أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي0%

أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي مؤلف:
تصنيف: المرأة
الصفحات: 221

أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

مؤلف: الشيخ حسن الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 221
المشاهدات: 48058
تحميل: 6478

توضيحات:

أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48058 / تحميل: 6478
الحجم الحجم الحجم
أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

مؤلف:
العربية

يهمها الجانب المادي الذي سيطر على الحياة اليوميّة تماماً. ففي ألمانيا الغربية اعتدى اثنى عشر شاباً في يوم واحد على بنت عمرها 14 سنة ، وبعد انتهاء عملية الاغتصاب توجّهت هذه الفتاة إلى الشرطة لتخبرهم بفقدان محفظتها!!!

وكنتيجة طبيعية لهذا المسلك كثرت الجرائم والاعتداءات وأصبحت شيئاً مألوفاً عندهم ، ففي ألمانيا الغربية لا يمر يوم واحد دون أن تُقترف جريمة غصب واعتداء.

بل وأصبح الشذوذ الجنسي عندهم عملاً مقبولاً ، لا معارض له ، ففي اتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية يوجد نادي تنتشر فروعه في كبريات المدن الألمانية ، وهو يدير عمليات تعارف غير مشروعة بين أعضائه من الرجال والنساء ، كما تتم عن طريقه عمليات تبادل مؤقت للزوجات.

أما بريطانيا فتنغمس في الفجور إلى حدود مذهلة ، حتى إنّ الدعوة إلى إباحة الشذوذ الجنسي بين الرجال استطاعت أن تظفر بالاباحة في مجلسي اللوردات والنوّاب ، وبارك هذه الإباحة معظم الشعب الإنكليزي وعلى رأسه أساتذة الجامعات والأطباء والمفكّرون ، بل وحتى رجال الكنيسة!

وما ذكرناه من معلومات واحصائيات فهي قليلة جدّاً وقديمة نشرت قبل أربعين عاماً تقريباً ، فما ظنّك بما يحصل اليوم ، وقد تطوّرت الأساليب والطرق بشكل كبير جداً.

ومن هذا يتضح جليّاً أمام كلّ منصف وواع مدى الانحطاط الذي وصلت إليه المرأة عندهم ، فكرامتها مسلوبة وشرفها مباع ، وهي تعيش في الرذيلة بما لهذه الكلمة من معنى.

والتحدّث عن هذا الجانب واستيعابه يحتاج إلى وقت كبير ، ولا تكفيه هذه المقدّمة المختصرة ، وقد كتب عن هذا الموضوع الكثير من علمائنا ومفكرينا ، فمن شاء الإطلاع أكثر فعليه بتلك الكتب.

٢١

والكتاب الذي بين أيدينا الذي ألّفه اُستاذنا العزيز سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن الجواهري حفظه الله ورعاه ، جاء ردّاً علمياً دقيقاً على الاتهامات التي وجهها أعداء الدين الإسلامي الحنيف في ما يتعلق بالمرأة وحقوقها ، فتناول فيه عدّة مسائل حساسة في هذا الموضوع كقيمومة الرجل على المرأة ، وحقوقها في المنزل والمجتمع ، وتوليها القضاء والإفتاء ، وتعدّد الزوجات ، وغيرها من المواضيع المهمة.

ومركز الأبحاث العقائدية إذ يقوم بطبع هذا الكتاب ـ بعد مراجعته من الناحية الفنية ـ ضمن سلسلة «دراسات في الفكر الإسلامي المعاصر في ضوء مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام » ، يدعو الكتّاب والباحثين إلى المشاركة في هذا المشروع الحيوي العصري ورفده بما تجود به أقلامهم المباركة.

محمّد الحسّون

مركز الأبحاث العقائديّة

27 شعبان 1427 هـ

site.aqaed.com / Mohammad

muhammad@aqaed.com

٢٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين الطاهرين وصحبه الميامين.

نشكر الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي التي أولت لنا هذا البحث القيّم في الدورة السابعة عشر المنعقدة في عمّان ، ونرجو أن يكون بحثنا مقبولاً قبولاً حسناً.

المؤلّف

٢٣

٢٤

تمهيد

إنّ موقع المرأة في نظام القِيَم في الإسلام ، وفي نظام الحقوق والواجبات الإسلامية ، متّحد مع موقع الرجل ; وذلك :

1 ـ لأنّهما ينتميان إلى حقيقة واحدة وهي الإنسانية ; فالإنسان نوع واحد في الجنس الحيواني ، وجميع أفراد هذا النوع متّحدة ومتساوية في الإنسانية ، فلا تفاضل بين الناس في الإنسانية ، فلا تفاضل لاُنثى على اُنثى ، ولا لذكر على ذكر ، ولا لذكر على اُنثى ، ولا لاُنثى على ذكر.

وهذا ما أكّده القرآن الكريم حيث قال :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) (1) .

2 ـ المساواة في الولاية : قال سبحانه وتعالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (2) .

فالولاية في الإسلام لله وللرسول ولأهل البيت وللمؤمنين ، ومعنى الولاية في هذا المورد هو الحبّ والودّ والقرب ، والولاية أوسع الروابط وأوشجها في الإسلام ، ومنها الولاية بين المؤمنين والمؤمنات.

3 ـ المساواة في أصل الخلق : فالذكر والاُنثى متّحدان في أصل الخِلقة ، قال

__________________

(1) النساء : 1.

(2) التوبة : 71.

٢٥

تعالى :( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُْنثَى * مِن نُّطْفَة إِذَا تُمْنَى ) (1) .

وقال تعالى :( أَيَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُْنثَى ) (2) .

وقال تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِن سُلاَلَة مِّن طِين * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَار مَّكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (3) .

وقد ورد في السنّة ما يؤكّد هذا المعنى في قول الإمام عليعليه‌السلام في عهده لمالك الأشتر حين ولاّه مصر ، فقال له : «واعلم يا مالك إنّ الناس صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق»(4) .

4 ـ المساواة في الهدف : إنّ هدف الإنسان ـ ذكراً أو أنثى ـ في هذه الحياة هو هدف واحد أيضاً ، فهدف إيجاد الإنسان هو عبادة الله وإعمار الأرض والتمتّع بها ، قال تعالى :( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (5) .

وقال تعالى :( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (6) .

وقال تعالى مخاطباً الإنسان : (ذكراً أو أنثى أيضاً)( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الاَْرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الاَْرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنَّ

__________________

(1) النجم : 45 ـ 46.

(2) القيامة 36 ـ 39.

(3) المؤمنون : 12 ـ 14.

(4) نهج البلاغة : كتابهعليه‌السلام إلى مالك الأشتر ، رقم 53.

(5) الذاريات : 56.

(6) البقرة : 30.

٢٦

اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (1) .

وقال تعالى أيضاً :( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَاب مُّنِير ) (2) .

وقال تعالى أيضاً :( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (3) .

5 ـ المساواة في المسؤولية والثواب : إنّ مسؤولية الإنسان ـ ذكراً أو اُنثى ـ عن أعماله في الدنيا والآخرة واحدة ، بمعنى أنّ مسؤولية المرأة ليست أقلّ ولا أكثر ولا أصغر ولا أكبر من مسؤولية الرجل ، بل هما متساويان في المسؤولية أمام الله ، قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الاِْنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ ) (4) .

وقال تعالى :( وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) (5) .

وقال أيضاً :( وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس إِلاّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (6) .

وقال تعالى :( وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ

__________________

(1) الحج : 65.

(2) لقمان : 20.

(3) الأعراف : 31 ـ 32.

(4) الانشقاق : 6.

(5) الشمس : 7 ـ 10.

(6) الانعام : 164.

٢٧

الَّذِي وَفَّى * أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَن لَّيْسَ لِلاِْنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الاَْوْفَى ) (1) .

ونفهم من كلّ ما تقدّم أنّ التكليف الإسلامي موجّه إلى الإنسان ككلّ دون تمييز أو تفريق.

وقد روي عن أُمّ المؤمنين «أُم سلمة»رضي‌الله‌عنها أنّها قالت : يا رسول الله لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء؟! فأنزل الله :( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِّنكُم مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْض فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) (2) .

وقال تعالى :( وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْن وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ُ) (3) .

وقال تعالى :( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) »(4) .

6 ـ المساواة في الإخوّة : ومبدأ الإخوّة بين المؤمنين المصرّح به في القرآن الكريم هو عبارة عن المساواة بين الذكر والاُنثى في المرتبة ، فقال تعالى :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ

__________________

(1) النجم 31 و 36 ـ 41.

(2) آل عمران : 195. راجع تفسير الميزان ج 4 / 90.

(3) التوبة : 72.

(4) الأحزاب : 35.

٢٨

إِخْوَةٌ ) (1) .

وقال تعالى :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) (2) .

فليس الذكر أصلاً والاُنثى تابعة ، ولا العكس هو الصحيح ، بل هما في رتبة واحدة متساوية.

7 ـ الاختلاف الفسلجي والسيكولوجي : ومع كلّ ما تقدّم من اتّحاد بين الذكر والاُنثى في نظام القِيَم والحقوق والواجبات في انتمائهم إلى الإنسانية والولاية ووحدة الخلق والهدف والمسؤولية والإخوّة ، إلاّ أنّ الاختلاف بين الذكر والاُنثى في الصنف أمر واضح ، فالمرأة تختلف عن الرجل فسلجياً وسيكولوجياً ، وهذا يقتضي تنوعاً في وظيفة كلّ منهما في الاُسلوب والطريقة التي يتبّعها في القيام بدوره في وظيفته العامة ، فلكلّ منهما وظيفة خاصة ينتج منهما الوظيفة العامة للإنسان في الحياة.

فهناك وظيفة عامة يشترك فيها الذكر والاُنثى ، وهناك وظيفة خاصة لكلّ منهما حسب خصوصية صنفه ، وهذه الوظيفة الخاصة لكلّ من الذكر والاُنثى تكون كلّ واحدة منهما مكملّة للاُخرى في تحقيق الوظيفة العامة للنوع الإنساني.

وبمعنى آخر ، أنّ الوظيفة الخاصة لكلّ من الرجل والمرأة تكون علاجاً لنقص أو إيجاداً لكمال في تحقيق الوظيفة العامة ، فالرجل والمرأة بوظائفهما الخاصة يوجدان الينبوع البشري الذي أراده الله لاستمرار الحياة وعبادة الله.

وليس هذا الاختلاف في الصنف مقتصراً على البشر ، بل هو قانون عام في سائر أجناس وأنواع وأصناف المخلوقات. قال تعالى :( لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ فِي أَحْسَنِ

__________________

(1) الحجرات : 10.

(2) آل عمران : 103.

٢٩

تَقْوِيم ) (1) .

وقال تعالى :( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاَْعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) (2) .

وقال تعالى :( إِنَّا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر ) (3) .

وقال تعالى :( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (4) .

وقال تعالى :( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) (5) .

ومن نافلة القول بأن تنوّع الوظيفة الخاصة لا يكون نتيجة للأفضلية أو الدونية ; لأن التنوّع تنوّع وظيفي للذكر والاُنثى ناشيء من تحقيق الوظيفة العامة من هذا التنوّع ، وليس تنوّعاً قيميّاً أو أخلاقياً ناشئاً من أسباب تتصل بالإنسانية.

وبمعنى آخر : إنّ الوظيفة العامة للبشر هو استمرار الينبوع البشري ليقوم بعبادة الله وإعمار الأرض ، وهذا يقتضي التناسل والتكاثر. والتناسل والتكاثر المتعارف المرغوب فيه ـ والذي يضمن استمرار البشرية في الكون ـ لا يكون عملية ذاتية لأيّ من الذكر والاُنثى ، بل هو نتيجة تفاعل وتكامل بين الذكر والاُنثى ، لذا هيّأ الله كلّ صنف لجانب من عملية التناسل لا يمكن أن يقوم به الصنف الآخر جسديّاً ونفسيّاً وعاطفيّاً.

وهذه العملية الجنسية بين الذكر والاُنثى تقتضي الحمل ، ونمو الحمل والولادة بعد ذلك ، ثمّ بعدها الحضانة والتربية.

كما أنّ النسل يحتاج إلى القوت والمأوى والكساء ، والإنسان يحصّن بها حياته

__________________

(1) التين : 4.

(2) الأعلى : 1 ـ 3.

(3) القمر : 49.

(4) طه : 50.

(5) الفرقان : 2.

٣٠

من أخطار الطبيعة وآفات الجسد.

وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون المهمة الأُولى من وظيفة الاُنثى ، وأن تكون المهمة الثانية من وظيفة الذكر.

وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تُخلَق الاُنثى مؤهلة من الناحية النفسية والجسدية لما يناسب مهمة الحمل وما ينتج عنها ، وأن يخلق الذكر مؤهلاً من الناحية النفسية والجسدية لما يناسب مهمة العمل في الطبيعة والمجتمع.

ومعلوم أنّ تقسيم العمل هذا يقتضي تنوّعاً في الوظائف الخاصة ، ولكن هذا التنوّع لم ينشأ عن أفضلية أحد الصنفين على الآخر. فوظيفة كلّ من الذكر والاُنثى عامل محايد بالنسبة للقيمة الإنسانية والأخلاقية لكلّ واحد من الصنفين(1) .

ثمّ إنّ اختلاف الوظيفة الخاصة للذكر عن الاُنثى ، الذي يقتضي الاختلاف في التكوين الجسدي والعاطفي ، يقتضي أيضاً الاختلاف في التشريع الذي ينظّم عمل كلّ واحد من الصنفين ; ليقوم الإنسان بمهمته العامّة للخلافة على الأرض ، لأنّ النظام التشريعي لكلّ كائن يجب أن يتوافق مع نظامه التكويني (الجسدي والنفسي)

__________________

(1) نعم ، الإسلام اعتمد معياراً لتشخيص الأفضلية والدونية ، وهو مدى التزام الإنسان بوظيفته العامة من خلال الالتزام بمقتضيات الوظيفة الخاصة ، وقد عبّر عن هذا الالتزام في نظام القيم الإسلامي بالتقوى ، وفي مصطلح الفقهاء بالعدالة.

كما اعتمد الإسلام معياراً آخر للتفاضل بين البشر ، ألاّ وهو العلم مع الإيمان ، فقد قال تعالى :( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات ) المجادلة : 11.

وقال تعالى :( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الاْخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ ) الزمر : 9.

وهذان المعياران يمكن أن يحصل عليهما كلّ صنف من الذكر والاُنثى على حدٍّ سواء ، فالذكر يمكن أن يكون متقيّاً سائراً على وفق موازين الشرع في تحقيق وظائفه الخاصة والعامة ، وكذا المرأة على حدٍّ سواء ، كما أنّ الذكر والاُنثى يمكن لكلّ واحد منهما أن يحصل على العلم مع الإيمان الذي ينفع به نفسه واُمته.

٣١

ووظائفه.

وخلاصة لما تقدم نتمكن أن نقول : إنّ أيّ إنسان (سواء كان رجلاً أو امرأة) إذا وجد فيه الاستعداد للوصول إلى حقّ ما ، فالحقّ موجود له طبيعيّاً ; لأنّ الاستعداد الذي وجد فيه يكون دليلاً على أنّ من حقّه الوصول إلى حقّه الذي وجد فيه استعداد للوصول إليه ، فحركة الإنسان ضمن استعداده الذي وجد فيه هو حقّ طبيعي للإنسان ، وهذا هو طريق الوصول إلى الكمال الذي ينشده الإسلام من خلقه البشر.

وعلى هذا ستكون الحقوق الاجتماعية للفرد (سواء كان رجلاً أو امرأة) هي عبارة عن الاستفادة من المواهب والحقوق الطبيعية ، فيتمكن الفرد أن يصل إلى عمل أو منصب أو فكر أو رأي ، أو طهارة أو تقوى أو علم ، أو أيّ شيء آخر من حقوقه الطبيعية بواسطة الاستفادة من حقوقه الطبيعية.

نعم ، هناك حقوق مكتسبة متفاوتة لوجود تفاوت في القدرات في سبيل الحصول على الحقّ العام ، ولو أردنا أن نساوي بين الحقوق المكتسبة لكان هذا ظلماً لبعض أفراد الإنسان ، ولهذا نرى أنّ بعض الأفراد سيكون رئيساً ، والآخر مرؤوساً ، والثالث عاملاً ، والرابع صانعاً ، والخامس اُستاذاً ، والسادس ضابطاً ، والسابع جنديّاً ، والثامن وزيراً ، وهكذا ، ولا اعتراض على هذا لو كان ناشئاً من اختلاف في القدرات عند إعمال الحقّ العام.

٣٢

المبدأ الأساسي في فهم دور المرأة في المجتمع

إنّ الوظيفة العامة للاُنثى المساوية للذكر ، والوظيفة الخاصة لها حسب تكوينها الجسدي والنفسي وحسب مهامها الخاصة ، هو الأساس والصورة الواضحة للمرأة ودورها في المجتمع ، وعلى ضوئه تفهم النصوص الواردة في السنّة الشريفة ; لأنّ ما ورد في السنّة الشريفة يكون مكمِّلاً للرؤية القرآنية ، مبيّناً وشارحاً ومفصّلاً لها ، وعلى هذا فإذا ورد حديث (وإن كان معتبراً) إلاّ أنّه كان معارضاً ومصادماً لهذه الرؤية القرآنية ، فيجب عدم الأخذ به ; لأنّ الحديث الحجّة يجب أن لا يكون معارضاً ومصادماً للقرآن.

٣٣

٣٤

نظرة الإسلام للمرأة والتديّن

وإذا كانت المرأة مساوية للرجل في الإنسانية ، فهي مدعوّة كالرجل إلى التديّن والالتزام بالشريعة ، فتطهر روحياً من كلّ الأرجاس التي تلحق بالإنسان نتيجة عدم التزامه بالدين والطهارة الروحيّة.

فالقرآن الكريم قد أعطى للمرأة كامل الاستقلال والحريّة في شؤونها والتزاماتها الدينية ، ولم يتحدّث عنها بصفتها تابعة لأحد (زوجاً أو غيره) في اُمور الدين والعبادة.

فقبل الزواج تكون المرأة في بيت أبيها وأُمّها ، وبعد الزواج تكون المرأة في بيت زوجها ، وهذان البيتان عبارة عن الجوّ العائلي الذي تنتمي إليه المرأة وتعيش فيه ، وقد يؤثّر وينعكس على دين المرأة ، لذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تزوّجوا في الشكاك ولا تزوجوهم ; لأنّ المرأة تأخذ من أدب الرجل ويقهرها على دينه»(1) .

إلاّ أنّ القرآن أراد من المرأة الإنسانة أن تكون مستقلّة عن كلّ أحد في عقائدها ، ولم يقبل منها أيّ نوع من أنواع التبعيّة للغير في أمر التديّن والطهارة الروحية والعقيدة ، وهذا ما نراه في قضية آسية بنت مزاحم زوجة فرعون حيث قال تعالى :( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (2) .

__________________

(1) وسائل الشيعة 14 : باب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ، الحديث 2.

(2) التحريم : 11.

٣٥

فآسية بنت مزاحم كانت على دين زوجها فرعون ، ولكن عندما شاهدت البيّنات في معجزة نبي الله موسىعليه‌السلام أمام السحرة آمنت به ، ومع اطلاع فرعون على الأمر نهاها مراراً ، لكنّها أبت إلاّ التمسّك بالدين الإلهي وعارضت الملك والسلطة رغم التهديد بالقتل ، بل ووقوع القتل عليها كما تحدّثنا الروايات من أنّ فرعون وتّد لها أربعة أوتاد وأضجعها على ظهرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس(1) .

فآسية بنت مزاحم قد حافظت على طهارتها الروحيّة ، وتحدّت ضغوط الزوج والسلطة والاغراءات التي كان يتباهى بها فرعون ، بل استصغرت تباهي فرعون حيث كان يقول : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الاَْنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)(2) ، ولكن آسية جابهت كلّ هذا بإصرارها على قبول الحقّ والبرهان وكانت تقول :( رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ) .

فهذا المثال للمرأة المتديّنة يدلّ على أنّ المرأة التي هي شريكة الرجل في الإنسانية يمكنها أن تصل إلى هذه المرتبة العالية من الطهارة الروحية والتديّن الفعلي ، فتقاوم أشدّ الضغوط عليها في البيت الزوجي ، وقد وردت الروايات الدالّة على مكافأة الله سبحانه لها بعدّة اُمور(3) .

__________________

(1) راجع تفسير الميزان ، للعلاّمة الطباطبائي 19 : 346.

(2) الزخرف : 51.

(3) أراها بيتها في الجنة أثناء تعذيبها ، راجع مجمع البيان ، للعلاّمة الطبرسي 9 : 479.

تبوأت موقعاً بين نساء العالم ، فقد جاء في رواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله «أفضل نساء أهل الجنّة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون». راجع الخصال ، للشيخ الصدوق 1 : 205.

وأصبحت زوجة لرسول الله في الجنّة ، فقد روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه : أنّه دخل رسول الله على خديجة وهى لما بها ، فقال لها : «بالرغم منّا ما نرى بك يا خديجة ، فإذا قدمت على ظرائرك فاقرئيهن

٣٦

وكما أنّ آسية بنت مزاحم قد تحدّت الضغط العائلي في عقيدتها ودينها ، فإنّ مريم بنت عمران قد تحدّت الضغط الاجتماعي الذي يجرف معه النساء ويحرفهن عن عقيدتهن وتديّنهن بالدين الحقّ ، إلاّ أنّ هذا الضغط الاجتماعي في مخالفة الشريعة لا يكون عذراً للمرأة ، فالدين يُطالب المرأة أن تقاوم كلّ المؤثّرات الاجتماعية السلبية وتحافظ على دينها مهما كلّفها ذلك من ثمن.

فقد كانت البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها مريم لا تعتني بالقيم الدينية ، ولا تعتني بالرموز المتصدية لتجسيم تلك القيم كالأنبياء والأوصياء ، حيث كان قتل الأنبياء من أهون الأُمور لديهم ، فقد كانوا يقتلون في اليوم والليلة سبعين نبياً من أنبيائهم ، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون وكأن لم يصدر منهم أيّ ذنب وجريمة ، وقد حدث ذلك أيضاً مع الأنبياء المعاصرين لمريمعليها‌السلام كزكريا ويحيى وعيسى(1) .

وقد كانت تلك البيئة متهتّكة تنتشر فيها الفاحشة والأوبئة الأخلاقية ، حيث مدح الله مريم بأنّها أحصنت فرجها فقال( الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) (2) ، ومدح الله يحيى بانه( وَسَيِّداً وَحَصُوراً ) (3) .

ومع ذلك فقد ضرب الله لنا مثالاً للمحافظة على العفّة والطهارة والتديّن ، فمن النساء مريم ، ومن الرجال يحيى ، وهذا يدلّ على أنّ الرؤية القرآنية للمرأة

__________________

السلام» فقالت : مَن هنّ يا رسول الله؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله «مريم بنت عمران وكلثم اُخت موسى ، وآسية امرأة فرعون». فقالت بالرفاه يا رسول الله ، راجع من لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق 1 : 136.

(1) راجع تفسير الميزان 14 : 28 ، 29.

(2) التحريم : 12.

(3) آل عمران : 39.

٣٧

المحافظة على الدين والعبادة حيث ضرب لها كفيلها زكريا من دون الناس حجاباً عندما أدركت وبلغت ، فكانت تعبد الله تعالى ولا يدخل عليها إلاّ زكريا.

فمريم رغم البيئة غير المتديّنة( كَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) ، وقال عنها الله تعالى :( يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (1) .

__________________

(1) آل عمران : 43.

٣٨

نظرة الإسلام للمرأة وسموّها العقلي (العلم)

وهكذا نظر القرآن الكريم إلى المرأة على أنّها مستقلّة في مجال الفكر والمعرفة ، فأعطاها استقلالها في المعرفة ، ونظر إليها على أنّها صاحبة رأي وحكمة.

وهذا يمكن معرفته من تجربة بلقيس بنت شرحبيل (ملكة اليمن) ، التي عرض القرآن لنا تجربتها على أنّها تجربة إنسانية قابلة لأن تكون مورداً للتأسي والاقتداء ، وقد نظر القرآن لها بعين الرضى والقبول حيث لم يقابلها بالنقد والتجريح.

فقد كانت حكمة بلقيس قد تجلّت في استشارتها لمجلسها الذي شكّلته من عدد أفراد القبائل التي كانت ساكنة باليمن ، وفي خضوعها للحقّ من دون مكابرة عندما بيّن لها أن الذي يدعوها للدخول في الدين الجديد هو نبي من أنبياء الله تعالى ، فقد قال تعالى على لسان بلقيس :( قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلاَُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ ) (1) ، فهي الملكة والأمر أمرها ولكن لم تتخذ قراراً إلاّ بعد التشاور.

وقد كان قرار المجلس يميل إلى الحرب إذ قالوا لها :( نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّة وَأُولُوا بَأْس شَدِيد ) ، ولكنّها كانت تعلم( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ) (2) فاختارت أن تعرف نوايا صاحب الرسالة (سليمان) هل هو من الملوك الظلمة ، فإنّه سيفرح بهدية تهديها له هذه الملكة ويكفّ عنها ، وإن لم يكفّ فهم قادرون على مقابلته ، وإن كان

__________________

(1) النمل : 32.

(2) النمل : 34.

٣٩

هو من الأنبياء فسوف يردّ الهدية ، ولا يرضى إلاّ بدخولهم في طاعته ، والنبي لا طاقة للملكة في مقابلته ، ولذا صمّمت على إرسال الهدية له( وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّة فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) (1) .

ولكن عندما علمت أنّه لم يقبل الهدية حيث كان الجواب :( فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُود لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ) (2) وهنا علمت بلقيس إنّ هذا الذي يدعوها للدخول في طاعته وقبول رسالته هو نبيّ من أنبياء الله ، وهي وقومها لاطاقة لهم في مقابلة النبيّ ، فصمّمت على الارتحال إلى سليمان وقالت :( إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيَْمانَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (3) فاعترفت بالخطأ الذي كانت عليه وأقرّت بالإيمان بكلّ شجاعة.

فالقرآن حينما يسجّل لنا هذه التجربة الإنسانية ، يريد أن يوضّح لنا موقفه من المرأة التي كانت حكيمة وعالمة ، وحيث لم يقابل هذه التجربة بالنقد والتجريح نفهم أن القرآن الكريم يُجيز للمرأة أن تكون قائدة لاُمّة إذا كانت عالمة وقادرة على قيادة هذه الاُمة بالتدبّر والتفكّر والحكمة والعلم.

إلى هنا تبيّن لنا أنّ المرأة تتمكّن أن تواجه الضغط العائلي كما واجهته آسية زوجة فرعون في صمودها على إيمانها وعبادتها ، وتتمكّن أن تواجه الضغط الاجتماعي كذلك كما واجهته مريم بنت عمران وآمنت بالله وعبدته رغم انحراف مجتمعها عن الحقّ والعدل ، وتتمكّن أن تكون صاحبة عقل وفكر وحكمة وعلم كما في بلقيس.

__________________

(1) النمل : 35.

(2) النمل : 36 ـ 37.

(3) النمل : 44.

٤٠