لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 54641
تحميل: 7093

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54641 / تحميل: 7093
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

__________________

يشق على قسمين :

تارةً يكون الكلام غير محدّد بظرف خاص ولا تدلّ عليه قرينة حالية ولا مقالية ، فعندئذ يساوق التأبيدُ المعدوم المطلق.

وأُخرى يكون الكلام محدّداً بزمان حسب القرائن اللفظية والمثالية ، فيكون التأبيد محدّداً بهذا الظرف أيضاً ، ومعنى قول مريم :( فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنْسِيّاً ) ( مريم : 26 ) هو النفي القاطع في هذا الاطار ، ولا ينافي تكلّمها بعد هذا اليوم.

والحاصل : أنّ ما أُثير من الإشكال في المقام ناشئ من عدم الإمعان فيما ذكرنا من الأمرين ، فتارةً حسبوا أنّ المراد من التأبيد هو الاستحالة فأوردوا بأنّه ربما يكون المدخول أمراً ممكناً كما في قوله :( فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أبَداً ) ( التوبة : 83 ) ، وأُخرى حسبوا أنّ التأبيد يلازم النفي والمعدوم المطلق ، فناقشوا بالآيات الماضية التي لم يكن النفي فيها نفياً مطلقاً ، ولو أنّهم وقفوا على ما ذكرنا من الأمرين لسكتوا عن هذه الاعتراضات.

وبما أنّه سبحانه لم يتّخذ لنفي رؤيته ظرفاً خاصاً ، فسيكون مدلوله عدم تحقّق الرؤية أبداً لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.

ثمّ أنّه سبحانه علّق الرؤية على استقرار الجبل وبقائه على الحالة التي كان عليها عند التجلّي وعدم تحوّله إلى ذرات ترابية صغار بعده ، والمفروض أنّه لم يبق على حالته السابقة ، وبطلت هويته وصار تراباً مدكوكاً ، فإذا انتفى المعلّق عليه ( بقاء الجبل على حالته ) ينتفي المعلّق واللّه سبحانه بما أنه يعلم أنّ الجبل لا يستقر في مكانه بعد التجلي ، فعلّق الرؤية على استقراره لكي يستدلّ بانتفائه على انتفائه ، كما قال سبحانه :( وَلا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِياطِ ) .

٦١

__________________

وقال الزمخشري في ردّه على من قال إنّ الرؤية لو كانت مستحيلة لما طلبها موسى ، قال : « وما كان طلب الرؤية إلاّ ليبكت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضلالا وتبرأ من فعلهم ، وذلك انّهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبههم على الحق ، فلجّوا وتمادوا في لجاجتهم وقالوا : لابدّ ولن نؤمن حتى نرى اللّه جهرة ، فأراد أن يسمعوا النصّ من عند اللّه باستحالة ذلك وهو قوله :( لن تراني ) ، ليتيقنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة ، فلذلك قال :( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) » انتهى ما أوردناه من كلام الشيخ السبحاني ملخصاً.

وأمّا الآيات التي ذكرت لإثبات رؤية اللّه سبحانه وتعالى فهي لا تدلّ على ذلك.

والقرآن الكريم ينفي رؤيته سبحانه ، قال تعالى :( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) ( الأنعام : 103 ).

فالآية تنفي رؤية اللّه سبحانه وتعالى ، وذلك :

1 ـ إنّ الإدراك إذا أُضيف إلى الأبصار يفيد الرؤية ( مجمع البحرين : مادة درك ) ، فمعنى الآية يكون : لا تراه الأبصار وهو يرى الأبصار.

وما يقولون : من أنّ الإدراك بمعنى الإحاطة ، والصحيح أنّ اللّه سبحانه وتعالى لا يحيط به المخلوق ، فالمخلوق يرى اللّه لكن لا يحيط به ، والمنفي في الآية الإحاطة دون الرؤية؟

قلنا : تفسير الإدراك بمعنى الإحاطة غير صحيح ، إذ لم يذكر لمعنى الإدراك الإحاطة ، بحيث يفهم من عند الإطلاق ، ولم يذكر ذلك اللغويون أيضاً ، فالإحاطة غير داخلة في معنى الإدراك.

٦٢

كلّ ذلك دليل قاطع على صحة أقوال الشيعة الذين يعتمدون فيها

__________________

2 ـ إذا فسّرنا الإدراك بالإحاطة وآمنّا بالرؤية ، فيكون معنى الآية : لا تحيط به الأبصار وهو يحيط بالأبصار ، وهذا لا معنى له؛ لأنّ اللّه سبحانه وتعالى ليس محيطاً بالأبصار فقط وإنّما هو محيط بكلّ شيء؛ البصر وصاحب البصر ، فلا وجه لأن يقيد إحاطته بالبصر.

واللّه سبحانه وتعالى لم يعلّق الرؤية على أمر ممكن ، لأنّ المعلّق عليه ليس هو استقرار الجبل كي يقال بأنّه ممكن ، وإنّما المعلّق عليه استقرار الجبل حال التجلّي ، أي شرط الرؤية أن يستقرّ الجبل حال تجلّي اللّه سبحانه وتعالى ، وقد تبيّن أنّ هذا مستحيل وغير ممكن.

وممّا يدل على أنّ رؤية اللّه سبحانه وتعالى غير ممكنة في الدنيا والآخرة قوله تعالى :( اللّه نور السموات والأرض ) ، وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما سأله أبو ذر : هل رأيت ربّك؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « نورٌ أنّى أراه » صحيح مسلم 1 : 111.

فاللّه سبحانه وتعالى نور ، وهو نور السموات والأرض ، فلا يمكن لبشر أن يراه.

ومن أعاجيب السلفية أنّهم ينكرون تأويل الآيات القرآنية ويحملوها على ظاهرها ، إلاّ أنّهم في هذه الآية والحديث تأوّلوا فقالوا : معنى قوله :( اللّه نور السموات والأرض ) يعني اللّه منور السموات والأرض!!

ومعنى قوله : « نورٌ أنّى أراه » ، يعني حجب بيني وبينه النور فكيف أراه!!

راجع : اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم : 35.

وهذا من تلاعبهم واضطرابهم في عقيدتهم ، وما على المسلم الباحث إلاّ النظر بعين الحقيقة ليرى الحقّ.

٦٣

على أقوال الأئمة من أهل البيت ، معدن العلم وموضع الرسالة ، ومن أورثهم اللّه علم الكتاب.

ومن أراد التوسّع في هذا البحث فما عليه إلاّ الرجوع إلى الكتب المفصّلة بهذا الموضوع ، ككتاب « كلمة حول الرؤية » للسيّد شرف الدين صاحب المراجعات(1) .

__________________

1 ـ كتاب المراجعات من الكتب التي يجب أن يقرأها كل من يريد التعرف على عقائد الشيعة الإمامية وأفكارهم ( المؤلّف ).

٦٤

العقيدة في النبوة
عند الطرفين

والخلاف الواقع بين الشيعة وأهل السنّة في هذا الباب هو موضوع العصمة ، فالشيعة يقولون بعصمة الأنبياءعليهم‌السلام قبل البعثة وبعدها ، ويقول أهل السنّة والجماعة بأنّهم المعصومون فيما يبلّغونه من كلام اللّه فقط ، أمّا فيما عدا ذلك فهم كسائر البشر يخطئون ويصيبون.

وقد رووا في ذلك عدّة روايات في صحاحهم تثبتُ بأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخطأ في عدّة مناسبات ، وكان بعض الصحابة يصوّبه ويصلحه ، كما في قضية أسرى بدر التي أخطأ فيها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصاب عمر ، ولولاه لهلك رسول اللّه(1) .

ومنها : أنّه لما قدم المدينة وجد أهلها يُؤبرون النخل ، فقال لهم : « لا تؤبّروه وسيكون تمراً » ، ولكنّه جاء شيصاً ، فجاؤوه وشكوا له

__________________

1 ـ البداية والنهاية لابن كثير 3 : 234 ( في غزوة بدر ) ، عن أحمد ومسلم وأبي داود والترمذي.

٦٥

ذلك ، فقال لهم : « أنتم أعلم بأُمور دنياكم مني ».

وفي رواية أُخرى قال لهم : « إنّما أنا بشرٌ ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه ، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنّما أنا بشر »(1) .

ومرّة يروون أنّه سُحِرَ وبَقيَ أياماً مسحوراً لا يدري مايفعل ، حتّى أنّه كان يخيّل إليه أنّه كان يأتي النساء ولا يأتيهنّ(2) ، أو يخيّل إليه أنّه صنع شيئاً ولم يصنعه(3) .

__________________

1 ـ صحيح مسلم 7 : 95 ، كتاب الفضائل ، باب 38 في وجوب امتثال ما قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرعاً ، ومسند أحمد 3 : 153 و 6 : 123.

2 ـ صحيح البخاري 7 : 29 ، كتاب الطب ، كتاب الأدب ، باب السحر وقوله تعالى :( ولكن الشياطين .. ) .

3 ـ صحيح البخاري 4 : 68 ، كتاب الجزية والموادعة ، باب هل يعفي عن الذمي إذا سحر.

لا يقال بأنّ أخبار السحر وردت عندكم أيضاً فلماذا تعترضون على أهل السنّة؟ وذلك لأنّ علماءنا تركوا تلك الروايات ولم يعوّلوا عليها :

قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان 10 : 865 في تفسير سورة الفلق ـ بعد ذكره لبعض الروايات في هذا الباب ـ : « وهذا لا يجوز؛ لأنّ من وصف بأنّه مسحور فكأنّه قد خبل عقله ، وقد أبى اللّه سبحانه ذلك في قوله :( وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً ) ».

وقال المجلسي في البحار 60 : 41 : « لما عرفت أنّ السحر يندفع بالعوذ والآيات والتوكل ، وهم عليهم‌السلام معادن جميع ذلك ، فتأثيره فيهم مستبعد ،

٦٦

__________________

والأخبار الواردة في ذلك أكثرها عامية أو ضعيفة ومعارضة بمثلها ، فيشكل التعويل عليها في إثبات مثل ذلك ».

والإيمان بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سُحر ، فيه مطعن على النبوّة وعلى الوحي الذي ينزل على الرسول ، ولا سيما إذا لاحظنا رواية البخاري : « حتى كان يخيل إليه أنّه يفعل الشي وما يفعله » ، فمن الجائز حينئذ أنّه يوصى إليه ولا يبلغ تصوراً منه أنّه بلغ ، فإنّ هذا ممكن وتشمله الرواية ، وفي هذا مطعن كبير على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والرسالة الإسلامية؟

ولأجل ذلك قال الإمام محمّد عبده : « وقال كثير من المقلّدين الذين لا يعقلون ما هي النبوّة ولا ما يجب لها : إنّ الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح فلزم الاعتقاد به ، وعدم التصديق من بدع المبتدعين؛ لأنّه ضرب من إنكار السحر ، وقد جاء القرآن بصحة السحر!

فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح والحقّ الصريح في نظر المقلّدين بدعة! نعوذ باللّه!

يحتجّ بالقرآن على ثبوت السحر! ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعده من افتراء المشركين عليه ، ويؤول في هذه ولا يؤول في تلك! مع أنّ الذي قصده المشركون ظاهر؛ لأنّهم كانوا يقولون إنّ الشيطان يلامسهعليه‌السلام ، وملامسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم وضرب من ضروبه ، وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد ، فإنّه خالط عقله وإدراكه في زعمهم.

والذي يجب اعتقاده أنّ القرآن مقطوع به ، وأنّه كتاب اللّه بالتواتر عن المعصومصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته وعدم الاعتقاد بما ينفيه ،

٦٧

__________________

وقد جاء ينفي السحر عنهعليه‌السلام حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه ، ووبخهم على زعمهم هذا ، فإنّه ليس بمسحور قطعاً » تفسير جزء عم : 183.

وقال الجصاص : « وقد أجازوا من فعل الساحر ما هو أطم من هذا وأفظع ، ذلك أنهم زعموا أنّ النبيعليه‌السلام سحر وأن السحر عمل في حتى قال فيه : إنّه يتخيل لي أنّي أقول الشيء وأفعله ولم أقله ولم أفعله ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تعلباً بالحشو الطغام واستجراراً لهم إلى القول بابطال معجزات الأنبياءعليهم‌السلام ، والقدح فيها ، وأنّه لا فرق بين معجزات الأنبياء وفعل السحرة وأنّ جميعه من نوع واحد.

والعجب! ممّن يجمع بين تصديق الأنبياءعليهم‌السلام وإثبات معجزاتهم وبين التصديق بمثل هذا من فعل السحرة » ، أحكام القرآن 1 : 59.

وحكى الفخر الرازي في مفاتيح الغيب ، 115 عن القاضي انّه قال : « هذه الرواية باطلة ، وكيف يمكن القول بصحتها واللّه تعالى يقول( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) ، وقال :( وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى ) ؟! ولأن تجويزه يقضي إلى القدح في النبوة ، ولأنه لو صحّ ذلك لكان من الواجب أن يصلوا إلى الضرر لجميع الأنبياء والصالحين ، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم ، وكل ذلك باطل.

ولأنّ الكفّار كانوا يعيّرونه بأنّه مسحور ، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفّار صادقين في تلك الدعوى ، ولحصل فيهعليه‌السلام ذلك العيب ، ومعلوم أنّ ذلك غير جائز ».

وقال الشيخ محمّد رشيد رضا في تفسير المنار 120 : « إنّ كتاب البخاري لا

٦٨

ومرةً يروون أنّه سها في صلاته ، فلم يدرِ كم صلّى من ركعة(1) .

__________________

يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر ، قد يصدق عليه بعض ما عدوه من علامة الوضع كحديث سحر بعضهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أنكره بعض العلماء كالأمام الجصاص من المفسرين المتقدّمين ، والاستاذ محمّد عبده من المتأخّرين؛ لأنّه معارض بقوله تعالى :( إِذْ يَقُولُ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) .

1 ـ صحيح البخاري : ( كتاب السهو ).

لا يخفى أنّ علماءنا اختلفوا في مسألة سهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ثلاثة أقوال :

1 ـ ما ذهب إليه جمهور المتكلّمين من منع ذلك ، قال الشيخ المفيد في رسالة عدم سهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : 21 ـ بعد إثبات أنّ الأخبار المثبتة للسهو أخبار أحاد لا تثمر علماً ولا توجب عملا ـ : « وإذا كان الخبر بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سها من أخبار الآحاد التي من عمل عليها كان بالظنّ عاملا ، حرم الاعتقاد بصحته ولم يجز القطع به ووجب العدول عنه إلى ما يقتضيه اليقين من كمالهعليه‌السلام وعصمته وحراسة اللّه تعالى له من الخطأ في عمله ، والتوفيق له فيما قال وعمل به من شريعته ».

وقال العلاّمة الحلّي في كشف المراد : 472 : « ويجب في النبي كمال العقل وأن لا يصحّ عليه السهو ، لئلاّ يسهو عن بعض ما أُمر بتبليغه ».

2 ـ ما ذهب إليه الشيخ الصدوق وبعض الاخباريين كنعمة اللّه الجزائري ويوسف البحراني من اثبات ذلك.

3 ـ القول بالتوقّف ، وهو قول العلاّمة المجلسي ، حيث قال في البحار 17 : 118 : « إعلم أن هذه المسألة في غاية الإشكال ، لدلالة كثير من الآيات والأخبار على صدور السهو عنهمعليهم‌السلام وإطباق الأصحاب إلاّ

٦٩

وأنّه نام واستغرق في نومه حتّى سمعوا غطيطه ، ثُم استيقظ فصلّى بدون وضوء(1) .

ويروون : أنّه يغضب ويسبّ ويلعنُ من لا يستحقّ ذلك ، فيقول : « اللّهم إنّما أنا بشرٌ ، فأيُّ المسلمين لعنته أو سببتُهُ فاجعله له زكاة ورحمة »(2) .

ويروون : أنّه كان مضطجعاً في بيت عائشة كاشفاً عن فخذيه ، ودخل عليه أبو بكر وتحدّث معه وهو على تلك الحال ، ثمّ دخل عمر وتحدّث معه وهو على تلك الحال ، ولمّا استأذن عثمان جلس وسوّى ثيابه ، ولمّا سألته عائشة عن ذلك ، قال لها : « ألا أستحي من رجُل تستحي منه الملائكة »(3) !!.

__________________

ما شذّ منهم على عدم جواز السهو عليهم ، مع دلالة بعض الآيات والأخبار عليه في الجملة ، وشهادة بعض الدلائل الكلامية والأُصول المبرهنة عليه ، مع ما عرفت في أخبار السهو من الخلل والاضطرار ، وقبول الآيات للتأويل ، واللّه يهدي إلى سواء السبيل » ، وذكر نحوه في 25 : 351 أيضاً.

1 ـ صحيح البخاري 1 : 169 ، كتاب الأذان ، باب 57 و 58.

2 ـ صحيح مسلم 8 : 25 ، كتاب البرّ والصلة ، باب 25 من لعنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو سبّه.

3 ـ صحيح مسلم 7 : 117 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل عثمان.

٧٠

ويروون إنّه كان يصبح جُنباً في رمضان(1) فتفوته صلاة الفجر!! إلى غير ذلك من الأحاديث التى لا يقبلها عقل ، ولا دين ، ولا مروءة.

أمّا الشيعة ـ استناداً إلى أئمّة أهل البيت ـ فهم ينزّهون الأنبياء عن هذه الترّهات ، وخصوصاً نبيّنا محمّد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ، ويقولون بأنّه منزّه عن الذنوب والخطايا والمعاصي صغيرة كانت أم كبيرة ، وهو معصوم عن الخطأ والنسيان والسهو والسحر وكلّ ما يخالط العقل ، بل هو منزّهٌ حتى عمّا يتنافى مع المروءة والأخلاق الحميدة : كالأكل في الطريق أو الضحك بصوت عال أو المزاح بغير حقّ أو أيّ فعل يستهجنُ عمله عند العرف العام ، فضلاً عن أن يضع خده على خدّ زوجته أمام الناس ويتفرّج معها على رقص السودان(2) ، أو أن يُخرج زوجته في غزوة فيتسابق معها فيغلبها مرّة وتغلبه أُخرى ، فيقول لها : « هذه بتيك »(3) .

والشيعة يعتبرون الروايات التي رويتْ في هذا المعنى ، والتي تتناقض مع عصمة الأنبياء كلّها ، موضوعة من قبل الأمويين

__________________

1 ـ صحيح البخاري 2 : 234 ، كتاب الصوم ، باب 25 اغتسال الصائم ، وليس فيه : أنّ صلاته فاتته.

2 ـ صحيح البخاري 2 : 3 ، كتاب العيدين ، باب 2 الحراب والدرق يوم العيد.

3 ـ مسند أحمد بن حنبل 6 : 39.

٧١

وأنصارهم(1) :

أولاً : للحطّ من قيمة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

1 ـ وقد حاول عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني : 148 البحث في مصادر الشيعة وجمع الروايات التي تنافي عصمة الأنبياءعليهم‌السلام ومقامهم الإلهي الرفيع ، لكن ذهب بحثه أدراج الرياح ، إذ لم يحصل على روايات صحيحة يؤمن الشيعة بها وتطعن بالأنبياءعليهم‌السلام ، وكلّ ما أتى به من روايات هي كما قال عنها المؤلّف « موضوعة من قبل الأمويين » النواصب أعداء أهل البيتعليهم‌السلام ، أو هي ضعيفة جدّاً ، أو شاذة مخالفة للروايات الصحيحة الواردة بخلافها.

وسنذكر نموذجين للقارئ ليتضح له صحة كلام المؤلّف ، وعليه إن شاء مراجعة بقية الروايات :

الرواية الأُولى التي ذكرها في كتابه : 148 والتي نقلها عن عيون أخبار الرضا ، فقد قال الشيخ الصدوق بعدها : « وهذا الحديث غريب من طريق علي بن محمّد بن الجهم ، مع نصبه وبغضه وعدواته لأهل البيتعليهم‌السلام » ، عيون أخبار الرضا 1 : 182.

والرواية الثانية التي نقلها عن تفسير القمّي وعن البحار ، فإنّ لفظ : « فنظر لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعجبته » غير موجود في الرواية ، وإنّما أضافها عثمان الخميس من عنده ، مضافاً إلى أنّ صاحب البحار ينقل رواية عيون أخبار الرضاعليه‌السلام المتقدّمة ، وهي التي رواها الناصبي علي بن محمّد بن الجهم.

وهكذا بقية الروايات التي أوردها ، تجدها إما مروية عن النواصب ، أو مكذوبة ، أو ضعيفة ، أو يضيف إليها عثمان الخميس من عنده كما فعل في رواية البحار وتفسير علي بن إبراهيم القمي.

٧٢

وثانياً : لكي يلتمسوا عذراً لأعمالهم القبيحة وأخطائهم الشنيعة التي سجّلها لهم التاريخ.

فإذا كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطئُ ويميلُ مع الهوى ، كما رووا ذلك في قصّة عشقه زينب بنت جحش لمّا رآها تمشط شعرها وهي زوجة لزيد بن حارثة ، فقال : « سبحان اللّه مُقلّب القلوب »(1) أو قصّة ميله إلى عائشة وعدم عدله مع بقية زوجاته ، حتّى بعثنَ له مرّة مع فاطمة ومرّة مع زينب بنت جحش ينشدنه العدل(2) .

فإذا كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذه الحالة ، فلا لوم بعد ذلك على معاوية بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص ويزيد بن معاوية ، وكلّ الخلفاء الذين فعلوا الموبقات واستباحوا الحرمات وقتلوا الأبرياء.

والأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام الذين هم أئمه الشيعة يقولون بعصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويأوّلون الآيات القرآنية التي يُفهمُ ظاهرها أنّ اللّه سبحانه عاتب نبيّه مثل :( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) (3) ، أو التي في بعضها إقرار الذنوب عليه كقوله :( لِـيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَـقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ

__________________

1 ـ تفسير القرطبي 14 : 190.

2 ـ صحيح مسلم 7 : 135 ، باب فضائل عائشة ، من كتاب فضائل الصحابة.

3 ـ عبس : 1.

٧٣

وَمَا تَأخَّرَ ) (1) ، أو قوله :( لَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ ) (2) ، و( عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنتَ لَهُمْ ) (3) .

وكلّ هذه الآيات لا تخدش في عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبعضها لم يكن هو المقصود بها ، وبعضها الآخر يحملُ على المجاز لا على ظواهر الألفاظ ، وهو كثير الاستعمال في لغة العرب ، وقد استعمله سبحانه في القرآن الكريم.

ومن أراد التفصيل والوقوف على حقيقة الأشياء فما عليه إلاّ الرجوع إلى كتب التفسير عند الشيعة ، أمثال : الميزان في تفسير القرآن للعلاّمة الطباطبائي ، وتفسير الكاشف لمحمّد جواد مغنية ، والاحتجاج للطبرسي ، وغيرهم؛ لأنّني رُمتُ الاختصار ، وإبراز عقيدة الفريقين بصفة عامّة ، وليس هذا الكتاب إلاّ لغرض بيان قناعتي الشخصية التي اقتنعتُ بها ، واختياري الشخصي لمذهب يقول بعصمة الأنبياء والأوصياء من بعدهم ويُريحُ فكري ، ويقطعُ عني طريق الشكّ والحيرة.

والقول بأنه معصوم فقط في تبليغ كلام اللّه قولٌ هُراءٌ لا حُجةَ فيه ؛

__________________

1 ـ الفتح : 2.

2 ـ التوبة : 117.

3 ـ التوبة : 43.

٧٤

لأنّه ليس هناك دليلٌ على أنّ هذا القسم من كلامه هو من عند اللّه ، وذاك القسم هو من عند نفسه ، فيكون في الأوّل معصوماً ، ويكون في الثاني غير معصوم ويحتملُ فيه الخطأ.

أعوذ باللّه من هذا القول المتناقض الذي يبعثُ على الشكّ والطعن في قداسة الأديان.

وهذا يذكّرني بمحاورة دارت بيني وبين جماعة من الأصدقاء بعد استبصاري ، وكنتُ أحاول إقناعهم بأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم ، وكانوا يحاولون إقناعي بأنّه معصوم فقط في تبليغ القرآن ، وكان من بينهم أستاذٌ من « توزد » منطقة الجريد(1) ، وهم مشهورون بالذكاء والعلم والنكتة الطريفة ..

ففكّر قليلاً ثم قال : ياجماعة ، أنا عندي رأي في هذه المسألة.

فقلنا جميعاً : تفضّل هات ما عندك.

قال : إنّ ما يقوله أخونا التيجاني على لسان الشيعة هو الحقّ الصحيح ، ويجبُ علينا الاعتقاد بعصمة الرسول المطلقة ، وإلاّ داخلنا الشكّ في القرآن نفسه.

قالوا : ولم ذلك؟

__________________

1 ـ منطقة الجريد بالجنوب التونسي تبعد عن قفصة 92 كم ، وهي مسقط رأس أبو القاسم الشابي الشاعر المعروف ، والخضر حسين الذي ترأس الأزهر الشريف ، والكثير من علماء تونس مولودون في هذه المنطقة ( المؤلّف ).

٧٥

أجاب على الفور : هل وجدتُم أيّ سورة من سور القرآن تحتها إمضاء اللّه تعالى؟

ويقصد بالإمضاء : الختمُ الذي يختمُ به العقود والرسائل ، دلالة على هوية صاحبها وأنّها صادرة عنه.

وضحك الجميع لهذه النكتة الطريفة ، ولكنّها ذاتَ معنى عميق ، فأيّ إنسان غير متعصّب يتمعّن بعقله ستصدمه هذه الحقيقة ، ألا وهي : الاعتقاد بأنّ القرآن كلام اللّه ، وهو الاعتقاد بعصمة مُبلّغه المطلقة بدون تجزئة؛ لأنّه لا يمكن لأحد أن يدّعي بأنّه سمع اللّه يتكّلمُ ، ولا يدّعي أحدٌ بأنّه رأى جبرائيل عندما ينزل بالوحي.

والخلاصة : إنّ قول الشيعة في العصمة قولٌ سديد يطمئنّ إليه القلب ويقطع وساوس النفس والشيطان ، ويقطع الطريق على كلّ المشاغبين ، وخصوصاً أعداء الدين من اليهود والنصارى والملحدين الذين يبحثون عن ثغرات ينفذون منها لنسف معتقداتنا وديننا ، والطعن في نبيّنا ، فتراهم كثيراً ما يحتجّون علينا بما أورده صحيح البخاري ومسلم من أفعال وأقوال تنسبُ إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو منها بريءٌ(1) .

__________________

1 ـ أخرج البخاري في صحيحه 3 : 152 باب شهادة الأعمى ، من كتاب

٧٦

وكيف لنا أن نقنعهم بأنّ كتاب البخاري وكتاب مسلم فيهما بعض الأكاذيب(1) .

وهذا الكلام خطير طبعاً؛ لأنّ أهل السنّة والجماعة لا يقبلونه ، فالبخاري عندهم أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه!

__________________

الشهادات ) قال : « حدّثنا ابن عبيد ميمون أخبرنا عيسى عن عائشة قالت : سَمِعَ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجُلاً يقرأ في المسجد فقال : رحِمَهُ اللّه لقدْ أذكرني كذا وكذا أية أسقطتهنّ من سورة كذَا وكذَا ».

اقرأ واعجـب أيّها القاري من هذا الرسول الذي يسقط الآيات ، ولولا هذا الأعمى الذي ذكّره بهنّ لكنّ في خبر كان!! أستغفر اللّه من هذا الهذيان ( المؤلّف ).

1 ـ قال السيد محمد رشيد رضا في جواب سؤال حول صحيح البخاري ـ بعد ما نفى وجود الموضوعات فيه ـ قال : « ولكنّه لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامة الوضع » ، مجلة المنار 29 : 104 ، عنه في أضواء على السنّة المحمدية لأبي رية : 305.

أمّا بالنسبة إلى صحيح مسلم ، فقد قال الأستاذ أبو رية في أضواء على السنّة المحمدية : 309 : « وقد بلغت الأحاديث التي انتقدت على مسلم 132 ، وعدد من انتقدوهم من رجاله 110 » ، ثمّ ذكر اعتراض أبي زرعة الرازي على مسلم.

وتقدم كلام الشيخ محمّد عبده وكلام الجصّاص وهما ينكران حديث سحر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويطعنان فيه ، وأنّه موضوع كما قال الجصّاص؛ فهذا يدلّ على عدم إيمانهما بما في صحيح مسلم والبخاري ، وأنّ فيهما المكذوب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٧
٧٨

العقيدة في الإمامةعند الطرفين

والقصد من الإمامة في هذا البحث هي الإمامة الكبرى للمسلمين ، أعني الخلافة والحكم ، والقيادة والولاية.

وبما أنّ كتابي اعتمد في أبحاثه على المقارنة بين مذهب أهل السنّة والجماعة والشيعة الإمامية ، لابدّ لي من إبراز مبدأ الإمامة عند الفريقين ، حتّى يتبيّن للقارئ والباحث ما هي الأُسس والمعالم التي يرتكز عليها كلّ من الفريقين ، ويعرف بالتالي القناعات التي ألزمتني بقبول التحوّل وترك ماكنتُ عليه.

فالإمامة عند الشيعة : هي أصل من أُصول الدين ، لما لها من الأهمية الكبرى والخطورة العظمى ، وهي قيادة خير أمة أخرجت للناس ، وما تقوم عليه القيادة من فضائل عديدة وخصائص فريدة ، أذكر منها : العلم ، والشجاعة ، والحلم ، والنزاهة ، والعفّة ، والزهد ، والتقوى ، والصلاح الخ.

فالشيعة يعتقدون بأنّ الإمامة منصب إلهي يعهد به اللّه سبحانه إلى

٧٩

من يصطفيه من عباده الصالحين؛ ليقوم بذلك الدور الخطير ، ألا وهو قيادة العالم بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعلى هذا كان الإمام علي بن أبي طالب إماماً للمسلمين باختيار اللّه له ، وقد أوحى لرسوله لكي ينصّبه علماً للناس ، وقد نصّبه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودلّ الأُمّة عليه وبعد حجّة الوداع في غدير خم ، فبايعوه ، هذا ما يقوله الشيعة.

أمّا أهل السنّة والجماعة فيقولون ـ أيضاً ـ بوجوب الإمامه لقيادة الأُمّة ، ولكنّهم يجعلون للأُمة حقّ اختيار إمامها وقائدها ، فكان أبو بكر بن أبي قحافه إماماً للمسلمين باختيار المسلمين أنفسهم له بعد وفاة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي سكت عن أمر الخلافة ولم يبيّن للأُمّة شيئا منها ، وترك الأمر شورى بين الناس.

أين الحقيقه؟

إذا تأمّل الباحث في أقوال الطرفين ، وتمعّن في حُجج الفريقين بدون تعصّب ، فسوف يقترب من الحقيقة بدون شكّ.

وها أنا سوف أستعرض وإياكم الحقيقة التي وصلت إليها على النحو التالي :

1 ـ الإمامة في القرآن الكريم :

قال اللّه تعالى :( وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّي

٨٠