المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط0%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف: السيد محمد مهدي
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

الصفحات: 628
المشاهدات: 81901
تحميل: 7183

توضيحات:

المحسن السبط مولود أم سقط
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81901 / تحميل: 7183
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

أقول : وهذا من ابن كثير تدجيل وتضليل ، حيث ذكر قول البزار في رواية الحديث عن فضيل لأبي يحيى وحميد بن حماد بن أبي الجوزاء ، وإلى هنا انتهى كلام البزار ، فأضاف منه قوله : وهذا الحديث مشكل ولم يشعر القارئ بالفصل بين القولين ، فهذا هو التدجيل والتضليل ، وله نحو هذا كثير.

وأما قوله : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده لأنّ الآية مكية فنقول له ولأتباعه ممن يهوى هواه : انّ الحديث غير مشكل ، والسند صحيح ، والى القارئ بيان حال رجال ذلك السند :

1 ـ البزار : هو أبو بكر أحمد بن عمر بن عبد الخالق ( ت 292 ه‍ ) ، ذكره الدارقطني فأثنى عليه وقال : ثقة يخطئ ويتكل على حفظه.

2 ـ عباد بن يعقوب : هو الرواجني ( ت 250 ه‍ ) قال الحاكم : كان ابن خزيمة يقول : حدّثنا الثقة في روايته ، المتهم في دينه عباد بن يعقوب ، وقال أبو حاتم : شيخ ثقة ، وقال الدارقطني : شيعي صدوق ، وفي تهذيب التهذيب رمز له بتخريج حديثه في البخاري والترمذي وابن ماجة.

3 ـ أبو يحيى التميمي ( الصحيح التيمي ) : هو إسماعيل بن إبراهيم الأحول ، كوفي ، ضعفه ابن نمير ، وقال ابن عدي : ولأبي يحيى التيمي هذا أحاديث حسان ، وليس فيما يرويه حديث منكر المتن ، ويكتب حديثه(1) .

4 ـ فضيل بن مرزوق : سئل الدوري عنه فقال : ثقة ، وعن ابن معين : صالح الحديث إلاّ أنّه شديد التشيع ، وقد أخرج له مسلم في الصحيح ، وقال العجلي : جائز الحديث صدوق ، وكان فيه تشيع ، وقال أحمد : لا أعلم إلا خيراً ، لا يكاد يحدث عن غير عطية ، وأخرج له البخاري في رفع اليدين ومسلم ، وبقية الأربعة أصحاب السنن ، كما في رموز ( تهذيب التهذيب ).

__________________

(1) الكامل 1 : 308.

٤٦١

5 ـ عطية : هو العوفي ، قال الدوري : عن ابن معين : صالح ، قال ابن عدي في الكامل(1) : ولعطية عن أبي سعيد الخدري أحاديث عداد ، وعن غير أبي سعيد ، وهو مع ضعفه يكتب حديثه ، وكان يعد من شيعة الكوفة.

أقول : وهذا أخرج حديثه البخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، كما في تهذيب التهذيب في رموز أوّل الترجمة.

ونزيد على صحة السند هذا ، أنّ ابن عدي روى الحديث في الكامل(2) بسنده فقال : أخبرنا القاسم بن زكريا ، ثنا عباد بن يعقوب ، ثنا علي بن عابس ، عن فضيل ـ يعني ابن مرزوق ـ عن عطية ، عن أبي سعيد قال : لما نزلت :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (3) دعا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فاطمة فأعطاها فَدَك.

ثم قال ابن عدي : ولعلي بن عابس أحاديث حسان ، ويروي عن أبان بن تغلب وعن غيره أحاديث غرائب ، وهو مع ضعفه يكتب حديثه.

أقول : وروى الحديث الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(4) بسبعة أسانيد ، كما ستأتي الإشارة إليها.

وأما زعمه أنّ الآية مكية ، فهو تدجيل ثان وتضليل آخر ، فإنّ الآية مدنية مع آيات اُخر وضعت في سورة مكية ، ولا نطيل البحث في مسألة المكي والمدني في القرآن ، ومن راجع الموضوع في كتب علوم القرآن كأسباب النزول والاتقان للسيوطي مثلاً ، يجد التصريح بأنّ السورة المكية وفيها آيات مدنية ، وبالعكس أيضاً.

__________________

(1) المصدر نفسه 5 : 370.

(2) المصدر نفسه 1 : 190.

(3) الإسراء : 26.

(4) شواهد التنزيل 1 : 338 ـ 341.

٤٦٢

وسورة الإسراء وإن كانت هي مكية ، إلا أنّه اُستثني فيها آيات مدنية ، فقال السيوطي في الاتقان(1) : ( الإسراء ) استثني منها :( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) (2) الآية ، لما أخرج البخاري عن ابن مسعود أنّها نزلت بالمدينة ، واستثني منها أيضاً :( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) إلى قوله :( إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (3) وقوله :( لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ ) (4) الآية ، وقوله :( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا ) (5) الآية ، وقوله :( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ ) (6) لما أخرجناه في أسباب النزول.

ومما ذكره في أسباب النزول بهامش تنوير المقباس من تفسير ابن عباس(7) قال : وأخرج الطبراني وغيره عن أبي سعيد الخدري قال : لما أنزلت :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (8) دعا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فاطمة فأعطاها فَدَك. قال ابن كثير : وهذا مشكل فإنّه يشعر بأنّ الآية مدنية ، والمشهور خلافه. وروى ابن مردويه عن ابن عباس مثله.

ثم انّ بعض المفسرين كالفيروزآبادي ذكر في أول سورة الإسراء كونها مكية غير آيات ، منها خبر وفد ثقيف ، وخبر ما قالت له اليهود : ليست هذه بأرض الأنبياء ، فنزل :( وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ ) إلى قوله :( أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ) (9) إلى آخر الآية ، فهؤلاء الآيات مدنية(10) .

__________________

(1) الإتقان 1 : 16.

(2) الإسراء : 83.

(3) الإسراء : 73 ـ 81.

(4) الإسراء : 88.

(5) الإسراء : 60.

(6) الإسراء : 107.

(7) تنوير المقباس من تفسير ابن عباس : 174.

(8) الإسراء : 26.

(9) الإسراء : 76 ـ 80.

(10) تنوير المقباس من تفسير ابن عباس : 176.

٤٦٣

فمسألة وقوع آيات مدنية في سورة مكية وبالعكس معلوم ومنصوص عليه كما قلناه ، بل هو مذكور حتى في أوائل السور في بعض المصاحف المطبوعة سابقاً بالرسم العثماني في تركيا ومصر والشام والعراق ، وفي خصوص المقام فقد ورد فيه : ( سورة الإسراء مكية إلا الآيات : 26 ، 32 ، 33 ، 57 ومن آية : 73 إلى آية : 80 فمدنية ).

فتبيّن تدجيل ابن كثير وتضليله في قوله : وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده ، لأنّ الآية مكية وفَدَك انّما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة ، فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ فهو إذاً حديث منكر ، والأشبه أنّه من وضع الرافضة ، والله أعلم.

أقول : وبقيت مسألة فَدَك ، ومطالبة الزهراءعليها‌السلام تشك عيون النواصب ، فتبع ابن كثير نفر على رأيه ، وهم عن الحق معرضون ، فأبو الثناء الآلوسي ( ت 1270 ه‍ ) قال في تفسيره روح المعاني(1) :

وما أخرجه البزار ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري من أنّه لما نزلت هذه الآية ـ يعني :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) ـ دعا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فاطمة فأعطاها فدكاً ، لا يدل على تخصيص الخطاب به عليه الصلاة والسلام ، على أنه في القلب من صحة الخبر شيء ، بناء على أنّ السورة مكية ، وليست هذه الآية من المستثنيات ، وفَدَك لم تكن إذ ذاك تحت تصرّف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، بل طلبها رضي الله تعالى عنها ذلك إرثاً بعد وفاته عليه الصلاة والسلام كما هو المشهور ، يأبى القول بالصحة كما لا يخفى.

__________________

(1) روح المعاني 15 : 58 ـ 59.

٤٦٤

وقال أيضاً(1) في تفسير قوله تعالى :( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) (2) ، وخصّ بعضٌ الخطاب به صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقال : المراد بذي القربى بنو هاشم وبنو المطلب ، أُمر صلى الله تعالى عليه وسلم أن يؤتيهم حقهم من الغنيمة والفيء ، وفي مجمع البيان للطبرسي من الشيعة : المعنى : ( وآت يا محمد ذوي قرابتك حقوقهم التي جعلها الله تعالى لهم من الأخماس ، وروى أبو سعيد الخدري وغيره : أنّه لما نزلت هذه الآية أعطى عليه الصلاة والسلام فدكاً وسلّمه إليها ، هو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ) انتهى.

وفيه : انّ هذا ينافي ما اشتهر عند الطائفتين من أنّها رضي الله تعالى عنها ادّعت فدكاً بطريق الإرث ، وزعم بعضهم انّها ادعت الهبة أولاً ، وأتت على ذلك بعلي والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم ، وبأم أيمن رضي الله تعالى عنها ، فلم يقبل منها لمكان الزوجية والبنوّة ، وعدم كفاية المرأة الواحدة في الشهادة في هذا الباب ، فادّعت الإرث فكان ما كان ، وهذا البحث مذكور على أتم وجه في التحفة إن أردته فارجع إليه.

أقول : يا للعجب من أناس هم يروون الخبر عن رجالهم وبأسانيدهم المقبولة عندهم ، حتى إذا فزّع عن قلوبهم بذكر ما يتعلق بأهل البيتعليهم‌السلام أعرضوا عنه وقالوا : هذا كتاب مفترى ، والأشبه أنّه من وضع الرافضة ، كما مرّ عن ابن كثير ، أو أنّه في القلب من صحة الخبر شيء ، كما مرّ عن الآلوسي.

ومن كان على الحق لا يستوحش وإن كان وحده ، فكيف ويجد على صدق مدّعاه شهود صدق ما بهم مراء ، مثل البزار ، وأبي يعلى الموصلي(3) ، وابن أبي

__________________

(1) المصدر نفسه 21 : 39 ـ 40.

(2) الروم : 38.

(3) مسند أبي يعلى 2 : 224 ، و524.

٤٦٥

حاتم ، وابن مردويه ، وقد مر الخبر عن طريقهم عند الآلوسي قريباً ، ونضيف إليهم الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(1) ، فقد روى الخبر بسبعة أسانيد ، وأخرجه الحاكم النيسابوري في تاريخه ، وابن النجار كما في كنز العمّال ومنتخبه بهامش مسند أحمد(2) ، وأخرجه الطبراني وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد(3) وقال : رواه الطبراني وفيه عطية العوفي ، وهو ضعيف متروك.

أقول : لقد سبقت منّا ترجمته وما قيل فيه من غمز فيه ، ولم نجد من قال فيه متروك ، بل وجدنا قول ابن معين فيه : صالح ، وقول ابن عدي : وهو مع ضعفه يكتب حديثه ، وكان يعدّ من شيعة الكوفة. وهذا ذنب لا كفارة له عند النواصب ، وما أدري هل يكفي في توثيق عطية العوفي رواية البخاري عنه في حديث رفع الأيدي ، وأبي داود في سننه ، والترمذي في سننه ، وابن ماجة في سننه ، أم يبقى على أنّه ضعيف متروك كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد.

ثم إنّ من ذكرناهم ممن أخرج خبر أبي سعيد كلهم من غير الرافضة ، فهل علم ابن كثير وأضرابه بماذا يهرقون ويخرفون ، وإذا كان الخبر من وضع الرافضة فكيف تسلّل إلى كتب أعلام القوم ؟

وقد أغرب العيني في عمدة القارئ(4) حين أنكر ذلك فقال : فإن قلت رووا أن فاطمة طلبت فَدَك وذكرت أن رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أقطعها إياها وشهد علي ( رضي الله تعالى عنه ) على ذلك فلم يقبل أبو بكر شهادته لأنّه زوجها (؟) قلت ـ

__________________

(1) شواهد التنزيل 1 : 338 ـ 341.

(2) منتخب كنز العمال 1 : 228.

(3) مجمع الزوائد 7 : 49.

(4) عمدة القارئ 15 : 20.

٤٦٦

والقائل هو العيني ـ هذا لا أصل له ولا يثبت به رواية أنّها ادعت ذلك ، وإنّما هو أمر مفتعل لا يثبت.

أقول : وهذا من أغرب الغرائب وأعجب العجائب فالعيني إنّما كتابه هو شرح لصحيح البخاري ، وهو قد ذكر مطالبة الزهراءعليها‌السلام لأبي بكر بفدك فأبي أن يعطيها إياها فهجرته حتى ماتت وهي واجدة عليه ، فكيف عميت عين العيني عن رؤية ذلك.

ولعل ابن أبي حاتم في علل الحديث(1) أكثر إنصافاً حين قال : سألت أبي وأبا زرعة ، عن حديث رواه سعيد بن خيثم ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : لما نزلت هذه الآية( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) دعا النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فاطمة فجعل لها فَدَك ؟ فقالا : إنّما هو عن عطية قال : لما نزلت مرسل ، قال : ليس فيه ذكر أبي سعيد ، قال أبو زرعة : حدّثنا أبو نعيم ، عن فضيل ، عن عطية فقط قال : لما نزلت ليس فيه ذكر أبي سعيد.

وأخيراً تبقى مسألة فَدَك وغصبها شاهد صدق وعدل على ما لحق بسيدة نساء العالمين من حيف وظلم ، ألا لعنة الله على الظالمين.

ما ذكره نور الدين الهيثمي :

الثلاثون : نور الدين الهيثمي ( ت 807 ه‍ ) فماذا عنده في مجمع الزوائد ؟

النص الأول (2) : عن عائشة أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : « ستة لعنتهم ولعنهم الله ، وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ( عزّ وجلّ ) ، والمكذب بقدر الله ( عزّ وجلّ ) ، والمستحل حرمة الله ، والمستحل من عترتي ما حرّم الله ، والتارك للسنّة » ، رواه الطبراني في الكبير ،

__________________

(1) علل الحديث 2 : 57.

(2) مجمع الزوائد 1 : 176.

٤٦٧

وفيه عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، قال يعقوب بن شيبة : فيه ضعف ، وضعّفه يحيى بن معين في رواية ووثّقه في اُخرى ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث ، ووثقه ابن حبان ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

أقول : فما رأي القارئ فيمن روّع فاطمة حتى أعلنت سخطها وقالت : أتراك محرقاً عليّ بيتي ، واشتكت إلى أبيها قائلة :« ماذا لقينا بعدك من ابن أبي قحافة وابن الخطاب » (1) .

النص الثاني (2) : عن عمر قال : لما قبض رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، جئت أنا وأبو بكر إلى علي فقلنا : ما تقول فيما ترك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ؟ قال :« نحن أحق الناس برسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) » . قال : فقلت : والذي بخيبر ؟ قال :« والذي بخيبر » ، قلت : والذي بفدك ؟ قال :« والذي بفدك » . فقلت : أما والله حتى تحزوا رقابنا بالمناشير فلا.

قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه موسى بن جعفر بن إبراهيم ، وهو ضعيف.

النص الثالث (3) : عن جابر أن النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده أبداً ، قال : فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها. قال الهيثمي : رواه أحمد ، وفيه ابن لهيعة وفيه خلاف.

النص الرابع (4) : وعن عمر بن الخطاب قال : لما مرض النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) قال :« ادعوا لي بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً » ، فقال النسوة من وراء الستر : ألا تسمعون ما يقول رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فقلت : إنكنّ صواحبات يوسف ، إذا

__________________

(1) أنساب الأشراف ـ كما مر _.

(2) مجمع الزوائد 9 : 39 ، باب فيما تركه( صلّى الله عليه وسلّم ) .

(3) المصدر نفسه 9 : 33.

(4) المصدر نفسه 9 : 34.

٤٦٨

مرض رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) عصرتنّ أعينكنّ ، وإذا صحّ ركبتنّ رقبته ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : دعوهنّ فإنهنّ خير منكم. رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه محمد بن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، قال العقيلي : في حديثه نظر ، وبقية رجاله وثقوا.

النص الخامس (1) : عن أم الفضل بنت الحارث ـ وهي أم ولد العباس أخت ميمونة ـ قالت : أتيت النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) في مرضه ، فجعلت أبكي ، فرفع رأسه فقال : ما يبكيكِ ؟ قالت : خفنا عليك ولا ندري ما نلقي من الناس بعدك يا رسول الله ، قال :« أنتم المستضعفون بعدي » ، رواه أحمد.

النص السادس (2) : عن ابن عباس قال : جاء ملك الموت إلى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) في مرضه الذي قبض فيه ، فاستأذن ورأسه في حجر علي رضوان الله عليه .

ما ذكره ابن الشحنة :

الواحد والثلاثون : ابن الشحنة ( ت 815 ه‍ ) فماذا عنده في تاريخه روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر ؟

قال : وكتب ـ الأفضل واسمه علي ـ إلى الخليفة الإمام الناصر يشكو من عمه أبي بكر العادل ، ومن أخيه عثمان ، أول الكتاب شعر :

مولاي إنّ أبا بكر وصاحبه

عثمان قد أخذا بالظلم حق علي

فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي

من الأواخر ما لاقى أمر الأول

فكتب الناصر جوابه :

غصبوا علياً حقه إذ لم يكن

بعد النبي له بيثرب ناصر

فاصبر فإنّ غداً عليه حسابهم

وابشر فناصرك الإمام الناصر(3)

__________________

(1) المصدر نفسه 9 : 34.

(2) المصدر نفسه 9 : 35.

(3) روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر 12 : 106.

٤٦٩

أقول : إنّ ابيات الملك الأفضل علي بن يوسف ، وجواب الناصر العباسي مذكورة في جملة من المصادر ، وهي أكثر مما ذكره ابن الشحنة ، فقد ذكرها ابن خلكان في وفيات الأعيان(1) وهي كما يلي :

مولاي إنّ أبا بكر وصاحبه

عثمان قد غصبا بالسيف حق علي

وهو الذي كان قد ولاه والده

عليهما فاستقام الأمر حين ولي

فخالفاه وحلاّ عقد بيعته

والأمر بينهما والنص فيه جلي

فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي

من الأواخر ما لاقى من الأولِ

كما ذكر جواب الإمام الناصر ، وفي أوله :

وافى كتابك يا ابن يوسف معلنا

بالودّ يخبر أنّ أصلك طاهر

غصبوا علياً حقه إذ لم يكن

بعد النبي له بيثرب ناصر

فابشر فإنّ غداً عليه حسابهم

واصبر فناصرك الإمام الناصر

وقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء(2) الأبيات ، كما ذكرها ابن خلكان بتفاوت يسير ، وذكرها الصفدي في تمام المتون(3) ، وذكر ابن كثير في البداية والنهاية(4) أبيات الملك الأفضل دون جواب الناصر ، وفي ذكرهم هذا ما يدلّ على غصب الشيخين حق الإمام علي في الخلافة ، حتى صار غصبهما مضرب مثل حتى عند من والاهما من خليفة وملك ومؤرّخ.

__________________

(1) وفيات الأعيان 3 : 429.

(2) سير أعلام النبلاء 5 : 444.

(3) تمام المتون للصفدي : 249.

(4) البداية والنهاية 13 : 108.

٤٧٠

ما ذكره ابن حجر العسقلاني :

الثاني والثلاثون : ابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه‍ ) له فتح الباري وهو شرح صحيح البخاري ، وقد ذكر في شرح الأحاديث التي سبق أن ذكرناها عن البخاري ، ما تميز به من الدفاع عن بيعة الفلتات ، كما له في لسان الميزان(1) تحامل على علوان بن داود البجلي مولى جرير بن عبد الله ؛ لأنّه ذكر حديث مثلثات أبي بكر في خبره مع عبد الرحمن بن عوف ، وقد مر ذكره موثقاً بمصادره فراجع وهي كثيرة.

غير أنّ ابن حجر لم يستسغ الخبر برواية ( عُلوان بن داود ) فنال منه ، ولعلّه غاضه ما جاء فيه من قول أبي بكر : ( وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب ) وهذا اعتراف بجناية ما فوقها من جناية ، فكشف بيت فاطمة بالصورة المروعة التي حدثت تستدعي الندم وتأنيب الضمير لو كان ينفع ذلك ، ولات مندم.

وله في لسان الميزان بعض النصوص نذكر منها ما ذكره في ترجمة ( اسفنديار بن الموفق بن محمد بن يحيى أبو الفضل الواعظ ) قال : روى عن أبي الفتح ابن البطي ومحمد بن سليمان وروح بن أحمد الحديثي ، وقرأ الروايات على أبي الفتح بن زريق ، وأتقن العربية وولى ديوان الرسائل ، روى عنه الدبيثي وابن النجار وقال : برع في الأدب وتفقه للشافعي وكان يتشيع ، وكان متواضعاً عابداً كثير التلاوة. وقال ابن الجوزي : حكى عنه بعض عدول بغداد انّه حضر مجلسه بالكوفة فقال : لما قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) تغيّر وجه أبي بكر وعمر ، فنزلت :( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) .

__________________

(1) لسان الميزان 4 : 188.

٤٧١

هذا ما ذكره ابن حجر بنصّه ولم يزد في التعقيب عليه إلاّ قوله : فهذا غلوّ منه في شيعيته ، وذكره ابن بابويه فقال : كان فقيهاً ديّناً صالحاً لقبه صائن الدين.

أقول : ولا يظهر في تعقيبه إنكار ما ذكره عنه ، بمجرد زعمه ( فهذا غلو منه في شيعيته ) الرجل ليس بشيعي بل هو شافعي بل من فقهاء الشافعية. ولعل ابن حجر أضمر في نفسه صحة الخبر ، إلاّ انّه على استحياء أو لضغط الموروث قال ( فهذا غلو منه في شيعيته ).

وهذا ما لم يعجب المناوي فقال في كتابه فيض القدير(1) : ومن الغريب ما ذكره في لسان الميزان في ترجمة اسنفديار ثم ساق ما ذكره ابن حجر ، وعقب عليه بقوله : هكذا ذكره الحافظ في اللسان بنصّه ، ولم أذكره إلاّ للتعجب من هذا الضلال وأستغفر الله ، قال ابن حجر حديث كثير الطرق جداً استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد منها صحاح ومنها حسان وفي بعضها قال ذلك يوم غدير خم ، وزاد البزار في رواية : ( اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ).

ولما سمع أبو بكر وعمر ذلك قالا ـ فيما أخرجه الدارقطني عن سعد بن أبي وقاص ـ : أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. وأخرج أيضاً قيل لعمر : إنّك تصنع بعليّ شيئاً لا تصنعه بأحد من الصحابة ؟ قال : انّه مولاي.

وفي تفسير الثعلبي عن ابن عينية : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قال ذلك طار في الآفاق فبلغ الحارث بن النعمان فأتى رسول الله ( صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ) فقال : يا محمد أمرتنا عن الله بالشهادتين فقبلنا ، وبالصلاة والزكاة والصيام والحج فقبلنا ، ثم لم ترضى حتى رفعت بضبعي ابن

__________________

(1) فيض القدير 6 : 217.

٤٧٢

عمك تفضله علينا ، فهذا شيء منك أم من الله ؟ فقال : ( والذي لا إله إلاّ هو انّه من الله ) فتولى وهو يقول : اللّهمّ إن كان ما يقوله محمد( صلّى الله عليه وسلّم ) حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم ، فما وصل راحلته حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته فخرج من دبره فقتله.

ثم قال المناوي : ولا حجة في ذلك كله على تفضيله على الشيخين ، كما هو مقرر في محله من فن الأصول ؟!

ما ذكره السيوطي :

الثالث والثلاثون : جلال الدين السيوطي ( ت 911 ) ماذا عنده ؟

النص الأول : أخرج في تفسيره الدر المنثور(1) ، في ذيل تفسير قوله تعالى :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (2) ، قال : أخرج البزار وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) دعا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فاطمة فأعطاها فَدَك.

وقال أيضاً : وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال : لما نزلت :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) أقطع رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فاطمة فدكاً.

أقول : وهذا قد أخرجه في كتابه أسباب النزول أيضاً ، كما مرّ في التعقيب على ابن كثير ، وقد نقضه في كتابه تاريخ الخلفاء ، فلنقرأ ما فيه.

النص الثاني : ما رواه في كتابه تاريخ الخلفاء(3) قال :

وعن مغيرة قال : جمع عمر ـ يعني ابن عبد العزيز ـ حين استخلف بني مروان فقال : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) كانت له فَدَك ينفق منها ، ويعول منها على صغير بني

__________________

(1) الدر المنثور 3 : 177.

(2) الإسراء : 26.

(3) تاريخ الخلفاء : 154.

٤٧٣

هاشم ، ويزوّج منها أيمّهم ، وإنّ فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى ، فكانت كذلك حياة أبي بكر ثم عمر ، ثم أقطعها مروان ، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز ، فرأيت أمراً منعه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فاطمة ليس لي بحق ، وإنّي أشهدكم أنّي قد رددتها على ما كانت على عهد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) .

أقول : عجباً من السيوطي ، فهو الذي روى عن أربعة من أكابر الحفاظ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزلت الآية :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) دعا فاطمةعليها‌السلام وأعطاها فدكاً ، كما عن أبي سعيد الخدري ، وفي رواية عن ابن مردويه عن ابن عباس : أنّه أقطعها فدكاً.

ثم هو يذكر عن عمر بن عبد العزيز في تاريخه ، أنه أرجع فدكاً على ما كانت على عهد رسول الله ، بعد أن صارت إليه من أبيه من مروان ، ولم يذكر من الذي أقطعها مروان ؟ وهنا موضع العجب ، من أين صارت لمروان ، ثم لعبد العزيز ، ثم لعمر بن عبد العزيز ؟ ولو أغمضنا النظر عن شرعية انتقالها إلى عمر بن عبد العزيز ، فهل صحيح أنّ عمر قال : كانت له ـ لرسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ـ فَدَك ينفق منها ، وإنّ فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى ؟

وما أدري كيف استساغ أن يكتب مثل هذا الدجل والتلفيق ، مع أنّ مسألة إعطاء فَدَك لفاطمةعليها‌السلام من الثوابت التاريخية ، وعليها كان النزاع مع أبي بكر ، وخبر عمر بن عبد العزيز في مسألة فَدَك وإرجاعها إلى ولد فاطمةعليها‌السلام مذكور في التواريخ ، راجع على سبيل المثال معجم البلدان لياقوت الحموي ( فَدَك )(1) وفيه :

فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره برد فَدَك إلى ولد فاطمة ( رضي الله عنها ) ، فكانت في أيديهم في أيام عمر بن عبد العزيز ، فلما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها ، فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة ،

__________________

(1) معجم البلدان 4 : 238 ـ 240.

٤٧٤

فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، فكان هو القيّم عليها يفرقها في بني علي بن أبي طالب ، فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها منهم ، فلما ولي المهدي بن المنصور الخلافة أعادها عليهم ، ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون ، فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب فطالب بها ، فأمر أن يسجل لهم بها ، فكتب السجل وقرئ على المأمون ، فقام دعبل الشاعر وأنشد :

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

وفي فَدَك اختلاف كثير في أمره بعد النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وأبي بكر وآل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ومن رواة خبرها من رواه بحسب الأهواء وشدة المراء ، وأصح ما ورد عندي في ذلك ما ذكره أحمد بن جابر البلاذري في كتاب الفتوح.

أقول : لقد ذكرنا آنفاً ما ذكره البلاذري فراجع ، واقرأ أيضاً خبر ارجاع عمر بن عبد العزيز في شرح النهج لابن أبي الحديد(1) وغيره.

ما ذكره المتقي الهندي :

الرابع والثلاثون : المتقي الهندي ( ت 975 ه‍ ) فماذا عنده في كتابه ( كنز العمّال ) الذي رتب فيه الجامع الكبير للسيوطي ، ورتبه على سنن الأقوال والأفعال ، فهو في الحقيقة كتاب الجامع الكبير مرتباً على نهج ارتضاه المتقي الهندي.

وقد أورد فيه من الأحاديث الدالة على خلافة أهل البيتعليهم‌السلام الشيء الكثير ، ومما يتعلق بفترة الأحداث التي تزامنت مع اسقاط المحسن السبطعليه‌السلام ، نذكر بعض ذلك.

النص الأول (2) : عن عمر مولى غفرة قال : لما توفي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) جاء مال من البحرين ، فقال أبو بكر : من كان له على رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) شيء أو عدة فليقم فليأخذ ،

__________________

(1) شرح النهج 16 : 216.

(2) كنز العمّال 5 : 343 ، برقم : 2274.

٤٧٥

فقام جابر فقال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال : إن جاءني مال من البحرين لأعطينك هكذا وهكذا ـ ثلاث مرّات حثاً بيده ـ فقال له أبو بكر : قم فخذ بيدك ، فأخذ فإذا هي خمسمائة درهم ، فقال : عدوا له ألفاً(1) .

أقول : ما بال أبي بكر لم يسأل جابراً البينة على دعواه ، كما سأل فاطمة الزهراءعليها‌السلام البينة ، وجاءته بعليّ والحسنين وأم أيمن ولم يقنع ، لا بصدق فاطمة لطهارتها وعصمتها بحكم آية التطهير ، ولا بطهارة الحسنين وهما سيدا شباب أهل الجنة ، ولا بشهادة عليعليه‌السلام الذي قال فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « علي مع الحق والحق مع علي مضافاً » إلى عصمته وطهارته بحكم آية التطهير ، ولا باعترافه بأنّ أم أيمن مشهود لها بالجنة.

فهل كان جابر أعلى شأناً وأصدق قيلاً من جميع أولئك ؟ أنّها لقاصمة الظهر !!

النص الثاني (2) : عن عائشة انّ فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما أفاء الله على رسوله ، وفاطمة حينئذٍ تطلب صدقة النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) التي بالمدينة ، وفَدَك ، وما بقي من خمس خيبر.

فقال أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال ـ يعني : مال لله ـ ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ، وإنّي والله لا أغيّر صدقات النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) عن حالها التي كانت عليه في عهد النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ، لأعملنّ فيها بما عمل النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فيها فعمل ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر من ذلك(3) .

__________________

(1) أخرجه نقلاً عن ابن أبي شيبة ، والحسن بن سفيان ، والبزار ، وابن ماجة في سننه ، ورواه ابن سعد.

(2) كنز العمّال 5 : 351 ، برقم : 2287.

(3) أخرجه نقلاً عن ابن سعد ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، وابن الجارود ، وأبي عوانة ، وابن حبان ، وابن ماجة في سننه.

٤٧٦

النص الثالث (1) : عن الشعبي قال : لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها ، فقال علي : يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ، فقالت : أتحب أن آذن له ؟ قال : نعم : فأذنت له ، فدخل عليها يترضاها ، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت. (ق)(2) وقال : هذا مرسل حسن باسناد صحيح.

أقول : لو أغمضنا النظر عن الإرسال وعن زعم صحة الإسناد ، فالخبر ليس فيه ما يشعر برضى فاطمةعليها‌السلام عن أبي بكر ، فنبقى نحن وحديث عائشة في البخاري في أواخر باب غزوة خيبر(3) كما مرّ في النص الثاني : ( فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ستة أشهر ).

النص الرابع (4) : قال القاسم بن محمد ـ وهذا هو ابن أخ عائشة ـ : إن النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) لما توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ابن الجراح ، فقام حباب بن المنذر ـ وكان بدرياً ـ فقال : منّا أمير ومنكم أمير ، فإنّا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط ، ولكنّا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم واخوتهم ، فقال له عمر : إذا كان ذلك فمت إن استطعت ، فتكلم أبو بكر فقال : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كقدّ الأبلمة ـ يعني الخوصة ـ .

فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسّم بين الناس قسماً ، فبعث إلى عجوز من بني النجار من بني عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت ، فقالت : ما هذا ؟ قال :

__________________

(1) كنز العمّال 5 : 351 ، برقم : 2288.

(2) سنن ابن ماجة.

(3) صحيح البخاري 5 : 139.

(4) كنز العمّال 5 : 352 ، برقم : 2290.

٤٧٧

قسم قسمه أبو بكر للنساء ، فقالت : أتراشوني عن ديني ؟ فقالوا : لا ، فقالت : أتخافون أن أدع ما أنا عليه ؟ فقالوا : لا ، فقالت : والله لا آخذ منه شيئاً أبداً ، فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت ، فقال أبو بكر : ونحن لانأخذ مما أعطيناها شيئاً أبداً ( ابن سعد وابن جرير ).

أقول : وهذا الخبر صريح في استعمال الرشوة لتثبت أمر الحكم ، فمن قول أبي بكر : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كقدّ الأبلمة ، ومن أمر القسمة بين الناس حتى النساء ، ورفض العجوز النجارية أن تقبل ما جاء به زيد بن ثابت إليها من قسمها ، وقولها : أتراشوني عن ديني ، يبدوا أمر اعطاء الرشى كان من جملة وسائل تثبيت الحكم.

وهذا ما نقرؤه في صنع أبي بكر مع معاذ بن جبل وأبي سفيان ممن ترك لهم ما في أيديهم من مال المسلمين.

أما خبر معاذ وقد بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على طائفة من اليمن أميراً ليجبره ، فمكث معاذ باليمن أميراً ، وكان أول من اتجر في مال الله هو ، ومكث حتى أصاب وحتى قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما قدم قال عمر لأبي بكر : أرسل إلى هذا الرجل فدع له ما يعيشه وخذ سائره ، فقال أبو بكر : إنّما بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليجبره ، ولست بآخذ منه شيئاً إلا أن يعطيني.

فانطلق عمر إلى معاذ إذ لم يطعه أبو بكر ، فذكر ذلك عمر لمعاذ ، فقال : انّما أرسلني رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ليجبرني ولست بفاعل ، ثم لقي معاذ عمر فقال : قد أطعتك وأنا فاعل ما أمرتني به ، إنّي رأيت في المنام أنّي في حومة ماء قد خشيت الغرق فخلصتني منه يا عمر ، فأتى معاذ أبا بكر فذكر ذلك له ، وحلف له أنه لم يكتمه شيئاً حتى بيّن له سوطه ، فقال أبو بكر : والله لا آخذه منك قد وهبته لك(1) .

__________________

(1) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمّال 5 : 342 ـ 343 ، نقلاً عن عبد الرزاق وابن راهويه.

٤٧٨

ثم ولاّه الشام وبقى إلى عهد عمر ، ونحيل القارئ الى كتاب ( علي إمام البررة )(1) لمعرفة المزيد من حال معاذ أيام حكومة أبي بكر وعمر ، ومدى ما وصلت إليه مكانته عندهما حتى تمنّى عمر عند موته لو كان حياً لاستخلفه ، مع علمه بأنه من الأنصار ، وكان تمنّيه في غير موقعه بعد أن احتج هو وصاحبه أنّ الأمر في قريش ، وأنّ العرب لا ترضى أن تولي من غير قريش عليها.

وكذلك كان أمر أبي بكر مع أبي سفيان الذي كان أرسله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جابياً للصدقات ، ولما عاد بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمع بتولي أبي بكر الخلافة قال : إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم ، قال : فكلم عمر أبا بكر فقال : إنّ أبا سفيان قد قدم ، وإنّا لا نأمن شرّه ، فدفع له ما في يده فتركه فرضي(2) .

النص الخامس (3) : عن عروة أن أبا بكر خطب يوماً فجاء الحسن فصعد إليه المنبر فقال : إنزل عن منبر أبي ، فقال علي : إنّ هذا شيء من غير ملأ منّا ( ابن سعد ).

النص السادس (4) : عن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال : جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : انزل عن مجلس أبي ، قال : صدقت إنّه مجلس أبيك ، وأجلسه في حجره وبكى ، فقال علي : والله ما هذا عن أمري ، فقال : صدقت والله ما اتهمتك ( أبو نعيم والجابري في جزئه ).

أقول : وهذا الخبر وإن اختلف رواته وتفاوتت ألفاظه ، غير أنه يكشف للقارئ ثمة شعور بالسخط لتولي أبي بكر الخلافة لدى أهل البيت صغيرهم وكبيرهم.

__________________

(1) علي إمام البررة 3 : 253 ـ 259.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 : 44.

(3) كنز العمّال 5 : 359 ، برقم : 2301.

(4) كنز العمّال 5 : 359 ، برقم : 2302.

٤٧٩

الخاتمة

٤٨٠