لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 54632
تحميل: 7093

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54632 / تحميل: 7093
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العصمة

يقول الشيعة : ونعتقدُ أنّ الإمام كالنّبي يجبُ أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، من سنّ الطفولة إلى الموت ، عمداً وسهواً.

كما يجبُ أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان؛ لأنّ الأئمة حفظة الشرع والقوّامين عليه ، حالهم في ذلك حال النبي ، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق(1) .

نعم ، هذا كما نرى هو رأي الشيعة في موضوع العصمة ، فهل فيه ما ينافي القرآن والسنّة؟ أو مايقول العقل باستحالته؟ أو مايشين الإسلام ويُسيء إليه؟ أو ما يُنقصُ قدر النّبي أو الإمام؟

حاشا وكلاّ ، لم نجد في هذا القول إلاّ التأييد لكتاب اللّه وسنّة نبّيه ، وما يتماشى مع العقل السليم ولا يناقضه ، وما يرفع من قيمة

__________________

1 ـ عقائد الإمامية للمظفر : 75 ( العقيدة رقم 24 ).

٢٨١

النبي والإمام ويشرّفه.

ولنبدأ بحثنا في استقراء القرآن الكريم.

قال تعالى :( إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .

فإذا كان إذهاب الرجس الذي يشمل كلّ الخبائث ، والتطهير من كلّ الذنوب لا يفيد العصمة ، فما هو المعنى إذن؟

يقول اللّه تعالى :

( إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) (2) .

فإذا كان المؤمن التقي يعصمه اللّه من مكايد الشيطان إذا حاول استفزازه وإضلاله ، فيتذكّر ويبصر الحقّ فيتّبعه ، فما بالك بمن اصطفاهم اللّه سبحانه وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؟

ويقول تعالى :( ثُمَّ أوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَـفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (3) والذي يصطفيه اللّه سبحانه يكون بلا شكّ معصوماً من الخطأ ، وهذه الآية بالذات هي التي احتجّ بها الإمام الرضا من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام على العلماء الذين جمعهم الخليفة العبّاسي المأمون ابن هارون

__________________

1 ـ الأحزاب : 33.

2 ـ الأعراف : 201.

3 ـ فاطر : 32.

٢٨٢

الرشيد ، وأثبت لهم بأنّهم ( أي أئمة أهل البيت ) هم المقصودون بهذه الآية ، وبأنّ اللّه اصطفاهم وأورثهم علم الكتاب ، واعترفوا له بذلك(1) .

__________________

1 ـ راجع عيون أخبار الرضاعليه‌السلام للصدوق 2 : 208 ح 1 ، والأمالي : 615 ح 843.

ولا يخفى أنّ كلمة الاصطفاء استعملت في القرآن بعدّة معاني :

منها : ما لا يدلّ على العصمة.

ومنها : ما يدلّ عليها.

فمن القسم الأوّل : قوله تعالى حكاية عن نبيّه في حقّ طالوت :( إنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ) [ البقرة : 247 ] ، فالاصطفاء هنا بمعنى الاختيار للملك ، والملك لا يحتاج العصمة ، بل يحتاج العلم والقوةّ ، أمّا العصمة فهي خاصّة بمن يريد إبلاغ شيء عن اللّه تعالى ، أمّا الملوك فهم حكّام وليسوا برسل ولا أنبياء ، والآية جاءت ردّاً لقول المعترضين حيث قالوا : ( أنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ ... ) .

ومن القسم الثاني : أي الاصطفاء الدالّ على العصمة قوله تعالى :( يَا مُوسَى إنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي ... ) [ البقرة : 144 ] ، وقوله تعالى :( إنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ ) [ آل عمران : 33 ] ، كما قد استدلّ الفخر الرازي في كتابه على عصمة الأنبياء ص 30 بهذه الآيات على وجوب عصمة الأنبياء ، ثمّ قال : « لا يقال الاصطفاء لا يمنع من فعل الذنب ، بدليل قوله تعالى :( ثُمَّ أوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَـفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللّهِ ) قسّم المصطفين إلى الظالم والمقتصد والسابق ، لأنّا نقول الضمير في قوله :( فَمِنْهُمْ ) عائد إلى قوله :( مِنْ عِبَادِنَا ) لا إلى قوله :( الَّذِينَ اصْطَـفَيْنَا ) ، لأن عود الضمير إلى أقرب المذكورين واجب ».

وقال الطباطبائي في تفسير الميزان 17 : 45 بعد ذكر الأقوال في الآية :( ثُمَّ أوْرَثْنَا

٢٨٣

__________________

الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَـفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) قال : « وقيل : وهو المأثور عن الصادقينعليهما‌السلام في روايات كثيرة مستفيضة أنّ المراد بهم ذريةّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أولاد فاطمةعليها‌السلام وقد نصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على علمهم بالقرآن وإصابة نظرهم فيه وملازمتهم إياه بقوله في الحديث المتواتر المتفق عليه : إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، وعلى هذا فالمعنى : بعدما أوحينا إليك القرآن ـ ثم للتراخي الرتبي ـ أورثنا ذريتك إياه ، وهم الذين اصطفينا من عبادنا ».

والذي يؤيّد كون الآية بالتفسير الشيعي اضطراب أهل السنّة في تفسيرها؛ لأنّهم أرجعوا ضمير( فمنهم ) إلى الوارثين ، ومن جانب آخر فسّر الظالم لنفسه بالكافر ، فيكون الكافر وارثاً للكتاب ، وهذا لا يمكن الأخذ به ، ولأجل ذلك قال القرطبي في تفسـيره بعد أن ذكره الآية : « فيه أربع مسائل : الأولية هذه الآية مشكلة؛ لأنه قال عزّ وجل :( اصْطَـفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) ثمّ قال :( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ) ، وقد تكلّم العلماء فيها من الصحابة والتابعين قال النحاس : فمن أصـح ما روي في ذلك ؛ ما روي عن ابن عباس( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ) قال : الكافر » الجامع لأحكام القرآن 14 : 221.

٢٨٤

هذه بعض الأمثلة ممّا جاء في القرآن الكريم ، وهناك آياتٌ أُخرى تفيد العصمة للأئمة كقوله :( أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنَا ) (1) وغيرها ، ولكن نكتفي بهذا القدر روماً للاختصار دائماً.

وبعد القرآن الكريم فإليك ماورد في السنّة النبوية

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا أيّها الناس إنّي تارك فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا : كتَاب اللّه وعترتي أهل بيتي »(2) .

وهو كما ترى صريحٌ بأنّ الأئمة من أهل البيت معصومون أوّلاً؛ لأنّ كتَاب اللّه معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو كلام اللّه ، ومن شكّ فيه كفر.

ثانياً : لأنّ المتمسّك بهما « الكتاب والعترة » يأمنُ من الضلالة ، فدلّ هذا الحديث على أنّ الكتاب والعترة لا يجوز فيهما الخطأ.

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة

__________________

وبما أنّ الكافر لا يمكن أن يكون وارثاً للكتاب؛ لأنّه يجحده وينكره ، فلابدّ من أن تكون الوراثة لأناس مطهرّين مصطفين من اللّه سبحانه وتعالى ، وأُولئك هم أهل البيت عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وبعد ما عرضنا من الإيضاح للآية المباركة ، يكون ما ذكره في كشف الجاني : 160 مجانباً للصواب وبعيداً عن الأُسس العلمية الرصينة.

1 ـ الأنبياء : 73.

2 ـ مضى تخريجه فيما تقدّم.

٢٨٥

نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق »(1) .

وهو كما ترى صريح في أنّ الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام معصومون عن الخطأ ، ولذلك يأمل وينجوا كلّ من ركب سفينتهم ، وكلّ من تأخّر عن ركوب سفينتهم غرق في الضلالة.

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحَبّ أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي ، وهي جنّة الخلد ، فليتولّ عليّاً وذريته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة »(2) .

وهو كما ترى صريح في أنّ الأئمة من أهل البيت ـ وهم عليّ وذريته ـ معصومون عن الخطأ؛ لأنّهم لن يُدخلوا الناس الذين يتّبعوهم في باب ضلالة ، ومن البديهي أنّ الذي يجوز عليه الخطأ لا يمكنُ له هداية الناس.

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا المنذرُ وعلىٌّ الهادي ، وبك ياعليّ يهتدي المهتدون من بعدي »(3) .

__________________

1 ـ مضى تخريجه فيما تقدّم.

2 ـ مضى تخريجه فيما تقدّم.

3 ـ تفسير الطبري 13 : 142 في تفسير قوله تعالى :( ولكلّ قوم هاد ) ، عنه فتح الباري 8 : 285 وقال : « أخرجه الطبري باسناد حسن » ، كنز العمال 11 :

٢٨٦

وهذا الحديث هو الآخر صريح في عصمة الإمام ، كما لايخفى على أُولي الألباب.

والإمام عليّ نفسه أثبت العصمة لنفسه وللأئمة من ولده عندما قال : « فأين تذهبون وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمةٌ والآياتُ واضحةٌ ، والمنار منصوبةٌ فأين يُتاه بكم ، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم ، وهم أئمة الحقّ ، وأعلام الدين ، وألْسنةُ الصدق؟ فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش.

أيها الناس خذوها من خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يموت من ماتَ منّا وليس بميّت ، ويبلى من بلي منّا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون ، واعذروا من لا حجّة لكم عليه وأنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر ، وركزتُ فيكم راية الإيمان »(1) .

__________________

620 ح 33012 عن الديلمي ، شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 381 ، نظم درر السمطين : 90 ، تاريخ دمشق 42 : 359 ، الدر المنثور للسيوطي 4 : 45 عن ابن جرير وابن مردويه وأبي نعيم والديلمي وابن عساكر وابن النجار ، وفي المستدرك ، باب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن عليّ بلفظ : « رسول اللّه المنذر وأنا الهادي » وقال : « صحيح الاسناد ولم يخرجاه ».

1 ـ نهج البلاغة : الخطبة 87.

وقد علّق الشيخ محمّد عبده في شرحه لهذه الخطبة بقوله : « إنّه يموت الميّت

٢٨٧

وبعد هذا البيان من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة ، وأقوال الإمام عليّ الدالة كلّها على عصمتهم سلام اللّه عليهم؛ هل يرفض العقلُ عصمة من يصطفيه اللّه سبحانه للهداية؟

والجواب : كلاَّ ، لا يرفض ذلك ، بل العكس ، العقل يقول بوجوب تلك العصمة؛ لأنّ من توكَلُ إليه مهمّة القيادة وهداية البشريّة لايمكنُ أن يكون إنساناً عادياً يعتريه الخطأ والنسيان ، وتُثقل ظهره الذنوب والأوزار ، فيكون عُرضة لانتقاص الناس ونقدهم ، بل العقل يفرض أن يكون أعلم الناس في زمانه وأعدلهم وأشجعهم وأتقاهم ، وهي صفاتٌ ترفَعُ من شأن القائد وتُعظّمه في أعين الناس ، وتجلب له احترام الجميع وتقديرهم ، وبالتالي طاعتهم له بدون تحفّظ ولاتملّق.

وإذا كان الأمر كذلك ، لماذا كلّ هذا التشنيع والتهويل على مَن يعتقد بذلك؟

ويخيّلُ إليك وأنت تسمع وتقرأ انتقاد أهل السنّة على موضوع العصمة بأنّ الشيعة هم الّذين يقلّدون وسام العصمة لمن أحبّوا ، أو أنّ القائل بالعصمة يكون مُنكراً وكفراً!! فلا هذا ولا ذاك ، إنّما العصمة عند الشيعة هي أن يكون المعصوم مُحاطاً بعناية إلهيّة ورعاية ربّانية ،

__________________

من أئمة أهل البيت وهو في الحقيقة غير ميت ، لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور ( المؤلّف ).

٢٨٨

فلا يتمكّن الشيطان من إغوائه ، ولا تتمكّن النفس الأمّارة بالسوء من التغلّب على عقله فتجرّه للمعصية ، وهذا الأمر لم يحرم اللّه منه عباده المتّقين كما تقدّم في آية( إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) (1) .

وهذه العصمة الموقوتة لعباد اللّه في حالة معينّة ، قد تزول لفقد سببها ألا وهي التقوى ، فالعبد إذا كان بعيداً عن تقوى اللّه لا يعصمه اللّه ، أمّا الإمام الذي اصطفاه اللّه سبحانه فلا يحيد ولا يتزحزح عن التقوى وخشية اللّه سبحانه وتعالى.

وقد جاء في القرآن الحكيم حكاية عن سيّدنا يوسفعليه‌السلام :( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ ) (2) .

ولأنّ سيّدنا يوسف لم يهم بالزنا ، كما فسّره بعض المفسّرين ، فحاشا أنبياء اللّه من هذا الفعل القبيح ، ولكنّه همّ بدفعها وضربها إذا اقتضت الحال ، ولكنّ اللّه سبحانه عصمه من ارتكاب مثل هذا الخطأ؛ لأنّه لو فعله لكان سبباً في اتهامه بالفاحشة ، وتكون حجّتها قويّة ضدّه ، فيلحقه منهم عند ذلك السوء.

__________________

1 ـ الأعراف : 201.

2 ـ يوسف : 24.

٢٨٩
٢٩٠

عدد الأئمة الاثني عشر

يقول الشيعة بأنّ عدد الأئمة المعصومين بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو اثنا عشر إماماً ، لا يزيدون ولا ينقصون ، وقد ذكرهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم وعددهم(1) وهم :

1 ـ الإمام عليّ بن أبي طالب.

2 ـ الإمام الحسن بن عليّ.

3 ـ الإمام الحسين بن عليّ.

4 ـ الإمام عليّ بن الحسين ( زين العابدين ).

5 ـ الإمام محمّد بن علي ( الباقر ).

6 ـ الإمام جعفر بن محمّد ( الصادق ).

7 ـ الإمام موسى بن جعفر ( الكاظم ).

8 ـ الإمام عليّ بن موسى ( الرضا ).

9 ـ الإمام محمّد بن عليّ ( الجواد ).

__________________

1 ـ ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي 3 : 281.

٢٩١

10 ـ الإمام عليّ بن محمّد ( الهادي ).

11 ـ الإمام الحسن بن عليّ ( العسكري ).

12 ـ الإمام محمّد بن الحسن ( المهدي المنتظر ).

فهؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر الذين تقول الشيعة بعصمتهم ، حتّى لا ينطلي المكر على بعض المسلمين.

فالشيعة لا يعترفون قديماً ولا حديثاً بالعصمة إلاّ لهؤلاء الأئمة الذين سمّاهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يولَدوا بعدُ ، وقد أخرج بعض علماء السنّة أسماءهم كما مرّ علينا ، وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الأئمة بعددهم ، وهم اثنا عشر كلّهم من قريش(1) .

وهذه الأحاديث لا تصحّ ولا تستقيم إلاّ إذا فسّرناها على أئمة أهل البيت الذين تقول بهم الشيعة الإمامية ، وأهل السنّة والجماعة هم المطالبونَ بحلّ هذا اللّغز ، إذْ إنّ عدد الأئمة الاثني عشر الذي أخرجوه في صحاحهم بقىَ حتّى الآن لُغزاً لا يجدون له جواباً.

__________________

1 ـ مضى تخريجه فيما تقدّم.

٢٩٢

علم الأئمة

ومّما يشنّع به أهل السنّة والجماعة على الشيعة قولهم : بأنّ الأئمة من أهل البيت سلام اللّه عليهم قد خصّهم اللّه سبحانه بعلم لم يشاركهم فيه أحد من الناس ، ومن أنّ الإمام يكون أعلم أهل زمانه ، فلا يمكن أن يسأله أحد فيعجز عن الجواب!

فهل لهذا الادّعاء من دليل؟

ولنبدأ كما هي عادتنا في كلّ بحث بالقرآن الكريم.

يقول اللّه سبحانه وتعالى في محكم تنزيله :( ثُمَّ أوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَـفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (1) ، فالآية تدلّ دلالة واضحة بأنّ اللّه سبحانه اصطفى عباداً من بين الناس وأورثهم علم الكتاب ، فهل لنا أن نعرف هؤلاء العباد المصطفين؟

ذكرنا فيما تقدّم بأنّ الإمام الثامن من أئمة أهل البيت علي بن موسى الرضا استدلّ بنزول هذه الآية فيهم ، وذلك لّما جمع له

__________________

1 ـ فاطر : 32.

٢٩٣

المأمون أربعين قاضياً من مشاهير القُضاة ، وأعدّ له كلّ واحد منهم أربعين مسألة ، فأجاب عليها وأفحمهم وأقرُّوا له بالأعلمية.

وإذا كان هذا الإمامُ الثامن ، ولمّا يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً عندما وقعتْ هذه المحاورة بينه وبين الفقهاء الذين أقرّوا له بالأعلمية ، فكيف يستغربُ بعدها قول الشيعة بأعلميّتهم ، مادام أنّ علماء السنّة وأئمتهم يعترفون لهم بذلك؟!

أمّا إذا أردنا تفسير القرآن بالقرآن ، فسوف نجد العديد من الآيات ترمي إلى معنى واحد ، وتبيّن بأنّه سبحانه ولحكمة بالغة اختصّ الأئمة من أهل البيت النبوي بعلم من لَدُنْه موهوب حتّى يكونوا أئمة الهدى ومصابيح الدجى.

قال تعالى :( يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلا اُوْلُوا الألْبَابِ ) (1) .

وقال أيضاً :( فَلا اُقْسِمُ بِمَوَاقِـعِ النُّجُومِ * وَإنَّهُ لَـقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إنَّهُ لَـقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَاب مَكْـنُون * لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَهَّرُونَ ) (2) .

أقسمَ سبحانه في هذه الآية بقسم عظيم بأنّ القرآن الكريم له

__________________

1 ـ البقرة : 269.

2 ـ الواقعة : 75 ـ 79.

٢٩٤

أسرار ومعان باطنة مكنونة ، لا يدرك معانيها وحقائقها إلاّ المطهّرون ، وهم أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجْس وطهّرهم تطهيراً.

دلّت الآية أيضاً على أنّ للقرآن باطناً اختصّ اللّه سبحانه به أئمة أهل البيت ، ولا يمكن لغيرهم معرفتها إلاّ عن طريقهم.

ولذلك أشار رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه الحقيقة فقال :

« لا تتقدموهم فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم »(1) .

وكما قال الإمام عليّ نفسه : « أين الذين زعموا أنّهم الراسخون بالعلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا اللّه ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يُستعطى الهدى ، ويُستجلى العمى إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم »(2) .

وقال تعالى :( فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (3) وهذه الآية نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام (4) .

__________________

1 ـ مضى تخريجه فيما تقدّم.

2 ـ نهج البلاغة : الخطبة 143.

3 ـ النحل : 43.

4 ـ مضى تخريجه فيما تقدّم.

٢٩٥

وتفيد بأنّ الأُمّة لابدّ لها بعد فقد نبيّها أن ترجع إلى الأئمة من أهل البيت لمعرفة الحقائق ، وقد رجع الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم إلى الإمام عليّ بن أبي طالب ليبيّن لهم ما أشكل عليهم ، كما رجع الناس على مرّ السنين إلى الأئمة من أهل البيت لمعرفة الحلال والحرام ، ولينْهلوا من معارفهم وعلومهم وأخلاقهم.

وإذا كان أبو حنيفة يقول : « لولا السنتان لهلك النعمان »(1) يقصد بذلك العامين الذين قضاهما في التعلّم من الإمام جعفر الصادق.

وإذا كان الإمام مالك بن أنس يقول : « مارأتْ عينٌ ، ولا سمعتْ أذنٌ ، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً

__________________

1 ـ اعترف الدهلوي بأنّ علماء أهل السنّة ورؤساءهم كالزهري وأبي حنيفة ومالك تتلمذوا على أئمة أهل البيتعليهم‌السلام التحفة الاثني عشرية : 93 و 467 ، ومختصرها للآلوسي : 34 و 193.

وجاء في مختصر التحفة الاثني عشرية للآلوسي : « وهذا أبو حنيفة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان : لولا السنتان لهلك النعمان ، يريد السنتين اللتين صحب فيهما لأخذ العلم الإمام جعفر الصادق ، وقال غير واحد إنّه أخذ العلم والطريقة من هذا ومن أبيه الإمام محمّد الباقر » التحفة الاثني عشرية : 143 ، ومختصرها : 8.

واعترف محمّد أبو زهرة بأنّ أئمة السنّة الذين عاصروا الإمام الصادقعليه‌السلام أخذوا عنه ، كمالك وأبي حنيفة انظر : الإمام الصادق لأبي زهرة : 53.

٢٩٦

وعبادة وورعاً »(1) .

إذا كان الأمر كذلك باعتراف أهل السنّة والجماعة ، فلماذا كلّ هذا

__________________

1 ـ هذا النصّ في المناقب لابن شهرآشوب 3 : 372 ، وجاء في كتاب التوسّل والوسيلة لابن تيمية ص : 92 بلفظ : « ولقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على ثلاث خصال : إمّا مصلياً وإما صامتاً وإما يقرأ القرآن ، ولا يتكلم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون اللّه » ، ونحوه في تهذيب التهذيب لابن حجر 2 : 104.

ومن الملاحظ أنّ علماء الرجال يفرّقون بين العابد الزاهد التقي وبين الثقة الضبط أو الصدوق ، فلا يوجد تلازم بين أن يكون الشخص زاهداً عابداً تقياً وأن يكون ثقة يروى عنه ، فقد يكون زاهداً وعابداً لكن لا يروى عنه لعدم كونه ثقة أو غير ضابط أو غير ذلك ، وقد يكون ثقة وليس زاهداً عابداً تقياً ، ولهذان الأمران أمثلة كثيرة في كتب الرجال ، والرجالي عمله الأولي أن يكون الراوي ثقة ولا ربط له بأمر آخر.

بعد هذا الإيضاح نرجع إلى ما ذكره في كشف الجاني : 161 ، حيث إنّ المؤلّف ذكر عبارة عن الإمام مالك فيها شهادة بتقواه وزهده وعبادته ، بينما عثمان الخميس ردّ على المؤلّف بأنّ مالكاً لم يرو عن الصادقعليه‌السلام منفرداً بل يضم إليه شخص آخر ، وهذا لا ربط له بكلام المؤلّف كما أوضحناه ، لأنّ الزهد والتقوى شيء والثقة والضبط في الرواية شيء آخر ، فعدم رواية الإمام مالك عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام منفرداً ـ إن صح ـ لا ينافي مدح مالك للإمام الصادق وكونه زاهداً عابداً ورعاً أو غير ذلك ، وهذا الكلام الذي ذكره في كشف الجاني ناشئ من قلّة الاطلاع على فنّ علم الحديث ومعرفة قوانينه.

٢٩٧

التشنيع وهذا الاستنكار بعد هذه الأدلّة ، وبعدما أثبت تاريخ المسلمين كافّة بأنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام كانوا أعلم أهل زمانهم ، فأيّ غرابة في أن يخصّ اللّه سبحانه وتعالى أولياءه « الذين اصطفاهم » بالحكمة والعلم اللدنّي ، ويجعلهم قدوة المؤمنين وأئمة المسلمين.

ولو تتبّع المسلمون أدلّة بعضهم بعضاً لأقتنعوا بقول اللّه ورسوله ، ولكانوا أُمةً واحدة يشدّ بعضها بعضاً ، ولم يكن هناك اختلاف ولا مذاهب متعدّدة!

ولكم لابدّ من كلّ ذلك ليقضي اللّه أمراً كان مفعولا :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة وَإنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

__________________

1 ـ الأنفال : 42.

٢٩٨

البداء

وهو أن يبدو له شيء في أمر مَا يريد فعله ، ثمّ يتغيّر رأيه في ذلك الشيء ، فيفعل فيه غير ما عزم على فعله سابقاً.

وأمّا قول الشيعة بالبداء ونسبته إلى اللّه تعالى ، والتشنيع عليهم بأنّه يستوجب نسبة الجهل والنقص إلى اللّه سبحانه وتعالى ، كما يريد أهل السنّة والجماعة حمله على هذا المعنى ، فهذا التفسير باطل ولا تقول به الشيعة أبداً ، ومن ينسب ذلك إليهم فقد افترى عليهم ، وهذه أقوالهم قديماً وحديثاً تشهد لهم.

قال الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه عقائد الإمامية : »والبداء بهذا المعنى يستحيل على اللّه تعالى؛ لأنّه من الجهل والنقص ، وكذلك محالٌ عليه تعالى ولا تقول به الإمامية.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « من زعم أنّ اللّه تعالى بدا لَهُ في شيء بداء ندامة ، فهو عندنا كافر باللّه العظيم » ، وقال أيضاً : « من زعم أنّ اللّه بدا لَهُ في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه »(1) .

__________________

1 ـ عقائد الإمامية : 40 ، والنصوص في كمال الدين للصدوق : 69 ـ 70.

٢٩٩

إذاً فالبداء الذي تقول به الشيعة لا يتعدّى حدود القرآن في قوله سبحانه وتعالى :( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ اُمُّ الكِتَابِ ) (1) .

وهذا القول يقول به أهل السنّة والجماعة كما يقول به الشيعة ، فلماذا يشنّع على الشيعة ولا يشنّع على أهل السنّة والجماعة القائلين بأنّ اللّه سبحانه يُبدّل الأحكام ويُغيّر الآجال والأرزاق.

فقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عليّ ( رضي الله عنه ) أنّه سأل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الآية :( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ اُمُّ الكِتَابِ ) ؟ فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لأقرنّ عينيك بتفسيرها ، ولأقرنّ عين أُمّتي بعدي بتفسيرها ، الصدقة على وجهها ، وبِرّ الوالدين ، واصطناع المعروف ، يحوّل الشقاء سعادة ، ويزيد في العمر ، ويقي مصارع السوء »(2) .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن قيس ابن عباد ( رضي الله عنه ) قال : للّه أمرٌ في كلّ ليلة العاشر من أشهر الحرم ، أمّا العاشر من رجب ففيه يمحو اللّه ما يشاء ويثبت(3) .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن عمر بن

__________________

1 ـ الرعد : 39.

2 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 4 : 66.

3 ـ المصدر نفسه.

٣٠٠