لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 54664
تحميل: 7093

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54664 / تحميل: 7093
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بقي فقط أمرٌ مهمّ لا يكتمل الدينُ إلاّ به.

كما تُشعر الآية الكريمة بأنّ الرسول كان يخشى تكذيب الناس له إذا ما دعاهم بهذا الأمر الخطير ، ولكنّ اللّه سبحانه لم يُمهله للتأجيل ، فالأجل قد قَرُبَ ، وهذه الفرصة هي أحسن الفرص ، وموقفها هو أعظم المواقف ، إذ اجتمع معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من مائة ألف رافقوه في حجّة الوداع ، وما زالت قلوبهم عامرة بشعائر اللّه ، مستحضرة نعي الرسول نفسه إليهم.

وقوله لهم : « لعلّي لا ألقاكم بعد عامكم هذا ، ويوشك أن يأتي رسول ربّي وأُدعى فأجيب » ، وهم سيفترقون بعد هذا الموقف الرهيب للعودة إلى ديارهم ، ولعلّهم لا تُتاحُ لهم فرصة اللّقاء مرّة أُخرى بهذا العدد الكبير ، وغدير خمّ هو مفترق الطرقات ، فلا يمكن لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يُفوّتَ هذه الفرصة بأيّ حال من الأحوال.

كيف ، وقد جاءه الوحي بما يشبه التهديد على أنّ كلّ الرسالة منوطة بهذا البلاغ ، واللّه سبحانه قد ضمن له العصمة من الناس ، فلا داعي للخوف من تكذيبهم ، فكم كُذِبتْ رسُلٌ من قبله ، ولكن لم يُثنهم ذلك عن تبليغ ما أُمروا به ، فما على الرسول إلاّ البلاغ ، ولو علم اللّه مُسبقاً بأنّ أكثرهم( لِلْحَقِّ كارِهُونَ ) (1) ، ولو علم بأنّ منهم

__________________

1 ـ الزخرف : 78.

١٠١

( مُكَذِّبِينَ ) (1) ، ما كان سبحانه ليتركهم بدون إقامة الحجّة عليهم ،( لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) (2) .

على أنّ لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُسوة حسنة بمن سبقه من إخوانه الرسل الذين كذّبتهم أممهم ، قال تعالى :( وَإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوط * وَأصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) (3) .

ونحن إذا تركنا التعصّب المقيت وحبّ الانتصار للمذهب ، لوجدنا أنّ هذا الشرح هو المناسب لعقولنا ، ويتماشى مع سياق الآية والأحداث التي سبقتها وأعقبتها.

وقد أخرج كثير من علمائنا نزولها في غدير خمّ في شأن تنصيب الإمام علي ، وصحّحوا تلك الروايات ، ووافقوا بذلك إخوانهم من علماء الشيعة ، وأذكر على سبيل المثال من علماء السنّة :

1 ـ الحافظ أبو نعيم في كتاب نزول القرآن.

2 ـ الإمام الواحدي في كتاب أسباب النزول : 150.

__________________

1 ـ الحاقة : 49.

2 ـ النساء : 165.

3 ـ الحج : 42 ـ 44.

١٠٢

3 ـ الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير 4 : 92.

4 ـ الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 1 : 187.

5 ـ جلال الدين السيوطي في كتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور : 3 : 117.

6 ـ الفخر الرازي في تفسيره الكبير 12 : 50.

7 ـ محمد رشيد رضا في تفسير المنار 2 : 86 و 6 : 463.

8 ـ تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي 2 : 86.

9 ـ فتح القدير للشوكاني 2 : 60.

10 ـ مطالب السؤول لابن طلحه الشافعي 1 : 44.

11 ـ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 25.

12 ـ ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي : 120.

13 ـ الملل والنحل للشهرستاني 1 : 163.

14 ـ ابن جرير الطبري في كتاب الولاية.

15 ـ ابن سعيد السجستاني في كتاب الولاية.

16 ـ عمدة القاري في شرح البخاري لبدر الدين الحنفي 8 : 584.

17 ـ تفسير القرآن لعبد الوهاب البخاري.

١٠٣

18 ـ روح المعاني للآلوسي 2 : 384.

19 ـ فرائد السمطين للحمويني 1 : 185.

20 ـ فتح البيان في مقاصد القرآن للعلاّمة سيد صديق حسن خان 3 : 63.

فهذا نزرٌ يسيرٌ ممّن يحضرني ، وهناك أضعاف هؤلاء من علماء أهل السنّة ذكرهم العلاّمة الأميني في كتاب الغدير.

فماذا ياتُرى فعل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما أمره ربّه بإبلاغ ما أنزل إليه؟

يقول الشيعة : بأنّه جمع الناس على صعيد واحد في ذلك المكان وهو غدير خمّ ، وخطبهم خطبة بليغة طويلة ، وأشهدهم على أنفسهم ، فشهدوا بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بهم من أنفسهم ، وعند ذلك رفع يد علي بن أبي طالب وقال : « من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار »(1) .

__________________

1 ـ وهو مايسمّى بحديث الغدير ، وقد أخرجه علماء الشيعة وعلماء السنّة على حد سواء ( المؤلّف ).

وبهذا اللفظ تجده في : الملل والنحل للشهرستاني 1 : 163 ، والسيرة الحلبية 3 : 384 ، والصواعق المحرقة 1 : 106 ، وفي مستدرك إحقاق الحقّ 6 : 292

١٠٤

ثمَّ ألبسه عمامته ، وعقد له موكباً ، وأمر أصحابه بتهنئته بإمرة المؤمنين ، ففعلوا ، وفي مقدّمتهم أبو بكر وعمر يقولان : « بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة »(1) .

__________________

عن إسعاف الراغبين والعقد الفريد.

وقد ذكر الشيخ ناصر الدين الألباني حديث « من كنت مولاه » ، وأثبت صحته ، بل أثبت أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولا فهذا علي مولاه » متواتر ، وردّ على ابن تيمية في تضعيفه للحديث ، راجع الصحيحة 4 : 330 ح 1750.

1 ـ راجع لكلامهما في التهنئة لعليّ بالولاية : المصنّف لابن أبي شيبة 7 : 503 ح 55 ، المناقب للخوارزمي : 156 ح 183 ، مسند أحمد 4 : 281 ، تاريخ بغداد 8 : 284 ، تاريخ دمشق 42 : 221 ، سير أعلام النبلاء 19 : 328 ، فيض القدير للمناوي 6 : 282 ، تفسير الفخر الرازي 4 : 401.

ثمّ إنّه لا يقال إنّ سبب واقعة الغدير حدوث نزاع بين أحد الصحابة وبين علي بن أبي طالب ، فأراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إيقاف النزاع فتكلّم بذلك الكلام.

وذلك لأمور :

أولا : إنّ الآية القرآنية تنصّ على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن لم يبلّغ الناس بهذا الأمر فهو لم يبلّغ شيئاً من الرسالة الإسلامية ، ويكون خلال السنين السالفة كأنّما لم يفعل شيئاً ، ولم يبلّغ عن اللّه سبحانه وتعالى ، فالآية تنصّ على أنّ هذا الأمر المأمور بتبليغه من صلب الدين وأنّ رسالة السماء مرتبطة به ، فكيف بعد هذا يكون الأمر بالتبليغ لأجل قضية شخصية ، مع أنّ القضايا الشخصية لا مدخلية لرسالة السماء فيها ، وأيّ ربط بين رسالة عالمية خالدة بقضية شخصية حدثت أمام مجموعة من المسلمين؟!

١٠٥

وبعدما فرغوا أنزل اللّه عليه :( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) .

هذا مايقوله الشيعة ، وهو عندهم من المسلّمات ، ولا يختلف فيه عندهم اثنان.

فهل لهذه الحادثة ذكرٌ عند أهل السنّة والجماعة؟

وحتى لا ننحاز إليهم ويُعحبنا قولهم ، فقد حذّرنا اللّه سبحانه بقوله :( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ

__________________

ثانياً : لو سلّمنا ذلك ، فلا داعي لإيقاف هذا الجمع الغفير من الحجّاج في ذلك الحرّ الشديد لأجل قضية شخصية جرت بين بعض الصحابة وعلي بن أبي طالب ، إذ كان بإمكانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلّ المسألة أمام من شهدها ، بلا حاجة لإيقاف عموم المسلمين القافلين من الحجّ.

ثالثاً : القضيّة الشخصية التي وقعت للإمام علي مع بعض الصحابة كانت في اليمن ، حيث حصل خلاف حول جارية في السبي أو حول إبل الصدقة ، وأُولئك النفر لم يشهدوا الحجّ حتى يوقف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الجمع الغفير للمصالحة بينهم.

والخلاصة : إن جميع الأدلّة والقرائن تدلّ دلالة صريحة لا غبار عليها على أنّ قضية غدير خم قضية إلهية مرتبطة بروح الدين الإسلامي وأُسسه ، وأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من ذلك الموقف العظيم تبليغ أمر سماوي إلهي وهو الولاية لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وخلافته بعد رحيله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما يثار خلاف ذلك ما هو إلاّ تخرصات وأراجيف للدفاع عن الباطل المهزول.

١٠٦

عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ ألَدُّ الخِصَامِ ) (1) .

فالواجب أن نحتاط ونبحث هذا الموضوع بكلّ حذر ، وننظرُ في أدلّة الفريقين بكلّ نزاهة ، مبتغين في ذلك رضاه سبحانه.

والجواب : نعم ، إنّ كثيراً من علماء أهل السنّة يذكرون هذه الحادثة بكلّ أدوارها ، وها هي بعض الشواهد من كتبهم :

1 ـ أخرج الإمام أحمد بن حنبل من حديث زيد بن أرقم قال : نزلنا مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بواد يقال له وادي خم ، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير ، قال : فخطبنا ، وظلّل لرسول اللّه بثوب على شجرة سمرة من الشمس فقال : « ألستم تعلمون ، أو ألستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ » قالوا : بلى ، قال : « فمن كنتُ مولاه فعليّ مولاه ، اللَّهم وال من والاه وعاد من عاداه »(2) .

2 ـ أخرج الإمام النسائي في كتاب الخصائص عن زيد بن أرقم قال : لمّا رجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجّة الوداع ، ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن ، ثمّ قال : « كأنّي دُعيت فأجبتُ ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ،

__________________

1 ـ البقرة : 204.

2 ـ مسند أحمد بن حنبل 4 : 372 ، وصرّح محقّق الكتاب بصحة الحديث ، والمصنّف لابن أبي شيبة 7 : 503 ح 55 ، وسنن النسائي 5 : 131 ح 8469.

١٠٧

فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض » ، ثم قال : « إنّ اللّه مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن » ، ثم إنّه أخذ بيد عليّ فقال : « من كنتُ وليّه فهذا وليّه ، اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ». قال أبو الطفيل : فقلتُ لزيد : سمعته من رسول اللّه؟ فقال : وإنّه ماكان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينيه ، وسمعه بأذنيه(1) .

3 ـ أخرج الحاكم النيسابوري عن زيد بن أرقم من طريقين صحيحين على شرط الشيخين قال : لمّا رجع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجّة الوداع ونزل غدير خمّ ، أمر بدوحات فقممن فقال : « كأنّي دعيتُ فأجْبتُ ، وإنّي تركتُ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه تعالى وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض » ، ثم قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن » ، ثمّ أخذ بيد علي فقال : « من كنتُ مولاه فهذا وليّه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه »(2) .

__________________

1 ـ خصائص النسائي : 93 ، ورواه أيضاً في سننه 5 : 130 ح 8464.

2 ـ مستدرك الصحيحين 3 : 109 ، وقال « صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه بطوله » ، وسكت عنه الذهبي ، وانظر : السنن الكبرى للنسائي 5 : 45 ح 8148 ، والبداية والنهاية 5 : 228 وقال : « تفرّد به النسائي من هذا الوجه ، وقال شيخنا أبو عبد اللّه الذهبي » : « وهذا حديث صحيح ».

١٠٨

4 ـ كما أخرج هذا الحديث مسلم في صحيحه يُسْنده إلى زيد بن أرقم ولكنّه اختصره فقال : قام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خمًّا بين مكة والمدينة ، فحمد اللّه وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثمّ قال : « أمّا بعد ، ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيبُ ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به » ، فحثّ على كتاب اللّه ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي ، أُذكّركم اللّه في أهل بيتي ، أُذكّركم اللّه في أهل بيتي ، أُذكركم اللّه في أهل بيتي »(1) .

تعليق : بالرغم من أنّ الإمام مسلم اختصر الحادثة ولم يروها بكاملها ، إلاّ أنّها بحمد اللّه كافية وشافية ، ولعلّ الاختصار كان من زيد بن أرقم نفسه لمّا اضطرّته الظروف السياسية إلى كتمان حديث الغدير ، وهذا نفهمه من سياق الحديث إذ يقول الراوي :

انطلقتُ أنا وحُصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلمّا جلسنا إليه قال له حُصين : لقد لقيتَ يازيد خيراً كثيراً ، رأيتَ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمعتَ حديثه ، وغزوتَ معه ، وصلّيتَ خلفه ، لقد لقيتَ يازيدُ خيراً كثيراً ، حدّثنا يازيد ماسمعت من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

1 ـ صحيح مسلم 7 : 123 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل علي بن أبي طالب ، مسند أحمد 4 : 367 ، السنن الكبرى للنسائي 10 : 114.

١٠٩

قال : يا بن أخي واللّه لقد كبرتْ سنّي ، وقدُمَ عهدي ، ونسيتُ بعض الذي كنتُ أعِي من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما حدّثتكم فاقبلوا ، وما لا فلا تكلّفونيه.

ثمّ قال : قام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُمَّا ....

فيبدو من سياق الحديث أنّ حُصيناً سأل زيد بن أرقم عن حادثة الغدير ، وأحرجه أمام الحاضرين بهذا السؤال ، وكان بدون شكّ يعلم بأنّ الجواب صريح على ذلك يسبّب له مشاكل مع الحكومة التي كانت تحمِلُ الناس على لعن علي بن أبي طالب ، ولهذا نجده يعتذر للسائل بأنّه كبُرتْ سنّه ، وقدُم عهده ، ونسي بعض الذي كان يَعِي ، ثم يُضيف طالباً من الحاضرين بأن يقبلوا مايحدّثهم به ، ولا يكلّفوه ما يريد السكوت عنه.

ومع خوفه ، ومع اختصاره للحادثه واقتضابها ، فقد أوضح زيد بن أرقم ـ جزاه اللّه خيراً ـ كثيراً من الحقائق ، وألمحَ لحديث الغدير بدون ذكره ، وذلك قوله : »قام فينا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً بماء يدعى خُمًّا بين مكة والمدينة « ، ثمّ بعد ذلك ذكر فضل علي ، وأنّه شريك القرآن في حديث الثقلين »كتاب اللّه وأهل بيتي « بدون أن يذكر اسم علي ، وترك للحاضرين أن يستنتجوا ذلك بذكائهم؛ لأنّ كلّ المسلمين يعرفون أنّ علياً هو سيّد أهل بيت النبوة.

ولذلك نرى حتّى الإمام مسلم نفسه فهم من الحديث مافهمناه

١١٠

وعرف ماعرفناه ، فتراه يخرج هذا الحديث في فضائل علي بن أبي طالب ، رغم أنّ الحديث ليس فيه ذكر لاسم علي بن أبي طالب.

5 ـ أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح عن زيد بن أرقم وعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : خطب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خمّ تحت شجرات فقال : « أيها الناس يوشك أن أُدعى فأُجيب ، وإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون؟ » قالوا : نشهد أنك قد بلّغتَ وجاهدتَ ونصحتَ ، فجزاك اللّه خيراً ، فقال : « أليس تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وأنّ ناره حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ البعث حقّ بعد الموت ، وأنّ الساعة آتية لاريب فيها ، وأنّ اللّه يبعثُ من في القبور؟ » قالوا : بلى نشهد بذلك ، فقال « اللَّهم اشهد ».

ثمّ قال : « يا أيّها الناس إنّ اللّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنتُ مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ».

ثمّ قال : « يا أيها الناس إنّي فرطكم ، وإنّكم واردون عليَّ الحوض ، حوض أعرض ما بين بصرى إلى صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضّة ، وإنّي سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين ، كيف تخلّفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب اللّه عزّ وجلّ سبب طرفه بيد اللّه تعالى وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي

١١١

أهل بيتي ، فإنه نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن ينقضيا حتى يردا عليَّ الحوض »(1) .

__________________

1 ـ المعجم الكبير للطبراني 3 : 180 ح 3052 ، وعنه الصواعق المحرقة 1 : 108 الشبهة الحادية عشر ، ونصّ على صحة سنده وقال : « ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب بغدير خم » ، وأيضاً في مجمع الزوائد 9 : 165 وقال : « وفيه زيد بن الحسن الأنماطي قال أبو حاتم : منكر الحديث ، ووثقه ابن حبان » ، وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات.

وما ذكره في كشف الجاني : 154 من أنّ الحديث ضعيف جدّاً ، ناشئٌ من التعصّب والافتراء ، وذلك : لأنّ زيد بن الحسن الأنماطي لم يضعفه إلاّ أبو حاتم ، ووثّقه ابن حبّان ، وأبو حاتم من المعروفين بالتشدّد في الرجال كما ذكر ذلك الذهبي في كتابه الموقظة : ص 120 ، وأمّا الذهبي فقد ذكره في ميزان الاعتدال 2 / 101 واقتصر على نقل توثيق ابن حبان وتضعيف أبي حاتم ، نعم في كتاب من له رواية في كتب الستة 1 / 416 ذكر ضعفه ، ولم يحكم بأنّه منكر الحديث كما قال عثمان الخميس.

وبعد الرجوع إلى موازين الذهبي الرجالية نجد أنّ هذا التضعيف ناشئ من تعصّبه وتحامله على فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وذلك واضح لمن يرجع إلى كتاب تلخيص فضائل علي بن أبي طالب في المستدرك ليرى بأُمّ عينيه ، حتى اضطره التعصب إلى استحداث قواعد رجالية جديدة ، فقد مرّ على رواية رواتها ثقات لا يستطيع الطعن بهم ، فطعن بالرواية من خلال ضابطة رجالية جديدة ، فقال : « كذب يشهد القلب بوضعه » ، فصار القلب من الموازين التي يرجع إليها في وضع الحديث وعدمه!!

١١٢

6 ـ كما أخرج الإمام أحمد من طريق البرّاء بن عازب من طريقين ، قال : كنّا مع رسول اللّه ، فنزلنا بغدير خم ، فنودي فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين ، فصلّى الظهر وأخذ بيد عليّ ، فقال : « ألستم تعلمون إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ » قالوا : بلى ، قال : « ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ » قالوا : بلى ، قال : فأخذ بيد عليّ فقال : « من كنتُ مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه » ، قال : فلقيَهُ عمر بعد ذلك ، فقال له : هنيئاً يابن أبي طالب أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(1) .

__________________

وأمّا ابن حجر العسقلاني فأيضاً في تهذيب التهذيب 3 : 350 اقتصر على نقل تضعيف أبي حاتم وتوثيق ابن حبّان ولم يضف عليها شيئاً.

نعم ، في تقريب التهذيب 1 : 327 حكم بضعفه ، إلاّ أنّ هذا التضعيف لا يمكن الأخذ به ، لنفس الكلام المتقدّم حول تضعيف الذهبي ، ولشيء آخر وهو : إنّ ابن حجر يعتمد على الذهبي كثيراً في المسائل الرجالية ، وعليه فالحديث صحيح لاغبار عليه ولا يمكن الطعن فيه ، مهما حاول أعداء أهل البيت ذلك.

وحديث الغدير من الأحاديث الثابتة التي لا يطعن فيها ، بل هو متواتر قال العلاّمة أحمد شاكر محقّق مسند أحمد 1 : 56 : « وأمّا متن الحديث [ أي حديث الغدير ] فإنّه صحيح ، ورد عن طرق كثيرة ، ذكر المناوي في شرح الجامع الصغير في الحديث 900 عن السيوطي أنّه قال : حديث متواتر ».

1 ـ مسند أحمد 4 : 281 ، وصرّح محقق الكتاب بصحة الحديث ، وانظر المصنّف لابن أبي شيبة 7 : 503 ح 55.

١١٣

وباختصار ، فقد روى حديث الغدير من أعلام أهل السنّة زيادة عمّن ذكرنا : الترمذي ، وابن ماجة ، وابن عساكر ، وأبو نعيم ، وابن الأثير ، والخوارزمي ، والسيوطي ، وابن حجر ، والهيثمي ، وابن الصباغ المالكي ، والقندوزي الحنفي ، وابن المغازلي ، وابن كثير ، والحمويني ، والحسكاني ، والغزالي ، والبخاري في تاريخه.

على أنّ العلاّمة الأميني صاحب كتاب الغدير ذكر من علماء أهل السنّه والجماعة الذين رووا حديث الغدير وأخرجوه في كتبهم على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم في القرن الأوّل للهجرة وحتى القرن الرابع عشر ، فكان عددهم يزيد عن ثلاثمائة وستّين عالماً ، ولمن أراد التحقيق فعليه بمراجعة كتاب الغدير(1) .

أفيمكن بعد كلّ هذا أن يقول قائل بأنّ حديث الغدير هو من مختلقات الشيعة.

والعجب الغريب أنّ أغلب المسلمين عندما تذكر له حديث الغدير لا يعرفه ، أو قل لمْ يسمع به! والأعجب من هذا كيف يدّعي علماء أهل السنّة بعد هذا الحديث المجمع على صحّته بأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف وترك الأمر شورى بين المسلمين؟!

__________________

1 ـ كتاب الغدير للعلاّمة الأميني في أحد عشر مجلداً ، وهو كتاب قيّم جمع فيه صاحبه كلّ ما يتعلّق بحديث الغدير من كتب أهل السنّة والجماعة ( المؤلّف ).

١١٤

فهل هناك للخلافة حديث أبلغ من هذا وأصرح يا عباد اللّه؟

وإني لأذكر مناقشتي مع أحد علماء الزيتونة في بلادنا عندما ذكرتُ له حديث الغدير ، محتجّاً به على خلافة الإمام عليّ ، فاعترف بصحّته ، بل وزاد في الحبل وصلة فأطلعني على تفسيره للقرآن الذي ألّفه بنفسه ، والذي يذكر فيه حديث الغدير ويصحّحه ويقول بعد ذلك : « وتزعم الشيعة بأنّ هذا الحديث هو نصّ على خلافة سيّدنا عليّ كرّم اللّه وجهه ، وهو باطل عند أهل السنّة والجماعة ، لأنّه يتنافى مع خلافة سيّدنا أبي بكر الصديق ، وسيّدنا عمر الفاروق ، وسيّدنا عثمان ذي النورين ، فلابدّ من تأويل لفظ المولى الوارد في الحديث على معنى المحبّ والناصر ، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم ، وهذا ما فهمه الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام رضي اللّه تعالى عليهم أجمعين ، وهذا ما أخذه عنهم التابعون وعلماء المسلمين ، فلا عبرة لتأويل الرافضة لهذا الحديث؛ لأنّهم لايعترفون بخلافة الخلفاء ، ويطعنون في صحابة الرسول ، وهذا وحده كاف لردّ أكاذيبهم وإبطال مزاعمهم. انتهى كلامه في الكتاب.

سألته : هل الحادثة وقعتْ بالفعل في غدير خم؟

أجاب : لو لم تكن وقعتْ ما كان ليرويها العلماء والمحدّثون!

قلتُ : فهل يليق برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجمع أصحابه في حرّ

١١٥

الشمس المحرقة ، ويخطب لهم خطبة طويلة ليقول لهم بأنّ علي محبّكم وناصركم؟ فهل ترضون بهذا التأويل؟

أجاب : إنّ بعض الصحابة اشتكى عليَّاً ، وكان فيهم من يحقد عليه ويبغضه ، فأراد الرسول أن يزيل حقدهم فقال لهم بأنّ علياً محبّكم وناصركم ، لكي يحبّوه ولا يبغضوه(1) .

قلتُ : هذا لا يتطلّب إيقافهم جميعاً والصلاة بهم ، وبدأ الخطبة بقوله : « ألستُ أولى بكم من أنفسكم » لتوضيح معنى المولى ، وإذا كان الأمر كما تقول فكان بإمكانه أن يقول لمن اشتكى منهم عليّاً : إنّه محبّكم وناصركم ، وينتهي الأمر بدون أن يحبس في الشمس تلك الحشود الهائلة ، وهي أكثر من مائة ألف فيهم الشيوخ والنساء ، فالعقل لا يقنع بذلك أبداً!

فقال : وهل العاقل يصدّق بأنّ مائة ألف صحابي لم يفهموا مافهمتَ أنتَ والشيعة؟

قلتُ :

أولاً : لم يكن يسكن المدينة المنوّرة إلاّ قليلٌ منهم.

وثانياً : إنّهم فهموا بالضبط مافهمتهُ أنا والشيعة ، ولذلك روى العلماء بأنّ أبا بكر وعمر كانا من المهنّئين لعلي بقولهم : بخ بخ لك

__________________

1 ـ قد تقدّم ذكر هذا الإشكال والإجابة عليه ، فراجع.

١١٦

يا ابن أبي طالب أمسيت وأصبحت مولى كل مؤمن.

قال : فلماذا لم يبايعوه إذاً بعد وفاة النبىّ ، أتراهم عصوا وخالفوا أمر النبي؟ أستغفر اللّه من هذا القول.

قلتُ : إذا كان العلماء من أهل السنّة يشهدون في كتبهم بأنّ بعضهم ـ أعني من الصحابة ـ كانوا يخالفون أوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته وبحضرته(1) ، فلا غرابة في ترك أوامره بعد وفاته ، وإذا كان أغلبهم يطعنُ في تأميره أُسامة بن زيد لصغر سنّه ، رغم أنّها سريّة محدودة ولمدّة قصيرة ، فكيف يقبلون تأمير عليّ على صغر سنّه ولمدّة الحياة ، وللخلافة المطلقة؟ ولقد شهِدتَ أنتَ بنفسك بأنّ بعضهم كان يبغض علياً ويحقد عليه!!

أجابني متحرّجاً : لو كان الإمام عليّ كرّم اللّه وجهه ورضي اللّه عنه يعلَمُ أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلفه ما كان ليسكتَ عن حقّه ، وهو الشجاع الذي لا يخشى أحداً ويهابه كلّ الصحابة.

قلتُ : سيّدي هذا موضوع آخر لا أُريد الخوض فيه ، لأنّك لم تقتنع بالأحاديث النبوية الصحيحة ، وتحاول تأويلها وصرفها عن معناها حفاظاً عل كرامة السلف الصالح ، فكيف أقنعك بسكوت

__________________

1 ـ صحيح البخاري ومسلم ، إذ أخرجا عدّة مخالفات لهم ، كما في صلح الحديبية ، وكما في رزية يوم الخميس ، وغير ذلك كثير ( المؤلّف ).

١١٧

الإمام عليّ ، أو باحتجاجه عليهم بحقّه في الخلافة؟

ابتسم الرجل قائلاً : أنا واللّه من الذين يفضّلون سيدنا علياً كرّم اللّه وجهه على غيره ، ولو كان الأمر بيدي لما قدّمتُ عليه أحداً من الصحابة ، لأنّه باب مدينة العلم ، وهو أسد اللّه الغالب ، ولكن مشيئة اللّه سبحانه ، هو الذي يقدّم من يشاء ويؤخّر من يشاء ، لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون.

ابتسمتُ بدوري له وقلتُ : وهذا أيضاً موضوع آخر يجرّنا للحديث عن القضاء والقدر ، وقد سبق لنا أن تحدّثنا فيه وبقي كلٌّ منّا على رأيه ، وإنّي لأعجب ياسيّدي لماذا كلّما تحدّثتُ مع عالم من علماء أهل السنّه وأفحمته بالحجّة سرعان ما يتهرّب من الموضوع إلى موضوع آخر لا علاقة له بالبحث الذي نحن بصدده.

قال : وأنا باق على رأيي لا أغيّره.

ودّعته وانصرفتُ ، وبقيت أفكّرُ مليّاً لماذا لا أجد واحداً من علمائنا يكمل معي هذا المشوار ، ويوقف الباب على رجله كما يقول المثل الشائع عندنا.

فالبعض يبدأ الحديث وعندما يجد نفسه عاجزاً عن إقامه الدليل على أقواله يتملّص بقوله : تلك أُمّة قد خلتْ لها ما كسبتْ ولكم ما كسبتم ، والبعض يقول : مالنا ولإثاره الفتن والأحقاد فالمهم أنّ السنّة

١١٨

والشيعة يؤمنون بإله واحد ورسول واحد وهذا يكفي ، والبعض يقول بإيجاز : يا أخي اتق اللّه في الصحابة.

فهل يبقى مع هؤلاء مجال للبحث العلمي ، وإنارة السبيل ، والرجوع للحقّ الذي ليس بعده إلاّ الضلال؟

وأين هؤلاء من أُسلوب القرآن الذي يدعو الناس لإقامه الدليل :( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (1) ، مع العلم بأنّهم لو يتوقّفون عن طعنهم وتهجّمهم على الشيعة لما ألجأونا للجدال معهم حتّى بالتي هي أحسن.

[ 3 ] ـ آية إكمال الدين تتعلّق أيضاً بالخلافة :

قوله سبحانه وتعالى :( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) (2) .

يجمع الشيعة على نزولها بغدير خم بعد تنصيب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليّ خليفة للمسلمين ، وذلك رواية عن أئمة العترة الطاهرة ، وبذلك تراهم يعدّون الإمامة من أُصول الدين.

ورغم أنّ الكثير من علمائنا يروون نزولها في غدير خم بعد

__________________

1 ـ البقرة : 111.

2 ـ المائدة : 3.

١١٩

تنصيب الإمام عليّ ، أذكر منهم على سبيل المثال :

1 ـ تاريخ دمشق لابن عساكر 2 : 75.

2 ـ مناقب علي أبي طالب لابن المغازلي الشافعي : 19.

3 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8 : 290.

4 ـ الإتقان للسيوطي 1 : 31.

5 ـ المناقب للخوارزمي الحنفي : 80.

6 ـ تذكره الخواص لسبط ابن الجوزي : 30.

7 ـ تفسير ابن كثير 2 : 14.

8 ـ روح المعاني للآلوسي 6 : 55(1) .

9 ـ البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي 5 : 213(2) .

__________________

1 ـ نسب الآلوسي رواية أبي سعيد الخدري في نزولها في غدير خم إلى الشيعة وقال : « إنّ هذا من مفترياتهم ، وركاكة الخبر شاهدة على ذلك ».

ولكن لا مجال لقبول قوله بعد ما عرفت روايتها عند مصادر أهل السنّة من طرق متعدّدة ليس فيها أبو سعيد الخدري ، فليست الرواية من مفتريات الشيعة ، ولا ركاكة فيها حسب ما يزعم ، فإنّها خالية عن أيّ تعقيد وغموض وتكلّف في البيان ، حالها حال سائر الروايات الصحيحة الواردة عندهم ، وبإمكان أيّ شخص ردّ أيّ خبر لا يهواه بهذه الطريقة غير العلمية.

2 ـ روى ابن كثير نزولها في غدير خم عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، وقال : « إنّه حديث منكر جداً ،

١٢٠