ثم اهتديت

ثم اهتديت20%

ثم اهتديت مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مناظرات وردود
ISBN: 8-21-8629-964
الصفحات: 189

ثم اهتديت
  • البداية
  • السابق
  • 189 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66434 / تحميل: 7595
الحجم الحجم الحجم
ثم اهتديت

ثم اهتديت

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٨-٢١-٨٦٢٩-٩٦٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦١

ورد في كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان )(١) ثلاث حكايات وقعت ببركة صاحب المقام عجل الله تعالى فرجه الشريففي القرن الثامن الهجري ، لم تقتري الحكاية الأولى بتاريخ لكن الحكايتين التاليتين ورد فيهما تاريخ صريح ، فلنورد الحكاية الأولى ثم الثانية والثالثة تباعاً

وقبل أن ننقل الحكايات الثلاث ، تذكر ترجمة صاحب الكتاب ، وثناء العلماء عليه حتى يتبين لنا صدقه في النقل.

أقول : إن مؤلف كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان ) ، هو السيد بهاء الدين علي ابن السيد غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الله بن أحمد بن حسن بن علي بن محمد بن علي غياث الدين(٢) ابن السيد جلال الدين عبد الحميد(٣) بن عبد الله بن أسامة(٤) بن أحمد بن علي بن محمد بن عمر(٥) بن يحيى ( القائم

__________________

١ ـ نقلاً عن بحار الأنوار / للعلامة المجلسي ( أعلى الله مقامه ).

٢ ـ الذي خرج عليه جماعة من العرب بشط سوراء بالعراق وحملوا عليه وسلبوه فمانعهم عن سلب سراويله فضربه أحدهم فقتله وكان عالماً تقياً.

٣ ـ الذي يروي عنه محمد بن جعفر المشهدي في المزار الكبير وقال فيه : أخبرني السيد الأجل العالم عبد الحميد بن التقي عبد الله بن أسامة العلوي الحسيني رَضيَ اللهُ عَنه في ذي القعدة نم سنة ثمانين وخمسمائة قراءة عليه بحلة الجامعين.

٤ ـ متولّي النقابة بالعراق.

٥ ـ الوئيس الجليل الذي رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة في سنة

٦٢

٦٣

بالكوفة ) ابن الحسين ( النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدث ) ابن أبي علي عمر بن أبي الحسين يحيى(١) ابن أبي عاتقة الزاهد العابد الحسين(٢) بن زيد الشهيد ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب: النيلي(٣) النجفي النسابة.

وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد المجاز منه في ٧٩١ هـ أدرك أواخر عهد فخر المحققين تـ ٧٧١ هـ والسيدين العلمين عميد الدين وضياء الدين والشهيد محمد بن مكي العاملي ويروي عنهم جميعاً ، كما يروي عن الشيخ المقريء والحافظ شمس الدين محمد بن قارون وغيرهم.

وأما كتابه هذا فقد نقل عنه الشيخ حسن ين سليمان الحلي ( من علماء القرن التاسع ) في كتابه ( مختصر بصائر الدرجات ) ص ١٧٦ ، والعلامة المجلسي; في ( بحار الأنوار ) ، والميرزا الافندي; في ( رياض العلماء ) والبهبهاني; في ( الدمعة الساكبة ).

__________________

ثلاث وعشرين وثلاثمائة وأخذوا الحجر وأتو به إلى الكوفة وعلقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين7 فإنه قال ذات يوم بالكوفة : لا بد أن يسلب في هذه السارية وأومى إلى السارية السابعة والقصة طويلة وبنى قبة جده أمير المؤمنين7 من خالص ماله.

١ ـ من أصحاب الكاظم7 المقتول سنة خمسين ومثتين الذي حمل رأسه في قوصرة إلى المستعين.

٢ ـ الملقب بذي الدمعة الذي رباه الإمام الصادق7 وأورثه علماً جمّا.

٣ ـ النيل : بلدة تقع على نهر النيل ، وهو يتفرع من نهر الفرات العظمى احتفره الحجاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٢ هـ وهي مركز الإمارة المزيدية قبل تأسيس الحلة.

٦٤

ويظهر من بعض حكايات الكتاب أن تاريخ كتابته سنة ٧٨٩ هـ(١) وللسيد هذا كتب أخرى لا أرى بايراد أسمائها هنا بأساً :

أ ـ كتاب الأنوار المضيّة في الحكم الشرعية.

ب ـ كتاب الغيبة.

جـ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد.

د ـ سرور أهل الإيمان.

هـ ـ كتاب الانحراف من كلام صاحب الكشاف.

و ـ كتاب الأنصاف في الرد على صاحب الكشاف.

ز ـ كتاب شرح المصباح للشيخ الطوسي.

ي ـ كتاب الرجال ( ينسب اليه ).

في الثناء عليه :

قال تلميذه ابن فهد الحلي; تـ ٨٤١ هـ : حدثني المولى السيد السعيد الإمام بهاء الدين

وقال تلميذه الشيخ حسن بن سليمان الحلي; : ومما رواه لي ورويته عنه السيد الجليل السعيد الموفق الموثق بهاء الدين

وقال العلامة المجلسي; : السيد النقيب الحسيب بهاء الدين

وقال الميرزا الافندي; : السيد المرتضى النقيب الحسيب

__________________

١ ـ وللاسف الشديد ان هذا الكتاب لم يطبع إلى الآن برغم وجود نسخه الخطية في المكتبات العامة فمن قلمنا هذا ندعو مؤسسات النشر والتأليف إلى اخراجه للطبع وطبع كتب هذا السيد الجليل وتحقيقها خدمة للمذهب الإمامي واحياءً لآثار هذا السيد الجليل.

٦٥

النسابة الكامل السعيد الفقيه الشاعر الماهر العالم الفاضل الكامل صاحب المقامات والكرامات العظيمة قدس الله روحه الشريفة كان من أفاضل عصره وقال الميرزا النوري; : السيد الأجل الأكمل الارشد المؤيد العلامة النحرير ،(١) كان حياً سنة ٨٠٠ هـ

الحكاية الأولى :

حكاية أبي راجح الحمامي الشيخ الذي أصبح شاباً

نقل العلامة المجلسي ( ١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ ) في بحار الانوار عن كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الايمان ) تأليف العامل الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي ، انه قال : فمن ذلك ما اشتهر وذاع ، وملأ البقاع ، وشهد بالعيان أبناء الزمان ، وهو قصّة أبي راجح الحمامي بالحلة ، وقد حكى ذلك جماعة من الاعيان الاماثل ، وأهل الصدق الافاضل ، منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلّمه الله تعالى قال :

كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعى مرجان الصغير ، فرفع إليه أنّ أباراجح هذا يسبّ الصحابة ، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه ، حتى انه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه ، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلّة من الحديد ، وخرق النفه ، ووضع فيه شركة من الشعر وشدّ فيها حبلاً وسلمه الى جماعة من اصحابه ،

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٤ / ص ٨٨ و ١٢٤ ـ ١٣٠ ، خاتمة المستدرك ط ح ص ٤٣٥ ، سفينة البحار ج ٢ / ط. ح / ص ٢٤٨ الذريعة في أجزائها وطبقات أعلام الشيعة.

٦٦

وأمرهم أن يدوروا به أزقّة الحلة ، والضرب يأخذه من جميع جوانبه ، حتى سقط الى الارض وعاين الهلاك ، فأخبر الحاكم بذلك ، فأمر بقتله ، فقال الحاضرون انه شيخ كبير ، وقد حصل له ما يكفيه ، وهو ميّت لما به فاتر كه وهو يموت حتف أنفه ، ولا تتقلّد بدمه ، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه ، فنقله أهله في البيت ولم يشكّ أحدّ أنه يموت من ليلته.

فلما كان من الغدغدا عليه الناس فاذا هو قائم يصلّي على أتم حالة ، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت ، واندملت جراحاته ، ولم يبق لها أثر ، والشجّة قد زالت من وجهه!

فعجب الناس من حاله وساءلوه عن أمره فقال : اني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان اسأل الله تعالى به فكنت اسأله بقلبي واستغثت الى سيدي ومولاي صاحب الزمان7 .

فلما جنّ عليّ الليل فاذا بالدار قد امتلأت نوراً وإذا بمولاي صاحب الزمان7 قد أمرّ يده الشريفة على وجهي وقال لي : ( اخرج وكدّ على عيالك ، فقد عافاك الله تعالى ) فأصبحت كما ترون.

وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

وأقسم بالله تعالى إن هذا ابو راجح كان ضعيفاً جداً ، ضعيف التركيب ، اصفر اللون ، شين الوجه ، مقرض اللحية ، وكنت دائماً أدخل في الحمام الذي هو فيه ، وكنت دائماً أراه على هذه الحالة وهذا الشكل.

فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه ، فرأيته وقد اشتدّت قوته وانتصبت قامته ، وطالت لحيته ، واحمر وجهه ، وعاد كأنّه ابن عشرين سنة ولم يزل على ذلك حتى أدر كته الوفاة.

٦٧

ولما شاع هذا الحبر وذاع ، طلبه الحاكم وأحضره عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة ، وهو الان على ضدّها كما وصفناه ، ولم يرَ لجراحاته أثراً ، وثناياه قد عادت ، فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم ، وكان يجلس في مقام الأمام7 في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ، وعاد يتلطّف بأهل الحلة ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويحسن الى محسنهم ، ولم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك الا قليلاً حتى مات.(١)

أقول : روحي وأرواح العالمين لك الفداء.

إيه أيتها الجوهرة المحفوفة بالاسرار كم جهلناك وكم بخسناك حقك؟!

كم أغفلنا ذكرك وانشغلنا بغيرك كم سرحنا أفكارنا بعيداً عنك؟

أترك تعطف علينا اليوم بنظرة من تلك التي مننت بها على ذاك الرجل صاحب الحمام ( العمومي ) ، فتمسح قلوبنا بذاك الاكسير؟! فنحن في هذا الحمى.

بحث حول الحكاية :

أقول : إن هذه الحكاية مشهورة ومتواترة النقل في عصر المؤلف السيد بهاء الدين وتناقلها علماء الحلة ، انظر إلى قول السيد في بداية الحكاية ( فمن ذلك ما اشتهر وذاع وملأ البقاع وشهد بالعيان أبناء الزمان وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق الأفاضل ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧١ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢١٩.

٦٨

في أحوال راوي الحكاية وعصرها :

أقول : إن راوي الحكاية هو شمس الدين محمد بن قارون الذي لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، فللفائدة والاستدراك على الكتب الرجالية نذكر ترجمته :

قال السيد بهاء الدين : انه من الأعيان وأهل الصدق الأفاضل ، وقال عنه أيضاً الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون ،(١) المحترم العامل الفاضل(٢) الشيخ العالم الكامل القدوة المقري الحافظ المحمود المعتمرشمس الحق والدين محمد بن قارون.(٣)

وكما قال عنه الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي ،(٤) وكما وصفه أيضاً الشيخ عز الدين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي بـ ( الشيخ الصالح محمد بن قارون ) ،(٥) كان حياً سنة ٧٥٩ هـ

فهو يعد من مشايخ السيد بهاء الدين ، يعني أن شمس الدين كان بالقطع مععاصراً للشهيد الأول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) فاذن وجود شمس الدين محمد بن قارون في بداية القرن الثامن الهجري حياً وروايته لهذه الحكاية ، يدل على أن الحكاية وقعت في النصف الأول من هذا

__________________

١ ـ انظر : بحار الأنوار / المجلسي; ، ج ٥٢ / ص ٧١.

٢ ـ انظر : المصدر السابق ص ٧٢.

٣ ـ انظر : جنة المأوى / النوري; ص ٢٠٢.

٤ ـ نسبة إلى ( السيب ) بكسر أوله وسكون ثانيه ، وهو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلة ، وعليه بلد يسمى باسمه.

٥ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد نقلا عن رياض العلماء ج ٢ / ص ١١.

٦٩

القرن السالف الذكر والدليل على ذلك الحكاية الثانية التالية والتي يرويها أيضا شمس الدين محمد بن قارون والحاصلة في سنة ٧٤٤ هـ

وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني ، تلميذ السيد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة ٦٣٠ هـ ( وهي سنة وفاة السيد فخار ) وهو صغير لم يبلغ الحلم وأجازه الشيخ والده أحمد سنة ٦٣٥ هـ وأجازه الشيخ محمد بن أبي البركات اليماني الصنعاني سنة ٦٣٦ هـ والمجيز لنجم الدين طومان بن أحمد العاملي سنة ٧٢٨ هـ فإن هذا الشيخ متقدم على الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي.(١)

تنبيه لكل نبيه :

قال ابن بطوطة في رحلته ( سافرنا من البصرة فوصلنا إلى مشهد علي ابن ابي طالب رَضي اللهُ عَنه وزرنا ، ثم توجهنا إلى الكوفة فزرنا مسجدها المبارك ثم إلى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان واتفق في بعض الأيام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم الى مسجد صاحب الزمان وانتظاره هنالك ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من الأمير فأصابت ذلك الوالي علة مات منها سريعاً فزاد ذلك في فتنة الرافضة وقالوا انما أصابه ذلك لأجل منعه الابة فلم تمنع بعد ).(٢)

أقول : ان كلام ابن بطوطة المتقدم آنفاً هو في زيارته الثانية للحلة ، فابن بطوطة مرَّ في الحلة مرتين الأولى كانت سنة ٧٢٥ هـ في عهد الوالي ( حسن

__________________

١ ـ انظر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة / الطهراني; ج ١ / ص ٢٢٩ و ٢٢٠.

٢ ـ انظر : رحلة ابن بطوطة ج ٢ / ص ١٧٤.

٧٠

الجلايري ) والثانية بعد عودته من بلاد الهند والصين والتتر وبينهما عدة سنين ، وأظن ان الوالي المذكور في حكاية أبي راجح الحمامي والمذكور في زيارة ابن بطوطة الثانية واحد باعتبار أن عصر الحكايتين واحد وان الوالي المذكور في الحكايتين كان يؤذي أهل الحلة ( فالأمر ليس أمر انتظار صاحب الزمان ولا أمر الدابة ) ، وقد مات بفعله هذا ، وهذا عن أهل الحلة ليس ببعيد ففيهم بقول أمير المؤمنين7 : ( يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرقسمه ).(١)

الحكاية الثانية :

حكاية ابن الخطيب وعثمان والمرأة العمياء التي أبصرت

ونقل من ذلك الكتاب عن الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمى مذوّر ، يضمن القرية المعروفة ببرس ، ووقف العلويين ، وكان له نائب يقال له : ابن الخطيب وغلام يتولّى نفقاته يدعى عثمان ، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والايمان بالضدّ من عثمان وكانا دائماً يتجادلان ، فاتفق انهما حضرا في مقام ابراهيم الخليل7 بمحضر جماعة من الرّعيّة والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان : يا عثمان الان اتضح الحق واستبان ، أنا أكتب على يديّ من أتولاه ، وهم علي والحسي والحسين ، واكتب أنت من تتولاه ابوبكر وعمر وعثمان ، ثم تشدّ يديّ ويدك ، فأيّهما احترقت يده بالنار كان على الباطل ، ومن سلمت يده كان على الحق ، فنكل عثمان ، وأبى أن يفعل ، فأخذ الحاضرون من الرّعيّة

____________

١ ـ انظر : بحار الأنوار المجلسي; ج ٦ / ص ١٢٢.

٧١

والعوان بالعياط عليه ، هذا وكانت ام عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلمّا رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيّطون على ولدها عثمان وشتمتهم وتهدّدت وبالغت في ذلك فعميت في الحال! فلما أحست بذلك نادت الى رفقائها فصعدن اليها فاذا هي صحيحة العينين! لكن لاترى شيئاً ، فقادوها وأنزلوها ، ومضوا بها الى الحلة وشاع خبرها بين الصحابها وقرائبها وترائبها ، فاحضروا لها الاطباء من بغداد والحلة ، فلم يقدروا لها على شيء ، فقال لها نسوة مؤمنات كنّ أخدانها : ان الذي أعماكِ هو القائم7 فأن تشيعتي وتولّيتي وتبرأتي ( كذا )(١) ضمنّا لك العافية على الله تعالى ، وبدون هذا لا يمكنك الخلاص ، فأذعنت لذلك ورضنبت به ، فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان7 وبتن بأجمعهنّ في باب القبة ، فلما كان ربع الليل فاذا هي قد خرجت عليهنّ وقد ذهب العمى عنها! وهي تقعدهنّ واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهنّ وحليَهنَ ، فسررن بذلك ، وحمدنَ الله تعالى على حسن العافية ، وقلن لها : كيف كان ذلك؟! فقالت : لما جعلتنني في القبة وخرجتنّ عني أحسست بيد قد وضعت على يديّ ، وقائل يقول : اخرجي قد عافاك الله تعالى. فانكشف العمى عني ورأيت القبة قد امتلات ونوراً ورأيت الرجل ، فقلت له : من أنت يا سيدي؟ فقال : محمد بن الحسن ، ثم غاب عني ، فقمنَ وخرجنَ الى بيوتهنّ وتشيّع ولدها عثمان وحسن اعتقاده واعتقاد أمه المذكورة ، واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الأمام7 وكان ذلك في سنة أربع واربعين وسبعمائة.(٢)

__________________

١ ـ كذا ورد في المطبوع والاصح ( تشيعتِ وتوليتِ وتبرأتِ ).

٢ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٢ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢٢٠.

٧٢

أقول : حدثت هذه الكرامة سنة ( ٧٤٤ هـ / ١٣٢٣ م ) وراويها محمد بن قارون المتقدم ذكره وترجمته في الحكاية الأولى من هذا الباب.

وبرس : بضم الباء وسكون الراء والسين المهملة ناحية من ارض بابل وهي بحضرة الصرح ( صرح نمرود بن كنعان ) وهي الآن قرية معروفة بقبل الكوفة وينسب إليها الحافظ رجب البرسي; .

ومقام ابراهيم الخليل7 : موجود الى زماننا هذا ويقع بالحلة في تلك القرية ( تشرفت بزيارته انا عدة مرات ).

لحكاية الثالثة :

حكاية شفاء الشيخ جمال الدين الزهدري

وذكر هناك أيضاً : أي ( في كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان ).

ومن ذلك بتأريخ صفر سنة سبعمائة وتسع وخمسين حكي لي المولى الاجل الامجد العالم الفاضل ، القدوة الكامل ، المحقّق المدقّق ، مجمع الفضائل ومرجع الافاضل ، افتخار العلماء في العالمين ، كمال الملة والدين ، عبد الرحمن ابن العمّاني ( كذا ) ، وكتب بخطه الكريم ، عندي ما صورته :

قال العبد الفقير الى رحمة الله تعالى عبد الرحمن بن ابراهيم القبائقي :(١) اني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله تعالى ان المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الاجل الاوحد الفقيه القاريء نجم الدين جعفر ابن الزاهدري كان به فالج ، فعالجته جدّته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج فلم يبرأ ، فأشار عليها بعض

__________________

١ ـ هكذا ورد في الاصل والصحيح العتالقي.

٧٣

الاطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زماناً طويلاً فلم يبرأ ، وقيل لها :ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان 7 لعل الله تعالى يعافيه ويبرأه ، ففعلت وبيّتته تحتها وان صاحب الزمان7 أقامه وأزال عنه الفالج.

ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتى كّنا لم نكد نفترق ، وكان له دار المعشرة ، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الاماثل منهم ، فاستحكيته عن هذه الحكاية ، فقال لي :

إني كنت مفلوجاً وعجز الاطباء عني ، وحكى لي ما كنت اسمعه مستفاضاً في الحلة من قضيته وان الحجة صاحب الزمان7 قال لي : ( وقد أباتتني جدّتي تحت القبة ) :قم.

فقلت : ياسيدي لا أقدر على القيام منذ سنتي ، فقال :قم باذن الله تعالى وأعانني على القيام ، فقمت وزال عني الفالج ( أي شلل الاعضاء ).

وانطبق عليّ الناس حتى كادوا يقتلونني ، وأخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرّكون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، ورحت الى البيت ، وليس بيّ أثر الفالج ، وبعثت الى الناس ثيابهم ، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مراراً حتى مات; .(١)

بحث حول الحكاية :

تاريخ الحكاية : أقول ، إنَّ تاريخ نقل هذه الحكاية هو سنة ( ٧٥٩ هـ ـ ١٢٣٨ م ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٣.

٧٤

راوي الحكاية : الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق الفقيه المتبحر كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابراهيم ابن العتايقي(١) الحلي الامامي ، كان معاصرا للشهيد الاول; وبعض تلامذة العلامة الحلي; ، وقال البعض انه ادرك العلامة ، وتلمذ على يد نصير الدين علي بن محمد الكاشي تـ ٧٥٥ هـ ، وكان من مشايخ السيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد النجفي ، وبروي عن جماعة منهم جمال الدين الزهدري ، توفى بعد سنة ٧٨٨ هـ التي الف فيها كتابه ( الارشاد في معرفة الابعاد ) وهو صاحب التصانيف الكثيرة والموجود بعضها في الخزانة الغروية ، ولا أرى بأماً بايراد اسمائها هنا فله كتاب ( شرح على نهج البلاغة ) وكتاب ( مختصر الجزء الثاني من كتاب الاوائل لأبي هلال العسكري ) وكتاب ( الاعمار ) وكتاب ( الاضداد في اللغة ) وكتاب ( الايضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين ) وكتاب ( اختيار حقائق الخللفي دقائق الحيل ) وكتاب ( صفوة الصفوة ) وكتاب ( اختصار كتاب بطليموس ) وكتاب ( الشهدة في شرح معرف الزبدة ) وكتاب ( الايماقي ) وكتاب ( في التفسير وهو مختصر تفسير القمي ) وكتاب ( الارشاد ) و( الرسالة المفيدة لكل طالب مقدار ابعاد الافلاك والكواكب ) وله ( شرح على الجغميني ) وله ( شرح التلويح ) ، وغيرها من الكتب في شبى أنواع العلوم ، وللأسف الشديد ان كتبه لم تر النور.

_________________

١ ـ العتائقي نسبة الى العتائق قرية بقرب الحلة المزيدية ، وليس بالقبائقي كما في نسخ البحار المطبوعه فانه تصحيف ، كما اني لم ارَّ من الرجاليين من ذكرن بابن العماني بل المشهور انه ابن العتائقي ولعلها تصحيف ايضا او من خطأ النساخ.

٧٥

الى الآن مع كثرتها سوى كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) فمن قلمنا هذا ندعو دور النشر والتأليف لأخراج كتبه خدمة للمذهب الامامي واحياء لآثار هذا الشيخ الجليل ، وصرح جمع من العلماء كالسيد محسن الأمين; والشيخ عباس القمي; والشيخ اغا بزرك الطهراني بمشاهدة كتبه في الخزانة الغروبة وكتب أخرى لغيره بخط يده ذكر فيها نسبه وتأريخه من ( ٧٣٨ ـ ٧٨٨ هـ ).(١)

صاحب الحكاية : الشيخ جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري ، لم أجد له ذكراً في كتب الرجال وانما وقفت على ترجمة والده الاجل الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب ( ايضاح ترددات الشرائع )(٢) ويظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما ، عظيم منزلتهما وجلالتهما.

وبهذه الحكاية انتهى ما أردنا نقله من حكايات كتاب ( السلطان المفرج عن اهل الايمان ).

الحكاية الرابعة :

حكاية ابن ابي الجواد النعماني

قال العالم الفاضل المتبحّر النقّاد الآميرزا عبد الله الاصفهاني الشهير بالافندي في المجلد الخامس من كتاب ( رياض العلماء

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٣ / ص ١٠٣ ، سفينة البحار ط ج / ج ٢ / ص ١٥٧ ، كذلك الذريعة في اجزائها.

٢ ـ وقد طبع الكتاب في زماننا هذا بجهود العلامة الحجة السيد محمود المرعشي في قم المقدسة وقد رأيت نسخته المطبوعة.

٧٦

وحياض الفضلاء ) في ترجمة الشيخ ابن ابي الجواد النِّعماني(١) انه ممن رأى القائم7 في زمن الغيبة الكبرى ، وروى عنه7 ، ورأيت في بعض المواضع نقلاً عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد انه قد رأى ابن ابي جواد النعماني مولانا المهدي7 فقال له :

يا مولاي لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة ، فأين تكون فيهما؟

فقال له :أكون بالنعمانية ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن أهل الحلة ما يتأدّبون في مقامي ، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلم عليّ وعلى الأئمة وصلّى عليّ وعليهم اثني عشر (٢) مرة ثم صلى ركعتين بسورتين ، وناجى الله بهما المناجاة إلاّ اعطاه تعالى ما يسأله احدها المغفرة.

فقلت : يا مولاي علمني ذلك.

فقال : قل« اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، وان كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به ، وأنت حليم ذو اناة تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك » وكررها عليّ ثلاثاً حتى فهمتها(٣) .(٤)

__________________

١ ـ النعمانية : بليدة بناها النعمان بن المنذر وتقع بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة معدودة من اعمال الزاب الاعلى.

٢ ـ هكذا ورد في المطبوع والاصح اثنتي عشرة.

٣ ـ قال المؤلف; : يعني حفظتها.

٤ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري; ج ٢ / ص ١٣٨.

٧٧

بحث حول الحكاية :

راوي الحكاية : زين الدين علي بن أبي محمد الحسن بن محمد الخازن الحائري ، تلميذ الشهيد الاول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) وقد أجازه الشهيد الاول سنة ٧٨٤ هـ وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد الحلي ويروي عنه ، وأجازه في سنة ٧٩١ هـ ويعبر عنه بالشيخ علي الخازن الحائري ، وهو من علماء المائة الثامنة ، قال عنه الشهيد الاول; في إجازته له :

المولى الشيخ العالم التقي الورع المحصل العالم بأعباء العلوم الفائق أولي الفضائل والفهوم زين الدين أبو علي(١)

صاحب الحكاية : ابن أبي الجواد النعماني ، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، سوى ما ترجمه ناقل الحكاية الافندي; في كتابه رياض العلماء الذي فقد معظم مجلداته ، ويظهر من راوي الحكاية الشيخ علي الخازن الذي هو من تلاميذ الشهيد الاول; أنَّ ابن ابي الجواد من طبقة الشهيد الاول ، أي من تلامذة العلامة الحلي; .

أقول : ولا يبعد اتحاده بالشيخ الفاضل العالم المتكلم عبد الواحد بن الصفي النعماني ، صاحب كتاب ( نهج السداد في شرح رسالة واجب الاعتقاد ) الذي نسبه اليه الكفعمي; في حواشي مصباحه ونؤيد ما قلناه آنفاً قول المتبحر الخيبر الافندي; في كتاب رياض العلماء ج ٣ ص ٢٧٩ قال : » وأظن أنه من تلامذة الشهيد أو تلامذة تلامذته « فلاحظ.

__________________

١ ـ انظر : رسائل الشهيد الاول ص ٣٠٤ وطبقات اعلام الشيعة للطهراني; .

٧٨

أقول : ومن خلال هذه الحكاية نستدل على شهرة المقام في ذلك القرن إذ الرجل من النعمانية ويسأله عن مقامه7 في الحلة ويستدل أيضاً على استحباب زيارة المقام الشريف في الحلة في ليلة الجمعة ويومها لوجود الإمام به ، وربما ينفي الزائر للمقام هذا الكلام ، فنقول له : إن الأمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس بغائب ولكن هو غائب عمّن هو غائب عن الله.

وعلى أهل الحلة وغيرهم أن يتأدّبوا بمقامه جلّ التأدب ( فلا لاختلاط الرجال بالنساء في المصلى ، ولا لتبرج النساء ، ولا ) مما يصل الى سوء الادب بمحضر نائب الملك العلام ، فان أهل الحلة أشاد بهم أمير المؤمنين7 وأيّ إشادة ، فليكونوا دئاماً مصداق حديث مولاهم ومولاي علي بن أبي طالب7 .

فقد ذكر الشيخ عباس القمي في كتابه وقائع ايام ص (٣٠٢) :

روى أصبغ بن نباتة قال : صحبت مولاي أمير المؤمنين7 عند وروده صفين ، وقد وقف على تل ثم أومأالى أجمة ما بين بابل والتل قال :مدينة وأي مدينة.

فقلت له : يامولاي أراك تذكر مدينة أكان هناك مدينة وانمحت آثارُها؟ فقال7 : لا ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة ( السيفية ) يمدتها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرّ قسمه. (١)

* * *

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ، ٦ / ١٢٢ رواية ٥٥.

٧٩

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) (١) صدق الله العلي العظيم.

وفي الدر المنثور جلال الدين السيوطي قال : لما قدم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ، فأصابوا من لين العيش ما أصابوا بعد ما كان بهم من الجهد ، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا فنزلت :( ألم يأن للذين آمنوا ) وفي رواية أخرى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله سبحانه استبطأ قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن فأنزل الله( ألم يأن للذين آمنوا ) .

وإذا كان هؤلاء الصحابة وهم خيرة الناس على ما يقوله أهل السنة والجماعة ، لم تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق طيلة سبعة عشر عاما حتى استبطأهم الله وعاتبهم وحذرهم من قسوة القلوب التي تجرهم إلى الفسوق ، فلا لوم على المتأخرين من سراة قريش الذين أسلموا في السنة الثامنة للهجرة بعد فتح مكة.

فهذه بعض الامثلة التي استعرضتها من كتاب الله العزيز كافية للدلالة على أن الصحابة ليسوا كلهم عدولا كما يقوله أهل السنة والجماعة.

وإذا فتشنا في أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسنجد أضعاف الاضعاف من الامثلة الاخرى ولكن توخيا للاختصار أسوق بعض الامثلة وعلى الباحث أن يتوسع إذا أراد ذلك.

__________________

( ١ ) سورة الحديد : آية ١٦.

١٠١

٢ ـ رأي الرسول في الصحابة

* ١ ـ حديث الحوض

قال رسول الله (ص) :

« بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال ، هلم ، فقلت إلى أين؟ فقال : إلى النار والله ، قلت ما شأنهم؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم »(١) .

وقال ( ص ) :

« إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقول : أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي »(٢) .

فالمتمعن في هذه الاحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم ، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا وغيروا بل ارتدوا على أدبارهم بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا القليل الذي عبر عنه بهمل النعم ، ولا يمكن بأي حال من الاحوال حمل هذه الاحاديث على القسم الثالث وهم المنافقون ، لان النص يقول : فأقول أصحابي.

__________________

( ١ ، ٢ ) صحيح البخاري ج ٤ ص ٩٤ إلى ٩٩ وص ١٥٦ وج ٣ ص ٣٢ ؛ صحيح مسلم ج ٧ ص ٦٦ حديث الحوض.

١٠٢

كما أن هذه الاحاديث هي مصداق وتفسير لما سجلناه سابقا من الآيات الكريمة التي تحدثت عن انقلابهم وارتدادهم وتوعدهم بالعذاب الاليم.

* ٢ ـ حديث التنافس على الدنيا

قال ( ص ) :

« اني فرط لكم وأنا شيهد عليكم واني والله لأنظر إلى حوضي الآن واني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ( أو مفاتيح الأرض ) واني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها» (١) .

صدق رسول الله ( ص ) ، فقد تنافسوا على الدنيا حتى سلت سيوفهم وتحاربوا وكفر بعضهم بعضا ، وقد كان بعض هؤلاء الصحابة المشهورين يكنز الذهب والفضة ، ويحدثنا المؤرخون كالمسعودي في مروج الذهب والطبري وغيرهم أن ثروة الزبير وحده بلغت خمسين ألف دينار والف فرس والف عبد وضياعا كثيرة في البصرة وفي الكوفة وفي مصر وغيرها(٢) .

كما بلغت غلة طلحة من العراق وحده كل يوم ألف دينار ، وقيل أكثر من دلك(٣) .

وكان لعبد الرحمن بن عوف مائة فرس ، وله ألف بعير وعشرة آلاف شاة ، و بلغ ربع ثمن ماله الذي قسم على زوجاته بعد وفاته أربعة وثمانين الفا(٤) .

وترك عثمان بن عفان يوم مات مائة وخمسين ألف دينار عدا المواشي والأرضي والضياع مما لا يحصى وترك زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس حتى مجلت أيدي الناس ، ما عدا الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار(٥) .

هذه بعض الأمثلة البسيطة وفي التاريخ شواهد كثيرة لا نريد الدخول في بحثها الآن ونكتفي بهذا القدر للدلالة على صدق الحديث وأنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم ربرحها.

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٠٠ ، ١٠١.

(٢) ، (٣) ، (٤) ، (٥) مروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٣٤١.

١٠٣

٣ ـ رأي الصحابة بعضهم في بعض

* ١ ـ شهادتهم على أنفسهم بتغيير سنة النبي

عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج يوم الفطر والاضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقول مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بحثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف ، قال أبوسعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل أن يصلي فقلت له غيرتم والله ؛ فقال : أبا سعيد قد ذهب ما تعلم.

فقلت ؛ ما أعلم والله خير مما لا أعلم ، فقال إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة(١) .

وقد بحثت كثيرا عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واكتشفت أن الامويين وأغلبهم من صحابة النبي وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان « كاتب الوحي » كما يسمونه كان يحمل الناس ويجبرهم على سب علي بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد ، كما ذكر ذلك المؤرخون ، وقد أخرج مسلم في صحيحه في باب « فضائل علي بن أبي طالب » مثل ذلك ؛ وأمر عماله ـ يعني معاوية ـ في

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ١٢٢ من كتاب العيدين. باب الخروج الى المصلى بغير منبر

١٠٤

كل الامصار بإتخاذ ذلك اللعن سنة يقولها الخطباء على المنابر ، ولما استاء من ذلك بعض الصحابة واستنكر هذا الفعل أمر معاوية بقتلهم وحرقهم وقد قتل من مشاهير الصحابة حجر بن عدي الكندي وأصحابه ودفن بعضهم أحياء لانهم امتنعوا عن لعن علي واستنكروه وقد أخرج أبوالاعلى المودودي في كتابه « الخلافة والملك » نقلا عن الحسن البصري قال : أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له :

(١) أخذه الامر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ذوو الفضيلة.

(٢) استخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير.

(٣) ادعاؤه زيادا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر.

(٤) قتله حجرا وأصحاب حجر فياويلا له من حجر وياويلا له من حجر وأصحاب حجر(١) .

وكان بعض المؤمنين من الصحابة يفرون من المسجد بعد الفراغ من الصلاة حتى لا يحضروا الخطبة التي تختم بلعن علي وأهل بيته ، ومن أجل ذلك غير بنو أمية سنة رسول الله وقدموا الخطبة على الصلاة حتى يحضرها الناس ويرغموا بذلك أنوفهم.

مرحى لهؤلاء الصحابة الذين لا يتورعون عن تغيير سنة الرسول وحتى أحكام الله للوصول إلى أغراضهم الدنيئة وأحقادهم الدفينة ومطامعهم الخسيسة ، ويلعنون رجلا أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا وأوجب الصلاة عليه كالصلاة على رسوله ، وأوجب الله ورسوله مودته وحبه حتى قال النبي : « حب علي إيمان وبغضه نفاق »(٢) .

ولكن هؤلاء الصحابة بدلوا وغيروا وقالوا سمعنا وعصينا وبدلا من أن يصلوا عليه ويحبوه ويطيعوه ، شتموه ولعنوه طيلة ستين عاما كما جاء في كتب التاريخ.

فإذا كان أصحاب موسى قد تآمروا على هارون وكادوا يقتلونه ، فإن بعض أصحاب محمد قتلوا هارونه وتتبعوا أولاده وشيعته تحت كل حجر ومدر ومحوا أسماءهم من الديوان

__________________

( ١ ) أبوالاعلى المودودي كتاب الخلافة والملك ص ١٠٦.

( ٢ ) صحيح مسلم ج ١ ص ٦١.

١٠٥

ومنعوا أن يتسمى أحد باسمه ، ولم يكتفوا بكل ذلك بل لعنوه وحملوا الصحابة المخلصين على ذلك قهرا وظلما.

وإني والله لاقف حائرا مبهوتا عندما أقرأ صحاحنا وما سجل فيها من حب الرسول لاخيه وابن عمه علي وتقديمه على كل الصحابة حتى قال فيه : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(١) . وقال له : أنت مني وأنا منك(٢) وقال : حب علي إيمان وبغضه نفاق(٣) ، وقال أنا مدينة العلم وعلي بابها(٤) وقال : علي ولي كل مؤمن بعدي(٥) . وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه(٦) ، ولو أردنا استقصاء الفضائل التي ذكرها النبي في علي والتي أخرجها علماؤنا معترفين بصحتها لاستوجب كتابا خاصا ، فكيف يا ترى يتجاهل الصحابة هذه النصوص ويسبون عليا وينصبون له العداء ويلعنونه فوق المنابر وكيف يقاتلونه ويقتلونه.

وإني أحاول عبثا أن أجد مبررا لهؤلاء فلا أجد غير حب الدنيا والتنافس فيها أو النفاق أو الارتداء والانقلاب على الاعقاب ، وأحاول أيضا إلصاق هذه المسؤولية بحثالة الصحابة وبعض المنافقين ، ولكن هؤلاء ـ للاسف الشديد ـ معدودون من أكابرهم وأفاضلهم ومشاهيرهم ، فأول من هدد بحرق بيته ـ بمن فيه ـ هو عمر بن الخطاب ، وأول من حاربه هو طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ، ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأمثالهم كثيرون.

وإن عجبي لكبير وسوف لن ينتهي ، كما يؤيدني في ذلك كل مفكر حر ، عاقل ، كيف يجمع علماء أهل السنة والجماعة على عدالة الصحابة كافة ويترضون عليهم بل ويصلون عليهم أجمعين ، لا يستثنون منهم واحدا حتى قال بعضهم : « إلعن يزيد ولا

__________________

( ١ ) صحيح البخاري ج ٢ ص ٣٠٥ ، مسلم ج ٢ ص ٣٦٠ ، مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٠٩.

( ٢ ) صحيح البخاري ج ٢ ص ٧٦ ، صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٠٠ ، سنن إبن ماجه ج ١ ص ٤٤.

( ٣ ) صحيح مسلم ج ١ ص ٦١ ، سنن النسائي ج ٦ ص ١١٧ صحيح الترمذي ج ٨ ص ٣٠٦.

( ٤ ) صحيح الترمذي ج ٥ ص ٢٠١ مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٦.

( ٥ ) مسند الامام أحمد ج ٥ ص ٢٥ مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٣٤ ، صحيح الترمذي ج ٥ ص ٢٩٦.

( ٦ ) صحيح مسلم ج ٢ ص ٣٦٢ مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٠٩ مسند أحمد ج ٤ ص ٢٨١.

١٠٦

تزيد » فأين يزيد من هذه المآسي التي لا يقرها دين ولا عقل ، وإنني أربأ بأهل السنة والجماعة إن كانوا حقا يتبعون سنة الرسول ، أن يحكموا بعدالة من حكم القرآن والسنة بفسقه وارتداده وكفره وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ، ومن سب الله أكبه على منخريه في النار »(١) .

هذا جزاء من سب عليا فما بالك بمن لعنه وحاربه وقاتله فأين علماؤنا من كل هذه الحقائق ، أم على قلوب أقفالها.

وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون.

* ٢ ـ الصحابة غيروا حتى في الصلاة

قال أنس بن مالك : ما عرفت شيئا مما كان على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل الصلاة ، قال أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها. وقال الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت(٢) .

وحتى لا يتوهم أحد أن التابعين هم الذين غيروا ما غيروا بعد تلك الفتن والحروب ، أود أن أذكر بأن أول من غير سنة الرسول في الصلاة هو خليفة المسلمين نفسه عثمان بن عفان وكذلك أم المومنين عائشة ، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلى بمنى ركعتين ، وأبو بكر بعده ، وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته ، ثم أن عثمان صلى بعد أربعا(٣) .

كما أخرج مسلم في صحيحه ، قال الزهري قلت لعروة مابال عائشة تتم الصلاة في السفر؟ قال إنها تأولت كما تأول عثمان(٤) .

وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل

__________________

( ١ ) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢١ خصائص النسائي ص ٢٤. مسند الامام أحمد ج ٦ ص ٣٣ المناقب للخوارزمي ص ٨١. الرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ٢١٩. تاريخ السيوطي ص ٧٣.

( ٢ ) صحيح البخاري ج ١ ص ٧٤.

( ٣ ) صحيح البخاري ج ٢ ص ١٥٤ ، صحيح مسلم ج ١ ص ٢٦٠.

( ٤ ) صحيح مسلم ج ٢ ص ١٤٣ كتاب صلاة المسافرين.

١٠٧

في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه ، كقوله : « متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما » ، ويقول لمن أجنب ولم يجد ماء : « لا تصل ». رغم قول الله تعالى في سورة المائدة :( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) .

أخرج البخاري في صحيحه في باب « إذا خاف الجنب على نفسه » قال : سمعت شقيق بن سلمة قال : كنت عند عبدالله وأبي موسى فقال له أبوموسى أرأيت ياأبا عبدالرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع فقال عبدالله لا يصلي حتى يجد الماء فقال أبوموسى فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي (ص) كان يكفيك ، قال : ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبوموسى فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبدالله ما يقول فقال إنا لو رخصنا لهم في هذا لاوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم فقلت لشقيق : فإنما كره عبدالله لهذا ، قال : نعم(١) .

* ٣ ـ الصحابة يشهدون على أنفسهم

روى أنس بن مالك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للانصار : إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض. قال أنس فلم نصبر(٢) .

وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده(٣) .

وإذا كان هذا الصحابي من السابقين الاولين الذين بايعوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الشجرة ، ورضي الله عنهم وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحا قريبا ، يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنهم أحدثوا بعد النبي وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر به ( ص ) وتنبا به من أن

__________________

( ١ ) صحيح البخاري ج ١ ص ٥٤.

( ٢ ) صحيح البخاري ج ٢ ص ١٣٥.

( ٣ ) صحيح البخاري ج ٣ ص ٣٢ باب غزوة الحديبية.

١٠٨

أن أصحابه سيحدثون بعده ويرتدون على أدبارهم فهل يمكن لعاقل بعد هذا أن يصدق بعدالة الصحابة كلهم أجمعين ( أكتعين أبصعين ) على ما يقول به أهل السنة والجماعة ، والذي يقول هذا القول فإنه يخالف العقل والنقل ولا يبقى للباحث أي مقاييس فكرية يعتمدها للوصول إلى الحقيقة.

* ٤ ـ شهادة الشيخين على نفسيهما

أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب قال : لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه : ياأمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت صحابتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون. قال : أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإنما ذاك من من الله تعالى من به علي ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله جل ذكره من به علي ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الارض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عزوجل قبل أن أراه(١) .

وقد سجل التاريخ له أيضا قوله : ليتني كنت كبش أهلي يسمنونني مابدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديدا ثم أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشرا(٢) ...

كما سجل التاريخ لابي بكر مثل هذا ، قال لما نظر أبوبكر إلى طائر على شجرة : طوبى لك ياطائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك ، لوددت أني شجرة على جانب الطريق مر علي جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر(٣) .

__________________

( ١ ) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٠١.

( ٢ ) منهاج السنة لابن تيمية ج ٣ ص ١٣١. حلية الاولياء لابي نعيم ج ١ ص ٥٢.

( ٣ ) تاريخ الطبري ص ٤١. الرياض النضرة ج ١ ص ١٣٤. كنز العمال ص ٣٦١. منهاج السنة لابن تيمية ، ج ٣ ص ١٢٠.

١٠٩

وقال مرة أخرى : « ليت أمي لم تلدني ، ليتني كنت تبنة في لبنة »(١) تلك بعض النصوص أوردتها على نحو المثال لا الحصر.

وهذا كتاب الله يبشر عباده المؤمنين بقوله :

( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ) (٢) .

ويقول أيضا :( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ) (٣) . صدق الله العلي العظيم.

فكيف يتمنى الشيخان أبوبكر وعمر أن لا يكونا من البشر الذي كرمه الله على سائر مخلوقاته.

وإذا كان المؤمن العادي الذي يستقيم في حياته تتنزل عليه الملائكة وتبشره بمقامه في الجنة فلا يخاف من عذاب الله ولا يحزن على ما خلف وراءه في الدنيا وله البشرى في الحياة الدنيا قبل أن يصل إلى الآخرة ، فما بال عظماء الصحابة الذين هم خير الخلق بعد رسول الله ـ كما تعلمنا ذلك ـ يتمنون أن يكونوا عذرة ، وبعرة ، وشعرة ، وتبنة ، ولو أن الملائكة بشرتهم بالجنة ما كانوا ليتمنوا أن لهم مثل طلاع الارض ذهبا ليفتدوا به من عذاب الله قبل لقاه.

قال تعالى :( ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الارض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) (٤) .

وقال أيضا :( ولو أن للذين ظلموا ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به من

__________________

( ١ ) تاريخ الطبري ص ٤١ الرياض النضرة ج ١ ص ١٣٤. كنز العمال ص ٣٦١. منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج ٣ ص ١٢٠.

( ٢ ) سورة يونس : آية ٦٢ و ٦٣ و ٦٤.

( ٣ ) سورة فصلت : آية ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢.

( ٤ ) سورة يونس : آية ٥٤.

١١٠

سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ، وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ) (١) .

وإنني أتمنى من كل قلبي أن لا تشمل هذه الآيات ، صحابة كبارا أمثال أبي بكر الصديق وعمر الفاروق ..

بيد أنني أتوقف كثيرا عند مثل هذه النصوص لاطل على مقاطع مثيرة من علاقتهم مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما شهدتها تلك العلاقة من تخلف عن إجراء أوامره وتلبية طلبه في اللحظات الاخيرة من عمره المبارك الشريف مما أغضبه ودفعه إلى أن يأمر الجميع بمغادرة المنزل وتركه ، كما أنني أستحضر أمامي شريط الحوادث التي جرت بعد وفاة الرسول وما جرى مع ابنته الزهراء الطاهرة من إيذاء وهضم وغمط وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني »(٢) .

وقالت فاطمة لابي بكر وعمر :

نشدتكما الله تعالى ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ، قالا : نعم سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونكما إليه »(٣) .

ودعنا من هذه الرواية التي تدمي القلوب ، فلعل ابن قتيبة وهو من علماء أهل السنة المبرزين في كثير من الفنون وله تآليف عديدة في التفسير والحديث واللغة والنحو والتاريخ ، لعله تشيع هو الآخر كما قال لي أحد المعاندين مرة عندما أطلعته على كتابه تاريخ الخلفاء ، وهذه هي الدعاية التي يلجأ إليها بعض علمائنا بعدما تعييهم الحيلة ، فالطبري عندنا تشيع والنسائي الذي ألف كتابا في خصائص الامام علي تشيع وابن قتيبة تشيع وحتى طه حسين من المعاصرين لما ألف كتابه الفتنة الكبرى وذكر حديث الغدير

__________________

( ١ ) سورة الزمر : آية ٤٧ ، ٤٨.

( ٢ ) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٠٦ باب مناقب قرابة رسول الله ( ص ).

( ٣ ) الامامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ٢٠. فدك في التاريخ ص ٩٢.

١١١

واعترف بكثير من الحقائق الاخرى فهو أيضا تشيع!!.

والحقيقة أن كل هؤلاء لم يتشيعوا وعندما يتكلمون عن الشيعة لا يذكرون عنهم إلا ما هو مشين ، وهم يدافعون عن عدالة الصحابة بكل ما أمكنهم ، ولكن الذي يذكر فضائل علي بن أبي طالب ويعترف بما فعله كبار الصحابة من أخطاء نتهمه بأنه تشيع ، ويكفي أن تقول أمام أحدهم عند ذكر النبي : «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » او « تقول علي ( ع ) » ، حتى يقال : إنك شيعي ، وعلى هذا الاساس قلت يوما لاحد علمائنا وأنا أحاوره : ما رأيك في البخاري؟ قال : هو من أئمة الحديث وكتابه أصح الكتب بعد كتاب الله عندنا وقد أجمع على ذلك علماؤنا. فقلت له : إنه شيعي ، فضحك مستهزئا وقال : حاشى الامام البخاري أن يكون شيعيا!! قلت : أو ليس أنك ذكرت بأن كل من يقول : « علي ( ع ) » فهو شيعي؟ قال : بلى ، فأطلعته ومن حضر معه على صحيح البخاري وفي عدة مواقع عندما يأتي باسم علي يقول :عليه‌السلام وفاطمةعليها‌السلام والحسين بن عليعليهما‌السلام (١) فبهت وما دري ما يقول.

وأعود إلى رواية ابن قتيبة التي ادعى فيها أن فاطمة غضبت على أبي بكر وعمر ، فإذا شككت فيها فإنه لا يمكنني أن أشك في صحيح البخاري الذي هو عندنا أصح الكتب بعد كتاب الله ، وقد ألزمنا أنفسنا بأنه صحيح وللشيعة أن يحتجوا به علينا ويلزموننا بما ألزمنا به أنفسنا وهذا هو الانصاف للقوم العاقلين. فها هو البخاري يخرج من باب مناقب قرابة رسول الله ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني. كما أخرج في باب غزوة خيبر ، عن عائشة أن فاطمةعليها‌السلام بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منه شيئا فوجدت(٢) فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت(٣) .

والنتيجة في النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار وذكرها ابن قتيبة بشيء من

__________________

( ١ ) صحيح البخاري ج ١ ص ١٢٧ ، ١٣٠ وج ٢ ص ١٢٦ ، ٢٠٥.

( ٢ ) وجدت : غضبت.

( ٣ ) صحيح البخاري ج ٣ ص ٣٩.

١١٢

التفصيل ، ألا وهي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها وأن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر.

وإذا كان البخاري قد قال : ماتت وهي واجدة على أبي بكر فلم تكلمه حتى توفيت فالمعنى واحد كما لا يخفى ، وإذا كانت فاطمة سيدة نساء العالمين كما صرح بذلك البخاري في كتاب الاستئذان باب من ناجى بين يدي الناس ، وإذا كانت فاطمة هي المرأة الوحيدة في هذه الامة ، التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا ، فلا يكون غضبها لغير الحق ولذلك يغضب الله ورسوله لغضبها ، ولهذا قال أبوبكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبوبكر باكيا حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لادعون الله عليك في كل صلاة أصليها ، فخرج أبوبكر يبكي ويقول : لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي(١) .

غير أن كثيرا من المؤرخين ومن علمائنا ، يعترفون بأن فاطمةعليها‌السلام خاصمت أبابكر في قضية النحلة والارث وسهم ذي القربى فردت دعواها حتى ماتت وهي غاضبة عليه ، إلا أنهم يمرون بهذه الاحداث مرور الكرام ولا يريدون التكلم فيها حفاظا على كرامة أبي بكر كما هي عادتهم في كل ما يمسه من قريب أو بعيد ؛ ومن أعجب ما قرأته في هذا الموضوع قول بعضهم بعد ما ذكر الحادثة بشيء من التفصيل قال : « حاشى لفاطمة من أن تدعي ما ليس لها بحق ، وحاشى لابي بكر من أن يمنعها حقها ». وبهذه السفسطة ظن هذا العالم أنه حل المشكلة وأقنع الباحثين وكلامه هذا كقول القائل : « حاشى للقرآن الكريم أن يقول غير الحق ، وحاشى لبني إسرائيل أن يعبدوا العجل ». لقد ابتلينا بعلماء يقولون ما لا يفقهون ويؤمنون بالشيء ونقيضه في نفس الوقت والحال يؤكد أن فاطمة ادعت وأبابكر رفض دعواها فإما أن تكون كاذبة و « العياذ بالله » حاشاها ، أو أن يكون أبوبكر ظالما لها وليس هناك حل ثالث للقضية كما يريدها بعض علمائنا.

وإذا امتنع بالادلة العقلية والنقلية أن تكون سيدة النساء كاذبة لما ثبت عن أبيها رسول الله قوله : فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ، ومن البديهي أن الذي يكذب لا يستحق

__________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء المعروف بالامامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج ١ ص ٢٠.

١١٣

مثل هذا النص من قبل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالحديث بذاته دال على عصمتها من الكذب وغيره من الفواحش ، كما أن آية التطهير دالة هي الاخرى على عصمتها وقد نزلت فيها وفي بعلها وابنيها بشهادة عائشة نفسها(١) ، فلم يبق إذن إلا أن يعترف العقلاء بأنها ظلمت فليس تكذيبها في دعواها إلا أمرا ميسورا لمن استباح حرقها إن لم يخرج المتخلفون في بيتها لبيعتهم(٢) .

ولكل هذا تراها ـ سلام الله عليها ـ لم تأذن لهما في الدخول عليها عندما استأذنها أبوبكر وعمر ، ولما أدخلهما علي أدارت بوجهها إلى الحائط وما رضيت أن تنظر إليهما(٣) .

وقد توفيت ودفنت في الليل سرا بوصية منها حتى لا يحضر جنازتها أحد منهم(٤) ، وبقى قبر بنت الرسول مجهولا حتى يوم الناس هذا وإنني أتسأل لماذا يسكت علماؤنا عن هذه الحقائق ولا يريدون البحث فيها ولا حتى ذكرها ، ويصورون لنا صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكأنهم ملائكة لا يخطئون ولا يذنبون. وإذا ما سألت أحدهم كيف يقتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان ذو النورين فسيجيبك بأن المصريين ـ وهم كفرة ـ جاؤوا وقتلوه وينهي الموضوع كله بجملتين.

ولكن عندما وجدت الفرصة للبحث وقراءة التاريخ وجدت أن قتلة عثمان بالدرجة الاولى هم الصحابة أنفسهم وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادى بقتله وإباحة دمه على رؤوس الاشهاد فكانت تقول « اقتلوا نعثلا فقد كفر »(٥) .

كذلك نجد طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقالة ، ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين فدفن في « حش كوكب » بدون غسل ولا كفن ، سبحان الله ، كيف يقال لنا إنه قتل مظلوما وأن الذين قتلوه ليسوا مسلمين ، وهذه

__________________

( ١ ) صحيح مسلم ج ٧ ص ١٢١ وص ١٣٠.

( ٢ ) و ( ٣ ) تاريخ الخلفاء ج ١ ص ٢٠.

( ٤ ) صحيح البخاري ج ٣ ص ٣٩.

( ٥ ) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٤٠٧ تاريخ ابن الاثير ج ٣ ص ٢٠٦ لسان العرب ج ١٤ ص ١٩٣ تاج العروس ج ٨ ص ١٤١ العقد الفريد ج ٤ ص ٢٩٠.

١١٤

القضية هي الاخرى كقضية فاطمة وأبي بكر ، فإما أن يكون عثمان مظلوما وعند ذلك نحكم على الصحابة الذين قتلوه أو شاركوا في قتله بأنهم قتلة مجرمون لانهم قتلوا خليفة المسلمين ظلما وعدوانا وتتبعوا جنازته يحصبونها بالحجارة وأهانوه حيا وميتا أو أن هؤلاء الصحابة استباحوا قتل عثمان لما اقترفه من أفعال تتنافى مع الاسلام كما جاء ذلك في كتب التاريخ ، وليس هناك ا حتمال وسط إلا إذا كذبنا التاريخ وأخذنا بالتمويه « بأن المصريين وهم كفرة هم الذين قتلوه ». وفي كلا الاحتمالين نفي قاطع لمقولة عدالة الصحابة أجمعين دون استثناء فأما أن يكون عثمان غير عادل أو يكون قتلته غير عدول وكلهم من الصحابة وبذلك تبطل دعوانا. وتبقى دعوى شيعة أهل البيت القائلين بعدالة البعض منهم دون الآخر.

ونتسأل عن حرب الجمل التي أشعلت نارها أم المؤمنين عائشة إذ كانت هي التي قادتها بنفسها ، فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى :( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى ) (١) .

ونسأل بأي حق استباحت أم المؤمنين قتال خليفة المسلمين علي بن أبي طالب. وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة.

وكالعادة وبكل بساطة يجيبنا علماؤنا بأنها لا تحب الامام عليا لانه أشار على رسول الله بتطليقها في حادثة الافك ، ويريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة « إن صحت » وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربها وتهتك سترا ضربه عليها رسول الله ، وتركب جملا نهاها رسول الله أن تركبه وحذرها أن تنبحها كلاب الحوأب(٢) ، وتقطع المسافات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة ، وتستبيح قتل الابرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه ، وتتسبب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون(٣) كل ذلك لانها لا تحب الامام عليا الذي أشار بتطليقها ومع ذلك لم يطلقها النبي ، فلماذا كل هذه الكراهية وقد سجل المؤرخون لها مواقف عدائية للامام علي لا يمكن تفسيرها ، فقد كانت راجعة من مكة عندما أعلموها في

__________________

( ١ ) سورة الاحزاب : آية ٣٣.

( ٢ ) الامامة والسياسة.

( ٣ ) الطبري وابن الاثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرخوا حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة.

١١٥

الطريق بأن عثمانا قتل ففرحت فرحا شديدا ولكنها عندما علمت بأن الناس بايعوا عليا غضبت وقالت : وددت أن السماء انطبقت على الارض قبل أن يليها ابن أبي طالب وقالت ردوني وبدأت تشعل نار الفتنة للثورة على علي الذي لا تريد ذكر اسمه كما سجله المؤرخون عليها ، أفلم تسمع أم المؤمنين قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بأن حب على إيمان وبغضه نفاق »(١) حتى قال بعض الصحابة : « كنا لا نعرف المنافقين إلا ببغضهم لعلي ».

أو لم تسمع أم المؤمنين قول النبي : « من كنت مولاه فعلي مولاه » إنها لا شك سمعت كل ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه بل إنها لما سمعت بموته سجدت شكرا لله(٢) .

ودعني من كل هذا فأنا لا أريد البحث عن تاريخ أم المؤمنين عائشة ولكن أريد الاستدلال على مخالفة كثير من الصحابة لمبادئ الاسلام وتخلفهم عن أوامر رسول الله (ص) ، ويكفيني من فتنة أم المؤمنين دليل واحد أجمع عليه المؤرخون ؛ قالوا لما جازت عائشة ماء الحوأب ونبحتها كلابها تذكرت تحذير زوجها رسول الله ونهيه إياها أن تكون هي صاحبة الجمل ، فبكت وقالت ردوني ، ردوني.

ولكن طلحة والزبير جاءاها بخمسين رجلا جعلا لهم جعلا ، فأقسموا بالله أن هذا ليس بماء الحوأب فواصلت مسيرها حتى البصرة ، ويذكر المؤرخون أنها أول شهادة زور في الاسلام(٣) .

دلونا أيها المسلمون يا أصحاب العقول النيرة على حل لهذا الاشكال ، أهؤلاء هم الصحابة الاجلاء الذين نحكم نحن بعدالتهم ونجعلهم أفضل البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فيشهدون شهادة الزور التي عدها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكبائر الموبقة التي تقود إلى النار.

ونفسه السؤال يعود دائما ويتكرر أيهم على الحق وأيهم على الباطل ، فإما أن يكون علي ومن معه ظالمين وعلى غير الحق ، وإما أن تكون عائشة ومن معها وطلحة والزبير ومن

__________________

( ١ ) صحيح مسلم ج ١ ص ٤٨.

( ٢ ) الطبري وابن الاثير والفتنة الكبرى وكل المؤرخين الذي أرخوا حوادث سنة أربعين للهجرة.

( ٣ ) الطبري وابن الاثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرخوا لسنة ست وثلاثين للهجرة.

١١٦

معهم ظالمين وعلى غير الحق وليس هناك احتمال ثالث ، والباحث المنصف لا أراه إلا مائلا لاحقية علي الذي يدور الحق معه حيث دار ، نابذا فتنة « أم المؤمنين عائشة » وأتباعها الذين أوقدوا نارها وما أطفأوها حتى أكلت الاخضر واليابس وبقيت آثارها إلى اليوم. ولمزيد البحث وليطمئن قلبي أقول أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر ، قال : لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي(١) .

كما أخرج البخاري أيضا في كتاب الشروط باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ، قال : قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان(٢) .

كما أخرج البخاري في صحيحه عنها أشياء عجيبة وغريبة في سوء أدبها مع النبي حتى ضربها أبوها فأسال دمها وفي تظاهرها على النبي حتى هددها الله بالطلاق وأن يبدله ربه خيرا منها وهذه قصص أخرى يطول شرحها.

وبعد كل هذا أتسأل كيف استحقت عائشة كل هذا التقدير والاحترام من أهل السنة والجماعة ، ألانها زوج النبي ، فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه(٣) .

أم لانها ابنة أبي بكر! أم لانها هي التي لعبت الدور الكبير في إنكار وصية النبي لعلي حتى قالت عندما ذكروا عندها أن النبي أوصى لعلي : قالت من قاله لقد رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانحنى فمات فما شعرت فكيف أوصى

__________________

( ١ ) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٦١.

( ٢ ) صحيح البخاري ص ١٢٨.

( ٣ ) صحيح الترمذي ، الاستيعاب ترجمة صفية ، الاصابة ترجمة صفية أم المؤمنين.

١١٧

إلى علي(١) . أم لانها حاربته حربا لا هوادة فيها وأولاده من بعده حتى اعترضت جنازة الحسن سيد شباب أهل الجنة ومنعت أن يدفن بجانب جده رسول الله قائلة : لا تدخلوا بيتي من لا أحب ونسيت أو تجاهلت قول الرسول فيه وفي أخيه : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » ، أو قوله : « أحب الله من أحبهما وأبغض الله من أبغضهما » ، أو قوله : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » ؛ وغير ذلك كثير لست في معرض الكلام عنه كيف لا وهما ريحانتاه من هذه الامة.

ولا غرابة فقد سمعت في حق علي أضعاف ذلك ولكنها ورغم تحذير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها ، أبت إلا محاربته وتأليب الناس عليه وإنكار فضله وفضائله. ومن أجل ذلك أحبها الامويون وأنزلوها تلك المنزلة العظيمة التي تقصر عنها المنازل ورووا في فضلها ما ملأ المطامير وسارت به الركبان حتى جعلوها المرجع الاكبر للامة الاسلامية لان عندها وحدها نصف الدين.

ولعل نصف الدين الثاني خصوا به أبا هريرة الذي روى لهم ما يشتهون فقربوه وولوه إمارة المدينة وبنوا له قصر العقيق بعد ماكان معدما ، ولقبوه براوية الاسلام. وبذلك سهل على بني أمية أن يكون لهم دين كامل جديد ليس فيه من كتاب الله وسنة رسوله إلا ما تهواه أنفسهم ويتقوى به ملكهم وسلطانهم وخليق بهذا الدين أن يكون لعبا وهزوا مليئا بالمتناقضات والخرافات ، وبذلك طمست الحقائق وحلت محلها الظلمات ، وقد حملوا الناس عليها وأغروهم بها حتى أصبح دين الله عندهم مهزلة من المهازل لا يقيمون له وزنا ولا يخافون من الله كخوفهم من معاوية. وعندما نسأل بعض علمائنا عن حرب معاوية لعلي وقد بايعه المهاجرون والانصار ، تلك الحرب الطاحنة التي سببت انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة وانصدع الاسلام ولم يلتئم حتى اليوم ، فإنهم يجيبون كالعادة وبكل سهولة قائلين : إن عليا ومعاوية صحابيان جليلان اجتهدا فعلي اجتهد وأصاب فله أجران أما معاوية فاجتهد وأخطأ وله أجر واحد. وليس من حقنا نحن أن نحكم لهم أو عليهم وقد قال الله تعالى :( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) .

__________________

(١ ) صحيح البخاري ج ٣ ص ٦٨ باب مرض النبي ووفاته.

١١٨

هكذا ـ وللاسف ـ تكون إجاباتنا وهي كما ترى سفسطة لا يقول بها عقل ولا دين ولا يقر بها شرع ، اللهم إني أبرأ إليك من خطل الآراء وزلل الاهواء وأعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون.

كيف يحكم العقل السليم باجتهاد معاوية ويعطيه أجراً على حربه إمام المسلمين وقتله المؤمنين الابرياء وارتكابه الجرائم والآثام التي لا يحصي عددها إلا الله وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة وهو إطعامهم عسلا مسموما وكان يقول : « إن لله جنودا من عسل ».

كيف يحكم هؤلاء باجتهاده ويعطونه أجرا وقد كان إمام الفئة الباغية؟ ففي الحديث المشهور الذي أخرجه كل المحدثين من السنة والشيعة وسواهم : « ويح عمار تقتله الفئة الباغية » ولم يختلف اثنان من المسلمين على أن الذي قتل عمارا وأصحابه هو معاوية! كيف يحكمون باجتهاده وقد قتل حجر بن عدي وأصحابه صبرا ودفنهم في مرج عذراء ببادية الشام لانهم امتنعوا عن سب علي بن أبي طالب.

كيف يريدونه صحابيا عادلا وقد دس السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة وقتله.

كيف ينزهونه وقد أخذ البيعة من الامة بالقوة والقهر لنفسه أولا ثم لابنه الفاسق يزيد من بعده وبدل نظام الشورى بالملكية القيصرية(١) .

كيف يحكمون باجتهاده ويعطونه أجرا وقد حمل الناس على لعن علي وأهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر ، وقتل الصحابة الذين امتنعوا عن ذلك وأصبحت سنة متبعة يهرم عليها الكبير ويشيب عليها الصغير فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والسؤال يعود دائما ويتكرر ويلح : ترى أي الفريقين على الحق وأيهما على الباطل؟ فإما أن يكون علي وشيعته ظالمين وعلى غير الحق. وإما أن يكون معاوية وأتباعه ظالمين وعلى غير الحق ، وقد أوضح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل شيء. وفي كلا الحالين فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مستحيل ، لا ينسجم مع المنطق السليم.

__________________

( ١ ) راجع : الخلافة والملك للمودودي. ويوم الاسلام لاحمد الامين.

١١٩

ولكل هذه المواضيع أمثلة كثيرة لا يحصي عددها إلا الله ولو أردت الدخول في التفصيل وبحث هذه المواضيع من كل جوانبها لاحتجت إلى مجلدات كثيرة ولكنني رمت الاختصار وأخذت في هذا البحث بعض الامثلة وهي بحمد الله كافية لابطال مزاعم قومي الذين جمدوا فكري ردحا من الزمن وحجروا علي أن أفقه الحديث أو أحلل الاحداث التاريخية بميزان العقل والمقاييس الشرعية التي علمنا إياها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

ولذلك سوف أتمرد على نفسي وأنفض عني غبار التعصب الذي غلفوني به وأتحرر من القيود والاغلال التي كبلوني بها أكثر من عشرين عاما ولسان حالي يقول لهم : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين. ياليت قومي اكتشفوا العالم الذي يجهلونه ويعادونه دون أن يعرفوه.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189