الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 84

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: د. احمد راسم النفيس
تصنيف: الصفحات: 84
المشاهدات: 35632
تحميل: 5480

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 84 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35632 / تحميل: 5480
الحجم الحجم الحجم
الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وليقتد بالائمة من بعدي فانهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهما وعلما، فويل للمكذبين من امتى القاطعين فيهم صلتى لا أنالهم اللّه شفاعتي).

مناقشه الاحاديث السابقة

حديث الغدير.. اشهر من ان يعرف، رواة معظم اصحاب السنن ان لم نقل كلهم وصححوه، ولقد ذكرنا في الصفحات السابقة موارد ذكر هذا الحديث في صحاح اهل السنة. وواقعه (غدير خم) معروفه الزمان والمكان، حدثت اثناء عوده المسلمين من حج بيت اللّه الحرام فيما عرف بحجة الوداع قبيل موت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقليل، اى في العام العاشر للهجرة الموافق ٦٣١ ميلادي. فاذا كانت الحجة عرفت بانها حجة الوداع فكلمات رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت وصية الوداع من رسول وصفة القرآن:( لَقَدْ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْکُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‌ ) «التوبه/١٢٨»، انها كلمات تحمل اقصى درجة من الاهمية والخطورة بالنسبة لمصير الامة ومستقبلها، هذه الوصية كانت بامر اللّه سبحانه وتعالى وقد جاء في اسباب النزول للنيسابوري وغيره من المفسرين ان قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْکَ مِنْ رَبِّکَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ ) «المائدة/٦٧»، انها نزلت يوم غدير خم، وان

٦١

هذا التبليغ كان امرا حيويا متمما ومكملا للرسالة الاسلامية ككل، والا لما قال القرآن( وان لم تفعل فما بلغت رسالته ) . ما هذا الجزء الذي يكمل الكل فيجعله تاما؟.

توضح كلمات الخطبة هذه المعاني فتقول (الا واني اوشك ان افارقكم واني مسوول). اذن فالرسالة في غآية الاهمية، انها المسوولية امام اللّه عن الثقلين كيف خلفتموني فيهما؟ اول الثقلين او الثقل الاكبر هو كتاب اللّه، اذن القضية قضية منهج وليست قضية عاطفة، انه نبي يوشك ان يفارق امته فيوصيهم لا بالاولاد كما يفعل عوام الناس، ولا بتنمية مآلة، ولكن يوصيهم بالحفاظ علي المنهج، بل ويحدد لهم وسيلة الحفاظ علي هذا المنهج، ان هذا لا يكون الا بمتابعة الثقلين: الكتاب والعترة، اتباع منهج، وقيادة، لا على سبيل العاطفة او المودة فحسب.

فناصر الكتاب واهل البيت ناصر الرسول، وخاذل الكتاب والعترة خاذل للرسول، انها وصية مركزة ومحددة تحدد المنهج، وهو الكتاب او النص وتحدد القيادة وهي قيادة اهل البيت الاقدر على فهم النص وتطبيقه، ومطابقه السلوك مع المنهج، فكيف اذن يمر الناس على هذا الحديث المتواتر مرور الكرام؟! واذا اضطروا لاثبات الفهم لجووا الى تمييع الافهام فيقولون: (ولا ننكر الوصاه بهم) وهل كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حاجة الى ان يجمع المسلمين

٦٢

في هذا الموضع ليوصيهم بذريته وحسب؟، لا نظن هذا. ثم يلجا الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى مزيد من التحديد حينما يطرح ولاية امير المومنين(ع) بصورة واضحة ومحددة فيقول: (من كنت وليه فهذا وليه)(١) . يقول بعض الباحثين: ان هذا الكلام لا يعني ولاية الامر او قيادة الامة وانما يعنى النصرة والمحبة، وهذا كلام عجيب، فماذا كانت تعنى ولاية رسول اللّه للامة؟. الم تكن ولاية التشريع والقيادة (من كنت مولاه فهذا مولاه)(٢) ، انها ولاية من ولاية، انها من نفس الجنس والنوع والمعنى، وليس هناك اى دليل او قرينة لغويه تفصل بين الولايتين، بل علي العكس انها قضية الامتداد تطرح في وقتها الملائم (انى اوشك ان افارقكم - من كنت مولاه فعلي مولاه).

بقى ان نقول ان هناك معنى عظيما في هذا الحديث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، هذا المعنى هو ان هذه القيادة وان غيبت، فانها لا تغيب بل وستبقى حاضرة في دين المسلمين، انها حاضرة حضور الكتاب في دنيا الناس حتى آخر الدنيا، ثم ان هذه القيادة تحتفظ بصوابية

____________________

(١) المصدر السابق، ١/٦٣-٦٤.

(٢) انظر مصادر هذه الأحاديث من كتب و صحاح أهل السنّة في الصفحات السابقة.

٦٣

الكتاب الكريم نفسها، اذ العترة عدل الكتاب ورفيقته في طريق الحق، وحاشا لكليهما من الزيغ والضلال.

ومن عجب ان رواية الترمذي عن خطبة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، وهي رواية تفرد بها تحمل المعنى نفسه بل النص والوصية نفسيهما (تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا، كتاب اللّه وعترتي اهل بيتي)، لقد كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حريصا على ان يكرر الوصية نفسها في مسافة زمنيه متقاربه وفي وسط اكبر عدد من جموع المسلمين اجتمعت في حجة الوداع، ثم كان حديثة في (غدير الجحفه) تفصيلا وتاكيدا لوصيته يوم عرفة، ثم انها فوق كل هذا وصية مودع وصية (رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/١٢٨».

اما (حديث المنزلة) وقد قاله رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قبيل مغادرته المدينة الى غزوة تبوك في رجب من العام التاسع للهجرة، ٦٣٠ ميلادي، وتبوك موضع في شمالي جزيرة العرب، ولما انطلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الغزو، استخلف عليا(ع) على المدينة فكانت هذه الكلمات: (اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي)، فماذا كانت منزلة هارون من موسى؟، فلنقرا القرآن:( وَ وَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَ قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لاَ

٦٤

تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ‌ ) «الاعراف/١٤٢». اذا لقد كانت منزلة هارون من موسى هي منزلة الخلافة على الامة (اخلفني في قومي). ثم نص القرآن على واجبات الخلافة (واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين).

وهل كان اختيار رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للامام علي(ع) لحمل آيات البراءة مجرد مصادفة خاصة، وانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد ارسل غيره حاملا للرسالة ثم نزعها منه واعطاها للامام؟، لقد كانت رسالة البراءة كما يلي: (آيها الناس، انه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو الى مدته). ان هذه المهمة التي ارسل فيها امير المومنين علي(ع) هي من مهام (القيادة العليا) بالتعبير السياسي الحديث، مهمة ابرام المعاهدات او نقضها، مهمة وضع سيادة الدولة الاسلامية في اطارها النهائي، ومن ثم كان اختيار الامام علي لهذه المهمة متلائما مع دوره المقبل في قيادة الامة الاسلامية في المرحلة المقبلة، وانه في هذه اللحظة كان يمثل ما تعارف عليه الناس بمصطلح (النائب الاول)، وهذا المعنى واضح في كلمات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا يودي عني الا انا او رجل من اهل بيتي).

اما حديث السفينة فهو يحمل المعنى نفسه الوارد في حديث

٦٥

الثقلين، انه يربط بين النجاة وبين التمسك بمنهج اهل البيت(ع) وولايتهم: (مثل اهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)، وهل كان ركوب سفينة نوح متاحا للمومن والكافر ام انه كان متاحا للمومنين من الصابرين دون غيرهم من المعاندين؟. انها كانت هدية اللّه لمن آمنوا وصدقوا( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَ فَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ کُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَکَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ مَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ‌ * وَ قَالَ ارْکَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَ مُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) «هود/٤٠ - ٤١»، انها سفينة النجاة تسير بامر اللّه مجراها ومرساها لا باهواء الناس ولا بضحالة علمهم( وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ کَالْجِبَالِ ) «هود/٤٢»، ثم هي بعد ذلك الوسيلة الوحيدة للنجاة من مهالك الدنيا والاخرة.

ويبقى، بعد هذا، حديث مدينة العلم، هذا الحديث الذي شبه فيه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمه بالمدينة التي لا توتى الا من بابها، وبابها هو امير المومنين علي(ع)، ولطالما استعصى علي فهم قوله تعالى:( وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَ لٰکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) «البقره/١٨٩»، هل نزلت هذه الآية لتعالج مشكلة تسلق اسوار البيوت فحسب؟!، ربما، ولكنى لا اظن ان مثل هذه الظاهرة تكفي وحدها لتعطينا مدلولا قاطعا مانعا يمنع انطباق مدلول هذه الآية علي آية قضية اخرى. ان المدلول

٦٦

الاخطر والاهم هو تنظيم آلهيئه الاجتماعية، ووضع القيادة العلمية للامة في موضعها الصحيح، وهو موضع الباب، وعلى كل من يريد الدخول ان يمر عبر الطريق الطبيعي وهو الباب، فاذا لم يكن للمدينة اسوار واصبح الدخول مفتوحا لكل من هب ودب، فان هذا عين الفوضى الاجتماعية والعلمية والاخلاقية، ثم وجدت ضالتي في كلمات الامام علي(ع): (نحن الشعار والاصحاب، والخزنة والابواب، ولا توتى البيوت الا من ابوابها، فمن اتاها من غير ابوابها سمي سارقا)(١) .

الامامة في قريش

١ - روى البخاري ومسلم: (الناس تبع لقريش في هذا الشان مسلمهم لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم)، (الناس تبع لقريش في الخير والشر)، (لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي من الناس اثنان). وروى البخاري عن معاوية بن ابي سفيان، عندما بلغه ان عبداللّه بن عمرو يحدث انه سيكون ملك من قحطان فقال: (بلغني ان رجالا منكم يحدثون احاديث ليست في كتاب اللّه ولا توثر عن رسول اللّه، فاني سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ان هذا الامر في قريش لا يعاديهم احد الا كبه اللّه على وجهة ما اقاموا الدين).

____________________

(١) انظر ص (٥٧) من هذا البحث.

٦٧

٢ - الائمة اثنا عشر كلهم من قريش.. روى البخاري ومسلم: (ان هذا الامر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، (لا يزال الاسلام عزيزا الى اثني عشر خليفة كلهم من قريش).

٣ - هلاك الامة على يدي ائمة قريشيين.. روى البخاري في باب الفتن عن عمرو بن سعيد قال: (اخبرني جدي قال: كنت جالسا مع ابي هريرة في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ومعنا مروان بن الحكم، قال ابو هريرة: سمعت الصادق الصدوق يقول: هلكت امتى على يدي غلمة من قريش. فقال مروان: لعنة اللّه عليهم من غلمة. فقال ابو هريرة: لو شئت ان اقول بني فلان وبني فلان لفعلت. فكنت اخرج مع جدي الى بني مروان حين ملكوا الشام فاذا رآهم غلمانا احداثا قال لنا: عسى هولاء ان يكونوا منهم. قلنا: انت اعلم).

هذه الروايات وردت في اهم كتب الحديث المعتمدة لدى اهل السنة، بعد كتاب اللّه، ويستفاد منها عدة معان:

الف - ان الامامة محصورة في قريش.. امامة الابرار للابرار وامامة الفجار للفجار.

ب -ان الائمة الابرار عددهم اثنا عشر قرشيا.

ج -ان الامامة الحق ليست مباحة لكل قريش، بل هي محرمة

٦٨

على الظالمين منهم، لانه لا يعقل ان تعطى الامامة لمن يهلكون الامة، والرواية الثالثة تحذر منهم.

ان هذه الروايات تحتاج الى دراسة هادئة واعية، فليس من المعقول ان تكون معرفة هولاء الائمة الابرار متروكه للتجربة، واحتمال الصواب والخطا مع ما يترتب علي ترك هذا الامر غامضا من آثار مدمرة وضاره جدا بمجموع المسلمين، فلو كان الناس على يقين من ضلال بعضهم لوجب عليهم عدم توليتهم من الاصل.

الامر الاخر المثير للريبة هو صمت ابي هريرة(١) عن تسمية ائمة الضلال فيقول: (لو شئت لفعلت) ويعلق السندي شارح البخاري على هذه العبارة بقوله: (كان يعرف اسماءهم، وكان ذلك من الجراب الذي لم يبثه). ومعلوم ان القوم يقولون: ان ابا هريرة حفظ عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جرابين من العلم، بث احدهما وكتم الاخر وقال: (لو بحت به لقطع هذا البلعوم)، وهذا اعتراف صريح بان ابا هريرة قد كتم لمصلحة يراها، وهذه المصلحة معروفه على اى حال، انها مصلحة بني امية الذين استخدموه واعطوه من وظائفهم، ومن اموال المسلمين ما جعله يرى مصلحته هي مصلحة

_____________________

(١) للوقوف على ترجمة (أبي هريرة) يراجع:

- أبو هريرة شيخ المضيرة، للشيخ محمود أبو ريّة.

- أبو هريرة، للسيد/عبد الحسين شرف الدين.

٦٩

الناس جميعا. والغريب ان المقريزي روى عن ابي هريرة في كتاب (التنازع والتخاصم) تسمية بني الحكم: (رايت في النوم بني الحكم وبني العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة فما روى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا حتى توفي)، كما روى المقريزي الرواية نفسها عن سعيد بن المسيب: (راي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني امية على منابرهم فساءه ذلك فاوحي اليه انما هي دنيا اعطوها فقرت عينه وهي تفسير قوله تعالى:( وَ إِذْ قُلْنَا لَکَ إِنَّ رَبَّکَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَ مَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً کَبِيراً ) «الاسراء/٦٠» اى بني امية، وقد روى ايضا ان: (رجلا قام الى الحسن بن عليرضي ‌الله‌ عنهما فقال : يا مسود وجه المومنين. فقال: لا تونبني رحمك اللّه فان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد راي بني امية يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت( إِنَّا أَعْطَيْنَاکَ الْکَوْثَرَ ) «الكوثر/١» ونزلت( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَ مَا أَدْرَاکَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) «القدر/١ -٣». يعنى مدة ملك بني امية فحسب ذلك فاذا هو لا يزيد ولا ينقص). كما روى ايضا عن ابي هريرة وابي سعيد الخدرى: (ان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: اذا بلغ بنو العاص اربعين رجلا اتخذوا دين اللّه دخلا وعباد اللّه خولا ومال اللّه دولا).

وعلى الرغم من هذه الروايات جميعها، نجح بنو امية في الاستيلاء على السلطة بعد ثلاثين عاما من وفاه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

٧٠

وضربوا بجميع هذه التحذيرات عرض الحائط وطوله.

وفي الوقت الذي يجهد فيه بعض الكتاب والرواة في تلميع صورة بني امية على الرغم من كل ذلك، فاننا نلاحظ اغفالا متعمدا للكثير من سيره آل البيت(ع)، وهنا نود ان نتوقف امام حدثين من احداث التاريخ الاسلامي المهمة وهما:

الاول.. صلح الامام الحسن بن علي(ع)، مع معاوية بن ابي سفيان

الثاني.. حادثة استشهاد الامام الحسين بن علي(ع) على يد جنود يزيد بن معاوية في كربلاء سنة (٤١ه/٦٦١م).

اولا.. صلح الامام الحسن بن علي(ع) مع معاوية.

روى ابن ابي الحديد في كتابه (شرح نهج البلاغه) عن ابي الفرج الاصفهاني عن سفيان بن ابي ليلي قال: (اتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية، فوجدته بفناء داره، وعنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المومنين. قال: عليك السلام يا سفيان. انزل فنزلت، فعقلت راحلتى ثم اتيته، فجلست اليه، فقال: كيف قلت يا سفيان؟ قلت: السلام عليك يا مذل المومنين. فقال: ما جر هذا منك الينا؟. فقلت: انت واللّه - بابي انت وامي - اذللت رقابنا حين اعطيت هذا الطاغية البيعة، وسلمت الامر الى اللعين ابن اللعين ابن

٧١

آكلة الاكباد، ومعك مائة الف كلهم يموت دونك. وقد جمع اللّه عليك امر الناس.

فقال: يا سفيان، انا اهل بيت اذا علمنا الحق تمسكنا به، وانى سمعت عليا يقول: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لا تذهب الليالي والايام حتى يجمع امر هذه الامة على رجل واسع السرم(١) ضخم البلعوم، ياكل ولا يشبع لا ينظر اللّه اليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الارض ناصر، وانه لمعاوية وانى عرفت ان اللّه بالغ امرة. ثم قال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟. قلت: حبكم، والذي بعث محمدا للهدى ودين الحق. قال: فابشر يا سفيان فانى سمعت عليا يقول: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يرد على الحوض اهل بيتي ومن احبهم من امتي كهاتين، يعنى السبابتين. ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطى، احداهما تفضل على الاخرى، ابشر يا سفيان فان الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث اللّه امام الحق من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٢) .

هذه هي روية الامام الحسن سلام اللّه عليه لتطور الاوضاع

____________________

(١) السرم لغةً: طرف المعي المستقيم و الدّبُر.

(٢) أبو الفرج الأصفهاني: مقاتل الطالبين، ص٦٧ ط. الأعلمي – بيروت ١٤٠٨ه/١٩٨٧م.

و ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ٤/١٦ ط. دار الهدى الوطنية- بيروت- لبنان. غير مؤرّخ.

٧٢

في الامة الاسلامية، وانه سلام اللّه عليه لم يسلم الخلافة لمعاوية لانه يعدة قيادة شرعية واجبة السمع والطاعة، وانما في مواجهة ضرورة قاهرة املتها ضغوطات الواقع وتخاذل المتخاذلين كما املتها معرفته بما ستوول اليه الامور، وان القرار الذي اتخذه بايقاف القتال لم يتحول الى اقرار بشرعية الغصب والعدوان، وها هو يرد على لسان ابن آكلة الاكباد حين خطب خطبته الفاجرة في افتتاح دولته قائلا: (انى واللّه ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، انكم تفعلون ذلك وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطاني اللّه ذلك وانتم كارهون)(١) .

فيرد عليه الامام الحسن(ع): (ان الخليفة من سار بكتاب اللّه وسنة نبيه وليس الخليفة من سار بالجور ذاك رجل ملك ملكا تمتع به قليلا ثم يتنخمه، تنقطع الذمة وتبقى تبعته وان ادري لعله فتنه لكم ومتاع الى حين).

لقد كانت الامة في حاجة الى هذا الخطاب الواعي من امام الحق الذي يشخص الواقع لا ان يصبح جزءا منه ومن ادواته، هذه هي مهمة العلماء، فاذا قام الائمة(ع) والعلماء من بعدهم بواجبهم بقيت التبعه على الذين خذلوا الحق، وايدوا الباطل.

____________________

(١) المصدر نفسه.

٧٣

لماذا اغفل الشيخ البخاري هذه الحقائق ولم يرو شيئا عنها؟.

لماذا لم يرو هولاء القوم شروط صلح الامام الحسن بن علي مع معاوية، وهي شروط تنبه المسلمين انه مهما كانت ضغوط الواقع، وجبروت الفراعنة، فانه لا يمكن اسباغ الشرعية على حكومات الجور والعدوان.

ونقرا هذه الشروط، كما رواها الشيخ الصدوق، قال: (بايع الحسن بن علي، صلوات اللّه عليه، معاوية على ان لا يسميه امير المومنين، ولا يقيم عنده شهادة وعلي ان لا يتعقب على شيعة علي شيئا، وعلي ان يفرق في اولاد من قتل مع ابيه يوم الجمل ويوم صفين الف الف درهم)(١) . انه وضع للقتال وليس تسليما للرقاب

____________________

(١) الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ١/٢١٢. و في ما يلي نورد نص معاهدة الصلح بين الإمام الحسن (ع) و معاوية:

١- تسليم الأمر إلي معاوية، على أن يعمل بكتاب الله، و يستة رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يسيرة الخلفاء الصالحين.

٢- أن يكون الأمر للحسن من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، و ليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد.

٣- أن يترك سبّ أمير المؤمنين و القنوت عليه بالصلاة، و أن لا يُذكر عليّاً الا بالخير.

٤- إستثناء ما في بيت المال الكوفة، و هو خمسة آلاف ألف درهم، =

٧٤

من غير قيد ولا شرط، انه رجل تملك ملكا تمتع به قليلا ثم (يتنخمه) تنقطع الذمة وتبقى التبعة.

____________________

= فلا يشملة تسليم الأمر. و على معاوية أن يحمل إلى الحسن (ع) كل عام ألفى ألف درهم، و أن يفضل بني هاشم في العطاء و الصلاة على بني عبد الشمس، و أن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل و أولاد من قتل معه بصفّين ألف ألف درهم، و أن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد.[و دار أبجرد ولاية بفارس على حدود الأهواز].

٥- على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله، في شامهم، و عراقهم، و حجازهم، و يمنهم، و أن يؤمن الأسود و الأحمر، و أن يتحمل معاوية ما يكون من هفواتهم، و أن لا يتبع أحداً بما مضى، و أن لا يأخذ أهل العراق بأحنة (أي بحقد).

و على أمان أصحاب عليّ حيث كانوا، و أن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، و إن أصحاب علي و شيعته آمنون على أنفسهم و أموالهم و نسائهم و أولادهم، و أن لا يتعقَب عليهم شيئاً، و لا يتعرّض لأحدِ منهم بسوء، و يوصل إلى كل ذي حقُّ حقّه، و على ما أصاب أصحاب عليّ حيث كانوا.

للتفاصيل أنظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص١٩٤.

مقاتل الطالبيين للآصفهاني، ص٢٦.

الإمامة و السياسة لابن قتيبة، ص٢٠٠.

تاريخ الأمم و الملوك للطبري٤/١٢٦. (أحداث سنة إحدى و أربعين).

٧٥

لم يحدثنا التاريخ ان الحسن بن علي(ع) سعي في تثبيت ملك بني امية، وتوعد من خالفهم بالويل والثبور وعظائم الامور، وكيف يعقل ان ينتقل الحال بامام عظيم هو الحسن(ع) من قيادة المواجهة ضد المد الاموي ليصبح ذيلا تابعا في نظام يتخذ من السلطة هدفا لا وسيلة لاقامة العدل، اننى اوقن ان الحديث عن السمع والطاعة في مواجهة هذه الحكومات الجائرة هو خلط مريب للاوراق، وكان الاولي بهولاء الرواة ان يتنزهوا عنه.

ثانيا.. حادثة استشهاد الامام الحسين بن علي

واقعه اخرى هي خروج الامام الحسين(ع)، طالبا اصلاح احوال الامة المسلمة وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، وهو الامر الذي انتهي بشهادته واهل بيته في كربلاء في العاشر من شهر محرم الحرام عام (٦١ه/٦٨٠م). كما هو معروف في جميع كتب التاريخ.

خرج الامام الحسين بن علي بن ابي طالب(ع) مدافعا عن قيم الاسلام الحقيقي الذي حاول تيار الحقد الاموي ان يجرفه في طريقة، لقد عمل الامويون ما في وسعهم لسلب الامة حقها في اختيار من يقودها فتصبح الخلافة ملكا وراثيا، وارادوا ان يسلبوا الامة عزها وكرامتها وشرفها الى الابد ليقودها سكير ينادم القرود ويعطل السنن، ويشرب الخمر.

٧٦

وقد تصدى الامام الحسين(ع) لهذا العب‏ء العظيم قائلا: (مثلي لا يبايع مثله)(١) ، وهذه كلمات ترسخ مبدا عظيما من الناحية الشرعية والدستورية، وهو انه لا ينبغي ان يحكم الامة مثل هولاء الفساق، وواللّه ان الدول غير المسلمة ان تسامحت مع سلوكيات الاشخاص العاديين فانها لا تتسامح اطلاقا مع سلوكيات قادتها، ونحن اولي بالحق منهم.

(نحن اهل البيت اولي بولاية هذا الامر عليكم من هولاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان)، وهذه قاعدة اخرى مكمله لما سبقها ومفادها انه لا يجوز ان يستمر في حكم الامة من عرف بالجور والعدوان.

ثم هو يسند هذه المرة الى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (آيها الناس، ان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من راي سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل في عباد اللّه بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله، الا وان هولاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستاثروا بالفي‏ء واحلوا حرام اللّه،

___________________

(١) بلاغت الحسين لآحمد صابر الهمداني.

٧٧

وحرموا حلآلة وانا احق من غير)(١) ، لماذا لم يرو البخاري ومسلم هذا الحديث عن ابي عبداللّه(ع)؟، هل يشكون في صدقه؟، اليس هذا الحديث احق بالرواية من قصة بيعه ابن عمر لعبد الملك بن مروان؟، ام ان رواية الحسين(ع) - وان صدق - لا تتوافق مع مذهبه ورويته وليذهب الصدق الى الجحيم.

كما روى ابن جرير الطبري ان الامام الحسين بن علي(ع) خطب فقال: (انه قد نزل من الامر ما قد ترون، وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وادبر معروفها واستمرت جدا فلم يبق منها الا صبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، الا ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهي عنه ليرغب المومن في لقاء اللّه محقا فانى لا ارى الموت الا شهادة ولا الحياة مع الظالمين الا برما)(٢) .

اليست هذه الاموال والاعمال مواقف ودروس في السياسة والاخلاق كان الاولي بمصنفي الاحاديث ان يعتنوا بها ويرووها، والا يضعوها فوق الرفوف كانهم لا يعلمون. يروي البخاري ويكثر

___________________

(١) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: تاريخ الأمم و الملوك، ٤/٣٠٤ ط. الأعمي – بيروت( غير مؤرّخ).

(٢) المصدر نفسه ٤/٣٠٥.

٧٨

الرواية عن ابن عمر وابي هريرة ولا يروي شيئا عن آل بيت النبوة اصحاب الكساء الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً ) «الاحزاب/٣٣». وانه لحري بالمسلم الواعي ان يكون دقيقا في ما يقرا من احداث التاريخ، وان يميز بوعي، وبورع، وتقوى بين ائمة الهدى، وبين ائمة الضلال.

١ - ائمة الهدى لهم السمع والطاعة.

٢ - ائمة الهدى لا يامرون بمعصية.

٣ - ائمة الهدى لا يكونون عبيدا لا لغيرهم، ولا لشهواتهم.

٤ - ائمة الهدى لا ياكلون اموال الناس بالباطل.

٥ - ائمة الهدى لا يقتلون الذين يامرون بالقسط والعدل من الناس.

اما ائمة الضلال فلا يتورعون عن ارتكاب الجرائم والمنكرات، ولا حتى عن اختراع ما لم نسمع به من قبل. هذه الفروق نحن في امس الحاجة لتمييزها وتبين معالمها، واذا كان استعراض النصوص السابقة قد كشف لنا عن حالة التخبط التي عانى منها بعض كتاب التاريخ واصحاب الفكر قديما وحديثا في رويتهم لقضية الامامة والسياسة، وهو ما كان عليهم تجنبه، او الخضوع فيه لاهواء الحاكمين من الطغاه في تشويه احداث التاريخ وطمس حق آل بيت الرسول في خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٩

٨٠