لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 54644
تحميل: 7093

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54644 / تحميل: 7093
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لأكون مع الصادقين

 

الدكتور محمد التيجاني السماوي

 

تحقيق وتعليق

مركز الأبحاث العقائدية

١

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمّة المركز

الحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلق اللّه أجمعين ، حبيب قلوبنا ، أبي القاسم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة الموبّدة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

نحمدك اللهمّ ونشكرك أن جعلتنا من أتباع مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، والسائرين على نهجهم القويم ، والمتبرّئين من أعدائهم والناصبين لهم البغض والعداء.

لم يكن من ضمن برنامجنا العلمي في « مركز الأبحاث العقائدية » إعادة طبع الكتب التي تمّ طبعها ونشرها لعدّة مرّات ، خصوصاً كتب الدكتور التيجانى التي تتنافس في طبعها ونشرها مراكز علميّة كثيرة ومؤسسات ثقافية عديدة ، إذ طبعت طبعات متعدّدة وترجمت إلى عدّة لغات عالمية.

٢

والذي جعلنا نُقدم على إعادة طباعتها ، وتصحيح الأخطاء المطبعية التي وجدت في الطبعات السابقة منها ، بل إصلاح بعض الهفوات العلميّة التي وقع فيها المؤلّف ، واستخراج كافة الأقوال الفقهية وغيرها والأحاديث الشريفة وبيان صفاتها التوثيقية ـ وإن كان هذا العمل بحدّ ذاته يستحقّ التقدير ـ هو الإجابة على الشبهات والردود التي أثارها بعض علماء السنّة حول كتب الدكتور التيجاني الذي وصفوه بشخصية خيالية اختلقها بعض علماء الشيعة للتشنيع على المذهب السنّي ، فقد جمعنا كتبهم فكانت خمسة كتب هي :

(1) « كشف الجاني محمّد التيجاني » لعثمان بن محمّد الخميس ، والظاهر أنّه أوّل من تصدّى للردّ على الدكتور التيجاني ، إذ أنّ الطبعة الثانية لهذا الكتاب صدرت عن مؤسسة الفجر في لندن سنة 1411 هـ ، والطبعة الثالثة صدرت عن دار الأمل في القاهرة وكتب عليها « طبعة مزيدة منقّحة ».

وبما أن الطبعتين الأُولى والثانية كانت عبارة عن كتيب صغير ، لذلك اضطرّ الخميس في طبعته الثالثة أن ينقل من كتاب « الانتصار » ـ الذي يأتي الحديث عنه برقم 2 ـ ثلاث وأربعين صفحة ، وذلك من أجل زيادة صفحات كتابه ، علماً بأنّه في كتابه هذا الذي يقع في مائتين صفحة تقريباً يحاول الردّ على كتب الدكتور التيجاني الأربعة وهي : « ثم اهتديت » و « فاسألوا أهل الذكر » و « لأكون مع

٣

الصادقين » و « الشيعة هم أهل السنة ».

(2) « الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماويّ الضالّ » للدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي ، صدرت طبعته الأُولى سنة 1418 هـ عن مكتبة الغرباء الأثرية في المدينة المنوّرة ، وكان المؤلّف ينوي الردّ على كتب الدكتور التيجاني الأربعة التي ذكرناها سابقاً ، إلاّ أنّ الذي صدر هو القسم الأوّل منه فقط ، وهو ردّ على كتاب « ثم اهتديت ».

(3) « منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية ، مع دراسة لبعض الكتب المذهبيّة وسبل التقريب » لأبي الحسن محيي الدين الحسني ، انتهى من تأليفه في الأوّل من رجب سنة 1417 هـ ، صدر عن مطبعة المدينة في بغداد ، وهو ردّ على كتاب الدكتور التيجاني « لأكون مع الصادقين » فقط.

(4) « النشاط الشيعي الإمامي أو الاستنساخ العقدي ، التيجاني السماوي نموذجاً » ، للزبير دحان ـ صدرت سنة 1423 هـ ضمن سلسلة نقد المعتقد برقم 1 ، وهو ردّ على كتاب « المراجعات » للسيد عبد الحسين شرف الدين ، وكتب الدكتور التيجاني.

(5) « بل ضللتَ » لخالد العسقلاني ، صدرت سنة 1424 هـ عن دار المحدّثين للطباعة والنشر ، الطبعة الثانية ، وهو ردّ على كتاب الدكتور التيجاني « ثم اهتديت ».

٤

عملنا في هذا الكتاب

(1) قراءة نصّ الكتاب بشكل دقيق ، ثمّ تقطيع عباراته إلى عدّة فقرات متناسقة ، واستعمال علامات الترقيم حسبما تقتضيه الطرق الفنيّة لتحقيق الكتب.

(2) استخراج كلّ ما يحتاج إلى استخراج : من آيات قرآنيّة كريمة ، وأقوال فقهيّة وكلاميّة وتأريخيّة وغيرها ، وأحاديث شريفة ، وأشعار وغيرها ، كلّ ذلك من مصادرها الرئيسيّة.

(3) بيان صفات الأحاديث الشريفة التي استدلّ بها المؤلّف ، وتمييز الصحيح عن غيره ، استناداً إلى آراء كبار علماء المسلمين من الفريقين ؛ ليقف القارئ على صحّة كلام المؤلّف وزيف ادّعاء المخالف له.

(4) إبقاء تعليقات المؤلّف التي كانت في الطبعة السابقة كما كانت ، وتمييزها عن عملنا بإضافة كلمة « المؤلّف » في آخرها.

(5) إذا ذكر المؤلّف مصدراً أو مصدرين لكلامه أو للقول أو الحديث الذي يستدلّ به ، فإننّا نضيف لها مصادر أُخرى معتبرة عند عامّة المسلمين ، ليقف القارئ على حقيقة الأمر.

(6) قمنا بردّ الشبهات التي أثارها عثمان الخميس في كتابه

٥

« كشف الجاني محمّد التيجاني » على هذا الكتاب الذي بين أيدينا ، وبيّنا زيف ادّعاء الخميس وقلّة اطّلاعه على التاريخ ، وكيفيّة محاولته لإضلال الرأي العامّ بإدّعاءات واهية لا أساس لها ، بل محاولته بتر حديث الدكتور التيجاني ، وهذه مغالطات يلجأ إليها الضعفاء.

كذلك قمنا بردّ الإشكالات التي وجهها أبو الحسن محيي الدين الحسني في كتابه « منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلاميّة » على خصوص هذا الكتاب ، وهي في الواقع إشكالات واهية تنمّ عن تعصبّ أعمى بعيداً عن روح النقاش والتفاهم الحرّ الذي يسعى صاحبه للوصول إلى الحقيقة.

وأشرنا أيضاً إلى المناظرة العقائدية التي جرت سنة 1423 هـ في قناة « المستقلة » بين بعض الوهابيّة وبعض أتباع مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، والذي كان للدكتور التيجاني دور مهم فيها.

شكر وتقدير

ختاماً فإننا نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكافة الإخوة الأعزاء في « مركز الأبحاث العقائدية » الذين ساهموا في إحياء هذا الأثر وإخراجه بهذه الحلّة القشيبة ، وأخص بالذكر السيّد هاشم الميلاني الذي ساهم في استخراج بعض المصادر ، والشيخ لؤي المنصوري

٦

الذي أخذ على عاتقه عملية الاستخراج كاملةً وردّ الشبهات والإشكالات التي وجّهت لهذا الكتاب ، فجزاهم اللّه جميعاً خير الجزاء ، وجعله في ميزان أعمالهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم.

محمّد الحسّون

مركز الأبحاث العقائدية

 

٧

مقدّمة المؤلّف للطبعة المحقّقة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا ومولانا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين ، وعلى أصحابه المنتجبين الذين ثبتوا من بعده ولم يغيّروا ولم يبدّلوا وكانوا للّه من الشاكرين ، والسلام على أنبياء اللّه أجمعين.

أمّا بعدُ ، وخلال السنوات المنصرمة تلقّيت العديد من الرسائل من عدّة مناطق في العالم بخصوص كتابي الثاني « لأكون مع الصادقين » الذي تناولت في أوّله تحليلا للأحداث التي وقعت إبّان وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك تحليلا عقلانيّاً لعقائد الشيعة الإماميّة التي كانت تبدو غريبة على أهل السنّة والجماعة بالخصوص منهم المعاصرين الذين دأبوا على انتقاد الشيعة في كلّ معتقداتهم ، وإذا بهم يُفاجأون بأنّ كل ما يعتقده الشيعة الإماميّة إنّما هو حقيقةٌ ثابتةٌ في كتاب اللّه وسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأغرب من ذلك أنّ كلّ ما يقول به الشيعة له

٨

وجودٌ ثابتٌ في صحاح أهل السنّة والجماعة ، أو أنّ أحد أئمة المذاهب الأربعة السنّية قد قاله أو عمل به.

وقد لفت نظري بعضهم مشكورين إلى بعض الأخطاء المطبعيّة التي وردت في الكتاب ، كما أشار البعض الآخر إلى عدم توافق المصادر المذكورة في صفحاته قد تكون تغيّرتْ في الكتب التي طُبعتْ حديثاً ـ ورغم أنّ الكتاب المذكور طبع عدّة مرّات وتُرجم هو الآخر بعديد اللغات ، إلاّ أنّني طلبتُ من مركز الأبحاث العقائدية في مدينة قم المقدّسة بإشراف وإدارة السيد الجليل جواد الشهرستاني والشيخ الفاضل فارس الحسّون(*) أن يولي عنايته ، كما أولاها لكتاب « ثمّ اهتديت » ، ويخرج كتاب « مع الصادقين » في حلّة جديدة منقّحة ومصحّحة بالتوثيق الذي يليق به لتلبية اقتراح القرّاء الكرام.

فلبّوا طلبي هذا مشكورين ، وكان من إنتاجهم هذا العمل الكبير الذي يعجزُ عنه كلّ كاتب ومؤلف ، فجزاهم اللّه عن الإسلام

__________________

* ـ كتبتُ هذه المقدّمة حينما كان الشيخ فارس الحسّون حيّاً ، إلاّ أنه انتقل إلى رحمة اللّه تعالى قبل إكمال هذا العمل ، فأخذ أخوه الشيخ محمّد الحسّون على عاتقه إدارة المركز وإكمال أعماله ، فقام بمراجعة هذا الكتاب مراجعة علميّة وتهيئته للطبع ، فله من اللّه الأجر والثواب ومنّي جزيل الشكر والتقدير « المؤلّف ».

٩

والمسلمين خير الجزاء ، وحشرهم في زمرة محمّد وآله الطاهرين صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

الفقير لرحمة ربّه محمد التيجاني السماوي

بتاريخ 1 جمادى الأوّل 1424

 

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّـقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )

( التوبة : 119 )

١١
١٢

[ لماذا ثم اهتديت ]

الحمد للّه ربّ العالمين ، المتفضّل علينا بالهداية والعناية والتمكين ، والمنعم على عباده بكلّ خير وسعادة ليكونوا صالحين ، مَنْ توكّل عليه كفاه وحفظه منْ كيد الشياطين ، ومن تنكّب عَنْ صراطه فهو من المخذولين.

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، ناصرالمستضعفين والمظلومين ، وحبيب المساكين الذين آمنوا باللّه رغبة فيما أعدّه سبحانه لعباده الصادقين ..

وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، الذين أعلا اللّه مقامهم على سائر المخلوقين ، ليكونوا قدوة العارفين ، ومنار الهدى ، وسفينة النجاة التي من تخلّف عنها كان من الهالكين ..

ثم الرضى والرضوان على أصحابه الميامين الذين بايعوه وناصروه ولم يكونوا من الناكثين ، وثبتوا بعده على العهد وما بدّلوا وما انقلبوا وكانوا من الشاكرين ..

وعلى من تبعهم بإحسان وسار على هديهم ، من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

١٣

( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ) (1) .

ربّ وافتح بصيرة كلّ من يقرأ كتابي على الحقيقة التي تهدي بها عبادك المخلصين.

أما بعد؛ فقد لقي كتابي « ثم اهتديت » قبولاً حسناً لدى القرّاء الأعزّاء الذين أبدوا بعض الملاحظات الهامّة حول موضوعات متفرقّة في الكتاب المذكور ، وطلبوا المزيد من التوضيح في المسائل التي اختلف في فهمها كثير من المسلمين سنّةً وشيعة.

ومن أجل رفع اللَبس والغموض عن ذلك لمن أراد التحقيق والوقوف على جَلّية الأمرِ ، فقد ألّفتُ هذا الكتاب بنفس الأُسلوب الذي اتبعته هناك ، ليسهل على الباحث المنصف الوصول إلى الحقيقة من أقرب سبلها ، كما وصلتُ إليها من خلال البحث والمقارنة ، وقد أسميته ـ على بركة اللّه ـ « مع الصادقين » ، اقتباساً من قوله تعالى :( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّـقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (2) .

ومَنْ مِنَ المسلمين يرفض أو يزهد في أن يكون مع أولئك الصادقين؟!

هذا ما اقتنعتُ به شخصياً ، وما أحاول توضيحه لغيري ما استطعتُ

__________________

1 ـ طه : 25 ـ 28.

2 ـ التوبة : 119.

١٤

إلى ذلك سبيلاً ، دون فرض لرأيي ، بل ومع احترامي لرأي غيري ، فاللّه وحده الهادي وهو الذي يتولّى الصالحين.

وقد اعترض البعض على عنوان الكتاب السابق « ثمّ اهتديت »؛ لانطوائه على غموض قد يبعث على التأمّل والتساؤل حول ما إذا كان الآخرون على ضلالة؟ وما مدلول تلك الضلالة إن قُصد هذا المعنى؟

وعلى هذا الاعتراض أُجيب موضحاً :

أولاً : جاء في القرآن الكريم لفظ الضلالة بمعنى النسيان ، قال تعالى :( قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَاب لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى ) (1) ، وقال عزَّ وجلّ :( أنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الاُخْرَى ) (2) .

كما ورد في القرآن الكريم لفظ الضلالة تعبيراً عن حالة التحقيق والبحث والتفتيش ، قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم :( وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى ) (3) ، أي وجدك تبحث عن الحقيقة فهداك إليها.

والمعروف من سيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قبل نزول الوحي عليه كان يهجر قومه في مكّة ليختلي في غار حرّاء الليالي العديدة باحثاً عن الحقيقة.

__________________

1 ـ طه : 52.

2 ـ البقرة : 282.

3 ـ الضحى : 7.

١٥

ومن هذا المعنى ـ أيضاً ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحكمةُ ضالّة المؤمن ، أين ما وجدها أخذها »(1) .

فعنوان كتابي الأوّل يتضمّن هذا المعنى.

ثانياً : وعلى فرض أنّ العنوان يتضمّن معنى الضلالة التي تقابل الهداية فيما نقصده على المستوى الفكري من إصابة المنهج الإسلامي الصحيح الذي يضعنا على الصراط المستقيم ، كما عقّب بعض القرّاء بذلك؛ فليكن كذلك ، وهو الواقع الذي يتهيّب مواجهته البعض بروح رياضية بنّاءة ، وَنفَس موضوعيٍّ خلاّق ينسجم في الفهم مع قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« تركتُ فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً »(2) .

__________________

1 ـ ورد الحديث بألفاظ مختلفة : ففي سنن ابن ماجة 2 : 1395 ح 4169 ، وكذلك سنن الترمذي 4 : 155 ح 2828 بلفظ : « الكلمة الحكمة ضالّة المؤمن حيثما وجدها فهو أحقّ بها ».

وفي المصنّف لابن أبي شيبة 8 : 317 ح 160 عن سعيد بن أبي بردة قال : « كان يقال : الحكمة ضالّة المؤمن يأخذها إذا وجدها ».

وعن عليّعليه‌السلام في نهج البلاغة : « الحكمة ضالّة المؤمن ، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق ».

وورد بألفاظ أُخر أيضاً.

2 ـ حديث الثقلين ـ بألفاظه المختلفة ـ حديث صحيح متواتر ، صحّحه

١٦

فالحديث واضح وصريح في الإشارة إلى ضلال من لم يتمسك بهما معاً ( الكتاب والعترة ).

وعلى كلّ حال ، فأنا مقتنع بأنّني اهتديت بفضل اللّه سبحانه وتعالى إلى التمسك بكتاب اللّه وعترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه ، لقد جاءت رسل ربّنا بالحق.

فكتابي الأوّل والثاني يحملان عناوينَ من القرآن الكريم ، وهو أصدق الكلام وأحسنه ، وكلّ ما جمعته في الكتابين إن لم يكن الحقّ فهو أقرب مايكون إليه؛ لأنّه ممّا اتفق عليه المسلمون سنةً وشيعة ، وما ثبت عند الفريقين أنّه صحيح ، فكانت النتيجة ولادة هـذين الكتابين بحمد اللّه : « ثمّ اهتديتُ » و « لأكون مع الصادقين ».

__________________

الألباني في عدّة أماكن منها سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 : 355 ح 1761 ، واعترض على من ضعّفه ممن هو حديث عهد بهذه الصناعة ، وسبب القول بضعفه ناشئ من ناحيتين ـ كما قال الألباني ـ :

1 ـ الاقتصار على بعض المصادر ، ممّا سبب فوات الكثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها الصحيحة أو حسنة فضلاً عن الشواهد والمتابعات.

2 ـ عدم الالتفات إلى أقوال المصحّحين للحديث من العلماء.

والحاكم بضلالة من لم يتمسك بالكتاب والعترة هو رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا غيره.

وقد أُورد هذا الاعتراض ـ أيضاً ـ في المناظرة التي جرت بين الشيعة والوهابية في قناة المستقلّة سنة 1423 هـ ، المناظرة العاشرة.

١٧

واللّه أسأل أن يهدي أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعهم حتى يكونوا خير أُمّة ، ويقودوا العالم بأسره إلى النور والهداية تحت لواء الإمام المهدي المنتظر ، الذي وعدنا به جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ، وليتم نور اللّه ولو كره الكافرون.

١٨

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد ، فإنّ الدين يعتمد بنحو أساسي على العقائد التي تكون منه مجموعة الأُصول والمرتكزات التي يؤمن بها معتنقو هذا الدين أو ذاك ، والتي لابدّ أن يقوم إيمانهم بها على الدليل القاطع والبرهان الجلي الذي ينطلق من المسلّمات العقلية التي يؤمن بها جميع الناس ، ليتسنّى له إقناعهم بما يدعوهم إليه. ورغم ذلك ، فإنّه ثمّة أفكار يصعب على العالم تفسيرها ، مثلما يصعب على العقل التصديق بها عند الوهلة الأُولى ، من ذلك مثلاً أن تكون النار « برداً وسلاماً » ، في حين أنّ العلم والعقل يتفقان على أنّها حرارةٌ مهلكة! أو أنّ تقطَّع الطير إلى أجزاء متناثرة فوق الجبال ، ثم تُدعى فتأتي تسعى ، في حين أنّ العلم والعقل يستبعدان ذلك ، أو أن يُشفى الأعمى والأبرص والأكمه بمجرّد مسح عيسىعليه‌السلام ، بل وإحياء الموتى ، في حين أنّ

١٩

العلم والعقل لا يجدان تفسيراً لهذا ..

وهي أُمور تندرج في باب المعجزات التي أجراها اللّه تعالى على أيدي أنبيائهعليهم‌السلام ، وهي موجودة لدى المسلمين واليهود والنصارى ..

وإنّما أجرى اللّه سبحانه وتعالى تلك المعجزات والخوارق على أيدي أنبيائه ورسله عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام ، ليُفهم العباد بأنّ عُقولهم قاصرة عن الإدراك والإحاطة بكلّ شيء؛ لأنه سبحانه لم يؤتهم من العلم إلاّ قليلاً ، ولعلّ في ذلك صلاحهم وكمالهم النسبي ، فقد كفر الكثير بنعمة اللّه ، وأنكر الكثير وجوده سبحانه ، واغترّ الكثير منهم بالعلم والعقل حتى عبدوهما من دون اللّه ، هذا مع قلّة العلم وقصور العقل ، فكيف لو أعطاهم علم كلّ شيء؟!

ونظراً لأهمية العقيدة ومركزيتها في إيمان المسلم ، فإنّ كتابي هذا قد تناول جملة من العقائد الإسلامية التي وردت في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة ، والتي كانت مسرحاً لاختلاف فرق المذاهب الإسلامية ، فَعَقدتُ فصلاً خاصاً بمعتقدات أهل السنّة والشيعة في القرآن الكريم والسنّة النبوية ، ثمّ تطرّقت بعد ذلك لسائر المسائل التي اختلفوا فيها وشنّع بعضهم على البعض الآخر بدون مبرّر؛ هادفاً من ذلك بيان ما رأيته الحقّ ، راغباً في مساعدة من يريد البحث عنه ،

٢٠