لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 54628
تحميل: 7093

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54628 / تحميل: 7093
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (1) .

في هذه الآية الكريمة يبيّن اللّه لنا بأنّ الإمامة منصبٌ إلهي يعطيه اللّه لمن يشاء من عباده لقوله :( جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً ) ، كما توضّح الآية بأنّ الإمامة هي عهد من اللّه لا يناله إلاّ العباد الصالحين الذين اصطفاهم اللّه لهذا الغرض؛ لانتفائه عن الظالمين الذين لا يستحقّون عهده سبحانه وتعالى.

وقال تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنَا وَأوْحَيْنَا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإقَامَ الصَّلاةِ وَإيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَـنَا عَابِدِينَ ) (2) .

وقال سبحانه وتعالى :( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (3) .

وقال أيضاً :( وَنُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ ) (4) .

وقد يتوهّم البعض بأنّ مدلول الآيات المذكورة يُفهم منها بأنّ

__________________

1 ـ البقرة : 124.

2 ـ الأنبياء : 73.

3 ـ السجدة : 24.

4 ـ القصص : 5.

٨١

الإمامة المقصودة هنا هي النبّوة والرسالة ، وهو خطأ في المفهوم العام للإمامة؛ لأنّ كلّ رسول هو نبي وإمام ، وليس كلّ إمام رسول أو نبي.

ولهذا الغرض أوضح اللّه سبحانه تعالى في كتابه العزير بأنّ عباده الصالحين يمكن لهم أن يسألوه هذا المنصب الشريف ليتشرّفوا بهداية الناس وينالوا بذلك الأجر العظيم ، قال تعالى :( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً * وَالَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّـنَا هَبْ لَـنَا مِنْ أزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أعْيُن وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً ) (1) .

كما أنّ القرآن الكريم استعمل لفظ الإمامة للتدليل على القادة والحكّام الظالمين الذين يُضلّون أتباعهم وشعوبهم ، ويقودونهم إلى الفساد والعذاب في الدنيا والآخرة ، فقد جاء في الذكر الحكيم حكاية عن فرعون وجنوده قوله تعالى :( فَأخَذْنَاهُ وَجُـنُودَهُ فَـنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أئِمَّةً يَدْعُونَ إلَى النَّارِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ لا يُـنصَرُونَ * وَأتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِنَ المَقْبُوحِينَ ) (2) .

__________________

1 ـ الفرقان : 72 ـ 74.

2 ـ القصص : 40 ـ 42.

٨٢

وعلى هذا الأساس فقول الشيعة هو الأقرب لما أقرّه القرآن الكريم؛ لأنّ اللّه سبحانه وتعالى أوضح بما لا يدع مجالاً للشكّ بأنّ الإمامة منصب إلهي ويجعله اللّه حيث يشاء ، وهو عهد اللّه الذي نفاه عن الظالمين.

وبما أنّ غير علي من صحابة النبي قد أشركوا فترة ما قبل الإسلام ، فإنهم بذلك يصبحون من الظالمين ، فلا يستحقّون عهد اللّه لهم بالإمامة والخلافة.

ويبقى قول الشيعة بأنّ الإمام علي بن أبي طالب استحقّ وحده دون سائر الصحابة عهد اللّه بالإمامة؛ لأنّه لم يَعبُد إلاّ اللّه ، وكرّم اللّه وجهه دون الصحابة ، لأنّه لم يسجد لصنم.

وإذا قيل بأنّ الإسلام يجبّ ما قبله.

قلنا : نعم ، ولكن يبقى الفرق كبيراً بين من كان مشركاً وتاب ، ومن كان نقيّاً خالصاً لم يعرف إلاّ اللّه.

2 ـ الإمامة في السنّة النبوية :

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإمامة أقوالاً متعدّدة ، رواها كلّ من الشيعة والسنّة في كتبهم ومسانيدهم ، فمرّةً تحدّث عنها بلفظ الإمامة ، ومرّة بلفظ الخلافة ، وأُخرى بلفظ الولاية أو الإمارة.

جاء في الإمامة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خيار أئمتكم الذين تحبّونهم

٨٣

ويحبّونكم وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم ، وشرار أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم » ، قالوا : يا رسول اللّه أفلا ننابذهم بالسيف؟

فقال : « لا ما أقاموا فيكم الصلاة »(1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنونّ بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس »(2) .

وجاء في الخلافة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش »(3) .

وعن جابر بن سمرة قال : سمعتُ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ثمّ قال كلمة لم أفهمها ، فقلتُ لأبي : ما قال؟ فقال : « كلّهم من قريش »(4) .

وجاء في الإمارة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ،

__________________

1 ـ صحيح مسلم 6 : 24 ، كتاب الإمارة ، باب خيار الأئمة وشرارهم.

2 ـ صحيح مسلم 6 : 20 ، كتاب الامارة ، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن.

3 ـ صحيح مسلم 6 : 4 ، كتاب الامارة ، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

4 ـ المصدر نفسه.

٨٤

فمن عرف بريء ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع » ، قالوا : أفلا نقاتلهم قال : « لا ، ما صلّوا »(1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لفظ الإمارة أيضاً : « يكون اثنا عشر أميراً كلّهم من قريش »(2) .

وجاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محذّراً أصحابه : « ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة ، فنعم المرضعةُ وبئستِ الفاطمةُ »(3) .

وجاء الحديث أيضاً بلفظ الولاية :

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما من وال يَلي رعيّة من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلاّ حرّمَ اللّه عليه الجنّة »(4) .

كما حدّثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلفظ الولاية : « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً كلّهم من قريش »(5) .

وبعد هذا العرض الوجيز عن مفهوم الإمامة أو الخلافة التي

__________________

1 ـ صحيح مسلم 6 : 23 ، كتاب الإمارة ، باب وجوب الإنكار على الأُمراء.

2 ـ صحيح البخاري 8 : 127 ، كتاب الأحكام ، باب الاستخلاف.

3 ـ صحيح البخاري 8 : 107 ، كتاب الأحكام ، باب مايكره من الحرص على الإمارة.

4 ـ صحيح البخاري 8 : 107 ، كتاب الأحكام ، باب من استرعى رعية فلم ينصح.

5 ـ صحيح مسلم 6 : 3 ، كتاب الامارة ، باب الخلافة في قريش.

٨٥

استعرضتها من القرآن الكريم ، ومن السنّة النبّوية الصحيحة بدون تفسير ولا تأويل ، بل اعتمدتُ على صحاح أهل السنّه دون غيرهم من الشيعة؛ لأنّ هذا الأمر ـ أعني الخلافة في اثني عشر كلهم من قريش ـ عندهم من المسلّمات التي لا غبار عليها ، ولا يختلف فيها اثنان منهم ، مع العلم بأنّ بعض علماء أهل السنّة والجماعة يصرّحون بأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من بني هاشم »(1) .

وعن الشعبي عن مسروق قال : « بينما نحن عند ابن مسعود نعرض مصاحفنا عليه ، إذ قال له فتى : هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال : إنّك لحديث السنّ ، وإنّ هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، نعم عهد إلينا نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل »(2) .

وبعد هذا فلنستعرض أقوال الفريقين على صحّة إدّعاء كلّ منهما من خلال النصوص الصريحة ، كما نناقش تأويل كلّ منهما في هذه المسألة الخطيرة التي فرّقت المسلمين من يوم وفاة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يومنا هذا ، وقد نشأ من ذلك اختلاف المسلمين إلى مذاهب

__________________

1 ـ ينابيع المودة 2 : 315 و 3 : 290.

2 ـ ينابيع المودة 3 : 290.

٨٦

وفرق ومدارس كلامية وفكرية ، بعد أن كانوا أُمّة واحدة.

فكلّ خلاف وقع بين المسلمين ، سواء في الفقه أو في التفسير للقرآن أو في فهم السنّة النبوية الشريفة ، منشؤه وسببه الخلافة ، وما أدراك ما الخلافة ، التي أصبحت بعد السقيفة أمراً واقعاً يُستنكر بسببها أحاديث صحيحة وآيات صريحة ، وتُختَلقُ من أجل تثبيتها وتصحيحها أحاديث أُخرى لا أساس لها في السنّة النبوية الصحيحة.

وهذا يذكّرني بإسرائيل ، والأمر الواقع ذلك أنّ الرؤساء والملوك العرب اجتمعوا واتفقوا أن لا اعتراف بإسرائيل ولا تفاوض معها ولا سِلْم ، فما أُخِذَ بالقوّة لا يستردّ بغير القوة ، وبعد سنوات قليلة اجتمعوا من جديد ليقطعوا هذه المرّة علاقاتهم مع مصر التي اعترفت بالكيان الصهيوني ، وبعد سنوات قليلة أعادوا علاقاتهم مع مصر ولم يطعنوا بعلاقتها بإسرائيل ، مع أنّ إسرائيل لم تعترف بحقّ الشعب الفلسطيني ، ولم تغيّر شيئاً من موقفها ، بل زادت في تعنّتها وضاعفت قمعها للشعب الفلسطيني ، فالتاريخ يعيد نفسه ، وقد اعتاد العربُ التسليم بالأمر الواقع.

٨٧

رأي أهل السنّة والجماعة
في الخلافة ومناقشته

رأيهم معروف ، وهو أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي ولم يُعين أحداً للخلافة ، ولكن أهل الحلّ والعقد من الصحابة اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، وولّوا أمرهم أبا بكر الصدّيق ، لمكانته من رسول اللّه ، ولأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلفه في الصلاة أيام مرضه ، فقالوا : رضيهُ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمر ديننا ، فكيف لا نرضاه لأمر دنيانا؟

ويتلخّص قولهم في :

1 ـ الرسول لم ينصّ على أحد.

2 ـ لا تكون الخلافة إلاّ بالشورى.

3 ـ استخلاف أبي بكر وقع من طرف كبار الصحابة.

نعم ، هذا رأيي عندما كنت مالكياً ، أدافع عنه بكلّ ما أُوتيت من قوّة ، وأستدلّ عليه بآيات الشورى ، وأحاول جهدي التبجّح بأنّ الإسلام هو دين الديمقراطية في الحكم ، وأنّه السابقُ لهذا المبدأ الإنساني الذي تفخرُ به الدول المتحضّرة الراقية.

٨٨

وأقول : إذا كان الغربُ ماعرف النظام الجمهوري إلاّ في القرن التاسع عشر ، فإنّ الإسلام عرفه وسبقهم إليه في القرن السادس.

ولكن ، وبعد لقائي بعلماء الشيعة وقراءة كتبهم ، والاطّلاع على أدلّتهم المقنعة التي هي موجودة في كتبنا ، غيّرتُ رأيي الأوّل ، لمّا أسفرت الحجّة عن وجهها؛ لأنّه لا يليق بجلال اللّه سبحانه أن يترك أُمّة بدون إمام ، وهو القائل :( إنّما أنتَ منذرٌ ولكلّ قوم هاد ) (1) .

كما لا يليق برحمة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك أُمّته بدون راع ، وبالخصوص إذا عرفنا أنّه كان يخشى على أُمته الفرقة(2) والانقلاب على الأعقاب(3) ، والتنافس على الدنيا(4) ، حتى يضرب بعضهم رقاب بعض(5) ، ويتبعوا سنن اليهود والنصارى(6) .

__________________

1 ـ الرعد : 7.

2 ـ سنن الترمذي 4 : 134 وسنن أبي داود 2 : 390 وسنن ابن ماجة 2 : 1321 ومسند أحمد بن حنبل 2 : 332 والمصنف لعبد الرزاق 10 : 156.

3 ـ صحيح البخاري 7 : 209 كتاب الرقاق ، باب الحوض.

4 ـ صحيح البخاري 7 : 209 كتاب الرقاق ، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها.

5 ـ صحيح البخاري 8 : 91 ، كتاب الفتن ، باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ترجعوا بعدي كفّاراً.

6 ـ صحيح البخاري 8 : 151 ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم.

٨٩

وإذا كانت أُمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر تبعث إلى عمر بن الخطاب حين طُعن فتقول له : « استخلف على أُمّة محمّد ولا تدعهم بعدك هملاً ، فإنّي أخشى عليهم الفتنة »(1) .

وإذا كان عبداللّه بن عمر يدخل على أبيه حين طُعن فيقول له : « إنّ الناس زعموا أنّك غير مُستخلف ، وإنّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاءك وتركها رأيتَ أن قد ضيّع ، فرعاية الناس أشدّ »(2) .

وإذا كان أبو بكر نفسه ـ وهو الذي استخلفه المسلمون بالشورى ـ يحطّم هذا المبدأ ويسارع إلى استخلاف عمر من بعده ليقطع بذلك دابر الخلاف والفرقة والفتنة ، وهو الأمر الذي تنبّأ به عليعليه‌السلام حينما شدّد عليه عمر لمبايعة أبي بكر فقال له : « احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم يردده عليك غداً »(3) .

أقول : إذا كان أبو بكر لا يؤمن بالشورى ، فكيف نصدّق بأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الأمر بدون استخلاف؟! وهل أنّه لم يكن يعلم

__________________

1 ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 : 42.

2 ـ صحيح مسلم 6 : 5 ، كتاب الإمارة ، باب الاستخلاف وتركه.

3 ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 : 29 ، شرح النهج لابن أبي الحديد 6 : 11 نقلا عن كتاب السقيفة للجوهري.

٩٠

ما عمله أبو بكر وعائشة وعبداللّه بن عمر ، وما يعلمه كل الناس بالبداهة ، من اختلاف الآراء وتشتت الأهواء عندما يوكل إليهم أمر الاختيار ، بالخصوص إذا كان الأمر يتعلّق بالرئاسة واعتلاء منصّة الخلافة؟!

كما وقع ذلك بالفعل حتّى في اختيار أبي بكر يوم السقيفة ، إذ إنّنا رأينا خلاف سيّد الأنصار سعد بن عبادة ، وابنه قيس بن سعد ، وعلي بن أبي طالب ، والزبير بن العوّام ، والعباس بن عبدالمطلب ، وسائر بني هاشم ، وبعض الصحابة الذين كانوا يرون الخلافة حقّاً لعليعليه‌السلام ، وتخلّفوا في داره عن البيعة حتّى هُدِّدوا بالحرق(1) .

في مقابل ذلك نرى الشيعة الإمامية يثبتون عكس مقالة أهل السنّة ، ويؤكّدون بأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ عيّنَ عليّاً للخلافة ، ونصّ عليه في عدّة مناسبات ، وأشهرها في غدير خم.

وإذا كان الإنصاف يقتضي منك أن تستمع إلى خصمك ليدلي برأيه وحجّته في قضية وقع الخلاف فيها معك ، فكيف إذا احتجّ خصمك بما تشهد أنتَ نفسك بوقوعه(2) ؟!

__________________

1 ـ تاريخ الخلفاء لابن قتيبة 1 : 29 وما بعدها.

2 ـ وذلك أنّه ليس هناك دليل عند الشيعة إلاّ وفي كتب السنّة مصداقه ( المؤلّف ).

٩١

وليس دليل الشيعة دليلاً واهياً أو ضعيفاً حتّى يمكن التغاضي عنه وتناسيه بسهولة ، وإنّما الأمر يتعلّق بآيات من الذكر الحكيم أُنزلت في هذا الشأن ، وأولاها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العناية والأهمية ما سارت به الركبان ، وتناقله الخاصّ العامّ ، حتّى ملأتْ كتب التاريخ والأحاديث وسجّله الرواة جيلاً بعد جيل.

1 ـ ولاية علي في القرآن الكريم :

قال اللّه تعالى :( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ ) (1) .

أخرج الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير(2) بالإسناد إلى أبي ذرّ الغفاري قال : سمعتُ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهاتين وإلاّ صمّتا ، ورأيته بهاتين وإلاّ عميتا ، يقول : « عليٌّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ».

أما أنّي صلّيت مع رسول اللّه ذات يوم ، فسأل سائل في المسجد ،

__________________

1 ـ المائدة : 55 ـ 56.

2 ـ أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي المتوفي سنة 337 هـ ، ذكره ابن خلكان وقال : « كان أوحد زمانه في علم التفسير صحيح النقل موثوق به » ( المؤلّف ).

٩٢

فلم يُعطه أحد شيئاً ، وكان علي راكعاً فأومأ بخنصره إليه وكان يتختّم بها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره.

فتضرّع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اللّه عزّ وجلّ يدعوه ، فقال : « اللّهم إنّ أخي موسى سألك :( قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً ) فأوحيتَ إليه :( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ) (1) اللّهم وإنّي عبدك ونبيّك ، فاشْرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً ، أشدد به ظهري ».

قال أبو ذر : فواللّه ما استتمّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلمة حتى هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآيه :( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ ) (2) .

ولا خلاف عند الشيعة في أنّها نزلت في علي بن أبي طالب ،

__________________

1 ـ طه : 25 ـ 36.

2 ـ المائدة : 55 ـ 56 ، وانظر : شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 1 : 230 ، نظم درر السمطين للزرندي : 87.

٩٣

رواية عن أئمه أهل البيتعليهم‌السلام ، وهي من الأخبار المتسالم عليها عندهم ، فقد رُويتْ في العديد من كتب الشيعة المعتبرة عندهم ، مثل :

1 ـ بحار الأنوار للمجلسي [ 35 : 183 ].

2 ـ إثبات الهداة للحرّ العاملي [ 2 : 120 الباب العاشر ].

3 ـ تفسير الميزان للعلاّمة الطباطبائي [ 6 : 15 ].

4 ـ تفسير الكاشف لمحمّد جواد مغنية.

5 ـ الغدير للعلاّمة الأميني [ 2 : 91 ].

وغير هؤلاء كثير.

كما روى نزولها في علي بن أبي طالب من علماء السنّة والجماعة جمع غفير ، أذكر منهم فقط علماء التفسير :

1 ـ تفسير الكشّاف للزمخشري 1 : 649.

2 ـ تفسير الطبري 6 : 288.

3 ـ زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 2 : 383.

4 ـ تفسير القرطبي 6 : 219.

5 ـ تفسير الفخر الرازي 12 : 26.

6 ـ تفسير ابن كثير 2 : 71.

7 ـ تفسير النسفي 1 : 289.

8 ـ شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي 1 : 161.

٩٤

9 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 2 : 293.

10 ـ أسباب النزول للإمام الواحدي : 148.

11 ـ أحكام القرآن للجصّاص 4 : 102.

12 ـ التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي 1 : 181.

وما لم أذكره من كتب السنّة أكثر مما ذكرت(1) .

__________________

1 ـ وقد ذكر صاحب كتاب منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية : 45 اعتراضاً على الاستدلال بهذه الآية على الولاية لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام كما اعترض غيره بما حاصله : إنّ التصدّق في أثناء الصلاة ينافي التوجّه والانقطاع إلى اللّه سبحانه وتعالى ، فالروايات الواردة في نزول الآية في حقّ علي بن أبي طالب تقدح في خشوعه في الصلاة فضلا عن أن تعدّ من مناقبه ويستدلّ بها على إمامته؟!

وفي الجواب على ذلك نورد كلام العلاّمة الآلوسي في روح المعاني 6 : 336 ، حيث أورد هذا الاعتراض ودفعه فقال : « قيل لابن الجوزي رحمه اللّه تعالى : كيف تصدّق عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه بالخاتم وهو في الصلاة ، والظنّ فيه بل العلم الجازم أنّ له كرّم اللّه تعالى وجهه شغلا شاغلا فيها عن الالتفات إلى ما لا يتعلّق بها ، وقد حكي ممّا يؤيّد ذلك كثيراً؟!

فأنشأ يقول :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته

عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعه سكره حتى تمكّن من

فعل الصحاة فهذا أوحد الناس »

فعليّ عليه‌السلام انتقل عن طاعة العبادة إلى طاعة الصدقة ، فهو مع اللّه

٩٥

2 ـ آية البلاغ تتعلّق أيضاً بولاية علي :

قال تعالى :( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) .

يقول بعض المفسّرين من أهل السنّة والجماعة بأنّ هذه الآية نزلت في بداية الدعوة عندما كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقيم حرساً يحرسونه خوفاً من القتل والاغتيال ، فلما نزلتْ :( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) قال : « إذهبوا فإنّ اللّه قد عصمني ».

__________________

في كلا الحالتين ، ولم ينشغل عنه طرفة عين حتى يكون ذلك منافياً للخشوع والخضوع المطلق في الصلاة ، ولأجل ذلك أنزل اللّه سبحانه وتعالى في حقّه قرآناً يتلوه المسلمون على مدى الأجيال المتمادية.

وهذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أنّه أرقى حالا من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، نجده يفعل بعض الأفعال في الصلاة ، فقد روى مسلم في صحيحه 2 : 44 عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إنّي لأدخل في الصلاة أُريد إطالتها ، فأسمع بكاء الصبي ، فأخفف من شدّة وجد أُمه به » ، وعن أبي قتادة : « إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول اللّه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها » ، صحيح البخاري 1 : 131.

فهذه الأفعال كان يقوم بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة ، ولا تؤثّر على توجّهه وانقطاعه إلى اللّه سبحانه وتعالى ، وكذا ما قام به الإمام علي عليه‌السلام لا يضرّ في خشوعه وخضوعه التامّ إلى اللّه تعالى بعدما كان فعله صدقة يراد بها وجه اللّه عزّ وجلّ.

1 ـ المائدة : 67.

٩٦

فقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن عبداللّه بن شفيق قال : »إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتعقّبه ناس من أصحابه ، فلمّا نزلت :( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، فخرج فقال : « يا أيها الناس إلحقوا بملاحقتكم ، فإنّ اللّه قد عصمني من الناس »(1) .

وأخرج ابن حبّان وابن مردويه عن أبي هريرة قال : كنّا إذا صحبنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها ، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلّق سيفه فيها ، فجاء رجل فأخذه فقال : يامحمّد من يمنعك مني؟ فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّه يمنعني منك ، ضع عنك السيف » ، فوضعه ، فنزلت :( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2) .

كما أخرج الترمذي والحاكم وأبو نعيم عن عائشة قالت : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُحرسُ ، حتّى نزلتْ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، فأخرج رأسه من القبّة فقال : « أيها الناس ، انصرفوا فقد عصمني اللّه »(3) .

__________________

1 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2 : 530 ( ذيل الآية ).

2 ـ المصدر نفسه.

3 ـ البداية والنهاية 8 : 73 حوادث سنة 59 ، تاريخ الإسلام للذهبي 4 : 349 ، الطبقات الكبرى 1 : 78 ، سير أعلام النبلاء 2 : 463 ، الإصابة 3 : 287 ، فتح الباري 6 : 31 و 7 : 391.

٩٧

وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الدلائل وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عبّاس قال : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُحرسُ ، وكان يرسل معه عمّه أبو طالب كلّ يوم رجلاً من بني هاشم يَحرسونه ، فقال : « يا عّمْ ، إنّ اللّه قد عصمني ، لا حاجة لي إلى من تبعث »(1) .

ونحن إذا تأمّلنا في هذه الأحاديث وهذه التأويلات ، وجدناها لا تستقيم ومفهوم الآية الكريمة ولا حتى مع سياقها ، فكلّ هذه الروايات تُفيد بأنّها نزلتْ في بداية الدعوة ، حتى إنّ البعض يصرّح بأنّها في حياة أبي طالب ، يعني قبل الهجرة بسنوات كثيرة ، وبالخصوص رواية أبي هريرة التي يقول فيها : « كنّا إذا صحبنا رسول اللّه في سفر تركنا له أعظم دوحة الخ ».

فهذه الرواية ظاهرة الوضع ، لأنّ أبا هريرة لم يعرف الإسلام ولا رسول اللّه إلاّ في السنة السابعة للهجرة النبوية ، كما يشهد هو نفسه بذلك(2) ، فكيف يستقيم هذا ، وكلّ المفسّرين سنّة وشيعة أجمعوا على أنّ سورة المائدة مدنية ، وهي آخر ما نزل من القرآن؟!

فقد أخرج أحمد ، وأبو عبيد في فضائله ، والنحاس في ناسخه ، والنسائي ، وابن المنذر ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه

__________________

1 ـ الدر المنثور للسيوطي 2 : 446 ، سورة المائدة.

2 ـ المصدر نفسه.

٩٨

عن جُبير بن نفير قال : حججتُ فدخلتُ على عائشة ، فقالت لي : ياجبير تقرأ المائدة؟ فقلتُ : نعم ، فقالت : أما إنّها آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلّوه ، وما وجدتم من حرام فحرّموه(1) .

كما أخرج أحمد ، والترمذي وحسّنه ، والحَاكمْ وصَححّه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن عبداللّه بن عمرو قال : آخر سورة نزلت سورة المائدة(2) .

وأخرج أبو عبيد عن محمّد بن كعب القرطني قال : نزلت سورة المائدة على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع ، فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته ، فانصدعت كتفها ، فنزل عنها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (3) .

وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال : نزلت سورة المائدة على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسير في حجّة الوداع وهو راكب راحلته ، فبركت به راحلته من ثقلها(4) .

__________________

1 ـ المصدر نفسه.

2 ـ المصدر نفسه.

3 ـ المصدر نفسه.

4 ـ المصدر نفسه.

٩٩

وأخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قالا : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المائدة من آخر القرآن تنزيلاً ، فأحلّوا حلالها ، وحرّموا حرامها »(1) .

فكيف يقبل العاقل المنصف بعد كلّ هذا ادّعاء من قال بنزولها في أوّل البعثة النبّوية ، وذلك لصرفها عن معناها الحقيقي؟!

أضف إلى ذلك أنّ الشيعة لا يختلفون في أنّ سورة المائدة هي آخر القرآن نزولاً ، وأنّ هذه الآية بالذات :( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) ـ والتي تسمّى آية البلاغ ـ نزلت على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة عقيب حجة الوداع في غدير خمّ ، قبل تنصيب الإمام علي عَلماً للناسِ ليكونَ خليفته من بعده ، وذلك يوم الخميس.

وقد نزل بها جبرائيلعليه‌السلام بعد مضيّ خمس ساعات من النهار فقال : يا محمّد ، إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول :( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

على أنّ قوله سبحانه وتعالى :( وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) يدلّ دلالة واضحة بأنّ الرسالة انتهت أو هي على وشك النهاية ، وإن

__________________

1 ـ المصدر نفسه.

١٠٠