الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 84

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: د. احمد راسم النفيس
تصنيف: الصفحات: 84
المشاهدات: 35642
تحميل: 5480

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 84 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35642 / تحميل: 5480
الحجم الحجم الحجم
الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولماذا لم يتدخل احد الا ايران الاسلامية الشيعية؟ اليس هذا دليل علي صحة ما اقول؟

قال: نعم، ولكن هولاء رافضة ينبغي الا نتعاون معهم، ثم استدرك وقال: ينبغي ان يكون التعامل معهم من خلال هيئة امم اسلامية. سكت... وسكت الشيخ وتكلم الصمت.

عدت الى بيتي، وانا في قمة الاستفزاز والانفعال. قلت لنفسي: ان كان حقا ما يقولون ان المسلمين الشيعة بكل هذه الدناءة فلعنة اللّه عليهم، وان كانت كل هذه اكاذيب موجهة اليهم فتلك النازلة الكبرى التي ما بعدةا نازلة.

مضت ايام. كان هناك معرض للكتاب في كلية الطب بالمنصورة. مررت به فوجدت كتابا بعنوان (الامام جعفر الصادق) تالىف المستشار عبد الحليم الجندي، طبعة مجمع البحوث الاسلامية ١٩٧٧م، قلت: هذا كتاب عن الامام جعفر الصادق من تالىف كاتب مصري سني، وصادر من قبل موسسة رسمية قبل قيام الثورة الاسلامية في ايران، فاخذته وقراته وتزلزل كياني لما فيه من معلومات عن اهل البيت (ع) طمستها الانظمة الجائرة وكتمها علماء السوء، فان القوم - كما روى علي لسان الزهري راوية بني امية - لا يطيقون ان يذكر آل محمد بخير.

عدت الى الكتابين السابقين، واخرجت ما فيهما من

٢١

المعلومات، ووجدتها جميعها من مصادر سنية قلت: لعل المسلمين الشيعة كذبوا فاوردوا على الناس ما لم يقولوه! فلنعد الى هذه المصادر بنفسنا، قمت بعمليه جرد دقيقة لجميع هذه الكتب، سواء منها ما كان في مكتبتي الخاصة، ام ما كان في مكتبه جمعية الشبان المسلمين، وتحققت فعلا من صحة هذه المعلومات، وعرفت مدى المصداقية التي يتمتع بها الزنداني وابو اسماعيل واحسان آلةي ظهير..!! وهنا نقطة هامة، وهي: ان كتب الحديث عند اهل السنة كالبخاري ومسلم وغيرهما، تكاد تكون مقدسة عند القوم لان صحة خلافة الخلفاء الثلاثة الاول مستمدة.. اولا من الامر الواقع، وثانيا من الروايات التي وردت في هذه الكتب، فاذا كان القوم يسلمون بصحة الروايات الواردة في فضائل الثلاثة الاول وجب عليهم التسليم بكل ما عداها ومنها فضائل اهل البيت(ع) وامامتهم.(١)

اما اذا قالوا: بل ننظر في صحة الروايات والرواة، فقد فتحوا باب النقد في مسلماتهم وصار من حقنا النقاش في صحة اسانيدهم وترجيح الدليل الاقوى، وهو عين ما يتوخاه كل باحث عن الحق

____________________

(١) أنظر في ذلك باب مناقب علي بن أبي طالب، و باب مناقب قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجزء الرابع من (صحيح البخاري) ص ٢٤٨ و ما بعدةا.

طباعة دار الفكر – بيروت ١٤١٤ه/١٩٩٤م.

٢٢

وعندئذ ستكتسب الروايات الواردة في امامة اهل البيت(ع) قوة مضاعفة، اولا من قوة اسانيدها وثانيا من اعتراف مخالفيها بصحتها، والفضل ما شهدت به الاعداء والخصوم.

لم تمض الا اسابيع قليلة الا وكانت المسالة محسومة تماما من الناحية العقيدية، ثم التقيت بواحد من الاصدقاء القدامى وجدته علي هذا الامر، وبدانا في تدارس بعض الاحكام الفقهية اللازمة لتصحيح العبادات. وكنت مشغولا في هذا الوقت في انهاء رسالة الدكتوراه حتى اننى اقفلت عيادتي للتفرغ للعمل بهذه الرسالة، وقبلت في نيسان /ابريل عام ١٩٨٦ وبدات اتاهب لدخول امتحانات الدكتوراه في تخصص (الباطنة العامة). كنت منكبا علي القراءة العلمية وكانت راحتي ومتعتي الوحيدة اذا اصابني الملل من القراءة في الطب، هي اللجوء الى كتب اهل البيت(ع)، وبدا النبا يتسرب الى الذين تعاهدوا فيما بينهم وقرروا مقاطعة العبد الفقير لا كلام ولا سلام ولا معاملة، وبدات حلقات الضيق تتكاثر حول شخصي المتهم بالانحراف الفكري والخلل العقلي.. لماذا؟.. كنت اتساءل بيني وبين نفسي عن سر هذا العداء والشراسة في مواجهة كل من ينتمي الى خط آل بيت النبوة، وما هي الجريمة التي ارتكبها اولئك المنتمون؟.. تاره يقولون (انه انحراف عقائدي.. اى عقائدي هذا؟ هل صار الايمان بخلافة ابي بكر وعمر وعثمان جزءا متمما لكلمة لا اله الا اللّه، محمد رسول اللّه، ام ماذا؟).

٢٣

هل يقصدون ضرورة اثبات الىد والرجل والاصابع والصعود وآلهبوط للذات الآلهية؟ وهو ما يومن به السلفيون ومن يدينون بمذهبهم، تعالى اللّه عما يقول الواصفون والجاحدون علوا كبيرا.

لم يحاول احد منهم ان يقنعني بركائز هذه العقيدة ومعالم الانحراف العقيدي التي حلت بالعبد الفقير، ولم اكن في حاجة الى من يعرفني، فكتبهم موجودة في الساحة توزع من دون مقابل، وهي موجودة لدى ايضا.

اعتقال عام (١٤٠٨هر١٩٨٧م)

في ايار/مايو ١٩٨٧، انطلقت عدة رصاصات على وزير الداخلية المصري السابق حسن ابو باشا، وعلى الفور بدات حملة اعتقالات على طريقة (عناقيد الغضب الاسرائيلية) فتوجست من هذه الحادثة. وبعد ثلاثة اسابيع من بدء (حملة عناقيد الغضب) جاء زوار الفجر واخذوني مرة اخرى الى سجن الاستقبال ومنه مباشرة الى ساحات الاستجواب والتعذيب، جرى تعصيبي وتقييدي من الخلف ويبدو انها تكنولوجيا امريكية جديده لم ارها في المرة السابقة، القوا بى في العراء علي هذه الطريقة لمدة يومين وكعادتهم اللآدميه اخذوا ملابسي. ثم اعادوني الى السجن، ورموني في زنزانة في الطابق الرابع، بلا ماء ولا شبابيك ولا فراش، ولم يونس

٢٤

وحدتي الا اسراب البعوض، ثم اعادوني الى ساحة التعذيب والاستجواب بعد اسبوعين، حيث بدات حفلة تعذيب بالكهرباء، كان الاستجواب فيها مجرد غطاء لممارسة التعذيب بالكهرباء وتوجيه صدمات كهربائية للمخ وباقي الاماكن الحساسة ثم اطلقوا سراحي بعد يومين آخرين. كان آلهدف واضحا من حفلة التعذيب هذه حيث لا تهمة ولا حتى معلومات يريدون الحصول عليها ومنذ اللحظة الاولى قال لي المحقق السفاح: (سندفعك الى الجنون( وَ يَمْکُرُونَ وَ يَمْکُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْمَاکِرِينَ‌ ) «الانفال/٣٠».

خرجت من المعتقل مريضا بالفعل، ومضت علي عدة شهور حتى استطعت استعادة قدرتي علي التركيز الى سابق عهدها، ولكن التامر اخذ شكلا آخر كان الهدف منه اخراجي من عملي بالجامعة بكل ما لديهم من وسائل، وهكذا تم تاخير حصولي على الدكتوراه من عام ١٤٠٨ه/١٩٨٧م حتى ١٤١٣ه/١٩٩٢م ست سنوات كاملة من الضغوط الوظيفية والمعاشية كي يجبروني على تغيير (عقيدتي الفاسدة) حتى جاء الحق وظهر امر اللّه وهم كارهون.

التنظيم الاسلامي الشيعي ١٩٨٩م

من الواضح ان النفوذ البعثي العراقي قد امتد الى كافة انحاء المنطقة وخاصة مع نهاية الحرب العراقية الايرانية التي نصب فيها صدام حسين نفسه زعيما للامة العربية وحامى البوابة الشرقية، الى

٢٥

آخر هذه الالقاب التي منحها له الاعلام الماجور والحاقد في نفسه. وكان آلهجوم على المسلمين الشيعة في كل مكان احد ملامح هذا التمدد الذي لم تكشف تفاصيله بعد، والدليل علي هذا تقلص هذا العداء بتقلص دور المغرور سياسيا صدام حسين. لم تكن الاصابع البعثية بعيدة عن تمويل الحملة الاعلامية التي انطلقت لمهاجمة المسلمين الشيعة وتشويه معتقداتهم، ولا كانت بعيدة عن تلفيق القضايا للشيعة في الاعوام ١٩٨٧، ١٩٨٨، ١٩٨٩م ومنها هي القضية التي زج باسمى فيها. والغريب في هذه الامور ان قضية (مفبركة) من هذا النوع تحتوي قرابة الثلاثين شخصا تم جمعهم من الشرق والغرب تحظى بتغطية اعلامية في الصحف والمجلات القوميه وقد تم اعداد المتهمين من اللحظة الاولي لتصويرهم تماما كافلام السينما، لها منتج يتحمل التكاليف ويجني المكاسب، ومخرج، ومجموعة من الممثلين كانت هذه هي الطريقة التي يتم التصرف بها في مصائر المسلمين على مذابح الزعامات الزائفة والانتصارات الموهومة.

وانفض الجمع كما بدا، بل وكانت النتائج عكسية تماما حيث وجدنا من احرار الامة من يدافع عنا سواء من رجال الجامعة ام من رجال الصحافة. وفشلت الحملة السوداء التي كانت تتصور انه بمجرد اتهامنا بكلمة (الشيعة والتشيع) سيقف المجتمع ضدنا وقفة رجل واحد، لم يحدث هذا ولن يحدث ان شاء اللّه في (مصر

٢٦

الازهر الشريف) الذي بناه المسلمون الفاطميون الشيعة، مصر التسامح المذهبي التي وسعت بين ارجائها المسلمين والمسيحيين بل وحتى اليهود، فكيف يتخيل بعضهم ان هذا الشعب العظيم يمكن ان يحقق لهولاء اغراضهم؟ لم تتوقف المضايقات ولكن حدتها قد خفت كثيرا في الوقت الراهن.

حوارات مع السلفيين

لم يكن احد يعرف من هم المسلمون الشيعة ولا التشيع قبل الثورة الاسلامية الايرانية، وربما كان من الممكن التماس العذر لكل من وقفوا من الشيعة موقفا سلبيا، فالحقيقة غائبة ولا سبيل اليها الا بمصادفة كالتي تعرضت لها، فالشيعة مسلمون يومنون باللّه خالقا تجب عبادته واطاعة اوامرة وحده لا شريك له، والانتهاء عن معاصيه، ويومنون بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيا مرسلا هاديا، ويومنون بيوم المعاد(القيامة)، ويومنون بالقرآن الموجود بين ايدينا اليوم كتابا منزلا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان اللّه سبحانه وتعالى قد حفظ هذا الكتاب من اي تحريف او نقص او زيادة، والمنصف هو من يعود الى كتبهم العقيدية ليطلع على افكارهم وعقائدهم، لا ان يقرا كتب خصومهم، التي تحتوي على الافتراءات والاكاذيب بما لا يرتضيه دين، ولا يقر به عاقل منصف.

لو قرا اولئك الناس كتب التراث الاسلامي لتغيرت نظرتهم

٢٧

وصارت اكثر عمقا، ولكن هيهات..! لماذا يقروون وقد صاروا زعماء سياسيين ودينيين لمجرد انهم قرووا الصحف والمجلات وبعض قصاصات، ولو ساروا في الارض كما امرهم اللّه عز وجل لوجدوا المسلمين الشيعة في طول الارض وعرضها يحملون المصحف نفسه يقروونه ويتعبدون به للّه الواحد الاحد، ولكن الهوى لا دواء له.

اسلام واحد ام اسلامان؟

لم ولن اغير موقعي المدافع عن الاسلام في مواجهة اعدائه، ولن يصبح هذا الموقع يوما ما موقع المدافع عن طائفة ضد اخرى او مذهب ضد مذهب آخر، وما زال الصراع الحقيقي هو بين الاسلام والكفر وليس بين السنة والشيعة او حتى بين الاسلام والمسيحية او بين الاسلام واليهودية، سيبقى الصراع بين الحق والباطل، بين العدل والبغي، بين المستضعفين والمستكبرين، ولكن شيئا من هذا لا ينافي قراءة الاسلام في العمق، ولا معرفة حقائق التاريخ.

كيف يمكن لامة ان تحلم باقامة دولة اسلامية، وهي لا تمتلك مشروعا فقهيا او فقهاء مجتهدين؟! الجميع يعلمون ان المسلمين الشيعة وحدهم هم الذين يمتلكون هذا البناء الفقهي وهذه المدرسة المتكاملة التي اقاموها على مدى التاريخ عبر العذابات

٢٨

والجراحات، وهي مدرسة تستند الى فهم آل البيت المعصومين للكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، ودائما كان دليلةم الاقوى وكانت فتاواهم هي الاصوب.

مثلا: اجمع فقهاء اهل البيت علي ان(حج التمتع)(١) افضل وانه فرض للبعيد عن المسجد الحرام اخذا بقوله تعالى:( وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَکُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ کَانَ مِنْکُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کَامِلَةٌ ذٰلِکَ لِمَنْ لَمْ يَکُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) «البقره/١٩٦».

اهل البيت يرون ذلك فرضا، اما الشيخ سيد سابق، فيرى

____________________

(١) يتألف حج التمتع من العمرة و الحج معا، و فيه إحرامان، وسعيان، و ثلاثة أطوفة: الأول للعمرة، و الثاني للحج، و الثالث للنساء، و هو للبعيد عن مكة. قال الإمام جعفر الصادق (ع): (من حج فليتمتع، إنا لا تعدل بكتاب الله و سنة نبيه. و قال: ما تعلم حجا لله غير المتعة، إنا إذا لقينا ربنا قلنا: عملنا بكتابك و سنة نبيك، و قال القوم: عملنا يرأينا، فليجعنا الله و إياهم. انظر: محمد جواد مغنية: فقه الإمام جعفر الصادق (ع). دار التبار الجديد- بيروت ط. الساىسة ١٤١٣ه/١٩٩٢م.

٢٩

ذلك (مجرد مذهب) لابن عباس وابي حنيفة(١) استدل عليه باية في كتاب اللّه، وهو بهذا يجعل الدليل القرآني مساويا لاراء الصحابة والتابعين، هل هذا دين؟! ثم يقولون لنا ان المسائل الفقهية محسومة وان لا اجتهاد مع النص، اليس هذا استهزاء بالنص القرآني؟!.

منذ عدة سنوات، اقترح الكاتب الصحفي احمد بهاء الدين تعديل قوانين الميراث والاخذ بالمذهب الجعفري الذي ينص على ان الانثى تحجب كالذكر، وقال ان الاخذ بهذه المادة القانونية يحل الكثير والكثير من المصائب والمشاكل الاجتماعية، فقامت الدنيا ولم تقعد، وانهال آلهجوم على الرجل والكل يتحدث بمنطق العصبيه البغيض (مذهبنا ومذهبهم) و رحمة اللّه على رجال من نوعية الشيخ محمد ابو زهرة والشيخ محمد شلتوت الذين حاولوا تحريك هذه البرك الراكدة، فلم يفلحوا.

يروون عن ائمة المذاهب الاربعة انهم قالوا: (اذا صح الدليل فهو مذهبي) فهل استثنى هولاء وقالوا: (الا ما جاء من ناحية اهل البيت وشيعتهم فلا تاخذوا به فهو باطل وان صح)؟ اين هي حرية الفكر وحرية العقل؟.

____________________

(١) أنظر: السيد سابق: فقه السنة، المجلد الأول، ص ٥٨٠ الطبعة الثامنة دار الكتاب اللبناني (١٤٠٧ه/١٩٨٧م) بيروت-لبنان.

٣٠

لماذا ضاعت هذه الشعارات وسط بريق النفط الاسود؟

وهل للنفط بريق الا لمن عميت بصائرهم وماتت ضمائرهم فانها لا تعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.

في النهاية، اسجل رويتى لقضية الامامة: اولا، روية نقدية لمرويات اهل السنة في هذا الموضوع، ثانيا قراءة عقلية للنص القرآني والاحاديث الواردة في مسالة الامامة.

***

٣١

٣٢

على طريق الامامة

في الصميم:

لم تكن قضية الامامة تحظى بقدر كبير من الاهتمام في صفوف الحركات الاسلامية المعاصرة في العالم الاسلامي، بيد ان قيام الثورة الاسلامية في ايران، بقيادة آية اللّه العظمى روح اللّه الموسوي الخمينيرحمه‌الله ، قد القى عدة احجار في البحيرة الراكدة، وفرض على الكثيرين من العلماء والمفكرين واصحاب القلم اعادة التفكير والنظر في مسلمات الامس القريب، في حين اختار بعضهم موقف المعاداة لكل ما جهلوا، وصدق اللّه العلي العظيم، حيث يقول:( بَلْ کَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) «يونس /٣٩».

وهناك من قام باعمال فكرة وعقله في النصوص وفي الواقع، بهدف الحصول على الحقيقة بغض النظر عن الاستنتاج النهائي، وبغض النظر عن قوى الواقع التي تمارس بشكل عملي الاسلوب الذي تتحدث عنه الآية القرآنية المباركة وتذمه( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) «الزخرف /٢٢». تمارس تلك القوى ذلك من دون ان تعلنه باللسان.

٣٣

على ان قضية(الامامة)، وان تعددت الدراسات حولها وكثرت الا ان غالبية ما كتب لم يكن ليكتب في اطار عقلي، بل ان السائد ان كل طرف ياتي بما يويد وجهة نظره من الروايات، ويتحدث عن اسانيدها ورواتها ووثاقتهم، الامر الذي دفعني لاستخدام المنطق العقلي في هذه الدراسة لان ما يتناقض مع العقل هو المستحيل بعينه وهو المرفوض دراية ومن ثم رواية، من دون ما حاجة لسرد اسماء الرواة والمحدثين، وما يتفق مع العقل ينبغي قوله والتسليم به، لان احكام الدين وشرائعة تتكامل ولا تتناقض، وما نعنيه بالعقل هنا هو عرض ادلة المسائل الفرديه علي الادلة الكلية، الجامعة. فاذا كان اللّه تبارك وتعالى:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) «النحل /٩٠»، فلا يعقل ان يامر بطاعة (فاقد العقل)، والا لامر سبحانه بالشيء وضده (العدل - الجور). وهذا محال علي اللّه سبحانه وتعالى.

والى جانب ايماننا بذلك، فاننا نومن بالتكامل في الشريعة الاسلامية الغراء، بمعنى ان قواعد الاسلام العظيم مرتبة بعضها على بعض، فالقرآن الكريم تحدث عدة مرات عن قاعدة (الاصطفاء)، وانها محصورة في الذرية والال( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرَاهِيمَ وَ آلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‌ ) «آل عمران /٣٣». ثم نص سبحانه وتعالى على تحميل هولاء المصطفين الابرار مسوولية

٣٤

هداية البشر، وتعريفها بالحق:( وَ الَّذِي أَوْحَيْنَا الىکَ مِنَ الْکِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) «فاطر/٣١ - ٣٢». وهذه قاعدة عامة لم تشذ عنها امة من الامم، فلماذا تشذ الامة الاسلامية؟( قُلْ مَا کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ) «الاحقاف /٩».

واخيرا: هناك قضية حجية السنة(١) ؟ فالمعارضون لمدرسة اهل البيت(ع)، حينما تضيق بهم السبل يلجاون الى حجة في غآية الغرابه، وهي الدفع بعدم ورود امامة اهل البيت(ع) وخلافتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرآن الكريم، وهو ما لا سبيل الى القبول بمناقشته ونحن نعلم ان حجية السنة المتواترة تماما كحجية الكتاب، فصاحب السنة هو متلقي الوحي من رب السموات والارض ولعنة اللّه على من كذب على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليموه على الناس دينهم، وهذا الكذب هو الذي ادى الى القاء بعض الظلال علي حجية السنة المطهرة، وهي اوامر اللّه ونواهيه التي جاء بها النبي المعصوم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتشكيك في حجية السنة لا يختلف في شيء عن التشكيك في حجية القرآن.

___________________

(١) يعرف علماء أصول الفقه الحجة بأنها: (كل شيء يكشف عن شيء أخر، و يحكي عنه على وجه يكون مثبتا له). أما السنة فهي (قول المعصوم أو فعله أو تقريره)

للتوسع أنظر: أحمد البهادلي: مفتاح الوصول الى علم الأصول٢/٣١.

٣٥

نقول ايضا: ان انتقال النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الرفيق الاعلى عام (١١ه /٦٣٢م) كان من المفترض ان يصاحبه انتقال السلطة والنظرية الى يد امينة قادرة على التعبير عن الامرين وجعل السلطة والقوة في خدمة النظرية وليس العكس ان تكون النظرية في خدمة السلطة فتتشكل النظرية وفقا لقدرات اصحاب السلطة الذهنية والعقلية ولمدى امانتهم في التطبيق، ومن هنا كان عهد النبي الاكرم لعلي سلام اللّه عليه يوم غدير خم بقوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه)(١) ، وقوله يوم سار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى غزوة تبوك وكانت يومها الدولة قائمة: (انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)(٢) .

____________________

(١) هذا الحديث يعرف بحديث الغدير، و قد روي في صحاح أهل السنة بألفاظ متقاربة، و معني واحد أنظر: سنن الترمذي ٢/٢٩٨. مطيعة بولاق-مصر١٢٩٢ه- سنن ابن ماجه ص ١٢. مطيعة حيدر اباد- الدكن١٣٢٤ه- سند احمد بن حنيل ١/٤٨، المطيعة الميمتية- مصر١٣١٣ه- الخصائص للنسائي ص٢٢و ٤٠مطيعة التقدم العلمية- مصر١٣٤٨ه- الإمام و السياسة لابن قتية، ص ٩٣. طباعة الفتوح الأىبية١٣٣١ه.

(٢) روي هذا الحديث في:

-صحيح البخاري (كتاب بده الخلق، باب عزوة تبوك) ٣/١٣٥٩،حديث=

٣٦

ولكن الذي حدث كان غير ذلك، فالخلافة النبوية انتقلت الى من انتقلت اليه براي بعض المسلمين وليس بالنص، واولئك الخلفاء تفاوتت قدراتهم في استيعاب النصوص ومعرفتها ومن ثم تعبيرهم عن النظرية، وان امسكوا بالسلطة في ايديهم، وكانت ثمرة الخلفاء الثلاثة الاول ان انتقال السلطة الى الامام علي(ع) لم يكن انتقالا هادئا ولا مستقرا الى (امام منصوب من اللّه عز وجل) ما اسهم في تفلت خيوط القوة من بين يديه ووصولها غنيمة باردة الى بني امية بقيادة ابن (آكلة الاكباد)(١) ، وهو انتقال رسخ الوضع الاتي:

١ - سلطة لم تستمد قوتها من شرعية آلهيه، وانما من الغصب والعدوان، وهو ما عبر عنه معاوية في خطاب تسلم السلطة: (اني واللّه ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا،

____________________

= ٣٥٠٣،المطيعة الخيرية- مصر١٣٢٠ه.

- صحيح مسلم(كتاب فضائل الصحابة) ٥/٢٣ حديث ٢٤٠٤. طباعة بولاق ١٢٩٠ه.

(١) آكلة الأكباد هي هند بنت عُتبة، أمّ معاوية بنت أبي سفيان سُمّيت بآكلة الأكباد لأنّها بقرت بطن (حمزة) عم النبي و أخرجت كبده و لاكته، و ذلك في معركة(أحد) التي دارت بين المسلمين و مشركي قريش بقيادة أبي سفيان، فجرح الرسول فيها، و قتل عمّه حمزة، و ذلك سنة ٣ه/٦٢٥م.

٣٧

ولا لتزكوا، انكم تفعلون ذلك، وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطاني اللّه ذلك وانتم كارهون).(١)

٢ - نظرية يفترض انها (الاسلام)، ولكنه من الناحية الواقعية (الاسلام الاسير) في ايدي اقوام جعلوا احدى شعائر صلاة الجمعة لعن امير المومنين علي(ع) علي المنابر، وهذه مسالة متواترة ناهيك عن باقي موبقاتهم وجرائمهم.

في ظل هذا الواقع السلطوي، والنظرية الاسلامية التي تتلقى الطعنات صباح مساء من اصحاب السلطة، صيغت نظريات السلطة، ورويت الروايات ودونت الكتب، فكتب الصحاح التي يتحدثون عنها كتبت بعد قرنين من رحيل النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولذا جاءت مدونات هذه الكتب خليطا من النصوص المبتوره عن مواضعها علي الرغم من صحتها، وتلك النصوص المكذوبة علي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتلك النصوص المنتقاة لبعض الاشخاص اصحاب المواقف المتمشية مع اهواء كل النظم الحاكمة الى يومنا هذا. والاهم من هذا وذاك تلك المساحات البيضاء التي تركت

____________________

(١) أبو الفرج الأصفهاني: مقاتل الطالبيّن ص٧٧، ط. الأعملي، بيروت – لبنان (١٤٠٨ه/١٩٨٧م).

و ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة ٤/١٦، ط. دار الهدى الوطنية، بيروت - لبنان (غير المورخ).

٣٨

فارغة ولم يدون شيء بشانها في كتب (الاحاديث) واقتصر تدوينها علي كتب التاريخ، ولذا فاننا سنقوم بتجميع بعض هذه النصوص والتعليق عليها، سعيا لايضاح الحقيقة، والانتصار للحق.

حدود الامامة

يقول الامام علي(ع): (لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل في امرته المومن).(١)

يقول ابن ابي الحديد في شرح النهج: (فاما طريق وجوب الامامة ما هي، فان مشايخنا البصريينرحمهم‌الله يقولون طريق وجوبها الشرع، وقال البغداديون وابو عثمان الجاحظ من البصريين: ان العقل يدل علي وجوب الرئاسة، وهو قول الامامية.

الا ان الوجه الذي منه يوجب اصحابنا الرئاسة غير الوجه الذي توجب منه الامامية الرئاسة، وذاك ان اصحابنا يوجبون الرئاسة علي المكلفين من حيث ان في الرئاسة مصالح دنيويه ودفع مضار دنيوية، والامامية يوجبون الرئاسة من حيث كان في الرئاسة لطف منه وبعد للمكلفين عن مواقعة القبائح العقلية).

وايا كان طريق وجوب الامامة او الامرة فالحقيقة انها واجبه

____________________

(١) كاظم محمدي/محمد دشتي: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، خطبة (٤٠) ص٢٤. دار الأضراء-بيروت(١٤٠٦ه/١٩٨٦م).

٣٩

ولكن هناك تباين حول الوجه الذي يوجب الامامة، هل هو قاصر او مرتكز على حفظ المصالح الدنيوية، ام ان المسالة اعمق واشمل من وانها كما يرى المسلمون الامامية لطف من اللّه وبعد للمكلفين عن ممارسة القبائح العقلية.(١)

وفي اعتقادنا ان طبيعة الرئاسة او الامرة وهل هي معنية اساسا بحفظ المصالح الدنيوية ام انها ينبغي ان تكون اكثر اعتناء بحفظ المصالح الدينية، هذه الطبيعة تفاوتت بتفاوت الامة موضع الرئاسة وطبيعة الرسالة التي تحملها هذه الامة، وبالتالى فان مهام الرئاسة في الامة الاسلامية لا يمكن ان تتشابه مع مهام الرئاسة في الامة الامريكية مثلا( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ کَالْفُجَّارِ ) «ص/٢٨».

ومن هنا فاننا نرى ان طبيعة رئاسة الامة الاسلامية تكتسي وتعنون بالعناوين المدونة في كتاب اللّه وفي سنة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسها، وان المواصفات المطلوبة في امامة الامة الاسلامية هي القدرة على حمل هذه الاعباء، وان اي خلل في قدرات القيادة المسلمة على اداء هذه المهام الجسام تطرح العديد من التساولات حول اهلية هذه القيادة واحقيتها لهذا الدور، ودونكم بعض الامثلة من كتاب اللّه:

____________________

(١) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ٤/١٦.م.س.

٤٠