المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط0%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف: السيد محمد مهدي
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

الصفحات: 628
المشاهدات: 81914
تحميل: 7183

توضيحات:

المحسن السبط مولود أم سقط
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81914 / تحميل: 7183
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

ولقوله في فاطمة :« فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني » (1) .

وأيضاً قوله فيها :« فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها » (2) .

وأنكى من ذلك كلّه ما أحزن وأبكى أن يروي البخاري في صحيحه(3) عن أبي بكر قوله : ( ارقبوا محمداً( صلّى الله عليه وسلّم ) في أهل بيته ) ؟

ثم يرد فيه حديث :« فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني » .

وليتني أدري هل راقب أبو بكر محمداً في أهل بيته ، حين أمر عمر بأن يأتي بيت فاطمةعليها‌السلام ليأتيه بعلي وبمن معه ، وقال له : فإن أبوا فقاتلهم ، كما سيأتي هذا موثقاً في نصوص يجب أن تقرأ بإمعان ، وقد جاء عمر كما أمره أبو بكر ، وبيده قبس من نار ، ويحمل معه الحطب مَنْ جاء معه من الأتباع والأشياع وأصحاب الأطماع ، وهو يريد أن يحرق البيت على من فيه ، وفاطمة تقول له :« يابن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بيتي ؟ » فيقول لها بكل صلف : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. فبكت وصاحت :« يا أبتاه يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟ » .

وسيأتي النص موثقاً في الفصل الثالث في ( نصوص يجب أن تقرأ بإمعان ).

هذا هو مجمل الأحداث التي أودت بحياة السيد السبط المحسن السقطعليه‌السلام ، وهو أول ضحايا العنف في أحداث السقيفة.

ولا أحسب إنساناً مسلماً يقرأ ما جرى ثم يعذر الجناة في أفعالهم ، إلاّ من استزلّه الشيطان فبقي على ضلاله في مشايعتهم على ظلمهم وأيذائهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته.

__________________

(1) ذخائر العقبى : 37 ، نقله عن الشيخين والترمذي.

(2) المصدر نفسه : 37.

(3) صحيح البخاري 5 : 21.

١٨١

كما لا أظن أحداً يقرأ النصوص الآتية ، ثم يحاول مستكبراً أن ينكر ما حدث ، وأنّى له ذلك ؟ وما يُجديه الإنكار ، والحدث أشهر من أن ينكر ، وأكبر من أن يستر ، فالمصادر كثيرة والأحداث شهيرة ، حتى صارت سنة سيئة يحتج بها عند من لا حريجة له في الدين.

وحسبنا شاهداً واحداً نتلوه عليك ، وذلك ما رواه المسعودي في كتابه مروج الذهب من دفاع عروة بن الزبير عن أخيه عبد الله لما استحوذ على مكة وأطراف الحجاز ، ودعا الناس إلى بيعته بالقهر والإكراه ، استنّ بالخالفين قبله ومنهم جده لأمّه أبو بكر ، فدعا بني هاشم إلى مبايعته ، فأبى عليه ابن عباس وابن الحنفية وبقية بني هاشم ، فحبسهم في الشعب ، وجمع الحطب ليحرقهم إن لم يبايعوا له ، لكن الله تعالى أنجاهم بإغاثة جيش المختار الذي أرسله بقيادة أبي عبد الله الجدلي لتخليصهم ، فأدركوهم ولمّا أزفت ساعة الحريق فأخرجوهم سالمين ، فعاب الناس فعل ابن الزبير ذلك الفعل الشنيع المريع ، وخاضوا في ذلك مما جعل عروة بن الزبير يعتذر عن أخيه بقوله : إنّ عمر بن الخطاب أحضر الحطب ليحرق الدار على من تخلّف عن بيعة أبي بكر.

* * *

١٨٢

3 ـ وقفة تحقيق ٍلابد منها :

إنّ النص المشار إليه آنفاً في اعتذار عروة بن الزبير عن أخيه ، قد وقع فيه كتمان وحذف ، ولا شك في أنّ ذلك خيانة ، ولا يجوز لنا المرور على النص دون التنبيه على ما طرأ عليه لمعرفة من يستحق الإدانة ، أهو صاحب الكتاب ( المصدر ) ؟ أم هو الناسخ والمحقق ؟ أم هو الناشر ؟

لقد ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج(1) ، نقلاً عن المسعودي في مروج الذهب(2) ، الخبر كما يلي :

( كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره إياهم في الشعب ، وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول : إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته ، كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم ، إذ هم أبو البيعة فيما سلف ).

هذا ما ورد في الطبعات الأربع من المروج قديماً وكلّها بمصر ، أما الطبعات الحديثة بمصر وبيروت ، فقد جرى حذف متعمد ستراً على السلف ، وإليكم نص ما في طبعة مصرية بتحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد سنة 1367 ه‍ مطبعة

__________________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20 : 147.

(2) مروج الذهب 2 : 79 ، طبعة بولاق سنة 1283 ه‍ , و 2 : 72 ، ط الأزهرية سنة 1303 ، وبهامشها روضة المناظر لابن الشحنة ، و 6 : 160 ـ 161 , طبعة مصرية رابعة بهامش تاريخ ابن الأثير ، وكذا في طبعة العامرة البهية سنة 1346 ه‍.

١٨٣

السعادة ، وأيضاً طبعته الثالثة سنة 1377 ه‍ ، وقد كتب عليها مزيدة ومنقحة في ج 3 ، ص 86 ، وفي طبعة دار الفكر في بيروت ، وطبعة دار الأندلس أيضاً في بيروت ، فجميعها حذفت منها جملة : ( كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم ) وبقيت جملة ( إذ هم أبو البيعة فيما سلف ) وشاء الله تعالى أن يظهر الحق ، فعمي المحققون لهذه الطبعات عما نمّ به السارق على نفسه ، حين أبقوا جملة : ( إذ هم أبو البيعة فيما سلف ) وهي لا تتفق مع السياق إلاّ بإثبات جملة ما حذفوه ، وهي : ( كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم ).

وما أدري كيف استساغ أولئكم النفر المحققون والناشرون تمرير العبارة مع وضوح الإشارة ؟! هذا فعل المصريين والبيروتيين في طبعاتهم الحديثة.

أما فعل المستشرقين الّذين حققوا كتاب مروج الذهب وطبعوه ، فقد اطلعت على طبعة حققها ( شارل بلا ) من منشورات الشريف الرضي بقم ، فقد ذكر في هامش ج 3/ 276 برقم 1934 الجملة المحذوفة ، وأشار إلى أنها عن نسخة ( م ).

ولم يكن كتاب مروج الذهب هو الأوّل والآخر في وقوع التحريف فيه ، فهناك كتب اخرى طالتها يد العبث إما بتحريف أو تصحيف أو حذف لغرض التعتيم ، وسنأتي على ذكر بعضها مما يقع في مصادر بحثنا إن شاء الله تعالى.

ونعود إلى المسعودي فقد قال بعد حكايته الخبر المشار إليه آنفاً نقلاً عن كتاب النوفلي ، فقال المسعودي معقباً عليه : ( وهذا خبر لا يحتمل ذكره كتابنا هذا ، وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبارهم ، المترجم بكتاب حدائق الأذهان ).

أقول : إنّ تعقيب المسعودي يكشف لنا مدى مبلغ التقية عنده ، كما يكشف عن مدى الحصار الثقافي في أيامه ، وذلك ما أودى بكثير من الحقائق ، ولمّا كانت الرقابة على المؤرخين تخضعهم لأهواء الحاكمين ، فلابد أن تضيع المعالم والرسوم.

١٨٤

وسيأتي عن البلاذري قوله : ( وجرى بينهما كلام ) يعني بين عليّ وعمر في أيّام تلك الأحداث ، ومنها طلب البيعة من الإمام لأبي بكر.

ولكن لا يخفى على من له أدنى إلتفات ، واطلع على تاريخ تلك الحقيقة ، بأنّ المراد من قولهعليه‌السلام : ( احلب حلباً لك شطره ) ، ( اُشدد أمره اليوم يرده عليك غداً ) وهذا ما حدث ، ليست نبوءة أو اخباراً بالغيب ، بل للحق دلالات وعلامات يتبع بعضها بعضاً ، يعرفها من كان على الحق والحق معه.

* * *

١٨٥

الفصل الثالث

١٨٦

1 ـ تمهيد وليس بوعيد :

أيّها الأخ المسلم ، سنياً كنت أم شيعياً ، ستقرأ في النصوص التالية حجة من يحتج بها في الإدانة بإسقاط ( السيد السبط المحسن السقطعليه‌السلام ) ، ويستدلّ بها الباحث ، فعليك إن رأيته خصماً لك في الرأي تنظر في مصادره ، فإن كنت واثقاً من صحتها فهي مقبولة عندك ، وإن لم تجدها كذلك ، فمن الإنصاف لنفسك قبل إنصافك لغيرك ، أن تقرأ ما يسوقه لك من نصوص هو يراها ثابتة ، وأنت أيضاً من حقك ولك رأيك فيها سلباً أو إيجاباً ، نفياً أو إثباتاً ، لكنك لا يسعك الإعراض عنها قبل القراءة ، والتحامل عليه بالتجريح والتقبيح.

ومن الإنصاف أن تستمع لمحدثك فيما يحتج به عليك من مصادر تراثك مما تشهد أنت بوثاقته ، فلا يمكنك التخلّص والتملّص مما يتلى عليك منه ، وهو يثبت بحجته عليك الادانة بالإسقاط ـ الذي هو محور الرسالة ـ.

وبقراءتك للنصوص بتدبر ، ستقترب رويداً رويداً من الصورة الواقعية للأحداث التي تزامنت سبقاً ولحوقاً مع إسقاط ( السيد السبط المحسن السقط ) ، ثم تتفهم وتتعقل وتتساءل مع نفسك ، أكان ذلك حقاً ؟ فإن كان فقد كان ينبغي أن لا يكون.

ومهما تكن تلك الصورة عندك باهتة اللون في بعض النصوص ، لكنها واضحة المعالم في نصوص أخرى ، وبالتالي تتضح أمامك صحة أقوال من تراه خصماً لك من دون تهويش أو تشويش ، إذا قرأت النصوص بإمعان وتعمّق فيما تعرضه من صور.

١٨٧

فإذا تمت لك القراءة وشط بعدها بك العناد لقداسة الموروث عندك وقد نخر جوانحك ، فعليك أن تستعد للإجابة على عدة استفهامات يطرحها من تراه خصماً ، وقد استلّها من تراثك الذي تعتز به وترجع إليه. وإن أصحابه عندك هم حفظة الآثار ونقلة الأخبار ، وغير متهمين عليك في ولائهم وانتمائهم لمن تتولّى ، وقد اعتدى بعد ما تولّى.

أما إذا عجزت عن الجواب فعليك أن تخضع للحقيقة ، وإن كانت النتائج محزنة ومخزية ، محزنة لك ومخزية لأولئك النفر الذين يعيشون على فتات القداسة ، مما نثرته السياسة بحجة وبغير حجة.

وسوف تتجلّى لك الحقائق التي اُحيطت بضبابية كادت ولمّا ، تمحو كل ما في خزين الذاكرة عن أحداث ذلك العهد ، وليس من حقك أن تشهر سلاحك بوجه من يقول لك هلمّ فاقرأ كتابيه ، فإنّه القول الفصل وما هو بالهزل ، وكيف بك إذا قال لك هلمّ نقرأ آيات من سورة التوبة ، فهل يسعك الرفض وتشيح بوجهك عنها وعنه ؟

اللهم ما عليك إن كنت مسلماً حقاً إلا أن تستجيب لما يتلو عليك من قول الله سبحانه وتعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ *مَا كَانَ لأهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ *وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) .

__________________

(1) التوبة : 119 ـ 121.

١٨٨

ثلاث آيات مباركات من سورة التوبة ، فيها أمر وفيها تحذير وفيها ترغيب.

فأولها : أمرت بالتقوى واتباع الصادقين ، فمن هم الصادقون ؟

وثانيها : فيها تحذير ونهي شديد لأهل المدينة ومن حولها من الأعراب عن التخلّف عن رسول الله ، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، فمن هو نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ومن بعده ؟

وثالثة الآيات : فيها ترغيب عظيم لمن كان متبعاً ومهتدياً بهدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإذا تلمّسنا الجواب على سؤال من هم الصادقون ؟ نجد حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباسرحمه‌الله يجيب على ذلك بأنّ الآية نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، هكذا رواه الحاكم الحسكاني(1) ، لكن الحمويني الجويني في فرائد السمطين(2) ، روى الحديث عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه في هذه الآية قال : ( علي بن أبي طالب وأصحابه ).

أما الجواب عن السؤال الثاني ، فيجيب عليه القرآن الكريم في آية المباهلة حيث قال تعالى :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ ) (3) .

وقد اتفق المفسرون والمحدّثون والإخباريون على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخرج معه يوم المباهلة الحسن والحسين وفاطمة وعلي ، فأبناؤنا : الحسن والحسين ، ونساؤنا : فاطمة ، وأنفسنا : علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

وقد أوضحت ذلك وما يتعلق به في كتاب علي إمام البررة(4) عن أكثر من خمسين مصدراً.

__________________

(1) شواهد التنزيل 1 : 260.

(2) فرائد السمطين باب / 68.

(3) آل عمران : 61.

(4) علي إمام البررة 1 : 425.

١٨٩

وحيث دلّت الآية الكريمة على مساواة علي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في جملة من خصائصه إلاّ النبوة ، فيكون علي الذي هو نفس النبي بنص آية المباهلة ، هو المعنيّ بالآية في سورة التوبة ؛ لقوله تعالى :( وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَفْسِهِ ) (1) ، ولو كان الضمير يعود إلى شخص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لقال : ولا يرغبوا بأنفسهم عنه ، كما هو مقتضى البلاغة.

إذن فإنّا يجب علينا أن نتبع علي بن أبي طالبعليه‌السلام لأنّه إمام الصادقين ، ولا نرغب بأنفسنا عن نفسه ، لأنّه هو نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه ليس بنبي كما قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث المنزلة : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّك لست بنبي ، إلا أنّه لا نبي بعدي ».

وفي ثالث :« علي منّي وأنا من علي » وفي رابع :« لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا وعلي » كما في حديث تبليغ براءة(2) .

وقد ذكر السيوطي في تفسيره الدر المنثور(3) تفسير الآيتين الكريمتين :( مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ ) إلى آخر الآيتين فذكر حديث المنزلة ، وأنّ علياً هو نفس رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) .

كما ذكر نقلاً عن ابن أبي حاتم ، عن الأوزاعي ، وعبد الله بن المبارك ، وإبراهيم بن محمد الفزاري ، وعيسى بن يونس السبيعي ، أنّهم قالوا في قوله تعالى :( وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ) (4) ، قالوا : هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة.

__________________

(1) التوبة : 120.

(2) راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 2 : 80 ـ 95 , نقلاً عن أكثر من ثمانين مصدراً سنيّاً.

(3) الدر المنثور 3 : 292.

(4) التوبة : 120.

١٩٠

فإذا تحررنا من بعض الرواسب ، وأضفنا إلى قراءتنا القرآنية قراءة قوله تعالى في سورة التوبة أيضاً :( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَٰلِكَ الخِزْيُ العَظِيمُ ) (1) .

وعطفاً على ما سبق نقرأ قوله تعالى :( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ ) (2) .

فبعد هذه القراءات القرآنية في الآيات المباركات ، يجب على كلّ مسلم أن يتحرّر من نوازع الرواسب ، ويتحرّز من نوازع الشيطان ، ويتمسّك بتولّي من لا تصح الأعمال إلاّ بولايته ، بل وحتى يجب عليه التبري من كلّ من خالف الحق من قريب أو غريب نسباً أو سبباً.

وإذا غامت عليك دنيا العقائد والأفكار بسُحُب التضليل ، ولم تتمكن من معرفة من كان على الحق ومن لم يكن ، فعليك بالرجوع إلى التنزيل فهو خير دليل ، والى التأويل فيما صح عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعند ذلك يتجلّى لك الحق المبين في معنى قوله تعالى :( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) .

وقد مرّ بنا عن حبر الأمة عبد الله بن عباسرحمه‌الله إنّ الآية الكريمة نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأصحابه ، كما رواه من لا يتهم في تسنّنه ، فلا مجال حينئذٍ للتوقف عند بوابة التشكيك في وجوب اتباع الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

كما لا مجال للزعم بأنّ الصحابة كلّهم من أصحابه ، ( وبأيّهم اقتديتم اهتديتم ) فذلك زعم كاذب ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مايز بين الصحابة ، وأفصح عن الميزان بقوله :« علي

__________________

(1) التوبة : 63.

(2) المجادلة : 22.

١٩١

مع الحق والحق مع علي ـ وعلى لسانه ـ :والحق يدور حيثما دار علي » كما في حديث أبي ذر الغفاري ( أصدق ذي لهجة ) كما وصفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقوله الآخر :« علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض » كما في حديث أم سلمة.

وما حديث عائشة عن ذلك ببعيد ، فقد قال لها أخوها محمد بن أبي بكر يوم الجمل : أنشدك الله أتذكرين يوم حدثتني عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال :« الحق لن يزال مع علي ، وعلي مع الحق ، لن يختلفا ولن يفترقا » ؟ فقالت : نعم.

وثالثة من أمهات المؤمنين ، وهي ميمونة بنت الحارث الهلالية ، قالت لمن أخبرها أنّه بايع علياً ، قالت : ( فالحق به فوالله ما ضل وما ضُلّ به ).

وهكذا تتوارد الأحاديث عن الرسول الكريم ، وعن الصحابة في تمييز الحق وأنّه مع علي ، حتى روي عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال : ( ستكون فتنة فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وهو يقول :« هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو بابي الذي أوتي منه ، وهو خليفتي من بعدي » (1) .

فبعد هذا فلا مبرر لمنكر أو مستنكر أن يشنع على من تولّى علياً في حياته وبعد مماته ، وتبرأ من أعدائه في حياته وبعد مماته ، ما دام هو ميزان الحق ، ولا يعدل إنسان مسلم بالحق شيئاً.

* * *

__________________

(1) راجع بشأن هذه الأحاديث وغيرها كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 342 ـ 352 ، ستجد المصادر جميعها من التراث السني الذي لا يسع القارئ السنيّ نبذه.

١٩٢

2 ـ لابد لكل سؤال من جواب :

كم من أحداث مريرة وكثيرة مرّت في تاريخ المسلمين منذ عصر الصحابة وما تلاه ، تثير عند قراءتها تساؤلات :

لماذا الحَدَث ؟

ولحساب مَن كان الحدَثَ ؟

ومَن قام بالحَدَث ؟

وهكذا سؤال يتبعه سؤال ، ولابدّ لكل سؤال من جواب ، وقد نقرأ بعض الأجوبة وهي غير مقنعة ، بل مقنّعة ومصطنعة ، تهدف إلى تمييع الحدث وتضييع الحق ، بين غمغمة المؤرّخ وطمطمة المحدِّث ، إما بحجة ضعف الاسناد فيها ، أو زعم نكارة المتن ، وهكذا تبقى غمامة الريب تظلل شمس الحقيقة ، ولكن سرعان ما ينجلي السحاب ويتبين وجه الحق ، ويعرف الجواب على الصواب.

ولما كان أقسى حادث حدث في صدر الإسلام ، هو ما أعقب وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدءاً من سقيفة بني ساعدة ، وما حصل فيها من تنازع نفر من المهاجرين مع جماعة الأنصار في اغتنام الخلافة ، وما تم أخيراً من استلابها لصالح النفر المهاجرين ، وما تبع ذلك من انقسام في صفوف جماعة المسلمين ، فكانت الشيع والأحزاب تعصف بالرجال من هنا وهناك ، وجاء النفر المهاجرون الذين فازوا بالخلافة على الأنصار بحجة أنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم ، جاؤوا إلى بيت محمد ليحرقوا بنت محمد ومن معها في البيت ؛ لأنّ علياً نفس محمد ـ بنص آية المباهلة ـ

١٩٣

وأخا محمد ، وابن عم محمد ، وصهر محمد اعتزلهم وما يعبدون ويريدون ، وامتنع من الاعتراف بشرعيتهم.

لكن المخالفين لم يكن ليتركوه وشأنه حتى يقسروه على البيعة طوعاً أو كرهاً ، وهذا ما حدث ، فجرت خطوب أقساها هو الهجوم على بيت علي وفاطمةعليهما‌السلام بشراسة وعنجهيّة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المسلمين ، بل ولا قبله فكان العنف والفظاظة مع قبس من نار ، وحزمات الحطب تحملها رجال غلاظ شداد ، يتبعون عمر وبيده القبس يلتهب ناراً ، مهدداً بإحراق البيت على من فيه ، فهزّ ذلك المشهد مشاعر بعض المسلمين ممّن لم يكن يتوقع أن يحدث مثل ذلك ، فقالوا : إنّ في الدار فاطمة ، قال عمر : وإن !

يا لها كلمة كبرت تخرج من أفواههم ، ولشدة الصدمة فقد أثيرت حول مجموع الحدث شكوك ، وبدت المعاذير دفعاً للمحاذير ، فالبيت لعلي وفاطمةعليهما‌السلام بالأمس القريب كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقف على بابه طيلة تسعة أشهر كل يوم ، ويقرأ الآية الكريمة التي نزلت فيه وفيهم :( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .

واليوم تنتهك منه الحرمة ، ويأتيه من لا يتوقع ما يأتيه ، في النفر الجفاة الجناة ، وهم معدودون في صحابته المقربين ، كيف يمكن تصديق أن يحدث مثل ذلك ؟ فلا مانع من الشك ، أملاً في إسدال الحجاب على ما حدث عند الباب ، ولكن سرعان ما يتبدد ، حين يقول القائل إن لم يكن بضخامة المروي جميعاً ، فلا شك أنّه كان على نحو مّا ، لأنّه ما من دخان إلا من وراء نار ، ومن قرأ التاريخ يجد النصوص المتشابكة المتفاوتة ، وضوحاً وعتمة ، وصراحة وبهمة ، تثير التساؤلات

__________________

(1) الأحزاب : 33.

١٩٤

الآتية ، وفي معرفة الجواب عليها ستهدي القارئ إلى الحق الذي أمرنا باتباعه ، وينتشل غريق الأوهام والأحلام من بحر لجيّ في دجنة ليل الظلام ، فإلى قراءة المسائل والجواب الحاصل.

س / 1 : هل كان هجوم على بيت فاطمة وعليعليهما‌السلام ؟

ج : نعم ، كان الهجوم بكل معنى الكلمة ، كما ستأتي مصادره التاريخية في نصوص تاريخية يجب أن تقرأ بإمعان.

س / 2 : من كان الآمر بالهجوم ؟

ج : هو أبو بكر ، كما سيأتي اعترافه بذلك فلا مجال للشك.

س / 3 : لماذا الهجوم ؟

ج : لإخراج علي ومن معه من بني هاشم وغيرهم ممّن شايعوه على رفض بيعة أبي بكر.

س / 4 : من هم الذين جاؤوا وهجموا ؟

ج : هم عمر بن الخطاب وهو قائد الحملة ، وكان معه المغيرة بن شعبة ، وخالد بن الوليد ، وقنفذ ، وآخرون ستأتي أسماؤهم.

س / 5 : هل صحّ أنّه كان معهم نار وحطب ؟

ج : نعم ، كان معهم ذلك ، وسيأتي التفصيل في نصوص تاريخية يجب أن تقرأ بإمعان.

س / 6 : من كان مع علي في البيت معتصماً ؟

ج : كان معه جماعة بني هاشم ، العباس وولده ، وعقيل وآخرون من شيعته ستأتي أسماؤهم.

س / 7 : هل كان تدافع وتمانع عند الباب ؟

ج : نعم ، كان ذلك حين كانت فاطمةعليها‌السلام تمانعهم من الدخول ، فدفعوا

١٩٥

الباب ، وزحموا فاطمة وما رحموا فكانت الرفسة ، وكانت العصرة ، وكان الضرب ، وأخيراً كانت مأساة إسقاط ( السيد المحسن السقط ) من زحم قنفذ لها حتى أسقطت.

س / 8 : هل صحيح حصل الضرب ، والرفسة ، وإسقاط الجنين ؟

ج : نعم ، حصل جميع ذلك ، وستأتي مصادر ذلك.

س / 9 : هل كان حرق للباب ؟ أم كان مجرد تهديد ؟

ج : نعم ، لقد روي أنّه رؤي الدخان ، ولا دخان من غير نار.

س / 10 : هل انتهت المأساة بحرق الباب ؟

ج : كلاّ ، فقد دخلت الفئة الضالّة لإخراج علي ومن معه.

س / 11 : هل أخرج عليّ ومن معه بعنف ومهانة ؟

ج : نعم ، لقد أخرجوهم يتلّونهم تلاّ ، حتى قادوا علياً كما يقاد الفحل المخشوش ـ يعني الذي يجعل في أنفه الخشاش ، وهو الخشب الذي يدخل في عظم أنف البعير إذا استعصى قياده ـ.

س / 12 : هل خرجت الزهراءعليها‌السلام خلفه تبكي وتولول ؟

ج : نعم ، خرجت صارخة باكية وهي تقول : « يا أبتاه ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ».

س / 13 : لماذا خرجت الزهراء ؟ وكيف تمكنت من الخروج وهي قد أجهضت حملها ؟

ج : خرجت لتخلّص ابن عمها وبعلها من أيدي القوم ، ولو لم تخرج لقتل علي ، فتحاملت على نفسها فخرجت ولم تعد حتى أعادته معها في خطوب جرت.

س / 14 : هل انتهت الكارثة بعودتها ومعها ابن عمّها سالماً ؟

ج : لم تنته الكارثة ولن تنتهي ، وما تزال آثارها تستعر الأمة بأوارها.

١٩٦

س / 15 : من أين لنا ولكم التصديق بصحة ما تقدم من أجوبة مقتضبة ؟

ج : من خلال ما نقرأ من نصوص تالية ، بدءاً من اعتراف أبي بكر بأصل الهجوم ، وتفتيش بيت فاطمة ، وأنّه كان عن إذنه وبأمره ، كما هو واضح من صريح حديثه مع عبد الرحمن بن عوف وذلك قبل موته بخمسة عشر يوماً ، ممّا دلّ على ندمه ولات حين مندم.

إذن لابد من قراءة الحديث أولاً ، ثم قراءة بقية النصوص التالية بعده لمعرفة صحة الأجوبة المقتضبة التي تقدمت.

* * *

١٩٧

3 ـ نصوص ثابتة يجب أن تقرأ بإمعان :

والآن سنقرأ من النصوص الثابتة ما يدحض معاذير علماء التبرير التي ساقوها ، ايغالاً في التحوير والتزوير ، ليخفوا حقائق الأمر الواقع ، ستراً على الشخوص والرموز ، وانصياعاً مع قداسة الموروث.

وقد يكون الكثير من القرّاء خصوصاً من لا يزال تحت ضغط الرواسب ، لم يطلع عليها من قبل ، أو اطّلع عليها فشك في صحتها ، وتمادى به الشك حتى أنكرها وولّى عنها مستكبراً ، وتحامل بظلم على أصحابه فرماهم بالعظائم مما هم بريئون منه ، وأدنى ما قال فيهم أنهم من الشيعة ، أو رواتهم من الشيعة ، أو ، أو ، كما مرّ في وقفة مع المصادر ، وكأنّه لم يقرأ ولم يسمع قوله تعالى :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لا يَهِدِّي إِلا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) .

لذلك فسوف نقرأ النصوص من مصادر موثوقة جميعها من التراث السني ، لما قدمناه أول الرسالة وكررنا ذكره ، انّ ذلك أبلغ في اقناع المنكرين ، وأدحض لحجة المستنكرين ، وأبعد من تهمة المعاندين المستكبرين ، فإذا كان كل ما سنقرأ بروايات أئمة حفاظهم من المحدّثين والمؤرّخين ، كذباً على أبي بكر وبقية رموز المشايعين والمتابعين ، فما ذنب الذين يحتجون عليهم بمروياتهم ، وهم أصحاب التراث السني الكبير الكثير ؟

__________________

(1) يونس : 35.

١٩٨

والآن لنقرأ حديث أبي بكر مع عبد الرحمن بن عوف في مرضه الذي مات فيه ، وما لحقه من ايهام واستبهام مما ينصب أكثر من علامة استفهام ، فليقرأه أبناء الإسلام.

في إعتراف أبي بكر كشف خطير :

أخرج الطبري في تاريخه(1) ، وابن عبد ربه المالكي الأندلسي في كتابه العقد الفريد(2) ، وغيرهما كالجوهري والطبراني ممّن يمكن الرجوع إليهم لغرض المقارنة والتأكيد على صحة جوهر النص ؛ لأن التفاوت في المنقول قد يوحي بالشك في صحة المنقول ، ولمّا كانت رواية الطبري وابن عبد ربه أوفى سنداً من رواية غيرهما ، فعنهما نذكر النص ، وهو كما يلي :

قال الطبري : حدّثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدّثنا الليث بن سعد ، وقال ابن عبد ربه : قال أبو صالح : أخبرنا محمد بن وضاح ، قال : حدّثني محمد بن بن المهاجر التميمي ، قال حدّثني الليث بن سعد(3) قال : حدّثنا علوان ، عن صالح بن كيسان ، عن عمر(4) بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه أنّه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه ، فأصابه مهتمّاً(5) فقال له عبد الرحمن : أصبحت والحمد لله بارئاً ! فقال أبو بكر :

__________________

(1) تاريخ الطبري 3 : 429 ـ 431.

(2) العقد الفريد 4 : 267.

(3) من هنا يتفق سند الطبري مع سند ابن عبد ربه ، فنسوق الخبر برواية الطبري , ونشير إلى الإختلاف بين الروايتين سنداً ومتناً.

(4) كذا في الطبري وفي العقد الفريد : عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وسيأتي ذكره في أحد اسنادين آخرين في آخر الخبر عند الطبري.

(5) في العقد : ( مفيقاً ).

١٩٩

أتراه ؟ قال : نعم ، قال : ( أما إنّي على ذلك لشديد الوجع ، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي )(1) .

إنّي وليت أمركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم أنفه من ذلك ، يريد أن يكون الأمر له دونه ، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمّا تقبل ، وهي مقبلة ، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج ، وتألموا الاضطجاع على الصوف الأذري(2) كما يألم أحدكم أن ينام على حسك ( شوك السعدان ) والله لأن يُقدّم أحدكم فتضرب عنقه في غير حدّ خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا ، وأنتم أول ضالّ بالناس غداً ، فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالاً ، يا هادي الطريق إنّما هو الفجر أو البجر(3) .

فقلت له : خفض عليك رحمك الله ، فإنّ هذا يهيضك في أمرك ، إنّما الناس في أمرك بين رجلين : إما رجل رأى ما رأيت فهو معك ، وإما رجل خالفك فهو مشير عليك ، وصاحبك كما تحب ، ولا نعلمك أردت إلاّ خيراً ، ولم تزل صالحاً مصلحاً ، وأنّك لا تأسى على شيء من الدنيا.

قال أبو بكر : أجل ، إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) .

فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي تركتهنّ : فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد غلقوه على حرب ، ووددت أنّي لم أكن حرقت الفجاءة السُلمي(4) ، وانّي كنت قتلته سريحاً أو خلّيته نجيحاً(1) ، ووددت أنّي يوم سقيفة بني

__________________

(1) ما بين القوسين من العقد الفريد.

(2) نسبة إلى آذربيجان.

(3) البجر ـ بالفتح والضم ـ الداهية والأمر العظيم.

(4) كان قد أتى أبا بكر فادعى الإسلام , وطلب إليه مشاركته في جهاد المرتدين وأن يحمله ، فحمله

٢٠٠