المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط9%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85589 / تحميل: 7865
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

وقال : وفي هذا الزمان منهم ـ يعني من الشيعة الفاطميين ـ مثل أبي جبلة إبراهيم بن غسان ، ومثل جابر المتوفي ، وأبي الفوارس الحسن بن محمد الميمدي ، وأبي الحسين أحمد بن محمد بن الكميت ، وأبي محمد الطبري ، وأبي الحسن الحلبي ، وأبي يتيم الرلباي ، وأبي القاسم البخاري ، وأبي الوفا الديلمي ، وابن أبي الديس ، وخزيمة وأبي خزيمة وأبي عبد الله محمد بن النعمان ، فهؤلاء بمصر وبالرملة وبصور وبعكا وبعسقلان وبدمشق وببغداد وبجبل البسماق ، وكل هؤلاء بهذه النواحي يدّعون التشيع ومحبّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ، فيبكون على فاطمة وعلى ابنها المحسن الذي زعموا أنّ عمر قتله(١) .

وقال أيضاً وهو يخاطب الفاطميين بمصر : وأنتم تدّعون ما هو في الظهور أعظم من هذا ، من انّ فاطمةعليها‌السلام ضُربت وقُتل جنينها في بطنها جهاراً بمشهد من العباس وعلي وجميع بني هاشم ، وبمشهد من المهاجرين والأنصار ، وهم أكثر ما كانوا وأوفر ، وهذه وقعة أعظم من وقعة كربلاء ومن شهدها أكثر(٢) .

أقول : من حقنا أن نسأله وجميع المدافعين عن أبي بكر عن معنى ندمه على كشف بيت فاطمة ، فماذا جرى يومئذٍ حتى كان شبحه يطارد مخيلة أبا بكر ولم يبارحه حتى مرض موته ، فباح بما قال نادماً ؟

فإذا لم يكن قد جرى يومئذٍ ما جرى كما يقوله الشيعة ويرويه بعض السنّة فعلام الندم ؟

ثم من حقنا أن نسأل قاضي القضاة بماذا كان يقضي لو كانت دعوى فاطمةعليها‌السلام رفعت إليه ، أكان يسمع دعواها في النحلة وفي الميراث وفي سهم

__________________

(١) المصدر نفسه : ٥٩٤ ـ ٥٩٥.

(٢) المصدر نفسه : ٦٥٢ ـ ٦٥٣.

٥٤١

ذوي القربى ؟ أم يردّها كما فعل أبو بكر ؟ ثم نفسّر ندمه عند موته على كشف بيت فاطمةعليها‌السلام بذلك ؟ كيف يقبل ذو مسكة من عقل ودين أن يقول ذلك ؟

ونسأله أيضاً عن حديث رواه أبو بكر نفسه ، وذلك حديث الخيمة التي جمع فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وقال :« معاشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ، ووليّ لمن والاهم ، لا يحبهم إلاّ سعيد الجدّ طيب المولد ، ولا يبغضهم إلاّ شقي الجدّ ردي المولد » (١) .

فهل كلام قاضي القضاة في دفاعه عما جرى على فاطمة وبعلها وبنيها مما يدل على مسالمتهم ؟ أو على محاربتهم ؟ وهو لا شك عرف حديث الكساء الذي رواه أهل التاريخ والحديث ، ورواه من الصحابة أكثر من عشرة كما في كتاب ( علي إمام البررة )(٢) ، وأطال فيه ابن حجر الكلام في اثباته سنداً ودلالةً(٣) .

وكلا الحديثين حديث الخيمة الذي رواه أبو بكر ، وحديث الكساء ومن رواته عائشة ابنة أبي بكر ، دلاّ على ما لأهل البيت من الفضل ما ليس لأحد مثله ، ولبيتهم حرمة لا توازيها حرمة أيّ بيت آخر.

وهذا ما سمعه أبو بكر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً ، فقد روى أنس بن مالك وبريدة بن الحصيب وغيرهما : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ ) (٤) ، فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟ قال :« بيوت الأنبياء » .

فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ؟ لبيت علي وفاطمة ، قال :« نعم من أفاضلها » (٥) .

__________________

(١) الرياض النضرة للمحب الطبري.

(٢) علي إمام البررة ١ : ٣٧١ ـ ٤٠٨.

(٣) الصواعق المحرقة : ٨٦ ـ ٨٧.

(٤) النور : ٣٦.

(٥) الدر المنثور للسيوطي ٥ : ٥٠.

٥٤٢

قال الألوسي بعد ذكر الحديث : وهذا إن صح لا ينبغي العدول عنه(١) .

وبعد هذا نعود إلى دفع القاضي وتعنته في دفعه وقضائه ، حيث يريد أن يكون ما جرى على أهل البيتعليهم‌السلام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أعمال عنف في شياع مثل ما شاع ممّا ضرب به الأمثال من قتل الحسينعليه‌السلام ، وهذا منه بمنتهى الغرابة.

ونقول له : انّ خبر ندم أبي بكر عند موته وذكره مثلثات منها كشف بيت فاطمة ، خبر ثابت وقد تقدم ذكره بمصادره السنّية ، وليس فيه ذكر ضرب ولا رفس ولا إسقاط جنين ، ومع ذلك فقد مرّ بنا تحاشي مَن كنى عن كشف بيت فاطمةعليها‌السلام بقوله : كذا وكذا. فهو يتقي أن يذكر الخبر كما هو ، فهل يتوقع قاضي القضاة أن يشاع ويذاع أنباء ما جرى في ذلك اليوم من أحداث مروعة ومفزعة ؟ بعد شدة رقابة الحاكمين على الشيعة ومرويّاتهم ، ممّا لا يخفى على من هو دون القاضي فضلاً عنه.

وجرى ابن أبي الحديد المعتزلي وتبع القاضي المعتزلي في دفعه بالصدر ما رواه الشيعة وآخرون من غيرهم من خبر الرفسة والضرب فقال : فأمّا الاُمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من ارسال قنفذ إلى بيت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّه ضربها بالعصا فصار في عضدها كالدملج وبقي أثره إلى أن ماتت ، وانّ عمر ضغطها بين الباب والجدار وألقت جنيناً ميتاً ، وجعل في عنق عليعليه‌السلام حبل يقاد به فكلّه لا أصل له عند أصحابنا(٢) .

أقول : وهذان المعتزليان نفيا الاُمور التي جرت على أهل البيتعليهم‌السلام في تلك الفترة من بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكأنّهما يتوقعان أن يرويها لهما أمثال الطبري من المؤرخين ، مع انّ التاريخ فيه تزوير وتحوير وتطوير ، فمن كان من المؤرخين من

__________________

(١) روح المعاني ١٨ : ١٧٤.

(٢) شرح النهج ٦ : ٦.

٥٤٣

يملك الشجاعة والجرأة فيكتب الحدث كما هو ؟ فهذا الطبري وهو شيخ المؤرخين ألم يقل في أحداث سنة / ٣٠ : وفي هذه السنة كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية واشخاص معاوية إيّاه من الشام إلى المدينة ، وقد ذكر في سبب اشخاصه إيّاه منها اُمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها ، فأمّا العاذرون معاوية ثم ذكر عن سيف ـ الوضاع الزنديق ـ ما ذكره ولم يخش من ذكرها ، لكنه قال بعد ذلك : وأمّا الآخرون فإنّهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة واُموراً شنيعة كرهت ذكرها.

بالله لماذا الازدواجية في المعايير يا شيخ المؤرخين ؟

وأيضاً نجد الطبري يجبن عن ذكر الحقائق كما هي ، فقد قال في خبر مقتل عثمان : قد ذكرنا كثيراً من الأسباب التي ذكر قاتلوه أنّهم جعلوها ذريعة إلى قتله ، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها.

وثالثاً نجده في خبر وقعة الجمل من رواية اُخرى ، عن غير سيف قال : فوقف عليّ عليها ـ أي على عائشة ـ فقال : « استفززت الناس وقد فزوا ، فألّبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضاً في كلام كثير » ماذا كان ذلك الكلام الكثير ؟ لماذا الاحجام عن ذكر بعض الكلام ؟

ورابعاً قال في مكاتبة محمد بن أبي بكر مع معاوية : فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامة.

إلى غير ذلك من الشواهد مما طواه هو وغيره بحجة وبغير حجة ، فهل يتوقع القاضي عبد الجبار وابن أبي الحديد المعتزليان ومن هو على شاكلتهما ، أن يجدوا عند الطبري أو غيره من شيوخ المؤرخين ما ذكراه من اُمور تنفرد الشيعة بنقلها من خبر الضرب والرفسة والإسقاط ، مع انّه روى ذلك من غير الشيعة ، منهم على استحياء ، ومنهم على استخذاء.

٥٤٤

٣ ـ ابن تيمية الحراني ( ت ٧٢٨ ه‍ ).

وهذا ثالث القوم جاء بما يضحك الثكلى ، وكأنّه يسخر بعقول الناس حين يقول في كتابه منهاج السنّة(١) : ( ونحن نعلم يقيناً انّ أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشيء من الأذى ، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولاً وآخراً ، وغاية ما يقال انّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه ، ثم رأى انّه لو تركهم لجاز.

فإنّه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء ، وأمّا إقدامه عليهم أنفسهم بأذى ، فهذا ما وقع فيه قط باتفاق أهل العلم والدين ، وإنّما ينقل مثل هذا جهّال الكذّابين ، ويصدّقه حمقى العالمين الذين يقولون : انّ الصحابة هدموا بيت فاطمة ، وضربوا بطنها حتى أسقطت ، وهذا كله دعوى مختلق ، وإفك مفترى باتفاق أهل الإسلام ، ولا يروج إلا على من هو من جنس الأنعام ).

أقول : سبحانك اللّهمّ إن هذا إلاّ بهتان عظيم ، لقد مرت النصوص التي قدّمناها من مصادر تاريخ المسلمين ، وذكرنا توثيق أصحابها وكلهم من السنّة ، فهل كل أولئك ما كانوا من أهل العلم والدين ، وكانوا من جهّال الكذّابين ؟ ( إنّ هذا لهو البلاء المبين ).

ولم يكتف ابن تيمية بوصف من روى ذلك بما تقدم ، حتى جعلهم من جنس الأنعام ؛ لأنّهم راجت عليهم تلك المرويات فرووها ، ألا مسائل ذلك الأحمق المائق المائن ، كيف استساغ لنفسه أن يستغفل العقول بقوله : وغاية ما يقال انّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه ؟

أيّ مال ذلك ؟ متى جُمع ؟ ومتى وضع في بيت علي ؟ ولماذا وضع هناك ؟ مسائل يجب الإجابة عليها من لدن أتباع ابن تيمية ، وإلاّ فهو وهم من جنس الأنعام ، الوصف الذي نبز به غيره.

__________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٢٢٠.

٥٤٥

ولو سلّمنا جدلاً انّ في بيت علي شيء من المال ، فهو لا يخلو إمّا أن يكون هو مال علي ، فليس من حق أبي بكر أو غيره أخذ أموال الناس منهم بالباطل ، وإمّا أن يكون من مال غيره وعنده وديعة ، فلا يصح بوجه لأبي بكر أو غيره التعدي عليه وأخذه ، أو هو مال المسلمين وضعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عنده ، فما بال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يختزن في بيت علي مال المسلمين ؟ ولم يرد في التاريخ انّه فعل ذلك ولو مرة واحدة ، بل الذي باتفاق أهل السيرة انّه كان لا يبقي عنده قليلاً ولا كثيراً ، بل كان يعجّل إنفاقه ولا يبيت عنده شيء منه.

أخرج البسوي في كتاب المعرفة والتاريخ(١) ، باسناده عن علي انّ عمر استشار الناس فقال : ما تقولون في فضل عندنا من هذا المال ؟

قالوا : يا أميرالمؤمنين قد شغلتك ـ أو شغلناك ـ عن أهلك وضيعتك وتجارتك فهو لك.

قال لي : ما تقول أنت ؟ فقلت : قد أشاروا عليك ، قال : قل.

قلت : يا أمير المؤمنين لم تجعل يقينك ظناً وعملك جهلاً ؟.

قال : لتخرجن ما قلت أو لأعاقبنك.

قلت : أجل إذاً والله لأخرجن منه ، أما تذكر إذ بعثك رسول اللهصلى الله عليه ( وآله ) وسلم ساعياً ، فأتيت العباس فمنعك صدقته ، فكان بينكما ، فأتيتني فقلت : انطلق معي إلى النبيصلى الله عليه ( وآله ) وسلم حتى أخبره بما صنع العباس ، فأتيناه فوجدناه خاثراً(٢) فرجعنا ، ثم أتيناه من الغد فوجدناه طيّب النفس ، فذكرت له الذي صنع العباس فقال : أما علمت يا عمر انّ عم الرجل صنو أبيه ، وقال : إنّا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين.

__________________

(١) المعرفة والتاريخ ١ : ٥٠٠.

(٢) خاثر : ثقيل غير نشيط.

٥٤٦

قال : وذكرنا الذي رأينا من خثوره في اليوم ( الأول ) والذي رأيناه من طيب نفسه في اليوم ( الثاني ) ، فقال : إنّكما أتيتماني في اليوم الأول وقد بقي عندي من الصدقة ديناران ، فكان الذي رأيتماني من خثوري لذلك ، ثم أتيتماني اليوم وقد وجهتها وكان الذي رأيتما من طيب نفسي لذلك.

قال عمر : صدقت والله ، أما والله لأشكرنّ لك الاُولى والآخرة.

قلت : يا أمير المؤمنين فلم تعجل العقوبة وتؤخر الشكر.

أقول : فإذا كانت هكذا حال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لدينارين بقيا عنده ، فهل يعقل أن يكون قد أحرز مالاً في بيت عليعليه‌السلام فكان كبس أبي بكر ـ فيما يراه ابن تيمية ـ لأخذ ذلك المال لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه ؟

وكأنّ ابن تيمية لم يعلم كيف كانت سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يأتيه من المال ؟

ألم يقرأ قصة المال الذي بعث به ابن الحضرمي من البحرين ، وكان ثمانين ألفاً وما أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مالاً أكثر منه لا قبلُ ولا بعدُ ، فنثرت على حصير ونودي الصلاة ، وجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فشدّ قائماً على المال ، وجاء أهل المسجد ، فما كان يومئذٍ عدد ولا وزن ، ما كان إلاّ قبضاً فما زال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ماثلاً على ذلك المال حتى ما بقي منه درهم ، وما بعث إلى أهله بدرهم ، ثم أتى الصلاة فصلى(١) .

ومن السخرية أيضاً بعقول الناس حين يقول : ( إنّما ينقل مثل هذا جهال الكذابين ، ويصدقه حمقى العالمين الذين يقولون انّ الصحابة هدموا بيت فاطمةعليها‌السلام وضربوا بطنها حتى أسقطت ). وقد مرت بنا نصوص تثبت الإدانة عن جهابذة الحديث والتاريخ ، فإذا كانوا كلهم من جهال الكذابين ، فممن كان يأخذ ابن تيمية علمه ؟

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٤ ، ق ١ : ٩ ، والمعرفة والتاريخ للبسوي ١ : ٥٠٣.

٥٤٧

ولو أعرضنا عن جميع تلك النصوص وضربنا عنها صفحاً ، وعُدنا إلى أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما جاء عنه فيمن أخاف مسلماً ومن روّع مؤمناً ، فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من روّع مسلماً روّعه الله يوم القيامة(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من روّع مؤمناً لم يؤمن روعته يوم القيامة ، ومن أخاف مؤمناً لم يؤمن خوفه يوم القيامة ، ومن سعى بمؤمن أقامه الله مقام الخزي والذلّ يوم القيامة » (٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة » (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من سوّد مع قوم فهو منهم ، ومن روّع مسلماً لرضاء من سلطان جيئ به يوم القيامة معه » (٤) .

هذه أربعة أحاديث نبوية فصيحة صريحة في عقوبة المعتدي بالاخافة والترويع ، فهل يعقل انّ عمر ومن جاء معه ـ وكلّهم معدودون من عليّة الصحابة ـ لم يسمعوا واحداً من هذه الأحاديث ؟ وإذا لم يسمعوا ذلك فأحرى بهم انّهم لم يسمعوا الحديث القدسي : « من أخاف لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة »(٥) وماذا رأي ابن تيمية في ذلك ؟!

فهل كان ثمة ترويع لأهل البيت يوم جاء عمر بقبس من نار إلى بيت فاطمةعليها‌السلام ليحرقه على من فيه ؟ وإن أنكر ذلك ابن تيمية ، فلماذا صاحت

__________________

(١) مسند الربيع بن حبيب ٢ : ٦٩.

(٢) كنز العمال ٧ : ٤٣٧ , الكامل لابن عدي ٦ : ٣٢٣.

(٣) مجمع الزوائد ٦ : ٢٥٤.

(٤) تاريخ بغداد ١٠ : ٤١.

(٥) كنز العمال : ح ١٦٨٠.

٥٤٨

الزهراءعليها‌السلام وهي تستقبل المثوى الطاهر من خلال الشباك الذي يطل على منزل أبيها ، وهي تستنجد بهذا الغائب الحاضر : يا أبتاه يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟

قال الكتاني في التراتيب الإدارية : وكان بمنزل فاطمة شباك يطلّ على منزل أبيها ، وكان( صلّى الله عليه وسلّم ) يستطلع أمرها منه(١) .

فلا عجب ولا غرابة من استغاثتهاعليها‌السلام بأبيها ، وشكواها إليه ما لقيت وأهل بيتها من ابن الخطاب وابن أبي قحافة بعد أن كانصلى‌الله‌عليه‌وآله حيّاً في قبره حيث يبلغه سلام من يسلّم عليه في مشرق الدنيا ومغربها ، فهل من شك في انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستطلع أمرها كما كان وهو حيّ وبين حجرته التي دفن فيها وبين منزل فاطمة شباك ؟ والجواب بالنفي إنّما هو عند ابن تيمية الأفّاك ومن تبعه من الشكّاك.

ولا غرابة في هذا من ابن تيمية المعروف بنصبه وعناده من خلال كتابه منهاج السنّة ، وقد رد فيه جملة مما صحت روايته في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، حتى حديث الثقلين وهذا أخرجه مسلم في صحيحه ، فأقدم ابن تيمية على رده.

ختام الرسالة :

لا شك أنّ المصارحة في العقائد مع بيان الحجة البالغة توضح الرؤية لطالب الحق ، وليس في سبل التفاهم خيراً منها مع حسن النيّة في التعايش ، كما هي في أحيان كثيرة تكون سبباً للهداية إلى طلب الحق.

ويسعدني أن يكون القارئ ـ بعد انتهاء قراءته لهذه الرسالة ـ منصفاً لنفسه قبل أن يكون منصفاً لي ، فلا يتعجل بحكمه سواء كان لي أو عليَّ ، ما دمت أنا قد أنصفته فذكرت له من نصوص أحاديث وأخبار وآثار يدين هو لرواتها بالتصديق ، وهي عنده غير قابلة للإنكار ، والنقاش والجدل حولها في صحتها

__________________

(١) التراتيب الإدارية للكتاني ٢ : ٧٨.

٥٤٩

ودلالتها إنّما هو مكابرة ، لأنّ أصحاب المصادر هم أعلام المحدّثين والمؤرخين ومن المعنيين بتسجيل تاريخ المسلمين وشؤون الخلفاء الراشدين ، وهم باتفاقهم ـ إن لم يكن ذلك يعدّ إجماعاً منهم ـ على قبول مؤدّى تلك النصوص ، والإستدلال بها يقطع جهيزة المعاندين ، لوضوح الدلالة وقبول الإسناد ، عند من لا يبتغي العناد ، سواء فئة التقليد أو فئة التجديد ممن يدعون إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي من جديد.

وأحسب أنّ العرض والتبسيط منّا كان فيه استيفاء كثير من جوانب الاحتجاج لدى الحوار مع الأطراف الأخرى ، وبيان الحق الذي يجب أن يتبع حين نتبيّنه فنتبنّاه لنبيّنه للناس ولا نكتمه ، ولا نؤخذ بغلبة الموروث وقداسته ، ولا نخشى في بيانه لومة لائم ما دمنا نزيل غشاوة التضبيب الإعلامي الذي وراءه مزاعم الحاكمين الظالمين ، فتشوّهت المعلومة من رواة السوء الضالعين في ركابهم.

وتلك بلية المسلمين في تاريخهم منذ القرون الأولى ، حين أشاعوا مقولة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مات ولم يوص إلى أحد ، وترك للناس حق اختيار من يتولاهم ، وهذا من أفدح الظلم وأقبح الكذب ، إذ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يهاجر إلى المدينة المنورة ، ومنذ بدء الدعوة قد بيّن وعيّن من هو الذي سيتولى أمر القيادة من بعده ، فقد ورد في شأن نزول قوله تعالى :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (١) ، فأمر ابن عمه علياً بأن يصنع طعاماً يدعو عليه بني هاشم ، وقد صنع ودعاهم وبلّغهم ما أمره الله بتبليغه فقال :« أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووزيري ووصييّ ووارثي وخليفتي من بعدي » ، فلم يجبه أحد غير عليعليه‌السلام ، فأخذ برقبته ثم قال :« إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (٢) .

__________________

(١) الشعراء : ٢١٤.

(٢) تاريخ الطبري ٢ : ٢١٦ ، طبعة الحسينية بمصر ، و ٢ : ٣١٩ ـ ٣٢١ ، طبعة دار المعارف بمصر , ولمزيد من معرفة المصادر راجع كتاب ( علي إمام البررة ) ١ : ٧٢ ـ ٩٢.

٥٥٠

ولما أراد الهجرة إلى المدينة استخلفه بمكانه في بيته بمكة المكرمة ، وأمره أن ينام في فراشه ويتغطى ببرده ، ولم يأمر غيره بردّ الودائع إلى أهلها ثم اللحاق به مع عائلته ، وهذا كان إعداداً عملياً علمته قريش ، فكادت تقضي على عليعليه‌السلام لولا دفع الله تعالى عنه(١) .

وبقيصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلن في المدينة المنورة في شتى المناسبات والمواقف عن أن علياً وزيره وخليفته في اُمته ، ففي حديث عن ابن عمر مرفوعاً قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ألا أرضيك يا علي ؟ أنت أخي ووزيري ، وتقضي ديني ، وتنجز بوعدي ، وتبرئ ذمتي » (٢) .

وفي حديث آخر عن أنس مرفوعاً بلفظ :« إنّ أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي ، وخير من تركت بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب » (٣) .

وأصرح من ذلك ما أخرجه الحمويني مسنداً عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :« من أحب أن يستمسك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعليّ بن أبي طالب ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليه ، فإنّه وصيي وخليفتي على اُمتي في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم ، وأمير كل مؤمن بعدي ، قوله قولي ، وأمره أمري ، ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي ، وناصره ناصري ، وخاذله خاذلي » .

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من فارق علياً بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة ، ومن خالف علياً حرّم الله عليه الجنة ، وجعل مأواه النار ، ومن خذل علياً خذله الله يوم يعرض

__________________

(١) راجع كتاب ( علي إمام البررة ) ٣ : ٢٨٠ ـ ٢٩٣.

(٢) نفس المصدر ١ : ١٠٥ تجده نقلاً عن مجمع الزوائد ٩ : ١٢١ نقلاً عن الطبراني , وأيضاً في كنز العمّال ١٢ : ٢٠٩ ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد ٥ : ٣٢.

(٣) نفس المصدر ١ : ١٠٦ ، نقلاً عن اصابة ابن حجر ١ ق ١ : ٢١٧ ، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي ١ : ١١٥ ـ ١١٦ ، بثلاثة أسانيد.

٥٥١

عليه ، ومن نصر علياً نصره الله يوم يلقاه ولقنّه حجته يوم المسألة ... إلى آخر الحديث »(١) .

إلى غير ذلك من مواقفه التي كان يُعدّ فيها علياً لخلافته إعداداً فريداً قولاً وعملاً ، لم يكن مثله لأيّ أحد سواه من الصحابة ، وحسبنا أن نستقرئ كتب الحديث والتاريخ عما صدر منه في سنة حجة الوداع فقط ، فقد أشركه في بُدنه ، وقام معلناً بفضله واستخلافه ، وأخذ البيعة له في غدير خم ، ولما عاد إلى المدينة اتخذ الحيطة لمنع وقوع الخلاف في الاستخلاف حين ظهرت حسيكة النفاق في نفر من الصحابة ، فعزم على بعث اُسامة إلى مؤتة ، وأمّره على جيش حشر فيه أسماء كثير ممن يخشى منهم الخلاف ، وكان مِن جملة مَنْ سمّاهم بأعيانهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة ، والزبير ، وأبو عبيدة بن الجراح وآخرون ، وشدّد النكير على من تخلّف عن جيش اُسامة ، حتى قال :« لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة » (٢) .

ولما أحسّ منهم التثاقل في الخروج ، أراد أن يكتب لاُمته كتاباً لن يضلوا بعده أبداً ، إلاّ أنّ عمر منع من ذلك ، وهذا ما رواه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وفي مقدمتهم البخاري ومسلم ، وهذا ما يعرف بحديث الرزية ، لأنّ ابن عباس حبر الاُمة كان يرويه ويقول الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ، ويبكي حتى يبلّ دمعه الحصى ـ الحصباء(٣) ـ وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل ذلك بأمر من الله تعالى.

__________________

(١) فرائد السمطين ١ : ٥٤.

(٢) رواه الشهرستاني في الملل والنحل نقلاً عن النظام.

(٣) صحيح البخاري في سبعة مواضع , ورواه مسلم , وأحمد , وابن سعد , والطبري وآخرون , استوفينا ذكرهم في موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن.

٥٥٢

ففي كل تلك المواقف أعلن فيها انّ علياً ولي الأمر بعده ، وكان يشدّد على انّه الوصي والخليفة في اُمته ، كانت وتيرة الخلاف تتصاعد ، وجرت ملابسات ومعاكسات لما أمر به ، حتى أنكرت قريش وصيته ، وأصرّت عناداً على مخالفته في خلافته ، فقالت : مات ولم يوص ، ورووا أحاديث عن عائشة في ذلك ، وردّ عليها ابن عباس واُم سلمة وغيرهما ، كما تقدم في بعض النصوص التي ذكرناها(١) .

ومن الغباء فضلاً عن الجفاء أن يزعم إنسان مسلم انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أعلن دعوته بمكة ، وواصل سعيه في المدينة ، وقاسى في سبيل نجاحها من الأذى ما قاساه ، فأسس حكومته الرشيدة ، وبلّغ شريعة الإسلام تامة غير منقوصة ، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة تصلح اُمته إلاّ بيّنها لهم في سائر شؤون حياتهم ، حتى المرء في مخدعه مع حليلته ، وفي بيت الخلاء لقضاء حاجته ، بما ينبغي وما لا ينبغي من سنن وآداب ، فضلاً عن بيان الواجب والحرام وبقية الأحكام.

كيف يعقل انّه يترك اُمته هملاً على غير نهج واضح ، وسبيل لائح في أمر من يتولى قيادتها من بعده ؛ ليكفل لها النجاة من الهلكة والهداية من الضلالة ما دامت سائرة على سنته ، وآخذه بشريعته ؟ وهو القائل :« قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك » (٢) .

ولكنّها السياسة الرعناء مسخت العقول بطخية عمياء ، فهي لا تنظر بعين البصيرة إلى تلك الأدلّة الكثيرة التي حذّرت الاُمة من العواقب الوخيمة لمخالفتها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في أوامره ونواهيه ، وتناست ما روته عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« لا ترجعوا بعدي كفاراً » (٣) .

__________________

(١) راجع كتاب علي إمام البررة ٣ : ٣٤٧ ـ ٣٦١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ١ : ١٧٥.

(٣) شرح النووي على صحيح مسلم باب بيان معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ) ٣ : ٥٥.

٥٥٣

وحسبنا أن نتبصر قوله تعالى :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) وكتاب الله شاهد على هذه الاُمة ، كيف لا وقد جعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد خليفتين له فقال :« إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » وهذا هو حديث الثقلين(٢) .

وأحاديث الحوض تكفي في التحذير من مغبة الخلاف في استحداث الأحداث ، التي أصابت المسلمين بانتكاسة بعد موتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتنازعتهم الأهواء ، ولست أدعو إلى تحميل التاريخ ما لا يطيق ، ولا إلى تزييف الوقائع ، ولكنّي أدعو ـ والله شهيد على ما أقول ـ أن ننظر إلى ما حلّ بأهل البيت من الفجائع ، فنقول الحق من دون تمجيد الخالفين أو التنديد بالمخالفين ، ثم لنرجع البصر كرتين ، ونراجع الفكر مرتين ، لنرى أيّ الفريقين أهدى سبيلاً ، ولا نكون إلاّ كفقيه المستنصرية الذي اجتمع بالنقيب ابن طاووس الحسني في مشهد الإمامين الكاظم والجوادعليهما‌السلام فأبصره الحق فاستبصر ، وليكن حديثه مسك الختام ، فقد ذكره النقيب في كتابه كشف المحجة(٣) ، قال رحمه الله تعالى يخاطب ولده :

واعلم يا ولدي إنّي كنت في حضرة مولانا الكاظمعليه‌السلام والجوادعليه‌السلام ، فحضر فقيه من المستنصرية كان يتردد عليَّ قبل ذلك اليوم ، فلما رأيت وقت حضوره يحتمل المعارضة له في مذهبه ، قلت له : يا فلان ما تقول لو انّ فرساً لك ضاعت منك وتوصلت إلى ردها إليَّ ، أو فرساً لي ضاعت منّي وتوصلت في ردها إليك ، أما كان ذلك حسناً أو واجباً ؟

__________________

(١) يونس : ٣٥.

(٢) الدر المنثور ٢ : ٢٨٥.

(٣) كشف المحجة : ٧٦.

٥٥٤

فقال : بلى.

فقلت له : قد ضاع الهوى إمّا منّي وإمّا منك ، والمصلحة أن ننصف من أنفسنا ، وننظر ممن ضاع الهدى فنرده عليه.

فقال : نعم.

فقلت له : لا أحتج بما ينقله أصحابي لأنّهم متهمون عندك ، ولا تحتج بما ينقله أصحابك لأنّهم متهمون عندي أو على عقيدتي ، ولكن نحتج بالقرآن ، أو بالمجمع عليه من أصحابي وأصحابك ، أو بما رواه أصحابي لك ، وبما رواه أصحابك لي.

فقال لي : هذا انصاف. فقلت له : ما تقول فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؟ فقال : حق بغير شك.

فقلت : فهل تعرف أنّ مسلماً روى في صحيحه عن زيد بن أرقم انّه قال ما معناه : انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خطبنا في ( خم ) فقال : أيّها الناس إنّي بشر يوشك أن أدعى فاُجيب ، وإنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي(١) .

فقال : هذا صحيح.

فقلت : وتعرف انّ مسلماً روى في صحيحه في مسند عائشة أنّها روت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه لما نزلت آية :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢) فجمع علياً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال : هؤلاء أهل بيتي(٣) .

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ : ١٢٢ ـ ١٢٣ , وتفسير ابن كثير ٤ : ١١٤ في سورة الشورى ، وراجع كتاب ( علي إمام البررة ) ١ : ٢٩٢.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) صحيح مسلم ٧ : ١٣٠.

٥٥٥

فقال : نعم هذا صحيح.

فقلت له : تعرف انّ البخاري ومسلماً رويا في صحيحيهما انّ الأنصار اجتمعت في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة ، وانّهم ما نفذوا إلى أبي بكر ولا عمر ، ولا إلى أحد من المهاجرين ، حتى جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة لما بلغهم في اجتماعهم ، فقال لهم أبو بكر : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ـ يعني عمر وأبا عبيدة ـ فقال عمر : ما اتقدم عليك ، فبايعه عمر وبايعه من بايعه من الأنصار ، وانّ علياًعليه‌السلام وبني هاشم امتنعوا من المبايعة ستة أشهر(١) .

وأنّ البخاري ومسلماً قال ـ فيما جمعه الحميدي من صحيحيهما ـ : وكان لعليّعليه‌السلام وجه بين الناس في حياة فاطمةعليها‌السلام فلما ماتت فاطمةعليها‌السلام بعد ستة أشهر من وفاة النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) انصرفت وجوه الناس عن عليعليه‌السلام ، فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه خرج إلى مصالحة أبي بكر(٢) !

فقال : هذا صحيح.

فقلت له : ما تقول في بيعة تخلف عنها أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين قال عنهم انّهم الخلف من بعده وكتاب الله جل جلاله ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم : اُذكركم الله في أهل بيتي ، وقال عنهم انّهم الذين نزلت فيهم آية الطهارة ، وانّهم ما تأخروا مدة يسيرة حتى يقال انّهم تأخروا لبعض الاشتغال ، وإنّما كان التأخر للطعن في خلافة أبي بكر بغير إشكال في مدة ستة أشهر ، ولو كان الإنسان تأخر عن غضب برد غضبه ، أو عن شبهة زالت شبهته بدون هذه المدة ، وانّه ما صالح أبا بكر على مقتضى حديث البخاري ومسلم إلاّ لما ماتت فاطمةعليهما‌السلام ورأي انصراف وجوه الناس عنه خرج عند ذلك إلى المصالحة ، وهذه صورة حال تدل على انّه ما بايع

__________________

(١) راجع ما ذكره البخاري ومسلم في النصوص التي مر ذكرها عنهما.

(٢) تقدم ذلك عن البخاري وغيره , راجع النصوص التي مرت آنفاً.

٥٥٦

مختاراً ، وانّ البخاري ومسلماً رويا في هذا الحديث ، انّه ما بايع أحد من بني هاشم حتى بايع عليعليه‌السلام !

فقال : ما اقدم على الطعن في شيء قد عمله السلف والصحابة.

فقلت له : فهذا القرآن يشهد بأنّهم عملوا في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يرجى ويخاف ، والوحي ينزل عليه بأسرارهم في حال الخوف وفي حال الأمن وحال الصحة والإيثار عليه ما لا يقدروا أن يجحدوا الطعن عليهم به ، وإذا جاز منهم في حياته وهو يرجى ويخاف ، فقد صاروا أقرب إلى مخالفته بعد وفاته ، وقد انقطع الرجاء والخوف منه وزال الوحي عنه.

فقال : في أيّ موضع من القرآن ؟

فقلت : قال الله جل جلاله في مخالفتهم في الخوف :( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) (١) فروى أصحاب التواريخ انّه لم يبق معه إلاّ ثمانية أنفس ، علي ، والعباس ، والفضل ، وربيعة ، وأبو سفيان ابنا الحارث بن عبدالمطلب ، واُسامة بن زيد ، وعبيدة بن اُم أيمن ، وروي أيمن بن اُم أيمن(٢) .

وقال الله جل جلاله في مخالفتهم له في الأمن :( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٣) .

فذكر جماعة من المؤرخين انّه كان يخطب يوم الجمعة ، فبلغهم أنّ جمالاً جاءت لبعض الصحابة من مزينة ، فسارعوا إلى مشاهدتها وتركوه قائماً ، وما كان

__________________

(١) التوبة : ٢٥.

(٢) راجع كتاب علي إمام البررة ٣ : ١٩٠.

(٣) الجمعة : ١١.

٥٥٧

عند الجمال شيء يرجون الانتفاع به ، فما ظنّك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها ورياستها ؟

وقال الله تعالى في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله :( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (١) .

ولو كانوا معذورين في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله :( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) وقد عرفت في صحيحي مسلم والبخاري معارضتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في غنيمة هوازن لما اُعطي المؤلّفة قلوبهم أكثر منهم(٢) .

ومعارضتهم له لما عفا عن أهل مكة ، وتركه تغيير الكعبة واعادتها إلى ما كانت في زمن إبراهيمعليه‌السلام خوفاً من معارضتهم له(٣) ، ومعارضتهم له لما خطب في تنزيه صفوان بن المعطل لما قذف عائشة ، وانّه ما قدر أن يتم الخطبة(٤) ، أتعرف هذا جميعه في صحيحي مسلم والبخاري ؟

فقال : هذا صحيح.

فقلت : وقال الله جل جلاله في ايثارهم عليه القليل من الدنيا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) (٥) وقد عرفت انّهم امتنعوا من مناجاته ومحادثته لأجل التصدق برغيف وما دونه ، حتى تصدّق علي بن أبي طالبعليه‌السلام بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه

__________________

(١) آل عمران : ١٥٩.

(٢) راجع سيرة ابن هشام ٢ : ٤٩٩.

(٣) المصدر نفسه ٢ : ٣٠٠ ـ ٣٠١.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) المجادلة : ١٢.

٥٥٨

فيها ، ثم نسخت الآية بعد أن صارت عاراً عليهم ، وفضيحة إلى يوم القيامة بقوله جل جلاله :( ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) (١) .

فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي الله جل جلاله وبين يدي رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لك : كيف جاز لك أن تقلد قوماً في عملهم وفعلهم وقد عرفت منهم مثل هذه الاُمور الهائلة ، فأيّ عذر وأيّ حجة تبقى لك عند الله وعند رسوله في تقليدهم ، فبهت وحار حيرة عظيمة.

فقلت له : أما تعرف في صحيحي البخاري ومسلم في مسند جابر بن سمرة وغيره انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في عدة أحاديث :« لا يزال هذا الدين عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (٢) .

وفي بعض أحاديثه عليه وآله السلام من الصحيحين :« لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش » (٣) .

وأمثال هذه الألفاظ كلها تتضمن هذا العدد الاثني عشر ، فهل تعرف في الإسلام فرقة تعتقد هذا العدد غير الإمامية الاثني عشرية ، فإن كانت هذه أحاديث صحيحة كما شرطت على نفسك في تصحيح ما نقله البخاري ومسلم ، فهذه مصححة لعقيدة الإمامية ، وشاهد بصدق ما رواه سلفهم ، وإن كانت كذباً فلأيّ حال رويتموها في صحاحكم ؟

فقال : ما أصنع بما رواه البخاري ومسلم من تزكيته أبي بكر وعمر وعثمان ، وتزكية تابعهم ؟

__________________

(١) المجادلة : ١٣.

(٢) صحيح مسلم , باب الناس تبع لقريش , ومسند أحمد ٥ : ٩٨ ، وفتح الباري ١٣ : ٢١١.

(٣) صحيح مسلم كتاب الامارة , وفتح الباري ١٣ : ٢١١.

٥٥٩

فقلت له : أنت تعرف انّني شرطت عليك أن لا تحتج عليَّ بما ينفرد به أصحابك ، وأنت أعرف انّ الإنسان ولو كان من أعظم أهل العدالة بمهما شهد من الاُمور مما يقبل فيه شهادة أمثاله قبلت شهادته ، والبخاري ومسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم ، فشهادتهم شهادة بعقيدة نفوسهم ، ونصرة لرياستهم ومنزلتهم.

فقال : والله ما بيني وبين الحق عداوة ، ما هذا إلاّ واضح لا شبهة فيه ، وأنا أتوب إلى الله تعالى بما كنت عليه من الاعتقاد .

قال السيد النقيب : فلما فرغ من شرط التوبة إذا رجل من ورائي قد أكبّ على يدي يقبّلها ويبكي ، فقلت من أنت ؟ فقال : ما عليك اسمي ، فاجتهدت به حتى قلت : فأنت الآن صديق أو صاحب حق ، فكيف يحسن لي أن لا أعرف صديقي وصاحب حق عليَّ لاُكافيه ، فامتنع من تعريف اسمه ، فسألت الفقيه الذي في المستنصرية فقال : هذا فلان ابن فلان من فقهاء النظامية ، سهوت عن اسمه الآن.

وبهذا أنهى السيد ابن طاووس كلامه ، فرحمة الله عليه وأعلا مقامه.

* * *

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628