المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط0%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف: السيد محمد مهدي
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

الصفحات: 628
المشاهدات: 81888
تحميل: 7183

توضيحات:

المحسن السبط مولود أم سقط
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81888 / تحميل: 7183
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

وقال : وفي هذا الزمان منهم ـ يعني من الشيعة الفاطميين ـ مثل أبي جبلة إبراهيم بن غسان ، ومثل جابر المتوفي ، وأبي الفوارس الحسن بن محمد الميمدي ، وأبي الحسين أحمد بن محمد بن الكميت ، وأبي محمد الطبري ، وأبي الحسن الحلبي ، وأبي يتيم الرلباي ، وأبي القاسم البخاري ، وأبي الوفا الديلمي ، وابن أبي الديس ، وخزيمة وأبي خزيمة وأبي عبد الله محمد بن النعمان ، فهؤلاء بمصر وبالرملة وبصور وبعكا وبعسقلان وبدمشق وببغداد وبجبل البسماق ، وكل هؤلاء بهذه النواحي يدّعون التشيع ومحبّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ، فيبكون على فاطمة وعلى ابنها المحسن الذي زعموا أنّ عمر قتله(1) .

وقال أيضاً وهو يخاطب الفاطميين بمصر : وأنتم تدّعون ما هو في الظهور أعظم من هذا ، من انّ فاطمةعليها‌السلام ضُربت وقُتل جنينها في بطنها جهاراً بمشهد من العباس وعلي وجميع بني هاشم ، وبمشهد من المهاجرين والأنصار ، وهم أكثر ما كانوا وأوفر ، وهذه وقعة أعظم من وقعة كربلاء ومن شهدها أكثر(2) .

أقول : من حقنا أن نسأله وجميع المدافعين عن أبي بكر عن معنى ندمه على كشف بيت فاطمة ، فماذا جرى يومئذٍ حتى كان شبحه يطارد مخيلة أبا بكر ولم يبارحه حتى مرض موته ، فباح بما قال نادماً ؟

فإذا لم يكن قد جرى يومئذٍ ما جرى كما يقوله الشيعة ويرويه بعض السنّة فعلام الندم ؟

ثم من حقنا أن نسأل قاضي القضاة بماذا كان يقضي لو كانت دعوى فاطمةعليها‌السلام رفعت إليه ، أكان يسمع دعواها في النحلة وفي الميراث وفي سهم

__________________

(1) المصدر نفسه : 594 ـ 595.

(2) المصدر نفسه : 652 ـ 653.

٥٤١

ذوي القربى ؟ أم يردّها كما فعل أبو بكر ؟ ثم نفسّر ندمه عند موته على كشف بيت فاطمةعليها‌السلام بذلك ؟ كيف يقبل ذو مسكة من عقل ودين أن يقول ذلك ؟

ونسأله أيضاً عن حديث رواه أبو بكر نفسه ، وذلك حديث الخيمة التي جمع فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وقال :« معاشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ، ووليّ لمن والاهم ، لا يحبهم إلاّ سعيد الجدّ طيب المولد ، ولا يبغضهم إلاّ شقي الجدّ ردي المولد » (1) .

فهل كلام قاضي القضاة في دفاعه عما جرى على فاطمة وبعلها وبنيها مما يدل على مسالمتهم ؟ أو على محاربتهم ؟ وهو لا شك عرف حديث الكساء الذي رواه أهل التاريخ والحديث ، ورواه من الصحابة أكثر من عشرة كما في كتاب ( علي إمام البررة )(2) ، وأطال فيه ابن حجر الكلام في اثباته سنداً ودلالةً(3) .

وكلا الحديثين حديث الخيمة الذي رواه أبو بكر ، وحديث الكساء ومن رواته عائشة ابنة أبي بكر ، دلاّ على ما لأهل البيت من الفضل ما ليس لأحد مثله ، ولبيتهم حرمة لا توازيها حرمة أيّ بيت آخر.

وهذا ما سمعه أبو بكر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً ، فقد روى أنس بن مالك وبريدة بن الحصيب وغيرهما : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ ) (4) ، فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟ قال :« بيوت الأنبياء » .

فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ؟ لبيت علي وفاطمة ، قال :« نعم من أفاضلها » (5) .

__________________

(1) الرياض النضرة للمحب الطبري.

(2) علي إمام البررة 1 : 371 ـ 408.

(3) الصواعق المحرقة : 86 ـ 87.

(4) النور : 36.

(5) الدر المنثور للسيوطي 5 : 50.

٥٤٢

قال الألوسي بعد ذكر الحديث : وهذا إن صح لا ينبغي العدول عنه(1) .

وبعد هذا نعود إلى دفع القاضي وتعنته في دفعه وقضائه ، حيث يريد أن يكون ما جرى على أهل البيتعليهم‌السلام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أعمال عنف في شياع مثل ما شاع ممّا ضرب به الأمثال من قتل الحسينعليه‌السلام ، وهذا منه بمنتهى الغرابة.

ونقول له : انّ خبر ندم أبي بكر عند موته وذكره مثلثات منها كشف بيت فاطمة ، خبر ثابت وقد تقدم ذكره بمصادره السنّية ، وليس فيه ذكر ضرب ولا رفس ولا إسقاط جنين ، ومع ذلك فقد مرّ بنا تحاشي مَن كنى عن كشف بيت فاطمةعليها‌السلام بقوله : كذا وكذا. فهو يتقي أن يذكر الخبر كما هو ، فهل يتوقع قاضي القضاة أن يشاع ويذاع أنباء ما جرى في ذلك اليوم من أحداث مروعة ومفزعة ؟ بعد شدة رقابة الحاكمين على الشيعة ومرويّاتهم ، ممّا لا يخفى على من هو دون القاضي فضلاً عنه.

وجرى ابن أبي الحديد المعتزلي وتبع القاضي المعتزلي في دفعه بالصدر ما رواه الشيعة وآخرون من غيرهم من خبر الرفسة والضرب فقال : فأمّا الاُمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من ارسال قنفذ إلى بيت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّه ضربها بالعصا فصار في عضدها كالدملج وبقي أثره إلى أن ماتت ، وانّ عمر ضغطها بين الباب والجدار وألقت جنيناً ميتاً ، وجعل في عنق عليعليه‌السلام حبل يقاد به فكلّه لا أصل له عند أصحابنا(2) .

أقول : وهذان المعتزليان نفيا الاُمور التي جرت على أهل البيتعليهم‌السلام في تلك الفترة من بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكأنّهما يتوقعان أن يرويها لهما أمثال الطبري من المؤرخين ، مع انّ التاريخ فيه تزوير وتحوير وتطوير ، فمن كان من المؤرخين من

__________________

(1) روح المعاني 18 : 174.

(2) شرح النهج 6 : 6.

٥٤٣

يملك الشجاعة والجرأة فيكتب الحدث كما هو ؟ فهذا الطبري وهو شيخ المؤرخين ألم يقل في أحداث سنة / 30 : وفي هذه السنة كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية واشخاص معاوية إيّاه من الشام إلى المدينة ، وقد ذكر في سبب اشخاصه إيّاه منها اُمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها ، فأمّا العاذرون معاوية ثم ذكر عن سيف ـ الوضاع الزنديق ـ ما ذكره ولم يخش من ذكرها ، لكنه قال بعد ذلك : وأمّا الآخرون فإنّهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة واُموراً شنيعة كرهت ذكرها.

بالله لماذا الازدواجية في المعايير يا شيخ المؤرخين ؟

وأيضاً نجد الطبري يجبن عن ذكر الحقائق كما هي ، فقد قال في خبر مقتل عثمان : قد ذكرنا كثيراً من الأسباب التي ذكر قاتلوه أنّهم جعلوها ذريعة إلى قتله ، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها.

وثالثاً نجده في خبر وقعة الجمل من رواية اُخرى ، عن غير سيف قال : فوقف عليّ عليها ـ أي على عائشة ـ فقال : « استفززت الناس وقد فزوا ، فألّبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضاً في كلام كثير » ماذا كان ذلك الكلام الكثير ؟ لماذا الاحجام عن ذكر بعض الكلام ؟

ورابعاً قال في مكاتبة محمد بن أبي بكر مع معاوية : فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامة.

إلى غير ذلك من الشواهد مما طواه هو وغيره بحجة وبغير حجة ، فهل يتوقع القاضي عبد الجبار وابن أبي الحديد المعتزليان ومن هو على شاكلتهما ، أن يجدوا عند الطبري أو غيره من شيوخ المؤرخين ما ذكراه من اُمور تنفرد الشيعة بنقلها من خبر الضرب والرفسة والإسقاط ، مع انّه روى ذلك من غير الشيعة ، منهم على استحياء ، ومنهم على استخذاء.

٥٤٤

3 ـ ابن تيمية الحراني ( ت 728 ه‍ ).

وهذا ثالث القوم جاء بما يضحك الثكلى ، وكأنّه يسخر بعقول الناس حين يقول في كتابه منهاج السنّة(1) : ( ونحن نعلم يقيناً انّ أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشيء من الأذى ، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولاً وآخراً ، وغاية ما يقال انّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه ، ثم رأى انّه لو تركهم لجاز.

فإنّه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء ، وأمّا إقدامه عليهم أنفسهم بأذى ، فهذا ما وقع فيه قط باتفاق أهل العلم والدين ، وإنّما ينقل مثل هذا جهّال الكذّابين ، ويصدّقه حمقى العالمين الذين يقولون : انّ الصحابة هدموا بيت فاطمة ، وضربوا بطنها حتى أسقطت ، وهذا كله دعوى مختلق ، وإفك مفترى باتفاق أهل الإسلام ، ولا يروج إلا على من هو من جنس الأنعام ).

أقول : سبحانك اللّهمّ إن هذا إلاّ بهتان عظيم ، لقد مرت النصوص التي قدّمناها من مصادر تاريخ المسلمين ، وذكرنا توثيق أصحابها وكلهم من السنّة ، فهل كل أولئك ما كانوا من أهل العلم والدين ، وكانوا من جهّال الكذّابين ؟ ( إنّ هذا لهو البلاء المبين ).

ولم يكتف ابن تيمية بوصف من روى ذلك بما تقدم ، حتى جعلهم من جنس الأنعام ؛ لأنّهم راجت عليهم تلك المرويات فرووها ، ألا مسائل ذلك الأحمق المائق المائن ، كيف استساغ لنفسه أن يستغفل العقول بقوله : وغاية ما يقال انّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه ؟

أيّ مال ذلك ؟ متى جُمع ؟ ومتى وضع في بيت علي ؟ ولماذا وضع هناك ؟ مسائل يجب الإجابة عليها من لدن أتباع ابن تيمية ، وإلاّ فهو وهم من جنس الأنعام ، الوصف الذي نبز به غيره.

__________________

(1) منهاج السنّة 4 : 220.

٥٤٥

ولو سلّمنا جدلاً انّ في بيت علي شيء من المال ، فهو لا يخلو إمّا أن يكون هو مال علي ، فليس من حق أبي بكر أو غيره أخذ أموال الناس منهم بالباطل ، وإمّا أن يكون من مال غيره وعنده وديعة ، فلا يصح بوجه لأبي بكر أو غيره التعدي عليه وأخذه ، أو هو مال المسلمين وضعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عنده ، فما بال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يختزن في بيت علي مال المسلمين ؟ ولم يرد في التاريخ انّه فعل ذلك ولو مرة واحدة ، بل الذي باتفاق أهل السيرة انّه كان لا يبقي عنده قليلاً ولا كثيراً ، بل كان يعجّل إنفاقه ولا يبيت عنده شيء منه.

أخرج البسوي في كتاب المعرفة والتاريخ(1) ، باسناده عن علي انّ عمر استشار الناس فقال : ما تقولون في فضل عندنا من هذا المال ؟

قالوا : يا أميرالمؤمنين قد شغلتك ـ أو شغلناك ـ عن أهلك وضيعتك وتجارتك فهو لك.

قال لي : ما تقول أنت ؟ فقلت : قد أشاروا عليك ، قال : قل.

قلت : يا أمير المؤمنين لم تجعل يقينك ظناً وعملك جهلاً ؟.

قال : لتخرجن ما قلت أو لأعاقبنك.

قلت : أجل إذاً والله لأخرجن منه ، أما تذكر إذ بعثك رسول اللهصلى الله عليه ( وآله ) وسلم ساعياً ، فأتيت العباس فمنعك صدقته ، فكان بينكما ، فأتيتني فقلت : انطلق معي إلى النبيصلى الله عليه ( وآله ) وسلم حتى أخبره بما صنع العباس ، فأتيناه فوجدناه خاثراً(2) فرجعنا ، ثم أتيناه من الغد فوجدناه طيّب النفس ، فذكرت له الذي صنع العباس فقال : أما علمت يا عمر انّ عم الرجل صنو أبيه ، وقال : إنّا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين.

__________________

(1) المعرفة والتاريخ 1 : 500.

(2) خاثر : ثقيل غير نشيط.

٥٤٦

قال : وذكرنا الذي رأينا من خثوره في اليوم ( الأول ) والذي رأيناه من طيب نفسه في اليوم ( الثاني ) ، فقال : إنّكما أتيتماني في اليوم الأول وقد بقي عندي من الصدقة ديناران ، فكان الذي رأيتماني من خثوري لذلك ، ثم أتيتماني اليوم وقد وجهتها وكان الذي رأيتما من طيب نفسي لذلك.

قال عمر : صدقت والله ، أما والله لأشكرنّ لك الاُولى والآخرة.

قلت : يا أمير المؤمنين فلم تعجل العقوبة وتؤخر الشكر.

أقول : فإذا كانت هكذا حال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لدينارين بقيا عنده ، فهل يعقل أن يكون قد أحرز مالاً في بيت عليعليه‌السلام فكان كبس أبي بكر ـ فيما يراه ابن تيمية ـ لأخذ ذلك المال لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه ؟

وكأنّ ابن تيمية لم يعلم كيف كانت سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يأتيه من المال ؟

ألم يقرأ قصة المال الذي بعث به ابن الحضرمي من البحرين ، وكان ثمانين ألفاً وما أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مالاً أكثر منه لا قبلُ ولا بعدُ ، فنثرت على حصير ونودي الصلاة ، وجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فشدّ قائماً على المال ، وجاء أهل المسجد ، فما كان يومئذٍ عدد ولا وزن ، ما كان إلاّ قبضاً فما زال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ماثلاً على ذلك المال حتى ما بقي منه درهم ، وما بعث إلى أهله بدرهم ، ثم أتى الصلاة فصلى(1) .

ومن السخرية أيضاً بعقول الناس حين يقول : ( إنّما ينقل مثل هذا جهال الكذابين ، ويصدقه حمقى العالمين الذين يقولون انّ الصحابة هدموا بيت فاطمةعليها‌السلام وضربوا بطنها حتى أسقطت ). وقد مرت بنا نصوص تثبت الإدانة عن جهابذة الحديث والتاريخ ، فإذا كانوا كلهم من جهال الكذابين ، فممن كان يأخذ ابن تيمية علمه ؟

__________________

(1) طبقات ابن سعد 4 ، ق 1 : 9 ، والمعرفة والتاريخ للبسوي 1 : 503.

٥٤٧

ولو أعرضنا عن جميع تلك النصوص وضربنا عنها صفحاً ، وعُدنا إلى أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما جاء عنه فيمن أخاف مسلماً ومن روّع مؤمناً ، فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من روّع مسلماً روّعه الله يوم القيامة(1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من روّع مؤمناً لم يؤمن روعته يوم القيامة ، ومن أخاف مؤمناً لم يؤمن خوفه يوم القيامة ، ومن سعى بمؤمن أقامه الله مقام الخزي والذلّ يوم القيامة » (2) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة » (3) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من سوّد مع قوم فهو منهم ، ومن روّع مسلماً لرضاء من سلطان جيئ به يوم القيامة معه » (4) .

هذه أربعة أحاديث نبوية فصيحة صريحة في عقوبة المعتدي بالاخافة والترويع ، فهل يعقل انّ عمر ومن جاء معه ـ وكلّهم معدودون من عليّة الصحابة ـ لم يسمعوا واحداً من هذه الأحاديث ؟ وإذا لم يسمعوا ذلك فأحرى بهم انّهم لم يسمعوا الحديث القدسي : « من أخاف لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة »(5) وماذا رأي ابن تيمية في ذلك ؟!

فهل كان ثمة ترويع لأهل البيت يوم جاء عمر بقبس من نار إلى بيت فاطمةعليها‌السلام ليحرقه على من فيه ؟ وإن أنكر ذلك ابن تيمية ، فلماذا صاحت

__________________

(1) مسند الربيع بن حبيب 2 : 69.

(2) كنز العمال 7 : 437 , الكامل لابن عدي 6 : 323.

(3) مجمع الزوائد 6 : 254.

(4) تاريخ بغداد 10 : 41.

(5) كنز العمال : ح 1680.

٥٤٨

الزهراءعليها‌السلام وهي تستقبل المثوى الطاهر من خلال الشباك الذي يطل على منزل أبيها ، وهي تستنجد بهذا الغائب الحاضر : يا أبتاه يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟

قال الكتاني في التراتيب الإدارية : وكان بمنزل فاطمة شباك يطلّ على منزل أبيها ، وكان( صلّى الله عليه وسلّم ) يستطلع أمرها منه(1) .

فلا عجب ولا غرابة من استغاثتهاعليها‌السلام بأبيها ، وشكواها إليه ما لقيت وأهل بيتها من ابن الخطاب وابن أبي قحافة بعد أن كانصلى‌الله‌عليه‌وآله حيّاً في قبره حيث يبلغه سلام من يسلّم عليه في مشرق الدنيا ومغربها ، فهل من شك في انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستطلع أمرها كما كان وهو حيّ وبين حجرته التي دفن فيها وبين منزل فاطمة شباك ؟ والجواب بالنفي إنّما هو عند ابن تيمية الأفّاك ومن تبعه من الشكّاك.

ولا غرابة في هذا من ابن تيمية المعروف بنصبه وعناده من خلال كتابه منهاج السنّة ، وقد رد فيه جملة مما صحت روايته في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، حتى حديث الثقلين وهذا أخرجه مسلم في صحيحه ، فأقدم ابن تيمية على رده.

ختام الرسالة :

لا شك أنّ المصارحة في العقائد مع بيان الحجة البالغة توضح الرؤية لطالب الحق ، وليس في سبل التفاهم خيراً منها مع حسن النيّة في التعايش ، كما هي في أحيان كثيرة تكون سبباً للهداية إلى طلب الحق.

ويسعدني أن يكون القارئ ـ بعد انتهاء قراءته لهذه الرسالة ـ منصفاً لنفسه قبل أن يكون منصفاً لي ، فلا يتعجل بحكمه سواء كان لي أو عليَّ ، ما دمت أنا قد أنصفته فذكرت له من نصوص أحاديث وأخبار وآثار يدين هو لرواتها بالتصديق ، وهي عنده غير قابلة للإنكار ، والنقاش والجدل حولها في صحتها

__________________

(1) التراتيب الإدارية للكتاني 2 : 78.

٥٤٩

ودلالتها إنّما هو مكابرة ، لأنّ أصحاب المصادر هم أعلام المحدّثين والمؤرخين ومن المعنيين بتسجيل تاريخ المسلمين وشؤون الخلفاء الراشدين ، وهم باتفاقهم ـ إن لم يكن ذلك يعدّ إجماعاً منهم ـ على قبول مؤدّى تلك النصوص ، والإستدلال بها يقطع جهيزة المعاندين ، لوضوح الدلالة وقبول الإسناد ، عند من لا يبتغي العناد ، سواء فئة التقليد أو فئة التجديد ممن يدعون إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي من جديد.

وأحسب أنّ العرض والتبسيط منّا كان فيه استيفاء كثير من جوانب الاحتجاج لدى الحوار مع الأطراف الأخرى ، وبيان الحق الذي يجب أن يتبع حين نتبيّنه فنتبنّاه لنبيّنه للناس ولا نكتمه ، ولا نؤخذ بغلبة الموروث وقداسته ، ولا نخشى في بيانه لومة لائم ما دمنا نزيل غشاوة التضبيب الإعلامي الذي وراءه مزاعم الحاكمين الظالمين ، فتشوّهت المعلومة من رواة السوء الضالعين في ركابهم.

وتلك بلية المسلمين في تاريخهم منذ القرون الأولى ، حين أشاعوا مقولة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مات ولم يوص إلى أحد ، وترك للناس حق اختيار من يتولاهم ، وهذا من أفدح الظلم وأقبح الكذب ، إذ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يهاجر إلى المدينة المنورة ، ومنذ بدء الدعوة قد بيّن وعيّن من هو الذي سيتولى أمر القيادة من بعده ، فقد ورد في شأن نزول قوله تعالى :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) ، فأمر ابن عمه علياً بأن يصنع طعاماً يدعو عليه بني هاشم ، وقد صنع ودعاهم وبلّغهم ما أمره الله بتبليغه فقال :« أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووزيري ووصييّ ووارثي وخليفتي من بعدي » ، فلم يجبه أحد غير عليعليه‌السلام ، فأخذ برقبته ثم قال :« إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (2) .

__________________

(1) الشعراء : 214.

(2) تاريخ الطبري 2 : 216 ، طبعة الحسينية بمصر ، و 2 : 319 ـ 321 ، طبعة دار المعارف بمصر , ولمزيد من معرفة المصادر راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 72 ـ 92.

٥٥٠

ولما أراد الهجرة إلى المدينة استخلفه بمكانه في بيته بمكة المكرمة ، وأمره أن ينام في فراشه ويتغطى ببرده ، ولم يأمر غيره بردّ الودائع إلى أهلها ثم اللحاق به مع عائلته ، وهذا كان إعداداً عملياً علمته قريش ، فكادت تقضي على عليعليه‌السلام لولا دفع الله تعالى عنه(1) .

وبقيصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلن في المدينة المنورة في شتى المناسبات والمواقف عن أن علياً وزيره وخليفته في اُمته ، ففي حديث عن ابن عمر مرفوعاً قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ألا أرضيك يا علي ؟ أنت أخي ووزيري ، وتقضي ديني ، وتنجز بوعدي ، وتبرئ ذمتي » (2) .

وفي حديث آخر عن أنس مرفوعاً بلفظ :« إنّ أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي ، وخير من تركت بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب » (3) .

وأصرح من ذلك ما أخرجه الحمويني مسنداً عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :« من أحب أن يستمسك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعليّ بن أبي طالب ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليه ، فإنّه وصيي وخليفتي على اُمتي في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم ، وأمير كل مؤمن بعدي ، قوله قولي ، وأمره أمري ، ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي ، وناصره ناصري ، وخاذله خاذلي » .

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من فارق علياً بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة ، ومن خالف علياً حرّم الله عليه الجنة ، وجعل مأواه النار ، ومن خذل علياً خذله الله يوم يعرض

__________________

(1) راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 3 : 280 ـ 293.

(2) نفس المصدر 1 : 105 تجده نقلاً عن مجمع الزوائد 9 : 121 نقلاً عن الطبراني , وأيضاً في كنز العمّال 12 : 209 ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد 5 : 32.

(3) نفس المصدر 1 : 106 ، نقلاً عن اصابة ابن حجر 1 ق 1 : 217 ، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي 1 : 115 ـ 116 ، بثلاثة أسانيد.

٥٥١

عليه ، ومن نصر علياً نصره الله يوم يلقاه ولقنّه حجته يوم المسألة ... إلى آخر الحديث »(1) .

إلى غير ذلك من مواقفه التي كان يُعدّ فيها علياً لخلافته إعداداً فريداً قولاً وعملاً ، لم يكن مثله لأيّ أحد سواه من الصحابة ، وحسبنا أن نستقرئ كتب الحديث والتاريخ عما صدر منه في سنة حجة الوداع فقط ، فقد أشركه في بُدنه ، وقام معلناً بفضله واستخلافه ، وأخذ البيعة له في غدير خم ، ولما عاد إلى المدينة اتخذ الحيطة لمنع وقوع الخلاف في الاستخلاف حين ظهرت حسيكة النفاق في نفر من الصحابة ، فعزم على بعث اُسامة إلى مؤتة ، وأمّره على جيش حشر فيه أسماء كثير ممن يخشى منهم الخلاف ، وكان مِن جملة مَنْ سمّاهم بأعيانهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة ، والزبير ، وأبو عبيدة بن الجراح وآخرون ، وشدّد النكير على من تخلّف عن جيش اُسامة ، حتى قال :« لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة » (2) .

ولما أحسّ منهم التثاقل في الخروج ، أراد أن يكتب لاُمته كتاباً لن يضلوا بعده أبداً ، إلاّ أنّ عمر منع من ذلك ، وهذا ما رواه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وفي مقدمتهم البخاري ومسلم ، وهذا ما يعرف بحديث الرزية ، لأنّ ابن عباس حبر الاُمة كان يرويه ويقول الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ، ويبكي حتى يبلّ دمعه الحصى ـ الحصباء(3) ـ وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل ذلك بأمر من الله تعالى.

__________________

(1) فرائد السمطين 1 : 54.

(2) رواه الشهرستاني في الملل والنحل نقلاً عن النظام.

(3) صحيح البخاري في سبعة مواضع , ورواه مسلم , وأحمد , وابن سعد , والطبري وآخرون , استوفينا ذكرهم في موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن.

٥٥٢

ففي كل تلك المواقف أعلن فيها انّ علياً ولي الأمر بعده ، وكان يشدّد على انّه الوصي والخليفة في اُمته ، كانت وتيرة الخلاف تتصاعد ، وجرت ملابسات ومعاكسات لما أمر به ، حتى أنكرت قريش وصيته ، وأصرّت عناداً على مخالفته في خلافته ، فقالت : مات ولم يوص ، ورووا أحاديث عن عائشة في ذلك ، وردّ عليها ابن عباس واُم سلمة وغيرهما ، كما تقدم في بعض النصوص التي ذكرناها(1) .

ومن الغباء فضلاً عن الجفاء أن يزعم إنسان مسلم انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أعلن دعوته بمكة ، وواصل سعيه في المدينة ، وقاسى في سبيل نجاحها من الأذى ما قاساه ، فأسس حكومته الرشيدة ، وبلّغ شريعة الإسلام تامة غير منقوصة ، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة تصلح اُمته إلاّ بيّنها لهم في سائر شؤون حياتهم ، حتى المرء في مخدعه مع حليلته ، وفي بيت الخلاء لقضاء حاجته ، بما ينبغي وما لا ينبغي من سنن وآداب ، فضلاً عن بيان الواجب والحرام وبقية الأحكام.

كيف يعقل انّه يترك اُمته هملاً على غير نهج واضح ، وسبيل لائح في أمر من يتولى قيادتها من بعده ؛ ليكفل لها النجاة من الهلكة والهداية من الضلالة ما دامت سائرة على سنته ، وآخذه بشريعته ؟ وهو القائل :« قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك » (2) .

ولكنّها السياسة الرعناء مسخت العقول بطخية عمياء ، فهي لا تنظر بعين البصيرة إلى تلك الأدلّة الكثيرة التي حذّرت الاُمة من العواقب الوخيمة لمخالفتها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في أوامره ونواهيه ، وتناست ما روته عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« لا ترجعوا بعدي كفاراً » (3) .

__________________

(1) راجع كتاب علي إمام البررة 3 : 347 ـ 361.

(2) المستدرك على الصحيحين 1 : 175.

(3) شرح النووي على صحيح مسلم باب بيان معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ) 3 : 55.

٥٥٣

وحسبنا أن نتبصر قوله تعالى :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) وكتاب الله شاهد على هذه الاُمة ، كيف لا وقد جعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد خليفتين له فقال :« إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » وهذا هو حديث الثقلين(2) .

وأحاديث الحوض تكفي في التحذير من مغبة الخلاف في استحداث الأحداث ، التي أصابت المسلمين بانتكاسة بعد موتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتنازعتهم الأهواء ، ولست أدعو إلى تحميل التاريخ ما لا يطيق ، ولا إلى تزييف الوقائع ، ولكنّي أدعو ـ والله شهيد على ما أقول ـ أن ننظر إلى ما حلّ بأهل البيت من الفجائع ، فنقول الحق من دون تمجيد الخالفين أو التنديد بالمخالفين ، ثم لنرجع البصر كرتين ، ونراجع الفكر مرتين ، لنرى أيّ الفريقين أهدى سبيلاً ، ولا نكون إلاّ كفقيه المستنصرية الذي اجتمع بالنقيب ابن طاووس الحسني في مشهد الإمامين الكاظم والجوادعليهما‌السلام فأبصره الحق فاستبصر ، وليكن حديثه مسك الختام ، فقد ذكره النقيب في كتابه كشف المحجة(3) ، قال رحمه الله تعالى يخاطب ولده :

واعلم يا ولدي إنّي كنت في حضرة مولانا الكاظمعليه‌السلام والجوادعليه‌السلام ، فحضر فقيه من المستنصرية كان يتردد عليَّ قبل ذلك اليوم ، فلما رأيت وقت حضوره يحتمل المعارضة له في مذهبه ، قلت له : يا فلان ما تقول لو انّ فرساً لك ضاعت منك وتوصلت إلى ردها إليَّ ، أو فرساً لي ضاعت منّي وتوصلت في ردها إليك ، أما كان ذلك حسناً أو واجباً ؟

__________________

(1) يونس : 35.

(2) الدر المنثور 2 : 285.

(3) كشف المحجة : 76.

٥٥٤

فقال : بلى.

فقلت له : قد ضاع الهوى إمّا منّي وإمّا منك ، والمصلحة أن ننصف من أنفسنا ، وننظر ممن ضاع الهدى فنرده عليه.

فقال : نعم.

فقلت له : لا أحتج بما ينقله أصحابي لأنّهم متهمون عندك ، ولا تحتج بما ينقله أصحابك لأنّهم متهمون عندي أو على عقيدتي ، ولكن نحتج بالقرآن ، أو بالمجمع عليه من أصحابي وأصحابك ، أو بما رواه أصحابي لك ، وبما رواه أصحابك لي.

فقال لي : هذا انصاف. فقلت له : ما تقول فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؟ فقال : حق بغير شك.

فقلت : فهل تعرف أنّ مسلماً روى في صحيحه عن زيد بن أرقم انّه قال ما معناه : انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خطبنا في ( خم ) فقال : أيّها الناس إنّي بشر يوشك أن أدعى فاُجيب ، وإنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي(1) .

فقال : هذا صحيح.

فقلت : وتعرف انّ مسلماً روى في صحيحه في مسند عائشة أنّها روت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه لما نزلت آية :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2) فجمع علياً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال : هؤلاء أهل بيتي(3) .

__________________

(1) صحيح مسلم 7 : 122 ـ 123 , وتفسير ابن كثير 4 : 114 في سورة الشورى ، وراجع كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 292.

(2) الأحزاب : 33.

(3) صحيح مسلم 7 : 130.

٥٥٥

فقال : نعم هذا صحيح.

فقلت له : تعرف انّ البخاري ومسلماً رويا في صحيحيهما انّ الأنصار اجتمعت في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة ، وانّهم ما نفذوا إلى أبي بكر ولا عمر ، ولا إلى أحد من المهاجرين ، حتى جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة لما بلغهم في اجتماعهم ، فقال لهم أبو بكر : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ـ يعني عمر وأبا عبيدة ـ فقال عمر : ما اتقدم عليك ، فبايعه عمر وبايعه من بايعه من الأنصار ، وانّ علياًعليه‌السلام وبني هاشم امتنعوا من المبايعة ستة أشهر(1) .

وأنّ البخاري ومسلماً قال ـ فيما جمعه الحميدي من صحيحيهما ـ : وكان لعليّعليه‌السلام وجه بين الناس في حياة فاطمةعليها‌السلام فلما ماتت فاطمةعليها‌السلام بعد ستة أشهر من وفاة النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) انصرفت وجوه الناس عن عليعليه‌السلام ، فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه خرج إلى مصالحة أبي بكر(2) !

فقال : هذا صحيح.

فقلت له : ما تقول في بيعة تخلف عنها أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين قال عنهم انّهم الخلف من بعده وكتاب الله جل جلاله ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم : اُذكركم الله في أهل بيتي ، وقال عنهم انّهم الذين نزلت فيهم آية الطهارة ، وانّهم ما تأخروا مدة يسيرة حتى يقال انّهم تأخروا لبعض الاشتغال ، وإنّما كان التأخر للطعن في خلافة أبي بكر بغير إشكال في مدة ستة أشهر ، ولو كان الإنسان تأخر عن غضب برد غضبه ، أو عن شبهة زالت شبهته بدون هذه المدة ، وانّه ما صالح أبا بكر على مقتضى حديث البخاري ومسلم إلاّ لما ماتت فاطمةعليهما‌السلام ورأي انصراف وجوه الناس عنه خرج عند ذلك إلى المصالحة ، وهذه صورة حال تدل على انّه ما بايع

__________________

(1) راجع ما ذكره البخاري ومسلم في النصوص التي مر ذكرها عنهما.

(2) تقدم ذلك عن البخاري وغيره , راجع النصوص التي مرت آنفاً.

٥٥٦

مختاراً ، وانّ البخاري ومسلماً رويا في هذا الحديث ، انّه ما بايع أحد من بني هاشم حتى بايع عليعليه‌السلام !

فقال : ما اقدم على الطعن في شيء قد عمله السلف والصحابة.

فقلت له : فهذا القرآن يشهد بأنّهم عملوا في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يرجى ويخاف ، والوحي ينزل عليه بأسرارهم في حال الخوف وفي حال الأمن وحال الصحة والإيثار عليه ما لا يقدروا أن يجحدوا الطعن عليهم به ، وإذا جاز منهم في حياته وهو يرجى ويخاف ، فقد صاروا أقرب إلى مخالفته بعد وفاته ، وقد انقطع الرجاء والخوف منه وزال الوحي عنه.

فقال : في أيّ موضع من القرآن ؟

فقلت : قال الله جل جلاله في مخالفتهم في الخوف :( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) (1) فروى أصحاب التواريخ انّه لم يبق معه إلاّ ثمانية أنفس ، علي ، والعباس ، والفضل ، وربيعة ، وأبو سفيان ابنا الحارث بن عبدالمطلب ، واُسامة بن زيد ، وعبيدة بن اُم أيمن ، وروي أيمن بن اُم أيمن(2) .

وقال الله جل جلاله في مخالفتهم له في الأمن :( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (3) .

فذكر جماعة من المؤرخين انّه كان يخطب يوم الجمعة ، فبلغهم أنّ جمالاً جاءت لبعض الصحابة من مزينة ، فسارعوا إلى مشاهدتها وتركوه قائماً ، وما كان

__________________

(1) التوبة : 25.

(2) راجع كتاب علي إمام البررة 3 : 190.

(3) الجمعة : 11.

٥٥٧

عند الجمال شيء يرجون الانتفاع به ، فما ظنّك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها ورياستها ؟

وقال الله تعالى في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله :( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (1) .

ولو كانوا معذورين في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله :( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) وقد عرفت في صحيحي مسلم والبخاري معارضتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في غنيمة هوازن لما اُعطي المؤلّفة قلوبهم أكثر منهم(2) .

ومعارضتهم له لما عفا عن أهل مكة ، وتركه تغيير الكعبة واعادتها إلى ما كانت في زمن إبراهيمعليه‌السلام خوفاً من معارضتهم له(3) ، ومعارضتهم له لما خطب في تنزيه صفوان بن المعطل لما قذف عائشة ، وانّه ما قدر أن يتم الخطبة(4) ، أتعرف هذا جميعه في صحيحي مسلم والبخاري ؟

فقال : هذا صحيح.

فقلت : وقال الله جل جلاله في ايثارهم عليه القليل من الدنيا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) (5) وقد عرفت انّهم امتنعوا من مناجاته ومحادثته لأجل التصدق برغيف وما دونه ، حتى تصدّق علي بن أبي طالبعليه‌السلام بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه

__________________

(1) آل عمران : 159.

(2) راجع سيرة ابن هشام 2 : 499.

(3) المصدر نفسه 2 : 300 ـ 301.

(4) المصدر نفسه.

(5) المجادلة : 12.

٥٥٨

فيها ، ثم نسخت الآية بعد أن صارت عاراً عليهم ، وفضيحة إلى يوم القيامة بقوله جل جلاله :( ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) (1) .

فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي الله جل جلاله وبين يدي رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لك : كيف جاز لك أن تقلد قوماً في عملهم وفعلهم وقد عرفت منهم مثل هذه الاُمور الهائلة ، فأيّ عذر وأيّ حجة تبقى لك عند الله وعند رسوله في تقليدهم ، فبهت وحار حيرة عظيمة.

فقلت له : أما تعرف في صحيحي البخاري ومسلم في مسند جابر بن سمرة وغيره انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في عدة أحاديث :« لا يزال هذا الدين عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (2) .

وفي بعض أحاديثه عليه وآله السلام من الصحيحين :« لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش » (3) .

وأمثال هذه الألفاظ كلها تتضمن هذا العدد الاثني عشر ، فهل تعرف في الإسلام فرقة تعتقد هذا العدد غير الإمامية الاثني عشرية ، فإن كانت هذه أحاديث صحيحة كما شرطت على نفسك في تصحيح ما نقله البخاري ومسلم ، فهذه مصححة لعقيدة الإمامية ، وشاهد بصدق ما رواه سلفهم ، وإن كانت كذباً فلأيّ حال رويتموها في صحاحكم ؟

فقال : ما أصنع بما رواه البخاري ومسلم من تزكيته أبي بكر وعمر وعثمان ، وتزكية تابعهم ؟

__________________

(1) المجادلة : 13.

(2) صحيح مسلم , باب الناس تبع لقريش , ومسند أحمد 5 : 98 ، وفتح الباري 13 : 211.

(3) صحيح مسلم كتاب الامارة , وفتح الباري 13 : 211.

٥٥٩

فقلت له : أنت تعرف انّني شرطت عليك أن لا تحتج عليَّ بما ينفرد به أصحابك ، وأنت أعرف انّ الإنسان ولو كان من أعظم أهل العدالة بمهما شهد من الاُمور مما يقبل فيه شهادة أمثاله قبلت شهادته ، والبخاري ومسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم ، فشهادتهم شهادة بعقيدة نفوسهم ، ونصرة لرياستهم ومنزلتهم.

فقال : والله ما بيني وبين الحق عداوة ، ما هذا إلاّ واضح لا شبهة فيه ، وأنا أتوب إلى الله تعالى بما كنت عليه من الاعتقاد .

قال السيد النقيب : فلما فرغ من شرط التوبة إذا رجل من ورائي قد أكبّ على يدي يقبّلها ويبكي ، فقلت من أنت ؟ فقال : ما عليك اسمي ، فاجتهدت به حتى قلت : فأنت الآن صديق أو صاحب حق ، فكيف يحسن لي أن لا أعرف صديقي وصاحب حق عليَّ لاُكافيه ، فامتنع من تعريف اسمه ، فسألت الفقيه الذي في المستنصرية فقال : هذا فلان ابن فلان من فقهاء النظامية ، سهوت عن اسمه الآن.

وبهذا أنهى السيد ابن طاووس كلامه ، فرحمة الله عليه وأعلا مقامه.

* * *

٥٦٠