اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)0%

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
الصفحات: 220

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 220
المشاهدات: 116100
تحميل: 7209

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116100 / تحميل: 7209
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الباب الرابع

وفيه فصول:

الفصل الأول: الإمام العسكريعليه‌السلام ومتطلّبات الساحة الإسلامية.

الفصل الثاني: الإمام العسكريعليه‌السلام ومتطلّبات الجماعة الصالحة.

الفصل الثالث: من تراث الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

الفصل الأول: الإمام العسكريعليه‌السلام ومتطلّبات الساحة الإسلامية

بعد أن اتّضح الجوّ العام الذي كان يحيط بالإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والمهامّ الأساسية التي تنتظره وهو حلقة الوصل بين عصري الحضور والغيبة بكل ما يزخران به من خصائص وسمات، تأتي مهامّ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام كالتالي:

١ ـ الحكمة والدقة في التعامل مع الحكّام.

٢ ـ الردّ على الشبهات والدفاع عن حريم الرسالة.

٣ ـ مواجهة الفرق المنحرفة.

٤ ـ الدعوة إلى دين الحق.

١ ـ الحكمة والدقّة في التعامل مع الحكّام

عرفنا ممّا سبق أن السلطة قد اتّخذت بالنسبة للإمامعليه‌السلام الإجراءات التالية:

١ ـ التقريب من البلاط والتظاهر بإكرام الإمامعليه‌السلام .

٢ ـ المراقبة الشديدة والمستمرة لكل أحوال الإمامعليه‌السلام .

٣ ـ الصّرامة في المواجهة إذا تطلّب الأمر ذلك مثل سجن الإمامعليه‌السلام أو مداهمة بيته أو اغتياله.

وكان لابدّ للإمامعليه‌السلام أن يتعامل بحذر ودقّة مع السلطة إزاء هذه

١٢١

الإجراءات القاسية التي كانت تستهدف الكشف عن ابن الإمام العسكري أو تحول دون ولادته إن أمكن، وتستهدف قطع صلة الإمام بشيعته وأتباعه. وسوف نشير إلى آليات ودقة تخطيط الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والتي حالت دون انكشاف الإمام المهديعليه‌السلام للسلطة.

وكان الإمامعليه‌السلام يستفيد من الفرص التي تحصل له من خلال الوفود التي كانت تصل إلى العاصمة وكان يتم له الارتباط باتباعه بأساليب ذكية شتى فكانت تصل إليه بعض الأموال أو الاستفتاءات أو غير ذلك من الأخبار والقضايا التي تهمّ الإمامعليه‌السلام .

على أنّ اتّساع دائرة الوكلاء للإمامعليه‌السلام كانت تقلّل من ضرورة الارتباط المباشر بالإمامعليه‌السلام وكانت سياسة الاحتجاب التي اتّخذها الإمامعليه‌السلام تعطي للسلطة اطمئناناً لمحدودية تحرك الإمام أو تُظهر لهم تجميده لنشاطه.

٢ ـ الردّ على الشبهات والدفاع عن حريم الرسالة

من أهم النشاطات التي بدرت للإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في عصره هي الردّ الهادئ والحكيم لأكبر محاولة تخريبية كان الكندي ـ وهو أحد فلاسفة المسلمين ـ قد تصدّى لها، فإنّه كان قد جمع جملة من الآيات المتشابهة التي يبدو للناظر فيها أنها تنطوي على نوع من التناقض، وكان ينوي نشرها، وهذه المحاولة كانت تستهدف القرآن الكريم سند الرسالة والنبوة، ورمز الكيان الإسلامي الأوّل.

لم يلتفت أحد إلى مدى خطورة هذه المحاولة وتأثيرها السلبي على غير المتخصصين وهم عامة المسلمين، بالإضافة إلى ما تعطيه هذه المحاولة من مستمسكات بيد أعداء الإسلام والمسلمين، غير أن الإمامعليه‌السلام قد اطّلع على هذه المحاولة وأجهضها وهي في مهدها، حيث دخل أحد تلامذة الكندي على

١٢٢

الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام فقال له الإمامعليه‌السلام :أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟

فقال التلميذ: نحن تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره ؟

فقال أبو محمدعليه‌السلام :أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك ؟

قال: نعم.

قال الإمامعليه‌السلام : فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها ; فإنّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها ؟

فإنه سيقول لك: إنّه من الجائز ; لأنه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فيكون واضعاً لغير معانيه.

ثمّ إن الرجل صار إلى الكندي، ولمّا حصلت الأنسة ألقى عليه تلك المسألة فقال الكندي: أعد عليّ، فتفكّر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر.

فقال ـ الكندي ـ: أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك ؟

فقال تلميذه: إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلاّ ما مثلك من اهتدى إلى هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فعرّفني من أين لك هذا ؟

فقال: أمرني به أبو محمّد العسكريعليه‌السلام .

فقال: الآن جئت به، ما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت، ثم دعا

١٢٣

بالنار وأحرق ما كان ألّفه(١) .

وهذا الموقف من الإمامعليه‌السلام له دلالة كبيرة على رصد الإمامعليه‌السلام لكل النشاطات العلمية والفكرية التي من شأنها أن تمس الرسالة الإسلامية من قريب أو بعيد بالإضافة إلى دورها الكبير في تنمية الحس الاعتقادي الصحيح وإبعاد الشيعة عن مواطن الشك والشبهة، وذلك أسلوب اتبعه الإمامعليه‌السلام تجاه الفرق والمذاهب، والانحرافات الفكرية بشكل عام; ليكون درساً لأصحابه وشيعته على مرّ الأجيال والقرون.

ثمّ إنّ حادثة الاستسقاء بالرهبان وتأثيرها السلبي على جموع المسلمين لم يكن ليردّ عليها أحد سوى الإمام العسكريعليه‌السلام ، وكانت السلطة قد عرفت هذا الموقع المتميّز للإمامعليه‌السلام . فطلبت منه أن يتولّى مهمة الدفاع عن اُمة جدّه حين حصل لها الشك والارتياب.

وقد أفلح الإمامعليه‌السلام ـ كما عرفنا ذلك ـ ورفع الشكوك والإبهامات التي كانت تنعكس على حقّانية الشريعة والكيان الإسلامي الذي يعمل باسم الشريعة الخاتمة، وبذلك أنقذ الإمامعليه‌السلام الأمة الإسلامية والكيان الإسلامي من السقوط والانهيار.

٣ ـ مواجهة الفرق المنحرفة

لقد اختلف المسلمون بعد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافترقوا إلى فرقتين، فرقة اجتهدت مقابل النصوص الواردة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخرى التزمت النص

ــــــــــــ

(١) المناقب: ٤ / ٤٥٧، ٤٥٨ عن كتاب التبديل لأبي القاسم الكوفي(ق ٣).

١٢٤

ومنهجه في حياتها ومواقفها وسارت وفقاً له.

ومع امتداد تاريخ الدولة الإسلامية تفرعت كل فرقة إلى فروع وظهرت فرق متعددة، كالمرجئة، والمعتزلة، والخوارج التي نشأت بعد قضية التحكيم في وقعة صفين في عهد الحكم العلوي.

وقد تصدى الأئمة الأطهارعليهم‌السلام آباء الحسن العسكريعليه‌السلام باعتبارهم حماة الرسالة والعقيدة الإسلامية للفرق الضالة في عصورهم فكان لكل إمام مواقف خاصة مع كل فرقة من هذه الفرق التي كان يخشى من انحرافاتها على الأمة المسلمة.

وإليك نموذجين من مواجهة الإمامعليه‌السلام للفرق المنحرفة التي عاصرها في مدة إمامته:

١ ـ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والثنوية

والثنوية من الفرق التي كانت في عصر الإمام العسكريعليه‌السلام ، وهم من أثبت مع القديم قديماً غيره، وهم المجوس يثبتون مع مبدأ الخير مبدءاً للشر وهما النور والظلمة(١)

وروى الشيخ الكلينيرضي‌الله‌عنه عن إسحاق قال: أخبرني محمّد بن الربيع الشائي، قال: ناظرت رجلاً من الثنوية بالأهواز ثمّ قدمت(سرّ من رأى) وقد علق بقلبي شيء ممّا قاله، فإنّي لجالس على باب أحمد بن الخصيب، إذ أقبل أبو محمدعليه‌السلام من دار العامّة يوم المركب، فنظر إليّ وأشار بسبّابته:أحد، أحد، فرد . فسقطت مغشيّاً عليَّ(٢) .

ــــــــــــ

(١) مجمع البحرين الطريحي: ١/٧٨.

(٢) الكافي: ١ / ٥١١، ح ٢٠ وفي نسخة: الشيباني، وكذلك في مناقب آل أبي طالب: ٤/٤٢٢.

١٢٥

وكتب إليه أحد أصحابه يسأله الدعاء لوالديه، وكان الأب ثنويّاً والأم مؤمنة فكتبعليه‌السلام :رحم الله والدتك ـ والتاء منقوطة من فوق ـ(١) .

٢ ـ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والصوفية

لقد أوضح الإمام الإمام العسكريعليه‌السلام فساد معتقدات الصوفية من خلال بيانه لآرائهم وأساليبهم في التعامل وعلاقاتهم مع الناس، ما يتحلون به من صفات وخصائص، ونلاحظ ذلك في حديث الإمام العسكريعليه‌السلام مع أبي هاشم الجعفري. حيث قال له الإمامعليه‌السلام :ياأبا هاشم: سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة، مستبشرة، وقلوبهم مظلمة منكدرة، السُّنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سُنّة، المؤمن بينهم محقَّر والفاسق بينهم موقَّر، أمراؤهم جاهلون جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدّمون على الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير ; لا يتميزون بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض، لأنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم الله إنّهم من أهل العدول والتحرف، يبالغون في حبّ مخالفينا ويُضلّون شيعتنا وموالينا، فان نالوا منصباً لم يشبعوا من الرثاء، وإن خذِلوا عبدوا الله على الرياء، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه . ثم قال:ياأبا هاشم: هذا ما حدثني به أبي عن آبائه عن جعفر بن محمد عليهم‌السلام وهو من أسرارنا فاكتمه إلاّ عن أهله (٢) .

ــــــــــــ

(١) كشف الغمة: ٣/٢٢١، بحار الأنوار: ٥٠/٢٩٤.

(٢) حديقة الشيعة: ٥٩٢ عن السيد المرتضى الرازي(ق ٥) في كتبه: بيان الأديان وتبصرة العوام والفصول التامّة في هداية العامّة عن الشيخ المفيد مسنداً، الأنوار النعمانية: ٢ / ٢٩٣، ذرائع البيان في عوارض اللسان: ٣٨.

١٢٦

٣ ـ الدعوة إلى دين الحق

لم يتوان الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام في دعوة الناس إلى الهدى ودين الحق في كل الظروف والأحوال. والإمام الحسن العسكريعليه‌السلام شأنه شأن آبائه الكرام في الحرص على هداية العباد وإخراجهم من الظلمات إلى النور. ونجد في حياتهعليه‌السلام نماذج تشير إلى هذا النوع من النشاط.

فعن محمد بن هارون أنّه قال: أنفذني والدي مع بعض أصحاب أبي القلا صاعد النصراني لأسمع منه ما روي عن أبيه من حديث مولانا أبي محمّد الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام فأوصلني إليه فرأيت رجلاً معظماً وأعلمته السبب في قصدي فأدناني وقال:

حدثني أبي أنه خرج وإخوته وجماعة من أهله من البصرة إلى سرّ من رأى للظلامة من العامل، [فبينما هم] بسرّ من رأى في بعض الأيام يقول: إذا بمولانا أبي محمدعليه‌السلام على بغلة، وعلى رأسه شاشة، وعلى كتفه طيلسان، فقلت في نفسي: هذا الرجل يدّعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب، وقلت: إن كان الأمر على هذا فيحوّل مقدّم الشاشة إلى مؤخّرها، ففعل ذلك.

فقلت: هذا اتفاق ولكنه سيحوّل طيلسانه الأيمن إلى الأيسر والأيسر إلى الأيمن ففعل ذلك وهو يسير، وقد وصل إليّ وقال:يا صاعد لم لا تشغل بأكل حيدانك عمّا لا أنت منه ولا إليه ، وكنّا نأكل سمكاً.

وأسلم صاعد بن مخلّد وكان وزيراً للمعتمد(١) .

وعن إدريس بن زياد الكفرتوثائي قال: كنت أقول فيهم قولاً عظيماً

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٥٠/٢٨١.

١٢٧

فخرجت إلى العسكر للقاء أبي محمدعليه‌السلام فقدمت وعليّ أثر السّفر ووعثاؤه فألقيت نفسي على دكّان حمام فذهب بي النوم، فما انتبهت إلاّ بمقرعة أبي محمدعليه‌السلام قد قرعني بها حتى استيقظت فعرفته فقمت قائماً أُقبّل قدمه وفخذه وهو راكب والغلمان من حوله، فكان أول ما تلقّاني به أن قال:يا إدريس ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) . فقلت: حسبي يا مولاي وإنّما جئت أسألك عن هذا. قال: فتركني ومضى(١) .

ــــــــــــ

(١) المناقب: ٢/٤٦٢.

١٢٨

الفصل الثاني: الإمام العسكريعليه‌السلام ومتطلّبات الجماعة الصالحة

تعتبر الجماعة الصالحة المحور الأهمّ الذي كان يشغل بال واهتمام أهل البيتعليهم‌السلام لأنها الأداة الوحيدة الصالحة لتحقيق الأهداف الرسالية الكبرى، وهي الوسط الحقيقي الذي يفهم ثقافة أهل البيتعليهم‌السلام ورسالتهم ويستطيع التعاطي الإيجابي معهم وينقاد إلى أوامرهم وتوجيهاتهم الرسالية.

من هنا نجد أن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام يكثّف جهوده لفترة الانتقال من عصر الحضور إلى عصر الغيبة; لخطورة المرحلة من شتى النواحي ولقصر الفترة الزمينة التي يعيشها الإمامعليه‌السلام وهو يرى سرعة التقلّبات السياسية على مستوى الحكّام والخلفاء، كما يرى سوء تعاملهم جميعاً مع أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم من جهة، ورصدهم للإمامعليه‌السلام وكل تحركاته من جهة أخرى، وسعيهم الحثيث للبحث عن المهدي الموعود والمنتظر الذي بشّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه القائم بالقسط والعدل، والمقارع لكل رموز الظلم والعدوان.

فمهمّة الإمام الحسن العسكري خطيرة جدّاً تجاه ولده المهدي كما هي خطيرة تجاه شيعته الذين سيُصابون بهذه الأزمة والمصيبة الجديدة التي لم يألفوها مع أئمتهم وهم يعيشون معهم وبين ظهرانيهم خلال قرنين ونصف قرن ويتلقّون التعاليم والتربية المباشرة منهم.

١٢٩

إنّ الشعور بوجود إمام وقائد حي يرتبطون به ويرتبط بهم ـ رغم صعوبة الظروف ـ له آثاره النفسية الايجابية، بينما يكون الشعور بوجود إمام لا يستطيعون الارتباط به ولا يدرون متى سيظهر لهم وينفّس عنهم كرباتهم ويجيبهم على أسئلتهم يحمل معه آثاراً نفسية سلبية إلاّ إذا كانت الغيبة عندهم كالحضور، ويكون البديل قادراً على تلبية حوائجهم وسدّ خللهم.

إنّ هذه المهمة قد اشترك في انجازها أهل البيتعليهم‌السلام جميعاً غير أن دور الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام خطير للغاية وصعب جدّاً لشدّة المراقبة وشمولها بحيث كان الإمامعليه‌السلام يتعمّد الاحتجاب والانقطاع عن كثير من شيعته، ويشهد لذلك أن أغلب ما روي عنه كان بواسطة المكاتبة دون المشافهة بالرغم من أن الإمامعليه‌السلام طيلة ست سنوات كان يخرج إلى البلاط كل اثنين وخميس، ولكنه لم يكن ليتكلم أو ليرتبط حتى بمن كان يقصده من مكان بعيد، إلاّ في حالات نادرة وبشكل خاص وهو يتحفّظ في ذلك من كثير ممّا يحيط به.

على هذا الأساس نصنّف البحث عن متطلبات الجماعة الصالحة في عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام إلى ما يلي:

١ ـ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والتمهيد لقضية الإمام المهديعليه‌السلام .

٢ ـ إعداد الجماعة الصالحة لعصر الغيبة.

٣ ـ نظام الوكلاء في عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

٤ ـ مدرسة الفقهاء والتمهيد لعصر الغيبة.

٥ ـ قيادة العلماء بالله الأمناء على حلاله حرامه.

٦ ـ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والفرق الضالّة.

٧ ـ من وصايا الإمام العسكريعليه‌السلام وإرشاداته لشيعته.

٨ ـ الإمام العسكريعليه‌السلام والتحصين الأمني.

١٣٠

البحث الأول: الإمام الحسن العسكري والتمهيد لقضية الإمام المهديعليهما‌السلام

إنّ أهم انجاز للإمام العسكريعليه‌السلام هو التخطيط الحاذق لصيانة ولده المهديعليه‌السلام من أيدي العتاة العابثين الذين كانوا يتربصون به الدوائر منذ عقود قبل ولادته، ومن هنا كانت التمهيدات التي اتّخذها الإمامعليه‌السلام بفضل جهود آبائه السابقينعليهم‌السلام وتحذيراتهم تنصب أوّلاً على إخفاء ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذين زرعتهم السلطة داخل بيت الإمامعليه‌السلام ، إلى جانب إتمام الحجة به على شيعته ومحبّيه وأوليائه.

ففي مجال كتمان أمر الإمام المهديعليه‌السلام عن عيون أعدائه فقد أشارت نصوص أهل البيتعليهم‌السلام إلى أنه ابن سيدة الإماء(١) وأنه الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه. وفي هذه النصوص ثلاث إرشادات أساسية تحقق هذا الكتمان، أوّلها أنّ أمه أمة وهي سيدة الإماء وقد مهّد الإمام الهاديعليه‌السلام لهذه المهمة باختيار زوجة من سبايا الروم للإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ولم تكن للزواج أية مراسم ولا أية علامة بل كل ما تحقق قد تحقق بعيداً عن أعين كثير من المقرّبين.

وقد خفيت الولادة حتى على أقرب القريبين من الإمام، فإنّ عمّة الإمامعليه‌السلام لم تتعرّف على حمل اُم الإمام المهديعليه‌السلام فضلاً عن غيرها، ومن هنا كانت الولادة في ظروف سرّية جداً وبعد منتصف الليل، وعند طلوع الفجر وهو وقت لا يستيقظ فيه إلاّ الخواص من المؤمنين فضلاً عن غيرهم.

وقد خطّط الإمام العسكريعليه‌السلام ليبقى الإمام المهديعليه‌السلام بعيداً عن الأنظار كما ولد خفية ولم يطلع عليه إلاّ الخواص أو أخصّ الخواص من شيعته.

ــــــــــــ

(١) راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: ٤/١٩٦ ـ ٢٠٠.

١٣١

وأما كيفية إتمام الحجّة في هذه الظروف الاستثنائية على شيعته فقد تحقّقت ضمن خطوات ومراحل دقيقة.

الخطوة الأولى: النصوص التي جاءت عن الإمام العسكريعليه‌السلام قبل ولادة المهديعليه‌السلام تبشيراً بولادته.

الخطوة الثانية: الإشهاد على الولادة.

الخطوة الثالثة: الإخبار بالولادة ومداولة الخبر بين الشيعة بشكل خاص من دون رؤية الإمامعليه‌السلام .

الخطوة الرابعة: الإشهاد الخاص والعام بعد الولادة ورؤية شخص المهديعليه‌السلام .

الخطوة الخامسة: التمهيد لرؤية الإمام المهديعليه‌السلام خلال خمس سنوات من قبل بعض خواصّ الشيعة والارتباط به عن كثب وتكليفه مسؤولية الإجابة على أسئلة شيعته المختلفة وإخباره عمّا في ضميرهم وهو في المهد أو في دور الصبا من دون أن يتلكّأ في ذلك. وهذا خير دليل على إمامته وانه حجة الله الموعود والمنتظر.

الخطوة السادسة: التخطيط للارتباط بالإمام المهديعليه‌السلام بواسطة وكلاء الإمام العسكريعليه‌السلام الذين أصبحوا فيما بعد وكلاء للإمام المهديعليه‌السلام بنفس الأسلوب الذي كان معلوماً لدى الشيعة حيث كانوا قد اعتادوا عليه في حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

الخطوة السابعة: البيانات والأحاديث التي أفصحت للشيعة عمّا سيجري لهم ولإمامهم الغائب في المستقبل وما ينبغي لهم أن يقوموا به.

ومن هنا نفهم السرّ في كثرة هذه النصوص وتنوّع موضوعاتها إذا ما قسناها إلى نصوص الإمام الهاديعليه‌السلام حول حفيده المهديعليه‌السلام ولاحظنا قصر الفترة الزمنية التي كانت باختيار الإمام العسكري وهي لا تتجاوز الست سنوات بينما كانت إمامة الهاديعليه‌السلام تناهز الـ(٣٤) سنة ممّا يعني أنها كانت ستة أضعاف مدة إمامة ابنه العسكريعليه‌السلام .

١٣٢

الخطوة الأولى:

لقد جاءت النصوص المبشّرة بولادة المهديعليه‌السلام عن أبيه الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام تالية لنصوص الإمام الهاديعليه‌السلام التي ركّزت على أنه حفيد الهاديعليه‌السلام وأنّه ابن الحسن العسكريعليه‌السلام وأنّ الناس سوف لا يرون شخصه ولا يحلّ لهم ذكره باسمه، وأنه الذي يقول الناس عنه أنه لم يولد بعد، وأنّه الذي يغيب عنهم ويرفع من بين أظهرهم وأنه الذي ستختلف شيعته إلى أن يقوم، وعلى الشيعة أن تلتفّ حول العلماء الذين ينوبون عنه وينتظرون قيامه ودولته ويتمسّكون بأهل البيتعليهم‌السلام ويظهرون لهم الولاء بالدعاء والزيارة وانه الذي سيكون إماماً وهو ابن خمس سنين(١) .

وإليك جملة من هذه النصوص المبشّرة بولادته:

١ ـ روى الصدوق عن الكليني أن جارية أبي محمدعليه‌السلام لمّا حملت قال لها:ستحملين ذكراً واسمه محمّد وهو القائم من بعدي (٢) .

٢ ـ روى في(إثبات الهداة) عن الفضل بن شاذان أن محمد بن عبد الجبار سأل الإمام الحسن عن الإمام والحجة من بعده فأجابه: «إنّ الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيّه، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه . فسأله ممّن هو؟ فقال:من ابنة ابن قيصر ملك الروم، إلاّ أنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر (٣) .

ــــــــــــ

(١) راجع معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام : ٤/١٩٥ ـ ٢١٨.

(٢) كمال الدين: ٢/٤٠٨.

(٣) إثبات الهداة: ٣/٥٦٩.

١٣٣

٣ ـ روى الطوسي أن جماعة من شيعة الإمام الحسن العسكري وفدوا عليه بسرّ من رأى فعرّفهم على وكيله وثقته عثمان بن سعيد العمري ثم قال لهم:واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنّ ابنه محمّداً وكيل ابني مهديّكم (١) .

٤ ـ وعن عيسى بن صبيح أنه حين كان في الحبس دخل عليه الإمام الحسن العسكري فقال له:لك خمس وستون سنة وشهر ويومان ، وكان معه كتاب دعاء فيه تاريخ مولده ففتحه ونظر فيه واكتشف صدق الإمام ودقة خبره، ثم قال له الإمام عليه‌السلام : هل رزقت ولداً؟ فأجابه بالنفي فدعا له الإمام عليه‌السلام قائلاً: اللهمّ ارزقه ولداً يكون له عضداً فنعم العضد الولد ثم تمثل عليه‌السلام :

من كان ذا عضد يُدرك ظلامته

إن الذليل الذي ليست له عضد

ثم سأل الإمام عمّا إذا كان له ولد فأجابه الإمامعليه‌السلام قائلاً:إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فأمّا الآن فلا (٢) .

الخطوة الثانية:

لقد قام الإمام الحسنعليه‌السلام بالإشهاد على الولادة فضلاً عن إخباره وإقراره بولادته وذلك إتماماً للحجّة بالرغم من حراجة الظروف وضرورة الكتمان التام عن أعين الجواسيس الذين كانوا يرصدون دار الإمام وجواريه قبل الولادة وبعدها.

إن السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد وأخت الإمام الهادي وعمّة الإمام الحسن العسكريعليهم‌السلام قد تولّت أمر نرجس أم الإمام

ــــــــــــ

(١) غيبة الطوسي: ٢١٥.

(٢) الخرائج: ١/٤٧٨.

١٣٤

المهديعليه‌السلام في ساعة الولادة(١) .

وصرّحت بمشاهدة الإمام المهدي بعد مولده(٢) وصرّح الإمام العسكري عليه‌السلام بأنها قد غسّلته (٣) . وساعدتها بعض النسوة مثل جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلى الإمام العسكري عليه‌السلام ومارية ونسيم خادمة الإمام العسكري (٤) .

الخطوة الثالثة:

وتمثّلت هذه الخطوة بإخبار الإمامعليه‌السلام شيعته بأنّ المهدي المنتظرعليه‌السلام قد وُلد، وحاول نشر هذا الخبر بين شيعته بكلّ تحفّظ.

ولدينا ثمانية عشر حديثاً يتضمّن كلّ منها سعي الإمامعليه‌السلام لنشر خبر الولادة بين شيعته وأوليائه، وهي ما بين صريح وغير صريح قد اكتفى فيه الإمامعليه‌السلام بالتلميح حسب ما يقتضيه الحال.

فمنها الخبر الذي صرّح فيه الإمام الحسنعليه‌السلام بعلّتين لوضع بني العباس سيوفهم على أهل البيتعليهم‌السلام واغتيالهم من دون أن يكونوا قد تصدّوا للثورة العلنية عليهم حيث جاء فيه:

فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولّد القائم أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون »(٥) .

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٢/٤٢٤.

(٢) الكافي: ١/٣٣٠.

(٣) كمال الدين: ٢/٤٣٤.

(٤) كمال الدين: ٢/٤٣٠ و ٤٣١.

(٥) إثبات الهداة: ٣/٥٧٠.

١٣٥

وقد تضمّن هذا الحديث الإخبار بولادته خفيةً ليتم الله نوره.

ومنها ما حدّث به سعد بن عبد الله عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي أنه خرج توقيع من أبي محمدعليه‌السلام جاء فيه:«زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، وقد كذّب الله عزّ وجل قولهم والحمد لله» (١) .

وحين قتل الزبيري قال الإمامعليه‌السلام في توقيع خرج عنه:«هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني وليس لي عَقب، فكيف رأى قدرة الله فيه؟!» (٢) .

وعن أحمد بن إسحاق بن سعد أنه قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام يقول:«الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خَلقاً وخُلقاً، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ثم يُظهره الله فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظُلماً» (٣) .

وعن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال: لمّا ولد الخلف الصالحعليه‌السلام ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي إلى جديّ أحمد بن إسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخط يدهعليه‌السلام الذي كانت ترد به التوقيعات عليه وفيه:«ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والوليّ لولايته...» (٤) .

وفي سنة سبع وخمسين ومئتين خرج عيسى بن مهدي الجوهري مع جماعة إلى سامراء بعد أن كانوا قد زاروا قبر الحسينعليه‌السلام بكربلاء وقبر أبي الحسن وأبي جعفر الجواد في بغداد وبشّرهم إخوانهم المجاورون لأبي الحسن وأبي محمدعليهما‌السلام في سرّ من رأى بولادة المهديعليه‌السلام ، فدخلوا على

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٢/٤٠٧.

(٢) الكافي: ١/٣٢٩.

(٣) كمال الدين: ٢/٤١٨.

(٤) كمال الدين: ٢/٤٣٣.

١٣٦

أبي محمدعليه‌السلام للتهنئة، وأجهروا بالبكاء بين يديه قبل التهنئة وهم نيّف وسبعون رجلاً من أهل السواد فقال لهم الإمامعليه‌السلام ـ من جملة ما قال: ـ

(إن البكاء من السرور من نعم الله مثل الشكر لها) ثم أراد عيسى بن مهدي الجوهري أن يتكلم فبادرهم الإمامعليه‌السلام قبل أن يتكلّموا، فقال:(فيكم من أضمر مسألتي عن ولدي المهدي عليه‌السلام وأين هو؟ وقد استودعته الله كما استودعت أم موسى موسى عليه‌السلام ) ... فقالت طائفة: إي والله يا سيّدنا لقد كانت هذه المسألة في أنفسنا»(١) .

وقد أمر الإمامعليه‌السلام بعض وكلائه بأن يعقّوا عن ولده المهديعليه‌السلام ويطعموا شيعته، والعقيقة له إخبار ضمني بولادتهعليه‌السلام . بل جاء التصريح في بعضها بالولادة حيث كتب لبعضهم ما نصّه:«عقّ هذين الكبشين عن مولاك وكل هنّأك الله وأطعم إخوانك...» (٢) .

الخطوة الرابعة:

وتمثّلت في الإشهاد على ولادة الإمام المهديعليه‌السلام ووجوده وحياته.

فعن أبي غانم الخادم أنه ولد لأبي محمد ولد فسمّاه محمّداً فعرضه على أصحابه يوم الثالث -وقال:«هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً فملأها قِسطاً وعدلا» (٣) .

وعن عمرو الأهوازي أن أبا محمّد أراه ابنه وقال:«هذا صاحبكم من بعدي» (٤) .

ــــــــــــ

(١) الهداية الكبرى: ٦٨، واثبات الهداة: ٣/٥٧٢.

(٢) إثبات الوصية: ٢٢١.

(٣) كمال الدين: ٢/٤٣١.

(٤) الكافي: ١/٣٢٨.

١٣٧

وعن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيّوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمريرضي‌الله‌عنه أنهم قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلاً فسئل عن الحجة من بعده فخرج عليهم غلام أشبه الناس به فقال:

«هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا» (١) قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلاّ أيام قلائل حتى مضى أبو محمدعليه‌السلام .

الخطوة الخامسة:

وهي إجابات الإمام المهديعليه‌السلام على أسئلة شيعته في حياة أبيه حيث تكشف عن قابلياته الرّبانية التي يختص بها أولياء الله.

وممّا حدّث به أحمد بن إسحاق حين سأل الإمام الحسن العسكري عن علامة يطمئن إليها قلبه حول إمامة المهديعليه‌السلام حين أراه إيّاه وقد كان غلاماً كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين..: أن الغلام نطق بلسان عربيّ فصيح فقال:«أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق» (٢) .

وقد حفلت مصادر الحديث الإمامي بكرامات الإمام المهديعليه‌السلام مع سعد بن عبد الله القمي العالم الإمامي الذي كان قد احتار في أجوبة مسائل عويصة قد ألقيت عليه حتى لحق بأحمد بن إسحاق صاحب أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام وذهبا معاً إلى الإمام العسكريعليه‌السلام ودخلا عليه وابنه محمد المهديعليه‌السلام بين يديه وأمره بإخبار أحمد بن إسحاق بهدايا شيعته التي جاء

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٢/٤٣٥.

(٢) كمال الدين: ٢/٣٨٤.

١٣٨

بها ثم اُخبر سعد بن عبد الله بما كان قد جاء له من المسائل العويصة التي أشكلت عليه(١) .

وهكذا كراماته لإبراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري حين أخبره عمّا في ضميره(٢) .

الخطوة السادسة:

وهي تخطيطهعليه‌السلام لتسهيل الارتباط بالإمام المهديعليه‌السلام في غيبته الصغرى من خلال اعتماده وكلاء قد وثّقهم لدى شيعته فأصبحوا حلقة وصل مأمونة بين الإمام المهديعليه‌السلام وأتباعه من دون أن يتجشّموا الأخطار والصعاب لذلك.

فقد حدّث محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان أنّهما دخلا على أبي محمد الحسنعليه‌السلام بسرّ من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم:«هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن..» ثم ساق حديثاً طويلاً حتى انتهى الحديث إلى أن الحسنعليه‌السلام قال لبدر:فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري ، فما لبثنا إلاّ يسيراً حتى دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمدعليه‌السلام :إمض يا عثمان فإنّك الوكيل والثقة والمأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال ، ثم ساق الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيّدنا والله إنّ عثمان لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وأنّه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى، قال:نعم واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنّ ابنه محمداً وكيل ابني مهديّكم (٣) .

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٢/٤٥٤.

(٢) إثبات الهداة: ٣/٧٠٠.

(٣) غيبة الطوسي: ٢١٥.

١٣٩

وقد كان عثمان بن سعيد الوكيل الأوّل للإمام المهديعليه‌السلام بعد استشهاد الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ثم أصبح محمّد بن عثمان وكيله الثاني كما هو المعروف في ترتيب النواب الأربعة للإمام المهديعليه‌السلام .

الخطوة السابعة:

وتمثّلت في النصوص التي هيّأت أتباع أهل البيتعليهم‌السلام لاستقبال الوضع الجديد الذي سيحلّ بهم عند غيبة الإمام المهديعليه‌السلام لئلاّ يفاجئوا بأمور لا يعرفون كيفية التعامل معها مثل ما يحصل بعد الغيبة من الحيرة والاختلاف بين الشيعة، وما ينبغي لهم من الصبر والانتظار للفرج والثبات على الإيمان والدعاء للإمامعليه‌السلام ولتعجيل فرجه الشريف.

وتكفي هذه الخطوات السبعة للتمهيد اللازم لتصبح قضية الإمام المهديعليه‌السلام قضية واقعية تعيشها الجماعة الصالحة بكل وجودها رغم الظروف الحرجة التي كانت تكتنف الإمام المهديعليه‌السلام .

البحث الثاني: الإعداد لعصر الغيبة

انتهينا في البحث السابق عن معرفة كيفية طرح الإمام لقضية ولادة الإمام المهديعليه‌السلام وإمامته وأنه الخلف الصالح الذي وعد الله به الأمم أن يجمع به الكلم في أصعب الظروف التي كانت تكتنف ولادة الإمامعليه‌السلام ، وقد لاحظنا مدى انسجام تلك الإجراءات التي اتّخذها الإمام العسكريعليه‌السلام في هذا الصدد مع الظروف المحيطة بهما.

غير أن النقطة الأخرى التي تتلوها في الأهمية هي مهمة إعداد الأمة المؤمنة بالإمام المهديعليه‌السلام لتقبّل هذه الغيبة التي تتضمّن انفصال الأمة عن الإمام بحسب الظاهر وعدم إمكان ارتباطها به وإحساسها بالضياع والحرمان

١٤٠