المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط6%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88184 / تحميل: 8413
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الهجوم والإسقاط ، كما سيأتي ذلك عنه في الفصل الثالث في ( نصوص ثابتة يجب أن تقرأ بامعان ) كما يأتي عنه ما ينسف تكذيبه من روايته قول محمّد بن أحمد بن حماد الكوفي ، في ابن أبي دارم الكوفي وقد حضره ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن ، ولم يعقب عليه بشيء.

٢٨ ـ الصفدي ( ت ٧٦٤ ه‍ ) ، هو الصلاح خليل بن أيبك الصفدي ، ترجمه ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة(١) ترجمة وافية ، فذكر فيها شيوخه ومنهم الذهبي وابن كثير والحسيني ، ونقل عن الذهبي أنّه قال في حقه : ( الأديب البارع الكاتب ، شارك في الفنون ، وتقدم في الإنشاء ، وجمع وصنف ) ، وقال أيضاً : ( سمع منّي وسمعت منه ، وله تواليف وكتب وبلاغة ) إلى غير ذلك مما حكاه ابن حجر في ترجمته.

والصفدي ذكر باختصار ما كان يجري في مجلس الحافظ البلخي في كتابه الوافي بالوفيات(٢) ، وسيأتي ذلك في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.

٢٩ ـ ابن كثير ( ت ٧٧٤ ه‍ ) ، هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصري الدمشقي الشافعي ، محدث ، مؤرّخ ، مفسر ، فقيه ، تأثر بشيخه ابن تيمية كثيراً ، فكان معه حياً ودفن معه ميتاً.

له عدة تصانيف منها : تفسير القرآن العظيم وهو مطبوع ، وله البداية والنهاية في التاريخ مطبوع في ١٤ مجلداً ، وله نهاية النهاية في جزئين ، وله جامع المسانيد وهو كتاب كبير جمع فيه أحاديث الكتب الستة والمسانيد الأربعة ، وله السيرة

__________________

(١) الدرر الكامنة ٢ : ٨٧.

(٢) الوافي بالوفيات ٣ : ٣٤٤.

١٦١

النبوية في أربعة أجزاء مطبوعة إلى غير ذلك ، وقد ترجمه ابن حجر في الدرر الكامنة(١) ، وابن العماد الحنفي في شذرات الذهب(٢) وغير ذلك.

وهذا له مواقف ناصبية معلنة في أحداث السقيفة وما بعدها ، ستأتي بعض النصوص نقلاً عن كتابه البداية والنهاية في الفصل الثالث ، وكذا عن كتابه السيرة النبوية.

٣٠ ـ نور الدين الهيثمي ( ت ٨٠٧ ه‍ ) ، هو أبو الحسن عليّ بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي الشافعي ، محدث حافظ ، رافق الحافظ العراقي في السماع ولازمه ، له عدة تصانيف منها : ( موارد الظمآن في رواية صحيح ابن حبان ) وهو مطبوع ، و ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ) أيضاً مطبوع ، و ( البغية في ترتيب أحاديث الحلية ) مطبوع.

٣١ ـ ابن الشحنة ( ت ٨١٥ ه‍ ) ، هو أبو الوليد محمّد بن محمّد بن محمّد بن محمود الحلبي الحنفي المعروف بابن الشحنة ، فقيه ، أصولي ، مفسر ، فرضي ، أديب ، ناظم ، نحوي ، مؤرّخ ، أفتى ودرس وتولّى قضاء الحنفية بحلب ثم بدمشق ، له عدة مؤلّفات منها : ( روض المناظر في علم الأوائل والأواخر ) مطبوع على هامش تاريخ الكامل لابن الاثير(٣) ط بولاق بمصر. ترجمه السخاوي في الضوء اللامع(٤) ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب(٥) ، والشوكاني في البدر الطالع(٦) وغيرهم.

٣٢ ـ ابن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ ه‍ ) ، قال الشوكاني في البدر الطالع(٧) : ( الحافظ الكبير الشهير ، الإمام المتفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة

__________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(٣) الكامل لابن الأثير : ١١ ـ ١٢.

(٤) الضوء اللامع ١٠ : ٣ ـ ٦.

(٥) شذرات الذهب ٧ : ١١٣ ـ ١١٤.

(٦) البدر الطالع ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(٧) المصدر نفسه ١ : ٨٧.

١٦٢

المتأخرة وشهد له بالحفظ والاتقان القريب والبعيد ، والعدو والصديق ، حتى صار اطلاق لفظ ( الحافظ ) عليه كلمة اجماع ).

وقد كتب تلميذه السخاوي كتاباً في ترجمته سمّاه ( الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر ). وقال السيوطي في طبقات الحفاظ(١) : ( ابن حجر شيخ الإسلام ، وإمام الحفاظ في زمانه ، حافظ الديار المصرية بل حافظ الدنيا مطلقاً وقد غلق بعده الباب ).

هذا شيء عن ترجمته ، وقد زاد على الذهبي فيما ذكره في ترجمة ابن أبي دارم بما ذكره في ترجمة محمّد بن عبد الله الواعظ البلخي ، وسيأتي ذلك في الفصل الثالث في نصوص يجب أن تقرأ بإمعان.

٣٣ ـ جلال الدين السيوطي ( ت ٩١١ ه‍ ) ، هو أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمّد بن أبي بكر ، الخضيري الأصل الطولوني المصري الشافعي ، عالم مشارك في أنواع من العلوم.

له مؤلفات كثيرة ، استقصى الداودي مؤلفاته فنافت عدتها على خمسمائة مؤلّف ، فمنها ما بلغ عدة أجزاء كالجامع الكبير ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور ، ومنها ما لم يتجاوز عدة أوراق ، راجع مصادر ترجمته في معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة(٢) .

٣٤ ـ المتقي الهندي ( ت ٩٧٥ ه‍ ) ، وهو عليّ بن حسام الدين بن عبد الملك الجونيوري الهندي ، فقيه ، محدث ، واعظ ، مشارك في بعض العلوم ، أقام بمكة ومات بها ، له تصانيف منها كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، طبع في الهند وغيرها مكرراً ، وله المنتخب منه طبع بهامش مسند أحمد بن حنبل ( الطبعة الأولى بمصر ) وله غير ذلك.

* * *

__________________

(١) طبقات الحفاظ : ٥٥٢.

(٢) معجم المؤلفين ٥ : ١٢٩ ـ ١٢١.

١٦٣

٣ ـ نظرة في المصادر :

إنّما يكون اعتماد الباحث على المصدر الذي يرجع إليه في التصديق لما فيه ، إما من توثيق خارجي كأن يوثقه أهل الخبرة من الاعلام ، أو من اتساق بين مرويّاته مع مرويات الآخرين ممّن يوثق بهم ، فتحصل القناعة الكافية بصحة المروي في المصدر.

ونحن الآن إذا رجعنا إلى المصادر التي ذكرت الأحداث التي صاحبت سقوط المحسن السبط السقط ، نجد الإتساق بين مروياتها جميعاً إجمالاً ، وإن تفاوتت في التفصيل ، كما سيأتي عرض النصوص المنقولة عنها في الفصل الثالث ، والإتساق والاتفاق عنصر مهم في توثيق الحَدَث ، وربما كان أقوى من توثيق عالم واحد لكتاب واحد ، فالاتساق مضموناً يعني الاتفاق رواية ، وتصديق بعضٍ بعضاً.

بقي علينا التحقق من صحة نسخة المصدر ونسبتها إلى صاحبه ، ليتم التوثيق والاتساق ، وحينئذٍ تحصل الثقة فيتم الاستدلال.

والآن إلى مرور عابر على بعض المصادر التي سنقتطف منها نصوصاً نستدل بها على فظاعة الأحداث يوم سقوط ( المحسن السبط السقط ) أول ضحايا العنف في أحداث السقيفة ، أو اختلفت روايتها عن مؤلفيها ، لوقوع ذلك في ضمن جملة من المصادر ، وعلى سبيل المثال كصحيح البخاري ، وحسبنا « دليلاً ظاهراً » ، الاطلاع على طبعة بولاق التي سودت هوامشها باختلاف النسخ حسب رموز رواتها ، وهذا ما يسبب عناء للباحث ، ويثير الشكوك ، ويرفع أصابع الإتهام مشيرة إلى أكثر من واحد ، إلى الراوي ؟ إلى الناسخ ؟ إلى المحقق ؟ إلى الناشر ؟ وكل

١٦٤

هؤلاء أطراف تحوم حولهم الشبهة ، ولذلك كان علينا أن نلقي نظرة عابرة على بعض المصادر التي سننقل عنها بعض النصوص في رسالتنا هذه عن السيد ( المحسن السبط ).

١ ـ كتاب سيرة ابن هشام ، فقد اختان صاحبها ضميره حين أخفى ـ رهبة أو رغبة ـ بعض الحقائق ، وقد مرّت الإشارة إلى حذفه اسم العباس من قائمة أسرى بدر ، وما صنعه ابن هشام في سيرة ابن إسحاق.

٢ ـ كتاب طبقات ابن سعد ، وهذا الكتاب لم يصل إلينا كاملاً في طبعاته الأولى ، ومع ذلك فثمّة فيه نصوص نافعة ستأتي في الفصل الثالث.

٣ ـ كتاب ( المصنف ) لابن أبي شيبة ، وهذا الكتاب تلاعبت الأهواء في المنقول عنه في جملة من المصادر التي روت الحدث بسنده ، كما ستأتي الإشارة إليه.

٤ ـ كتاب ( المعارف ) لابن قتيبة ، تلاعبت رواته عن مؤلفه ، فاختلفت رواية تلاميذ ابن قتيبة لكتابه ( المعارف ) فضاعت منه نصوص منقولة عنه ، ولم نقف عليها فيما وصلت إلينا من نسخه ، إلاّ أنّ مصادر ثانوية نقلت ذلك أو أشارت إليه.

وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في آخر الرسالة في الملحق الثاني ، وفيما يتعلّق بموضوع رسالتنا ( المحسن السبط مولود أم سقط ) وجدنا ابن قتيبة معدوداً في كل فصل من الفصول الثلاثة من الباب الثاني كما مر.

ففي الفصل الأول : كان معدوداً مع الّذين ذكروا ( المحسن ) ولم يذكروا عن موته شيئاً ، فقد ورد في كتاب المعارف(١) ذكره معدوداً مولوداً.

وفي الفصل الثاني صار ابن قتيبة مذكوراً مع الّذين ذكروا ( المحسن ) مولوداً ومات صغيراً ، كما مرّ لما ورد في كتاب المعارف أيضاً(٢) .

__________________

(١) كتاب المعارف : ٢١٠.

(٢) المصدر نفسه : ٢١١.

١٦٥

وفي الفصل الثالث كان ابن قتيبة معدوداً مع الّذين ذكروا ( المحسن ) وأنه مات سقطاً ، كما مر ، وهذا ما لم نجده في المطبوع من كتاب المعارف سواء المحقق منه أو غير المحقق ، فمن الذي غص بذكر النص فابتلعه على مضض ؟!

ولدى التحقيق وجدنا الرواة لكتاب المعارف عن مؤلفه ابن قتيبة ، هم الّذين يتحملون قسطاً من الوزر في موضوع ( المحسن ) ، كما ستأتي الاشارة إليه في الملحق الخاص بكتاب ( المعارف ) أما من الذي يتحمل الوزر في حذف النص الآتي في اسقاط ( المحسن ) فذلك ما لم أقف عليه فعلاً.

والذي يجب التنبيه عليه في المقام هو توثيق ما نقل من نص في اسقاط ( المحسن ) ، لقد روى لنا الحافظ ابن شهرآشوب السروي ( ت ٥٨٨ ه‍ ) ، عن كتاب المعارف النص التالي : ( وفي معارف القتبي : أن محسناً فسد من زحم قنفذ العدوي ).

وهذا ما خلت عنه نسخ ( المعارف ) المطبوعة ، فبين يدي طبعتان من الكتاب ، الأولى مطبوعة سنة ١٢٥٣ هبدون تحقيق ، والثانية مطبوعة سنة ١٩٦٠ م بتحقيق الدكتور ثروت عكاشة ، وليس فيها النص المحكي عن المعارف ، ولمّا كان النص ذا دلالة واضحة وصريحة في الإدانة ، فليس متوقعاً أن يسلم من أيدي الخيانة.

وقد ينطق سائل : كيف نثق بصحة رواية الحافظ ابن شهرآشوب السروي وهو من شيوخ الشيعة ؟ والجواب ببساطة هو أن نقرأ توثيق الرجل على لسان غير الشيعة : كالصفدي ، وابن حجر ، والسيوطي ، والداودي وغيرهم ، فكلّهم أثنوا عليه بما هو أهله ، ولنقرأ ما قاله الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات(١) :

( أحد شيوخ الشيعة ، حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في أصول الشيعة ، كان يرحل إليه من البلاد ، ثم تقدم في علم القرآن والغريب

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٤ : ١٤٦.

١٦٦

والنحو ، وعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد ، فأعجبه وخلع عليه ، وكان بهيّ المنظر ، حسن الوجه والشيبة ، صدوق اللهجة ، مليح العبارة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجد ، لا يكون إلاّ على وضوء ، أثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناء كثيراً ).

ولم نذكر باقي الترجمة لطولها ، كما لا نذكر ما قاله عنه ابن حجر في لسان الميزان(١) ، والسيوطي في بغية الوعاة(٢) ، والداودي في طبقات المفسرين(٣) ، فكلّهم أثنوا عليه ثناءاً عاطراً حسناً فراجع.

إذن فمن كان بهذه المثابة من الدين والعلم ، لا يتطرق إليه الريب في حكايته ما وجده في كتاب معارف القتبي ـ كما سماه ـ من زحم قنفذ وسقوط المحسن.

ويزيدنا إيماناً بصحة ما حكاه ذلك الشيخ الجليل ، أنّ الحافظ الكنجي الشافعي(٤) صاحب كتاب ( كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ) قد أكّد خبر الإسقاط نقلاً عن ابن قتيبة فقال : ( وهذا ـ الإسقاط ـ شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلاّ عند ابن قتيبة ).

ولمّا لم يذكر الحافظ الكنجي اسم الكتاب الذي ذكر فيه ابن قتيبة ذلك ، كان من المرجح عندي هو كتاب ( المعارف ) الذي سبق للحافظ ابن شهرآشوب النقل عنه.

__________________

(١) لسان الميزان ٥ : ٣١٠.

(٢) بغية الوعاة : ٧٧.

(٣) طبقات المفسرين ٢ : ٢١٠.

(٤) لمزيد من المعرفة بالحافظ الكنجي الشافعي تحسن مراجعة مقدمة كتابه ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) لمحمد مهدي الخرسان , فهي مقدمة ضافية , كما في طبعة النجف بمطبعة النعمان ، وأوفى منها في طبعة بيروت منشورات دار الهادي.

١٦٧

٥ ـ كتاب ( الإمامة والسياسة ) لابن قتيبة ، وشهرة نسبة الكتاب ـ أيّ كتاب كان ـ إلى مؤلف ما ، تستبعد عنها كثيراً من الاحتمالات المشككة ، فإذا كانت هناك مؤشرات ثبوتية بتوثيقه يقوي بعضها بعضاً تحصل القناعة لدى من يرى صحة النسبة ، أما الّذين تستحكم عندهم الشبهة ، فيبقون عند رأيهم ، وعليهم البحث حتى يثبت لهم وجه الحق ، والناس أحرارٌ في آرائهم.

ولمّا كان كتاب ( الإمامة والسياسة = تاريخ الخلفاء الراشدين ) من الكتب التي حامت حوله الشبهات ، وكادت تلفه غياهب الظلمات ، فشك غير واحد في صحة نسبته إلى ابن قتيبة ، وخلص إلى النفي بعد أن ساق عدة ملاحظات تمسك بها المشككون ، وجلّها لا بل كلّها لا تخلو من مناقشة.

وستأتي تلك الملاحظات مع المناقشات في آخر الرسالة في الملحق الثالث ، حيث ستكون النتيجة اعتماد الكتاب بعد صحة نسبته إلى ابن قتيبة ، ولا مانع من أخذ النص منه في الأحداث التي أصابت المسلمين بهلع وفزع بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتزامنت مع سقوط ( المحسن السبط ) لاتساق ما ورد في الكتاب مع ما ورد في المصادر الأخرى.

٦ ـ كتاب ( الاستيعاب ) لأبي عمر ابن عبد البر المالكي ، ويعتبر من أمّهات كتب التاريخ لمعرفة الصحابة ، وقد اعتمده كلّ من ابن الأثير في كتابه ( أسد الغابة ) وابن حجر في كتابه ( الإصابة ) وغيرهما ممّن بحث في تاريخ الصحابة ، وقد قال هو عن كتابه : ( ومن وقف على ما ذكرنا في كتابنا هذا من أسماء الصحابة وما تضمنه من عيون أخبارهم ، فقد أخذ بحظ من علم الخبر ومعرفة الحديث )(١) .

__________________

(١) الاستيعاب : ١٩٧٣.

١٦٨

ومع هذا كلّه فالكتاب لا يخلو من هفوات وأكثر من هنات ، ومهما أحسنّا الظن بمؤلّفه الذي مرّت ترجمته ، وما قرأناه من وصفه ( كان ديّناً ثقة ) لكن يبقى في النفس من وصفه بذلك ريب ، إذ أنّه روى خبر التهديد بالاحراق عن زيد بن أسلم عن أبيه وأبوه كان مولى لعمر بن الخطاب ، وممّن حمل معه الحطب في النفر الذي أتوا إلى بيت فاطمةعليها‌السلام ، فهو من شهود الواقعة ، وعنصر المشاهدة في الرواية يزيدنا وثوقاً بها.

أقول : روى ابن عبد البر هذا الخبر عن زيد بن أسلم عن أبيه في الاستيعاب(١) ، وفيه قول عمر لفاطمةعليها‌السلام : ( ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك ، ولئن يبلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ ) هكذا رواه ولم يذكر التهديد بالإحراق صريحاً ، بل كتم ذلك وكنى عنه بقوله : ( لأفعلنّ ولأفعلنّ ) وإذا رجعنا إلى بقية المصادر التي ذكرت التهديد بالإحراق صراحة ، نجدها تنقل ذلك برواية زيد بن أسلم عن أبيه ، فقد روى ذلك ابن أبي شيبة في كتابه ( المصنف )(٢) ولفظه : ( وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت ) ، ورواه غيره كما ستأتي مصادره في الفصل الثالث في نصوص يجب أن تقرأ بإمعان. فلماذا انقلب التهديد الصريح إلى تهديد مبطّن عند ابن عبد البر ، الذي أثبت بفعله مكذوب الثناء عليه ( كان ديّناً ثقة ) فما كان في فعله ذلك برّاً ولا تقياً.

٧ ـ كتاب ( الأموال ) لأبي عبيد ( ت ٢٢٤ ه‍ ) ، فقد تعمد الإيهام والاستبهام في كتابه ذلك حين روى خبر عبد الرحمن بن عوف مع أبي بكر قبل موته بخمس عشرة ليلة ، وفيه مثلثات أبي بكر نادماً على ما فعل وما لم يفعل ، فكان من

__________________

(١) الاستيعاب : ٩٧٥.

(٢) المصنف ١٤ : ٥٦٧.

١٦٩

خبره قول أبي بكر : ( أما الثلاث التي فعلتها وودت أنّي لم أفعلها : فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا لخلة ذكرها ) قال أبو عبيد : لا أريد ذكرها.

وهذا ما جعلنا نهزأ بمن يتكتم على الحق لئلاّ يظهر للناس فيعرفوا الحق لأهله ، فأبو بكر يصرّح بماذا فعله وود أنّه لم يفعله نادماً ، يأتي أبو عبيد بعد أكثر من قرنين من الزمان ، فيقول : ( لخلة ذكرها لا أريد ذكرها ) لماذا ؟ فهل أنت أحرص على أبي بكر من نفسه ؟ فهو يذكر تلك الخِلة وأنت لا تريد ذكرها ، إنّها لملكية فوق الملك ، وهذه بلية شملت آخرين من المؤرخين أشير إلى بعضهم هنا وأترك ذكر المثلثات ، إذ سيأتي تمام ذكرها في بداية الفصل الثالث في أول ( نصوص يجب أن تقرأ بإمعان ) ، موثقة رواياتها من مصادر كثيرة تناهز العشرة وربما تزيد فانتظر.

٨ ـ كتاب ( الأموال ) لحميد بن زنجويه ( ت ٢٥١ ه‍ ) ، وفيه ورد خبر المثلثات مرّتين ، ففي الأولى ذكر النص بسند رجال ثقات وليس في النص أيّ تلاعب ، لكن حين ذكره ثانية بسنده دون سنده في المرة الأولى ، وجدنا يكنى ب‍ ( كذا وكذا لشيء ذكره ؟! ).

٩ ـ كتاب ( الكامل ) للمبرد ( ت ٢٨٥ أو ٢٨٦ ه‍ ) ، وهذا الكتاب من عيون الكتب الأدبية ، تتخلله نكات تاريخية ، ذات دلالة يعني الباحث بها ، ومنها ذكره خبر أبي بكر المشار إليه آنفاً من دون ذكر المثلثات ، وهذا مما يؤاخذ عليه.

١٠ ـ كتاب مروج الذهب للمسعودي ، وهذا فيه مواطن تستدعي الوقوف عندها لسنا بصدد ذكرها فعلاً ، لكن ما يستدعي التنبيه عليه في خصوص ما يتعلق بالمقام ، هو رواية خبر المثلثات الآنف الذكر ، وجاء فيه :

( ومرض أبو بكر قبل وفاته بخمسة عشر يوماً ، ولمّا احتضر قال : ما آسى على شيء إلاّ على ثلاث فعلتها وددت أنّي تركتها ، وثلاث تركتها وددت أنّي فعلتها ،

١٧٠

وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) عنها ، فأما الثلاث التي فعلتها ووددت أنّي تركتها : فوددت أنّي لم أكن فتشت بيت فاطمة ، وذكر كلاماً كثيراً ).

فبتر المسعودي الكلام الكثير من أبي بكر ، وانّها لبلية المؤرّخ حين يعيش أزمة الضمير الخانقة ، فهو لا يقوى ـ بجرأة وشجاعة ـ على نقل الوقائع كما هي بحذافيرها وجميع حيثياتها ، إما لغلبة العاطفة بحكم الولاء والانتماء ، أو تقية من سلطان حاكم يخشى بطشه ، أو خوفاً من هياج رعاع الناس حيث لا تحتمل نفوسهم قساوة المصارحة ، ويبدو أنّ المسعودي كان يعيش تلك الدوّامة ، فأعرض عن ذكر الكلام الكثير لأبي بكر.

وفي كتابه ما ستأتي الإشارة إليه من جناية الناشرين أو المحققين عند ذكر ما ننقله من نصوص يجب أن تقرأ بإمعان في الفصل الثالث.

١١ ـ كتاب ( إعجاز القرآن ) للباقلاني ( ت ٤٠٣ ه‍ ) ، وهو معروف بتعصبه ، ومن يقرأ كتابه ( التمهيد ) لا يحتاج في إثبات نُصبه إلى مزيد.

فهذا نقل في كتابه إعجاز القرآن(١) بتعليق السلفي محب الدين الخطيب : روى خبر دخول عبد الرحمن بن عوف على أبي بكر ، ولكنه بتر المثلثات كلّها جملة وتفصيلاً ، ومن الطبيعي أن لا يعلّق محب الدين الخطيب منبهاً على ذلك.

غير أنّ الكتاب أعيد طبعه في دار المعارف بتحقيق السيد أحمد صقر ، وكان بحق صقراً حيث انقضّ على ما ذكره المبرّد في تفسير بعض جمل الخبر ، وأشار في الهامش إلى ذلك ، ولم يذكر عن المثلثات المحذوفة شيئاً(٢) .

كما لم يشر في الهامش إلى تاريخ الطبري والعقد الفريد اللذين ورد فيهما الخبر بتمامه وكماله مشتملاً على المثلثات ، وأحسبه فعل ذلك لئلاّ يحرج نفسه ويجرح عاطفة قرّائه.

__________________

(١) إعجاز القرآن : ١١٦.

(٢) إعجاز القرآن : ٢١٠ ـ ٢١١.

١٧١

١٢ ـ كتاب ( حلية الأولياء ) لأبي نعيم الأصبهاني ( ت ٤٣٠ ه‍ ) ، أطنب مترجموه في الثناء عليه حتى قال فيه ابن مردويه : كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه ، لم يكن في أفق من الآفاق أحد أحفظ منه ولا أسند منه ، كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده ، وكلّ يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريد إلى قريب الظهر ، فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزؤه ، لم يكن له غذاء سوى التسميع والتصنيف )(١) .

وهذا الحافظ ممّن بتر المثلثات من حديث أبي بكر كما صنع في حلية الأولياء(٢) .

١٣ ـ وعلى سبيل من مضى جرى من أتى بعدهم حتى من الباحثين المحدثين.

فهذا أحمد زكي صفوت ذكر في كتابه جمهرة خطب العرب(٣) حديث عبد الرحمن بن عوف مع أبي بكر في مرضه الذي مات فيه ، وذكر كلام من الرجلين إلاّ مثلثات أبي بكر فقد بترها ، مع أنّه ذكر في مصادره تاريخ الطبري والعقد الفريد ، واعتمد عليهما في نقل الخبر ، لكنه فيما يبدو يعيش أزمة تاريخ في ذمة مؤرخ ، فاقتطع ما ذكره وترك ما لا يعجبه ذكره ، حفاظاً على قداسة الموروث.

* * *

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ٣ : ١٠٩٦.

(٢) حلية الأولياء ١ : ٣٤.

(٣) جمهرة خطب العرب ١ : ٧٨.

١٧٢

الفصل الثاني

١٧٣

١٧٤

١ ـ ما هي الأحداث ؟

في هذا الفصل نقرأ أولاً ما هي الأحداث ، وما ينبغي للباحث الرجوع إليه من اشتات روايات متناثرة تناثر النجوم في الأفق السحيق.

وحبذا لو كانت الروايات فقط منثورة ، ولكن العناء يزداد حين نجدها مبتورة ، وقد رواها الخلف عن السلف على ما فيها من تهويش وتشويش.

ومع ذلك كله ، فلم يصلنا من تسجيل الحدَثَ الذي يعنينا أمره في المقام ، وهو ما يتعلّق بسيدنا ( المحسن السبط ) إلاّ القليل القليل ، لم يلم بجميع حيثياته ، ومع ذلك فذلك القليل المتناثر يكشف جوانباً مهمة عن الأزمات التي أحاطت بجوانب الحدَثَ ، حتى لم تستطع قوى الدفاع بكل ما لديها من قوة وحيلة دفع التساؤل ، أو تجيب على ما قيل ويقال حول ذلك الحدَثَ.

وأنّى لمن يحاول الغمغمة في الجواب أن يفعل شيئاً ، ولا يزال شريط الأنباء ـ كما يقال اليوم ـ يعيد للناس ما تحتفظ به الذاكرة من أخبار إدانة لا تحتمل التبرير ولا يلفها التحوير ، ومن ذلك ما قاله أبو بكر لعمر : ( إئتني بعليّ بأعنف العنف ) لماذا ؟

والجواب حاضر على البديهة : لأنّه لم يبايع ، ومن لم يبايع فسيلقى أقسا العقاب ، وأخيراً فعليه القتل ، هكذا تقول الروايات كما ستأتي النصوص بحذافيرها.

ومن ذلك ما جاء أنّ عمر جاء بقبس من نار ، ومعه عصابة من المهاجرين والأنصار ، ومنهم يحملون الحطب إلى بيت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهدّد

١٧٥

عمر بإحراق البيت على من فيه ، وخرجت فاطمةعليها‌السلام تدافع وتمانع ، واستنكرت فئات من الناس تهديد عمر ، وخافوا وقوع الكارثة إن نفّذ تهديده ، فقالوا له فيما ظنّوه ردعاً ومنعاً : إنّ في البيت فاطمةعليها‌السلام ، قال : وإن(١) .

وجاء انّ فاطمة قالت لعمر : أتراك محرقاً عليّ بابي ؟ قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوكِ ، فولولت وبكت وصاحت : ياأبتاه ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب(٢) .

وجاء أنّ عمر ومن معه زحموا الباب وزخموا فاطمة ، فتلقت الرفسة والعصرة ، وأخيراً إسقاط جنينها المحسن.

وجاء أنّ الزبير ثار بسيفه فأخذوه وضربوا بسيفه على صخرة ، واقتيد إلى خارج الدار ، وسلموه بيد خالد بن الوليد.

وجاء أنّهم أخرجوا علياً وقادوه كالفحل المخشوش(٣) ، وأخرجوا من كان معه في البيت ، وكانوا جماعة بني هاشم ومن الصحابة لا يتجاوزون عدد الأصابع ، كما ستأتي أسماؤهم.

وجاء أنّ علياً أوقفوه بين يدي أبي بكر وقالوا له : بايع ، فقال : إن لم أفعل ؟ قالوا : تقتل ، فقال : تقتلون عبداً لله وأخاً لرسوله ، فقالوا : أما عبداً لله فنعم ، وأما أخا رسوله فلا.

وجاء أنّ فاطمةعليها‌السلام خرجت خلفه لتخليصه من أيدي القوم ، وارتفع صوتها تستغيث قائلة : يا أبتاه ماذا لقينا بعدك من ابن أبي قحافة وابن الخطاب.

__________________

(١) تاريخ الخلفاء الراشدين ( الإمامة والسياسة لابن قتيبة ) ، كما سيأتي.

(٢) أنساب الأشراف ، كما سيأتي.

(٣) كما في كتاب معاوية وسيأتي نصه.

١٧٦

وجاء أنّ أبا بكر لم يستجب لإلحاح عمر على قتل عليّ ، وقال له : أنّي لا أكرهه ما دامت فاطمة إلى جانبه.

وجاء أنّ فاطمة جاءت إلى أبي بكر تطلب ميراثها ، فردها أبو بكر بخبره المكذوب : ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ) ، وجاء أنّ فاطمة طالبته بالنحلة فردها ، وجاء أنّها طالبته بسهم ذوي القربى فلم يستجب لها ، وهكذا جاء أنّها هجرته مغاضبة له فلم تكلمه حتى ماتت وهي غضبى عليه(١) .

* * *

__________________

(١) ستأتي الإشارة إلى مصادرها.

١٧٧

٢ ـ وقفة عند الأحداث :

تلكم أبعاد الصورة التي وصلت إلينا عن الأحداث ، ولا شك أنّها بقية من ملامح الصورة التي حفظتها ذاكرة الرواة والمؤرخين ، وربما سمحت أولم تسمح بها سلطات الحاكمين ، كما لا شك بأنّ الصورة أصابها من التلميع والتصنيع ، إمعاناً في تضييع التشنيع.

لذلك تبينت الصورة باهتة الألوان أحياناً كثيرة ، وربما غير متناسقة الأبعاد ، لاختلاف التسجيل تبعاً للأهواء والآراء ، لكن الحاسة السادسة ـ كما يقولون ـ لها عملها في استنطاق الصورة عما محي منها ، وما بقي معها من خشخشة ووشوشة.

ولا شك أنّ المسلم الواعي لدينه تصيبه الصدمة حين يقرأ تلك الأحداث المروعة والمفزعة المفجعة ، كيف يمكن له أن يصدق أنّ رموز الصحابة الّذين عاصروا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعايشوه سفراً وحضراً ، هم الّذين قاموا بذلك ، كيف لم يمنعهم طول الصحبة ، ولا علقة المصاهرة ، ولا سابقة الإسلام ، عن ارتكاب ما جرى ؟

كيف لم يرعوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاً ولا ذمّة ؟ فلم يحترموا قرباه بمودة جعلها الله تعالى أجر رسالته فقال :( قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ٰ) (١) .

__________________

(١) سورة الشورى : ٢٣ وانظر الكشاف للزمخشري ٤ : ٢١٩ , وتفسير مفاتيح الغيب للرازي ٢٧ : ١٦٦ , ومستدرك الحاكم ٣ : ١٧٢ , تجد أنّ الآية الكريمة نزلت في ( عليّ وفاطمة وابناهما ). وروى ابن حجر المكي في صواعقه في الفصل الأول من الباب : ١١ في تفسير الآية : ١٤ من الآيات التي أوردها في

١٧٨

كيف استطاعوا أن يرتكبوا مأثماً ما له من نظير ؟ فأرادوا أن يحرقوا بيت عليّ وفاطمة عليهما وعلى ولديهما ومن فيه ، وذلك البيت هو الذي بالأمس القريب كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأتيه ، فيقف عند بابه كلّ صباح طيلة تسعة أشهر ويقرأ قوله تعالى :( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

كيف صمّت أسماعهم عن صوت نبيهم ، وهو لا يزال يرنّ في مسمع الدهر يقول لأصحابه : « أوصيكم بأهل بيتي خيراً »(٢) .

وهكذا تتوالى الصدمات كلّما توالت الاستفهامات كيف وكيف ، وتزداد عنفاً حين تتوثق الروايات ، ويبقى القارئ في حيرة من أمره بين التصديق والتشكيك ، كيف جرى ما جرى ؟! فالخطب جليل ، والرزء عظيم ، والذوات صحابة من الرعيل الأول ، أضفيت عليهم ابراد القداسة ، من نسج الحاكمين والسياسة.

__________________

فضل أهل البيت فقال : أخرج أحمد والطبراني والحاكم وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية ، قالوا : يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« عليّ وفاطمة وابناهما » .

(١) الأحزاب : ٣٣ ؛ راجع كتاب : ( عليّ إمام البررة ١ : ٣٧١ ـ ٨ ـ ٤ ) , تجد أسماء الرواة ، وقد ناهزوا العشرين ، والمصادر وقد نيفت على المائة ، كلّها ذكرت اختصاص الآية بالخمسة الأطهار : النبي وعلي والزهراء والحسن والحسينعليهم‌السلام .

(٢) جاء في ذخائر العقبى : ١٨ ، قال ( صلّى الله عليه وسلّم ) :« استوصوا بأهل بيتي خيراً ، فإني أخاصمكم عنهم غداً ، ومن أكن خصمه أخصمه ، ومن أخصمه دخل النار » . أخرجه أبو سعد والملا في سيرته.

وجاء في مسند أحمد من حديث أبي سعيد قال ( صلّى الله عليه وسلّم ) :« إنّي أوشك أن ادعى فأجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي ، أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا فيما تخلفوني فيهما » .

وجاء في صواعق ابن حجر : ٨٩ ـ ٩٠ , نقلاً عن الطبراني عن ابن عمر , أنّ آخر ما تكلّم به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أخلفوني في أهل بيتي » وهذه هي المودة الثالثة التي ابتلعها الرواة في حديث الرزية كما في ( موسوعة عبد الله بن عباس ).

١٧٩

ولعل أشدها عنفاً تلك الصدمة التي تكاد تذهب بلب القارئ دهشة وحيرة ، حين يقرأ ما أخرجه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص والسبكي في شفاء الغرام ، والأمر تسري في أرجح المطالب(١) فدخل حديث بعضهم في بعض :

( انّ عمر بن الخطاب سمع رجلاً يذكر علياً بشر ، فقال : ويلك تعرف مَن في هذا القبر ؟ ـ وأشار إلى قبر رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ـ فسكت الرجل ، فقال عمر : محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب ، وهذا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب ، قبّحك الله فقد آذيت رسول الله في قبره ، لا تذكروا علياً إلاّ بالخير ، إن تنقّصته آذيت صاحب القبر ، إذا آذيت علياً فقد آذيته ).

فمن يقرأ هكذا خبراً عن عمر ، ألا يصاب بالدهشة والحيرة ؟ فيسأل عن عمر أين غاب عنه ذلك الوعي يوم جاء بقبس من نار ليحرق البيت على من فيه ؟

وهل إنّ ما ذكره من تقبيح في الدعاء على من تنقّص علياً بلسانه ، لا يشمل من جاء ليحرق عليه بيته ؟ وهل أن إيذاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يخص من تنقّص علياً بلسانه فحسب ، فلا يشمل من آذاه وأخرجه يتلّه بعنف ؟ فهل من جواب عند الحساب لمن يقرأ ( إنّ السكينة تنطق على لسان عمر ) ؟ فأين غابت عنه تلك السكينة المزعومة حينما هدّد بإحراق بيت فاطمة فقال له الناس : انّ في الدار فاطمة ، وهو يعلم ذلك ، وإنما قالوا له ذلك تنبيهاً على عظيم الخطر لو تطاير من البيت الشرر ، لكن أبا حفص قال : ( وإن ) غير مبالٍ بما سيكون.

أو ليس من حق القارئ أن يصارح بأنّ الّذين جاؤوا بالحطب والنار وأرادوا إحراق الباب كانوا معتدين ظالمين ، وبايذائهما علياً آذوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله : « من آذى علياً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله »(٢) .

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٤٩ ، شفاء الغرام : ٢٠٧ ، أرجح المطالب : ٥١٥.

(٢) راجع كتاب ( علي إمام البررة ) ١ : ١٣٤ ـ ١٤٠ ، و ٢ : ١٢٥ ـ ١٣٧.

١٨٠

ولقوله في فاطمة :« فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني » (1) .

وأيضاً قوله فيها :« فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها » (2) .

وأنكى من ذلك كلّه ما أحزن وأبكى أن يروي البخاري في صحيحه(3) عن أبي بكر قوله : ( ارقبوا محمداً( صلّى الله عليه وسلّم ) في أهل بيته ) ؟

ثم يرد فيه حديث :« فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني » .

وليتني أدري هل راقب أبو بكر محمداً في أهل بيته ، حين أمر عمر بأن يأتي بيت فاطمةعليها‌السلام ليأتيه بعلي وبمن معه ، وقال له : فإن أبوا فقاتلهم ، كما سيأتي هذا موثقاً في نصوص يجب أن تقرأ بإمعان ، وقد جاء عمر كما أمره أبو بكر ، وبيده قبس من نار ، ويحمل معه الحطب مَنْ جاء معه من الأتباع والأشياع وأصحاب الأطماع ، وهو يريد أن يحرق البيت على من فيه ، وفاطمة تقول له :« يابن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بيتي ؟ » فيقول لها بكل صلف : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. فبكت وصاحت :« يا أبتاه يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟ » .

وسيأتي النص موثقاً في الفصل الثالث في ( نصوص يجب أن تقرأ بإمعان ).

هذا هو مجمل الأحداث التي أودت بحياة السيد السبط المحسن السقطعليه‌السلام ، وهو أول ضحايا العنف في أحداث السقيفة.

ولا أحسب إنساناً مسلماً يقرأ ما جرى ثم يعذر الجناة في أفعالهم ، إلاّ من استزلّه الشيطان فبقي على ضلاله في مشايعتهم على ظلمهم وأيذائهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته.

__________________

(1) ذخائر العقبى : 37 ، نقله عن الشيخين والترمذي.

(2) المصدر نفسه : 37.

(3) صحيح البخاري 5 : 21.

١٨١

كما لا أظن أحداً يقرأ النصوص الآتية ، ثم يحاول مستكبراً أن ينكر ما حدث ، وأنّى له ذلك ؟ وما يُجديه الإنكار ، والحدث أشهر من أن ينكر ، وأكبر من أن يستر ، فالمصادر كثيرة والأحداث شهيرة ، حتى صارت سنة سيئة يحتج بها عند من لا حريجة له في الدين.

وحسبنا شاهداً واحداً نتلوه عليك ، وذلك ما رواه المسعودي في كتابه مروج الذهب من دفاع عروة بن الزبير عن أخيه عبد الله لما استحوذ على مكة وأطراف الحجاز ، ودعا الناس إلى بيعته بالقهر والإكراه ، استنّ بالخالفين قبله ومنهم جده لأمّه أبو بكر ، فدعا بني هاشم إلى مبايعته ، فأبى عليه ابن عباس وابن الحنفية وبقية بني هاشم ، فحبسهم في الشعب ، وجمع الحطب ليحرقهم إن لم يبايعوا له ، لكن الله تعالى أنجاهم بإغاثة جيش المختار الذي أرسله بقيادة أبي عبد الله الجدلي لتخليصهم ، فأدركوهم ولمّا أزفت ساعة الحريق فأخرجوهم سالمين ، فعاب الناس فعل ابن الزبير ذلك الفعل الشنيع المريع ، وخاضوا في ذلك مما جعل عروة بن الزبير يعتذر عن أخيه بقوله : إنّ عمر بن الخطاب أحضر الحطب ليحرق الدار على من تخلّف عن بيعة أبي بكر.

* * *

١٨٢

3 ـ وقفة تحقيق ٍلابد منها :

إنّ النص المشار إليه آنفاً في اعتذار عروة بن الزبير عن أخيه ، قد وقع فيه كتمان وحذف ، ولا شك في أنّ ذلك خيانة ، ولا يجوز لنا المرور على النص دون التنبيه على ما طرأ عليه لمعرفة من يستحق الإدانة ، أهو صاحب الكتاب ( المصدر ) ؟ أم هو الناسخ والمحقق ؟ أم هو الناشر ؟

لقد ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج(1) ، نقلاً عن المسعودي في مروج الذهب(2) ، الخبر كما يلي :

( كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره إياهم في الشعب ، وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول : إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته ، كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم ، إذ هم أبو البيعة فيما سلف ).

هذا ما ورد في الطبعات الأربع من المروج قديماً وكلّها بمصر ، أما الطبعات الحديثة بمصر وبيروت ، فقد جرى حذف متعمد ستراً على السلف ، وإليكم نص ما في طبعة مصرية بتحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد سنة 1367 ه‍ مطبعة

__________________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20 : 147.

(2) مروج الذهب 2 : 79 ، طبعة بولاق سنة 1283 ه‍ , و 2 : 72 ، ط الأزهرية سنة 1303 ، وبهامشها روضة المناظر لابن الشحنة ، و 6 : 160 ـ 161 , طبعة مصرية رابعة بهامش تاريخ ابن الأثير ، وكذا في طبعة العامرة البهية سنة 1346 ه‍.

١٨٣

السعادة ، وأيضاً طبعته الثالثة سنة 1377 ه‍ ، وقد كتب عليها مزيدة ومنقحة في ج 3 ، ص 86 ، وفي طبعة دار الفكر في بيروت ، وطبعة دار الأندلس أيضاً في بيروت ، فجميعها حذفت منها جملة : ( كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم ) وبقيت جملة ( إذ هم أبو البيعة فيما سلف ) وشاء الله تعالى أن يظهر الحق ، فعمي المحققون لهذه الطبعات عما نمّ به السارق على نفسه ، حين أبقوا جملة : ( إذ هم أبو البيعة فيما سلف ) وهي لا تتفق مع السياق إلاّ بإثبات جملة ما حذفوه ، وهي : ( كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم ).

وما أدري كيف استساغ أولئكم النفر المحققون والناشرون تمرير العبارة مع وضوح الإشارة ؟! هذا فعل المصريين والبيروتيين في طبعاتهم الحديثة.

أما فعل المستشرقين الّذين حققوا كتاب مروج الذهب وطبعوه ، فقد اطلعت على طبعة حققها ( شارل بلا ) من منشورات الشريف الرضي بقم ، فقد ذكر في هامش ج 3/ 276 برقم 1934 الجملة المحذوفة ، وأشار إلى أنها عن نسخة ( م ).

ولم يكن كتاب مروج الذهب هو الأوّل والآخر في وقوع التحريف فيه ، فهناك كتب اخرى طالتها يد العبث إما بتحريف أو تصحيف أو حذف لغرض التعتيم ، وسنأتي على ذكر بعضها مما يقع في مصادر بحثنا إن شاء الله تعالى.

ونعود إلى المسعودي فقد قال بعد حكايته الخبر المشار إليه آنفاً نقلاً عن كتاب النوفلي ، فقال المسعودي معقباً عليه : ( وهذا خبر لا يحتمل ذكره كتابنا هذا ، وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبارهم ، المترجم بكتاب حدائق الأذهان ).

أقول : إنّ تعقيب المسعودي يكشف لنا مدى مبلغ التقية عنده ، كما يكشف عن مدى الحصار الثقافي في أيامه ، وذلك ما أودى بكثير من الحقائق ، ولمّا كانت الرقابة على المؤرخين تخضعهم لأهواء الحاكمين ، فلابد أن تضيع المعالم والرسوم.

١٨٤

وسيأتي عن البلاذري قوله : ( وجرى بينهما كلام ) يعني بين عليّ وعمر في أيّام تلك الأحداث ، ومنها طلب البيعة من الإمام لأبي بكر.

ولكن لا يخفى على من له أدنى إلتفات ، واطلع على تاريخ تلك الحقيقة ، بأنّ المراد من قولهعليه‌السلام : ( احلب حلباً لك شطره ) ، ( اُشدد أمره اليوم يرده عليك غداً ) وهذا ما حدث ، ليست نبوءة أو اخباراً بالغيب ، بل للحق دلالات وعلامات يتبع بعضها بعضاً ، يعرفها من كان على الحق والحق معه.

* * *

١٨٥

الفصل الثالث

١٨٦

1 ـ تمهيد وليس بوعيد :

أيّها الأخ المسلم ، سنياً كنت أم شيعياً ، ستقرأ في النصوص التالية حجة من يحتج بها في الإدانة بإسقاط ( السيد السبط المحسن السقطعليه‌السلام ) ، ويستدلّ بها الباحث ، فعليك إن رأيته خصماً لك في الرأي تنظر في مصادره ، فإن كنت واثقاً من صحتها فهي مقبولة عندك ، وإن لم تجدها كذلك ، فمن الإنصاف لنفسك قبل إنصافك لغيرك ، أن تقرأ ما يسوقه لك من نصوص هو يراها ثابتة ، وأنت أيضاً من حقك ولك رأيك فيها سلباً أو إيجاباً ، نفياً أو إثباتاً ، لكنك لا يسعك الإعراض عنها قبل القراءة ، والتحامل عليه بالتجريح والتقبيح.

ومن الإنصاف أن تستمع لمحدثك فيما يحتج به عليك من مصادر تراثك مما تشهد أنت بوثاقته ، فلا يمكنك التخلّص والتملّص مما يتلى عليك منه ، وهو يثبت بحجته عليك الادانة بالإسقاط ـ الذي هو محور الرسالة ـ.

وبقراءتك للنصوص بتدبر ، ستقترب رويداً رويداً من الصورة الواقعية للأحداث التي تزامنت سبقاً ولحوقاً مع إسقاط ( السيد السبط المحسن السقط ) ، ثم تتفهم وتتعقل وتتساءل مع نفسك ، أكان ذلك حقاً ؟ فإن كان فقد كان ينبغي أن لا يكون.

ومهما تكن تلك الصورة عندك باهتة اللون في بعض النصوص ، لكنها واضحة المعالم في نصوص أخرى ، وبالتالي تتضح أمامك صحة أقوال من تراه خصماً لك من دون تهويش أو تشويش ، إذا قرأت النصوص بإمعان وتعمّق فيما تعرضه من صور.

١٨٧

فإذا تمت لك القراءة وشط بعدها بك العناد لقداسة الموروث عندك وقد نخر جوانحك ، فعليك أن تستعد للإجابة على عدة استفهامات يطرحها من تراه خصماً ، وقد استلّها من تراثك الذي تعتز به وترجع إليه. وإن أصحابه عندك هم حفظة الآثار ونقلة الأخبار ، وغير متهمين عليك في ولائهم وانتمائهم لمن تتولّى ، وقد اعتدى بعد ما تولّى.

أما إذا عجزت عن الجواب فعليك أن تخضع للحقيقة ، وإن كانت النتائج محزنة ومخزية ، محزنة لك ومخزية لأولئك النفر الذين يعيشون على فتات القداسة ، مما نثرته السياسة بحجة وبغير حجة.

وسوف تتجلّى لك الحقائق التي اُحيطت بضبابية كادت ولمّا ، تمحو كل ما في خزين الذاكرة عن أحداث ذلك العهد ، وليس من حقك أن تشهر سلاحك بوجه من يقول لك هلمّ فاقرأ كتابيه ، فإنّه القول الفصل وما هو بالهزل ، وكيف بك إذا قال لك هلمّ نقرأ آيات من سورة التوبة ، فهل يسعك الرفض وتشيح بوجهك عنها وعنه ؟

اللهم ما عليك إن كنت مسلماً حقاً إلا أن تستجيب لما يتلو عليك من قول الله سبحانه وتعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ *مَا كَانَ لأهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ *وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) .

__________________

(1) التوبة : 119 ـ 121.

١٨٨

ثلاث آيات مباركات من سورة التوبة ، فيها أمر وفيها تحذير وفيها ترغيب.

فأولها : أمرت بالتقوى واتباع الصادقين ، فمن هم الصادقون ؟

وثانيها : فيها تحذير ونهي شديد لأهل المدينة ومن حولها من الأعراب عن التخلّف عن رسول الله ، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، فمن هو نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ومن بعده ؟

وثالثة الآيات : فيها ترغيب عظيم لمن كان متبعاً ومهتدياً بهدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإذا تلمّسنا الجواب على سؤال من هم الصادقون ؟ نجد حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباسرحمه‌الله يجيب على ذلك بأنّ الآية نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، هكذا رواه الحاكم الحسكاني(1) ، لكن الحمويني الجويني في فرائد السمطين(2) ، روى الحديث عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه في هذه الآية قال : ( علي بن أبي طالب وأصحابه ).

أما الجواب عن السؤال الثاني ، فيجيب عليه القرآن الكريم في آية المباهلة حيث قال تعالى :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ ) (3) .

وقد اتفق المفسرون والمحدّثون والإخباريون على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخرج معه يوم المباهلة الحسن والحسين وفاطمة وعلي ، فأبناؤنا : الحسن والحسين ، ونساؤنا : فاطمة ، وأنفسنا : علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

وقد أوضحت ذلك وما يتعلق به في كتاب علي إمام البررة(4) عن أكثر من خمسين مصدراً.

__________________

(1) شواهد التنزيل 1 : 260.

(2) فرائد السمطين باب / 68.

(3) آل عمران : 61.

(4) علي إمام البررة 1 : 425.

١٨٩

وحيث دلّت الآية الكريمة على مساواة علي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في جملة من خصائصه إلاّ النبوة ، فيكون علي الذي هو نفس النبي بنص آية المباهلة ، هو المعنيّ بالآية في سورة التوبة ؛ لقوله تعالى :( وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَفْسِهِ ) (1) ، ولو كان الضمير يعود إلى شخص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لقال : ولا يرغبوا بأنفسهم عنه ، كما هو مقتضى البلاغة.

إذن فإنّا يجب علينا أن نتبع علي بن أبي طالبعليه‌السلام لأنّه إمام الصادقين ، ولا نرغب بأنفسنا عن نفسه ، لأنّه هو نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه ليس بنبي كما قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث المنزلة : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّك لست بنبي ، إلا أنّه لا نبي بعدي ».

وفي ثالث :« علي منّي وأنا من علي » وفي رابع :« لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا وعلي » كما في حديث تبليغ براءة(2) .

وقد ذكر السيوطي في تفسيره الدر المنثور(3) تفسير الآيتين الكريمتين :( مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ ) إلى آخر الآيتين فذكر حديث المنزلة ، وأنّ علياً هو نفس رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) .

كما ذكر نقلاً عن ابن أبي حاتم ، عن الأوزاعي ، وعبد الله بن المبارك ، وإبراهيم بن محمد الفزاري ، وعيسى بن يونس السبيعي ، أنّهم قالوا في قوله تعالى :( وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ) (4) ، قالوا : هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة.

__________________

(1) التوبة : 120.

(2) راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 2 : 80 ـ 95 , نقلاً عن أكثر من ثمانين مصدراً سنيّاً.

(3) الدر المنثور 3 : 292.

(4) التوبة : 120.

١٩٠

فإذا تحررنا من بعض الرواسب ، وأضفنا إلى قراءتنا القرآنية قراءة قوله تعالى في سورة التوبة أيضاً :( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَٰلِكَ الخِزْيُ العَظِيمُ ) (1) .

وعطفاً على ما سبق نقرأ قوله تعالى :( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ ) (2) .

فبعد هذه القراءات القرآنية في الآيات المباركات ، يجب على كلّ مسلم أن يتحرّر من نوازع الرواسب ، ويتحرّز من نوازع الشيطان ، ويتمسّك بتولّي من لا تصح الأعمال إلاّ بولايته ، بل وحتى يجب عليه التبري من كلّ من خالف الحق من قريب أو غريب نسباً أو سبباً.

وإذا غامت عليك دنيا العقائد والأفكار بسُحُب التضليل ، ولم تتمكن من معرفة من كان على الحق ومن لم يكن ، فعليك بالرجوع إلى التنزيل فهو خير دليل ، والى التأويل فيما صح عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعند ذلك يتجلّى لك الحق المبين في معنى قوله تعالى :( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) .

وقد مرّ بنا عن حبر الأمة عبد الله بن عباسرحمه‌الله إنّ الآية الكريمة نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأصحابه ، كما رواه من لا يتهم في تسنّنه ، فلا مجال حينئذٍ للتوقف عند بوابة التشكيك في وجوب اتباع الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

كما لا مجال للزعم بأنّ الصحابة كلّهم من أصحابه ، ( وبأيّهم اقتديتم اهتديتم ) فذلك زعم كاذب ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مايز بين الصحابة ، وأفصح عن الميزان بقوله :« علي

__________________

(1) التوبة : 63.

(2) المجادلة : 22.

١٩١

مع الحق والحق مع علي ـ وعلى لسانه ـ :والحق يدور حيثما دار علي » كما في حديث أبي ذر الغفاري ( أصدق ذي لهجة ) كما وصفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقوله الآخر :« علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض » كما في حديث أم سلمة.

وما حديث عائشة عن ذلك ببعيد ، فقد قال لها أخوها محمد بن أبي بكر يوم الجمل : أنشدك الله أتذكرين يوم حدثتني عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال :« الحق لن يزال مع علي ، وعلي مع الحق ، لن يختلفا ولن يفترقا » ؟ فقالت : نعم.

وثالثة من أمهات المؤمنين ، وهي ميمونة بنت الحارث الهلالية ، قالت لمن أخبرها أنّه بايع علياً ، قالت : ( فالحق به فوالله ما ضل وما ضُلّ به ).

وهكذا تتوارد الأحاديث عن الرسول الكريم ، وعن الصحابة في تمييز الحق وأنّه مع علي ، حتى روي عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال : ( ستكون فتنة فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وهو يقول :« هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو بابي الذي أوتي منه ، وهو خليفتي من بعدي » (1) .

فبعد هذا فلا مبرر لمنكر أو مستنكر أن يشنع على من تولّى علياً في حياته وبعد مماته ، وتبرأ من أعدائه في حياته وبعد مماته ، ما دام هو ميزان الحق ، ولا يعدل إنسان مسلم بالحق شيئاً.

* * *

__________________

(1) راجع بشأن هذه الأحاديث وغيرها كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 342 ـ 352 ، ستجد المصادر جميعها من التراث السني الذي لا يسع القارئ السنيّ نبذه.

١٩٢

2 ـ لابد لكل سؤال من جواب :

كم من أحداث مريرة وكثيرة مرّت في تاريخ المسلمين منذ عصر الصحابة وما تلاه ، تثير عند قراءتها تساؤلات :

لماذا الحَدَث ؟

ولحساب مَن كان الحدَثَ ؟

ومَن قام بالحَدَث ؟

وهكذا سؤال يتبعه سؤال ، ولابدّ لكل سؤال من جواب ، وقد نقرأ بعض الأجوبة وهي غير مقنعة ، بل مقنّعة ومصطنعة ، تهدف إلى تمييع الحدث وتضييع الحق ، بين غمغمة المؤرّخ وطمطمة المحدِّث ، إما بحجة ضعف الاسناد فيها ، أو زعم نكارة المتن ، وهكذا تبقى غمامة الريب تظلل شمس الحقيقة ، ولكن سرعان ما ينجلي السحاب ويتبين وجه الحق ، ويعرف الجواب على الصواب.

ولما كان أقسى حادث حدث في صدر الإسلام ، هو ما أعقب وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدءاً من سقيفة بني ساعدة ، وما حصل فيها من تنازع نفر من المهاجرين مع جماعة الأنصار في اغتنام الخلافة ، وما تم أخيراً من استلابها لصالح النفر المهاجرين ، وما تبع ذلك من انقسام في صفوف جماعة المسلمين ، فكانت الشيع والأحزاب تعصف بالرجال من هنا وهناك ، وجاء النفر المهاجرون الذين فازوا بالخلافة على الأنصار بحجة أنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم ، جاؤوا إلى بيت محمد ليحرقوا بنت محمد ومن معها في البيت ؛ لأنّ علياً نفس محمد ـ بنص آية المباهلة ـ

١٩٣

وأخا محمد ، وابن عم محمد ، وصهر محمد اعتزلهم وما يعبدون ويريدون ، وامتنع من الاعتراف بشرعيتهم.

لكن المخالفين لم يكن ليتركوه وشأنه حتى يقسروه على البيعة طوعاً أو كرهاً ، وهذا ما حدث ، فجرت خطوب أقساها هو الهجوم على بيت علي وفاطمةعليهما‌السلام بشراسة وعنجهيّة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المسلمين ، بل ولا قبله فكان العنف والفظاظة مع قبس من نار ، وحزمات الحطب تحملها رجال غلاظ شداد ، يتبعون عمر وبيده القبس يلتهب ناراً ، مهدداً بإحراق البيت على من فيه ، فهزّ ذلك المشهد مشاعر بعض المسلمين ممّن لم يكن يتوقع أن يحدث مثل ذلك ، فقالوا : إنّ في الدار فاطمة ، قال عمر : وإن !

يا لها كلمة كبرت تخرج من أفواههم ، ولشدة الصدمة فقد أثيرت حول مجموع الحدث شكوك ، وبدت المعاذير دفعاً للمحاذير ، فالبيت لعلي وفاطمةعليهما‌السلام بالأمس القريب كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقف على بابه طيلة تسعة أشهر كل يوم ، ويقرأ الآية الكريمة التي نزلت فيه وفيهم :( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .

واليوم تنتهك منه الحرمة ، ويأتيه من لا يتوقع ما يأتيه ، في النفر الجفاة الجناة ، وهم معدودون في صحابته المقربين ، كيف يمكن تصديق أن يحدث مثل ذلك ؟ فلا مانع من الشك ، أملاً في إسدال الحجاب على ما حدث عند الباب ، ولكن سرعان ما يتبدد ، حين يقول القائل إن لم يكن بضخامة المروي جميعاً ، فلا شك أنّه كان على نحو مّا ، لأنّه ما من دخان إلا من وراء نار ، ومن قرأ التاريخ يجد النصوص المتشابكة المتفاوتة ، وضوحاً وعتمة ، وصراحة وبهمة ، تثير التساؤلات

__________________

(1) الأحزاب : 33.

١٩٤

الآتية ، وفي معرفة الجواب عليها ستهدي القارئ إلى الحق الذي أمرنا باتباعه ، وينتشل غريق الأوهام والأحلام من بحر لجيّ في دجنة ليل الظلام ، فإلى قراءة المسائل والجواب الحاصل.

س / 1 : هل كان هجوم على بيت فاطمة وعليعليهما‌السلام ؟

ج : نعم ، كان الهجوم بكل معنى الكلمة ، كما ستأتي مصادره التاريخية في نصوص تاريخية يجب أن تقرأ بإمعان.

س / 2 : من كان الآمر بالهجوم ؟

ج : هو أبو بكر ، كما سيأتي اعترافه بذلك فلا مجال للشك.

س / 3 : لماذا الهجوم ؟

ج : لإخراج علي ومن معه من بني هاشم وغيرهم ممّن شايعوه على رفض بيعة أبي بكر.

س / 4 : من هم الذين جاؤوا وهجموا ؟

ج : هم عمر بن الخطاب وهو قائد الحملة ، وكان معه المغيرة بن شعبة ، وخالد بن الوليد ، وقنفذ ، وآخرون ستأتي أسماؤهم.

س / 5 : هل صحّ أنّه كان معهم نار وحطب ؟

ج : نعم ، كان معهم ذلك ، وسيأتي التفصيل في نصوص تاريخية يجب أن تقرأ بإمعان.

س / 6 : من كان مع علي في البيت معتصماً ؟

ج : كان معه جماعة بني هاشم ، العباس وولده ، وعقيل وآخرون من شيعته ستأتي أسماؤهم.

س / 7 : هل كان تدافع وتمانع عند الباب ؟

ج : نعم ، كان ذلك حين كانت فاطمةعليها‌السلام تمانعهم من الدخول ، فدفعوا

١٩٥

الباب ، وزحموا فاطمة وما رحموا فكانت الرفسة ، وكانت العصرة ، وكان الضرب ، وأخيراً كانت مأساة إسقاط ( السيد المحسن السقط ) من زحم قنفذ لها حتى أسقطت.

س / 8 : هل صحيح حصل الضرب ، والرفسة ، وإسقاط الجنين ؟

ج : نعم ، حصل جميع ذلك ، وستأتي مصادر ذلك.

س / 9 : هل كان حرق للباب ؟ أم كان مجرد تهديد ؟

ج : نعم ، لقد روي أنّه رؤي الدخان ، ولا دخان من غير نار.

س / 10 : هل انتهت المأساة بحرق الباب ؟

ج : كلاّ ، فقد دخلت الفئة الضالّة لإخراج علي ومن معه.

س / 11 : هل أخرج عليّ ومن معه بعنف ومهانة ؟

ج : نعم ، لقد أخرجوهم يتلّونهم تلاّ ، حتى قادوا علياً كما يقاد الفحل المخشوش ـ يعني الذي يجعل في أنفه الخشاش ، وهو الخشب الذي يدخل في عظم أنف البعير إذا استعصى قياده ـ.

س / 12 : هل خرجت الزهراءعليها‌السلام خلفه تبكي وتولول ؟

ج : نعم ، خرجت صارخة باكية وهي تقول : « يا أبتاه ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ».

س / 13 : لماذا خرجت الزهراء ؟ وكيف تمكنت من الخروج وهي قد أجهضت حملها ؟

ج : خرجت لتخلّص ابن عمها وبعلها من أيدي القوم ، ولو لم تخرج لقتل علي ، فتحاملت على نفسها فخرجت ولم تعد حتى أعادته معها في خطوب جرت.

س / 14 : هل انتهت الكارثة بعودتها ومعها ابن عمّها سالماً ؟

ج : لم تنته الكارثة ولن تنتهي ، وما تزال آثارها تستعر الأمة بأوارها.

١٩٦

س / 15 : من أين لنا ولكم التصديق بصحة ما تقدم من أجوبة مقتضبة ؟

ج : من خلال ما نقرأ من نصوص تالية ، بدءاً من اعتراف أبي بكر بأصل الهجوم ، وتفتيش بيت فاطمة ، وأنّه كان عن إذنه وبأمره ، كما هو واضح من صريح حديثه مع عبد الرحمن بن عوف وذلك قبل موته بخمسة عشر يوماً ، ممّا دلّ على ندمه ولات حين مندم.

إذن لابد من قراءة الحديث أولاً ، ثم قراءة بقية النصوص التالية بعده لمعرفة صحة الأجوبة المقتضبة التي تقدمت.

* * *

١٩٧

3 ـ نصوص ثابتة يجب أن تقرأ بإمعان :

والآن سنقرأ من النصوص الثابتة ما يدحض معاذير علماء التبرير التي ساقوها ، ايغالاً في التحوير والتزوير ، ليخفوا حقائق الأمر الواقع ، ستراً على الشخوص والرموز ، وانصياعاً مع قداسة الموروث.

وقد يكون الكثير من القرّاء خصوصاً من لا يزال تحت ضغط الرواسب ، لم يطلع عليها من قبل ، أو اطّلع عليها فشك في صحتها ، وتمادى به الشك حتى أنكرها وولّى عنها مستكبراً ، وتحامل بظلم على أصحابه فرماهم بالعظائم مما هم بريئون منه ، وأدنى ما قال فيهم أنهم من الشيعة ، أو رواتهم من الشيعة ، أو ، أو ، كما مرّ في وقفة مع المصادر ، وكأنّه لم يقرأ ولم يسمع قوله تعالى :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لا يَهِدِّي إِلا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) .

لذلك فسوف نقرأ النصوص من مصادر موثوقة جميعها من التراث السني ، لما قدمناه أول الرسالة وكررنا ذكره ، انّ ذلك أبلغ في اقناع المنكرين ، وأدحض لحجة المستنكرين ، وأبعد من تهمة المعاندين المستكبرين ، فإذا كان كل ما سنقرأ بروايات أئمة حفاظهم من المحدّثين والمؤرّخين ، كذباً على أبي بكر وبقية رموز المشايعين والمتابعين ، فما ذنب الذين يحتجون عليهم بمروياتهم ، وهم أصحاب التراث السني الكبير الكثير ؟

__________________

(1) يونس : 35.

١٩٨

والآن لنقرأ حديث أبي بكر مع عبد الرحمن بن عوف في مرضه الذي مات فيه ، وما لحقه من ايهام واستبهام مما ينصب أكثر من علامة استفهام ، فليقرأه أبناء الإسلام.

في إعتراف أبي بكر كشف خطير :

أخرج الطبري في تاريخه(1) ، وابن عبد ربه المالكي الأندلسي في كتابه العقد الفريد(2) ، وغيرهما كالجوهري والطبراني ممّن يمكن الرجوع إليهم لغرض المقارنة والتأكيد على صحة جوهر النص ؛ لأن التفاوت في المنقول قد يوحي بالشك في صحة المنقول ، ولمّا كانت رواية الطبري وابن عبد ربه أوفى سنداً من رواية غيرهما ، فعنهما نذكر النص ، وهو كما يلي :

قال الطبري : حدّثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدّثنا الليث بن سعد ، وقال ابن عبد ربه : قال أبو صالح : أخبرنا محمد بن وضاح ، قال : حدّثني محمد بن بن المهاجر التميمي ، قال حدّثني الليث بن سعد(3) قال : حدّثنا علوان ، عن صالح بن كيسان ، عن عمر(4) بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه أنّه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه ، فأصابه مهتمّاً(5) فقال له عبد الرحمن : أصبحت والحمد لله بارئاً ! فقال أبو بكر :

__________________

(1) تاريخ الطبري 3 : 429 ـ 431.

(2) العقد الفريد 4 : 267.

(3) من هنا يتفق سند الطبري مع سند ابن عبد ربه ، فنسوق الخبر برواية الطبري , ونشير إلى الإختلاف بين الروايتين سنداً ومتناً.

(4) كذا في الطبري وفي العقد الفريد : عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وسيأتي ذكره في أحد اسنادين آخرين في آخر الخبر عند الطبري.

(5) في العقد : ( مفيقاً ).

١٩٩

أتراه ؟ قال : نعم ، قال : ( أما إنّي على ذلك لشديد الوجع ، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي )(1) .

إنّي وليت أمركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم أنفه من ذلك ، يريد أن يكون الأمر له دونه ، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمّا تقبل ، وهي مقبلة ، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج ، وتألموا الاضطجاع على الصوف الأذري(2) كما يألم أحدكم أن ينام على حسك ( شوك السعدان ) والله لأن يُقدّم أحدكم فتضرب عنقه في غير حدّ خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا ، وأنتم أول ضالّ بالناس غداً ، فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالاً ، يا هادي الطريق إنّما هو الفجر أو البجر(3) .

فقلت له : خفض عليك رحمك الله ، فإنّ هذا يهيضك في أمرك ، إنّما الناس في أمرك بين رجلين : إما رجل رأى ما رأيت فهو معك ، وإما رجل خالفك فهو مشير عليك ، وصاحبك كما تحب ، ولا نعلمك أردت إلاّ خيراً ، ولم تزل صالحاً مصلحاً ، وأنّك لا تأسى على شيء من الدنيا.

قال أبو بكر : أجل ، إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) .

فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي تركتهنّ : فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد غلقوه على حرب ، ووددت أنّي لم أكن حرقت الفجاءة السُلمي(4) ، وانّي كنت قتلته سريحاً أو خلّيته نجيحاً(1) ، ووددت أنّي يوم سقيفة بني

__________________

(1) ما بين القوسين من العقد الفريد.

(2) نسبة إلى آذربيجان.

(3) البجر ـ بالفتح والضم ـ الداهية والأمر العظيم.

(4) كان قد أتى أبا بكر فادعى الإسلام , وطلب إليه مشاركته في جهاد المرتدين وأن يحمله ، فحمله

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628