________

١- صحيح مسلم (٧/١٢٠). وآية المباهلة هي قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِين} آل عمران: ٦١. فلم يأتِ رسول الله(صلى الله عليه وآله) من الأبناء إلاّ بالحسنين ولا من النساء إلاّ بفاطمة الزهراء ولا بالأنفس، أي: الرجال الذين هم كنفسه إلاّ بعلي صلوات ربّي وسلامه عليهم أجمعين وقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي مع كون نصارى نجران ستون شخصاً.

٢- صحيح مسلم (٧/١٣٠) عن عائشة بلفظ مرط مرحل والمرط بالكسر والكساء بمعنى واحد، ورواه أحمد (١/٣٣٠) ضمن حديث ابن عباس ذو الفضائل العشرة لعلي والذي حسّنه الألباني ورواه أيضاً الحاكم في مستدركه (٣/١٣٢) وصححه ووافقه الذهبي، ومن طريق واثلة بن الأسقع عند أحمد (٤/١٠٧) وعند الحاكم (٢/٤١٦) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وحديث أم سلمة عند أحمد أيضاً (٦/٢٩٢) والترمذي (٥/٣٠) و(٥/٣٢٨) والحاكم أيضاً (٢/٤١٦) وصححه على شرط البخاري وقال الذهبي على شرط مسلم و(٣/١٤٦) وصححه الحاكم على شرط البخاري ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد من حديث أنس (٣/٢٥٩) و(٣/٢٨٥) والترمذي (٥/٣١) وحسّنه، والحاكم (٣/١٥٨) وصححه على شرط مسلم وسكت عنه الذهبي؛ كلّهم بلفظ (أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول الصلاة يا أهل البيت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} الأحزاب: ٣٣.

٢٢١

(اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي...) (١) واستمرّ على إيقاظهم ستة أشهر لصلاة الفجر وهو يتلوها عليهم وهم آل عليّ المقصودون بحديث الثقلين (٢) .

وما أضاف إليهم زيد بن أرقم هنا آل عقيل وآل جعفر وآل عباس إمّا تقية

________________________

١- أخرجه أحمد في مسنده (٤/ ١٠٧) بلفظ: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق). و(٦/ ٢٩٢) بلفظ: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً اللّهمّ هؤلاء...) (مكرراً) قلت (أم سلمة): فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنّك إلى خير إنّكِ إلى خير.

وفي رواية أخرى لأم سلمة عند أحمد (٦/٣٠٤) بلفظ: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) جلل على عليِّ وحسن وحسين وفاطمة كساءً ثم قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقالت أم سلمة: يا رسول الله أنا منهم؟ قال: إنّكِ إلى خير. وفي لفظ الترمذي (٥/٣١): اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت على خير. وفي لفظ آخر عنده (٥/٣٢٨): قالت أم سملة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: أنتِ على مكانكِ وأنتِ إلى خير. وفي رواية ثالثة عنده (٥/ ٣٦١): ثم قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامتي؛ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقالت: أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: إنّك على خير وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.

وعند الحاكم في مستدركه (٢/ ٤١٦) بلفظ: فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي قالت أم سلمة: يا رسول الله، ما أنا من أهل البيت؟ قال: إنّك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أهلي أحق. وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري. وفي لفظ آخر عنده صححه على شرط مسلم (٢/٤٣٦) عن واثلة بن الأسقع: قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، وفي (٣/ ١٤٧) رواه الحاكم عن واثلة أيضاً بلفظ: قال: هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أهل بيتي أحق. وصححه على شرط الشيخين.

٢- صحيح مسلم (٧/١٢٣) وأحمد (٤/٣٦٦) والبيهقي في سننه (٢/١٤٨) وفيه زيادة مهمّة حين سألوه وقالوا له: أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: بلى نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته الذين ذكرهم من حرموا الصدقة بعده.

٢٢٢

وإمّا أنّه رأيه، ومن المتّفق عليه عدم حجّية رأي الصحابي، فيمكننا ردّه لأنّه لم يرفعه إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) كما أنّ غير واحد من العلماء قد خالفه وقال غير ذلك.

فالإضافة إلى آل عليٍّ من قبل هذا الصحابي الجليل زيد بن أرقم كان للتمويه؛ لأنّه كان متهماً مهدداً من قبل الحجاج بعد اشتهاره بتحديث الناس بحديث الحوض وارتداد الصحابة! وكان خائفاً متردداً أيضاً من الكلام مع الذين سألوه تحديثهم بحديث لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وبيّن لهم منذ البداية وقبل تحديثهم بأنّه "قد كبر سنّه ونسي بعض الذي كان يعي"، فحاول بيان أنّه سيقطع من الحديث شيئاً ويجمل فيه لئلا ينكشف أمره من قبل السلطات والحكومات، ولذلك أشار لهم ولنا بقصده ذلك بقوله: "فما حدّثتكم فخذوا وما لا فلا تكلّفونيه"، وكذلك بيَّن لنا موقفه الصعب بتغييره لألفاظ الحديث في روايته لحديث الثقلين ففي الطرق الأخرى يقول: (كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، وفي رواية مسلم قد أجابهم بجوابين وطريقتين وأسلوبين في نفس الحديث والحادثة والمجلس حينما بيّن أنّ نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) لَسْنَ من أهل بيته، فلمّا سُئل: أليس نساؤه من أهل بيته؟ فمرّة قال: "نساؤه من أهل بيته"! ثمّ نقض كلامه فأخرجهن بالاستثناء حين قال: "ولكن أهل بيته من حرموا الصدقة بعده"! وأخرى صرح بأنَّ "نساءَه لسن من أهل البيت(عليهم السلام)" عرفاً وشرعاً، وصرَّح بقوله: "لا".. واستدل على إثبات الشرع بالعرف واللغة!

وبذلك تبيّن أنّه كان حذراً خائفاً أراد أن يوصل لنا رسالة خفية دقيقة قدر إمكانه بأنَّ هناك تعتيماً وتضليلاً حول هوية أهل البيت(عليهم السلام) الذين كانوا واضحين جدّاً للصحابة وللعرب بحيث لم يسأل أحدهم النبيَّ عمّا يقصده من قوله(صلى الله عليه وآله): (وعترتي أهل بيتي)! ولكن السلطات ارتأت التعمية بالتعميم لكي يتمّ لها أمرها ويستتب لها ملكها!!

٢٢٣

وأمّا بعد هؤلاء فبما أنّنا نفتقدهم ورسول الله(صلى الله عليه وآله) قد قال: بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فقد جعلهم سلسلة متصلة لا يمكن انقطاعها أو انعدامها في وقت من الأوقات، وبذلك بيَّن لنا بأنّ الخلفاء من بعده اثنا عشر ولا يستقيم أمر الناس وأمر الدين إلاّ بهم وبولايتهم، وأنّ آخرهم هو المهدي(عجل الله تعال فرجه الشرف) بالاتّفاق، وبذلك يتبين لنا وجوب انحصار الخلافة الشرعية الراشدة المهدية في اثني عشر رجلاً فقط بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإلى يوم القيامة، ويتبين ذلك جلياً من خلال ما ذكرناه، وخصوصاً مع تأكيده وبيانه من خلال حديث ابن مسعود حين سأله مسروق بقوله: "هل سألتم رسول الله(صلى الله عليه وآله) كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال ابن مسعود: ــ لبيان أهمية هذه المسألة ــ ما سألني عنها أحد مذ قدمت العراق قبلك ثمّ قال: نعم ولقد سألنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل" (١) .

فقلت له: وهذا ما عليه الشيعة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة وإلى يومنا هذا، فأين أدلتنا نحن على العموم والتعميم؟

قال: بعث النبيّ(صلى الله عليه وآله) بعض الصحابة للتبليغ عنه إلى مدن وقرى بعيدة وبلدانٍ شتى، وجعله مرجعاً وحيداً لهم لأخذ الدين وتعلمه، فهذا يكشف عن عدم اختصاص أحد بالدين دون غيره، فالدين وإمامة الدين مفتوحة للجميع دون استثناء!

قلت له: كلامك هذا يستقيم لولا وجود النصوص المخصصة، فلو تركنا حديث الثقلين والغدير وما إلى ذلك جانباً وذكرنا أنموذجاً واضحاً صحيحاً صريحاً متّفقاً عليه للتخصيص والحصر وعدم عموم خلافة الرسول وإمامة الأمّة

________________________

١- رواه أحمد في مسنده (١/٣٩٨و٤٠٦) والحاكم في المستدرك (٤/٥٠١) والهيثمي في مجمع الزوائد (٥/١٩٠) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه مجالد بن سعيد وثّقه النسائي وضعّفه الجمهور.

٢٢٤

لكلّ أحد فقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان) (١) ، بل قال(صلى الله عليه وآله): (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلاّ كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين) (٢) ، فأخبرنا بأنّها ستستمر على ذلك فأكمل الحديث بقوله(صلى الله عليه وآله): (ما بقي من الناس اثنان)، وهذا يعني إلى يوم القيامة! فهذا التخصيص الثابت قد حرم الكثير من الصحابة وممّن يأتي من بعدهم من الأمّة من غير قريش من هذه المكانة وهذه الزعامة وهذه القيادة حتّى أصبحت القرشية شرطاً يلزم توفّره لمن يتصدى للإمامة العظمى على المشهور والصحيح الموافق للدليل إن لم نقل بالإجماع ولم نعبأ بالشواذ من الأقوال! فالاختلاف بيننا في سعة المخصص وضيقه لا في أصل التخصيص، وبذلك يندفع إشكالك حول حرمان الناس من حقّهم في التصدّي لإمامة الأمّة!

قال: نعم، كلامك صحيح ولكن تخصيصك غير مقبول ولا معقول ولا دليل عليه!

قلت له: كيف تقول ذلك وفضائل وخصائص الإمام عليّ(عليه السلام) تطفح بها الكتب وتغص بها المؤلفات...

فقاطعني حينها (حارث) وسأل صاحبنا بقوله: بمناسبة التخصيص وعدم قبولك بأفضلية أهل البيت(عليهم السلام) مع ما تدّعيه من حبّهم الكبير، أريد منك أن تذكر لي خمسة فضائل للإمام عليّ(عليه السلام) حتّى أصدّق ما تقوله وأقطع بأنّك تحبّ عليّاً كما تحبّ أبا بكر وعمر؟

________________________

١- صحيح البخاري باب مناقب قريش (٤/١٥٥) وباب الأمراء من قريش (٨/١٠٥) ومسلم (٦/٣).

٢- صحيح البخاري باب مناقب قريش (٤/١٥٥) وباب الأمراء من قريش (٨/١٠٥).

٢٢٥

فأجابه متلكّئاً: إنّ فضائل عليّ كثيرة طبعاً كزواجه من فاطمة الزهراء بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وسكت!!

فقلنا له: وبعد! يا الله! هذا ليس بحديث، اذكر لنا أحاديث في فضله رجاءً؟

قال: وإعطائه الراية يوم خيبر، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى.

ولم يستطيع ذكر فضيلة أخرى غير هذين الحديثين!!

فقلت له: ما شاء الله على هذا الحب العظيم!! بالله عليك لا تتذكر إلاّ معنى حديثين من فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) الكثيرة جدّاً والمشهورة بحيث قال عنها أحمد بن حنبل وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: "لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ممّا جاء في عليّ" (١) ، فراجع نفسك وحاسبها هل وفت وأدّت حقّ علي بن أبي طالب حقّاً؟!

فقال له (حارث): والله لو سألتك عن فضائل أبي بكر أو عمر لذكرتها بسرعة هائلة ولذكرت ما صح وما لم يصح وبالعشرات! على كلّ حال أنت لم تذكر سوى حديثين فقط ومن البخاري وبالمعنى! وقد وردت المئات منها في الكتب المعتبرة عندنا وكلّها تدلّ على أفضليته ووجوب متابعته والحض على التزام طريقه وطريقته كحديث الثقلين والكساء والمباهلة والغدير والمنزلة والاثني عشر، وحديث (أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب) (٢) ، ورواية الترمذي له بمعناه بلفظ: (أنا دار الحكمة وعليّ بابها) (٣) ، وقول

________________________

١- قاله ابن حجر في فتح الباري (٧/٥٧)، والمباركفوري في تحفة الأحوذي (١٠/١٤٤) والحاكم عن أحمد (٣/١٠٧) بلفظ: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) من الفضائل ما جاء لعلي).

٢- رواه الحاكم النيسابوري في مستدركه بعدّة طرق وصححها (٣/١٢٦و١٢٧) والهيثمي في مجمع الزوائد (٩/١١٤) وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد السلام بن صالح الهروي وهو ضعيف. قلت: ولكن ذكر ابن معين والحاكم من يتابع الهروي عليها فلم ينفرد الهروي بهذه الرواية وهذا الطريق فدفعوا التهمة عن الهروي بذلك لمن ضعّف هذا الحديث به، ونقل المتقي الهندي في كنز عماله كلاماً نفيساً يستفاد منه بأنّه أتى به ليصحح الحديث ويقويه فقال في (١٣/١٤٨): وقد أورد ابن الجوزي في الموضوعات حديث علي وابن عباس وأخرج ك (الحاكم) حديث ابن عباس وقال: صحيح الإسناد، وروى خط (الخطيب البغدادي) في تاريخه عن يحيى بن معين إنّه سُئِل عن حديث ابن عباس فقال: هو صحيح، وقال عد (ابن عدي) في حديث ابن عباس إنّه موضوع، وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: قد قال ببطلانه أيضاً الذهبي في الميزان وغيره ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة سوى دعوى الوضع دفعاً بالصدر، وقال الحافظ ابن حجر في لسانه: هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصلاً فلا ينبغي أن يُطلق القول عليه بالوضع وقال في فتوى هذا الحديث: أخرجه ك (الحاكم) في المستدرك وقال: إنّه صحيح وخالفه ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وقال: إنّه كذب والصواب خلاف قولهما معاً وأنّ الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولاً ولكن هذا هو المعتمد في ذلك انتهى. وقد كنت (والكلام للمتقي الهندي) أجيب بهذا الجواب دهراً إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في تهذيب الآثار مع تصحيح ك لحديث ابن عباس فاستخرت الله وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة والله أعلم.

٣- سنن الترمذي (٥/٣٠١).

٢٢٦

عليّ(عليه السلام): (كنت إذا سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله) أعطاني وإذا سكتُّ ابتدأني) (١) ، و(أقضاكم عليّ) (٢) الذي تشهد له رواية البخاري عن عمر من قوله (وأقضانا عليّ) (٣) وغيرها، فكلّ هذه الأحاديث وأمثالها معها تدلّ على خصوصية أمير المؤمنين وتفضيله على كلّ من سواه بشكل واضح وصريح فخصائصه(عليه السلام) لم يشركه فيها أحد أبداً!

وعلى كلّ حال استمر الحوار مع دكتور (عمار) أكثر من أربع ساعات نتكلّم معه

________________________

١- نفس المصدر، وقال عنه الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وكذا أخرجه الحاكم في المستدرك(٣/١٢٥) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وابن أبي شيبة في مصنفه (٧/٤٩٥) والنسائي وفي السنن الكبرى (٥/١٤٢) وفي خصائصه بثلاثة طرق عن علي (١١٢) وابن سعد في طبقاته وابن عساكر في تاريخه الكبير والمتقي الهندي في كنزه.

٢- أخرجه ضمن حديث طويل الترمذي (٣٧٩١) وابن ماجة (١٥٤) وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (٢٢١٨) والحاكم (٣/٤٢٢) ووافقه الذهبي وقال شعيب الأرنؤوط: وهو كما قالوا.

٣- البخاري (٥/١٤٩).

٢٢٧

في مختلف المسائل، من المتعة ومسح القدمين والإسبال والتقية والإمامة والأفضلية والأسبقية والأعلمية والشجاعة والفضائل وما إلى ذلك...

فقلت له في آخر اللقاء عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل: بالله عليك دكتور ألم يثبت لك خطأ أهل السنّة في أيّ مسألة من المسائل الكثيرة التي ذكرناها لك ولو في مسألة واحدة؟

قال: لقد ثبت لي بأنّكم رافضة وهذه أعظم استفادة من حديثكم!

فقلت له: الله أكبر! هذا كلّ ما استفدته من كلّ ما ذكرناه لك؟! أنا آسف على كلّ دقيقة أضعتها معك ويا لإنصافك وبحثك عن الحقّ ومتابعتك للدليل! يا من تدعون متابعة الدليل!

وقلت له أيضاً عند الافتراق: ما الذي تستفيده من معرفتك وتأكدك من كوننا رافضة مع أنّنا لسنا رافضة، وإنّما نحن كما ترى نتبع الدليل أينما وُجد!

فأجابني بأنّه استفاد من كشف أمرنا ليحذر الإخوة (الوهابيين) من الاحتكاك بنا أو التحدّث معنا أو حتّى السلام علينا لأنّنا أصبحنا مبتدعة وتجب مقاطعتنا والحذر منّا! لئلا نضلّهم!

فقلت له: هداك الله وأصلحك ونحن أيضاً استفدنا من حوارنا معك بأنّكم معاشر السلفية تدَّعون الاتّباع وأنتم أبعد الناس عنه وأكثرهم تعصباً وتقليداً، وعلمنا بأنّ فكركم غير متحرر، بل هو متوغل في التقليد والتعصّب الأعمى وعدم الإنصاف! هدانا الله وإياكم إلى سواء السبيل.

فلمّا فارقنا دكتور (عمار) الوهابي قال لي (حارث) غاضباً: انظر ماذا تفعل بنا! رجاءً اترك هؤلاء إلى جهنم وبئس المصير، دعنا عنهم واكفنا شرهم كيف تأمن بالكلام مع هؤلاء والله لا أدري كيف تفكّّر أنت؟

٢٢٨

قلت له: نؤدّي ما علينا والباقي على الله ما دمنا نرى بأنّنا نفعل ذلك قربة إلى الله تعالى لا نريد منهم جزاءً ولا شكوراً، إنّما نريد أن نريهم النور الذي رأيناه والكنز الذي عثرنا عليه، فنحن نقيم الحجّة عليهم لنبريء ذمّتنا ولا نلوم أنفسنا ونتهمها بالتقصير بعدم إسماعهم فقد يهدي الله بنا أحداً منهم: {وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ} (١) .

فقال لي (حارث): انتهي عن ذلك إذن رجاءً اتركهم بعد الآن قد أدّيت ما عليك.

فقلت له: بالله عليك أنت مقتنع حقاً بما تقول؟ كيف تقول ذلك ونحن مكلّفون بإيصال الحقّ إلى كلّ من نستطيع إسماعه! أنسيت قوله(صلى الله عليه وآله): (بلّغوا عنّي ولو آية) (٢) ، و(الدين النصيحة) (٣) .

فقال: ولكن المشاكل التي ستسببها لنا لا تطاق؛ أنسيت قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (٤) !

قلت له: هون عليك يا حارث فالأجر على قدر المشقة، ونحن تعاهدنا أن نبذل كلّ ما نستطيع أن نقدّمه لنوصل الناس إلى الحقّ معنا، وكذلك تعلم بأنّ الله معنا وعنايته بنا ظاهرة، فكم مرّة ينقذنا ويجعل كيدهم في نحورهم ويجعل نارهم علينا برداً وسلاماً! فيجب علينا تذكّر قول الله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (٥) .

________________________

١- النمل: ٨١.

٢- البخاري (٤/١٤٥).

٣- البخاري (١/٢٠).

٤- البقرة: ٢٨٦.

٥- آل عمران: ١٣٩.

٢٢٩

إكمال الحوار مع شيخي أبي دعاء:

بعد ذلك بأيام قلائل ذهبت إلى شيخنا (أبو دعاء) متوكّلاً على الله مصطحباً معي صديقي (حارث) وأخذت جزئين من خمسة أجزاء كانت عندي من كتاب سلسة الأحاديث الصحيحة للألباني، فدخلنا عليه ورحّب بنا وهو مكفهر الوجه على غير عادته وكأنّه لقاء رسمي خالٍ من الابتسامات المتبادلة والكلام الزائد، فاقتصر على الترحيب والسكوت اكتفاءً بالإشارة لنا بالدخول إلى غرفة مكتبته، قائلاً: تفضّلوا أهلاً وسهلاً. وبعد أن جلسنا سأل عن أحوالنا وأخبارنا وهل كلّمنا أحداً آخر خلال هذه الفترة؟ فأجبناه بالنفي خائفين من معرفته بكلامنا مع دكتور (عمار) رغم علمنا بعدم معرفة أحدهما للآخر ولكنهما كلاهما يعرفان صديقنا (ماجد) فخشينا من احتمال إخبار (عمار) لماجد فنفتضح حينها، ولكننا أحضرنا عذراً بأنّ عماراً أيضاً صاحب علم وأقدم منّا في هذا المسلك فكلامنا معه كان للاستفادة منه فهو وماجد ليسا في خانة واحدة بكلّ تأكيد.

فقال لنا مباشرة: ها ماذا فعلتم؟ وإلى ما توصّلتم؟

فقلت له: عندنا بعض الإشكالات حول عدالة الصحابة؟

فقال: كيف؟

فقلت له: انظر إلى الشيخ الألباني كيف يتكلّم في أبي الغادية ذلك الصحابي الذي قيل بأنّه من أهل بيعة الرضوان ولكنه قتل عماراً وورد فيه حديث ينص على كونه من أهل النار، فقرر الشيخ الألباني بأنّه من أهل النار، وهذا مخالف لعقيدتنا بعدالة جميع الصحابة وينسفها وينقضها تماماً، فماذا يبقى لنا من الدين بعد ذلك؟

قال: ماذا تقصد؟

قلت: إن عماد مذهب أهل السنّة والجماعة وأساسه هو نظرية عدالة جميع الصحابة فإذا انتقضت هذه القاعدة الكلية بواحد فممكن أن تنتقض بغيره! وإذا

٢٣٠

دخل الاحتمال في كلّ صحابي بأنّه ليس عادلاً أو مؤمناً أو من أهل الجنّة فلا يمكننا بعد ذلك اعتماد روايته وتصديق إخباره عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وبذلك تنتفي حجية الأحاديث ــ أي: السنّية ــ برمّتها أو أنّه سوف يجب علينا إخضاع الصحابة كغيرهم لقاعدة الجرح والتعديل أيضاً وهذا مخالف للإجماع! بالإضافة إلى صعوبة تطبيق ذلك؛ لأنّ علماءَنا المتقدّمين لم يفعلوا ذلك مع أحد من الصحابة، فكيف نأتي بجرح وتعديل لهم جميعاً بعد هذه القرون! سيكون هذا عسيراً جدّاً إن قلنا بإمكانه.

فقال لي: ماذا تقول؟! وما هذه المقدّمات والنتائج من أين لك هذا الكلام الذي لم يقله أحد قبلك!! حتّى الشيخ الألباني الذي تنقل عنه هذا الموقف لم يصل إلى ما وصلت أنت إليه وقررته من نتائج خطيرة مخالفة لإجماع الأمّة! فمن أنت حتّى تتكلّم بمثل هذا الكلام؟!

قلت له: أنا عبد فقير مسكين جاهل ولكنني أطلب العلم كما تعلم ذلك وكما أمرنا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأريد الوصول إلى الحقّ ومعرفة عقيدتي عن دليل واطمئنان لأنّني أنا من سيُسأل يوم القيامة وليس الشيخ الألباني ولا ابن تيمية ولا أهل السنّة والجماعة، لأنّ الله تعالى رفض تقليد الآباء والسادة والكبراء في العقائد ولم يعذر مَن تعذّر بأنّهم هم من أضلّوه وإنّما عذّبهم تعالى جميعاً فقال(عزوجل): {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} (١) .

فقال أبو دعاء ــ بعد أن أخذ منّي الكتاب وقرأ المطلب كلّه ــ : نعم، إن أخطأ صحابي واحد فهذا لا يعني بأنّ كلّ الصحابة ارتدّوا، وأنّهم ليسوا عدولاً، وأنّ أغلب الصحابة فاسقون أو في النار، بل يعتبر هذا الرجل استثناءً ومنصوصاً عليه، أمّا غيره فيجب الاعتقاد بعدالته وفضله، وهذا ما قاله الألباني هنا وهو كلام مقبول!

________________________

١- الأعراف: ٣٨.

٢٣١

فهلا أخذت بكلّ كلام الشيخ الألباني (حفظه الله) ولم تقتطع ما يعجبك؟

فقلت له: هذا ادّعاء لم يثبت وليس عليه دليل واضح، بل لو تأمّلت جيّداً في كلام الألباني تجده لا يقول بما قلته وفهمته أنت أبداً! فقد ردّ على ابن حجر لمّا حاول الاعتذار لأبي الغادية بأنّه مجتهد وأنّه مأجور قائلاً: هذا حقّ (يعني قاعدة أنّ الصحابة متأوّلون فيما جرى بينهم وللمجتهد المخطئ أجر)، لكن تطبيقه على كلّ فرد من أفرادهم مشكل، لأنّه يلزم تناقض القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة، إذ لا يمكن القول بأنّ أبا غادية القاتل لعمار مأجور لأنّه قتله مجتهداً ورسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (قاتل عمار في النار)! فالصواب أن يقال: إنّ القاعدة صحيحة إلاّ ما دلّ الدليل القاطع على خلافها، فيستثنى ذلك منها، كما هو الشأن هنا، وهذا خيرٌ من ضرب الحديث الصحيح بها. والله أعلم (١) .

فالشيخ الألباني هنا لا يقول بأنّ أبا غادية فقط هو المستثنى! وإنّما قال بوضوح: إنّ القاعدة صحيحة إلاّ ما دلّ الدليل القاطع على خلافها! فالألباني يعترف بأنّنا لو وجدنا نصوصاً تخرج مائة صحابي وتدينهم وتذمّهم لوجب علينا إخراجهم من هذه القاعدة، ولكننا لم نعمل بهذا الأمر ولم نقبله وتعصّبنا وغلونا في الصحابة حتّى التزمنا القول بوجوب اعتقاد عدالة الكل!!

فقال: أين هذه النصوص التي تدلّ على استثناء صحابة آخرين غير أبي الغادية من هذه القاعدة؟

قلت له: أحسنت خذ مثلاً أنّ هناك حديثاً ينص على أنّ معاوية وجيشه دعاة إلى النار، فهل نفهم بأنّهم كانوا مجتهدين فعلاً ومأجورين على مقاتلتهم وخروجهم على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)؟ أم أنّ هذا النص يصرّح

________________________

١- سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني (ح ٢٠٠٨).

٢٣٢

بكونهم قاصدين للخروج على الإمام الشرعي وأنّهم قصدوا الفساد والإفساد والبغي، وأثبت النية السيئة وجعلهم دعاة إلى جهنم؟ فقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيهم: (ويح عمار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار) (١) ، وفي رواية أخرى: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار) (٢) .

فقال: نعم، ممكن أن يكون النص خاصاً بعمار فقط، فلو أطاعهم عمار لاستحق النار، ولا يلزم منه أن يكون معاوية وعمرو بن العاص وجيش أهل الشام كلّه في النار! خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار بعض الآيات التي مدحت الصحابة الذين دخلوا الإسلام بعد الفتح، وكذلك الأحاديث التي صححها الألباني نفسه في فضل معاوية وعمرو بن العاص وعامّة الصحابة!

فقلت له: أنا أذكر أحاديث متّفق على صحتها وموافقة للواقع، وأنت تريد أن تلزمني بأحاديث يمكن أن يكون معاوية نفسه قد أمر بوضعها أو علماء الحكومات قاموا بذلك تملقاً للملك والحاكم وتبريراً لما فعله وفعلوه! أليس هناك دواعي لوضع مثل هذه الأحاديث التي تبرر وتمدح الباطل وأهله؟ فكيف يُطمئن لصدورها عن النبيّ الأعظم وهي تخالف وتناقض ما ثبت عنه(صلى الله عليه وآله)؟! ولماذا تلوي أعناق النصوص وتتأوّلها وتخالف ظواهرها؟ بل هي نصّ محكم بأنّ معاوية قائد وصاحب فئة باغية داعية إلى النار! ولا اجتهاد في معرض النص! فكيف يمكن لنا أن نخصص العام ونخالف الظاهر لأجل مصلحة أناس لا تربطنا بهم علاقة ولا ولاء إلاّ إذا اتّبعوا الحقّ وكانوا من أهله؟! أمّا أن يبغوا ويظلموا ويفسدوا ويقتلوا ويصفهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى بأنّهم بغاة ودعاة للنار، فلا يجب علينا أن نتأوّل لهم ونبرر أفعالهم حتّى نتولاّهم فنوقع أنفسنا

________________________

١- صحيح البخاري (١/١١٥).

٢- صحيح البخاري (٣/٢٠٧).

٢٣٣

بالمساءلة دونهم وفي محاذير خطيرة بدلاً عنهم، وسيسألنا الله تعالى الذي أمرنا بموالاة أوليائه والبراءة من أعدائه أيّاً كانوا، وحذّرنا من فعل مثل هذا الأمر مع الكل وبعموم لم يخصص وحذر الصحابة أنفسهم من فعل ذلك أيضاً فقال عز من قائل: {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (١) ، فأوجب تعالى علينا بذلك نبذ كلّ عاص لله مخالف لأمره مرتكب لنهيه والبراءة منه من هذه الحيثية.

فلماذا نقحم أنفسنا مع أناس قد نصّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) عليهم بأنّهم بغاة ظالمون داعون إلى النار، ونحن نريد أن نتولاّهم وندافع عنهم دفاعاً مستميتاً، ونأخذ الدين عنهم ونجعلهم أئمة وأمراءً للمؤمنين، ونقحمهم تحت عنوان مقدّس عظيم وهو عنوان الصحابة فنجعله فضفاضاً يشمل كلّ من هبّ ودبّ دون أن يدلّ دليل على إخلاصه ورضا الله تعالى عنه كي نزكّيه ونتولاّه ونقدّسه وندافع عنه مهما فعل! مثلما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في بعض الصحابة وأثبت وجوب محبّتهم وتزكية الله تعالى لهم (٢) ؟

قال: كيف تقول ذلك في أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله)؟! الله الله في أصحاب محمّد!!

قلت له: وماذا قلت أنا غير كلامك؟! أنا من يقول يجب علينا احترام هذا العنوان وعدم توسيعه بحيث يشمل غير الصالحين المخلصين، وكذلك من نصّ الشرع على عدم إخلاصه وكلّ من هبّ ودبّ! فهؤلاء يجب أن نعتقد بأنّهم ليسوا

________________________

١- المجادلة: ٢٢.

٢- كما في حديث: (إنّ الله أخبرني بأنّه يحبّ أربعة وأمرني بحبّهم، علي منهم عليٌ منهم عليٌّ منهم والمقداد وأبي ذر وسلمان) رواه الترمذي.

٢٣٤

مخلصين وليسوا مجتهدين وغير مأجورين، بل محاسبين على كلّ ما فعلوه وما أفسدوه ومن قتلوه، لقد قتلوا عشرات الآلاف من كبار الصحابة ومن خيار التابعين والقراء وحملة الدين! فهل ترى أنّ من يقتل الصحابة ومن تبعهم بإحسان مأجور؟ والذي يسبّهم أو يلعنهم أو يتبّرأ منهم كافر؟ ما لكم كيف تحكمون، وبأيّ لغة تتكلّمون؟!!

قال: أنت على خطر عظيم لأنّك تجرؤ على من اختارهم الله تعالى لصحبة نبيّه(صلى الله عليه وآله)، فهؤلاء تلاميذ محمّد وحوارييه! كيف تجرؤ على الطعن بهم وهم حفظة الدين وناقليه إلينا؟!

قلت: لا والله أنا أقدّر كلّ من ساهم بنقل الدين وحفظه لنا، ولكنني أتكلّم على من دلّ الدليل على خطئه، وتقصّده للخطأ والفساد والإفساد، وليس أكثر! وأضيف إلى ذلك: بأنّ وجود مثل هؤلاء في الصحابة والسلف وكذلك وجود الكثير من المنافقين مجهولي الهوية ضمن الصحابة يجعلنا نشكك بكلّ ما نقل وأثر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) من أحاديث عن طريقهم؛ لأنّ في الصحابة وفي النقلة أناس من أهل النار، وكذلك وجود المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار، وهؤلاء المنافقون ينقسمون إلى أناس معروفين بأعيانهم ومشخّصين بأسمائهم كأُبيّ بن أبي سلول، وهذا الصنف يمكن اجتنابه والحذر منه، أو بصفاتهم كالمتخلّفين عن الصلاة أو الجهاد، وهؤلاء منافقون مجهولون لنا ويمكن لأهل زمانهم وأقرانهم الطعن فيهم واجتنابهم، أمّا من جاء بعدهم كالتابعين فلا يتصوّر أحد بأنّه يميّزه ويعرفه وخصوصاً أنّ أكثر هؤلاء أصبحوا ولاة وقادة، وهناك منافقون لا يعلمهم إلاّ الله ورسوله وحذيفة بن اليمان، وهم المنافقون الاثنا عشر أصحاب العقبة الذين حاولوا تنفير دابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ليقتلوه،

٢٣٥

وهناك منافقون لا يعلمهم إلا الله ورسوله، وهناك منافقون مردوا على النفاق لا يعلمهم حتّى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قد ذكرهم تعالى في قوله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} (١) .

فهذه الأصناف من المنافقين كلّها موجودة ومدرجة ضمن أفراد الصحابة وهم مجهولون لنا، ومع كلّ ذلك لا نجيز لأحد التعرّض لهم بجرح وقدح، ونقول بأنّهم فوق ذلك، وأنّهم كلّهم عدول، وكلّهم في الجنّة، وأنّ الله تعالى قد اختارهم لنبيّه وعدّلهم ورضي عنهم ورضوا عنه أجمعين، ودون أيّ استثناء لأحد، ولو كان قد رأي رسول الله(صلى الله عليه وآله) مرّة واحدة!

أنا يا شيخي الفاضل أرى بأنّ هذا الكلام لا يستقيم! وهذه العقيدة لا تثبت بدليل يمكن الركون إليه والاعتماد عليه والاطمئنان له والتزامه ؛ لأنّ دليله عبارة عن عموميات محتملة في القرآن والسنّة وليست نصوصاً، وهي أيضاً مخصصة بنفس الكتاب والسنّة لوجود الاستثناءات والنقوض التي ترد عليها بكلّ صراحة ووضوح، مثل تسميته تعالى لأحد الصحابة فاسقاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (٢) ، وكذلك ذكره تعالى لإمكان الردة فيهم حين خاطبهم تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (٣) ، بل صرّح تعالى بوقوع الارتداد والانقلاب منهم عند موت النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو قتله فقال: {وَمَا محمّد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً

________________________

١- التوبة: ١٠١.

٢- الحجرات: ٦

٣- المائدة: ٥٤

٢٣٦

وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (١) ، مع الأخذ بنظر الاعتبار بأنّ كلّ آية تمدح الصحابة على فعل صالح فعلوه كالهجرة والنصرة والبيعة والعبادة والمحبّة والجهاد والقوّة والطاعة، كانت نصوص مقيدة إمّا بزمان أو مكان أو شرط يجب توفّره ليدخل في الممدوحين، كالإيمان والإخلاص والصدق وكون ذلك الفعل لله تعالى وليس لمصلحة شخصية أو لدنيا أو تجارة أو امرأة.

فالمهاجرون مثلاً لا يمكن أخذ مدحهم على عمومه وظاهره ليشمل كلّ فرد فرد ممّن هاجر من الصحابة، ولا يمكن مدح وتنزيه كلّ مهاجر ظاهراً ؛ لأنّ ذلك سينتقض بفعل أحد الصحابة الذي هاجر ليتزوّج امرأة مثلاً وكان يسمّى من قبل الصحابة أنفسهم مهاجر أم قيس (٢) ، وكذا مدح الأنصار قد نقض ظاهر عمومه كبير الخزرج سعد بن عبادة الذي بقي شاذّاً عن الجماعة دون أن يبايع أبا بكر وعمر أيضاً حتّى مات (٣) ، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من مات وليس في عنقه بيعة

________________________

١- آل عمران: ١٤٤

٢- روى الهيثمي في مجمع الزوائد (٢/١٠١) عن شقيق قال: قال عبد الله: من هاجر يبتغي شيئاً فهو له، قال: وهاجر رجل ليتزوّج امرأة يقال لها أم قيس فكان يسمّى مهاجر أم قيس، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. وقال ابن حجر في فتح الباري (١/٨): قال ابن دقيق العيد: نقلوا أنّ رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنّما هاجر ليتزوّج امرأة تسمّى أم قيس...انتهى...وقصّة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور... ابن مسعود قال: من هاجر يبتغى شيئاً فإنّما له ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش...فكّنا نسمّيه مهاجر أم قيس، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

٣- انظر الطبقات الكبرى لابن سعد (٧/٣٩٠) قال: ولم يبايعه سعد بن عبادة فتركه ولم يعرض له حتّى توفي أبو بكر وولي عمر فلم يبايع له أيضاً فلقيه عمر ذات يوم في طريق من طرق المدينة فقال له عمر: إيه يا سعد إيه سعد، فقال سعد: إيه يا عمر، فقال عمر: أنت صاحب ما أنت عليه؟ فقال سعد: نعم أنا ذلك وقد أفضى الله إليك هذا الأمر وكان واليه صاحبك أحب إلينا منك وقد والله أصبحت كارهاً لجوارك..! وكذلك في أسد الغابة لابن الأثير (٢/٢٨٤) قال: فلم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر وسار إلى الشام.

٢٣٧

مات ميتة جاهلية) (١) ، و(من فارق الجماعة شبراً فمات إلاّ مات ميتة جاهلية) (٢) ، حتّى أنّ عائشة حينما ذكرته في حديث الإفك وصفته بقولها: "وكان رجلاً صالحاً"، وكذلك انتحار أحد الأنصار في إحدى المعارك حين أصيب (٣) ، وكذلك مقاتلة بعضهم مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) رياءً وسمعة وليقال عنه إنّه شجاع، هذا بالإضافة إلى وجود عصاة وفسّاق وخوالف وفارّين من الزحف والقتال ومنافقين كثيرين في الصحابة، وكذلك يرد على أهل بيعة الرضوان أمثال أبي الغادية قاتل عمار الذي قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيه: (قاتل عمار وسالبه في النار) (٤) ، وأمثال عبد الرحمن بن

________________________

١- رواه مسلم في صحيحه (٦/٢٢) ورواه أحمد بألفاظ منها ما في (٤/٩٦): (من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية) كما قال الشيخ الألباني في كتاب السنّة لابن أبي عاصم (٤٨٩) وحسّنه وما وجدناه في مسند أحمد لفظه هو: (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية).

٢- البخاري (٨/٨٧) ومسلم (٦/٢١) وأحمد (٥/١٨٠) والترمذي (٤/٢٢٦) وأبو داود (٢/٤٢٦) بلفظ: (من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).

٣- راجع مجمع الزوائد (٧/٢١٤) وأسد الغابة لابن الأثير (١/١١٢) وقال الهيثمي عنه: رواه الطبراني وإسناده حسن؛ أنّ رجلاً كان يجري في القتال ويخبرون النبيّ(صلى الله عليه وآله) بذلك والنبيّ يقول لهم: هو في النار.. فقالوا له: يا رسول الله استشهد فلان قال: هو في النار، فلمّا اشتدّ به ألم الجراح أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثمّ اتكأ عليه حتّى خرج من ظهره... وذكرها الهيثمي كقصّة أخرى مشابهة لهذه عن أحمد (٧/٢١٤) بلفظ: (...فقد نحر فلان نفسه) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورووا قصّة أخرى عن أحد الصحابة أيضاً وقد قتل نفسه بمشاقص فلم يصلِّ عليه النبيّ(صلى الله عليه وآله) كما في صحيح مسلم (٣/٦٦).

٤- أخرجه الحاكم في مستدركه (٣/٣٨٧) وصححه على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي وجاء له الألباني بشاهد آخر في صحيحته (٢٠٠٨) عند أحمد (٤/١٩٨): وقال: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم. وروى ابن أبي شيبة في مصنّفه (٧/٤٩٢) و(٨/٤٣): وكان ممن بايع تحت الشجرة.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (٢/٨٤٠) عنه: كان الأمير على الجيش القادمين من مصر إلى المدينة الذين حصروا عثمان وقتلوه.

٢٣٨

عديس البلوي (١) وعمرو بن الحمق الخزاعي (٢) ، فهما بدريان رضوانيان، وهما ممّن قاد الثورة على عثمان وحاصروه ومنعوه الماء والطعام وقادوا حملة قتله، وباشر عمرو بنفسه قتل عثمان، وكذلك محمّد بن أبي بكر وكنانة بن بشر وسودان ابن حمران، فينتقض استدلال أهل السنّة بذلك رأساً ؛ لأنّهم يقولون بالعموم المطلق وعدم استثناء أيّ صحابي مهما فعل، وهذا ما لم أستطع الاقتناع به خصوصاً مع مخالفته لآيات وأحاديث كثيرة جدّاً، بل مخالفته لروح الإسلام وتعاليمه وتكاليفه التي خوطب بها الصحابة قبل غيرهم!

استطراد :

هل نصدّق قول الله تعالى في الصحابة؟

أَستطرِدُ هنا للفائدة فأقول: إنّ الله تعالى أكّد هذه الحقيقة وخاطب الصحابة بالتكاليف

________________________

١- قال ابن حجر عنه في فتح الباري (٢/١٥٩): أحد رؤوس المصريين الذين حصروا عثمان، وفي مقدّمة الفتح (ص٢٥٨) حين شرحه لحديث يذكر الذي صلّى بالناس حين حصر عثمان (ويصلّي لنا إمام فتنة) قال: المراد بإمام الفتنة المذكور عبد الرحمن بن عديس البلوي قاله ابن عبد البر. وروى ابن أبي شيبة في مصنّفه (٧/٤٩٢) و(٨/٤٣): وكان ممن بايع تحت الشجرة، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (٢/٨٤٠) عنه: كان الأمير على الجيش القادمين من مصر إلى المدينة الذين حصروا عثمان وقتلوه.

وقال الزركلي في الأعلام (٣/٣١٦): ولّما قتل عثمان، عاد إلى مصر، فطلبه معاوية ابن أبي سفيان وقبض عليه وسجنه في لد ( بفلسطين) ففر، فأدركه صاحب فلسطين فقتله. ومن النوادر اللطيفة التي حصلت مع ابن عديس هذا أنّه لما عثر عليّه أحدهم بعد فراره قال له: لا تقتلني فأنا من أصحاب الشجرة! فقال له: أرى أنّ الشجر كثير فقتله.

٢- قال الزركلي في أعلامه (٥/٧٦) عنه: صحابي، من قتلة عثمان، سكن الشام، وانتقل إلى الكوفة ثمّ كان أحد الرؤوس الذين اشتركوا في قتل عثمان، وقال ابن شبة النميري في تاريخ المدينة (٤/١٢٣٢) بسنده: دخل عليه محمّد بن أبي بكر بشريان كان معه فضربه في حشائه حتّى وقعت في أوداجه فخر، وضرب كنانة بن بشر جبهته بعمود، وضربه سودان بن حمران بالسيف، وقعد عمرو بن الحمق على صدره فطعنه تسع طعنات، وقال علمت أنّه مات في الثالثة فطعنته ستاً لما كان في قلبي عليه.

٢٣٩

والاختبارات والابتلاءات وجعلهم كغيرهم من الناس فقال عزّ من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (١) .

وقال تعالى أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} (٢) .

وقال أيضاً: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ

________________________

١- آل عمران : ١٠٢ ــ ١٠٧.

٢- الأنفال: ٢٠ ــ ٢٢

٢٤٠