الميزان في تفسير القرآن الجزء ٧

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88508 / تحميل: 8139
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

إليه من الاتّفاق على كلمة الحقّ، و أنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم.

قوله تعالى: ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) ظاهره أنّه اُريد به التحزّبات الّتي نشأت بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأدّى ذلك إلى حدوث مذاهب متنوّعة اُلبست لباس العصبيّة و الحميّة الجاهليّة و استتبعت حروباً و مقاتل يستبيح كلّ فريق من غيره كلّ حرمة و يطرده بمزعمته من حرمة الدين و بيضة الإسلام.

و على هذا فقوله:( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ ) إلخ، عذاب واحد لا عذابان و إن أمكن بوجه عدّ كلّ من إلقاء التفرّق في الكلمة و إذاقة البعض بأس بعض عذاباً مستقلّاً برأسه فللتفرقة بين الاُمّة أثر سوء آخر و هو طروّ الضعف و نفاد القوّة و تبعض القدرة لكنّ المأخوذ في الآية المعدود عذاباً أعني قوله:( وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ ) إلخ، حينئذ بالنسبة إلى مجرّد إلقاء الاختلاف بمنزلة المقيّد بالنسبة إلى المطلق، و لا يحسن مقابلة المطلق بالمقيّد إلّا بعناية زائدة في الكلام، على أنّ العطف بواو الجمع يؤيّد ما ذكرناه.

فبالجملة معنى الآية: قل يا رسول الله مخاطباً لهم منذراً لهم عاقبة استنكافهم عن الاجتماع تحت لواء التوحيد و استماع دعوة الحقّ إنّ لشأنكم هذا عاقبة سيّئة في قدرة الله سبحانه أن يأخذكم بها و هو أن يبعث عليكم عذاباً لا مفرّ لكم منه و لا ملاذ تلوذون به و هو العذاب من فوقكم أو من تحت أرجلكم، أو أن يضرب بعضكم ببعض فتكونوا شيعاً و فرقاً مختلفين متنازعين و متحاربين فيذيق بعضكم بأس بعض، ثمّ تمّم البيان بقوله خطاباً لنبيّه:( انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) ، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ) قوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم قريش أو مضر أو عامّة العرب و المستفاد من فحوى بعض كلامه تعالى في موارد اُخر أنّ المراد بقومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم العرب كقوله:( وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى‏ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ، كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ، فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (الشعراء: ٢٠٢) و قوله:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) (إبراهيم: ٤).

١٤١

و كيف كان فقوله:( وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ ) بمنزلة التمهيد لتحقيق النباء الّذي يتضمّنه الإنذار السابق كأنّه قيل: يا أيّتها الاُمّة اجتمعوا في توحيد ربّكم و اتّفقوا في اتّباع كلمة الحقّ و إلّا فلا مؤمن يؤمّنكم عذاباً يأتيكم من فوق أو من تحت أو من اختلاف و تحزّب يستتبع سيفاً و سوطاً من بعضكم على بعض، ثمّ خوطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقيل: إنّ قومك كذّبوا بذلك فليستعدّوا لعذاب بئيس أو بأس شديد يذوقونه.

و من هنا يظهر أوّلاً: أنّ الضمير في قوله:( وَ كَذَّبَ بِهِ ) راجع إلى العذاب كما نسبه الآلوسيّ إلى غالب المفسّرين، و ربّما قيل: إنّه عائد إلى تصريف الآيات أو إلى القرآن و هو بعيد، و ليس من البعيد أن يرجع إلى النبأ باعتبار ما تشتمل عليه الآية السابقة.

و ثانياً: أنّ هذا الخبر أعني قوله:( وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ ) بحسب ما يعطيه المقام في معنى ذكر أوّل خبر يمهّد الطريق لنباء موعود كأنّه قيل: يجب على اُمّتك أن يجتمعوا على الإيمان بالله و آياته و يكونوا على تحرّز و تحذّر من أن يتسرّب إليهم الكفر بالله و آياته و يدبّ فيهم اختلاف حتّى لا ينزل عليهم عذاب الله سبحانه ثمّ قيل: إنّ قومك من بين جميع اُمّتك و من عاصرك أو جاء من بعدك من أهل الدنيا بادروا إلى نقض ما كان يجب عليهم أن يبرموه و كذّبوا النبأ فانثلم بذلك الأمر فسوف يعلمون ذلك أنّ المكذّبين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو للقرآن أو لهذا العذاب ليسوا هم الأعراب خاصّة و هم قومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل كذّبته اليهود و اُمم من غيرهم في زمانه و بعده و كان تكذيبهم و اختلافهم جميعاً ذا أثر مثبت في ما هدّدوا به من العذاب فتخصيص تكذيب قومه بالذكر و الحال هذه يفيد ما ذكرناه.

و البحث التحليليّ عن نفسيّة المجتمع الإسلاميّ يؤيّد هذا الّذي استفدناه من الآية فإنّ ما ابتليت به الاُمّة الإسلاميّة اليوم من الانحطاط في نفسيّتهم و الوهن في قوّتهم و التشتّت في كلمتهم ينتهي بحسب التحليل إلى ما نشأت من الاختلافات و المشاجرات في الصدر الأوّل بعد رحلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ يصعد ذلك إلى حوادث أوّل الهجرة و قبل الهجرة ممّا لقيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قومه، و ما جبّهوه به من التكذيب و تسفيه الرأي.

١٤٢

و هؤلاء و إن تجمّعوا حول راية الدعوة الإسلاميّة و استظلّوا بظلّها بعد ما ظهرت كلمة الحقّ و أنارت مشعلته لكنّ المجتمع الطيّب الدينيّ لم يصف من خبث النفاق، و قد نطقت آيات جمّة من القرآن الكريم بذلك، و كان أهل النفاق لا يستهان بعددهم و من المحال أن يسلم بنية المجتمع من سيّئ أثرهم في نفسيّة أجزائه و لم يقدّر على هضمهم هضماً تامّاً يحيلهم إلى أعضاء صالحة في المجتمع مدى حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لم يمكث وقودهم دون أن اشتعل ثمّ زاد اشتعالاً و لم يزل، و الجميع يرجع إلى ما بدأ منه، و كلّ الصيد في جوف الفراء.

و ثالثاً: أنّ قوله تعالى:( قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ) مسوق سوق الكناية أي أعرض عنهم و قل: إنّ أمركم غير مفوّض إليّ و لا محمول عليّ حتّى أمنعكم من هذا التكذيب نصيحة لكم، و إنّما الّذي إلي بحسب مقامي أن اُنذركم عذاباً شديداً هو كمين لكم.

و من هنا يظهر أيضاً: أنّ قوله:( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) من مقول القول و تتمّة قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقومه كما يؤيّده الخطاب في قوله:( وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) فإنّ القوم إنّما هم في موقف الخطاب بالنسبة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا بالنسبة إليه تعالى.

و قوله:( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) تصريح بالتهديد و إنباء عن الوقوع الحتميّ و قد ظهر ممّا تقدّم وجه صحّة خطاب المشركين بما سيبتلى به الاُمّة الإسلاميّة من تفرّق الكلمة و نزول الشدّة فإنّ الأعراق تنتهي إليهم و ليس الناس إلّا اُمّة واحدة يؤخذ آخرهم بما اكتسبه أوّلهم و يعود إلى أوّلهم ما يظهر في آخرهم علموا ذلك أو جهلوا، أبصروا من أنفسهم ذلك أو عموا قال تعالى:( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ، فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى‏ وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ ) (الدخان: ١٥).

تدبّر في الآيات كيف أخذ آخرهم بما أجرمه أوّلهم أو هي في عداد ما تقدّم

١٤٣

نقله من آيات سورة يونس و الأنبياء و الروم، و في القرآن الشريف شي‏ء كثير من الآيات المنبئة عمّا سيوافي الاُمّة من وخيم العاقبة و وبال السيّئة ثمّ إدراك العناية الإلهيّة و من أسوء التقصير إهمال الباحثين منّا أمر البحث في هذه الآيات الكريمة على كثرتها و أهمّيّتها و شدّة مساسها بحال الاُمّة و سعادة جدّها في دنياها و آخرتها.

قوله تعالى: ( وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) ذكر الراغب في المفردات، أنّ الخوض هو الشروع في الماء و المرور فيه، و يستعار في الاُمور، و أكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذمّ الشروع فيه، انتهى. و هو الدخول في باطل الحديث و التوغّل فيه كذكر الآيات الحقّة و الاستهزاء بها و الإطالة في ذلك.

و المراد بالإعراض عدم مشاركتهم فيما يخوضون فيه كالقيام عنهم و الخروج من بينهم أو ما يشابه ذلك ممّا يتحقّق به عدم المشاركة، و تقييد النهي بقوله:( حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ‏ ) للدلالة على أنّ المنهيّ عنه ليس مطلق مجالستهم و القعود معهم، و لو كان لغرض حقّ، و إنّما المنهيّ عنه مجالستهم ما داموا مشتغلين بالخوض في آيات الله سبحانه.

و من هنا يظهر أنّ في الكلام نوعاً من إيجاز الحذف فإنّ تقدير الكلام: و إذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا يخوضون فيها فأعرض عنهم إلخ، فحذفت الجملة المماثلة للصلة استغناءً بها عنها، و المعنى - و الله أعلم - و إذا رأيت أهل الخوض و الاستهزاء بآيات الله يجرون على خوضهم و استهزائهم بالآيات الإلهيّة فأعرض عنهم و لا تدخل في حلقهم حتّى يخوضوا في حديث غيره فإذا دخلوا في حديث غيره فلا مانع يمنعك من مجالستهم، و الكلام و إن وقع في سياق الاحتجاج على المشركين لكنّ ما اُشير إليه من الملاك يعمّمه فيشمل غيرهم كما يشملهم، و قد وقع في آخر الآية قوله:( فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‏ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فالخوض في آيات الله ظلم و الآية إنّما نهت عن مشاركة الظالمين في ظلمهم، و قد ورد في مورد آخر من كلامه تعالى:( إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) (النساء: ١٤٠).

فقد تبيّن: أنّ الآية لا تأمر بالإعراض عن الخائضين في آيات الله تعالى بل

١٤٤

إنّما تأمر بالإعراض عنهم إذا كانوا يخوضون في آيات الله ما داموا مشتغلين به.

و الضمير في قوله:( غَيْرِهِ ) راجع إلى الحديث الّذي يخاض فيه في آيات الله باعتبار أنّه خوض و قد نهي عن الخوض في الآية.

قوله تعالى: ( وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‏ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) و( إِمَّا ) في قوله:( إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ ) زائد يفيد نوعاً من التأكيد أو التقليل و النون للتأكيد، و الأصل و إن ينسك، و الكلام في مقام التأكيد و التشديد للنهي أي حتّى لو غفلت عن نهينا بما أنساكه الشيطان ثمّ ذكرت فلا تهاون في القيام عنهم و لا تلبث دون أن تقوم عنهم فإنّ الّذين يتّقون ليس لهم أيّ مشاركة للخائضين اللاعبين بآيات الله المستهزئين بها.

و الخطاب في الآية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المقصود غيره من الاُمّة فقد تقدّم في البحث عن عصمة الأنبياءعليهم‌السلام ما ينفي وقوع هذا النوع من النسيان - و هو نسيان حكم إلهيّ و مخالفته عملاً بحيث يمكن الاحتجاج بفعله على غيره و التمسّك به نفسه - عنهمعليهم‌السلام .

و يؤيّد ذلك عطف الكلام في الآية التالية إلى المتّقين من الاُمّة حيث يقول:( وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) إلى آخر الآية.

و أوضح منها دلالة قوله تعالى في سورة النساء:( وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) (النساء: ١٤٠) فإنّ المراد في الآية و هي مدنيّة بالحكم الّذي نزّل في الكتاب هو ما في هذه الآية من سورة الأنعام و هي مكّيّة و لا آية غيرها، و هي تذكر أنّ الحكم النازل سابقاً وجّه به إلى المؤمنين، و لازمه أن يكون الخطاب الّذي في قوله:( وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا ) إلخ موجّهاً إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المقصود به غيره على حدّ قولهم: إيّاك أعني و اسمعي يا جارة.

قوله تعالى: ( وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) إلى آخر الآية.

١٤٥

يريد أنّ الّذي يكتسبه هؤلاء الخائضون من الإثم لا يحمل إلّا على أنفسهم و لا يتعدّاهم إلى غيرهم إلّا أن يماثلوهم و يشاركوهم في العمل أو يرضوا بعملهم فلا يحاسب بعمل إلّا عامله و لكن نذكّرهم ذكرى لعلّهم يتّقون فإنّ الإنسان إذا حضر مجلسهم و إن أمكنه أن لا يجاريهم فيما يخوضون و لا يرضى بقلبه بعملهم و أمكن أن لا يعدّ حضوره عندهم إعانة لهم على ظلمهم تأييداً لهم في قولهم لكن مشاهدة الخلاف و معاينة المعصية تهوّن أمر المعصية عند النفس و تصغّر الخطيئة في عين المشاهد المعاين، و إذا هان أمرها أوشك أن يقع الإنسان فيها فإنّ للنفس في كلّ معصية هوى و من الواجب على المتّقي بما عنده من التقوى و الورع عن محارم الله أن يجتنب مخالطة أهل الهتك و الاجتراء على الله كما يجب على المبتلين بذلك الخائضين في آيات الله لئلّا تهون عليه الجرأة على الله و آياته فتقرّبه ذلك من المعصية فيشرف على الهلكة، و من يحم حول الحمى أوشك أن يقع فيه.

و من هذا البيان يظهر أوّلاً: أنّ نفي الاشتراك في الحساب مع الخائضين عن الّذين يتّقون فحسب مع أنّ غير العامل لا يشارك العامل في جزاء عمله إنّما هو للإيماء إلى أنّ من شاركهم في مجلسهم و قعد إليهم لا يؤمن من مشاركتهم في جزاء عملهم و المؤاخذة بما يؤاخذون به، فالكلام في تقدير قولنا: و ما على غير الخائضين من حسابهم من شي‏ء إذا كانوا يتّقون الخوض معهم و لكن إنّما ننهاهم عن القعود معهم ليستمرّوا على تقواهم من الخوض أو ليتمّ لهم التقوى و الورع عن محارم الله سبحانه.

و ثانياً: أنّ المراد بالتقوى في قوله:( وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ ) التقوى العامّ و هو الاجتناب و التوقّي عن مطلق ما لا يرتضيه الله تعالى، و في قوله:( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) التقوى من خصوص معصية الخوض في آيات الله، أو المراد بالتقوى الأوّل أصل التقوى و بالثاني تمامه، أو الأوّل إجمال التقوى و الثاني تفصيله بفعليّة الانطباق على كلّ مورد و منها مورد الخوض في آيات الله، و ههنا معنى آخر و هو أن يكون المراد بالأوّل تقوى المؤمنين و بالتقوى الثاني تقوى الخائضين و تقدير الكلام و لكن ذكّروا الخائضين ذكرى لعلّهم يتّقون الخوض.

و ثالثاً: أنّ قوله: ذكرى مفعول مطلق لفعل مقدّر و التقدير و لكن نذكّرهم

١٤٦

بذلك ذكرى أو ذكّروهم ذكرى أو خبر لمبتدء محذوف و التقدير: و لكن هذا الأمر ذكرى أو مبتدء لخبر محذوف و التقدير: و لكن عليك ذكراهم و أوسط الوجوه أسبقها إلى الذهن.

قوله تعالى: ( وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً ) إلى آخر الآية، قال الراغب: البسل ضمّ الشي‏ء و منعه و لتضمّنه لمعنى الضمّ أستعير لتقطيب الوجه فقيل: هو باسل و مبتسل الوجه، و لتضمّنه لمعنى المنع قيل للمحرّم و المرتهن بسل، و قوله تعالى:( وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ ) ، أي تحرّم الثواب، و الفرق بين الحرام و البسل أنّ الحرام عامّ فيما كان ممنوعاً منه بالحكم و القهر، و البسل هو المنوع منه بالقهر قال عزّوجلّ:( أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا ) أي حرّموا الثواب، انتهى.

و قال في المجمع، يقال: أبسلته بجريرته أي أسلمته، و المستبسل المستسلم الّذي يعلم أنّه لا يقدر على التخلّص - إلى أن قال - قال الأخفش: تبسل أي تجازى، و قيل: تبسل أي ترهن و المعاني متقاربة، انتهى.

و المعنى:( و اترك الذين اتخذوا دينهم لعبا و لهوا) عدّ تديّنهم بما يدعوهم إليه هوى أنفسهم لعباً و تلهّياً بدينهم، و فيه فرض دين حقّ لهم و هو الّذي دعتهم إليه فطرتهم فكان يجب عليهم أن يأخذوا به أخذ جدّ و يتحرّزوا به عن الخلط و التحريف و لكنّهم اتّخذوه لعباً و لهواً يقلّبونه كيف شاءوا من حال إلى حال و يحوّلونه حسب ما يأمرهم به هوى أنفسهم من صورة إلى صورة.

ثمّ عطف على اتّخاذهم الدين لعباً و لهواً قوله:( وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) لما بينهما من الملازمة لأنّ الاسترسال في التمتّع من لذائذ الحياة المادّيّة و الجدّ في اقتنائها يوجب الإعراض عن الجدّ في الدين الحقّ و الهزل و اللّعب به.

ثمّ قال:( وَ ذَكِّرْ بِهِ ) أي بالقرآن حذراً من أن تبسل أي تمنع نفس بسبب ما كسبت من السيّئات أو تسلم نفس مع ما كسبت للمؤاخذة و العقاب، و تلك نفس ليس لها من دون الله وليّ و لا شفيع و إن تعدل كلّ عدل و تفد كلّ فدية لا يؤخذ منها لأنّ اليوم يوم الجزاء بالأعمال لا يوم البيع و الشري اُولئك الّذين اُبسلوا و منعوا من ثواب الله أو أسلموا

١٤٧

لعقابه لهم شراب من حميم و عذاب أليم بما كانوا يكفرون.

قوله تعالى: ( قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا ) احتجاج على المشركين بنحو الاستفهام الإنكاريّ، و إنّما ذكر من أوصاف شركائهم كونها لا تنفع و لا تضرّ لأنّ اتّخاذ الآلهة - كما تقدّم - كان مبنيّاً على أحد الأساسين: الرجاء و الخوف و إذ كانت الشركاء لا تنفع و لا تضرّ فلا موجب لدعائها و عبادتها و التقرّب منها.

قوله تعالى: ( وَ نُرَدُّ عَلى‏ أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ - إلى قوله -ائْتِنا ) الاستهواء طلب الهوىّ و السقوط، و الردّ على الأعقاب كناية عن الضلال و ترك الهدى فإنّ لازم الهداية الحقّة الوقوع في مستقيم الصراط و الشروع في السير فيه فالارتداد على الأعقاب ترك السير في الصراط و العود إلى ما خلّف من المسير و هو الضلال، و لذا قال: و نردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله فقيّد الردّ بكونه بعد الهداية الإلهيّة.

و من عجيب الاستدلال احتجاج بعض بهذه الآية أعني قوله:( وَ نُرَدُّ عَلى‏ أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ ) الآية و ما يجري مجراها من الآيات كقول شعيبعليه‌السلام على ما حكاه الله تعالى في قصّته بقوله:( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَ وَ لَوْ كُنَّا كارِهِينَ، قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا ) (الأعراف: ٨٩).

فقد احتجّوا بها على أنّ الأنبياءعليهم‌السلام كانوا قبل البعثة و التلبّس بلباس النبوّة على الكفر لما في لفظ الردّ على الأعقاب بعد إذ هدى الله، و العودة في ملّة الشرك بعد إذ نجّاهم الله منها من الدلالة على كونهم منتحلين بها واقعين فيها قبل النجاة و هو احتجاج فاسد فإنّ ذلك تكلّم منهم بلسان المجتمع الدينيّ الّذي كانت أفراده على الشرك حتّى هداهم الله بواسطة أنبيائه و لسنا نعني أنّ غلبة الأفراد الّذين كانوا على الشرك في أوّل عهدهم سوّغ أن ينسب كفرهم السابق إلى الجميع حتّى يكون تغليباً لشركهم على إيمان نبيّهم فإنّ كلامه الحقّ لا يحتمل ذلك بل نعني أنّ مجتمع الدين الشامل للنبيّ و اُمّته صدق عليه أنّ أفراده إنّما نجوا من الشرك بعد هداية الله سبحانه إيّاهم و ليس لهم من

١٤٨

دونه إلّا الضلال أمّا الاُمّة فإنّهم كانوا على الشرك في زمان قبل زمان اهتدائهم بالدين، و أمّا أنبياؤهم فإنّما اهتداؤهم بالله سبحانه، و ليس لهم من أنفسهم لو لا الهداية الإلهيّة إلّا الضلال فإنّ غيره تعالى لا يملك لنفسه ضرّاً و لا نفعاً فمن الصادق في حقّهم أن ليس لهم أن يرتدّوا على أعقابهم بعد إذ هداهم الله أو يعودوا إلى الشرك بعد إذ نجّاهم الله منه.

و بالجملة الكلمة صادقة عليهم بنحو الحقيقة و إن لم يكن بعض مجتمعهم و هو النبيّ الّذي فيهم كافراً قبل نبوّته فإنّ الإيمان و الاهتداء على أيّ حال لهم من الله سبحانه بعد الحال الّذي لهم من أنفسهم و حالهم من أنفسهم هو الضلال كما عرفت.

على أنّك قد عرفت فيما تقدّم من البحث المتنوّع في عصمة الأنبياء أنّ القرآن الشريف ناصّ على طهارة ساحتهم عن أصغر المعاصي الصغيرة فكيف بالكبيرة و بأكبر الكبائر الّذي هو الشرك بالله العظيم.

و قوله:( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ ) إلخ تمثيل مثّل به حال الإنسان المتحيّر الّذي لم يؤت بصيرة في أمره و عزيمة راسخة على سعادته فترك أحسن طريق و أقومه إلى مقصده، و قد ركبه قبله أصحاب له مهتدون به و بقي متحيّراً بين شياطين يدعونه إلى الردى و الهلاك، و أصحاب له مهتدين قد نزلوا في منازلهم أو أشرفوا على الوصول يدعونه إلى الهدى أن ائتنا فلا يدري ما يفعل و هو بين مهبط و مستوى؟.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى‏ ) إلى آخر الآية. أي إن كان الأمر دائراً بين دعوة الله سبحانه و هي الّتي توافق الفطرة و تسمّيه الفطرة هدى الله، و بين دعوة الشياطين و هي الّتي فيها الهوى و اتّخاذ الدين لعباً و لهواً فهدى الله هو الهدى الحقيقيّ دون غيره.

أمّا أنّ ما يوافق دعوة الفطرة هو هدى الله فلا شكّ يعتريه لأنّ حق الهداية هو الّذي ينطق به الصنع و الإيجاد الّذي ليس إلّا لله و لا نروم شيئاً من دين أو اعتقاد إلّا لابتغاء مطابقة الواقع و الواقع لله فلا يعدوه هداه، و أمّا أنّ هدى الله هو الهدى الحقيقيّ الّذي يجب أن يؤخذ به دون الدعوة الشيطانيّة فظاهر أيضاً لأنّ الله سبحانه هو الّذي إليه

١٤٩

أمرنا كلّه من جهة مبدئنا و منتهانا و ما نحتاج إليه في دنيا أو آخرة.

و قوله:( وَ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) قال في المجمع: تقول العرب: أمرتك لتفعل و أمرتك أن تفعل و أمرتك بأن تفعل فمن قال: أمرتك بأن تفعل فالباء للإلصاق و المعنى وقع الأمر بهذا الفعل، و من قال: أمرتك أن تفعل حذف الجارّ، و من قال: أمرتك لتفعل فالمعنى أمرتك للفعل، و قال الزجّاج: التقدير اُمرنا كي نسلم.

و الجملة أعني قوله:( وَ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ ) إلخ، عطف تفسير لقوله:( إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى‏ ) فالأمر بالإسلام هو مصداق لهدى الله، و المعنى: أمرنا الله لنسلم له و إنّما أبهم فاعل الفعل ليكون تمهيداً لوضع قوله:( لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) موضع الضمير فيدلّ به على علّة الأمر فالمعنى اُمرنا من ناحية الغيب أن نسلم لله لأنّه ربّ العالمين جميعاً ليس لها جميعاً أو لكلّ بعض منها - كما تزعمه الوثنيّة - ربّ آخر و لا أرباب اُخر.

و ظاهر الآية أنّ المراد بالإسلام هو تسليم عامّة الاُمور إليه تعالى لا مجرّد التشهّد بالشهادتين، و هو ظاهر قوله:( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ) (آل عمران: ١٩) كما مرّ في تفسير الآية.

قوله تعالى: ( وَ أَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ اتَّقُوهُ ) تفنّن في سرد الكلام بأخذ الأمر بمعنى القول و الجري في مجرى هذه العناية كأنّه قيل: و قيل لنا: أن أسلموا لربّ العالمين و أن أقيموا الصلاة و اتّقوه.

و قد أجمل تفاصيل الأعمال الدينيّة ثانياً في قوله:( وَ اتَّقُوهُ ) غير أنّه صرّح من بينها باسم الصلاة تعظيماً لأمرها و اعتناءً بشأنها و اهتمام القرآن الشريف بأمر الصلاة ظاهر لا شكّ فيه.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) فمن الواجب أن يسلم له و يتّقى لأنّ الرجوع إليه، و الحساب و الجزاء بيده.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) إلى آخر الآية. بضعة أسماء و أوصاف له سبحانه مذكورة اُريد بذكرها بيان ما تقدّم من القول و تعليله فإنّه تعالى ذكر أنّ الهدى هداه ثمّ فسرّه نوع تفسير بالإسلام له و الصلاة و التقوى و هو

١٥٠

تمام الدين ثمّ بيّن السبب في كون هداه هو الهدى الّذي لا يجوز التجافي عنه و هو أنّ حشر الجميع إليه ثمّ بيّنه أتمّ بيان بقوله:( وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) إلخ، فهذه أسماء و نعوت له تعالى لو انتفى واحد منها لم يتمّ البيان.

فقوله:( هُوَ الَّذِي خَلَقَ ) إلخ، يريد به أنّ الخلقة جميعاً فعله و إنّما أتى به بالحقّ لا بالباطل، و الفعل إذا لم يكن باطلاً لم يكن مندوحة من ثبوت الغاية له فللخلقة غاية و هو الرجوع إليه تعالى و هذا هو إحدى الحجّتين اللّتين ذكرهما في قوله عزّ من قائل( وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) إلى آخر الآيتين: ( ص: ٢٧) فخلقة السماوات و الأرض بخلقة حقّة تؤدّي إلى أنّ الخلق يحشرون إليه.

و قوله:( يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ) السياق يدلّ على أنّ المراد بالمقول له هو يوم الحشر و إن كان كلّ موجود مخلوق على هذه الصفة كما قال تعالى:( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (يس: ٨٢) و يوم ظرف متعلّق بالقول و المعنى: يوم يقول ليوم القيامة: كن فيكون، و ربّما قيل: إنّ المقول له هو الشي‏ء و التقدير: يوم يقول لشي‏ء كن فيكون، و ما ذكرناه أوفق للسياق.

و قوله:( قَوْلُهُ الْحَقُّ ) تعليل علّلت به الجملة الّتي قبله، و الدليل عليه فصل الجملة، و الحقّ هو الثابت بحقيقة معنى الثبوت و هو الوجود الخارجيّ و الكون العينيّ و إذ كان قوله هو فعله و إيجاده كما يدلّ عليه قوله:( وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ) فقوله تعالى هو نفس الحقّ فلا مردّ له و لا مبدّل لكلماته قال تعالى:( وَ الْحَقَّ أَقُولُ ) (ص: ٨٤).

قوله تعالى: ( وَ لَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) يريد به يوم القيامة قال تعالى:( يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى‏ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) (المؤمن: ١٦) و المراد بثبوت الملك له تعالى يوم النفخ مع أنّ له الملك دائماً إنّما هو ظهور ذلك بتقطّع الأسباب و انبتات الروابط و الأنساب و قد تقدّم شذور من البحث في ذلك فيما تقدّم و سيجي‏ء استيفاء البحث عنه و عن معنى الصور في الموضع المناسب لذلك إن شاء الله تعالى.

و قوله:( عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ) قد تقدّم معناه، و هو اسم يتقوّم بمعناه الحساب و

١٥١

الجزاء، و كذلك الاسمان: الحكيم و الخبير فهو تعالى بعلمه بالغيب و الشهادة يعلم ظاهر الأشياء و باطنها فلا يخفى عليه ظاهر لظهوره و لا باطن لبطونه، و بحكمته يتقن تدبير الخليقة و يميّز الواجب من الجزاء كما ينبغي فلا يظلم و لا يجازف، و بخبرته لا يفوت عنه دقيق لدقّته و لا جليل لجلالته.

فهذه الأسماء و النعوت تبيّن بأتمّ البيان أنّ الجميع محشورون إليه و أنّ هداه هو الهدى و دين الفطرة الّذي أمر به هو الدين الحقّ فإنّه تعالى خلق العالم لغاية مطلوبة أرادها منه و هو الرجوع إليه، و إذ كان يريدها فسيقول لها كن فيكون لأنّ قوله حقّ لا مردّ له، و يظهر اليوم أنّ الملك له لا سلطنة لشي‏ء غيره على شي‏ء، و عند ذلك يتميّز بتمييزه من أطاعه ممّن عصاه لأنّه يعلم كلّ غيب و شهادة عن حكمة و خبرة.

و قد بان ممّا تقدّم أوّلاً: أنّ قوله:( بِالْحَقِّ ) اُريد به أنّ خلق السماوات و الأرض خلق حقّ أي إنّ الحقّ وصفه، و قد تقدّم قريباً معنى كون فعله و قوله تعالى حقّاً، و أمّا ما قيل: إنّ المعنى خلق السماوات و الأرض بالقول الحقّ فبعيد.

و ثانياً: أنّ ظاهر قوله:( وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ) بدلالة السياق بيان لأمر يوم القيامة و إن كان الأمر في خلق جميع الأشياء على هذه الطريقة.

و ثالثاً: أنّ اختصاص نفخ الصور من بين أوصاف القيامة بالذكر في قوله:( وَ لَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) للإشارة إلى معنى الإحضار العامّ الّذي هو المناسب لبيان قوله في ذيل الآية السابقة:( وَ هُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) فإنّ الحشر هو إخراج الناس و تسييرهم مجتمعين بنوع من الإزعاج، و الصور إنّما ينفخ فيه لاجتماع أفراد العسكر لأمر يهمّهم، و لذلك ينفخ الصور أعني النفخة الثانية يوم القيامة ليحضروا عرصة المحشر لفصل القضاء قال تعالى:( وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ - إلى أن قال -إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (يس: ٥٤).

و ليس اليوم في الموضعين بمعنى واحد فاليوم الأوّل اُريد به مطلق الظرف كالظرف ليوم القيامة بنوع من العناية الكلاميّة كقولنا: يوم خلق الله الحركة و حين خلق الله

١٥٢

الأيّام و الليالي و إنّما اليوم من فروع الحركة متفرّع عليه، و الحين هو اليوم و الليل، و المراد باليوم الثاني نفس يوم القيامة.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( يَقُصُّ الْحَقَّ ) الآية أخرج الدارقطنيّ في الإفراد و ابن مردويه عن اُبيّ بن كعب قال: أقرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً:( يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ ) .

و فيه، في قوله تعالى:( وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ ) الآية، أخرج أحمد و البخاريّ و حشيش بن أصرم في الاستقامة و ابن أبي حاتم و أبوالشيخ و ابن مردويه عن ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلّا الله: لا يعلم ما في غد إلّا الله، و لا يعلم متى تغيض الأرحام إلّا الله، و لا يعلم متى يأتي المطر أحد إلّا الله، و لا تدري نفس بأيّ أرض تموت إلّا الله و، لا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلّا الله تبارك و تعالى.

أقول: و لا ينبغي أن تعدّ الرواية على تقدير صحّتها منافية لما تقدّم من عموم الآية لأنّ العدد لا مفهوم له، و ما في الرواية من المفاتيح يجمعها العلم بالحوادث قبل حدوثها، و للغيب مصاديق اُخر غير الخمس بدلالة من نفس الآية.

و فيه، أخرج الخطيب في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما من زرع على وجه الأرض و لا ثمار على أشجار إلّا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم هذا رزق فلان ابن فلان، و ذلك قوله تعالى:( وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) .

أقول: و الرواية على ضعف سندها لا ينطبق مضمونها على الآية ذاك الانطباق.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي الربيع الشاميّ قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله:( وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها - إلى قوله -إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) ، قال: الورقة السقط، و

١٥٣

الحبّة الولد، و ظلمات الأرض الأرحام و الرطب ما يحيى، و اليابس ما يغيض، و كلّ ذلك في كتاب مبين.

أقول: و رواه أيضاً الكلينيّ و الصدوق عن أبي الربيع عنه، و القمّيّ مرسلاً و الرواية لا تنطبق على ظاهر الآية، و نظيرتها رواية اُخرى رواها العيّاشيّ عن الحسين بن سعيد عن أبي الحسنعليه‌السلام .

و في المجمع في قوله تعالى:( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى‏ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ) قال: السلاطين الظلمة( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) العبيد السوء و من لا خير فيه قال: و هو المرويّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و قال في قوله تعالى:( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ) قيل: عنى به يضرب بعضكم ببعض بما يلقيه بينكم من العداوة و العصبيّة و هو المرويّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، و قال في قوله:( وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) قيل: هو سوء الجوار و هو المرويّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و في تفسير القمّيّ: و قوله:( يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ) قال: السلطان الجائر( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) قال: السفلة و من لا خير فيه( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ) قال: العصبية( وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) قال سوء الجوار.

قال القمّيّ: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( هُوَ الْقادِرُ عَلى‏ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ) قال: هو الدخان و الصيحة( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) قال: قال: و هو الخسف( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ) و هو اختلاف في الدين و طعن بعضكم على بعض( وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) و هو أن يقتل بعضكم بعضاً فكلّ هذا في أهل القبلة يقول الله:( انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج عبدالرزّاق و عبد بن حميد و البخاريّ و الترمذيّ و النسائيّ و نعيم بن حمّاد في الفتن و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن حبّان و أبوالشيخ و ابن مردويه و البيهقيّ في الأسماء و الصفات عن جابر بن عبدالله قال: لمّا نزلت هذه الآية( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى‏ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعوذ بوجهك( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) قال: أعوذ بوجهك( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ )

١٥٤

قال: هذا أهون أو أيسر.

أقول: و روي أيضاً ما يقرب منه عن ابن مردويه عن جابر.

و فيه: أخرج أحمد و الترمذيّ و حسّنه و نعيم بن حمّاد في الفتن و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن سعد بن أبي وقّاص عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في هذه الآية:( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى‏ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمّا إنّها كائنة و لم يأت تأويلها بعد.

أقول: و هناك روايات كثيرة مرويّة من طرق أهل السنّة و روايات اُخرى من طرق الشيعة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ ما أوعده الله في الآية من العذاب النازل من فوقهم و من تحت أرجلهم أعني الصيحة و الخسف سيقع على هذه الاُمّة، و أمّا لبسهم شيعاً و إذاقة بعضهم بأس بعض فوقوعه مفروغ عنه.

و قد روى السيوطيّ في الدرّ المنثور، و ابن كثير في تفسيره أخباراً كثيرة دالّة على أنّه لمّا نزلت الآية:( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى‏ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ ) إلى آخرها استعاذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ربّه و دعاه أن لا يعذّب اُمّته بما أوعدهم من أنواع العذاب فأجابه ربّه إلى بعضها و لم يجبه إلى بعض آخر و هو أن لا يلبسهم شيعاً و لا يذيق بعضهم بأس بعض.

و هذه الروايات - على كثرتها - و إن اشتملت على القويّة و الضعيفة من حيث أسنادها موهونة جميعاً بمخالفتها لظاهر الآية فإنّ قوله تعالى في الآيتين التاليتين:( وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ، لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) تهديد صريح بالوقوع و قد نزلت الآيات - و هي من سورة الأنعام - دفعة و قد أمر الله تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلّغ ذلك اُمّته و لو كان هناك بداء برفع البلاء لكان من الواجب أن نجده في كلامه الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و ليس من ذلك أثر بل الأمر على خلافه كما تقدّم في البيان السابق أنّ عدّة من آيات القرآن الكريم تؤيّد هذه الآيات في مضمونها كالّتي في سورة يونس و الروم و غيرهما.

على أنّها تعارض روايات اُخر كثيرة من طرق الفريقين دالّة على وقوع ذلك و نزوله على الاُمّة في مستقبل الزمان.

١٥٥

على أنّ هذه الروايات - على كثرتها و اتّفاق كثير منها في أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما دعا بهذه المسائل عقيب نزول هذه الآية:( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى‏ أَنْ يَبْعَثَ ) الآية - لا تتّفق لا في عدد المسائل ففي بعضها أنّها كانت ثلاثاً و في بعضها أنّها كانت أربعاً، و لا في عدد ما اُجيب إليه ففي بعضها أنّه كان واحداً و في بعضها أنّه كان اثنين، و لا في نفس المسائل ففي بعضها أنّها كانت هي الرجم من السماء و الغرق من الأرض و أن لا يلبسهم شيعاً و أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، و في بعضها أنّها الغرق و السنة و جعل بأسهم بينهم، و في بعضها أنّها السنة العامّة و أن يسلّط عليهم عدوّا من غيرهم و أن يذيق بعضهم بأس بعض، و في بعضها أنّ المسائل هي أن لا يجمع اُمّته على ضلالة و أن لا يظهر عليهم عدوّاً من غيرهم و أن لا يهلكهم بالسنين و أن لا يلبسهم شيعاً و يذيق بعضهم بأس بعض، و في بعضها أنّها أن لا يظهر عليهم عدوّاً من غيرهم و أن لا يهلكهم بغرق و أن لا يجعل بأسهم بينهم، و في بعضها أنّها أن لا يهلكهم بما أهلك به من قبلهم و أن لا يظهر عليهم عدوّاً من غيرهم و أن لا يلبسهم شيعاً و يذيق بعضهم بأس بعض، و في بعضها أنّها العذاب من فوقهم و من تحت أرجلهم و أن يلبسهم شيعاً و أن يذيق بعضهم بأس بعض.

على أنّ في كثير منها أنّ دعاءهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في حرّة بني معاوية قرية من قرى الأنصار بالعالية و لازمه كونه بعد الهجرة و سورة الأنعام من السور النازلة بمكّة قبل الهجرة دفعة، و في الروايات اختلافات اُخرى تظهر لمن راجعها.

و إن كان و لا بدّ من أخذ شي‏ء من الروايات فالوجه هو اختيار ما رواه عن عبدالرزّاق و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن مردويه عن شدّاد بن أوس يرفعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّ الله زوي لي الأرض حتّى رأيت مشارقها و مغاربها، و إنّ ملك اُمّتي سيبلغ ما زوي لي منها، و إنّي اُعطيت الكنزين: الأحمر و الأبيض، و إنّي سألت ربّي أن لا يهلك قومي بسنة عامّة و أن لا يلبسهم شيعاً و لا يذيق بعضهم بأس بعض، فقال: يا محمّد إنّي إذا قضيت قضاءً فإنّه لا يردّ، و إنّي أعطيتك لاُمّتك أن لا اُهلكهم بسنة عامّة و لا اُسلّط عليهم عدوّاً من سواهم فيهلكوهم حتّى يكون بعضهم يهلك بعضاً و بعضهم يقتل بعضاً، و بعضهم يسبي بعضاً.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي أخاف على اُمّتي الأئمّة المضلّين فإذا وضع السيف في

١٥٦

اُمّتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة.

فهذه الرواية و ما في مضمونها خالية عن غالب الإشكالات السابقة، و ليس فيها أنّ الدعاء كان إثر نزول الآية، و ينبغي مع ذلك أن يحمل على أنّ المراد رفع الهلاك العامّ و السنة العامّة الّتي تبيد الاُمّة، و إلّا فالسنين و المثلات و المقاتل الذريعة الّتي لقيتها الاُمّة في حروب المغول و الصليب و باُندلس و غيرها ممّا لا سبيل إلى إنكارها، و ينبغي أيضاً أن تحمل على أنّ الدعاء و المسألة كان في أوائل البعثة قبل نزول السورة و إلّا فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم بمقام ربّه و أجلّ قدراً من أن يتلقّى هذه الآيات بالوحي ثمّ يراجع ربّه في تغيير ما قضى به و أمره بتبليغه و إنذار اُمّته به.

و بعد اللّتيّا و الّتي فالقرآن الشريف يدلّ بآياته على حاقّ الأمر و هو أنّ هذا الدين قائم إلى يوم القيامة، و أنّ الاُمّة لا تبيد عامّة، و أنّ أمثال ما ابتلى الله به الاُمم السالفة تبتلي بها هذه الاُمّة حذو النعل بالنعل من غير أيّ اختلاف و تخلّف.

و الروايات المستفيضة المرويّة عن النبيّ و الأئمّة من أهل بيته (صلّي الله عليه وعليهم) القطعيّة في صدورها و دلالتها ناطقة بذلك.

و في الدرّ المنثور، أخرج النحّاس في ناسخه عن ابن عبّاس: في قوله:( قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ) قال: نسخ هذه الآية آية السيف:( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) .

أقول: قد عرفت ممّا تقدّم من البيان أنّ قوله:( قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ) مسوق تمهيداً للتهديد الّذي يتضمّنه قوله:( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) و هذا المعنى لا يقبل نسخاً.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا ) الآية بإسناده عن عبد الأعلى بن أعين قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسبّ فيه إمام أو يغتاب فيه مسلم فإنّ الله يقول في كتابه:( إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‏ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و أبو نعيم في الحلية، عن أبي جعفر

١٥٧

قال: لا تجالسوا أهل الخصومات فإنّهم الّذين يخوضون في آيات الله.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر عن محمّد بن عليّ قال: إنّ أصحاب الأهواء من الّذين يخوضون في آيات الله.

و في تفسير العيّاشيّ، عن ربعيّ بن عبدالله عمّن ذكره عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قول الله:( وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا ) قال: الكلام في الله و الجدال في القرآن( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) قال: منه القصّاص.

أقول: و الروايات - كما ترى - تعمّم الآية و هو أخذ بالملاك.

و في المجمع، قال أبوجعفرعليه‌السلام : لمّا اُنزل( فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‏ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏ ) قال المسلمون: كيف نصنع؟ إن كان كلّما استهزأ المشركون بالقرآن قمنا و تركناهم فلا ندخل إذاً المسجد الحرام و لا نطوف بالبيت الحرام فأنزل الله تعالى:( وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) أمرهم بتذكيرهم ما استطاعوا.

أقول: و الرواية - كما ترى - مبنيّة على أخذ قوله:( ذِكْرى) مفعولاً مطلقاً و إرجاع الضميرين في قوله:( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) إلى المشركين و التقدير: و لكن ذكّروهم ذكرى لعلّهم يتّقون، و يبقى على الرواية كون السورة نازلة دفعة واحدة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر و أبوالشيخ عن ابن جريح قال: كان المشركون يجلسون إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّون أن يسمعوا منه فإذا سمعوا استهزءوا فنزلت( وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) الآية قال: فجعلوا إذا استهزءوا قام فحذروا و قالوا: لا تستهزءوا فيقوم فذلك قوله:( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أن يخوضوا فتقوم و نزل:( وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) أن تقعد معهم و لكن لا تقعد ثمّ نسخ ذلك قوله بالمدينة:( وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ - إلى قوله -إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) نسخ قوله:( وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) الآية.

أقول: لو كانت آية النساء:( وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ ) الآية و هي عين قوله:( وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ ) الآية معنى ناسخة لقوله:( وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ ) الآية فهو أعني قوله:( وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ ) الآية ناسخ لقوله:( وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ )

١٥٨

الآية و هو ظاهر، و يأباه نزول السورة دفعة.

على أنّ الّذي ذكره من المعنى لا يوجب تنافياً بين الآيات الثلاث يؤدّي إلى النسخ حتّى تكون الثانية ناسخة للاُولى و منسوخة بالثالثة و هو ظاهر.

و نظير الرواية ما رواه أيضاً في الدرّ المنثور، عن النحّاس في ناسخه عن ابن عبّاس: في قوله تعالى:( وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) ، قال: هذه مكّيّة نسخت بالمدينة بقوله:( وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها ) الآية.

و في تفسير البرهان، في قوله تعالى:( قَوْلُهُ الْحَقُّ وَ لَهُ الْمُلْكُ ) الآية عن ابن بابويه بإسناده عن ثعلبة بن ميمون عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ) فقال:( عالِمُ الْغَيْبِ ) ما لم يكن( وَ الشَّهادَةِ ) ما قد كان.

أقول: فيه ذكر أعرف مصاديق الغيب و الشهادة عندنا، و قد تقدّم في البيان المتقدّم آنفاً و غيره أنّ للغيب مصاديق اُخر.

١٥٩

( سورة الأنعام الآيات ٧٤ - ٨٣)

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً  إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( ٧٤ ) وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ( ٧٥ ) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا  قَالَ هَذَا رَبِّي  فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ( ٧٦ ) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي  فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ( ٧٧ ) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ  فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ( ٧٨ ) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا  وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( ٧٩ ) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ  قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ  وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا  وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا  أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ( ٨٠ ) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا  فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ  إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( ٨١ ) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ( ٨٢ ) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ  نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ  إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ( ٨٣ )

( بيان)

عشر آيات ذكر الله سبحانه فيها ما آتاه النبيّ العظيم إبراهيمعليه‌السلام من الحجّة على المشركين بما هداه إلى توحيده و تنزيهه ثمّ ذكر هدايته أنبياءه بتطهير سرّهم من

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢٤٥١ - وروي عن نصر الخادم قال: " نظر العبد الصالح أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى سفرة عليها حلق صفر(١) فقال: انزعوا هذه واجعلوا مكانها حديدا فإنه لا يقرب شيئا مما فيها شئ من الهوام ".

باب السفر الذى يكره فيه اتخاذ السفرة

٢٤٥٢ - قال الصادق عليه السلام لبعض أصحابه: تأتون قبر أبي عبدالله صلوات الله عليه؟ فقال له: نعم، قال: تتخذون لذلك سفرة؟ قال: نعم، قال: أما لو أتيتم قبور آبائكم وامهاتكم لم تفعلوا ذلك، قال: قلت: فأي شئ نأكل؟ قال: الخبز باللبن(٢) ".

٢٤٥٣ - وفي خبر آخر قال الصادق عليه السلام: " بلغني أن قوما إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء والاخبصة(٣) وأشباهه، لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا ".

باب الزاد في السفر

٢٤٥٤ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفر(٤) ".

___________________________________

(١) الحلق كعنب حلقة والحديد يدفع الهوام.

(٢) يدل على استحباب ترك المطاعم الجيدة في سفر زيادة أبى عبدالله الحسين عليه السلام واستشعار الحزن فيه، والخبر رواه ابن قولويه في كامل الزيارات ص ١٢٩ مسندا.

(٣) الجداء: الجدى المشوى، وفى الكامل " الحلاوة "، والخبيص حلواء من التمر.

(٤) رواه الكلينى ج ٨ ص ٣٠٣ تحت رقم ٤٦٧ عن على، عن أبيه، عن النوفلى، عن السكونى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث " وشرف الرجل: مجده وأصالته.

٢٨١

٢٤٥٥ - و " كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا سافر إلى مكة للحج أو العمرة تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر، والسويق المحمض والمحلى ".

٢٤٥٦ - وروي أنه " قام أبوذر - رحمة الله عليه - عند الكعبة فقال: أنا جندب ابن السكن، فاكتنفه الناس فقال: لو أن أحدكم أراد سفرا لاتخذ فيه من الزاد ما يصلحه لسفره، فتزودوا لسفر يوم القيامة، أما تريدون فيه ما يصلحكم؟ فاقم إليه رجل فقال: أرشدنا، فقال: صم يوما شديد الحر للنشور، وحج حجة لعظائم الامور وصل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها، وكلمة شر تسكت عنها، أو صدقة منك على مسكين لعلك تنجو بها يا مسكين من يوم عسير، اجعل الدنيا درهمين درهما قد أنفقته على عيالك ودرهما قدمته لآخرتك، والثالث يضر ولا ينفع لا ترده، اجعل الدنيا كلمتين كلمة في طلب الحلال وكلمة للآخرة، والثالثة تضر ولا تنفع لا تردها، ثم قال: قتلني هم يوم لا ادركه ".

٢٤٥٧ - وقال لقمان لابنه: " يا بني إت الدنيا بحر عميق، وقد هلك فيها عالم كثير، فإجعل سفينتك فيها الايمان بالله، واجعل شراعها التوكل على الله(١) واجعل زادك فيها تقوى الله عزوجل، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن هلكت فبذنوبك ".

باب حمل الآلات والسلاح في السفر

٢٤٥٨ - روى سليمان بن داود المنقري، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في وصية لقمان لابنه: يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وحبالك(٢)

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ١ ص ١٦ في حديث طويل عن هشام بن الحكم، عن موسى بن جعفر عليهما السلام مع اختلاف وفيه " فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحوشها الايمان، وشراعها التوكل " والشراع ككتاب ما يقال له بالفارسية بادبان.

(٢) الحبال: الرسن.

ورواه الكلينى في الروضة ص ٣٠٣ تحت رقم ٤٦٦، وفيه " وخبائك " والخباء: الخيمة.

٢٨٢

وسقائك وخيوطك ومخرزك(١) وتزود معك من الادوية ما تنتفع به أنت ومن معك، وكن لاصحابك موافقا إلا في معصية الله عزوجل - وزاد فيه بعضهم: وفرسك -(٢) ".

باب الخيل وارتباطها وأول من ركبها

٢٤٥٩ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة(٣) والمنفق عليها في سبيل الله عزوجل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها "(٤) .

فإذا أعددت شيئا فأعده أقرح أرثم محجل الثلاثة، طلق اليمين، كميتا ثم أغر تسلم وتغنم(٥) .

___________________________________

(١) في الكافى " وسقائك وأبرتك وخيوطك " والمخرز ما يخرز به الخف والجراب والسقاء وما كان من الجلود.

(٢) في بعض النسخ " وقوسك " كما في المحاسن ص ٣٦٠. ولعله الاصوب.

(٣) إلى هنا رواه الكلينى ج ٥ ص ٤٨ في الصحيح وكذا البرقى في المحاسن ص ٦٣١ وفيهما " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " وهكذا رواه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجة.

(٤) رواه أبوداود السجستانى باسناده عن سهل بن الربيع بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وآله، ورواه الطبرانى في الاوسط على ما في الجامع الصغير عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وآله هكذا " الخير معقود بنواصى الخيل إلى يوم القيامة، والمنفق على الخيل كالباسط كفه بالنفقة لا يقبضها ".

(٥) روى ابن حبان في صحيحة عن عقبة بن عامر وأبى قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله " خير الخيل الادهم الاقرح الارثم المحجل طلق اليد اليمنى، قال يزيد بن أبى حبيب: فان لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية " وروى الحاكم في المستدرك عن عقبة عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " إذا أردت أن تغزو فاشتر فرسا أغر محجلا مطلق اليمنى فانك تغنم وتسلم " ونحوه في المحاسن ص ٤٣١.

والاقرح هو الفرس يكون في وسط جبهته قرحه بالضم وهى بياض يسير، والارثم بفتح الهمزة والثاء المثلثة المفتوحة هو الفرس الذى أنفه وشفته العليا أبيض، والمحجل هو الذى يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد ويجاوز الارساغ ولا يجاوز الركبتين لانهما مواضع الاحجال وهى الخلاخيل والقيود ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان (النهاية) وطلق اليمين بفتح الطاء وسكون اللام وبضمها أيضا إذا لم يكن بها تحجيل.

والكميت بضم الكاف وفتح الميم هو الفرس الاحمر أو الذى ليس بالاشقر ولا الادهم بل يخالط حمرته سواد، والشية بكسر الشين المعجمة وفتح الياء مخففة هو كل لون في الحيوان يكون معظم لونها على خلافه.

وقوله " محجل الثلاثة " أى يكون يده اليسرى ورجلاه بيضاء أو يكون فيها بياض.

والاغر ما يكون في جبهته بياض.

٢٨٣

٢٤٦٠ - وروى بكر بن صالح، عن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سمعته يقول: الخيل على كل منخر منها شيطان، فإذا أراد أحدكم أن يلجمها فليسم "(١) .

٢٤٦١ - قال: وسمعته يقول: " من ربط فرسا عتيقا محيت عنه عشر سيئات(٢) وكتبت له إحدى عشرة حسنة في كل يوم، ومن ارتبط هجينا(٣) محيت عنه في كل يوم سيئتان وكتبت له تسع حسنات في كل يوم، ومن ارتبط بزذونا(٤) يريد به جمالا أو قضاء حاجة أو دفع عدو محيت عنه في كل يوم سيئة وكتبت له ست حسنات.(٥) ومن(٦) ارتبط فرسا

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٦ ص ٥٣٩ من يعقوب بن جعفر عنه عليه السلام وفيه " فليسم الله عزوجل "، وهكذا في المحاسن.

(٢) في المحاسن والكافى ج ٥ ص ٤٨ " ثلاث سيئات ".

والعتيق هو الذى أبواه عربيان وفرس عتيق ككريم وزنا ومعنى.

(٣) الهجين هو الذى أبوه عربى وامه أمة غير محصنة، ومن الخيل: الذى ولدته برذونة من حصان عربى.

(٤) البرذون بالكسر ما لم يكن شئ من أبويه عربيا، والتركى من الخيل. (راجع الصحاح والنهاية)

(٥) إلى هنا في الكافى ج ٥ ص ٤٨ والمحاسن ص ٦٣١ وثواب الاعمال ص ٢٢٦ عن يعقوب بن جعفر بن ابراهيم الجعفرى عن أبى الحسن عليه السلام.

(٦) من هنا في المحاسن ص ٦٣١ وثواب الاعمال من حديث بكر بن صالح عن سليمان بن جعفر الجعفرى.

٢٨٤

أشقر أغر أو أقرح - فإن كان أغر سائل الغرة به وضح في قوائمه(١) فهو أحب إلي - لم يدخل بيته فقر ما دام ذاك الفرس فيه، وما دام في ملك صاحبه لا يدخل بيته حيف "(٢) .

٢٤٦٢ - قال(٣) : وسمعته يقول: " أهدى أمير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أفراس من اليمن فأتاه فقال: يا رسول الله أهديت لك أربعة أفراس، قال: صفها(٤) قال: هي ألوان مختلفة، قال: فيها وضح؟ قال: نعم، قال: فيها شقر به وضح؟ قال: نعم، قال: فأمسكه لي، وقال: فيها كميتان أو ضحان، قال: أعطهما ابنيك، قال: والرابع أدهم بهيم(٥) قال: بعه واستخلف قيمته لعيالك، إنما يمن الهيل في ذوات الاوضاح ".

٢٤٦٣ - قال(٣) : وسمعته يقول: " من خرج من منزله أو منزل غير منزله في أول الغداة فلقي فرسا أشقر به أوضاح بورك له في يومه، وإن كانت به غرة سائلة فهو العيش، ولم يلق في يومه ذلك إلا سرورا، وقضي الله عزوجل حاجته(٦) ".

___________________________________

(١) الشقرة: حمرة صافية في الخيل وهى لون يأخذ من الاحمر والاصفر وهو أشقر وقد قيل: الاشقر: شديدة الحمرة، والغرة: بياض في جبهة الفرس وهو أغر، وتقدم بيان الاقرح من أنه الذى يكون في جبهته قرحة وهى بياض بقدر الدرهم أو دونه، والوضح: الضوء والبياض، يقال: بالفرس وضح إذا كان في قوائمه كلها بياض، وقد يكون به البرص.

(٢) كذا في المحاسن وفى بعض النسخ " حيق " والحيق ما يشمل الانسان من المكروه لكن في ثواب الاعمال " لا يدخل في بيته حنق ".

والظاهر أن كل ما ذكره من فضائل ارتباط الفرس العتيق والهجين والبرذون والاشقر وجده في كتاب سليمان بن جعفر الجعفرى أو غيره متفرقا فذكره هنا مجتمعا أو كان فيه مجتمعا ونقله البرقى والكلينى متفرقا في تضاعيف الابواب.

(٣) يعنى سليمان قال: سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام.

(٤) في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ والمحاسن " فقال: سمها لى ".

(٥) البهيم من الدواب المصمت منها وهو الذى لا يخالط لونه لون غيره والجمع بهم.

(٦) رواه هكذا البرقى في المحاسن والمؤلف نحوه في ثواب الاعمال عن سليمان عن أبى جعفر الباقر عليه السلام والظاهر أنه تصحيف لان سليمان لم يدرك الباقر عليه السلام.

ويحتمل التعدد، أو رواه سليمان مرسلا ويؤيده اختلاف الالفاظ.

٢٨٥

٢٤٦٤ - وقال الصادق عليه السلام: " كانت الخيل وحوشا في بلاد العرب، وصعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام على أبي قبيس فناديا: ألا هلا ألا هلم، فما بقي فرس إلا أعطى بقياده وأمكن من ناصيته(١) ".

باب حق الدابة على صاحبها

٢٤٦٥ - روى إسماعيل بن أبي زياد(٢) باسناده قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للدابة على صاحبها خصال: يبدا بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مر به، ولا يضرب وجهها فانها تسبح بحمد ربها، ولا يقف على ظهرها الا في سبيل الله عزوجل، ولا يحملها فوق طاقتها، ولا يكلفها من المشي إلا ما تطيق ".

٢٤٦٦ - وسأل رجل أبا عبدالله عليه السلام " متى أضرب دابتي تحتي؟ قال: إذا لم تمش تحتك كمشيها إلى مذودها(٣) ".

٢٤٦٧ - وروي أنه قال: " اضربوها على العثار، ولا تضربوها على النفار فانها ترى ما لا ترون(٤) ".

٢٤٦٨ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا عثرت الدابة تحت الرجل فقال لها:

___________________________________

(١) رواه البرقى في المحاسن ص ٦٣٠ بسند مرفوع عن أبى عبدالله عليه السلام

(٢) يعنى السكونى، ورواه الكلينى ج ٦ ص ٥٢٧ بتقديم وتأخير.

(٣) المذود بالذال أخت الدال كمنبر: معتلف الدابة.

(٤) في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ باسناده عن مسمع بن عبدالملك عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اضربوها على النفار ولا تضربوها على العثار " و رواه أيضا مرسلا في خبر آخر أيضا، وقال العلامة المجلسى رحمه الله: " لعل ما في الكافى أوفق وأظهر " والتعليل لا يلائمه.

وفى المحاسن كما في الكافى.

٢٨٦

تعست، تقول: تعس أعصانا للرب(١) ".

٢٤٦٩ - وقال علي عليه السلام " في الدواب: لا تضربوا الوجوه ولا تلعنوها فإن الله عزوجل لعن لاعنها(٢) " وفي خبر آخر: " لا تقبحوا الوجوه ".

٢٤٧٠ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " إن الدواب إذا لعنت لزمتها اللعنة(٣) ".

٢٤٧١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تتوركوا على الدواب ولا تتخذوا ظهورها مجالس(٤) ".

___________________________________

(١) تعس يتعس إذا عثر وانكب بوجهه وقد يفتح العين وهو دعاء عليه بالهلاك (النهاية) وقال العلامة المجلسى في المرآة: لعل المراد بالرب المالك.

في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ رواه عن العدة عن سهل عن جعفر بن محمد بن يسار عن الدهقان عن درست عن أبى عبدالله عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله.

(٢) روى البرقى ص ٦٣٣ باسناده عن محمد بن مسلم عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: " لا ضربوا الدواب على وجوهها فانها تسبح بحمد ربها ".

وفى حديث آخر " لا تسموها في وجوهها " وهكذا مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨.

ويحتمل التعدد، ويؤيده الخبر الآتى.

وقال المولى المجلسى قوله " ولا تقبحوا الوجوه " أى الدواب أو وجوهها بالكى ونحوه.

وقال الفاضل التفرشى: الوجوه في " لا تضربوا الوجوه " بدل الضمير بدل البعض، ويمكن أن يراد بتقبيح الوجه ضربه فان الضرب قد تقبحه، وقال سلطان العلماء: لا تقبحوا الوجوه بالاحراق بالكى وغيره، ويحتمل أن يكون المراد لا تقولوا: قبح الله وجهك.

ويحتمل أن يكون المراد لا تضربوا وجوهها ضربا مؤثرا.

(٣) لعل المراد انه يلزم عليها أن تلعن لاعنيها، أو تصير ملعونا، أو تصير سبب هلاكها وتضروا.

(٤) رواه الكلينى ج ٦ ص ٥٣٥ باسناده عن عمرو بن جميع عن أبى عبدالله عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله.

والمراد الجلوس عليها على أحد الوركين فانه يضربها ويصير سببا لدبرها، أو المراد رفع احدى الرجلين ووضعها فوق السرج للاستراحة، قال الفيروزآبادي تورك على الدابة ثنى رجليه لينزل أو ليستريح، وقال الجوهرى: تورك على الدابة أى ثنى رجله ووضع احدى وركيه في السرج (المرآة) وفى بعض نسخ الكافى " لا تتوكؤوا ".

و قوله " لا تتخذوا ظهورها مجالس " أى بان تقفوا عليها للصحبة بل انزلوا وتكلموا الا ان يكون يسيرا. (م ت)

٢٨٧

٢٤٧٢ - وقال الباقر عليه السلام: " لكل شئ حرمة وحرمة البهائم في وجوهها(١) ".

باب ما لم تبهم عنه البهائم

٢٤٧٣ - روى علي بن رئاب، عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه كان يقول: " ما بهمت البهائم عنه فلم تبهم عن أربعة: معرفتها بالرب تبارك وتعالى، و معرفتها بالموت(٢) ، ومعرفتها بالاثني من الذكر، ومعرفتها بالمرعى الخصب ".

٢٤٧٤ - وأما الخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أكلتم منها سمينا قط " فليس بخلاف هذا الخبر لانها تعرف الموت لكنها لا تعرف منه ما تعرفون.

باب ثواب النفقة على الخيل

٢٤٧٥ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله " في قول الله عزوجل: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " قال: نزلت في النفقة على الخيل ".

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: هذه الآية روي أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وكان سبب نزولها أنه كان معه أربعة دراهم فتصدق بدهم منها بالليل وبدرهم منها بالنهار، ودرهم في السر، وبدرهم في العلانية فنزلت فيه هذه الآية(٣) .

والآية إذا نزلت في شئ فهي منزلة في كل ما يجري فيه، فالاعتقاد في تفسيرها أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وجرت في النفقة على الخيل وأشباه ذلك(٤) .

__________________________________

(١) الخبر في الكافى والمحاسن عن أبى عبدالله عليه السلام مسندا.

(٢) الظاهر أنها تعرف الموت ولا تعرف ما بعدها لانه ليس لها عذاب كما كان لبنى آدم.

(٣) رواه ابن المغازلى وموفق بن أحمد والمفيد في الاختصاص والعياشى.

(٤) لعموم الاية وخصوص السبب لا يخصص العموم كما في كثير من الايات، ويمكن أن يكون صدقته عليه السلام على الخيل المربوطة للجهاد. (م ت)

٢٨٨

باب علة الرقعتين في باطن يدى الدابة

٢٤٧٦ - روى حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " جعلت فداك نرى الدواب في بطون أيديها مثل الرقعتين(١) في باطن يديها مثل الكي(٢) فأي شئ هو؟ قال: ذلك موضع منخريه في بطن امه ".

باب حسن القيام على الدواب

٢٤٧٧ - روي عن أبي ذر - رحمة الله عليه - أنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الدابة تقول: اللهم ارزقني مليك صدق يشبعني ويسقيني ولا يحملني مالا اطيق(٣) ".

٢٤٧٨ - وقال الصادق عليه السلام: " ما اشترى أحد دابة إلا قالت: اللهم اجعله بي رحيما "(٤) .

٢٤٧٩ - وروى عنه عبدالله بن سنان أنه قال: " اتخذوا الدابة فإنها زين وتقضى عليها الحوائج، ورزقها على الله عزوجل ".

٢٤٨٠ - وروى السكوني باسناده(٥) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك

___________________________________

(١) الرقعة بالضم مأخوذ من الرقعة التى ترقع به الثوب.(مراد)

(٢) الكى احراق قطعة من الجلد بحديدة محماة ويقال له بالفارسية " داغ ".

(٣) مروى نحوه في المحاسن ورواه الكلينى بلفظ آخر مسندا عن الصادق عليه السلام في ج ٦ ص ٥٣٧.

(٤) في المحاسن ص ٦٢٦ مسندا عن على بن جعفر عن أبى ابراهيم عليه السلام قال: " ما من دابة يريد صاحبها أن يركبها الا قالت: " اللهم اجعله بى رحيما ".

(٥) يعنى عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عنه صلى الله عليه وآله.

٢٨٩

وتعالى يحب الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجاف(١) فأنزلوها منازلها فإن كانت الارض مجدبة فانجوا(٢) عليها، وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها ".

٢٤٨١ - وقال علي صلوات الله عليه(٣) : " من سافر منكم بدابة فيبدأ حين ينزل بعلفها وسقيها ".

٢٤٢٨ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إذا سرت في أرض خصبة فارفق بالسير، وإذا سرت في أرض مجدبة فعجل بالسير ".

باب ما جاء في الابل

٢٤٨٣ - قال الصادق عليه السلام: " إياكم والابل الحمر، فإنها أقصر الابل أعمارا(٤) ".

٢٤٨٤ - وقال عليه السلام: " إن على ذروة كل بعير شيطان فأشبعه وامتهنه(٥) ".

٢٤٨٥ - وقال أبوعبدالله عليه السلام: " اشتروا السود القباح فإنها أطول الابل أعمارا(٦) ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الابل عز لاهلها(٧) ".

___________________________________

(١) العجف بالتحريك: الهزال، والاعجف المهزول، والعجفاء الانثى والجمع عجاف على غير قياس لان فعلاء لا يجمع على فعال. (الصحاح)

(٢) أى أسرعوا، ونجوت أى أسرعت وسبقت.

(٣) مروى في المحاسن ص ٣٦١ مسندا.

(٤) مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٤٣ عن ابن أبى يعفور عن أبى جعفر عليه السلام.

(٥) أى استعمله وذلله واستفد منه.

(٦) مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٤٣ في ذيل حديث رواه عن صفوان الجمال عن أبى عبدالله عليه السلام وقال فيه: " اشتر لى جملا وخذه أشوه الخ ".

وفى المحاسن في حديث رواه أيضا عن أبى عبدالله عليه السلام.

(٧) رواه البرقى ص ٦٣٥ باسناده عن عمر بن أبان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

٢٩٠

٢٤٨٧ - و " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتخطى القطار(١) قيل: يا رسول الله ولم؟ قال: لانه ليس من قطار إلا وما بين البعير إلى البعير شيطان ".

٢٤٨٨ - و " سئل النبي صلى الله عليه وآله أي المال خير؟ قال: زرع زرعه صاحبه وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في غنمه قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير(٢) قيل: يا رسول الله فأي المال بعد البقر خير؟ فقال: الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل(٣) نعم الشئ النخل من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهقة(٤) اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد النخل خير؟ فسكت فقال له رجل: فأين الابل؟ قال: فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار، تغدو مدبرة وتروح مدبرة(٥) لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشام، أما إنها لا تعدم الاشقياء الفجرة(٦) ".

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: معنى قوله صلى الله عليه وآله: " لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشأم " هو أنها لا تحلب ولا تركب إلا من الجانب الايسر(٧) .

___________________________________

(١) أى التجاوز من بينهم. الخبر رواه البرقى بسند فيه ارسال.

(٢) أى تحلب منها اللبن في الغداة أى أول اليوم والرواح أى آخره. (م ت)

(٣) أى الثابتات أرجلها في الطين والمطعمات في أيام الجدب والقحط فانها صابرة العطش، والمراد النخل كما صرح به.

(٤) الشاهقة: الجبل الراسخ والعالى.

(٥) أى أن الادبار والنحوسة لا ينفك عنها في وقت من الاوقات.(مراد)

(٦) جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: إذا كان كذلك فمن مربيها قال عليه السلام أما انها لا تعدم الاشقياء الفجرة وهم الجمالون كما هو المسموع والمشهود، وفى الخصال " انهم الظلمة ".

(٧) يحتمل أن يكون جانبها الايسر كناية عن عدم اليمن وقلة الخير والبركة. (سلطان)

٢٩١

٢٤٨٩ - وقال عليه السلام: " في الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت(١) ، والبقر إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أدبرت، والابل، إذا أقبلت أدبرت وأذا أدبرت أدبرت ".

باب ما يجب من العدل على الجمل وترك ضربه واجتناب ظلمه

٢٤٩٠ - روى السكوني باسناده " أن النبي صلى الله عليه وآله أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها، فقال: أين صاحبها، مروه فليستعد غدا للخصومة "(٢) .

٢٤٩١ - وفي خبر آخر قال النبي صلى الله عليه وآله: " أخروا الاحمال فإن اليدين معلقة، والرجلين موثقة ".

٢٤٩٢ - وروى ابن فضال، عن حماد اللحام قال: " مر قطار لابي عبدالله عليه السلام فرأى زاملة(٣) قد مالت، فقال: يا غلام اعدل على هذا الحمل، فإن الله تعالى يحب العدل ".

٢٤٩٣ - وروى أيوب بن أعين قال: " سمعت الوليد بن صبيح يقول لابي عبدالله عليه السلام: إن أبا حنيفة(٤) رأى هلال ذي الحجة بالقادسية وشهد معنا عرفة،

___________________________________

(١) أى إذا أقبلت بالنتاج فهو وإذا أدبرت يعنى بالموت يذبحها صاحبها وينتفع من لحمها وجلدها، أما البقر فوسط، وأما الابل فاقبالها ادبارها لانه إذا حصل له بعض النتاج أو النفع أنفق لها صاحبها أزيد من نتاجها.

(٢) يعنى يوم القيامة لان عقال الناقة وعليها حملها ظلم عليها فاذا كان يوم القيامة تخاصم صاحبه بين يدى الجبار وتقول: ما ذنبى حتى ظلمتنى فينتصف الله سبحانه منك لها.

(٣) الزاملة المحمل وبعير يحمل الطعام والمتاع، وميل الحمل إلى جانب سبب لدبر الدابة.

(٤) هو سعيد بن بيان سابق الحاج الهمدانى ومع أنه ثقة يذم فعله، وقيل انه كان يذهب بجماعة إلى الحج في نهاية السرعة وذهب بهم في هذا الخبر من القادسية التى كانت قريبة من النجف إلى عرفات في ثمانية أيام وشئ.

وروى العياشى عن أبى عبدالله عليه السلام قال:

" أتى قنبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: هذا سابق الحاج، فقال: لا قرب الله داره هذا خاسر الحاج يتعب البهيمة، وينقر الصلاة، اخرج اليه فاطرده ".

٢٩٢

فقال: ما لهذا صلاة، ما لهذا صلاة "(١) .

٢٤٩٤ - و " حج علي بن الحسين عليهما السلام على ناقة له أربعين حجة فما قرعها بسوط "(٢) .

٢٤٩٥ - وقال الصادق عليه السلام: " أي بعير حج عليه ثلاث سنين يجعل من نعم الجنة " وروى " سبع سنين "(٣) .

باب ما جاء في ركوب العقب  (٤)

٢٤٩٦ - روى علي بن رئاب، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعقبون بعيرا بينهم وهم منطلقون إلى بدر ".

باب ثواب من أعان مؤمنا مسافرا

٢٤٩٧ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أعان مؤمنا مسافرا نفس الله عنه ثلاثا وسبعين كربة، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغم والهم، ونفس عنه كربه العظيم يوم يغص الناس بأنفاسهم " وفي خبر آخر " حيث يتشاغل الناس بأنفاسهم ".

___________________________________

(١) لانه لا يمكن الصلاة مع هذه الحركة الا بالايماء واحداث هذه الضرورة اختيارى لامكان الخروج قبله بايام فمعنى نفى الصلاة عدم اتيانها على وجهها لاشتغاله بالسير والسرعة.

(٢) روى البرقى بسندين صحيحين عن عبدالله بن سنان نحوه في أحدهما " ولقد بركت به في سنة من سنواته فما قرعها بسوط ".

(٣) تقدم تحت رقم ٢٢٠٧ ونحوه مروى في المحاسن ص ٦٣٥.

(٤) أى الركوب بالنوبة.

٢٩٣

باب المروء‌ة في السفر

٢٤٩٨ - تذاكر الناس عند الصادق عليه السلام أمر الفتوة فقال: " تظنون أمر الفتوة بالفسق والفجور إنما الفتوة والمروء‌ة طعام موضوع، ونائل مبذول بشئ معروف، وأذى مكفوف فأما تلك فشطارة وفسق، ثم قال: ما المروء‌ة؟ فقال الناس: لا نعلم، قال: المروء‌ة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروء‌ة مروء‌تان مروء‌ة في الحضر ومروء‌ة في السفر، فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن ولزوم المساجد والمشي مع الاخوان في الحوائج(١) والنعمة ترى على الخادم أنها تسر الصديق وتكبت العدو، وأما التي في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عزوجل، ثم قال عليه السلام: والذي بعث جدي صلوات الله عليه وآله بالحق نبيا إن الله عزوجل ليرزق العبد على قدر المروء‌ة وإن المعونة تنزل على قدر المؤونة، وإن الصبر ينزل على قدر شدة البلاء ".

باب ارتياد المنازل والامكنة التي يكره النزول فيها

٢٤٩٩ - روى السكوني باسناده(٢) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم والتعريس(٣) على ظهر الطريق وبطون الاودية فإنها مدارج السباع ومأوى الحيات ".

٢٥٠٠ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من نزل منزلا يتخوف فيه السبع فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على

___________________________________

(١) راجع معانى الاخبار ص ٢٥٨ روى نحوه مسندا.

(٢) يعنى عن أبى عبدالله عن آبائه عن على عليهم السلام.

(٣) التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.

٢٩٤

كل شئ قدير، اللهم إني أعوذ بك من شر كل سبع " إلا أمن(١) من شر ذلك السبع حتى يرحل من ذلك المنزل إن شاء الله تعالى ".

باب المشى في السفر

٢٥٠١ - روى منذر بن جيفر(٢) ، عن يحيى بن طلحة النهدي قال: قال لنا أبوعبدالله عليه السلام: " سيروا وانسلوا فإنه أخف عليكم "(٣) .

٢٥٠٢ - وروي " أن قوما مشاة أدركهم رسول الله صلى الله عليه وآله فشكوا إليه شدة المشي، فقال لهم: استعينوا بالنسل "(٤) .

٢٥٠٣ - وسأل معاوية بن عمار أبا عبدالله عليه السلام " عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ قال: نعم إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، ولقد كان أكثر من حج مع رسول الله صلى الله عليه وآله مشاة، ولقد مر رسول الله صلى الله عليه وآله بكراع الغميم(٥) فشكوا إليه الجهد والطاقة والاعياء، فقال: شدوا أزركم واستبطنوا، ففعلوا [ذلك] فذهب ذلك عنهم ".

٢٥٠٤ - وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قلت له: قول الله عزوجل: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال: يخرج يمشي إن لم يكن عنده [شئ] قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشي

___________________________________

(١) أى لا يتم هذه الكلمات الا أمن، أو لا يدعوا بها الا أمن.

(٢) منذر بن جيفر بن حكيم العبدى عربى صميم له كتاب وجيفر اختلف فيه و الاصح بتقديم الياء على الفاء.

وطريق الصدوق اليه فيه ابراهيم بن هاشم وهو حسن كالصحيح.

(٣) نسل ينسل نسلا ونسلانا في المشى أى أسرع.

(٤) في النهاية وفى رواية " شكوا اليه الاعياء فقال: عليكم بالنسلان " أى الاسراع في المشى.

(٥) كراع الغميم موضع بين مكة والمدينة وهو واد أمام عسفان، والكراع جانب مستطيل من الحرة تشبيها بالكراع وهو ما دون الركبة من الساق.

٢٩٥

ويركب، قلت: لا يقدر على ذلك، قال: يخدم القوم ويخرج معهم "(١) .

باب آداب المسافر

٢٥٠٥ - روى سليمان بن داود المنقري، عن حماد بن عيسى(٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وامورهم، وأكثر التبسم في وجوههم، وكن كريما على زادك بينهم، وإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك

___________________________________

(١) هذا الحديث ليس بمعمول به عند الفقهاء وقد حملوه على التقية أو الاستحباب و في المدارك ص ٣١٨ " أجمع العلماء كافة أن الاستطاعة شرط في الحج قال الله تعالى " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " وقال عزوجل " لا يكلف الله نفسا الا وسعها " قال في المنتهى وقد اتفق علماء‌نا على أن الزاد والراحلة شرطان في الوجوب فمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته لم يجب عليه الحج وان تمكن من المشى، ويدل على اعتبارهما مضافا إلى عدم تحقق الاستطاعة عرفا بدونهما غالبا صحيحة محمد بن يحيى الخثعمى قال: " سأل حفص الكناسى أبا عبدالله (ع) وأنا عنده عن قول الله عزوجل " ولله على الناس الاية " ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج " وصحيحة محمد بن مسلم قال: " قلت لابى جعفر عليه السلام قوله تعالى " ولله على الناس إلى قوله اليه سبيلا " قال: يكون له ما يحج به، قلت: فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع ولم يستحيى ولو على حمار أجدع أبتر، فان كان يستطيع أن يمشى راجلا بعضا ويركب بعضا فليفعل " قال في المنتهى: انما يشترط الزاد والراحلة في حق المحتاج اليهما لبعد مسافته أما القريب إلى مكة فلا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا لم يكن محتاجا اليها.

وهو جيد لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء والرجوع إلى اعتبار المشقة وعدمها جيد الا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضا إذا تمكن من المشى من غير مشقة شديدة ولا نعلم به قائلا.

(٢) في المحاسن " عن حماد بن عثمان " وفى الكافى " عن حماد " بدون ذكر الاب وعلى أى حال هما ثقتان.

٢٩٦

من دابة أو ماء أو زاد، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك، فان من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع عنه الامانة، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رأيتهم يعلمون فاعمل، وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم واسمع لمن هو أكبر منك سنا، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا، فقل: نعم، ولا تقل: لا، فإن " لا " عي(١) ولؤم وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتؤامروا، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه فان الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا مالا أرى.

فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشئ، صلها واسترح منها فإنها دين، وصل في جماعة ولو على رأس زج(٢) ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها(٣) وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل(٤) ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الارض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا، فإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس، وإذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الارض، وإذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الارض التي حللت بها وسلم عليها وعلى اهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة، وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتصدق منه فافعل.

___________________________________

(١) بكسر العين أى جهل وبفتحها أى عجز. (م ت)

(٢) الزج بالضم: الرمح والحديدة التى في أسفل الرمح، وذلك يكون للمبالغة.

(٣) الدبر بالتحريك: جراحة على ظهر الدابة.

(٤) لاسترخاء المفاصل أى إذا لم يمدد يسترخى المفاصل.

٢٩٧

وعليك(١) بقراء‌ة كتاب الله عزوجل ما دمت راكبا، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا [عملا] وعليك بالدعاء ما دمت خاليا، وإياك والسير من أول الليل وسر في آخره، وإياك ورفع الصوت في مسيرك".

باب دعاء الضال عن الطريق

٢٥٠٦ - روى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا ضللت عن الطريق فناد " يا صالح - أو يا أبا صالح - أرشدونا إلى طريق يرحمكم الله ".

٢٥٠٧ - وروي " أن البر موكل به صالح، والبحر موكل به حمزة "(٢) .

باب القول عند نزول المنزل

٢٥٠٨ - قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " يا علي إذا نزلت منزلا فقل: " اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين " ترزق خيره ويدفع عنك شره ".

باب القول عند دخول مدينة أو قرية

٢٥٠٩ - كان في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " يا علي إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها: " اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم

_____________________________

(١) احتمل بعض الاعلام أن من هنا إلى آخر الحديث من قول الصادق عليه السلام جعله عليه السلام متمما لوصية لقمان حيث انه كان في نسخته " وعليك بقراء‌ة القرآن " مكان " عليك بقراء‌ة كتاب الله " كما صرح هو بذلك.

(٢) المشهور أن الموكل بالبر الخضر وبالبحر الياس عليهما السلام. (م ت)

٢٩٨

حببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا "(١) .

باب الموت في الغربة

٢٥١٠ - روى الحسن بن محبوب، عن أبي محمد الوابشي،(٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " ما من مؤمن يموت في أرض غربة تغيب عنه فيها بواكيه إلا بكته بقاع الارض التي كان يعبد الله عزوجل عليها، وبكته أثوابه، وبكته أبواب السماء التي كان يصعد فيها عمله، وبكاه الملكان الموكلان به ".

٢٥١١ - وقال عليه السلام: " إن الغريب إذا حضره الموت التفت يمنة ويسرة ولم ير أحدا رفع رأسه، فيقول الله عزوجل: إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك مني و عزتي وجلالي لئن أطلقتك عن عقدتك(٣) لاصيرنك في طاعتي، ولئن قبضتك لاصيرنك إلى كرامتي ".

باب تهنئة القادم من الحج

٢٥١٢ - قال الصادق عليه السلام: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول للقادم من مكة: قبل الله منك، وأخلف عليك نفقتك، وغفر ذنبك ".

باب ثواب معانقة الحاج

٢٥١٣ - في رواية أبي الحسين الاسدي رضي الله عنه قال: قال الصادق عليه السلام

___________________________________

(١) كذا وفى المحاسن ص ٣٧٤ " اللهم انى أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم أطعمنا من جناها وأعذنا من وبائها وحببنا إلى أهلها، وحبب صالحى أهلها الينا ".

وفى بعض نسخه " اطعمنا من خانها " وقال بعضهم: الظاهر أن المراد بالخان الخوان.

(٢) كان من رجال الصادق عليه السلام وكأنه عبدالله بن سعيد.

(٣) أى المرض المقدر عليه كالعقدة

٢٩٩

" من عانق حاجا بغباره كان كأنما استلم الحجر الاسود".

باب النوادر

٢٥١٤ - روي عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا جاء من الغيبة حتى يؤذنهم "(١) .

٢٥١٥ - وقال عليه السلام: " السفر قطعة من العذاب، فإذا قضى أحدكم سفره فليسرع الاياب إلى أهله "(٢) .

٢٥١٦ - وقال الصادق عليه السلام: " سير المنازل ينفد الزاد، ويسيئ الاخلاق، ويخلق الثياب، والسير ثمانية عشر"(٣) .

٢٥١٧ - وروى عبدالله بن ميمون باسناده(٤) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ضللتم الطريق فتيامنوا"(٥) .

___________________________________

(١) يدل على كراهة دخول المسافر منزله في الليل الا أن يعلمهم.

وروى " أنه دخل رجل منزله في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله ورأى ابنه نائما مع زوجته فتوهم أنه أجنبى فقتله، فلما سمعه صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك ".

(٢) رواه البرقى ص ٣٧٧ عن النوفلى عن السكونى باسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

(٣) رواه البرقى عن أبيه عن أبن أبى نجران عمن ذكره عن أبى عبدالله عليه السلام.

والظاهر أن المراد به أن السير للتنزه والتفرج ينبغى أن لا يصير إلى المنازل، وهى ثمانية فراسخ بل نهايته ثمانية عشر ميلا ستة فراسخ فان الزائد عليها ينفد الزاد لان الانسان لا يتهيأ غالبا لها ما يكفيها بخلاف السفر ويسيئ اخلاق المصاحبين ويتسخ ثيابهم وتبلى بخلاف ما إذا كان قريبا فانه يرطب الدماغ ويخرج البدن والروح من الكلال. (م ت)

(٤) يعنى عن أبى عبدالله عن آبائه عليهم السلام عن النبى صلى الله عليه وآله كما في المحاسن ص ٣٦٢.

(٥) " فتيامنوا " أى توجهوا إلى جانب يمينكم. (م ت)

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423