المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط6%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85537 / تحميل: 7858
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

المحسن السّبط مولود أم سقط







المؤلف: السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

١

بسم الله الرحمن الرحيم

٢

٣

٤

الإهداء

إلى أوّل مظلوم وأوّل من غُصب حقه

سيدي ومولاي أمير المؤمنينعليه‌السلام

إلى المطهرة النقيّة بضعة النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الممتحنة فوجدها الله صابرة محتسبة ، فهو يرضى لرضاها ويغضب لغضبهاعليها‌السلام .

أهدي هذه السطور عن أوّل شهداء الأسباط ، السيد السبط المحسن السقطعليه‌السلام .

يا سادتي تقبلوا بلطفكم وأجيزوا بعطفكم ، فاشفعوا لي عند الله ، فإنّ لكم جاهاً عظيماً ، ومقاماً كريماً ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبدكم وولدكم المقرّ بالرق لكم

محمّد مهدي السيد حسن الموسوي

الخرسان ( عفي عنه )

٥
٦

( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَلَوْ أنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ العَذَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) (١)

المحسن السبط مولودٌ أم سقط ؟

إنّ بني فاطمةٍ ثلاثةٌ

وكلُّ فردٍ سيّدٌ سبط

فالحسنان أنسلا وأعقبا

سوى المحسّن إنّه السقط

فإن عرى الريبُ بإسقاطه

معانداً من شأنه الخبط

فذي سطورٌ أظهرت حقّه

من بعد ما أغفلها الغمط

فمن تعامى الحقّ في أمره

معاندٌ بالنُصب يشتط

* * *

__________________

(١) الزمر : ٤٦ ـ ٤٨.

٧
٨

مقدمة المؤلفّ:

٩
١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، الأوصياء الراضين المرضيين بأفضل صلواتك ، وبارك عليهم بأفضل بركاتك إنّك حميد مجيد.

اللهم والعن من حادّك وحادّ رسولك ، وناصبه العداوة والبغضاء في أهل بيتهعليهم‌السلام .

وبعد ، فهذه سطور ما كنت أحسب أنّي أكتبها لوضوح الرؤية عندي فيما تضمّنته ، إلاّ أنّي وجدت وضوح الرؤية عندي لا يعني ولا يُغني عند الآخرين شيئاً ، فالناس يتفاوتون إدراكاً ومشارباً ، كما يختلفون عقائداً ومذاهباً.

وكثير منهم يرى تقديس الموروث بحجة أو بغير حجة ، فهو يعيش في كيانه على تراث موبوء ، أخذه الخلف عن السلف ، فضاعت عنده معالم الحقائق لتراكم المخلّفات ، وبقي النشّؤ الجديد يدور في حلقة مُفْرَغة ، لم يمسك بطرف يهديه الطريق ، ولم يجد الملجأ الوثيق ، وكلّ ما حاول ـ إذا ما حاول ـ فلا يجد سوى الاجترار والتكرار ، ومقولة ( عدالة الصحابة ) التي أصبحت هي الذكر الخفي ، ويجب إسدال الستار على ما حدث بينهم ، فما من دخان إلاّ من وراء نار. فالسكوت عمّا حدث أولى ؟!

١١

وهكذا ضاعت معالم الاهتداء بين تركة الموروث من تاريخنا ، والذي تلقيناه محاطاً بسياج من الحصانة وهالة من العنعنة ، تنفي ـ في نظر القاصر طبعاً ـ عنه معرّة النقد الخارجي وهو السند ، كما تضفي عليه نسجاً كثيفاً يغطّي تبعة النقد الداخلي وهو المتن.

وبين هذا وذاك كادت تضيع معالم الدلالة ، وبالتالي نبقى مع الحدَث نتحدّث عنه وكأنّه من أحاديث السمر.

لذلك ـ ولا أكون مغالياً ـ فقد وجدت صعوبة بالغة في تفهيم القارئ صورة الحدَث وملابساته ، وهو يعيش عنده كموروث في الذاكرة ، وشجت عليه أصوله ونمت عليه فروعه ، أما أنا فأعيش معه من خلال عالم التصور عندي لطبيعة الحدَث وملابساته ، ومن خلال المقروء في نصوص التاريخ المقبول عند العامة والخاصة ، لذلك كان لزاماً عليّ وأنا أريد التحدث عن ( المحسن السبط ) أن أستعرض ما يمتّ إلى الحديث عنه بصلة ، وأعني ما ينفع في الجواب على السؤال المذكور في عنوان الرسالة ، هل هو مولود أم سقط ؟ وذلك لما أثير حوله في هذه الأيّام من نقض وإبرام.

ولقد كنت أحسب أنّي بالغ ما أريد في بعض صفحات قد لا تتجاوز العشرة ، ولكن نتيجة الترابط بين الأحداث التي كانت يوم حدث السقط للسبط بدءاً وختاماً ، حرباً وسلاماً ، عنفاً وانتقاماً ، فقد تلاحقت في الحضور السطور والكلمات ، وتتابعت في الظهور صفحات وصفحات ، لذلك جاوزت القدر المظنون ، فبلغت ما يراه القارئ.

ولا تزال هناك جوانب أخرى لم تبحث ، وإن كان لها الدور الفاعل في تهيئة أجواء الحدَث ، والحديث عن ملابسات ذلك الحدَث الخطير ، لابد أن يدخلنا في متاهات من ركام التاريخ ، تترتب على الخوض فيها نتائج ذات مرارة بالغة ، ولكنّها شفاء لما في الصدور ، فكثير من الدواء مرّ الطعم ولكن فيه الشفاء ، وفي

١٢

اعتقادي أنّ ما قدمته في هذه الأوراق يسدّ حاجة في نفس يعقوب ، ويروي من ظمأ التساؤل كما يسدّ من لغوب السغوب ، وبالتالي يقلّل من معاناة الذبذبة الفكرية التي يعيشها الشباب ، من جراء انغلاقهم على جوانب ملؤها تقديس الموروث ، وقد صكّت أسماعهم تلاوة :( بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) (١) .

ومن جهة أخرى لما تفتح الوعي عندهم فانفتحوا على نوافذ في التاريخ ، فأخذوا يحدقون من خلالها لينظروا إلى الأحداث على حقيقتها ، فساورتهم الشكوك في أمانة التسجيل ، فهم يرون الصورة ليست واقعية ، بل ومشوّهة ومبتورة عفّى على وجهها غبار السنين ، لذلك فهم يعانون الكثير من الصعوبات ، من جرّاء التذبذب بين ذلك الانغلاق الموروث وهذا الانفتاح المكتسب ، وهم في دوامة البلبلة ، وهم وهم وهم مع ذلك لا يزالون ينشدون السلامة الفكرية بنشدانهم الحقيقة الواقعية ، تخلصاً من ويلات العويل الذي أصمّ أسماعهم من محيطهم ، بل وحتى من داخل أنفسهم فهم يتلون :( تِلْكَ اُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْألُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٢) ؛ وهم يقرأون قوله تعالى :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَىٰ الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لا يَهِدِي إِلا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٣) .

فهذه الأوراق فيها إقامة الشاهد تلو الشاهد على أنّ ( المحسن السبط ) ليس مولوداً بل هو سقط ، وبالأصح فقد أسقط.

وعلى القارئ الذي يضيق ذرعاً من مواجهة الحقيقة المُرّة ، أن لا يزعج نفسه كثيراً ، بل ليلوم من أوقع الحدث بكل ما فيه من تمرّد وعنفوان حتى كان ما كان.

__________________

(١) لقمان : ٢١.

(٢) البقرة : ١٣٤.

(٣) يونس : ٣٥.

١٣

وأخيراً أسأل الله تعالى أن ينفع الضال والمضلَّل بما سيقرأ :( وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً ) (١) .

ماذا في هذه الرسالة ؟

إنّ فيها ثلاثة أبواب وخاتمة :

الباب الأول : نبحث فيه ما دلّ على صحة السلب عن حديث إكتناء الإمام بأبي حرب. وذلك في ثلاثة فصول :

الفصل الأول : في مصادر الحديث.

الفصل الثاني : في رجال الإسناد.

الفصل الثالث : في متن الحديث ، ونبحث فيه النقاط التالية :

١ ـ التعريف بحرب ، وهل هو اسم علم ؟ أم اسم معنى ؟ ومن المراد منهما ؟

٢ ـ هل كان اسم حرب من الأسماء المحبوبة أم الأسماء المبغوضة ؟

٣ ـ ماذا كان يعني إصرار الإمام ـ إن صدقت الأحلام ـ في تسمية أبنائه بحرب ، اسم المعنى ؟

٤ ـ ما هي الدوافع المغرية في اسم حرب ، اسم العلم ؟

٥ ـ في كُنى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وما هي أحبّ كُناه إليه ؟

٦ ـ ماذا وراء الأكمة من تعتيم لتضليل الأمة ؟

الباب الثاني : ونبحث فيه عن ( المحسن السبط ) هل هو مولود أم سقط ؟

وذلك من خلال ثلاثة فصول نستعرض فيها ما قاله المؤرخون والنسّابون من أهل السنة خاصة.

الفصل الأول : فيمن ذكر ( المحسن السبط ) ولم يذكر شيئاً عن ولادته ولا عن موته.

الفصل الثاني : فيمن ذكر ( المحسن السبط ) وأنّه مات صغيراً.

__________________

(١) مريم : ٧٦.

١٤

الفصل الثالث : فيمن ذكر ( المحسن السبط ) وأنّه سقط.

وفي خلال هذا الفصل قد نمرُّ ببعض المصادر الشيعية لأنّها تسلّط الضوء على ما أُبهم ذكره واستُبْهِم ـ عن عمد ـ أمره.

الباب الثالث : ونبحث فيه عن مسيرة الأحداث التي رافقت حدَث السقط للمحسن السبط ، وذلك من خلال ثلاثة فصول :

الفصل الأول : وقفة مع الأحداث ، ونظرة في المصادر.

الفصل الثاني : مسيرة مع المؤرّخين جرحاً وتعديلاً.

الفصل الثالث : نصوص ثابتة في الإدانة.

الخاتمة : في نتائج البحث وأنّ المحسن السبط هو أول ضحايا العُنف في أحداث السقيفة ، وقد أجهز عليه وهو حمل وأنّه المحسن السقط.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

١٥ ذي الحجة الحرام

١٤١٦ ه‍

١٥

تمهيد

إنّ حديث إكتناء الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بأبي حرب ، حديث حسبه بعضهم من المفاخر ، فشاع ذكره في المصادر ، ورواه الحاضر عن الغابر ، من معاندٍ وناصرٍ.

وبين هذا وذاك ضاعت آثار الزيف ، وبين أولا وهؤلاء خفيت معالم الحقيقة ، وسط قرع الطبول ، وتزمير الزامر ، حتى صكت الأذان ، وكثر حوار الطرشان.

أتدرون أيّها القرّاء الكرام ماذا يعني ذلك الحديث ؟

إنّه يعكس رغبة الإمام أميرالمؤمنين أن يسمّي أحد أولاده ( حرباً ) !! إنّه يصوّر لنا تهافته ليكنّى بأبي حرب !!

إنّه كرّر تجربة فاشلة ثلاث مرّات فلم ينجح !!

وإن صدقت أحلام الوضّاعين فسيفصح ذلك عن مدى تعلّقه بتلك الكنية ـ البغيضة ـ وهيامه بذلك الاسم ، لكن لم تتحقق له رغبته الملحّة ، حيث كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يغيّر كلّ مرّة حاول الإمام فيها تنفيذ رغبته فيما زعم الرواة.

وتبقى بعدُ في الحديث سمات ذات دلالات ، تبعث على التساؤل وتُثير الشكوك ، فهذا هو الباعث لي على النظر في الحديث سنداً ومتناً ودلالة ، لعلّي

١٦

أستطيع أن أنفع القارئ بشيء عن ذلك ، يُلقي الضوء على مخبئات الدسّ الذي جاء متراكماً في كثير من المصادر حول هذا الحديث المزعوم.

وبالتالي ف‍( هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) .

وقبل الخوض في الحديث سنداً ومتناً ودلالةً ، أودّ تنبيه القارئ على أمرٍ هو من الخطورة بمكان ، وذلك هو تسرّب الحديث على علاّته وسماته إلى المصادر الشيعية نقلاً عن المصادر السنيّة ، وفي غفلة عمّا فيه من هنات ، وإلى القارئ أسماء تلك المصادر :

المصادر الشيعية التي تسرّب إليها الحديث المزعوم :

١ ـ صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام ، والحديث عنها مذكور في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام (٢) ، وفي مستدرك الوسائل(٣) إسناده عن عليّ بن الحسين قال : حدثتني أسماء بنت عميس قالت : قبّلت جدتك فاطمةعليها‌السلام بالحسن والحسينعليهما‌السلام ، فلما ولد الحسنعليه‌السلام جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وقال : يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقة صفراء ، فلففته في خرقة بيضاء فدفعته إليه ، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى.

ثم قال لعليعليه‌السلام : بأيّ شيء سمّيت ابني هذا ؟ ، قال عليّعليه‌السلام : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ـ وقد كنت أحب أسميه حرباً ـ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنا لا أسبق باسمه ربي( عزّ وجلّ ) ، فهبط جبرئيل وقال : العليّ الأعلى يقرؤك السلام ويقول : عليّ منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبي بعدك ، فسمّ ابنك هذا بابن هارون ،

__________________

(١) آل عمران : ١٣٨.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٥.

(٣) مستدرك الوسائل ٢ : ٦٢١.

١٧

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما إسم ابن هارون يا جبرئيل ؟ ، قال : شبّر ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لساني عربي ، قال : سمّه الحسن.

إلى أن قالت : فلمّا كان بعد حول من مولد الحسن ولد الحسينعليه‌السلام ، فجاءنيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ووضعه في حجره وبكى ، قالت أسماء : ـ وسألته عن سبب بكائه فأخبرها بمقتله إلى أن قالت : ـ ثم قال لعليعليه‌السلام : بأيّ شيء سمّيت ابني هذا ؟ فقال : ما كنت لاسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه حرباً ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما كنت لأسبق باسمه ربي( عزّ وجلّ ) ، فأتاه جبرئيل فقال : الجبّار يقرؤك السلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون ، قال : وما اسم ابن هارون ؟ قال : شبير ، قال : لساني عربي ، قال : سمّه الحسين ، فسمّاه الحسين.

أقول : وأوّل ما في هذا الخبر : أنّ أسماء بنت عميس لم تكن يومئذٍ بالمدينة لتُقبّل فاطمةعليها‌السلام بابنيها الحسن والحسين ، لأنّها كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة ، ولم يرجع جعفر إلى المدينة إلاّ بعد فتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة ، وولادة الحسنعليه‌السلام كانت في السنة الثالثة ، والحسين في السنة الرابعة ، ومهما يكن فولادة الحسنينعليهما‌السلام كانت قبل رجوع جعفر بأكثر من ثلاث سنين ، وهذا يكفي في توهين الحديث المزعوم من حبّ الإمام أن يُسمي ابنيه حرباً.

٢ ـ مناقب ابن شهرآشوب(١) ، أخرج الحديث عن أحمد ، وهو الحديث الآتي برقم (٣) كما في سُلّم المصادر السنّية فراجع للمقارنة ، ستجد أن أحمد ذكر في حديثه ولادة الأبناء الثلاثة ، بينما لم يذكر في المصدر المذكور إلاّ

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ١٦٦.

١٨

ولادة الحسنين ، فلماذا لم يذكر ولادة الثالث ومَن حذفها ؟ وهل أُلحقت بالمسند بعد ذلك ؟ أو حذفت من المناقب ؟

٣ ـ فضائل الخمسة(١) ، وحكاه نقلاً عن الأدب المفرد للبخاري ، وسيأتي برقم (٤) في سُلّم المصادر السنيّة ، وعن مستدرك الصحيحين وهو الآتي برقم (٧) في سُلّم المصادر السنيّة ، ونقله في ص ١٧١ عن مسند الطيالسي الآتي برقم (٢) في أول المصادر السنيّة.

ولمّا كانت المصادر الشيعية نقلت الحديث عن المصادر السنيّة ، فلا حاجة إلى الإطناب في تزييف ما ورد فيها بعد ملاحظة المصادر السنيّة ومناقشتها.

والآن إلى البابالأول ، وفيه ثلاثة فصول :

__________________

(١) فضائل الخمسة ٣ : ١٦٩.

١٩

الفَصْلُ الأوَّلُ

مصادر الحديث واختلاف صوره

أخرج الحديث كثير من أئمة الصحاح والسنن والمسانيد ، وأرباب التاريخ والسير من قُدامى ومحدثين.

وسأكتفي بذكر اثنى عشر مصدراً من خيرة المصادر الأولى المعتبرة عند المحققين من علماء المسلمين ، فأذكر المصدر حسب وفاة مؤلّفه مع تعيين محلّ ذكر الحديث فيه ، ثم صورة لما ذكره ، وقد أذكر بعض ما يمتّ إلى ذلك تبعاً.

فالأول من المصادر هو سيرة ابن إسحاق(١) ( ت ١٥١ ه‍ )

قال : أنا يونس ، عن يونس بن عمرو ، وعن أبيه عن هانئ بن هانئ ، عن علي قال : لمّا ولد حسن سميته حرباً ، قال : فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني بُني ماذا سمّيتموه ؟ فقلت : سميته حرباً ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : لا ولكن اسمه حسن ، فلمّا ولدت حسيناً سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميّتموه ؟ فقلنا : سمّيناه حرباً ، فقال : لا ولكن اسمه حسين ، فلمّا ولدت الثالث سميته حرباً ، فجاء

__________________

(١) سيرة ابن إسحاق : ٢٤٧.

٢٠

رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماذا سميتموه ؟ فقلنا : سمّيناه حرباً ، فقال : لا ولكن اسمه محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم ببني هارون : شبّر ، وشبيراً ، يقول : حسن وحسين.

الثاني من المصادر هو مسند أبي داود الطيالسي(1) ( ت 204 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث مرّة واحدة كما يلي :

حدّثنا أبو داود قال : حدّثنا قيس عن أبي إسحاق قال : سمعت هانئ بن هانئ يحدّث عن عليّ قال : لما ولد الحسن بن عليّ قلت : سمّوه حرباً ـ وقد كنت أحب أن أكتني بأبي حرب ـ فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فدعا به ، قلنا : سمّيناه حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : هو حسين.

وراجع منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي(2) تجد الحديث أيضاً.

الثالث من المصادر : الطبقات الكبرى لابن سعد(3) ( ت 231 ه‍ ) الطبقة الخامسة ، جاء فيه الحديث بصورتين :

1 ـ قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسّن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّرا.

__________________

(1) مسند أبي داود الطيالسي 1 : 19 ، ح 129.

(2) منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي 2 : 129 ـ 130.

(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 1 : 240.

٢١

2 ـ قال : أخبرنا الحسن بن موسى ، قال : حدّثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق قال : لما ولد الحسن سمّاه عليّ حرباً ، قال : وكان يُعجبه أن يكنّى أبا حرب ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : وما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، قال : ما شأن حرب وهو حسن.

فلمّا ولد حسين سماه عليّ حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما شأن حرب ؟ بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّاه حرباً ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال : ما شأن حرب هو محسِن أو محسّن.

الرابع من المصادر هو مسند أحمد بن حنبل(1) ( ت241 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث كما يلي :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن آدم ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأورده مرّة ثانية وثالثة(2) بسند آخر ، وتفاوت في اللفظ وإليك نصّه :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا حجاج ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين قال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد

__________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 1 : 98.

(2) المصدر نفسه 1 : 118.

٢٢

الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأخرجه عن أحمد الديار بكري في تاريخ الخميس ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب(1) ، وأخرجه أحمد أيضاً في كتاب الفضائل كما في ( الحسين والسنة )(2) .

والغريب أنّ من الشيعة من أخرج ذلك دون التنبيه إلى ما فيه من خفايا البلايا ، كما مرّ في ذكر المصادر الشيعية التي تسرّب إليها الحديث.

الخامس من المصادر هو الأدب المفرد للبخاري(3) ( ت 256 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بصورة واحدة :

حدّثنا أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسنرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلما ولد الحسينرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباًَ ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وعقّب المحقق على ذلك فقال : ليس في شيء من الكتب الستة ، وجاء في كتاب فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد(4) ، تأليف فضل الله الجيلاني استاذ في الجامعة العثمانية ما يلي : أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طريقين

__________________

(1) تاريخ الخميس 1 : 418 , كفايه الطالب : 352.

(2) الحسين والسنة : 15.

(3) الأدب المفرد للبخاري : 213.

(4) فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد تأليف فضل الله الجيلاني 2 : 288.

٢٣

كلاهما عن إسرائيل إلى آخره ، والحاكم وقال : صحيح الاسناد ، وأحمد ، وقال الحافظ في الإصابة : إسناده صحيح.

السادس من المصادر هو أنساب الأشراف للبلاذري(1) ( ت 279 ه‍ ) ، فقد جاء فيه :

حدّثني أبو عمرو الزيادي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق أنّ علياً قال : لمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين ، فلما ولد الثالث جاء فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً قال : هو محسن ، إنّما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر شبير ومشبر.

حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق بنحوه ، ورواه أيضاً بسندٍ آخر عن ابن سعد ، ذكره في ترجمة الحسينعليه‌السلام (2) .

السابع من المصادر هو المعجم الكبير للطبراني(3) ( ت 360 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بخمسة أسانيد :

1 ـ حدّثنا عثمان بن عمر الضبّي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، أخبرنا إسرائيل ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ائتوني بابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبّر.

__________________

(1) أنساب الأشراف للبلاذري 1 : 404.

(2) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام 3 : 144.

(3) المعجم الكبير للطبراني 3 : 100 ـ 101.

٢٤

2 ـ حدّثنا محمّد بن يحيى بن سهل بن محمّد العسكري ، ثنا سهل بن عثمان ، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن ابن عليّرضي‌الله‌عنه جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبر.

3 ـ حدّثنا محمّد بن أبان الأصبهاني ، حدّثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب ، فلمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتم ؟ فقلت : سميته حرباً ، فقال : هو الحسن.

4 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أبو كريب ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي : لا ولكن سمّه حسناً ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ فقلت : حرباً ، قال : بل سمّه حسيناً ، ثم ولد آخر فسميته حرباً ، فقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : سمّه محسناً.

5 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، ثنا يحيى بن عيسى الرملي التميمي ، ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عليّرضي‌الله‌عنه : كنت رجلاً أحب الحرب ، فلمّا ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حرباً فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت إبنيّ هذين باسم إبني هارون شبراً وشبيراً.

الثامن من المصادر هو المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري(1) ( ت 405 ه‍ ) ، جاء فيه بصورتين :

__________________

(1) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3 : 165.

٢٥

1 ـ أخبرنا أبو العباس محمّد بن أحمد المحبوبي بمرو ، ثنا سعيد بن مسعود ، ثنا عبيد الله بن يونس ، أنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولدت فاطمة الحسن جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلمّا ولدت الحسين جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، ثم ولدت الثالث جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّما سميتهم باسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وتبعه الذهبي في التلخيص ، فذكر الحديث مبتدءاً بالسند من هانئ بن هانئ ثم قال في آخره : صحيح ، رواه إسرائيل عن جدّه.

ثم إنّ الحاكم أخرج الحديث مرّة ثانية(1) كما يلي :

2 ـ حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ، ثنا جعفر بن عون ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما أن ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن قال : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال هو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سمّيت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه شبّراً وشبيراً ومشبّراً.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وذكره الذهبي في التلخيص مختصراً وعقب بقوله : قلت مرّ من حديث إسرائيل.

__________________

(1) المصدر نفسه 3 : 168.

٢٦

التاسع من المصادر هو السنن الكبرى للبيهقي(1) ( ت 458 ه‍ ) ، جاء فيه :

أخبرنا أبو عليّ الروذباريّ ، أنبأ عبد الله بن عمر بن أحمد بن شوذب المقري بواسط ، أنبأ شعيب بن أيوب ، ثنا عبيد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن.

ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماسميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

ثم قال البيهقي : رواه يونس بن أبي إسحاق عن أبيه ، وقال في الحديث : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه ، وروي في هذا المعنى أخبار كثيرة.

وجاء فيه أيضاً(2) : أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان ، أنبأ أحمد بن عبيد ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا ابن رجا ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، ح ( حيلولة ) وحدّثنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، ثم ساق الحديث سنداً ومتناً كما مرّ في الحديث الثاني عند الحاكم في المستدرك حرفاً بحرف ، ثم عقّب البيهقي بقوله : لفظ حديث يونس ، وفي رواية إسرائيل : أروني ابني ما سميتموه ؟ والباقي بمعناه.

العاشر من المصادر هوتاريخ دمشق لابن عساكر ( ت 571 ه‍ ) ، ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام بتحقيق المحمودي )(3) جاء الحديث فيه بثلاث صور :

__________________

(1) السنن الكبرى للبيهقي 6 : 163.

(2) المصدر نفسه 7 : 63.

(3) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من تاريخ دمشق : 17 ـ 18.

٢٧

1 ـ أخبرنا أبو العز بن كادش ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، أخبرنا عليّ بن محمّد بن أحمد ابن نصير ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن عتيب ، أخبرنا محمّد بن خالد بن خداش ، أخبرنا سالم بن قتيبة ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسن.

فلما ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : فهو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء تسمية هارون بنيه شبراً وشبيراً ومشبراً.

2 ـ أخبرنا أبو غالب ابن البناء ، أخبرنا أبو الحسين ابن الآبنوس ، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زكريا ، أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، أنّه حدّثه عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : لا ولكن اسمه حسن ، ثم ولد لي الحسين سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه حسين ، ثم ولد لي فقال : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه محسن.

قال الدارقطني : تفرد به إبراهيم بن يوسف عن أبيه.

3 ـ أخبرنا أبو عليّ بن السبط ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، وأخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أخبرنا أبو عليّ ابن المذهب ، قالا : أخبرنا أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله ، حدّثني أبي ، أخبرنا يحيى بن آدم ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

٢٨

فلما ولد الحسين سمّاه حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّيته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر شبير مشبر.

الحادي عشر من المصادر هو أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير(1) ( ت 630 ه‍ ) ، جاء فيه في ترجمة الحسن :

قال عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلما ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وجاء أيضاً ثانياً(2) ذكر الحديث الآنف الذكر في ترجمة الحسين مع ذكر اسناده المنتهي إلى أحمد بن حنبل ، وحيث تقدّم في المصدر الثالث فلا حاجة إلى إعادته.

وجاء فيه أيضاً(3) في ترجمة المحسن اعادة الحديث بنفس السند السابق.

الثاني عشر من المصادر هو ( مجمع الزوائد )(4) للهيثمي ( ت 807 ه‍ ) ، جاء فيه ذكر الحديث المروي عن هانئ بن هانئ ، ثم قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار إلاّ أنّه قال : سميتهم بأسماء ولد هارون جبر وجبير ومجبّر. والطبراني ، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ ، وهو ثقة.

__________________

(1) اُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 2 : 10 ـ 18.

(2) المصدر نفسه 2 : 18.

(3) المصدر نفسه 4 : 308.

(4) مجمع الزوائد للهيثمي 8 : 52.

٢٩

ثم ورد في المصدر المذكور الحديث الآخر : وعنه ـ عن عليّ ـ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، وكنت أحب أن أكتني بأبي حرب ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه ، فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فأتى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين.

ثم قال الهيثمي : رواه البزار والطبراني بنحوه بأسانيد ، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

الثالث عشر من المصادر هو عيون الأخبار وفنون الآثار(1) للداعي المطلق إدريس عماد الدين القرشي ( ت 872 ه‍ ) ، جاء فيه ما لفظه :

وروي عن أبي غسان بإسناده عن عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : لما ولد الحسن بن عليّ سمته أمّه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسن.

فلما ولد الحسين سمته أمّه أيضاً حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسين ، فلمّا ولد محسن سمّته أمه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا ، بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء أولاد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب المؤلف على ذلك بقوله : ومن هذه الرواية دليل على أنّ محسن ولد على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأشهر الذي عليه الإجماع أيضاً أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه وهو في بطن فاطمة ، وأنّها أسقطته حين راعها عمر بن الخطاب ودفع على بطنها الباب ، والله أعلم بالصواب.

تعقيب على صور الحديث :

هذه نماذج من صور الحديث في مختلف المصادر ، وهي من الأمهات التي يرجع إليها المتأخرون وعنها يأخذون ، وحسب القارئ هذه المصادر الإثنى عشر

__________________

(1) عيون الأخبار وفنون الآثار 4 : 6.

٣٠

فهي تُغني عن غيرها ، ولنعد الآن إلى صور الحديث فنُلقي عليها نظرة فاحصة ، لنعرف مدى التفاوت الذي حصل بين ما جاء في أقدم مصدر ، وبين ما جاء بعده ، مع العلم بأنّ الحديث واحد ، وراويه الأول واحد ، ثم الذي رواه عنه أيضاً هو واحد ، فلماذا نجدُ التفاوت ؟

ومهما كان ذلك لفظياً أو بسيطاً ، فهو بالتالي يكشف عن عدم الدقة في النقل ، ويورث ذلك عدم الثقة بالناقل ، وبالتالي إلى عدم اعتبار الحديث ، فخذ أمثلة على ذلك :

1 ـ جاء في ثاني المصادر وهو كتاب ( مسند الطيالسي ) فقد روى حديث أبي إسحاق بن يحيى ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ ، وقد ورد فيه أنّ علياً كان يحب أن يكتنى بأبي حرب فسمّى ولده حرباً ، فغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسناً ، ثم ولد الحسين سماه عليّ حرباً وغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسيناً.

وإلى هنا انتهى الحديث ولم يأت عن ولادة الثالث شيئاً ، ولا عن تسمية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما باسم ابني هارون ، بينما نجد نفس الحديث بنفس السند في المصادر التالية فيه نقص وفيه زيادة ، ففي بعضها ليس فيه ذكر لمحبة عليّ أن يكتني بأبي حرب ، بينما فيه زيادة ذكر ولادة المحسن وأنّ علياً سمّاه حرباً ، فغيّره النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وسمّاه المحسن ، مضافاً إلى زيادة قوله( صلّى الله عليه وسلّم ) : سميتهم بأسماء ولد هارون الخ. فمن أين جاءت تلك الزيادة ؟ ولماذا طرأ ذلك النقصان ، فاختفت محبة عليّ أن يكتنى بأبي حرب !!

2 ـ وخذ مثالاً ثانياً ما جاء في الحديث الثاني الذي رواه ابن سعد في الطبقات ، وهو الثالث في سُلّم المصادر ، تجد الحديث يرويه أبو إسحاق مرسلاً ليس فيه ذكر عمّن أخذه ، وفيه تجد حبّ عليّ أن يكتني بأبي حرب ، وفيه زيادة أخرى هي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل ولادة : ( ما شأن حرب وهو حسن ) ( ما شأن حرب وهو حسين ) ( ما شأن حرب وهو محسن أو محسّن ) [ بالتشديد ] وهذه الزيادة

٣١

الأخيرة لم ترد إلاّ في حديث أبي إسحاق المرسل الذي أخرجه ابن سعد في الطبقات ، ولم ترد في بقية المصادر التي أوردت الحديث.

3 ـ وخذ مثالاً ثالثاً حديث هانئ بن هانئ عن عليّ ، وقارن بين ألفاظه في مختلف مصادره تقف على التفاوت فيها ، ولابدّ لنا من الإشارة إلى أنّ هانئ بن هانئ الذي حدّث عن عليّعليه‌السلام لم يروِ عنه غير أبي إسحاق ، كما سيأتي بيان ذلك.

فهذا التفاوت والاختلاف إما أن يكون منه أو من أبي إسحاق ، وفي كلتا الحالتين يتطرق الريب إلى صدقهما في النقل ، أما الحمل على رجال السند من بعد أبي إسحاق حتى أصحاب المصادر ربّما كان فيه تجنٍ عليهم ، لأنّهم رووا ما سمعوا ، وإن كانت المؤاخذة قد ترد عليهم حين رووا ذلك على ما فيه من تفاوتٍ وتهافت.

4 ـ وخذ مثالاً رابعاً ما جاء في المصدر الثاني عشر ، ففيه مضافاً إلى إرساله أنّ الذي سمّى الأبناء بحرب هي أمهم فاطمةعليها‌السلام ، وهذا بخلاف ما مرّ أنّ علياًعليه‌السلام هو الذي سمى أو أحبّ أن يسمّي ، فجميع هذه الملاحظات تسقط الحديث المذكور عن الاعتبار.

والآن لنقرأ شيئاً عن الرواة لنعرف وزنهم في ميزان الجرح والتعديل.

٣٢
٣٣

الفصل الثاني

البحث عن رجال الاسناد

ولنبدأ بهم حسب ذكرهم في المصادر ، فرجال الحديث فيالمصدر الأول ـ وهو سيرة ابن إسحاق ـ قال : أنا ( أخبرنا ) يونس ، عن يونس بن عمرو ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ.

فيونس الأول هو : ابن بكير ، قال الآجري عن أبي داود : ليس هو عندي بحجة ، كان يأخذ ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث ، ومع ذلك قالوا عنه : كان صدوقاً إلاّ أنّه كان يتبع السلطان ، وكان مرجّئاً ، ومع ذلك روى له مسلم متابعة !!

ويونس الثاني هو : ابن عمرو ـ أبي إسحاق ـ السبيعي روى عن أبيه ، وقد أثنوا عليه في كتب الرجال ، ومن الثناء عليه : كان يقدم عثمان على عليّ ، ولعل ذلك هو سبب قول أبي حاتم : صدوق لا يحتج به ( خلاصة تهذيب الكمال ).

وفي المصدر الثاني : وهو ( مسند أبي داود الطيالسي ) : حدّثنا قيس ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّعليه‌السلام .

فأما قيس ـ شيخ أبي داود ـ فقد قال هو نفسه عنه : ما أخرجت له إلاّ ثلاثة أحاديث ، حدّث بأحاديث عن منصور هي عن عبيدة ، وأحاديث عن مغيرة هي

٣٤

عن فراس ، وقال أحمد : روى أحاديث منكرة ، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن قيس ، وكان ابن معين يقول عنه : ليس بشيء ، وقال : ضعيف الحديث لا يساوي شيئاً(1) .

أما باقي رجال السند فستأتي حالهم عند ذكر المصادر التالية حسب تسلسلها.

وفي المصدر الثالث : وهو الطبقات الكبرى فقد روى ابن سعد عن عبيد الله بن موسى ، قالوا عنه : ثقة يتشيع ، عن إسرائيل بن يونس : ثقة تكلّم فيه بلا حجة ، عن أبي إسحاق السبيعي ثقة عابد اختلط بآخره ، عن هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي ، قال ابن المديني : مجهول ، وقال الشافعي : لا يُعرف ، وأهل العلم لا ينسبون حديثه لجهالة حاله(2) .

وقال ابن سعد في الطبقات(3) : كان يتشيع وهو منكر الحديث.

وقال الذهبي(4) : ليس بالمعروف ، وقد ورد ذكره في كتب الرجال الشيعية ، ولم يذكر فيه مدح ، نعم روي أنّه كان من آخر رسل أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام ، هو وسعيد بن عبد الله الحنفي يطلبون منه القدوم عليهم ، وأنّهم ينتظرونه ولا رأي لهم في غيره ، فأجابهمعليه‌السلام وأرسل الجواب مع الرسولين المذكورين ، كما ذكر ذلك الشيخ المفيد في الإرشاد(5) ، والطبري(6) وغيره ذكروا مثل ذلك.

__________________

(1) تهذيب التهذيب 8 : 393.

(2) المصدر نفسه 11 : 12.

(3) طبقات ابن سعد 6 : 155.

(4) المغني في الضعفاء 2 : 707.

(5) الارشاد : 203.

(6) تاريخ الطبري 6 : 198.

٣٥

ولدى التحقيق في أسماء شهداء الطف لم أقف على ذكر لهانئ بن هانئ المذكور بينهم ، بينما ورد اسم سعيد بن عبد الله الحنفي في عداد الشهداء ، وكان من المفترض فيه أن يكون كزميله الحنفي ولم يذكر أنه كذلك ، ونكتفي بهذا عنه ، ويتضح أنّ الرجل مجهول الحال أو مجروح ، ومَن وثقه لا يقوم بحجة ترفع أقوال الجارحين من أئمة الفن.

وقد قال ابن عبد البر في الاستقصاء ( ترجمة رقم 2182 ) : كل مَن لم يرو عنه إلاّ رجل واحد لا يعرف إلاّ بذلك ، فهو مجهول عندهم لا تقوم به حجة.

فتبيّن أنّ الحديث بهذا السند الضعيف لا يصح أن يحتج به.

أما الحديث الثاني في الطبقات فهو عن الحسن بن موسى ، وهو الأشيب أبو عليّ البغدادي ثقة ، عن زهير بن معاوية أبو خيثمة ثقة ثبت وسماعه عن أبي إسحاق بآخرة ، وقد تقدم أن أبا إسحاق اختلط بآخرة فلاحظ ذلك ، فالحديث مضاف إلى إرساله إذ لم يدرك أبو إسحاق الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ليروي عنه ، فأبو إسحاق في هذا إما مرسِل أو مدلِّس ، لأنّه روى الحديث كما مرّ بالسند الأول عن هانئ بن هانئ وهو هنا لم يذكره.

أما أسانيد المصادر الباقية فحيث أنّها تنتهي إلى إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، وقد عرفنا حال هؤلاء ، فلا حاجة إلى بسط القول في الرجال الّذين رووا الحديث عن إسرائيل ، يبقى لنا و قفة عابرة مع أولئك الّذين اهتموا بتصحيح الاسناد كالبزار والحاكم والهيثمي وغيرهم ممّن سبقت الإشارة إلى أقوالهم ، فإنّ حجتهم ـ الواهية ـ أنّ رجال بعض أسانيده هم رجال الصحيح ، كما مرّ عن رجال أحمد والبزار وحكاه الهيثمي. وكأنّ الصحيح عندهم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وأسفي على تلك الجهود المضاعة لإثبات أنّ صحيح البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله ، مع كثرة ما فيه من هنات وهفوات ، وما أخذ عليه وفيه من مؤاخذات ، يعرفها أولئك المخرفون قبل غيرهم.

٣٦

ومهما يكن حالهم فلسنا بصددهم ، وإنّما الذي يهمنا أن نقوله : إنّ جميع الأسانيد في الحديث في جميع المصادر تنتهي إلى أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، ومرّت بنا كلمة الشافعي وغيره ، فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يحتج بالحديث المذكور ، وكذلك بالنسبة إلى الحديث الثاني الذي رواه أبو إسحاق مرسلاً.

بقى هنا شيء يجب أن ننبه عليه ، هو ما جاء مرسلاً عن سالم بن أبي الجعد ، قال عليّ : كنت رجلاً أحبّ الحرب ، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، قال : فلما ولد الحسين فهممت أن أسميه حرباً لأنّي كنت أحبّ الحرب ، وسماه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال : إنّي سميت ابنيّ هذين باسمي ابني هارون شبراً وشبيراً.

وهذا الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات(1) ، والهيثمي في مجمع الزوائد(2) ، والطبراني في المعجم الكبير(3) ، ولمّا كان مرسلاً فلا حاجة إلى عطف النظر إلى رجال السند فيه.

كما لا حاجة إلى البحث عن أبي غسان الراوي للحديث مرسلاً عن عليّعليه‌السلام كما في المصدر الثاني عشر ، فلا تغني معرفة حاله ، مع جهالة الراوي عنهم من رجاله ، وهذا هو المصدر الوحيد الذي ذكرته وصاحبه من غير أهل السنة ، كما أنّه ليس من الشيعة الإمامية ، بل هو من الإسماعيلية ، وإنّما ذكرته للتنبيه على تسرّب حديث الاكتناء بأبي حرب في التراث الإسلامي ، دون الالتفات إلى ما فيه من هناة.

__________________

(1) طبقات ابن سعد : 239.

(2) مجمع الزوائد 8 : 52.

(3) المعجم الكبير 3 : 97.

٣٧

الفصل الثالث

البحث عن متن الحديث

والبحث في هذا المجال يكون من خلال ست نقاط على النحو التالي :

النقطة الأولى : وفيها تحقيق المراد من اسم حرب ، فهل هو اسم المعنى الوصفي ؟ أم اسم العلم الشخصي ؟ وما المراد منهما في الحديث.

النقطة الثانية : هل كان اسم حرب من الأسماء المبغوضة أم المحبوبة ؟

النقطة الثالثة : ماذا كان يعني إصرار الإمام ـ إن صدقت الأحلام ـ في تسمية أبنائه بحرب اسم المعنى الوصفي ، أم اسم العلم الشخصي ؟

النقطة الرابعة : ما هي الدوافع المغرية في شخصية حرب اسم العلم الشخصي ؟ بدءاً من آبائه ، ومروراً به ، وانتهاءاً بأبنائه ؟

النقطة الخامسة : في كنى الإمام وما هي أحبّ كناه إليه ؟

النقطة السادسة : وأخيراً ماذا وراء الأكمة من تعتيم وظلمة لتضليل الأمة ؟

٣٨
٣٩

النقطة الأولى

في تحقيق المراد من اسم حرب

النقطة الأولى : في تحقيق المراد من اسم حرب وهل هو اسم المعنى ؟ أم اسم العلم ؟ ومن المراد منهما في الحديث ؟

إذا رجعنا إلى المصدر الأول والحديث الثالث من المصدر الخامس ، وجدنا قول الإمام ـ فيما نسب إليه ـ : « وقد كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب » وفي مرسل أبي إسحاق كما في المصدر الثاني نقرأ قول أبي إسحاق : « وكان يعجبه أن يكنّى أبا حرب » ، أما في مرسل سالم بن أبي جعد نقرأ قول الإمام : « كنت رجلاً أحبّ الحرب ».

ومهما أغضينا النظر عن الاختلاف في معاني الكلمات الثلاث ، فإنّ هذا إن دل على شيء فيدلّ على أنّ المراد بحرب هو اسم المعنى الوصفي ، ولعله إستناداً إلى ذلك ذهب العقّاد ـ وربما غيره أيضاً ـ إلى أنّ المراد من حب الإمام أن يكتني بأبي حرب ؛ لأنّه رجل شجاع يحب الحرب ، فلنقرأ ما يقوله العقّاد ، وهو يتحدث عن سيرة الإمام مع بنيه ، بعد أن حكى قول الإمام في حق الوالد على الولد ، وحق الولد على الوالد وهو : ( أن يحسّن اسمه ، ويحسّن أدبه ، ويعلّمه القرآن ).

قال العقّاد : ومن إحسان التسمية أنّه همّ بتسمية ابنه حرباً ، لأنّه يرشحه للجهاد وهو أشرف صناعاته ، لولا أنّ رسول الله سمّاه الحسن وهو أحسن ، فجرى على

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628