لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 54655
تحميل: 7093

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54655 / تحميل: 7093
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أمّا عند الشيعة فهم يفسّرون الحديث على غير هذا المعنى ، ويروون أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام لمّا سُئل عن هذا الحديث : « اختلاف أُمّتي رحمة »؟ قال : صدق رسول اللّه ، فقال السائل : إذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم نقمة؟ فقال الصادق : ليس حيثُ ذهبت ويذهبون ـ يعني في هذا التفسير ـ إنّما قصد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اختلاف بعضهم إلى بعض ، يعني يسافر بعضهم إلى بعض وينفر إليه ويقصده لأخذ العلم عنه ، واستدلّ على ذلك بقول اللّه تعالى :( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَـتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُـنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (1) .

ثمّ أضاف قائلاً : فإذا اختلفوا في الدين صاروا حزب إبليس(2) .

وهو كما ترى تفسير مقنعٌ؛ لأنّه يدعو لوحدة العقيدة ، لا للاختلاف فيها(3) .

ثم إنّ الحديث بمفهوم أهل السنّة والجماعة غير معقول ، لأنّه يدعو للاختلاف والفُرقة وتعدّد الآراء والمذاهب ، وكلّ هذا يعارض

__________________

1 ـ التوبة : 122.

2 ـ نحوه في معاني الأخبار للصدوق : 157.

3 ـ البسملة في الصلاة مكروهة عند المالكية ، وواجبة عند الشافعية ، ومستحبة عند الحنفية ، والحنابلة قالوا بإخفاتها إذا صلّى في الصلاة الجهرية ( المؤلّف ).

٤١

القرآن الكريم الذي يدعونا للوحدة والالتفاف حول شيء واحد ، يقول سبحانه :( وَإنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) (1) .

ويقول( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (2) .

ويقول :( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) (3) .

فأيّ نزاع وأيّة تفرقة هي أكبر من تقسيم الأُمّة الواحدة إلى مذاهب وأحزاب وفرق يخالف بعضهم بعضاً ، ويسخر بعضهم من بعض ، بل ويكفّر بعضهم بعضاً ، حتى يستحلّ بعضهم دم البعض الآخر ، وهو ما وقع بالفعل على مرّ العصور ، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك.

هذا ، وقد حذّرنا سبحانه من النتائج الوخيمة التي تصير إليها أُمّتنا إذا تفرّقت ، فقال سبحانه :( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ ) (4) ،( إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء ) (5) ،( وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ

__________________

1 ـ المؤمنون : 52.

2 ـ آل عمران : 103.

3 ـ الأنفال : 46.

4 ـ آل عمران : 105.

5 ـ الأنعام : 159.

٤٢

فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (1) .

وتجدر الإشارة هنا بأنّ معنى ( شيعاً ) لا علاقة لها بالشيعة كما توهّم بعض البُسطاء عندما جاءني ينصحني على زعمه قائلاً : يا أخي باللّه عليك دعنا من الشيعة ، فإن اللّه يمقُتهم وحذّر رسوله أنْ يكون منهم.

قلتُ : وكيف ذلك؟

قال :( إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء ) .

وحاولتُ إقْناعهُ بأن « شِيَعاً » معناها أحزاباً ولا علاقة لها بالشيعة ، ولكنّه ومع الأسف الشديد لم يقتنع ، لأنّ سيّده إمام المسجد هكذا علّمه وحذّره من الشيعة ، فلم يعدْ يتقبّل غير ذلك!

أعود إلى الموضوع فأقول : بأنّي كنتُ في حيرة قبل استبصاري عندما أقرأ حديث : « اختلاف أُمّتي رحمة » ، وأُقارنه مع حديث « ستفترق أُمّتي إلى اثنتين وسبعين فرقة ، كلّها في النار إلاّ واحدة »(2) .

__________________

1 ـ الروم : 31 ـ 32.

2 ـ سنن ابن ماجة ( كتاب الفتن ) 2 : 493 : ح 3993 ، مسند أحمد 3 : 120 ، والترمذي في كتاب الإيمان ، باب 18 ما جاء في افتراق هذه الأُمة ، وكتاب السنّة لابن أبي عاصم ح 64 ، وصرّح محقّق الكتاب الشيخ محمد الألباني

٤٣

__________________

بصحته قائلا : « الحديث أخرجه ابن ماجة 3993 باسناد المصنّف هذا ، وصححه البوصيري ، والحديث صحيح قطعاً؛ لأنّ له ستّ طرق أُخرى عن أنس ، وشواهد عن جمع من الصحابة وقد خرجته في الصحيحة 203 من حديث أبي هريرة و 204 من حديث معاوية ».

وألّف محمّد بن إسماعيل الصنعاني كتاباً بعنوان ( افتراق الأُمة ) ، وقال فيه : « له طرق عديدة ساقها ابن الأثير في جامع الأُصول » ، ثمّ قال : « إذا عرفت هذا ، فالحديث قد استشكل من جهتين :

الجهة الأُولى : ما فيه من الحكم على الأكثر بالهلاك ، وذلك ينافي الأحاديث الواردة في الأُمة بأنّها أُمة مرحومة ، وبأنّها أكثر الأُمم في الجنّة ..

الجهة الثانية : من جهة الاشكال في تعين الفرقة الناجية ، فقد تكلّم الناس فيها كلّ فرقة تزعم أنّها هي الفرقة الناجية « افتراق الأُمّة : 46 ـ 78.

وقد تعرّض الشيخ الألباني إلى هذا الإشكال ـ أيضاً ـ وحاول الإجابة عليه نقلا عن غيره ، لكن دون جدوى ، راجع الصحيحة 1 : 402 و 414.

وإذا تدبّر المسلم في هذا الحديث الذي نطق به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخبر بأنّ أُمته ستفترق كما افترقت الأُمم السابقة عليها ، مع ما يلمسه المسلم بأُم عينيه من اختلاف المسلمين فيما بينهم ، ومن أنّ كلّ فرقة أو طائفة ترى أنّها هي الحقّ ، وأنّها الفرقة الناجية ..

إذا تأمّل المسلم هذا يعرف أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابد وأن ينصب طريقاً ينجو من الضلال ويخلص عباد اللّه من جحيم النار ، بحيث يكون هذا الطريق علماً ومناراً وحافظاً لما أُنزل من القرآن والسنة النبوية المطهرة.

وهذا الطريق قد بيّنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين المتواتر الذي قال

٤٤

وأتسائل : كيف يكون اختلاف الأُمة رحمة ، وفي نفس الوقت يوجب دخول النار؟

وبعد قراءتي لتفسير الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام لهذا الحديث زالت الحيرة وانحلّ اللغْزُ ، وعرفتُ بعد ذلك بأنّ الأئمة من أهل البيت هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، وهم بحقّ ترجمان القرآن والسنّة ، وحقيق بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول في حقّهم : « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق »(1) ، و « لا تتقدّموهم فتهلكوا ، ولا تتخلّفوا عنهم فتهلكوا ،

__________________

فيه : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا » ، وحديث السفينة الذي ذكره المؤلّف؛ فإن أهل البيت هم المنجون من الضلال والتيه المؤدي إلى النار كما في حديث الافتراق.

1 ـ مستدرك الحاكم 2 : 343 وقال : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » ، المعجم الصغير للطبراني 1 : 139 و 2 : 22 ، المعجم الأوسط 4 : 10 و 5 : 355 و 6 : 85 ، المعجم الكبير 3 : 45 ـ 47 و 12 : 27 ، الجامع الصغير للسيوطي 2 : 533 ح 8162 ، الصواعق المحرقة 2 : 445 وقال : « وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً » ، الدر المنثور عن المستدرك 3 : 334 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 168 ، الشيخ صالح المقبلي في كتاب العلم الشامخ : 520.

ومن حكم بضعف الحديث كصاحب كتاب « منهج أهل البيت في مفهوم

٤٥

ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم »(1) .

وكان حقيق بالإمام عليعليه‌السلام أن يقول : « أُنظروا أهل بيت نبيكم ، فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلّوا ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا »(2) .

وقالعليه‌السلام في خطبة أُخرى يعرّف بها قدر أهل البيتعليهم‌السلام : « هم عيش العلم وموتُ الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم وصمتهم عن حكم منطقهم ، لايخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحقّ الى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة

__________________

المذاهب الإسلامية » ص 34 ـ ليس لحكمه قيمة علمية ما دام لم يبتنِ على الأُسس العلمية والموضوعية.

1 ـ هذا الحديث ورد في ذيل حديث الثقلين ، لكن بلفظ التثنية لا الجمع ، إلاّ في الفقرة الأخيرة ، انظر : المعجم الكبير للطبراني 5 : 167 ، وعنه في الدر المنثور للسيوطي 2 : 60 ، الصواعق المحرقة 2 : 439 الآية الرابعة من الآيات النازلة فيهم و 2 : 653 ( باب وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بآل البيت ).

2 ـ نهج البلاغة 1 : 189 ، الخطبة : 96 من كلام له في أصحابه وأصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٦

العلم كثير ورعاته قليل »(1) .

نعم ، صدق الإمام علي فيما بيّنه ، فهو باب مدينه العلم(2) ، فهناك

__________________

1 ـ نهج البلاغة2 : 232 ، الخطبة : 237.

2 ـ قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » ، أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك 3 : 126 ، وقال : « هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ».

وقال الفتني في تذكرة الموضوعات ص 95 : « والحديث حسن لا صحيح ولا كذب ».

وذكر المناوي في فيض القدير 3 : 60 الحديث وشرحه وردّ على من طعن فيه فقال : ( 2705 ـ « أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب » ، فإنّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلّها ، أو لابدّ للمدينة من باب ، فأخبر أنّ بابها عليّ كرم اللّه وجهه ، فمن أخذ طريقه دخل الجنّة ، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى.

وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمخالف والمعادي والمحالف ...

قال الحراني : قد علم الأولون والآخرون أنّ فهم كتاب اللّه منحصر إلى علم عليّ ، ومن جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه يرفع عن القلوب الحجاب حتى يتحقّق اليقين الذي لا يتغيّر بكشف الغطاء ...

وتعقّبه جمع أئمة ، منهم الحافظ العلائي فقال : من حكم بوضعه فقد أخطأ ، والصواب أنه حسن باعتبار طرقه ، لا صحيح ولا ضعيف ...

وقال الزركشي : الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به ولا يكون ضعيفاً ...

٤٧

فرق كبير بين من عقل الدين عقل وعاية ورعاية ، وبين من عقله عقل سماع ورواية.

والذين يسمعون ويروون كثيرون ، فكم كان عدد الصحابة الذين يجالسون رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويسمعون منه الأحاديث وينقلونها بغير فهم أو علم ، فيتغيّر معنى الحديث ، وقد يؤدّي إلى العكس الذي

__________________

وفي لسان الميزان : هذا الحديث له طرق كثيرة في المستدرك أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصلا ، فلا ينبغي إطلاق القول عليه بالوضع.

ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش ثمّ قال : قال القاسم : سألت ابن معين عنه فقال : هو صحيح ...

وأفتى بحسنه ابن حجر ، وتبعه البخاري فقال : هو حديث حسن ).

وقد أفرد العلماء رسائل خاصة في هذا الحديث ، منها : ( كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم عليّ ) للحافظ أحمد بن الصديق الغماري ، وكتاب ( رفع الارتياب عن حديث الباب ) لعليّ بن محمّد العلوي ، وقد ورد هذا الحديث في مصادر كثيرة نذكر منها :

مسند أبي يعلى 2 : 58 ، المعجم الكبير 11 : 55 ، نظم درر السمطين 11 : 113 ، الجامع الصغير 11 : 415 ، كنز العمال 11 : 600 و 13 : 147 ، تهذيب التهذيب 7 : 296 ، تهذيب الكمال 18 : 77 ، تاريخ بغداد 11 : 49 ، ينابيع المودة 2 : 58 ، شواهد التنزيل 1 : 426 ، أُسد الغابة 4 : 22.

وبعد الإيضاح المتقدم ، فمن يحكم بكذب هذا الحديث كصاحب كتاب منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية : 34 ، يكون حكمه جزافاً ناشئاً من التعصّب وإغماض الجفون عن رؤية الحق.

٤٨

قصده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد يؤدّي بعض الأحيان إلى الكفر ، لصعوبة إدراك الصحابي للمعنى الحقيقي(1) .

__________________

1 ـ مثال ذلك ما رواه أبو هريرة من « إنّ اللّه خلق آدم على صورته »* ، ولكن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أوضح الأمر فقال : إن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع رجلين يتسابان ، فقال أحدهما للآخر : قبح اللّه وجهك ووجه من يشبهك ، فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن اللّه خلق آدم على صورته » أي إنّك بسبّك من يشبهه قد سببت آدم لأنّه يشبهه ( المؤلّف ).

__________________

* ـ ذكر عثمان الخميس في كشف الجاني ص : 145 أن التيجاني دلّس في الحديث ولم يذكر صدر الحديث وهو : « إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه فإنّ اللّه خلق آدم على صورته ».

وهذا الإشكال ناشئ من قلّة تتبّع عثمان الخميس ، فإنّ الرواية وردت بعدّة صيغ عن أبي هريرة ، فمنها الصيغة المتقدّمة ، ومنها ما رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنّة : 210 عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم على صورته » ، وصرّح الألباني بصحة الحديث ، ومنها : « لا يقولنّ أحدكم قبح اللّه وجهك ولا وجه من أشبه وجهك ، فإنّ اللّه خلق آدم على صورته » السنّة : 29.

مع أنّ الإتيان بصدر الرواية لا يؤثّر على التجسيم الذي يؤمن به عثمان الخميس في شيء ، فهؤلاء علماء السلفية يفتون بأن للّه صورة لأجل هذه الرواية ، قال ابن تيمية في نقض أساس التقديس : « لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أنّ الضمير عائد إلى اللّه ، فإنه مستفيض من طرق

٤٩

__________________

متعدّدة عن عدد من الصحابة ، وسياق الأحاديث كلها تدلّ على ذلك ».

وقال في موضع آخر منه : « علماء الأُمة لم تنكس إطلاق القول بأن اللّه خلق آدم على صورة الرحمن بل كانوا متفقين على إطلاق مثل هذا » نقلاً عن رسالة القول المبين : 49.

وقال أحمد بن حنبل : « من قال إن اللّه خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي ، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه » بطلان التأويلات لأبي يعلى 1 : 88.

وقال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل : « قال رجل لأبي : إنّ فلاناً يقول في حديث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « إن اللّه خلق آدم على صورته » فقال على صورة الرجل قال أبي : كذب هذا ، هذا قول الجهمية وأيّ فائدة في هذا « إبطال التأويلات 1 : 88.

وقد ألّف أحد دعاة السلفية ـ وهو سليمان بن ناصر العلوان ـ كتاباً بعنوان « القول المبين في إثبات الصورة لربّ العالمين » ، قال ابن باز في فتاويه 1 : 314 : « ثبت عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحيحين أنّه قال عليه الصلاة والسلام : « إنّ اللّه خلق آدم على صورته » ، وجاء في رواية أحمد وجماعة من أهل الحديث : « على صورة الرحمن » ، فالضمير في الحديث الأوّل يعود إلى اللّه تعالى ».

بينما أئمة أهل البيت وشيعتهم ينزّهون اللّه سبحانه وتعالى عن ذلك ويرجعون الضمير إلى الإنسان ، والمعنى : لا تضرب أخاك فإنّ اللّه خلق آدم على صورة أخيك ، وينزّهون اللّه عن التشبيه بخلقه صورة كانت أو وجهاً أو قدماً.

كما أنّ حديث الثقلين يثبت الأعلمية والمرجعية لأهل البيتعليهم‌السلام بعد رسول

٥٠

أمّا الذين يعون العلم ويرعونه فقليلون جدَّاً ، وقد يُفني الإنسانُ عمره في طلب العلم ولايحصل منه إلاّ على اليسير ، وقد يتخصّص في باب من أبواب العلم أو فنّ من فنونه ولا يمكنه أن يحيط بكلّ أبوابه ، ولكنّ المعروف أنّ أئمه أهل البيتعليهم‌السلام كانوا مُلمّين وعارفين بشتّى العلوم ، وهذا ما أثبته الإمام عليّ كما يشهد المؤرخون ، وكذلك محمّد الباقر ، وجعفر الصادق الذي تتلمذ على يديه آلاف الشيوخ في شتى العلوم والمعارف : من فلسفة وطب وكيمياء وعلوم طبيعية وغيرها.

__________________

اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم معصومون مطهّرون من الخطأ والنسيان وغيره كما ثبت بآية التطهير ، فهم الأعلم بسنّة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرهم ، يتعين على المسلم أخذ السنّة منهم؛ لمرجعيّتهم المطلقة بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥١
٥٢

العقائد
عند الشيعة وعند أهل السنّة والجماعة

ممّا زاد قناعتي بأنّ الشيعة الإمامية هي الفرقة الناجية هو : أنّ عقائدهم سمحة وسهلة القبول لكلّ ذي عقل حكيم وذوق سليم ، ونجد عندهم لكلّ مسأله من المسائل ولكلّ عقيدة من العقائد تفسيراً شافياً كافياً لأحد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، قد لا نجد لها حلاًّ عند أهل السنّة وعند الفرق الأُخرى.

وسأتتبع في هذا الفصل بعض العقائد وأهمّها عند الفريقين ، وأحاول إبراز ما اقتنعتُ به ، وأترك للقارئ حريّة الفكر والاختيار ، والنقد والتجريح.

وألفت النظر إلى أنّ العقيدة الأساسية هي بالنسبة للمسلمين كافّةً عقيدة واحدة ، وهي الإيمان باللّه تعالى وملائكته وكتبه ورسله ، لا يفرّقون بين أحد من رسله ، كما يتفقُون في أنّ النار حقّ ، والجنة حقّ ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور ، ويحشرهم جميعاً ليوم الحساب.

٥٣

كما أنّهم يتفقون على القرآن ، ويؤمنون بأنّ نبيّهم محمّد رسول اللّه ، وقبلتهم واحدة.

ولكن وقع الاختلاف في مفهوم هذه العقائد ، فأصبحت مسرحاً للمدارس الكلامية يرون فيها شتّى الآراء والمذاهب.

٥٤

العقيده في اللّه تعالى
عند الطرفين

وأهمّ ما يذكر في هذا الموضوع هو رؤية اللّه تعالى ، فقد أثبتها أهل السنّة والجماعة لكلّ المؤمنين في الآخرة ، وعندما نقرأ صحاح السنّة والجماعة ـ كالبخاري ومسلم مثلاً ـ نجد روايات تؤكّد الرؤية حقيقة لا مجازاً(1) ، بل نجد فيها تشبيهاً للّه سبحانه ، وأنّه يضحك ، ويأتي ، ويمشي ، وينزل إلى سماء الدنيا ، بل ويكشف عن ساقه التي بها علامة يُعرف بها(2) ، ويضعُ رجله في جهنّم فتمتلئ وتقول : قط قط(3) ، إلى غير ذلك من الأشياء والأوصاف التي يتنزّه

__________________

1 ـ مسند أحمد 1 : 318 ، و 4 : 66 و 5 : 243 وسنن الدارمي 2 : 126 ، سنن الترمذي 5 : 45 ، مستدرك الحاكم 1 : 544 ، مجمع الزوائد 1 : 237 ، عمدة القارىء في شرح صحيح البخاري 1 : 40 وغيرها من المصادر.

2 ـ صحيح البخاري 6 : 71 ، كتاب التفسير ، تفسير سورة القلم ، و 8 : 197 ، كتاب التوحيد ، باب قول اللّه ( يريدون أن يبدلوا ) و 8 : 226 ، كتاب المناقب ، باب مناقب الانصار.

3 ـ صحيح البخاري 6 : 47 كتاب التفسير ، تفسير سورة : ق.

٥٥

اللّه جلّ وعلا عن أمثالها(1) .

وأذكر أنّني مررت بمدينة ( لامو ) في كينيا بشرق أفريقيا ، ووجدت إماماً من الوهّابية يحاضر المصلّين داخل المسجد ، ويقول لهم بأنّ للّه يدين ورجلين وعينين ووجهاً ، ولّما استنكرتُ عليه ذلك ، قام يستدلّ بآيات من القرآن قائلاً :( وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) (2) ، وقال أيضاً :( وَاصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنَا ) (3) ، وقال :( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) (4) .

قلتُ : يا أخي ، كلّ هذه الآيات التي أدليتَ بها وغيرها إنّما هي مجازُ وليستْ حقيقة.

أجاب قائلاً : كلّ القرآن حقيقة وليس فيه مجازاً.

قلتُ : إذن ما هو تفسيركم للآية التي تقول :( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أعْمَى ) (5) ، فهل تحملون هذه الآيات على

__________________

1 ـ صحيح البخاري 6 : 33 كتاب التفسير ، تفسير سورة الزمر ، وفيه إثبات الأصابع له تعالى.

2 ـ المائدة : 64.

3 ـ هود : 37.

4 ـ الرحمن : 26 ـ 27.

5 ـ الإسراء : 72.

٥٦

المعنى الحقيقي ، فكلّ أعمى في الدنيا يكون أعمى في الآخرة؟

أجاب الشيخ : نحن نتكلّم عن يد اللّه وعين اللّه ووجه اللّه ، ولا دخل لنا في العميان.

قُلت : دعنا من العميان ، فما هو تفسيركم في الآية التى ذكرتَها :( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) ؟

إلتفت إلى الحاضرين وقال لهم : هل فيكم من لم يفهم هذه الآية؟ إنّها واضحة جليّة كقوله سبحانه :( كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إلاّ وَجْهَهُ ) (1) .

قلتُ : أنت زدت الطين بلَّةً ، يا أخي نحن إنّما اختلفنا في القرآن : ادّعيتَ أنتَ بأنّ القرآن ليس فيه مجاز وكلّه حقيقة! وادعيتُ أَنا بأنّ في القرآن مجازاً ، وبالخصوص الآيات التي فيها تجسيم للّه تعالى أو تشبيهه ، وإذا أصررت على رأيك فيلزمك أن تقول : بأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه معناه : يداه ورجلاه وكلّ جسمه يفنى ويهلك ولا يبقى منه إلاّ الوجه ، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً! ثم التفتُّ إلى الحاضرين قائلاً : فهل ترضون بهذا التفسير؟

سكتَ الجميع ولم يتكلّم شيخهم المحاضر بكلمة ، فودّعتهم وخرجتُ داعياً لهم بالهداية والتوفيق.

نعم ، هذه عقيدتهم في اللّه في صحاحهم وفي محاضراتهم ، ولا

__________________

1 ـ القصص : 89.

٥٧

أقول : إنّ بعض علمائنا ينكر ذلك ، ولكن الأغلبية يؤمنون برؤية اللّه سبحانه في الآخرة ، وأنّهم سوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر ليس دونها سحاب ، ويستدلّون بالآية :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَاضِرَةٌ * إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (1) .

وبمجرّد اطلاعك على عقيدة الشيعة الإمامية في هذا الصدد يرتاح ضميرك ، ويُسلّم عقلك بقبول تأويل الآيات القرآنية التي فيها تجسيم أو تشبيه للّه تعالى ، وحملها على المجاز والاستعارة ، لا على الحقيقة ولا على ظواهر الألفاظ ، كما توهّمه البعض.

يقول الإمام عليعليه‌السلام في هذا الصدد : « لا يدركه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، الذي ليس لصفته حدّ محدود ، ولا نعتٌ موجودٌ ، ولا وقتٌ محدودٌ ، ولا أجل ممدودٌ »(2) .

ويقول الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام في الردّ على المشبّهة : « بل كلّ ما ميّزناه بأوهامنا في أدقّ معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا »(3) .

__________________

1 ـ القيامة : 22 ـ 23.

هذه الآية فَسّرها أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بأنّ الوجوه تكون يومئذ ناضرة بمعنى الحسن والبهجة ، وإلى رحمة ربّها ناظرة ( المؤلّف ).

2 ـ نهج البلاغة 1 : 14 ، الخطبة 1.

3 ـ ورد الحديث في كتاب مشرق الشمسين للبهائي : 398 ، وعنه في البحار

٥٨

ويكفينا في هذا ردّ اللّه سبحانه في محكم كتابه قوله :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (1) ، وقوله :( لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ ) (2) ، وقوله لرسوله وكليمه موسىعليه‌السلام لمّا طلب رؤيته :( قَالَ رَبِّ أرِنِي أنظُرْ إلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي ) (3) ، ولن « الزمخشرية » تفيد التأبيد كما يقول النحاة(4) .

__________________

69 : 293 ، ولفظه : « كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم » ، ونحوه في تاريخ دمشق لابن عساكر 66 : 60 عن الشبلي.

1 ـ الشورى : 11.

2 ـ الأنعام : 103.

3 ـ الأعراف : 143.

4 ـ قال الشيخ السبحاني في كتابه « رؤية اللّه » 66 ـ 80 : « وربما نوقش في دلالة( لن ) على التأبيد مناقشة ناشئة عن عدم الوقوف الصحيح على مقصود النحاة من قولهم » لن » موضوعة للتأبيد ، ولتوضيح مرامهم نذكر أمرين ثمّ نعرض المناقشة عليهما :

1 ـ إنّ المراد من التأبيد ليس كون المنفي ممتنعاً بالذات ، بل كونه غير واقع ، وكم فرق بين نفي الوقوع ونفي الإمكان ، نعم ربما يكون عدم الوقوع مستنداً إلى الاستحالة الذاتية.

2 ـ إنّ المراد من التأبيد هو النفي القاطع ، وهذا قد يكون غير محدّد بشيء ، وربما يكون محدداً بظرف خاص ، فيكون معنى التأبيد بقاء النفي بحاله ما دام الظرف باقياً.

إذا عرفت الأمرين تقف على وهن ما نقله الرازي عن الواحدي من أنّه قال :

٥٩

__________________

ما نُقل عن أهل اللغة إنّ كلمة « لن » للتأبيد دعوى باطلة ، والدليل عن فساده قوله تعالى في حقّ اليهود :( وَلَنْ يَتَمَنَّوْنَهُ أبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بالظَّالمِينَ ) ( البقرة : 95 ) ، قال : وذلك لأنّهم يتمنّون الموت يوم القيامة بعد دخولهم النار ، قال سبحانه :( وَنَادَوْا يا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلِيْنا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَاكِثُونَ ) ( الزخرف : 77 ) ، فإنّ المراد من( لِيَقْضِ عَلِيْنا ) هو القضاء بالموت.

ووجه الضعف ما عرفت من أنّ التأبيد على قسمين ، غير محدّد ومحدّد باطار خاصّ ، ومن المعلوم أنّ قوله سبحانه :( وَلَنْ يَتَمَنَّوْنَهُ ) ناظر إلى التأبيد في الإطار الذي اتخذه المتكلم ظرفاً لكلامه وهو الحياة الدنيا ، فالمجرمون ماداموا في الحياة الدنيا لا يتمنّون الموت أبداً ، لعلمهم بأنّ اللّه سبحانه بعد موتهم يُقدّمهم للحساب والجزاء ، ولأجل ذلك لا يتمنّوه أبداً قط.

وأمّا تمنّيهم الموت بعد ورودهم العذاب الأليم ، فلم يكن داخلا في مفهوم الآية الأُولى حتى يعدّ التمنّي مناقضاً للتأبيد.

ومن ذلك يظهر وهن كلام آخر وهو : أنّه ربما يقال : إنّ « لن » لا تدلّ على الدوام والاستمرار بشهادة قوله :( إِنِّي نَذَرْتُ لِلْرَّحْمنِ صَوْمَاً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنْسِيّاً ) ، إذ لو كانت( لن ) تفيد تأبيد النفي لوقع التعارض بينهما وبين كلمة( اليوم ) ، لأنّ اليوم محدد معيّن ، وتأبيد النفي غير محدد ولا معيّن ، ومثله قول سبحانه على لسان ولد يعقوب :( فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي ) ( يوسف : 80 ) ، حيث حدّد بقاءه في الأرض بصدور الاذن من أبيه.

وجه الوهن : أنّ التأبيدفي كلام النحاة ليس مساوياً للمعدوم المطلق ، بل المقصود هو النفي القاطع الذي لا يشق ، والنفي القاطع الذي لا يكسر ولا

٦٠