أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي0%

أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي مؤلف:
تصنيف: المرأة
الصفحات: 221

أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

مؤلف: الشيخ حسن الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 221
المشاهدات: 48061
تحميل: 6478

توضيحات:

أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48061 / تحميل: 6478
الحجم الحجم الحجم
أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

مؤلف:
العربية

المرأة في المجتمعات الإسلامية

إنّ المرأة(1) في العالم الإسلامي تعاني من التخلّف والقيود غير المشروعة بسبب الجهل بالشريعة الإسلامية التي شرّعت لها حقوقها وجعلتها مساوية للرجل في الإنسانية والكرامة والحقوق والواجبات الفطرية التي تهدي إليها الشريعة ، وبسبب سيطرة التقاليد والأعراف الجاهلية الموروثة والدخيلة الطارئة من المجتمعات التي دخلت في الإسلام.

بل إنّ المرأة في المجتمعات الإسلامية قد لا تعرف وظيفتها الخاصة في الأُسرة كزوجة وأُمّ ، فهي تدخل الحياة الزوجية ولا تعرف شيئاً عن هذه الاُمور الخاصة بها.

إذن لابدّ من قيام حركة إصلاحية لوضع المرأة على أساس الإسلام بحيث تعاد كرامة المرأة ويعاد دورها الفاعل في بناء المجتمع ، ولابدّ من تربية المرأة وتعليمها وتأهيلها لما يناسب وظيفتها العامة في المجتمع ، وما يناسب وظيفتها الخاصة في الأُسرة ، ولا نهمل العناية في الجانب الخاص لحساب الجانب العام الاجتماعي.

هذا ، ولكنّ الذي حصل : أنّ بعض المتأثرين بالفكر الغربي من المسلمين وغيرهم نادوا بتحرير المرأة في المجتمعات الإسلامية ومساواتها بالرجل ، ونقدوا

__________________

(1) بل وحتى الرجل الشاب والطفل يعانون من التخلّف وعدم الوعي في وظائفهم العامة والخاصة التي ذكرتها الشريعة لهم وأوجبت عليهم القيام بها ، فالتخلّف والظلم عام للمرأة وغيرها أهداها لنا الاستعمار ، ولابدّ لنا من نهضة دينية علمية يصلح بها الوضع السيء الذي مني به المسلمون لو ترك لنا الغرب الفرصة في هذه النهضة ولم يعمل على إفشالها.

١٢١

حكم الشريعة الإسلامية في جملة من التشريعات التي هي متفرّعة على اختلاف وظيفة الرجل والمرأة «كوجوب ستر الجسد ، وقواميّة الزوج ، والطلاق ، والميراث ، والشهادة» فدعوا إلى إلغاء هذه الأحكام الشرعية التي ادّعوا أنّها سبب تمييز بين الرجل والمرأة ، وسيأتي الكلام حول هذه الوظائف في ثنايا البحث.

ولكننا نقول :

1 ـ إنّ المساواة التي ينادي بها الإسلام تكمن في الإنسانية والحقوق والواجبات الفطرية الطبيعية والقيم ، وليس المماثلة في جميع الجهات. أمّا الاختلاف بين الرجل والمرأة في الشكل الذي يكون موضوعاً للاختلاف في الوظيفة الخاصة لكلّ من الرجل والمرأة ، والذي يقتضي توزيع المسؤوليات والأدوار في الأُسرة والجميع ، فهو أمر واقعي لابدّ منه ، كالاختلاف بين الرجال في اختصاصاتهم وعلمهم الذي يقتضي توزيع المسؤوليات والأدوار نتيجة هذا الاختلاف.

2 ـ رأينا فيما تقدّم : أنّ قواميّة الزوج الناشئة من عقد الزواج تعني المحافظة على الزوجة والاهتمام بها وتدبير شؤونها ، فهو امتياز لها لا يجوز سلبه عنها بحجة حقوقها ، أي إنّه حقّ لها لا عليها. كما أنّ حقّ الطاعة ـ الذي أوجبه الإسلام على الزوجة للزوج ـ لا يعدو أن يكون حكماً احترامياً للزوج ، ولا يحدّ من حرية المرأة وكرامتها وإنسانيتها وتصرّفاتها وأعمالها ، وكذا خروجها من البيت بإذن الزوج ، فهو لاحترام الزوج وقيمومته على تسيير سفينة البيت الزوجي إلى شاطئ السلامة ، بدون أن يدخل المتطفّلون في بيت الزوجية لتخريبه وإفساده.

وأمّا الميراث : فهو ليس كما يصوّره غير العارفين بالشريعة الإسلامية من كون حصة المرأة في الميراث نصف حصة الذكر ، فهو ظلم للمرأة ; لأنّ بعض النساء يكون لهنّ نصيب من الإرث أكثر من الرجل ، كما فيما إذا ترك الميّت أباً وأماً وبنتاً ، فإنّ البنت قد فرض الله لها في هذا الفرض نصف التركة ، أمّا الأب فله السدس وكذا الأمّ ، والباقي وهو السدس يقسّم أخماساً ، فتأخذ البنت ثلاثة أخماس ، ويأخذ

١٢٢

الأب خمساً ، وكذا الاُم ، فتكون البنت قد أخذت ضعفي الذكر.

وكذا يكون للمرأة أكثر من الذكر فيما إذا كان للميت بنتان وأب ، فإنّ للبنتين الثلثين ، لكلّ واحدة ثلث التركة ، أمّا الأب فله السدس ، والباقي وهو السدس يقسم على خمسة أقسام ، كلّ بنت تأخذ خمسين ، ولكن الأب يأخذ خمساً واحداً ، فتكون كلّ بنت قد أخذت ضعف الأب.

والسؤال هنا : لماذا لم تتصاعد الأصوات للدفاع عن الرجل في هاتين الصورتين وأمثالهما الذي يكون للاُنثى أكثر من الذكر؟! أين من ينادي بالمساواة من هذه الفروض؟

ولماذا لم يعترض على وجوب النفقة على الزوج ، ووجوب إعطاء المهر للزوجة من قبل الزوج في عملية جنسية وإنشاء بيت ينتفع به الطرفان؟!

نعم ، هناك إشكالات ثلاثة في سهم الإرث يكون للذكر فيها ضعف الاُنثى :

الإشكال الأول : في سهم الزوجين الذي ذكره القرآن الكريم ، فإنّ الزوجة إن لم يكن للزوج ولد فإنّها ترث منه الربع ، وإن كان له ولد فإنّها ترث منه الثمن ، أمّا الزوج فإن لم يكن للزوجة ولد فله النصف ، وإن كان لها ولد فله الربع قال تعالى :( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الُّثمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّة تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْن وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِد مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْن ) (1) .

فيقال : لماذا هذا التفريق؟ أليس هذا ظلماً للزوجة؟

__________________

(1) النساء : 12.

١٢٣

الإشكال الثاني : وهو ما إذا كان أولاد الميت ذكوراً واناثاً ، فيأخذ الولد ضعف الاُنثى كما قال تعالى :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (1) .

الإشكال الثالث : يتوجّه على مسلك الإمامية من حرمان الزوجة من الأرض عيناً وقيمة إذا مات الزوج ، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة فإنّ الزوج يرث من زوجته كلّ شيء حتى من الأرض.

والجواب : ويجاب عادة عن الإشكال الأول والثاني : بأنّ الرجل ـ سواء كان زوجاً أو ابناً ـ فهو الذي يتحمّل مسؤولية الإنفاق على الزوجة والأطفال دون الزوجة ، فهو يحتاج إلى المال أكثر من حاجة الزوجة.

وهو بحاجة إلى المهر إذا أراد الزواج ثانياً ، بخلاف الزوجة إذا تزوجت بعد وفاة زوجها فإنّها تستلم المال والمهر ولا تدفع مالاً.

والأولاد الذكور أيضاً بحاجة إلى المهر عند زواجهم ، بخلاف البنت حيث يُدفع إليها المهر ، وهم بحاجة إلى النفقة ، بخلاف البنت التي تزوجت فإنّها تُكفى المؤونة من قبل الزوج ، لهذا جعل الله حصة الذكر (الزوج ، والولد) أكثر من حصة الاُنثى (الزوجة والبنت) ، فالعدالة موجودة في هذا التقسيم ، فلا إشكال على الآية الكريمة.

ويُجاب عن الإشكال الثالث بما ذكرته الروايات الكثيرة من عدم إرثها من الأرض ثمناً وقيمة حيث قالت يخشى من هذه الزوجة أن تدخل على أولاد الرجل رجلاً غريباً عنهم ، فإنّها إذا أرادت الزواج وكان لها حصة من الأرض فيحقّ لها إدخال زوجها في البيت وهو غريب عن الأولاد ، بينما إذا لم يكن لها نصيب في الأرض فسوف تذهب هي إلى بيت زوجها الجديد ، ولا يزاحَم الأولاد في إدخال عنصر غريب عليهم.

__________________

(1) النساء : 11.

١٢٤

أقول :

1 ـ لا معنى للإشكال على النصّ القرآني لو كنّا مسلمين ، إذ يقول الله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (1) ومعنى الإطاعة هو العمل بما ثبت في القرآن والسنّة الكريمة عن أحكام الله تعالى.

وقال تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ... ) (2) فإذا ثبت لدينا أنّ التشريع فيه نصّ قرآني أو نبوي ، فتكمُّ الألسن ولا يحقّ الاعتراض على ما ثبت من الدين حقيقة إن كنّا مسلمين.

2 ـ لا يرد الاعتراض بالظلم في هذه الموارد الثلاثة المتقدّمة ، كما لا يرد الاعتراض بالظلم على صورة أخذ الاُنثى أكثر من الذكر في بعض الموارد التي ذكرناها سابقاً ; لأنّ الظلم هو عبارة عن أخذ الحقّ من صاحب الحقّ والتعدّي عليه ، وهنا لا يوجد لأيّ وارث حقّ في مال أبيه أو مال من مات ممن له علاقة معه ; لأنّ التركة التي تركها الميت هي ملك من مات ، وقد حصل عليها نتيجة عمله ونماءات أعيانه ، وقد مات ، فلا يوجد أيّ حقّ للورثة في تركة الميت.

وحينئذ إذا شرّع الله هذا التشريع فيكون قد وزّع المال الذي لا يستحقه الورثة بالكيفية التي أرادها المالك الحقيقي لكلّ ما في الوجود ، وهو الله تعالى ، دون حقّ مسبق فيها للورثة ، فهل يمكن أن يقال لهذا : إنّه ظلم للورثة؟

مثلاً إذا كان عندي كمية من المال وأردت أن اُقسّمه على جماعة في سبيل الله ، فأعطيت إلى واحد نصف المال ، وإلى آخر ربعه ، وإلى ثالث ثمنه ، وإلى رابع ثمنه الآخر ، مع عدم وجود حقّ لهم عندي ، فهل يصح أن يقال للمقسم : إنّه ظلم الثاني والثالث والرابع ; لأنّه أعطاهم أقلّ ممّا أعطى الأول؟!

__________________

(1) النساء : 59.

(2) الاحزاب : 36.

١٢٥

والجواب : لا يمكن اتصاف هذا العمل بالظلم ، بل هو إحسان ، غاية الأمر الإحسان على الأول أكثر من الباقي.

فهكذا نقول في قضية الإرث.

وأمّا التستر عن الأجنبي ـ الذي فرضه القرآن على الإناث ، كما فرض التستر على الرجل ولكن بمساحة أقلّ ممّا فرضه على المرأة ـ فهو لا يعتبر قيداً على المرأة بمقدار ما يكون وقاراً واحتراماً لها ، ومنعاً من إثارة الرجل بالتعرّي وبكلّ ما من شأنه إثارة الرجل من دون إشباع لهذه الإثارة عن طريق الزواج ، فلايجوز أن تكون المرأة آلة يتفرّج عليها المتسولون ، وقد تصل الحاجة إلى التحرّش والاعتداء والاغتصاب المهين الذي تتعرّض له النساء عادة بإثارة الرجل. ولا يجوز أن يتحوّل المجتمع إلى دار مجون ومتعة وجنس بلا ضوابط.

بل نريد من المرأة ـ التي هي نصف المجتمع ـ أن تقوم بدورها في الأُسرة والحياة الاجتماعية العامة بطهارة وإخلاص إذا سنحت لها الفرصة في العمل الاجتماعي وكانت قادرة على ذلك ومؤهلة له ، فتجلب للمجتمع السعادة والرقي ، وهذا هو المنسجم تماماً مع التستر والعفّة ، والإنسانية والكرامة الذي يسعى الإسلام للحفاظ عليها ، ولا يكون ستر البدن مانعاً من عملها العام في المجتمع ; لأننا لانوجب عليها العباءة والجادر وإن كان هذا أفضل لباس محتشم لها ، إذ يكفي ستر البدن بأيّ ساتر كان كالمانتو العريض والمقنعة الساترة للرأس.

ثمّ إنّ الملاحظ عند من يهاجم الإسلام في وجوب التستر عن الأجنبي ، التعبير بأنّ الحجاب للمرأة يسلب حرّيتها وهو تقييد وظلم لها.

ولكن نحن نقول :

1 ـ إنّ الواجب على المرأة هو ستر بدنها عن الأجانب وعدم إظهار زينتها للأجانب ، قال تعالى :( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ

١٢٦

لِبُعُولَتِهِنَّ ... ) فلا يوجد حجاب للمرأة عن الرجل ، وعلى فرض وجوب الحجاب على المرأة ، فهو حجاب عن الأجانب لا احتجاب عنهم ، فكم فرق بين ستر البدن والحجاب والاحتجاب.

2 ـ إذا كان التستر حدّاً لحرية المرأة ، فإنّ الرجل أيضاً قد حدّد بذلك ، حيث أوجب الله عليه الغض من بصره للنساء الأجانب ، وأوجب الله عليه التستر بمساحة أقل ، حيث لا يجوز له المشي عارياً في الأماكن التي يوجد فيها إنسان محترم.

3 ـ إنّ التستر على المرأة بمساحة أوسع من الرجل وعدم إظهار زينتها للأجانب مبتني على الفوارق الجسمية (الفسيولوجية والسيكولوجية) بين الجنسين ، فالمرأة مثار للشهوة ، والإثارة بدون إشباع صحيح وشرعي يؤدّي إلى كوارث بشرية واعتداءات فاضعة واغتصاب مهين للمرأة.

ولهذا فقد حرّم الإسلام على الرجل النظر إلى الأجنبية ; لأنّه يؤدي إلى إثارة شهوته بدون إشباع لها بطريق محلل. كما حرّم الإسلام على المرأة والرجل كلّ ما يثير الشهوات ، كالصوت الرقيق ، والخضوع بالقول ، والإشارات والأعمال المنافية للعفة ، وكلّ ما يثير الشهوات ، فإنّ في إثارة الشهوات بدون إشباع لها بالزواج يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ، فاحتياطات الشارع المقدّس بتحريم الرقص والغناء والخضوع بالقول والإشارة المغرية والابتسامة والخلوة بالأجنبية ، كلّ هذه لأجل أن لا تحصل إثارات بدون إشباع.

إذن ، لا يمكن لنا أن نصف المجتمع الإسلامي بالتخلّف نتيجة هذه الأحكام الشرعية المتفرّعة على اختلاف الصنف ، الذي هو يقتضي اختلافاً في الوظيفة الخاصة وفي المجتمع ; لأنّ المعيار في التخلّف الحضاري والتقدّم الحضاري لابدّ أن

١٢٧

يستند إلى خصوصيات هذه التشريعات وفلسفتها والنظرة الكلية للكون والحياة والإنسان في الحضارة الإسلامية ، فالتقدّم والتأخّر مرتبط بنظام القيم والحقوق والواجبات ، لا بالنظر إلى ، بعض الأحكام الشرعية المستندة إلى موضوعات مختلفة في الصنف.

تعدّد الزوجات

قد جعل الإسلام للرجل جواز تعدد زوجاته دون المرأة ، وقد يعبّر البعض بأنّ الإسلام قد حدّد تعدّد الزوجات الذي كان سابقاً بدون حدّ ، فهل هذا الحكم ـ سواء كان تجويزاً لتعدّد الزوجات أو تحديداً لتعدّد الزوجات الذي كان موجوداً ; لأنّه لا فرق بين تشريع شيء جديد أو تحديد لما كان جائزاً ـ يخالف الوجدان ويكون ظلماً للمرأة؟ أي هل يحكم العقل العملي بقبح صدور هذا العمل من قبل الزوج؟

الجواب : إنّ الإسلام لم ير أيّ ظلم في مسألة تعدّد الزوجات ، والسرّ في ذلك : هو أنّ ما يمكن أن يفترض أن يكون تعدّد الزوجات ظلماً هو أحد أُمور ثلاثة :

الأمر الأول : حالة الغيرة (غيرة الرجال على النساء والعرض والناموس) فكما أنّ الرجل يغار على امرأته حينما يُنظر اليها وتُلاعَب من قبل غيره ، فكذا هذه الغيرة موجودة في المرأة ، فإنّها تغار حينما تجد امرأة اُخرى تتعامل مع زوجها بالملاطفة والملاعبة.

ولكن يمكن القول بأنّ عامل الغيرة ليس عاملاً أصيلاً وتكوينياً في البشر ، وإنّما هو عامل تربوي ، فحينما يتربّى الرجل في مجتمع على خلاف الغيرة فهو لا يغار. والإسلام له تربيته الخاصّة ، وقد رأى أن يربي الرجال على الغيرة دون النساء.

١٢٨

وقد رأينا أنّ السيدة خديجة سلام الله عليها عندما طلب منها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّها إذا دخلت الجنة فلتقرأ السلام على ضرائرها (زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجنة) وهنّ : مريم بنت عمران ، وكلثم اُخت موسى ، وآسية بنت مزاحم (امرأة فرعون) ، فأجابت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : بالرفاء يا رسول الله(1) .

وقد وردت روايات كثيرة تدلّ على أنّ النساء ليس من حقهنّ الغيرة ، منها صحيحة جميل بن دراج عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «لا غيرة في الحلال» بعد قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تحدثا شيئاً حتى أرجع اليكما» (خطاب إلى زوجاته) فلمّا أتاهما أدخل رجليه بينهما في الفراش(2) .

الثاني : حالة الحسد ، فإنّ هذه الحالة أصيلة في طبيعة الإنسان ، والزوجة تحسد الزوجة الاُخرى وتتوهم أنّها تزاحمها ويجب أن تحصر زوجها في نفسها.

ولكن الحسد وإن كان أمراً أصيلاً في طبيعة الإنسان ، إلاّ أنّ هناك شيئاً آخر أيضاً هو أصيل في الإنسان ، وهو العقل والوجدان الذي يحكم بأنّ الحسد قبيح.

والإسلام أخذ بجانب العقل العملي وحارب هذه الحالة الموجودة في الإنسان وربّاه ضدّ الحسد ، وأكدّ على عدم تطبيق الحسد والجري العملي عليه وترتيب أثره على الأقل إن لم يتمكّن من القضاء عليه في قرارة نفسه. اذن لا يكون الزواج الثاني قبيحاً من هذه الناحية ، بل الحسد هو القبيح بعد حصول التعدّد.

__________________

(1) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 1 : 136 ، والرواية هي : دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على خديجة وهي لما بها ، فقال لها : «بالرغم منّا ما نرى بك يا خديجة ، فإذا قدمت على ضرائرك فاقرئيهن السلام» فقالت : من هنّ يا رسول الله؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مريم بنت عمران ، وكلثم اُخت موسى ، وآسية امرأة فرعون» فقالت : بالرفاء يا رسول الله.

(2) وسائل الشيعة 14 : باب 135 من مقدّمات النكاح ، الحديث الوحيد في هذا الباب.

١٢٩

الثالث : إنّ الحبّ والود والوئام المنشود من الزواج ، قد لاحظه الإسلام وشرّع الحياة الزوجية لملاكات ، من أهمها إشباع الجانب الروحي المتعطش إلى المودة ، وتعدّد الزوجات ينافي ذلك ; لأنّ القلب لا يتقسم ، والعواطف بين الزوجين لا يمكن تقسيمها على زوجات متعدّدة. فيكون تعدّد الزوجات منافياً للوّد والحبّ المنشود من الزواج ، فيكون تشريعه مخالفاً لهذا الملاك المهم من تشريع الزواج ، فيكون مخالفاً للوجدان وقبيحاً.

والجواب : إنّنا لانعترف بأنّ الحبّ والود والعواطف القلبية وما إليها تتنافى مع تعدّد الزوجات ، فإنّ الروح الإنسانية تتسع لحب أكثر من زوجة ، وذلك لمشاهدتنا بكلّ وضوح أنّ الأب قد يكون له عشرة أولاد أو أكثر ، ومع ذلك فهو يحبّ كلّ واحد منهم حباً مفرطاً إلى درجة التفاني ، فليكن الأمر كذلك بالنسبة للزوج مع زوجاته.

نعم ، إنّنا نرى أحياناً أنّ تعدّد الزوجات يولّد نقصاً في الحبّ المتبادل بين الزوجين ، ولكنّ هذا إنّما يحصل لأجل عوامل اُخرى كعامل الغيرة والحسد أو عدم تحقيق العدالة وما شابهها ممّا حاربه الإسلام ونهى عنه.

إذن ، بعد ردّ كلّ ما يمكن أن يجعل تعدّد الزوجات مخالفاً للوجدان ، لم نجد أيّ مشكلة في تعدّد الزوجات.

نعم ، الشيء الوحيد الذي قد ينتج من تعدّد الزوجات عبارة عن عدم تحقّق العدالة والمساواة العملية بين الزوجات ، وقد حسب الإسلام لهذه المشكلة حساباً ، فأمر أمراً إلزامياً بدرجة من العدالة ، وهي التي قد نهى عن تركها وقال :( فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ) ، وأمّا سائر الدرجات من العدالة فقد جعلها مستحبة بعد إعطاء كلّ زوجة حقّها.

١٣٠

وعلى هذا فسيكون الزواج الثاني مكروهاً عند الخوف من عدم العدالة بدرجة ملحوظة عند العرف ، وتوضيح ذلك : قال الله تعالى في كتابه الكريم :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) (1) .

وقال تعالى :( وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ) (2) .

والمستفاد من الآيتين هو :

1 ـ النهي عن ترك العدالة بحيث تجعل المرأة كالمعلّقة ، فلا هي بلا زوج حتى تتمكن أن تتزوّج ، ولا هي عندها زوج كبقية الأزواج ، فالزوج موجود ولكنّه تارك لها وظالم لها لا تتمكن من الزواج وهي تحتاج إلى زوج ، وهذا مستفاد من ذيل الآية الثانية( فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ) .

2 ـ كراهة تعدّد الزوجات عند الخوف من عدم العدالة بدرجة عرفية ، وهذا مستفاد من ذيل الآية الاُولى :( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) أمّا صدر الآية الثانية القائلة :( وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ... ) فإنّها تشير إلى العدالة الحقيقية في الحبّ وما يتفرّع عليه من أعمال فإنّها غير ممكنة للزوج ، ولكن إذا أعطى كلّ زوجة حقّها ، وكان خائفاً من الميل إلى إحداهن والعمل لها أكثر من حقّها ، بحيث يكون عند العرف غير عادل ، ففي هذه الصورة يكون الزواج مكروهاً.

3 ـ جواز تعدّد الزوجات : وهو مستفاد من صدر الآية( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ) وإنّما قلنا بالجواز لا بالاستحباب من باب أنّ تعليق الحكم على رغبة المكلّف يعطيها ظهوراً في الإباحة.

__________________

(1) النساء : 3.

(2) النساء : 129.

١٣١

إذن ، الخوف الوحيد من تعدّد الزوجات هو عدم تحقيق العدالة والمساواة العملية بين الزوجات ، وقد حلّه الإسلام بما تقدّم.

ولكن قد توجد ملاكات لتعدّد الزوجات ، مثل احتياج النساء للزواج عند زيادتهن على الرجال ، فلأجل أن لا تبقى امرأة بلا زوج شرّع تعدّد الزوجات.

ومثل عدم شبع الرجل بزوجة واحدة ، أو الاشتياق إلى الأولاد وحبّهم ، كلّ هذا أدّى إلى تشريع تعدّد الزوجات مع الكراهة ، حيث لا يمكن إعطاء مقياس مفهوم لدى الناس من أجل إعمال مصالح الزواج ومفاسده ، فجعل الشارع الزواج الثاني جائزاً مع كراهته عند خوف عدم العدالة ، وهذه الكراهة لا تمنع من التعدّد للزوجات عند وجود ملاك آخر للتعدّد ، حيث إن الاحكام الكراهتية حيثية.

إذن ، يمكن القول بأنّ الإسلام إنّما سمح بتعدّد الزوجات لأمرين :

الأمر الأول : لم يجد ما يمنع من تعدّد الزوجات كما تقدّم ذلك.

الأمر الثاني : وحتى لو كان هناك ما يمنع من تعدّد الزوجات للرجل ، إلاّ أنّه توجد عوامل عديدة توجب تعدّد الزوجات وتحكم بضرورته من قبيل حاجة الرجل الجنسية أحياناً إلى زوجات عديدة ، ومن قبيل حبّه للأولاد ، ومن قبيل غلبة النساء المفتقرات إلى الزواج على الرجال المفتقرين إليه من الناحية الكمية(1) .

لماذا لم يشرّع تعدّد الأزواج للزوجة الواحدة؟

وهذا السؤال كثيراً ما يذكره بعض من يدافع عن المرأة وحقوقها فيقول : كما أجاز الإسلام تعدّد الزوجات للزوج الواحد ، فلماذا لم يجز للمرأة تعدّد الأزواج ، فإنّها أيضاً قد تحتاج إلى أكثر من زوج إذا كان زوجها الأول ضعيفاً من الناحية الجنسية ، أو كان غائباً عنها ، أو معانداً لها مضاراً بحالها؟!

__________________

(1) راجع الملحق رقم (2).

١٣٢

والجواب على ذلك : إنّ الإسلام اهتم بأمرين نتج منهما جواز تعدّد الزوجات ، وعدم جواز تعدّد الأزواج ، وإليك هذان الأمران :

الأمر الأول : إنّ الإسلام اهتمّ بموضوع تمييز النسل وتشخيص الأب والاُم ، ولا يقرّ اختلاط المياه إطلاقاً. ويتفرّع على هذا الاهتمام لابديّة أن يحقّق ضماناً لتحقيقه ، وكان يكفي كضمان لتمييز النسل أن يمنع عن تعدّد الأزواج للمرأة الواحدة ، فلايسمح لها بالزواج مع رجلين أو أكثر في عرض واحد ، دون الحاجة إلى المنع من تعدد الزوجات للرجل الواحد ، وذلك لأنّ الزوج إذا كان واحداً وتعدّدت زوجاته فسوف يتميز النسل ويتعين الأبوان ، أمّا إذا تعدّد الزوج واتحدت الزوجة فإنّ الأب سوف يضلّ مجهولاً.

الأمر الثاني : أنّ الإسلام اهتمّ بتكوين الحياة الزوجية في المجتمع ، ولا يرضى بمجتمع ليس فيه حياة زوجية ، ويتفرّع على هذا الاهتمام لابديّة أن يقدّم ضماناً لتحقيقها ، وكان يكفي كضمان لإيجاد الحياة الزوجية هو الدعوة إلى الزواج ، والزواج المبكّر وجعله ثواباً ، وهذه الحياة الزوجية تحصل إذا تعدّدت الزوجات واتّحد الزوج ; لأنّ القائم على هذه الزوجات والمدير لشؤونها هو شخص واحد. على العكس مما إذا تعدّد الأزواج على زوجة وعائلة واحدة ، فإنّ القائم عليها والمدير لشؤونها يكون متعدّداً ، فتفسد الحياة الزوجية والعائلية بذلك.

والملفت للنظر في هذا المجال هو أنّ الله تبارك وتعالى تفضّل على النساء تكويناً ، فجعلها أقدر على الرجال على الصبر عن العمل الجنسي ، فصبر المرأة على زوج واحد أكثر من صبر الرجل على زوجة واحدة.

ولاية الأب والجد للأب في زواج البنت الباكر

فنقول :

1 ـ إنّ الإسلام منح المرأة حريتها وشخصيتها واستقلالها الفكري والاقتصادي ،

١٣٣

واعترف بحقوقها الطبيعية إذا كانت بالغة عاقلة رشيدة ، وكذا بالنسبة للذكر البالغ العاقل الرشيد ، لا يوجد هناك لأحد حقّ للإشراف عليهما أو التدخل في شؤونهما من هذه النواحي المتقدّمة.

2 ـ إنّ الفتى إذا بلغ وكان عاقلاً رشيداً ، فإنّه يملك أمره في الزواج ، فلا يحق لأحد أن يفرض عليه شيئاً في موضوع زواجه.

3 ـ أمّا الفتاة فإن كانت ثيّباً ، فهي أيضاً تملك أمرها في الزواج واختيار الزوج المناسب لها ، كما في الفتى البالغ العاقل الرشيد.

4 ـ وأمّا الفتاة البالغة العاقلة الرشيدة البكر إذا كانت مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها ، فيجوز لها أن تتزوّج بدون إذن الأب والجد للأب على رأي بعض العلماء ; لوجود رواية صحيحة تدلّ على ذلك ، وكأنّ استقلالها في شؤون حياتها يدلّ على أنّها ناضجة من الناحية الاجتماعية بحيث أعطاها الأب إجازة في تصرّفاتها كلّها ومنها اختيار الزوج.

5 ـ أمّا الفتاة البالغة العاقلة الرشيدة الباكر إذا لم تكن مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها ، ولكن تعذّرت استجازة الأب والجد للأب في أمر زواجها ; لغيبتهما أو حبسهما ونحو ذلك ، وكانت البنت بحاجة إلى الزواج وأرادت الزواج بفرد معيّن ، ففي هذه الصورة تسقط الاستجازة من الأب أو الجد للأب في أمر زواجها.

6 ـ أمّا الفتاة البالغة العاقلة الرشيدة الباكر إن لم تكن مالكة لأمرها وليست مستقلّة في شؤون حياتها ، وكان الأب أو الجدّ للأب موجوداً معها ، فلايجوز للأب والجد للأب تزويجها من دونه رضاها. ومعنى ذلك عدم وجود سلطة مطلقة لهما عليها ، ولكن هل يجوز لها أن تتزوج بدون إذن الأب والجد للأب؟

١٣٤

هنا يذهب جمله من الفقهاء(1) إلى عدم صحة زواجها من دون رضاها ورضى أحد الأبوين (الأب أو الجد للأب) ، ومعنى ذلك أنّ هذا المورد تكون فيه للأب أو للجد للأب نوع ولاية على البنت الباكر ، فلايصح زواجها من دون موافقة أحد الأبوين.

فهل هذا الأمر يكون من باب أنّ الفتاة قاصرة ، أو أقلّ من الرجل في النضج الاجتماعي؟

والجواب :

1 ـ ليس الأمر كذلك وإلاّ لما كان هناك فرق بين الثيب والبكر ; لتكون الثيب البالغة من العمر خمسة عشر عاماً مستغنية عن موافقة الأب والجد للأب ، بينما تحتاج البكر البالغة ثمانية عشر عاماً إلى الموافقة.

2 ـ وإذا كان الإسلام يعتبر قصوراً في الفتاة في إدارة اُمورها ، فلماذا أعطى البنت البالغة الرشيدة استقلالها الاقتصادي وصحح معاملاتها المالية حتى لو كانت خطيرة ، دون الحاجة إلى موافقة الأب أو الجد للأب أو الاخ؟

إذن هناك سبب آخر هو الذي جعل الإسلام زواجها بحاجة إلى رضاها ورضى أحد الأبوين ، فما هو ذلك السبب؟

أقول : إنّ هذا السبب لا يرتبط بقصور المرأة وعدم نضجها العقلي ، إذ تقدّم منّا مراراً أنّ النساء البالغات العاقلات كاملات من كلّ النواحي ، ولعلّ نضجها العقلي يكون أسرع من نضج الذكر ، ولذا فقد كلّفت بالعبادات قبل تكليف الذكر ، وهذا واضح.

__________________

(1) وهناك جملة كبيرة من الفقهاء ولعلّ مشهور المتقدّمين يقول بعدم الحاجة إلى إجازة الأب والجد في أمر زواجها.

١٣٥

ولكن لعلّ ما قاله علماء النفس : من أنّ سرعة اطمئنان المرأة بالرجل الذي يظهر لها المحبة والإخلاص ، يجعلها أسيرة كلمات المحبة والإخلاص التي تسمعها من فم الرجل ، هي الباعثة على جعل إجازة أحد الأبوين ضماناً للأمان من وقوعها في أسر المحبة بدون تثبّت ومن دون مراعاة للاُمور التي يجب أن تتوفّر في الزوج اللائق لها المناسب لشأنها ، فجعل الإسلام إجازة أحد الأبوين لأجل أن لا تقع المرأة في مكان غير مناسب لشأنها ; لمجرّد إظهار المودة والمحبة الزائفة ، وهذا كما ترى احتياط لها ودليل ينير لها الطريق لئلا تقع في هوّة سحيقة لا تتمكن أن تخرج منها نتيجة فعلها المنفرد ، أمّا إذا كان الزواج نتيجة عمل مشترك من رضاها ورضا الأب أو الجد للأب ، ونتيجة تدبّر يحصل من الأب عادة ، فسوف يقل احتمال وقوع البنت في مكان غير مناسب لشأنها ومضرّ لها.

ولهذا كان الفقهاء يذكرون : أنّ الأب الذي لا يأذن في زواج بنته الباكر ولم يكن له سبب معقول لذلك ، بل يظهر من فعله التحكّم والتسلّط ، فإنّ ولايته على البنت تسقط ، ويحقّ للبنت الباكر أن تختار الزوج المناسب لها بانفرادها.

إذن من كلّ ما تقدّم نفهم : أنّ القانون الإسلامي لم يحتقر المرأة الباكر بجعل وليّ لها في الزواج يشترك معها فيه ، بل هذا الحكم يكون حماية للبنت الباكر واحتراماً لها وليس احتقاراً.

النظرة السلبية للمرأة

إذا نظرنا إلى الكون نظرة مادية (في حدود الطبيعة) التي عبّر عنها القرآن على لسان الملحدين فقال تعالى :( مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا الاَّ الدَّهْرُ ) (1) ، فلابدّ أن ننظر إلى الإنسان نظرة مادية ونقول : إنّه ليس إلاّ جسم فقط ،

__________________

(1) الجاثية : 24.

١٣٦

فالبدن يشكّل حقيقة الإنسان ، وهذا البدن يكون على شكلين : مرّة على شكل رجل ، ومرّة على شكل امرأة. وحينئذ لا توجد فضائل عند الإنسان ، بل الإنسان كالنبات والحيوان والمعدن مادة وجسم فقط.

وعلى هذا التفكير فلا يوجد تمايز بين الرجل والمرأة ، وهذا ما يسعى إليه الإنسان الغربي في ما يسمّى بعصر النهضة (بين منتصف القرن السابع عشر وحتى القرن الثامن عشر) ورواج الروح العلمية والعقلية في الابتعاد عن الدين ، وقد وافقت الاُمم المتحدة في 3 سبتمبر 1979 م على اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضدّ المرأة. وتعدّ هذه الاتفاقية تتويجاً للحركة الفيمنيّة التي انطلقت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في الغرب لغرض استرجاع المرأة حقوقها.

وعلى هذه النظرة ، فلابدّ أن تلاحظ المرأة على أنّها أداة لتأمين غريزة الشهوة ، لذا كثرت الدعوات من هذا الفريق لإزالة الحجاب كمقدّمة لإشباع الغريزة منها ، وتصوّروا أنّ سرّ تخلّفها كامن في الحجاب والعفّة. وفي هذا الفريق من البشر تُنتزَع الرحمة ويزول العطف وتضمحل الرقة ; لأنّ نصف المجتمع ـ وهو المرأة ـ ينظر إليها نظرة سلبية ، وتربّى المرأة على إشباع الغرائز ، وبهذا تفقد المرأة مكانتها في تربية المجتمع على العاطفة والرأفة والرقة التي كانت المرأة هي مصدر تزريقها في المجتمع الإنساني ، فلايوجد في هذا الفريق غير القوّة والشهوة والقمع.

نظرة الإسلام للمرأة

إنّ الإسلام نظر إلى الإنسان على أنّه مكوّن من روح ومادة ، والإنسان رجل وامرأة ، فالمرأة أيضاً تتكون من روح ومادة.

والروح : لا امتياز فيها بين الرجال والنساء ، وهي التي تتكامل بالمعارف والعلوم والأخلاق والمزايا الفاضلة التي تتلخص كلّها في التقوى. وهذه الامتيازات للروح

١٣٧

تكون بمثابة الملك لها ، لا يمكن سلبها عنها إذا حصلت عليها الروح ، قال تعالى :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات وَنَهَر * فِي مَقْعَدِ صِدْق عِندَ مَلِيك مُّقْتَدِر ) (1) .

وقال تعالى :( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (2) .

والمكافاة لهذه الامتيازات الروحية هي الجنة التي هي مقسّمة حسب مراتب هذا التفاضل ، فالأكثر إيماناً وعلماً وعقيدة (أي الأكثر تقوى) له مراتب أعلى من غيره الذي هو عالم مؤمن متقي.

وأمّا المادة : وهو الجسم ، فليس له إلاّ التنفيذ.

وفي المادة توجد امتيازات وتوجد فوارق ، إلاّ أنّها ليست من باب الكمال وإن كانت فضيلة ومزية ، إلاّ أنّها ليست معياراً للتفاضل ، فتأتي هنا قضية قواميّة الرجل على المرأة التي قلنا سابقاً : إنّها فضيلة القوة ، بينما تحوز المرأة فضيلة العاطفة والرحمة والرقة (المتمثلة في جمال المرأة) التي قال عنها الإسلام إنّها ريحانة وليست قهرمانة.

وقد أراد الله تعالى أن يسخّر المجتمع لعواطف المرأة ورقتها ورحمتها ، بمعنى أنّه أراد للمجتمع أن يتربّى على العواطف والرحمة ، فإدخلها إلى المجتمع مع الحجاب والعفة ليستفيد من عاطفتها ورقتها ولطفها وصفائها ووفائها.

فالتفاضل موجود في جسم الإنسان (الرجل والمرأة) ولكنّه ليس هو التكامل المنشود ، فالرجل عادةً وغالباً فيه امتياز على جسم المرأة بالقوة ، وجسم المرأة عادة وغالباً فيه امتياز على جسم الرجل باللين والعاطفة ، وأراد الإسلام أن يمزج

__________________

(1) القمر : 54 ـ 55.

(2) الفجر : 27 ـ 30.

١٣٨

بين القوة واللين أو بين العقل والعاطفة ; ليتم صرح بناء المجتمع من مادة لينة ومادة صلبة ، فيكون بناء المجتمع بناء محكماً وقوياً.

ولكن إذا نظرنا إلى المرأة على أنّها مادة فقط خُلقت لاشباع الغريزة الجنسية فقط ، فقد سلبنا من المرأة لينها وعاطفتها ورقتها (جمالها) وتربّت على غير وظيفتها ، فتحوّل المجتمع كلّه إلى صرح كلّه قوّة وكلّه حجر وكلّه صلابة ، والصرح لا يقوم على الصلابة من دون مادة ليّنة ، فيكون عرضة للسقوط.

إذاً الإسلام أراد من الامتيازات بين جسم الرجل وجسم المرأة تقسيم المناصب التنفيذية ، والمناصب التنفيذية هي أمانة ، فالرجل له مناصب معينة ينفذها ، والمرأة لها مناصب معينة تنفذها ، ولا حقّ للاعتراض على تقسيم هذه المناصب حسب الامتيازات البدنية ; لأنّه ليس شيئاً يكون فارقاً بين الرجل والمرأة في الفضيلة.

وهذه المناصب التنفيذية تقابلها مسؤوليات.

فإذا ثبت أنّ الرجل له هذا المنصب الخاص ، والمرأة لها هذا المنصب الخاص ، فلا يوجب هذا تفاضلاً ، بل هو من تقسيم المسؤوليات حسب اختلاف الأجسام.

وكمثال على ذلك إعطاء القيمومة للرجل على زوجته ، وهذه القيمومة هي عبارة عن تنظيم اُمور المرأة ورعايتها ، ممّا فضّل الله الرجل على المرأة في قوة البدن ، وبما أنفق من ماله لترتيب المسكن الذي يوجب سكناً لهما ، فلا اعتراض على ذلك ; لأنّه وظيفة يقابلها مسؤولية ، كما أنّ المرأة لها وظيفة الرضاعة والحضانة والرعاية والقيام بشؤون الأولاد ، وهذا يقابله مسؤولية على المرأة في وظيفتها ، فلا يعتبر هذا فارقاً في التفاضل.

هذا كلّه في الوظائف الخاصة بكلّ منهما ، أمّا الأعمال العامة في المجتمع فهي مشتركة بينهما إذا وجدت المؤهلات اللازمة لها ، وكان هناك وقت كافي بعد إنجاز المهام الخاصة بكلّ واحد منهما.

١٣٩

١٤٠