اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)0%

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
الصفحات: 220

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 220
المشاهدات: 116114
تحميل: 7209

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116114 / تحميل: 7209
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلينا كلّ مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح فإنّه ما قيل فينا من حُسْن فنحن أهله وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حقٌّ في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهيرٌ من الله لا يدّعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصّيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام» .(١)

٢ ـ وقالعليه‌السلام :«أمرناكم بالتختّم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم فإنه أول دليل عليكم في ولايتنا أهل البيت» .

وقالعليه‌السلام لهم:«حدثوا بهذا شيعتنا» (٢) .

٣ ـ وكتب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وصيّته إلى أحد أعلام أصحابه، هو علي بن الحسين بن بابويه القمي جاء فيها:

«أوصيك... بتقوى الله وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة فإنّه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الإخوان، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر والحلم عند الجهل، والتفقّه في الدين، والتثبت في الأمور، والتعاهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) واجتناب الفواحش كلها، وعليك بصلاة الليل فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى علياً عليه‌السلام فقال: ياعلي عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، ومن استخفّ بصلاة الليل فليس منّا، فاعمل بوصيتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتى يعملوا به، وعليك بالصبر وانتظار الفرج فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أفضل أعمال

ــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٤٨٧ ـ ٤٨٨.

(٢) تحف العقول: ٤٨٧ ـ ٤٨٨.

١٦١

أمتي انتظار الفرج...» (١) .

وبذلك رسم الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام منهجاً واضحاً لشيعته للسير عليه وهو يتضمن مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية وما تدعو إليه من خلق رفيع، وحسن تعامل مع الناس سواء كانوا موافقين لشيعته في المبدأ أو مخالفين لهم، وتلك هي أخلاق الإسلام التي دعى إليها رسول الإنسانية محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ ـ وصوّر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الواقع الذي كان يعيشه وما كان يحتويه من اختلاف الناس ومواليه بتوقيع خرج عنهعليه‌السلام إلى بعض مواليه حيث طلب من الإمامعليه‌السلام إظهار الدليل، فكتب أبو محمدعليه‌السلام :

(وإنما خاطب الله عَزَّ وجَلَّ العاقل وليس أحد يأتي بآية ويظهر دليلاً أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين، فقالوا: ساحر وكاهن وكذّاب، وهدى الله من اهتدى، غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس وذلك أن الله عَزَّ وجَلَّ يأذن لنا فنتكلم، ويضع ويمنع فنصمت، ولو أحب أن لا يظهر حقاً ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف والقوة، وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه.

الناس في طبقات شتى، والمستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق، متعلق بفرع أصيل غير شاك ولا مرتاب، لا يجد عنه ملجأ، وطبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه، ويسكن عند سكونه، وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الرد على أهل الحق، ودفع الحق بالباطل، حسداً من عند أنفسهم فدع من ذهب يذهب يميناً وشمالاً فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جَمعها في أهون السعي، ذكرت ما اختلف فيه موالي فإذا كانت الوصية والكبر فلا ريب ومن جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت وإياك والإذاعة وطلب الرياسة فإنهما يدعوان إلى الهلكة)(٢) .

ــــــــــــ

(١) شعب الإيمان: ٢/٤٣ ح ١١٢٤ وعنه في الأنوار البهية، القمي: ٣١٩.

(٢) الخرائج والجرائح: ٤٤٩ ح٣٥ وعن الدلائل في كشف الغمّة: ٣/٢٠٦، ٢٠٧.

١٦٢

البحث الثامن: الإمام العسكريعليه‌السلام والتحصين الأمني

انتهج الإمام الحسن العسكري نهج آبائه للمحافظة على شيعته وأتباعه الذين يمثّلون الجماعة الصالحة في المجتمع الإسلامي، وقد شدّد الإمام العسكري دعوته إلى الكتمان وعدم الإذاعة والحذر في التعامل مع الآخرين، والتشدد في نقل الأخبار والوصايا عنه ونقل أوامره إلى أصحابه ونقل أخبارهم إليه، فإنّ أتباعه قد انتشروا في أقطار الدولة الإسلامية في عصرهعليه‌السلام بعد أن أخذ التشيع طابع المعارضة واتسعت دائرته تحت راية أهل البيتعليهم‌السلام وكثيراً ما كانت تصدر عنهعليه‌السلام التحذيرات المهمة لهم تجاه الفتن والابتلاءات المستقبلية تجنيباً لهم من الوقوع في شرك السلطة وحفظاً لهم من مكائدها.

فعن محمد بن عبد العزيز البلخي قال: أصبحت يوماً فجلست في شارع الغنم فإذا بأبي محمّد أقبل من منزله يريد دار العامّة، فقلت في نفسي: ترى إن صحتُ: أيّها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه، يقتلوني ؟ فلمّا دنا منّي أومأ بإصبعه السبّابة على فيه:أن اسكت ، ورأيته تلك الليلة يقول:«إنما هو الكتمان أو القتل، فاتّق الله على نفسك» (١) .

وقد دلّ هذا النص على أمور مهمّة هي:

١ ـ كشف الإمامعليه‌السلام عن نيّة أحد أصحابه لمعرفته بما في دخيلة نفسه، ومنعه من التحدث بما عزم عليه من إظهار أمر الإمامعليه‌السلام .

٢ ـ كشف عن حراجة الظروف التي كانت تحيط بالإمامعليه‌السلام وأصحابه ومحاولة السلطة للتعرف عليهم لتطويق عملهم.

ــــــــــــ

(١) الخرائج والجرائح: ١/٤٤٧ ح ٣٢ وعنه في كشف الغمة: ٣/٢١٢، ٢١٣.

١٦٣

٣ ـ إن النص يظهر لنا استغلال الإمامعليه‌السلام للمناسبات المختلفة لتحذير أصحابه من الإفصاح عن أنفسهم وإظهار علاقتهم بالإمام كما سيتضح لنا ذلك من النصوص الآتية.

ونلاحظ أنّ أحد أساليب الإمامعليه‌السلام في عمله المنظم والمحاط بالسرية التامة هو منعه أصحابه من أن يسلّموا عليه أو يشيروا له بيد.

روى علي بن جعفر عن أحد أصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام فقال: اجتمعنا بالعسكر ـ أي سامراء ـ وقد صرنا لأبي محمدعليه‌السلام يوم ركوبه فخرج توقيعه:«لا يسلمنّ عليَّ أحد، ولا يشير إليّ بيده، ولا يومئ، فإنّكم لا تأمنون على أنفسكم» (١) .

كما نلاحظ مبادرة الإمامعليه‌السلام إلى ابتكار أساليب جديدة في إيصال أوامره ووصاياه إلى وكلائه وثقاته وإليك نموذجاً منها:

روى أبو هاشم الجعفري عن داود بن الأسود قال: دعاني سيدي أبو محمد ـ الحسن العسكريعليه‌السلام ـ فدفع لي خشبة، كأنها رجل باب مدوّرة طويلة ملء الكف فقالعليه‌السلام :«صر بهذه الخشبة إلى العمري» فمضيت إلى بعض الطريق فعرض لي سقاء معه بغل، فزاحمني البغل على الطريق... فضربت البغل فانشقّت ـ الخشبة ـ فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كُتب، فبادرت سريعاً فرددت الخشبة إلى كمّي فجعل السقاء يناديني ويشتمني، ويشتم صاحبي فلمّا دنوت من الدار راجعاً استقبلني عيسى الخادم عند الباب الثاني، فقال: يقول لك مولاي:«لِمَ ضربتَ البغل وكسرت رجل الباب ؟» . فقلت: يا سيدي لم أعلم ما في رجل الباب، فقالعليه‌السلام :«ولم احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه. إيّاك بعدها أن تعود إلى مثلها، وإذا سمعت لنا شأناً فامضِ لسبيلك التي أمرت بها،

ــــــــــــ

(١) الخرائج والجرائح للراوندي: ١/٤٣٩ ح ٢٠ وعنه في بحار الأنوار: ٥٠/٢٦٩.

١٦٤

وإياك أن تجاوب من يشتمنا، أو تعرّفه من أنت، فإننا في بلد سوء، ومصر سوء وامضِ في طريقك فإنّ أخبارك وأحوالك ترد إلينا فاعلم ذلك» (١) .

وفي هذا النص دلالات كثيرة ومهمّة في مجال العمل المنظم، كما أنّه يعكس السرية التامة في العمل من جهة الإمام وأصحابه المقرّبين من أجل تجاوز ما يثيره الظرف من إشكالات تجاه العاملين، لذا نجد الإمامعليه‌السلام يمنع رسوله من التعرّض لأيّ أمر يمكن من خلاله أن تكشف هويته وشخصيته وصلته بالإمامعليه‌السلام حتى لو شتمه أحد أو رُبما يُسبّ الإمامعليه‌السلام أمامه، فعليه أن يغضّ الطرف وكأنه ليس هو المقصود، ويذهب في مهمّته، حتى لا يُكشف ولا يتعرّف أحد جلاوزة السلطان على ما يخرج من الإمامعليه‌السلام لوكلائه وثقاته.

وتفيد هذه النصوص وغيرها أن الظروف الصعبة والقاهرة التي عاشها الإمامعليه‌السلام وأصحابه هي التي ألجأته إلى اتخاذ السرية والكتمان الشديد في تعامله مع قواعده الشعبية، وبالتالي فهي الطريق الأصوب إلى تربية شيعته ومواليه وتهيئة قواعده لعصر الغيبة الصغرى والتي سوف يتم اتصال الشيعة خلالها بالإمام المهديّعليه‌السلام عن طريق وكيل له، حيث لا يتيسّر الاتّصال المباشر به ولا يكون الالتقاء به ممكناً وعمليّاً وذلك لما كانت السلطة العباسية قد فرضته من رقابة شديدة على الشيعة لمعرفة محلّ اختفاء الإمام المهديّعليه‌السلام .

هذه هي أهم المحاور التي سنحت الفرصة للبحث عنها بالنسبة لمتطلّبات الجماعة الصالحة في عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٤٦٠، ٤٦١.

١٦٥

وسنقف في الفصل الأخير من الكتاب على أهم ما صدر من الإمامعليه‌السلام في مجال التحصين العلمي والعقائدي والتربوي والأخلاقي بالإضافة إلى ما قد عرفناه من التحصين السياسي والأمني والاقتصادي فيما مرّ من خلال المهام التي جعلت على عاتق الوكلاء وثقاة أصحابه.

الفصل الثالث: من تراث الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

إنّ المأثور عن الإمام العسكري هو مجموعة من النصوص التي يمكن تصنيفها تحت عناوين متعددة هي:

١ ـ التفسير.

٢ ـ رسالة المنقبة التي وصفت بأنها تشتمل على أكثر الحلال والحرام.(١)

٣ ـ مكاتبات الرجال الواردة عن العسكريين.(٢)

٤ ـ مجموعة وصايا وكتب وتوقيعات إلى شيعته.(٣)

٥ ـ ما تناثر من درر كلماته وأحاديثه في مجالات شتّى، وهي تشكّل موسوعة علمية تستحقّ الدراسة والبحث. ونتكلم عن كل واحد من هذه العناوين الخمسة فيما يلي:

أوّلاً: التفسير

لقد اختلف الفقهاء والمحدّثون في مدى صحة انتساب التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام منذ القرن الرابع الهجري حتى يومنا هذا.

ــــــــــــ

(١ و٢) تاريخ التشريع الإسلامي، عبد الهادي الفضلي: ١٩٨.

(٣) حياة الإمام الحسن العسكري،(دراسة وتحليل)، باقر شريف القرشي: ص٧١ ـ ٩٥.

١٦٦

غير أن المعلوم هو أن الإمام العسكريعليه‌السلام قد أثرت عنه مجموعة لا بأس بها من النصوص في مجال تفسير القرآن الكريم. وقد تناثرت جملة من هذه النصوص في المصادر الموجودة بأيدينا اليوم(١) .

فالخلاف إذاً هو حول الكتاب الذي يُنسب إليه، وليس في ظاهرة التفسير التي اختص بها عصره وعرفت عنه.

وإذا لاحظنا الظرف الذي عاشه الإمامعليه‌السلام من جهة ونسبة هذا التفسير إليه من جهة، ولاحظنا محتوى هذا التفسير من جهة ثالثة، وطابقنا محتواه مع ما روي عنه في سائر المصادر نكون قد وقفنا على نقاط واضحة وأخرى محتملة مشكوكة تحتاج إلى أدلة قوية للإثبات.

أما ظرف الإمام وعصره من حيث الاهتمام بالقرآن الكريم فقد عرفنا أن الكندي ـ كفيلسوف محترف ـ كان قد تصدّى لنسف اعتبار القرآن الكريم وإبطال جانب من جوانب إعجازه.

وهذا التصدي منه وتصدّي الإمامعليه‌السلام لردعه عما كان ينويه بشكل منطقي يدلّ على شدة اهتمامه بالقرآن في ذلك الظرف وفاعليته في الحياة الفكرية والاجتماعية ومدى أهمية حركة التفسير التي كان يقوم بها العلماء في إظهار عظمة الأمة الإسلامية من خلال حملها للقرآن الكريم، فكان من الطبيعي أن يؤكد الإمامعليه‌السلام هذا الجانب بإغناء الأمة الإسلامية بعلمه الذي كان يتفرّد به هو وآباؤه الكرام، فإنهم معدن العلم في هذه الأمة بل في العالم أجمع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم أهل بيت الوحي حيث نزل القرآن في بيتهم

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري، القرشي: ٩٥ ـ ١٠٠، ومسند الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام .

١٦٧

فهم أدرى بما في البيت من غيرهم، وكل العلماء تبع لهم وعيال عليهم في معرفة القرآن وعلومه، كما اعترف بذلك الموالف والمخالف وكما تفصح عنه سيرتهم جميعاً بدءً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانتهاءً بالإمام الحسن العسكريعليهم‌السلام .(١)

نماذج من تراثه التفسيري

١ ـ روى الثقة الأمين أبو هاشم الجعفري ـ وهو من خيرة أصحاب الإمامعليه‌السلام قال: كنت عند أبي محمدعليه‌السلام فسألته عن قول الله عَزَّ وجَلَّ:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ... ) (٢) . قال أبو هاشم: فدمعت عيناي وجعلت أفكر في نفسي ما أعطى الله آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنظر إلي الإمام وقال:عظم ما حدثتك به نفسك من عظم شأن آل محمد، فاحمد الله، فقد جعلك الله متمسكاً بحبهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دُعي كل إنسان بإمامه، فأبشر ياأبا هاشم فإنك على خير (٣) .

٢ ـ سأل محمد بن صالح الأرمني الإمام أبا محمد عن قول الله عَزَّ وجَلَّ: ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٤) فقال الإمامعليه‌السلام :هل يمحو الله إلاّ ما كان، وهل يثبت إلاّ ما لم يكن تعالى الجبار، العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق، إذ لا مخلوق، الديان .

وانبرى محمد بن صالح، فقال: أشهد أنك حجة الله ووليه وأنك على منهاج الحق الإمام أمير المؤمنين(٥) .

ــــــــــــ

(١) راجع مقدمة ابن أبي الحديد لشرحه لنهج البلاغة، فيما يخص الإمام علي وعلوم القرآن الكريم.

(٢) فاطر(٣٥): ٣٢.

(٣) الثاقب في المناقب: ص٣٤١ ـ ٢٤٢ للجرجاني.

(٤) الرعد(١٣): ٣٩.

(٥) الثاقب في المناقب: ٢٤٢ وكشف الغمة: ٣ / ٢٠٩ عن دلائل الحميري.

١٦٨

٣ ـ وسأله أيضاً عن قول الله عَزَّ وجَلَّ:( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) (١) فقال الإمام:من بعد أن يأمر بما يشاء ، فقلت في نفسي: هذا قول الله:(أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (٢) فنظر إلي الإمام وتبسم، ثم قال:( لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (٣) .

٤ ـ قال أبو هاشم: كنت عند أبي محمدعليه‌السلام فسأله ابن صالح الأرمني عن قول الله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ) (٤) .

قال الإمام أبو محمدعليه‌السلام :ثبتت المعرفة، ونسوا ذلك الموقف، وسيذكرونه، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه، ولا من رازقه .

قال أبو هاشم: فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليه، وجزيل ما حمله فأقبل أبو محمد عليّ، فقال:الأمر أعجب مما عجبت منه ياأبا هاشم وأعظم، ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله، ومن أنكرهم أنكر الله، فلا مؤمن إلاّ وهو بهم مصدق، وبمعرفتهم موقن (٥) .

٥ ـ روى سفيان بن محمد الصيفي، قال: كتبت إلى الإمام أبي محمدعليه‌السلام أسأله عن الوليجة في قول الله عَزَّ وجَلَّ: ( وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) وقلت في نفسي: من يرى المؤمن هاهنا ؟، فرجع الجواب:الوليجة التي تقام دون ولي الأمر، وحدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع؟ فهم الأئمة الذين يؤمنون بالله فنحن هم (٦) .

ــــــــــــ

(١) الروم(٣٠): ٤.

(٢) الأعراف(٧): ٥٤.

(٣) كشف الغمة: ٣ / ٢١٠ عن دلائل الحميري.

(٤) الأعراف(٧): ١٧٢.

(٥) كشف الغمة: ٣ / ٢٠٩، ٢١٠ عن دلائل الحميري.

(٦) أصول الكافي: ١/٥٠٨ مع اختلاف يسير.

١٦٩

ثانياً: رسالة المنقبة

نقل العلاّمة المجلسي هذه الرسالة عن الإمام العسكري قائلاً: وخرج من عند أبي محمدعليه‌السلام في سنة خمس وخمسين ومئتين كتاب ترجمته(رسالة المنقبة) . يشتمل على أكثر علم الحلال الحرام(١) .

وهو ما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه والبياضي في الصراط المستقيم(٢) .

ثالثاً: مكاتبات الرجال عن العسكريين

أشار إلى هذه المكاتبات في أحكام الدين الشيخ ابن شهرآشوب في المناقب راوياً لها عن الخيبر الحميري(٣) .

رابعاً: مجموعة وصايا الإمام العسكري وكتبه وتوقيعاته

إن ظاهرة صدور التوقيع من الإمام على أمر من الأمور ـ بمعنى إرسال رسالة من الإمام إلى من يهمّه الأمر من وكيل أو تابع خاص مزوّدة بتوقيعه ومشتملة على خطّهعليه‌السلام ـ قد مهّد بها الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام لفترة الغيبة، كما مهّد كل من الإمامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام بكثرة احتجابهما للغيبة المتوقّعة للإمام المهديعليه‌السلام .

ومن هنا نجد أن الأصحاب والوكلاء الذين ألفوا هذه الظاهرة كانوا يسألون الإمامعليه‌السلام عن الملابسات المحتملة في المستقبل فيطلبون منه التعرّف على نوع الخط كما يطلبون منه كيفية التعرّف على توقيعاته فيما إذا احتمل تبدّل الخط.

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٥٠ / ٣١٠ عن مناقب آل أبي طالب: ٤/٤٥٧.

(٢) تاريخ التشريع الإسلامي: ١٩٨.

(٣) تاريخ التشريع الإسلامي: ١٩٨ عن مناقب آل أبي طالب: ٤/٤٥٧.

١٧٠

قال أحمد بن إسحاق: دخلت على أبي محمدعليه‌السلام فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطّه فأعرفه إذا ورد. فقال:نعم ، ثم قال:يا أحمد إن الخطّ سيختلف عليك من بين القلم الغليظ إلى القلم الدقيق فلا تشكّنَّ ، ثم دعا بالدواة فكتب وجعل يستمدّ إلى مجرى الدواة، فقلت في نفسي وهو يكتب: استوهبه القلم الذي كتب به. فلمّا فرغ من الكتابة أقبل يحدّثني وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعةً ثم قال:هاك يا أحمد فناولنيه...(١)

وقد أشرنا إلى جملة من الوصايا العامة التي ترسم الخطوط العريضة للوضع المستقبلي الذي كان ينبغي لشيعة أهل البيت أن يعدّوا أنفسهم له ويروّضوها عليه لعدم إمكان الارتباط المباشر بالإمام ومن ثم كانوا قد ألفوا الاحتجاب والغيبة منذ عصر الإمام الهاديعليه‌السلام .

وتكشف رسائله أيضاً عن طبيعة الظروف التي كان يعايشها الإمامعليه‌السلام وشيعته فيما يرتبط بالوضع السياسي أو العقائدي والفكري خارج دائرة الجماعة الصالحة أو داخل دائرة الجماعة الصالحة وهي شيعة أهل البيت أنفسهم.

وإليك بعض رسائل الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام :

١ ـ رسالته إلى إسحاق النيسابوري: أرسل الإمام أبو محمدعليه‌السلام إلى إسحاق ابن إسماعيل النيسابوري هذه الرسالة، وهي من غرر الرسائل، وقد استهدفت الوعظ، والإصلاح الشامل، وهذا نصها:

«سترنا الله وإياك بستره، وتولاك في جميع أمورك بصنعه، قد فهمت كتابك رحمك

ــــــــــــ

(١) مسند الإمام الحسن العسكري: ٨٧، عن الكافي: ١ / ٥١٣ ح ٢٧.

١٧١

الله، ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرقُّ على موالينا، ونسرُّ بتتابع إحسان الله إليهم، وفضله لديهم، ونعتدُّ بكلِّ نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم، فأتم الله عليك بالحقِّ ومن كان مثلك ممّن قد رحمه وبصّره بصيرتك، ونزع عن الباطل، ولم يعم في طغيانه بعمه، فإنّ تمام النعمة دخولك الجنّة، وليس من نعمة وإن جلّ أمرها وعظم خطرها إلاّ والحمد لله تقدّمت أسماؤه عليها يؤدّي شكرها.

وأنا أقول: الحمد لله مثل ما حمد الله به حامد إلى أبد الأبد، بما منَّ الله عليك من نعمته، ونجّاك من الهلكة، وسهَّل سبيلك على العقبة، وأيم الله إنّها لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، طويل عذابها، قديم في الزُّبر الأولى ذكرها.

ولقد كانت منكم في أمور في أيام الماضيعليه‌السلام إلى أن مضى لسبيله (صلّى الله على روحه) وفي أيامي هذه كنتم فيها غير محمودي الشأن، ولا مسدَّدي التوفيق. واعلم يقيناً يا إسحاق أنَّ من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلُّ سبيلاً، إنّها يابن إسماعيل ليس تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وذلك قول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه الظالم:( رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ) قال الله عزّ وجلّ:( كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ) (١) وأي آية يا إسحاق أعظم من حجّة الله عزّ وجلّ على خلقه، وأمينه في بلاده، وشاهده على عباده، من بعد ما سلف من آبائه الأوّلين من النبيّين وآبائه الآخرين من الوصيين، عليهم أجمعين رحمة الله وبركاته.

فأين يتاه بكم ؟ وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم؟ عن الحقِّ تصدفون وبالباطل تؤمنون، وبنعمة الله تكفرون ؟ أو تكذبون، فمن يؤمن ببعض الكتاب، ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب الآخرة الباقية، وذلك والله الخزي العظيم.

إن الله بفضله ومنِّه لمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه

ــــــــــــ

(١) طه(٢٠): ١٢٥ و ١٢٦.

١٧٢

إليكم، بل برحمة منه لا إله إلاّ هو عليكم، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم ولتألفوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته.

ففرض عليكم الحجَّ والعمرة وإقام الصّلاة، وإيتاء الزكاة، والصّوم والولاية، وكفا بهم لكم باباً ليفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأوصياء من بعده، لكنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل يدخل قرية إلاّ من بابها.

فلمّا منَّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّه، قال الله عزّ وجلّ لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ) (١) وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها إليهم، ليحلَّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم، ويعرِّفكم بذلك النماء والبركة والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، قال الله عزّ وجلّ:( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) .

واعلموا أن من يبخل فإنّما يبخل عن نفسه، وأنّ الله الغنيّ وأنتم الفقراء لا إله إلاّ هو.

ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم، ولولا ما يجب من تمام النّعمة من الله عزّ وجلّ عليكم، لما أريتكم منّي خطّاً ولا سمعتم مني حرفاً من بعد الماضيعليه‌السلام .

أنتم في غفلة عمّا إليه معادكم، ومن بعد الثاني رسولي وما ناله منكم حين أكرمه الله بمصيره إليكم، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم ابن عبدة، وفّقه الله لمرضاته وأعانه على طاعته، وكتابه الذي حمله محمّد بن موسى النيسابوري والله المستعان على كلِّ حال، وإنّي أراكم مفرطين في جنب الله فتكونون من الخاسرين.

فبُعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة الله، ولم يقبل مواعظ أوليائه، وقد أمركم الله

ــــــــــــ

(١) المائدة(٥): ٣.

(٢) الشورى(٤٢): ٢٣.

١٧٣

عَزَّ وجَلَّ بطاعته لا إله إلاّ هو، وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبطاعة أولي الأمر عليهم‌السلام ، فرحم الله ضعفكم وقلّة صبركم عمّا أمامكم فما أغرَّ الإنسان بربّه الكريم، واستجاب الله تعالى دعائي فيكم، وأصلح أموركم على يدي، فقد قال الله جلّ جلاله: ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) (١) وقال جلّ جلاله: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٢) وقال الله جلّ جلاله: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (٣) .

فما أحبُّ أن يدعو الله جلّ جلاله بي ولا بمن هو في أيّامي إلاّ حسب رقّتي عليكم، وما انطوى لكم عليه من حبّ بلوغ الأمل في الدّارين جميعاً، والكينونة معنا في الدّنيا والآخرة.

فقد ـ يا إسحاق! يرحمك الله ويرحم من هو وراءك ـ بيّنت لك بياناً وفسّرت لك تفسيراً، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الأمر قطُّ ولم يدخل فيه طرفة عين، ولو فهمت الصمّ الصّلاب بعض ما في هذا الكتاب، لتصدّعت قلقاً خوفاً من خشية الله ورجوعاً إلى طاعة الله عزّ وجلّ، فاعملوا من بعد ما شئتم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون والعاقبة للمتّقين والحمد لله كثيراً ربِّ العالمين (٤) .

ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في أبعاد هذه الرسالة الشريفة، وبيان محتوياتها، وفي ما يلي ذلك:

أولاً: أنها أظهرت سرور الأئمة الطاهرين، وفرحهم بما يسديه الله تعالى إلى شيعتهم من النعم والألطاف.

ــــــــــــ

(١) الإسراء(١٧): ٧١.

(٢) البقرة(٢): ١٤٣.

(٣) آل عمران(٣): ١١٠.

(٤) بحار الأنوار: ٥٠/٣١٩ ـ ٣٢٢.

١٧٤

ثانياً: أن من أعظم النعم وأجلها التي يتمناها الإمام أبو محمد لشيعته هي الفوز بالجنة والنجاة من النار، فإن من فاز بذلك فقد ظفر بالخير العميم.

ثالثاً: أعرب الإمامعليه‌السلام عن حدوث فجوة بينه وبين إسحاق وجماعته، ولم يحدث ذلك في زمانه، وإنما كان في زمان أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام ، فقد ساءت العلاقات بينه وبين القوم، ولم تكشف المصادر التي بأيدينا أسباب ذلك، وأكبر الظن أن ذلك يستند إلى ما يلي:

أ ـ اندساس الدجالين، والمخربين، وذوي الأطماع بين صفوف القوم، وإفساد عقائدهم، مما نجم منه التشكيك في الأئمةعليهم‌السلام والرد عليهم.

ب ـ حجب الأئمةعليهم‌السلام من قبل العباسيين، وقطع أي اتصال بينهم وبين شيعتهم الأمر الذي أدى إلى إشاعة بعض الأفكار المنحرفة بين صفوف بعضهم، ولو كانوا على اتصال بهم لما حدث أي شيء من ذلك.

ج ـ دس الحكومة العباسية بعض عملائها بهدف تفريق صفوف أتباع أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، والعبث بمقدراتهم الفكرية والاجتماعية وذلك للحط من شأنهم، وفل قواهم.

د ـ وثمة عامل آخر أدى إلى شيوع الاضطراب العقائدي بين صفوف بعض الشيعة، وهو الحسد لبعض وكلاء الإمامينعليهما‌السلام الذين عُهد إليهم بقبض الحقوق الشرعية، وصرفها على الفقراء والمحرومين وسائر الجهات الإصلاحية، وقد منحوا بذلك التأييد المطلق، والثقة الكاملة من قبل الإمامين، وقد عز ذلك على بعض الشخصيات البارزة الذين لم يظفروا بمثل ذلك مما أدى إلى حسدهم والحسد داء وبيل ألقى الناس في شر عظيم، وأخرجهم من النور إلى الظلمات، فأخذوا يعيثون فساداً بين صفوف الشيعة ويفسدون عليهم عقائدهم.

رابعاً: نعى الإمامعليه‌السلام على المنحرفين عن الحق سلوكهم في المنعطفات

١٧٥

وبعدهم عن المسالك الواضحة التي تضمن لهم السلامة والنجاة، فقد ضلت عقولهم، وعميت عيونهم، وإنهم في يوم حشرهم سيحشرون عمي العيون كما كانوا في دار الدنيا.

خامساً: ذكر الإمامعليه‌السلام أن الله تعالى أقام الحجة على عباده وذلك ببعثه النبيين والمرسلين والأوصياء، فقد بلغوا أوامر الله ونواهيه، ونشروا أحكامه، فلا عذر للعباد بعد ذلك في تقصيرهم وعدم طاعتهم.

سادساً: عرض الإمامعليه‌السلام إلى أن الله لما أقام الفرائض على العباد، وألزمهم بها لم يكن بحاجة إليها، وإنما ليميز الخبيث من الطيب، ويمتحن العباد بها، فمن أطاع فقد نجا، ومن خالف فقد غرق وهوى.

سابعاً: ومن بنود هذه الرسالة أن الله تعالى قد منَّ على هذه الأمة بأن أرسل النبي محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأوصياء من بعده بهدايته، ولولاهم لكانت هذه تتيه في مساحات سحيقة من مجاهل هذه الحياة لا تعرف فرضاً، ولا تفقه سنة، فما أعظم عائداتهم على هذه الأمة، بل وعلى البشرية جمعاء.

ثامناً: إن الله تعالى فرض لآل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المسلمين فريضة مالية، وهي الخمس، وهو تشريع اقتصادي أصيل، تزدهر به الحياة الفكرية والدينية في الإسلام، ولولاه لما استمرت المرجعية العامة، والهيئة العلمية عند الطائفة الإمامية، التي هي امتداد مشرق لرسالة الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام ... أما تفصيل الخمس، وفيما يجب فقد عرضت لبيانه كتب الفقه الإمامي، ومن الجدير بالذكر أن الإمام أبا محمدعليه‌السلام قد بين في رسالته هذه أنه لا تحل الأزواج والأموال، والمآكل، والمشارب من دون إخراج الخمس، وأكبر الظن أن القوم الذين عناهم الإمام في رسالته ما كانوا يؤدون هذا الحق

١٧٦

المفروض، الأمر الذي أوجب توتر العلاقات بينهم، وبين الإمام(١) .

٢ ـ رسالته إلى أهالي قم وآبة: وأرسل الإمام أبو محمدعليه‌السلام إلى شيعته من أهالي قم وآبة(٢) رسالة جاء فيها:

«إن الله تعالى بجوده وكرمه، ورأفته، قد منَّ على عباده بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بشيراً ونذيراً، ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين(رحمة الله عليهم) وأصلابكم الباقين(تولى كفايتهم، وعمرهم طويلاً في طاعته)، حب العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غب ما أسلفوا...

ومنها:

فلم تزل نيتنا مستحكمة، ونفوسنا إلى طيب آرائكم ساكنة، القرابة الراسخة بيننا وبينكم قوية، وصية أوصى بها أسلافنا وأسلافكم، وعهد عهد إلى شبابنا ومشايخكم، فلم يزل على جملة كاملة من الاعتقاد، لما جمعنا الله عليه من الحال القريبة، والرحم الماسة، يقول العالم سلام الله عليه: المؤمن أخو المؤمن لأمه وأبيه...».

ولم يصل إلينا تمام هذه الرسالة، وإنما وصلت منها هذه القطعة، وهي تحكي مدى تعاطف الإمامعليه‌السلام مع هؤلاء المؤمنين الأخيار الذين تحرجوا في دينهم كأشد ما يكون التحرج، فقد ترحم الإمام على أسلافهم المتمسكين بدينهم الذين آمنوا بالإسلام، واتبعوا ما أمر الله به، ففازوا برضوان الله ومغفرته.

وتعرض الإمامعليه‌السلام إلى الصلات الوثيقة التي عقدت بين القوم وبين أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهي قديمة وقد قامت على إيمان القوم برسالة أهل البيت، وأهدافهم الشامخة، ولم تقم على الأهواء والعواطف، وقد أكبر

ــــــــــــ

(١) باقر شريف القرشي: حياة الإمام الحسن العسكري: ٧٦ ـ ٧٨.

(٢) آبة: بليدة تقابل ساوة، وتعرف بين العامة بآوة، قال ذلك ياقوت في المعجم.

١٧٧

الإمامعليه‌السلام فيهم هذه الروح، وهذا الشعور الفياض(١) .

٣ ـ رسالته إلى عبد الله البيهقي: وأرسل الإمامعليه‌السلام إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي الرسالة التالية:

«وبعد: فقد بعثت لكم إبراهيم بن عبده ليدفع النواحي، وأهل ناحيتك حقوقي الواجبة عليكم إليه، وجعلته ثقتي وأميني، عند موالي هناك فليتقوا الله، وليراقبوا، وليؤدوا الحقوق فليس لهم عذر في ترك ذلك، ولا تأخيره، ولا أشقاهم الله بعصيان أوليائه، ورحمهم الله وإياك معهم برحمتي لهم، إن الله واسع كريم» (٢) .

لقد أقام الإمامعليه‌السلام في المناطق التي تدين بإمامته وكلاء من العلماء الأخيار، وعهد إليهم بقبض الحقوق الشرعية، وحملها إليه أو انفاقها في سبل الخير والصلاح.

٤ ـ رسالته في حق إبراهيم: وكان الإمامعليه‌السلام قد أقام إبراهيم بن عبده وكيلاً عنه في قبض الحقوق الشرعية، وصرفها في إقامة دعائم الدين، وصلة المحتاجين وقد زوده برسالة أشاد فيها بمكانة إبراهيم ووثاقته، وقد سئل عن تلك الرسالة هل هي بخطه، فأجابعليه‌السلام :

«وكتابي الذي ورد على إبراهيم بن عبده بتوكيلي إياه بقبض حقوقي من موالينا هناك، نعم هو كتابي بخطي إليه، أقمته لهم ببلدهم حقاً غير باطل، فليتقوا الله حق تقاه، وليخرجوا من حقوقي، وليدفعوها إليه، فقد جوزت له ما يعمل به فيها وفقه الله، ومنَّ عليه بالسلامة من التقصير..» (٣) .

لقد أقر الإمام وكالته لإبراهيم، وأوصاه بتقوى الله وطاعته وألزم شيعته بدفع الحقوق المفروضة عليهم إليه.

٥ ـ رسالته إلى مواليه: وبعث الإمام أبو محمدعليه‌السلام الرسالة التالية إلى بعض

ــــــــــــ

(١) باقر شريف القرشي: حياة الإمام الحسن العسكري: ٧٩.

(٢) الكشي: ٥٨٠ ح ١٠٨٩.

(٣) الكشي: ٥٨٠ ح ١٠٨٩، معجم رجال الحديث: ١٠ / ٢٣٢.

١٧٨

مواليه، وقد نعى فيها ما هم فيه من الاختلال والفرقة والانحراف عن الدين وهذا نصها بعد البسملة: «استوهب الله لكم زهادة في الدنيا وتوفيقاً لما يرضى، ومعونة على طاعته وعصمة عن معصيته، وهداية من الزيغ وكفاية، فجمع لنا ولأوليائنا خير الدارين.

أما بعد: فقد بلغني ما أنتم عليه من اختلاف قلوبكم، وتشتيت أهوائكم، ونزغ الشيطان، حتى أحدث لكم الفرقة والإلحاد في الدين، والسعي في هدم ما مضى عليه أوائلكم من إشادة دين الله، وإثبات حق أوليائه، وأمالكم إلى سبيل الضلالة، وصد بكم عن قصد الحق، فرجع أكثركم القهقرى على أعقابكم، تنكصون كأنكم لم تقرؤا كتاب الله جل وعز ولم تعوا شيئاً من أمره ونهيه ولعمري لئن كان الأمر في اتكال سفهائكم على أساطيركم لأنفسهم وتأليفهم روايات الزور بينهم لقد حقت كلمة العذاب عليهم ولئن رضيتم بذلك منهم ولم تنكروه بأيديكم وألسنتكم وقلوبكم ونياتكم، إنكم شركاء وهم، في ما اجترحوه من الافتراء على الله تعالى وعلى رسوله وعلى ولاة الأمر من بعده ولئن كان الأمر كذلك لما كذب أهل التزيد في دعواهم، ولا المغيريّة في اختلافهم ولا الكيسانية في صاحبهم ولا من سواهم من المنتحلين ودّنا والمنحرفين عنا، بل أنتم شر منهم قليلاً، وما شيء يمنعني من وسم الباطل فيكم بدعوة تكونوا شامتاً لأهل الحق إلاّ انتظار فيئهم، وسيفيء أكثرهم إلى أمر الله إلاّ طائفة لو[ شئت] لسميتها ونسبتها استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، ومن نسي ذكر الله تبرأ منه فسيصليه جهنم وساءت مصيراً.

وكتابي هذا حجة عليهم، وحجة لغائبكم على شاهدكم إلاّ من بلغه فأدّى الأمانة، وأنا أسأل الله أن يجمع قلوبكم على الهدى، ويعصمكم بالتقوى، ويوفقكم للقول بما يرضى، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..»(١) .

وهكذا صعد الإمامعليه‌السلام آهاته على ما مُني به بعض مواليه من الاختلاف، والتفرق والانحراف عن الدين، ويعود السبب في ذلك إلى

ــــــــــــ

(١) عن الدر النظيم: ٧٤٨.

١٧٩

أن هؤلاء الغوغاء لم يعتنقوا الإسلام عن وعي عميق مدعم بالأدلة الحاسمة، وإنما أخذوا بعض طقوسه عن تقليد لآبائهم، وأقل شبهة تعرض لهم، فإنهم ينكصون على الأعقاب.

لقد عمدت القوى الباغية على الإسلام على إفساد الموالي من شيعة الإمامعليه‌السلام وتضليلهم، وقد افتعلوا في سبيل ذلك الروايات الكاذبة التي تدعم أفكارهم الفاسدة، ولا سبيل لالتقاء الإمام بهم ليقوم برد تلك الشبه، وتنوير الأفكار بنور الحق، وذلك بسبب ما فرض عليه من الإقامة الجبرية في سامراء، وكان ذلك من أعظم المحن التي واجهها في حياته(١) .

٦ ـ رسالته إلى بعض مواليه: وأرسل الإمام أبو محمدعليه‌السلام إلى بعض مواليه هذه الرسالة، وقد جاء فيها بعد البسملة:

«كل مقدور كائن، فتوكل على الله جلَّ وعزَّ يكفك، وثق به لا يخيبك، وشكوت أخاك فاعلم يقيناً أن الله جلَّ وعزَّ لا يعين على قطيعة رحم، وهو جل ثناؤه من وراء ظلم كل ظالم، ومن بغي عليه لينصرنه الله، إن الله قوي عزيز، وسألت الدعاء، إن الله جل وعز لك حافظ، وناصر، وساتر، وأرجو من الله الكريم الذي عرفك من حقه، وحق أوليائه ما عمي عنه غيرك أن لا يزيل عنك نعمة أنعم بها عليك، إنه ولي حميد..» (٢) .

لقد دعا الإمامعليه‌السلام إلى التوكل على الله، والثقة به فإنه لا يخيب من التجأ إليه، واتكل عليه، كما لامه الإمام للشكوى من أخيه لأن الله تعالى لا يعين على قطيعة رحم، ثم دعا له الإمام أن يديم الله عليه نعمه وألطافه ولا يزيلها عنه.

٧ ـ رسالة لبعض شيعته: ورفع بعض الشيعة إلى الإمامعليه‌السلام رسالة يستغيث فيها من ظالم ظلمه، واعتدى عليه فأجابهعليه‌السلام بما يلي:

«نحن نستكفي بالله جلَّ وعزَّ في هذا اليوم من كل ظالم وباغ، وحاسد، وويل لمن

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري: ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) حياة الإمام الحسن العسكري: ٨٧.

١٨٠