اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)0%

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
الصفحات: 220

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 220
المشاهدات: 116117
تحميل: 7209

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116117 / تحميل: 7209
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الضعف الذي هو فيه بقوله:

أليس من العجائب أن مثلي

يرى ما قلّ ممتنعاً عليه

وتؤكل باسمه الدنيا جميعاً

وما من ذاك شيء في يديه

إليه تحمل الأموال طُرّاً

ويمنع بعض ما يجبى إليه(١)

وكانت الفترة التي عاشها الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في عهد المعتمد تقرب من خمس سنين، وهي من بداية خلافة المعتمد سنة(٢٥٦هـ) وحتى استشهاد الإمامعليه‌السلام سنة(٢٦٠هـ)، وكان الوضع العام مضطرباً لسيطرة الأتراك على السلطة أوّلاً، ولما كان يحدث من حركات ضد السلطة في أقاليم الدولة ثانياً. فضلاً عن مطاردة السلطة للشيعة والمضايقة على الإمامعليه‌السلام وعليهم وتشديد المراقبة من جهة ثالثة.

وأهم هذه الأحداث في عصر المعتمد:

أ ـ ثورة الزنج:

كانت ثورة الزنج حدثاً مهماً لما نتج عنها من آثار سيئة، فقد صحب حركة الزنج هذه، قتل، ونهب، وسلب، وإحراق مما أدّى إلى اضطراب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدّة من الأمصار التي سيطر عليها صاحب الزنج، فبدأت ثورتهم في البصرة وامتدّت إلى عبّادان والأهواز وغيرهما.

والقضاء على هذه الحركة قد كلف الدولة كثيراً من الأموال والجند الذين هزمهم صاحب الزنج في أكثر من واقعة، وأخيراً تمكّنت

ــــــــــــ

(١) سبائك الذهب: ٨٧.

١٠١

الدولة من القضاء عليهم(١) .

وقد ادّعى صاحب الزنج علي بن محمد أنه ينتسب إلى الإمام عليعليه‌السلام ، ولكنّ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام كذب هذا الادعاء، فعن محمد بن صالح الخثعمي قال: كتبت إلى أبي محمد ـ الحسن العسكريعليه‌السلام ـ أسأله.. وكنت أريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة.. فوقّععليه‌السلام :«صاحب الزنج ليس مِنّا أهل البيت» (٢) .

وفي نصّ الإمامعليه‌السلام هذا دلالة على عدم شرعيّة ثورة صاحب الزنج وعدم ارتباطها بخط أهل البيتعليهم‌السلام وأنّها بعيدة عن الالتزام بمبادئ الإسلام.

ب ـ حركة ابن الصوفي العلوي:

وقد ظهر في صعيد مصر وهو إبراهيم بن محمد وكان يعرف بابن الصوفي وملك مدينة أشنا(٣) . وكانت معارك بينه وبين جيش الدولة بقيادة ابن طولون اقتتلوا فيها قتالاً شديداً فقتل من رجال ابن الصوفي الكثير، وانهزم ثمّ كانت وقعة أخرى مع جنده عام(٢٥٩هـ) وانهزم ابن الصوفي أيضاً إلى المدينة وألقي القبض عليه وأرسل إلى ابن طولون في مصر.(٤)

ج ـ ثورة علي بن زيد في الكوفة:

كانت حركته في الكوفة سنة(٢٥٦هـ) واستولى عليها، وأزال عنها نائب

ــــــــــــ

(١) راجع الكامل في التاريخ: ٤ / ٤٣٠ ـ ٤٤٥.

(٢) كشف الغمة: ٣ / ٢١٤ عن كتاب الدلائل.

(٣) الكامل في التأريخ: ٤ / ٤٣٢.

(٤) الكامل في التأريخ: ٤ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣.

١٠٢

الخليفة، واستقرّ بها، وسَيَّر إليه المعتمد الشاه بن مكيال في جيش كثيف فالتقوا واقتتلوا وانهزم الشاه وقتل جماعة كثيرة من أصحابه ونجا الشاه، ثمّ وجّه المعتمد كيجور التركي لمحاربته، وقد أرسل كيجور إلى علي بن زيد يدعوه إلى الطّاعة وبذل له الأمان، وطلب علي بن زيد أُموراً لم يجبه كيجور إليها، فخرج علي بن زيد من الكوفة وعسكر في القادسية فبلغ خبره كيجور فواقعه فانهزم عليّ بن زيد وقُتل جماعة من أصحابه(١) .

وحصلت حوادث أخرى في عهد المعتمد فقد استولى الحسن بن زيد العلوي على جرجان وقتل كثيراً من العساكر وغنم هو وأصحابه ما عندهم.

وخرج مساور الخارجي وطوق من بني زهير وهو من الخوارج أيضاً وقاتلهم الحسن بن أيوب بن أحمد العدوي وهزمهم وقطع رأس مساور وأنفذه إلى سامراء(٢) .

وقد استوعبت هذه الحركات التي كانت ضد الدولة العباسية مساحة زمنية واسعة لعدم شرعيّة الدولة ولابتعاد الخلفاء وولاتهم عن مبادئ الإسلام الحنيف واستمرت حتى بعد عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وحتى سقوط بغداد على يد التتار عام(٦٥٦هـ).

د ـ المعتمد والإمام العسكريعليه‌السلام

سعى المعتمد جاهداً في التخلص من الإمام العسكريعليه‌السلام أي انّه سارَ على ذات المنهج الذي اتّبعه أسلافه من الخلفاء الأمويين والعباسيين مع الأئمة المعصومينعليهم‌السلام غير أنّ موقفه هذا سرعان ما تغيّر ظاهراً، وقدّم الاعتذار

ــــــــــــ

(١) الكامل في التأريخ: ٤ / ٤٤٧.

(٢) الكامل في التأريخ: ٤ / ٤٣٩.

١٠٣

للإمامعليه‌السلام بعد محاولة لتصفيته برميه مع السباع كما عمل مثل ذلك المتوكّل مع أبيه علي الهاديعليه‌السلام وذلك حين سلّم الإمام العسكريعليه‌السلام إلى يحيى بن قتيبة الذي كان يضيّق على الإمامعليه‌السلام حيث رمى به إلى مجموعة من السباع ظنّاً منه أنها سوف تقتل الإمامعليه‌السلام ، مع العلم بأن امرأة يحيى كانت قد حذّرته من أن يمس الإمام بسوء بقولها له:«اتقِّ الله فإني أخاف عليك منه» .

وروي أن يحيى بن قتيبة قد أتاه بعد ثلاث مع الأسود فوجده يصلّي، والأسود حوله، فدخل الأسود الغيل ـ أي موضع الأسد ـ فمزّقته الأُسود وأكلته وانصرف يحيى إلى المعتمد وأخبره بذلك، فدخل المعتمد على العسكريعليه‌السلام وتضرّع إليه...(١)

واستمر المعتمد في التضييق على الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام فيما بعد حتى ألقى به في سجن علي بن جرين وكان يسأله عن أخباره فيجيبه: إنّه يصوم النهار ويقوم الليل.(٢)

وقال ابن الصباغ المالكي: حدث أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت في الحبس الذي بالجوشق أنا والحسن بن محمد العتيقي ومحمد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان خمسة ستة من الشيعة، إذ دخل علينا أبو محمد الحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام وأخوه جعفر فخففنا بأبي محمد، وكان المتولي لحبسه صالح بن الوصيف الحاجب، وكان معنا في الحبس رجل جمحي.

فالتفت إلينا أبو محمد وقال لنا سرّاً:لولا أن هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متى

ــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب: ٤/٤٣٠.

(٢) مهج الدعوات: ٢٧٥.

١٠٤

يفرج عنكم وترى هذا الرجل فيكم قد كتب فيكم قصته إلى الخليفة يخبره فيها بما تقولون فيه وهي مدسوسة معه في ثيابه يريد أن يوسع الحيلة في إيصالها إلى الخليفة من حيث لا تعلمون، فاحذروا شرّه .

قال أبو هاشم: فما تمالكنا أن تحاملنا جميعاً على الرجل، ففتشناه فوجدنا القصة مدسوسة معه بين ثيابه وهو يذكرنا فيها بكل سوء فأخذناها منه وحذرناه، وكان الحسن يصوم في السجن، فإذا أفطر أكلنا معه ومن طعامه وكان يحمله إليه غلامه في جونة مختومة.

قال أبو هاشم: فكنت أصوم معه فلمّا كان ذات يوم ضعفت من الصوم، فأمرت غلامي فجاءني بكعك فذهبت إلى مكان خال في الحبس، فأكلت وشربت، ثم عدت إلى مجلسي مع الجماعة ولم يشعر بي أحد، فلمّا رآني تبسّم وقال: أفطرت، فخجلت، فقال: لا عليك يا أبا هاشم، إذا رأيت أنّك قد ضعفت وأردت القوّة فكل اللحم، فإنّ الكعك لا قوّة فيه، وقال: عزمت عليك أن تفطر ثلاثاً فإنّ البنية إذا أنهكها الصوم لا تقوى إلاّ بعد ثلاث.

قال أبو هاشم: ثم لم تطل مدّة أبي محمد الحسن في الحبس إلاّ أن قحط الناس بسرّ من رأى قحطاً شديداً، فأمر الخليفة المعتمد على الله ابن المتوكّل بخروج الناس إلى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فلم يسقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء وخرج معه النصارى والرهبان وكان فيهم راهب كلّما مدّ يده إلى السماء ورفعها هطلت بالمطر.

ثم خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم أول يوم فهطلت السماء بالمطر وسقوا سقياً شديداً، حتى استعفوا، فعجب الناس من ذلك وداخلهم الشك وصفا بعضهم إلى دين النصرانية فشقّ ذلك على الخليفة، فأنفذ إلى صالح بن وصيف أن اخرج أبا محمد الحسن بن علي من السجن وائتني به.

١٠٥

فلمّا حضر أبو محمد الحسن عند الخليفة قال له: أدرك أُمة محمد فيما لحق في هذه النازلة، فقال أبو محمد: دعهم يخرجون غداً اليوم الثالث، قال: قد استعفى الناس من المطر واستكفوا فما فايدة خروجهم؟ قال: لأزيل الشك عن الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولاً ضعيفة.

فأمر الخليفة الجاثليق والرهبان أن يخرجوا أيضاً في اليوم الثالث على جاري عادتهم وأن يخرجوا الناس، فخرج النصارى وخرج لهم أبو محمد الحسن ومعه خلق كثير، فوقف النصارى على جاري عادتهم يستسقون إلاّ ذلك الراهب مدّ يديه رافعاً لهما إلى السماء، ورفعت النصارى والرهبان أيديهم على جاري عادتهم، فغيمت السماء في الوقت ونزل المطر.

فأمر أبو محمد الحسن القبض على يد الراهب وأخذ ما فيها، فإذا بين أصابعها عظم آدمي، فأخذه أبو محمد الحسن ولفه في خرقة وقال:استسقِ فانكشف السحاب وانقشع الغيم وطلعت الشمس فعجب الناس من ذلك، وقال الخليفة: ما هذا يا أبا محمد؟! فقال:عظم نبي من أنبياء الله عَزَّ وجَلَّ ظفر به هؤلاء من بعض فنون الأنبياء وما كشف نبي عن عظم تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر ، واستحسنوا ذلك فامتحنوه فوجدوه كما قال.

فرجع أبو محمد الحسن إلى داره بسرّ من رأى وقد أزال عن الناس هذه الشبهة وقد سرّ الخليفة والمسلمون ذلك وكلّم أبو محمد الحسن الخليفة في إخراج أصحابه الذين كانوا معه في السجن، فأخرجهم وأطلقهم له، وأقام أبو محمد الحسن بسر من رأى بمنزله بها معظماً مكرّماً مبجلاً وصارت صلات الخليفة وإنعامه تصل إليه في منزله إلى أن قضى تغمّده الله برحمته(١) .

ــــــــــــ

(١) الفصول المهمة: ٢٨٦.

١٠٦

هـ ـ المعتمد وموقفه من الشيعة

لم تتغير الإجراءات القمعية التي كانت تمارسها السلطة العباسية تجاه الشيعة في عصر المعتمد بل كانت امتداداً للسياسة المعهودة والتي أصبحت تقليداً يتوارثه الخلفاء العباسيون إزاء الأئمة الأطهار وشيعتهم وذلك لما كان يخشاه الخلفاء من تطور الوضع لصالحهم واتّساع نشاطهم السياسي مما قد ينجم عنه تغيّر الوضع ضد السلطة القائمة، والتفاف الناس بشكل أكبر حول الإمامعليه‌السلام وبالتالي قد يتّخذ الإمام موقفاً جهاديّاً تجاه الخليفة وسلطته.

وكانت أساليب السلطة تجاه الحركة الشيعية لا تتجاوز الأساليب التي عهدتها في عصور سابقة وهي:

١ ـ المراقبة ورصد تحرّكات أصحاب الإمام وشيعته.

٢ ـ السجن وكانت تعمد إليه السلطة من أجل الحدّ من نشاط أصحاب الإمامعليه‌السلام .

٣ ـ القتل: وكانت ترتكبه السلطة حين لا ترى جدوى في أساليبها الأخرى تجاه الشيعة، أو تشعر بتنامي نشاطهم فتلجأ إلى قتل الشخصيّات البارزة والمقرَّبين من الإمامعليه‌السلام .

استشهاد الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

وبعد أن أدّى الإمام العسكريعليه‌السلام مسؤليته بشكل كامل تجاه دينه وأمّة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولدهعليه‌السلام نعى نفسه قبل سنة ستين ومئتين، وأخذ يهدّئ روع والدته قائلاً لها: لا بد من وقوع أمر الله لا تجزعي..، ونزلت الكارثة كما قال، والتحق بالرفيق الأعلى بعد أن اعتلّعليه‌السلام في أوّل يوم من شهر ربيع

١٠٧

الأول من ذلك العام(١) . ولم تزل العلة تزيد فيه والمرض يثقل عليه حتى استشهد في الثامن من ذلك الشهر، وروي أيضاً أنه قد سُم واغتيل من قبل السلطة حيث دس السم له المعتمد العباسي الذي كان قد أزعجه تعظيم الأمة للإمام العسكري وتقديمهم له على جميع الهاشميين من علويين وعباسيين فأجمع رأيه على الفتك به(٢) .

ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد(الحجة) وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وقد آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب(٣) .

ودفن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام إلى جانب أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام (٤) في سامراء، وقد ذكر أغلب المؤرخين أنّ سنة وفاته كانت(٢٦٠هـ) وأشاروا إلى مكان دفنه. دون إيضاح لسبب وفاته(٥) .

وروى ابن الصباغ عن أحمد بن عبيد الله بن خاقان انه قال: لما اعتل(ابن الرضا)عليه‌السلام ، بعث(جعفر بن علي) إلى أبي: أن ابن الرضاعليه‌السلام قد اعتل فركب أبي من ساعته مبادراً إلى دار الخلافة: ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدم الخليفة كلهم من ثقاته ورجال دولته وفيهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي وتعرّف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده في الصباح والمساء، فلما كان بعدها بيومين جاءه من أخبره أنّه قد ضعف فركب حتى بكّر إليه ثم أمر المتطببين بلزومه وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة

ــــــــــــ

(١) الإرشاد: ٢/ ٣٣٦ ومهج الدعوات: ٢٧٤.

(٢) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيثمي: ٣١٤ عن وفيات الأعيان لابن خلكان.

(٣) الإرشاد: ٢/٣٣٩.

(٤) الإرشاد: ٢/٣٣٦ والمنتظم، عبد الرحمن بن علي الجوزي: ٧ / ١٢٦.

(٥) الطبري: ٧ حوادث سنة(٢٦٠ هـ ) وعنه في الكامل لابن الأثير.

١٠٨

ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه فأحضرهم وبعث بهم إلى دار الحسنعليه‌السلام وأمرهم بلزوم داره ليلاً ونهاراً فلم يزالوا هناك حتى توفي لأيّام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومئين(١) .

يتضح لنا من خلال متابعة تاريخ الإمام العسكريعليه‌السلام وموقف السلطة العباسية منه أنّ محاولة للتخلّص من الإمام قد دبّرت من قبل الخليفة المعتمد خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار سلسلة الإجراءات التي اتخذتها السلطة إزاء الإمام علي الهاديعليه‌السلام أوّلاً، ثم ما اتخذته من إجراءات ضد الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، فقد قامت بسجنه عدّة مرات فضلاً عن المراقبة المشددة على بيته، كما حاولت نفيه إلى الكوفة، وغيرها من الإجراءات التعسّفيّة ضدّه وضد شيعته وضد العلويين، ووفقاً لذلك وبضم رواية أحمد بن عبيد الله بن خاقان والذي كان أبوه أحد أبرز رجالات الدولة، يتأكّد لنا أنّ استشهاد الإمام العسكريعليه‌السلام كانت وراءه أيدي السلطة الآثمة دون أدنى شك.

الصلاة على الإمام العسكريعليه‌السلام

وكان لاستشهاد الإمام العسكريعليه‌السلام صدى كبير في سامراء حيث عطّلت الدكاكين وسارع العامة والخاصة مهرعين إلى بيت الإمام، ويروي أحمد بن عبيد الله واصفاً ذلك اليوم العظيم قائلاً: ولما رفع خبر وفاته، ارتجّت سرّ من رأى وقامت ضجة واحدة: مات ابن الرضا(٢) ، وعطّلت الأسواق، وغلّقت أبواب الدكاكين وركب بنو هاشم والكتّاب والقوّاد والقضاة والمعدّلون وساير الناس إلى أن حضروا جنازته فكانت سرّ

ــــــــــــ

(١) الفصول المهمة: ٢٧١، أصول الكافي: ١/٥٠٣ ح ١، كمال الدين: ١ / ٤٢.

(٢) كمال الدين: ١ / ٤٣.

١٠٩

من رأى شبيهاً بالقيامة(١) .

وبعدما جُهِّز الإمام العسكريعليه‌السلام خرج عقيد خادمه، فنادى جعفر بن علي فقال: ياسيدي قد كُفّن أخوك، فقم وصَلِّ عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يتقدّمهم عثمان بن سعيد العمري وهو أحد وكلائه(ووكيل الإمام الحجةعليه‌السلام فيما بعد)، ولما دخلوا الدار فإذا بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً، فتقدّم جعفر بن علي ليصلي عليه، فلما همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط، وبأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر وقال:ياعمّ، أنا أحقّ بالصّلاة على أبي ، فتأخر جعفر وقد أربدّ وجهه واصفرّ، فتقدّم الصبي فصلّى عليهعليه‌السلام (٢) .

ولما أُخرج نعش الإمام العسكريعليه‌السلام صلّى عليه أبو عيسى بن المتوكل(٣) بأمر الخليفة المعتمد العباسي، تمويهاً على الرأي العام حول استشهاد الإمام عليه‌السلام ، وكأنّ السلطة ليس لها في ذلك يد بل على العكس، فإنّها قد أظهرت اهتماماً كبيراً أيام مرض الإمام عليه‌السلام وخرج كبار رجالات البلاط العباسي مشيعين...، ولكن مثل هذه الأمور لا يمكن أن تنطلي على شيعة الإمام ومواليه، وهكذا غالبية المسلمين الذين عاصروا ما جرى للإمام عليه‌السلام من قبل السلطة من سجن وتضييق.

أولاد الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

إن المشهور بين الشيعة الإمامية، أن الإمام العسكريعليه‌السلام لم يكن له

ــــــــــــ

(١) الفصول المهمة: ٢٧١.

(٢) كمال الدين: ٢ / ٤٧٥.

(٣) كمال الدين: ١/٤٣ وعنه في بحار الأنوار: ٥٠ / ٣٢٨.

١١٠

من الولد سوى الإمام محمد المهدي المنتظرعليه‌السلام ، ويدل عليه ما أشار إليه الشيخ المفيدرضي‌الله‌عنه (١) حيث قال: أما الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام فلم يكن له ولد سوى صاحب الزمان عليه الصلاة والسلام ولم يخلّف ولداً غيره ظاهراً أو باطناً(٢) .

كما ذهب إلى ذلك ابن شهرآشوب حيث قال: وولده القائم لا غيره(٣) .

وأصحاب المصادر التاريخية، كالطبري(٤) والمسعودي(٥) وغيرهما لم يشيروا إلى غير الإمام المنتظرعليه‌السلام ، وهو الذي ولد في النصف من شعبان عام(٢٥٥ هـ ).

ــــــــــــ

(١) الإرشاد: ٣٣٩.

(٢) تاج المواليد: ١٣٥.

(٣) مناقب ابن شهرآشوب: ٤ / ٤٥٥.

(٤) تاريخ الطبري: ٧ / ٥١٩.

(٥) تاريخ المسعودي: ٤ / ١١٢ نقلاً عن جمهور الشيعة.

١١١

الفصل الثالث: متطلّبات عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

لقد تظافرت النصوص النبويّة تبعاً للقرآن الكريم ـ على خلود الرسالة الإسلامية وظهورها على ما سواها من الرسالات، وأن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي اثنا عشر خليفة ـ بعدد نقباء بني إسرائيل ـ كلّهم من قريش(١) .

وورد التعبير عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما عن عبد الله بن مسعود ـ بأنّ: الأئمة من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش(٢) .

وجاء عن أبي سعيد الخدريّ أنه قال: صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة الأُولى ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا فقال:معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطّة في بني إسرائيل فتمسّكوا بأهل بيتي بعدي والأئمة الراشدين من ذرّيتي فإنّكم لن تضلّوا أبداً ، فقيل: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال:اثنا عشر من أهل بيتي (٣) .

إنّ الصحاح والمسانيد فضلاً عن الكتب المتخصّصة بموضوع الإمامة قد كشفت النقاب عن مدى أهمية هذا الموقع الريادي في نصوص الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين، حتى تكالبت على الاستئثار به نفوس قوم لم

ــــــــــــ

(١) راجع أحاديث الخلافة والإمارة والإمامة في الصحاح والمسانيد.

(٢) منتخب الأثر: ٢٤ عن كفاية الأثر.

(٣) منتخب الأثر: ٢٥ عن كفاية الأثر.

١١٢

يُرشَّحوا لهذا الموقع لا في كتاب الله ولا سنّة رسوله ولم يتمسّكوا للاستئثار به إلاّ بذريعة هي أوهى من بيت العنكبوت مفادها: أنهم لو لم يبادروا لمسك زمام الأمور لافترقت الأمة ولتناحرت على ذلك، فكانت المبادرة منهم دليلاً وشفيعاً لهم ليسبغوا رداء المشروعية على استئثارهم بالحكم ومسك زمام الأمور بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذا الخط الذي استأثر بالحكم قد خطط لنفسه على المدى البعيد محتجّاً بأنّ النبوّة والخلافة لا تجتمعان، فإذا كانت النبوّة في بني هاشم فلا ينبغي أن تكون الإمامة فيهم، بينما أكّدت نصوص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن الإمامة في أهل بيته وأنهم سفينة نوح وباب حطّة وهم أمان لاُمته من الغرق والضلال.

وانتهى ذلك إلى نجاح محاولات العزل السياسي لأهل البيتعليهم‌السلام عن الموقع المقرّر لهم ثم حاولت السلطة حظر كتابة الحديث وتدوينه لئلاّ تتداول أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يرتبط بأهل البيتعليهم‌السلام وموقعهم الريادي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأعقب ذلك محاولات سلب المرجعية الدينية والفكرية عنهمعليهم‌السلام .

لكن جدارة أهل البيتعليهم‌السلام وأهليتهم وخصائصهم ومواجهتهم المبدئية للمستأثرين بالسلطة قد انتهت بعد تجربة طويلة إلى عودة هيمنتهم الفكرية والدينية إلى الساحة الإسلامية رغم كل محاولات العزل السياسي وإسقاط مرجعيتهم الدينية التي قرّرها لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص من كتاب الله.

وكانت الإمامة المبكّرة للإمامين الجواد والهاديعليهما‌السلام دليلاً حسيّاً قاطعاً وقوياً على جدارة أهل البيتعليهم‌السلام العلمية لريادة الأمة وقيادتها نحو شاطئ السلام الذي بشّر به الكتاب وأكّدته نصوص السنّة النبوية حين أفصحت عن أن المهديعليه‌السلام من أهل بيت الرسالة وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما تملأ ظلماً وجوراً.

١١٣

لقد باءت بالفشل كل محاولات الأمويين والعبّاسيين لتسقيط الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وسدل الستار على شخصياتهم المتألقة، ممّا أدّى إلى أن يغيّر المأمون العباسي سياسة أسلافه ليرصد أهل البيتعليهم‌السلام عن كثب ويتظاهر بالاحترام وهو يبطن الحقد الدفين لهم وأصبحت سياسته هذه سنة اقتدى بها من تأخّر منه كالمعتصم والمتوكّل ومن تلاه حتى المعتمد العباسي.

إنّ سياسة الاحتفاء بالإمامعليه‌السلام في ظاهر الأمر والمراقبة الشديدة له ولتصرّفاته وحبسه في مركز الخلافة وحظر السفر عليه وملاحقة من يرتبط به من أتباعه ذات دلالة عميقة قد أفصح عنها المأمون والمتوكل وغيرهما على حد قول المتوكل(وَيْحَكُم! قد أعياني أمر ابن الرضا)، وكان ذلك حين باءت كل محاولات التسقيط للإمام الهاديعليه‌السلام بالفشل.

وكانت جهود المأمون تذهب سدىً، إذ لا يستطيع التضبيب على شخصية الإمام المتألقة ولا يزداد إلاّ بعداً عن أهدافه المشؤومة، كما ذهبت كل جهود المعتصم والمتوكل سدى، والدليل على ذلك اغتيال المعتصم للإمام الجوادعليه‌السلام وهو في ريعان شبابه حيث لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، وكذلك اغتيال المعتز للإمام الهاديعليه‌السلام إذ لم يفلح المتوكل في اغتيال الإمامعليه‌السلام رغم تكرر محاولات الاغتيال له. وحين جاء دور ابنه الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وهو في الثانية والعشرين من عمره المبارك لم يتغير أي شيء من سياسات العباسيين كما لم يتغير شيء من الظروف المحيطة به.

ولم يعهد في زمن هؤلاء الخلفاء أي محاولة مباشرة للثورة عليهم من قبل أهل البيتعليهم‌السلام منذ استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام .

فلماذا هذا الرعب منهم؟ ولماذا هذا التسرّع في التصفية الجسدية لهم؟

لقد أفصح الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام عن سرّ هذا الأمر ضمن حديث جاء فيه:

١١٤

«قد وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلّتين: إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون(أن) ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا إيّاها وتستقرّ في مركزها. وثانيهما: أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة الظلمة على يد القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت سول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد القائم عليه‌السلام أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتم نوره ولو كره المشركون» (١) .

إنّ التمهيد الذي قام به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ تبعاً للقرآن الكريم ـ بالنسبة لقضية المصلح الإسلامي العالمي والتصريح بأنه سيولد من أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فاطمة وعليعليهما‌السلام وانّه التاسع من أبناء الحسين الشهيد، كان ضرورة إسلامية تفرضها العقيدة لأنها نقطة إشعاع ومركز الأمل الكبير للمسلمين في أحلك الظروف الظالمة التي سيمرّون بها، وقد أيّدت الظروف التي حلّت بالمسلمين بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الأخبار السابقة لأوانها.

إنّ هذا التمهيد النبوي الواسع قد بلغت نصوصه ـ لدى الفريقين ـ ما يزيد على الـ(٥٠٠) نص حول حتمية ظهور المهديعليه‌السلام وولادته وغيبته وظهوره وعلائم ظهوره وعدله وحكمه الإسلامي النموذجي.

وقد سار على درب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام خلال قرنين ـ وعملوا على تأكيد هذا الأصل وتأييده وإقراره في النفوس وجعله معلماً من معالم عقيدة المسلمين فضلاً عن الموالين لأهل البيتعليهم‌السلام وأتباعهم. وقد زرع هذا المبدأ ألغاماً تهدّد الظالمين بالخطر وتنذرهم بالفناء والقضاء عليهم وعلى خطّهم المنحرف، فهو مصدر إشعاع لعامة المسلمين كما أنه مصدر رعب للظالمين المتحكمين في رقاب المسلمين.

ــــــــــــ

(١) منتخب الأثر: ٣٥٩ ط ثانية عن أربعين الخاتون آبادي(كشف الحق).

١١٥

ولو لم يصدر من أهل البيتعليهم‌السلام إلاّ التأكيد على هذا المبدأ فقط ـ وإن لم يمارسوا أي نشاط سياسي ملحوظ ـ لكان هذا كافياً في نظر الحكّام للقضاء عليهم مادام هذا المبدأ يقضّ مضاجعهم.

ولكن اضطرارهم لمراعاة الرأي العام الإسلامي حال بينهم وبين ما يشتهونه ويخطّطونه ضد أهل البيتعليهم‌السلام ، فكانت إرادة الله تفوق إرادتهم. غير أنهم لم يتركوا التخطيط للقضاء على أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فعن الحسين أشاعوا أنه قد خرج على دين جدّه وهو الذي كان يطلب الإصلاح في أمة جده.

والإمام الكاظمعليه‌السلام ـ ومن سبقه ـ قد اتّهم بأنه يُجبى له الخراج وهو يخطط للثورة على السلطان.

والإمام الرضا والجوادعليهما‌السلام قد قضي عليهما بشكل ماكر وخبيث بالرغم من علم المأمون بأنه المتهم في اغتيال الرضاعليه‌السلام ، والمعتصم قد وظّف ابنة المأمون لارتكاب جريمة الاغتيال.

إذاً فقد كان التمهيد النبوي لقضية الإمام المهدي الإسلامية يشكّل نقطة أساسية ومعلماً لا يمكن تجاوزه، حرصاً على مستقبل الأمة الإسلامية التي قدّر لها أن تكون اُمة شاهدة وأُمة وسطاً يفيء إليها الغالي ويرجع إليها التالي حتى ترفرف راية(لا إله إلاّ الله محمد رسول الله) على ربوع الأرض ويظهر دينه الحق على الدين كله ولو كره الكافرون.

وقد ضحّى أهل البيتعليهم‌السلام لهذا المبدأ القرآني الذي بيّنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتمده أهل البيتعليهم‌السلام كخط عام وعملوا على تثبيته في نفوس المسلمين.

ويشهد لذلك ما ألّفه العلماء من كتب الملاحم التي اهتمّت بقضية الإمام المهديعليه‌السلام في القرنين الأول والثاني الهجريين بشكل ملفت للنظر.

١١٦

فالإمام المهديعليه‌السلام قبل ولادته بأكثر من قرنين كان قد تلألأ اسمه وتناقلت الرواة أهدافه وخصائصه ونسبه وكل ما يمتّ إلى ثورته الإسلامية بصلة.

واستمر التبليغ لذلك طوال قرنين ونصف قرن من الزمن. والمسلمون يسمعون كل ذلك ويتناقلون نصوصه جيلاً بعد جيل بل يعكفون على ضبطه والتأليف المستقل بشأنه.

والمتيقّن أن عصر الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام ومن تلاهما من الأئمةعليهم‌السلام قد حفل بهذا التأكيد. فقد أحصيت نصوص الإمام الصادقعليه‌السلام بشأن المهدي فناهزت الـ(٣٠٠) نصاً. واستمر التأكيد على ذلك خلال العقود التي تلته.

فما هي إفرازات هذا الواقع الذي ذكرناه من الناحيتين السياسية والاجتماعية؟ وما هي النتائج المتوقعة لمثل هذه القضية التي لابد من إقرارها في نفوس المسلمين؟

إن ما صرّح به الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام يميط اللثام عن سرّ هذه الظواهر التي تبدو غريبة للباحث فهو يفسّر السبب في تسرّع الحكّام للقضاء على الأئمةعليهم‌السلام بعد الرضاعليه‌السلام . كما يبيّن السرّ في اتّباع الحكّام لسياسة المأمون بلا استثناء وذلك بتشديد الرقابة على كل تصرفات أهل البيتعليهم‌السلام وإحصاء أنفاسهم عليهم وزرع العيون ـ من النساء والرجال ـ داخل بيوتهم.

كما أننا يمكن أن نكتشف السّر في أن الأئمة بعد الإمام الصادقعليه‌السلام لماذا لم يولدوا من نساء هاشميات يُشار إليهنّ بالبنان؟ بل إنّهم قد ولدوا من إماء طاهرات عفيفات مصطفيات، فلم يكن هناك زواج رسمي وعلني. وهذا يستلزم أن يكون الإمام المولود وجوده غير ملفت للنظر إلاّ للخواص والمعتمدين من أصحاب أهل البيتعليهم‌السلام .

وكان يقوم الإمام السابق بالتمهيد لإمامة من يخلفه من خلال طرح اسمه على الساحة بالتدريج. ومن هنا لم ينتبه الحكام لذلك إلاّ بعد مدّة وربما كانت تفوت عليهم الفرص لاغتياله والقضاء عليه.

ولهذا حين كان يشار إليه بالبنان وتتوجه إليه القلوب والنفوس كانت الدوائر الحاقدة تبدأ بالكيد له باستمرار.

١١٧

قال أيوب بن نوح، قلت للرضاعليه‌السلام : نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وإن يردّه الله إليك من غير سيف فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك، فقال:ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت إليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلاّ اعتلّ ومات على فراشه حتى يبعث الله عَزَّ وجَلَّ لهذا الأمر رجلاً خفيّ المولد والمنشأ حتى خفي في نفسه (١) .

فالإمام الكاظم والإمام الرضاعليه‌السلام قد استشهدا وهما في الخامسة والخمسين من عمرهما بينما الإمام الجوادعليه‌السلام قد استشهد وهو في الخامسة والعشرين من عمره من دون أن يكون كل واحد منهم قد أصيب بمرض يوجب موته، بل كانوا أصحّاء بحيث كانت صحتهم وسلامتهم الجسمية مثاراً لاتّهام الحكّام الحاقدين عليهم.

إذاً فالإمام الجوادعليه‌السلام بإمامته المبكّرة التي أصبحت حدثاً فريداً تتناقله الألسن ـ سواء بين الأحبة أو الأعداء ـ قد ضرب الرقم القياسي في القيادة الربّانية، وذكّر الأمة بما كانت قد سمعته من إخبار القرآن الكريم بأن الله قد آتى كلاًّ من يحيى وعيسى الكتاب والحكم والنبوة في مرحلة الصبا.

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٣٥٤.

١١٨

بل لمست ذلك بكل وجودها وهي ترى طفلاً لم يتجاوز العقد الأوّل من عمره وإذا به يهيمن على عقول وقلوب الألوف من المسلمين.

وفي هذا نوع إعداد لإمامة من يليه من الأئمةعليهم‌السلام الذين يتولّون الإمامة وهم في مرحلة الصبا خلافاً لما اعتاده الناس في الحياة.

وقد كانت إمامة ابنه الهاديعليه‌السلام ثاني مصداق لهذا الحدث الفريد الذي سوف لا يكون في تلك الغرابة بل سوف يعطي للخط الرسالي لأهل البيتعليهم‌السلام زخماً جديداً وفاعلية كبيرة; إذ يحظى أتباعهم بمثل هذه النماذج الفريدة من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

والإمام المهديعليه‌السلام الذي كان يتمّ التمهيد لولادته وإمامته رغم مراقبة الطغاة وترقّبهم لذلك، كان المصداق الثالث للإمامة المبكّرة، فلا غرابة في ذلك بعد استيناس الأمة بنموذجين من هذا النوع من الإمامة، على الصعيد الإسلامي العام وعلى الصعيد الشيعي الخاص.

من هنا كان الظرف الذي يحيط بالإمام الهاديعليه‌السلام والإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ظرفاً انتقالياً من مرحلة الإمامة الظاهرة إلى الإمامة الغائبة التي يُراد لها أن تدبّر الأمر ومن وراء الستار ويراد للأمة أن تنفتح على هذا الإمام المنتظر وتعتقد به وتتفاعل معه رغم حراجة الظروف.

فهو الظرف الوحيد لإعداد الأمة لاستقبال الظرف الجديد. ولا سيّما إذا عرفنا أن الإمام الهاديعليه‌السلام هو السابع من تسعة أئمة من أبناء الحسينعليهم‌السلام ، والمهدي الموعود هو التاسع منهم. فهو الذي مهّد لولادة حفيده من خلال ما خطط له من زواج خاص لولده الحسن العسكري دون أي إعلان عن ذلك، فلا توجد إلاّ مسافة زمنية قصيرة جداً ينبغي له اغتنامها للإعداد اللازم والشامل.

إذاً ما أقلّ الفرص المتاحة للإمام الهاديعليه‌السلام ومن بعده الحسن

١١٩

العسكريعليه‌السلام للقيام بهذا العبء الثقيل حيث إنه لابد له أن يجمع بين الدقة والحذر من جهة والابلاغ العام ليفوّت الفرص على الحكّام ويعمّق للأمة مفهوم الانتظار والاستعداد للظهور والنهوض بوجه الظالمين. ولا أقل من إتمام الحجة على المسلمين ولو بواسطة المخلصين من أتباعه.

ومن هنا كان على الإمام الهاديعليه‌السلام ومن بعده الحسن العسكريعليه‌السلام ـ تحقيقاً للأهداف الكبرى ـ أن يتجنب كل إثارة أو سوء ظن قد يوجّه له من قبل الحكّام المتربّصين له ولابنائه، من أجل أن يقوم بانجاز الدور المرتقب منه، وهو دور تحقيق همزة الوصل الحقيقية بين ما حقّقه الأئمة الطاهرون من آبائه الكرام وما سوف ينبغي تحقيقه بواسطة المهديعليه‌السلام .

ولهذا لم يُمهَل الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام سوى ست سنين فقط وهو أقصر عمر للإمامة في تاريخ أهل البيتعليهم‌السلام ; إذ دامت إمامة الإمام عليعليه‌السلام ثلاثين سنة، والإمام الحسن السبطعليه‌السلام عشر سنين، والإمام الحسينعليه‌السلام عشرين سنة والإمام زين العابدينعليه‌السلام خمساً أو أربعاً وثلاثين سنة، والإمام الباقرعليه‌السلام تسع عشرة سنة، والإمام الصادقعليه‌السلام أربعاً وثلاثين سنة، والإمام الكاظمعليه‌السلام خمساً وثلاثين سنة، والإمام الرضاعليه‌السلام عشرين سنة. والإمام الجوادعليه‌السلام رغم قصر عمره كانت إمامته سبع عشرة سنة. والإمام الهاديعليه‌السلام أربعاً وثلاثين سنة.

وتأتي في هذا السياق كل الإجراءات التي قام بها الإمام الهاديعليه‌السلام ومن بعده الحسن العسكريعليه‌السلام من الحضور الرتيب في دار الخلافة وما حظي به من مقام رفيع عند جميع الأصناف والطبقات بدءً بالاُمراء والوزراء وقادة الجيش والكتّاب وعامة المرتبطين بالبلاط.

هذه هي أبرز الملامح العامّة للوضع السياسي الذي كان يحيط بالإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وما كان يتطلّبه هذا الوضع بشكل خاص.

من أجل تحقيق الأهداف الكبرى التي أنيط تحقيقها بالأئمةعليهم‌السلام بشكل عام وبالإمام الحسن العسكري بشكل عام.

وسوف نفصّل الحديث عن متطلبات عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ضمن فصلين: أحدهما يختصّ بمتطلّبات الساحة الإسلامية العامّة، وثانيهما يختصّ بمتطلبات الجماعة الصالحة التي أُنيطت بها مجموعة من المهامّ الرسالية التي خطّط الأئمةعليهم‌السلام لتحقيقها من خلال أسبابها وسبلها الصحيحة الي أرشد إليها القرآن الكريم.

١٢٠