المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية0%

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 260

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الصفحات: 260
المشاهدات: 108001
تحميل: 6624

توضيحات:

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108001 / تحميل: 6624
الحجم الحجم الحجم
المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

1: آيات وجوب الخلافة والإمامة في كلّ عصر:

-( وَإِذْ قَالَ رَ‌بُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْ‌ضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) .(1)

-( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْ‌ضِ ) .(2)

-( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْ‌تَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِ‌كُونَ بِي شَيْئًا... ) .(3)

ومن الملاحظ أن هذه الايات الثلاثه قد استدل بها القرطبي وغيره من المفسرين على وجوب الخلافة والامامة(4) في كلّ عصر، وقالوا أنّ هذه الآيات نصٌّ بوجوب وجود خليفة وإمام في كلّ زمان. كما أنّ الآية الثالثة تشيرأيضاً الى وعده الحتمي الذي بشّر به كلّ المؤمنين وعهده الذي قطعه على نفسه المقدّسة بنصرتهم النصر المؤزّر النهائيّ، وهي واضحة الدلالة والمعنى.

-( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ‌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) .(5)

____________________

(1) البقرة: 30.

(2) ص: 26.

(3) النور: 55.

(4) الجامع لأحكام القرآن: ج1 ص264.

(5) الرعد: 7.

١٠١

والآيةُ صريحةٌ بوجوب وجود إمام هاد منصوب ومعيّن من قبل الله تعالى لكلّ قوم ولكلّ زمان.

وقال العلاّمة الطباطبائي:

ومن هنا نصل الى نتيجة: ان ليس هناك ضرورة ان يكون نبيٌّ بين الناس بصورة مستمرة، لكن يستلزم ان يكون امام بينهم، ويستحيل على مجتمع بشري ان يخلو من وجود امام سواء عرفوه ام لم يعرفوه، وقد اشار الحكيم في كتابه:

( فَإِن يَكْفُرْ‌ بِهَا هَـٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِ‌ينَ ) .(1)

-( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُ‌ونَ ) .(2)

والآيةُ صريحةٌ أيضاً بأنّ الله تبارك وتعالى أوصل رسالته المباركة بما فيها من حقّ وصدق وشرع وخُلُق وعظة الى كلّ البشر، وهذا يستدعي وجود إمام معصوم لكلّ عصر وزمان لكي يوصل القول لكلّ الناس.

وكذلك في آيات أُخرى نذكرها على نحو الإختصار:

-( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِ‌نَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ‌اتِ ) .(3)

-( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِ‌نَا لَمَّا صَبَرُ‌وا ) (4) .

-( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَ‌اهِيمَ رَ‌بُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّ‌يَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (5) .

____________________

(1) الشيعه فى الاسلام: ص236-237، والآيه: 89 من الأنعام.

(2) القصص: 51.

(3) الأنبياء: 73.

(4) السجدة: 24.

(5) البقرة: 124.

١٠٢

-( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) .(1)

-( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) .(2)

2: آيات الوعد الإلهيّ بتطهير الأرض وتوريثها للمؤمنين:

وبالإضافة للآيات المباركة التي تُثبتُ وجوب وضرورة وجودِ إمام هادٍ يأمر بأمر الله وينهى بنهيه لكلّ زمان وكذا في آخر الزمان، فإنّ هناك آيات أُخر وهي آيات العهد والوعد الإلهيّ بتطهير الأرض وتوريثها للمؤمنين، وعلى سبيل المثل قولهُ تعالى:

-( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ‌ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ‌ أَنَّ الْأَرْ‌ضَ يَرِ‌ثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿105﴾ إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴿106﴾ وَمَا أَرْ‌سَلْنَاكَ إِلَّا رَ‌حْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) .(3)

-( وَنُرِ‌يدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْ‌ضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِ‌ثِينَ ) .(4)

-( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْ‌تَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِ‌كُونَ بِي شَيْئًا ) .(5)

____________________

(1) الفرقان:74.

(2) الإسراء: 71

(3) سورةُ الأنبياء: 105-107.

(4) سورةُ القصص: 5.

(5) سورة النور: آية 55

١٠٣

3: آيات نصرة الدين الحقّ وأهلهُ:

-( يُرِ‌يدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ‌ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِ‌هِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْكَافِرُ‌ونَ ﴿8﴾ هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْمُشْرِ‌كُونَ ) (1) .

-( هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا ) (2) .

-( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ‌ الْمُؤْمِنِينَ ) .(3)

4: آياتٌ، في هزيمة الظالمين:

-( قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُ‌ونَ ) (4) .

-( وَلَوْ تَرَ‌ىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِ‌يبٍ ) (5) .

-( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْ‌كُضُونَ ﴿12﴾ لَا تَرْ‌كُضُوا وَارْ‌جِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِ‌فْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ) (6) .

ولنكتفي بهذا القدر من الآيات الكريمة، ولإماطة اللثام أكثر نذكرُ باقة من الأحاديث الشريفة في عدم خلوِّ الارض من حجة الله تعالى قطعاً.

____________________

(1) سورة الصف:8-9.

(2) سورة الفتح: آية 28.

(3) سورة الروم: آية 47

(4) سورة السجدة: آية 29

(5) سورة سبأ: آية 51

(6) سورة الأنبياء: 12 و13.

١٠٤

ب: في الروايات الشريفة

قال النبيُّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):«من مات ولم يعرف امام زمانهِ مات ميتةً جاهليّةً» (1) .

وقال امير المؤمنين علي (ع):«اللّهمَّ بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجّةٍ اما ظاهراً مشهوراً او خائفاً مغموراًلئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته...» (2) .

وفي معالم الزلفى عن ابي عبد الله عليه السلام:« لو كان الناسُ رجلين لكانَ احدهما الامام » .

وقال عليه السلام: «آخر من يموت الامام لئلاّ يحتج أحد على الله عزوجل انه تركه بغيرحجة الله عليه» (3) .

وفي الاربعين عن ابي جعفر (ع):«لو بقيت الارض يوماً بلا امام منا لساخت بأهلها ولعذبهم الله بأشد عذابه، ان الله تبارك وتعالى جعلنا حجة في ارضه واماناً في الارض لاهل الارض لن يزالوا في امان من ان تسيخ بهم الارض ما دمنا بين اظهرهم فاذا اراد الله ان يهلكهم ولاينظرهم ذهب بنا من بينهم ورفعنا الله ثم يفعل ما يشاء واحب » .(4)

وفي الكافي عن ابي عبد الله (ع):«ان الحجة لا يقوم لله على خلقه إلاّ بامامٍ حيٍّ حتى يعرف » .

____________________

(1) البحار،ج8 ص 368.

(2) ينابيع الموده: فى الباب المائه ص523.

(3) الزام الناصب 1: 5.

(4) نفس المصدر.

١٠٥

وفيه عن ابي الحسن (ع):« ان الارض لا تخلوا من حجة وانا والله ذلك الحجة » .

وفيه عن ابي عبد الله (ع):« لو بقيت الارض بغير امام لساخت » .

وفيه عن ابي جعفر (ع):«لو ان الامام رُفعَ من الارض ساعةً لماجت بأهلها كما يموجُ البحرُ بأهله» (1) .

وفيه (البحار) عن الاعمش عن الصادق عليه السّلام قال:« لم تخلُ الارض منذ خلق الله آدم من حجةٍ لله فيها ظاهر مشهور او غائب مستور ولا تخلو الى ان تقوم الساعة من حجةٍلله فيها ولولا ذلك لم يُعبد الله...» .(2)

ثالثاً: في العهدين

جاء في سفر ملاخي في باب مجيء يوم الربّ الموعود:

(19 وقال الربّ القدير:سيأتي يومٌ يحترق فيه جميع المتجبّرين وفاعلي الشرّ كالقشّ في التنور المتّقد.في ذلك اليوم يحترقون،حتى لايبقى لهم أصلٌ ولا فرع 20 وتشرق لكم أيّها المتّقون لاسمي شمس البرّ والشفاء في أجنحتها، فتسرحون وتمرحون كالعجول المعلوفة،وتدوسون الأشرار وهم رمادٌ تحت أخامص أقدامكم،يوم أعمل عملي، أنا الربّ القدير).(3)

____________________

(1) نفس المصدر: ج1 ص6 - 7.

(2) نفس المصدر: ج1 ص 428.

(3) سفر ملاخي 3: 19-21،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص1248.

١٠٦

هذا وقد بشَّرَ بطرس الرسول ووعد بمجيء يوم الربّ الموعود والحتميّ في رسالته الثانية حيث جاء فيها:

(1 هذه اكتبها الان اليكم رسالة ثانية ايها الاحباء فيهما انهض بالتذكرة ذهنكم النقي* 2 لتذكروا الاقوال التي قالها سابقا الانبياء القديسون و وصيتنا نحن الرسل وصية الرب و المخلص* 3 عالمين هذا اولا انه سياتي في اخر الايام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات انفسهم* 4 و قائلين اين هو موعد مجيئه لانه من حين رقد الاباء كل شيء باق هكذا من بدء الخليقة* 5 لان هذا يخفى عليهم بارادتهم ان السماوات كانت منذ القديم و الارض بكلمة الله قائمة من الماء و بالماء* 6 اللواتي بهن العالم الكائن حينئذ فاض عليه الماء فهلك* 7 و اما السماوات و الارض الكائنة الان فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها محفوظة للنار الى يوم الدين و هلاك الناس الفجار* 8 و لكن لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد ايها الاحباء ان يوما واحدا عند الرب كالف سنة و الف سنة كيوم واحد* 9 لا يتباطا الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتانى علينا و هو لا يشاء ان يهلك اناس بل ان يقبل الجميع الى التوبة* 10 و لكن سياتي كلص في الليل يوم الرب... * 11 فبما ان هذه كلها تنحل اي اناس يجب ان تكونوا انتم في سيرة مقدسة و تقوى* 12 منتظرين و طالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة و العناصر محترقة تذوب* 13 و لكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة و ارضا جديدة يسكن فيها البر* 14 لذلك ايها الاحباء اذ انتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس و لا عيب في

١٠٧

سلام* 15 و احسبوا اناة ربنا خلاصا كما كتب اليكم اخونا الحبيب بولس ايضا بحسب الحكمة المعطاة له* 16 كما في الرسائل كلها ايضا متكلما فيها عن هذه الامور التي فيها اشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء و غير الثابتين كباقي الكتب ايضا لهلاك انفسهم* 17 فانتم ايها الاحباء اذ قد سبقتم فعرفتم احترسوا من ان تنقادوا بضلال الاردياء فتسقطوا من ثباتكم* 18 و لكن انموا في النعمة و في معرفة ربنا ومخلصنا... *).(1)

____________________

(1) العهد الجديد، سفر بطرس الرسول، الإصحاح 3، الفقرات، 1-18.

١٠٨

المبحث الثاني: قُدسيَّةُ ومقامُ مُنقذ العالم بلسان الأنبياء (عليهم السلام)

لقد كان مخلّصُ العالم ومنقذُ البشريّة ويومهِ الإلهيِّ الموعود أنشودةَ الأنبياء المقدّسة بحقٍّ والتي لم يكلّوا ولم يملّوا يوماً من ذكرها والتصريح بها والتسلّي بها عمّا كانوا يعانونه من ظلم واضطهاد، وقد سطّروا بذلك أحرفاً من نور في وصفه وذكره تدهشُ العقول وتحيّرُ ألألباب وهي نابعة من أعماق قلوبهم الطاهرة وتحمل في طيّاتها الشوق الكبير والألم المبرّح جرّاء الإنتظار الطويل والحبّ والعشق العارم لهذا الرجل الإلهيّ الموعود(1) . وفيما يلي نماذج على صدق ماندّعي في القرآن أولاً، وفي العهدين ثانياً:

اولاً: في القرآن الكريم

أنَّهُ صاحبُ (يوم الوقت المعلوم )، في قولهِ تعالى:( قَالَ رَ‌بِّ فَأَنظِرْ‌نِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿36﴾ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِ‌ينَ ﴿37﴾ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (2) .

فقد ذكر ذلكَ السيد ابن طاووس، في كتاب سعد السعود:حيث قال:

____________________

(1) وسيكون جلُّ اهتمامنا ومانأخذه في هذا الباب هو من العهدين، لاعتبار ان ماجاء فيهما من عقائد حقّةٍ اما هو من بقايا الوحي كتبهُ الأنبياء(عليهم السلام)، أو هو تفسيرٌ لنصٍّ موحى أثبتهُ الأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام).

(2) سورة الحجر: الآيات: 36-38.

١٠٩

(اني وجدت في صحف ادريس النبي(ع)، عند ذكر سؤال ابليس، وجواب الله له، قال:( قَالَ رَ‌بِّ فَأَنظِرْ‌نِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، قال: لا ولكنك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم،فانه يوم قضيت وحتمت أن اطهّر الارض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي، وانتخب لذلك الوقت عباداً لي امتحنتُ قلوبهم للايمان وحشوتها بالورع والاخلاص واليقين والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والتقى والزهد في الدنيا والرغبة فيما عندي، وأجعلهم دعاة الشمس والقمر، واستخلفهم في الارض وامكن لهم دينهم الذي ارتضيته لهم، ثم يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، يقيمون الصلاة لوقتها، ويؤتون الزكاة لحينها، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وألقي في ذلك الزمان الامان على الارض، فلا يضرّ شيء شيئاً، ولا يخاف شيء من شيء، ثم تكون الهوام والمواشي بين الناس فلا يؤذي بعضهم بعضاً، وانزع حمة كل ذي حمة من الهوام وغيرها، واذهب سم كلّ ما يلدغ، وانزل بركات من السماء والارض، وتزهر الارض بحسن نباتها، ويخرج كل ثمارها وانواع طيبها.

والقي الرأفة والرحمة بينهم فيتواسون ويقتسمون بالسويّة، فيستغني الفقير، ولايعلو بعضهم بعضاً، ويرحم الكبير الصغير، ويوقّر الصغير الكبير، ويدينون بالحق وبه يعدلون، ويحكمون أولئك اوليائي اخترت لهم نبيّاً مصطفى وامنياً مرتضى، فجعلته لهم نبيّاً ورسولاً وجعلتهم له اولياء وانصاراً، تلك امة اخترتها للنبي المصطفى وامنية المرتضى، ذلك وقت حجبته في علم غيبي ولا بدّ انه واقع بيدك يومئذ وخيلك ورجلك وجنودك اجمعين،

١١٠

فاذهب فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم.(1)

ثانياً: في العهدين

1: يوم الصاحب (المنقذ) يومٌ عظيمٌ مهولٌ:

حيث جاء في سفر يوئيل النبي (ع):

(1... صوتوا في جبلي المقدَّس ليرتعد جميع سكان الارض لأنَّ يوم الرب قادمٌ لانه قريب* 2 يوم ظلام و قتام يوم غيم و ضباب مثل الفجر ممتداً على الجبال شعب كثير و قوي لم يكن نظيره منذ الازل و لا يكون ايضاً بعده الى سني دور فدور* 3 قدامه نار تاكل و خلفه لهيب يحرق الارض قدامه كجنة عدن و خلفه قفر خرب و لا تكون منه نجاة* 4 كمنظر الخيل منظره و مثل الافراس يركضون* 5 كصريف المركبات على رؤوس الجبال يثبون كزفير لهيب نار تاكل قشاً كقوم اقوياء مصطفين للقتال* 6 منه ترتعد الشعوب كل الوجوه تجمع حمرة* 7 يجرون كابطال يصعدون السور كرجال الحرب و يمشون كل واحد في طريقه و لا يغيرون سبلهم* 8 و لا يزاحم بعضهم بعضاً يمشون كل واحد في سبيله و بين الاسلحة يقعون و لا ينكسرون* 9 يتراكضون في المدينة يجرون على السور يصعدون الى البيوت يدخلون من الكوى كاللص* 10 قدامه ترتعد الارض و ترجف السماء الشمس و القمر يظلمان و النجوم تحجز لمعانها* 11 و الرب يعطي صوته امام جيشه ان عسكره كثير جداً فان صانع قوله قوي

____________________

(1) سعد السعود، ص34. بحار الأنوار، ج 11، ص152، وج52، ص385.

١١١

لان يوم الرب عظيم و مخوف جداً فمن يطيقه* 12 و لكن الان يقول الرب ارجعوا الي بكل قلوبكم و بالصوم و البكاء و النوح* 13 و مزقوا قلوبكم، لا ثيابكم، و ارجعوا الى الرب الهكم لانه رؤوف رحيم بطيء الغضب و كثير الرافة...

21 لا تخافي ايتها الارض ابتهجي و افرحي لان الرب يعظم عمله* 22 لا تخافي يا بهائم الصحراء فان مراعي البرية تنبت لان الاشجار تحمل ثمرها التينة و الكرمة تعطيان قوتهما* 23... ابتهجوا و افرحوا بالرب الهكم لانه يعطيكم المطر المبكر على حقه و ينزل عليكم مطراً مبكراً و متأخراً في اول الوقت* 24 فتملأُ البيادر حنطة و تفيض حياض المعاصر خمراً و زيتاً * 25 و اعوض لكم عن السنين التي اكلها الجراد الغوغاء و الطيار و القمص جيشي العظيم الذي ارسلته عليكم* 26 فتاكلون اكلاً و تشبعون و تسبحون اسم الرب الهكم الذي صنع معكم عجباً...

و يكون بعد ذلك اني اسكب روحي على كل بشر فيتنبأُ بنوكم و بناتكم و يحلم شيوخكم احلاماً و يرى شبابكم رؤى* 29 و على العبيد ايضاً و على الاماء اسكب روحي في تلك الايام* 30 و اعطي عجائب في السماء و الارض دماً و ناراً و اعمدة دخان* 31 تتحول الشمس الى ظلمة و القمر الى دم قبل ان يجيء يوم الرب العظيم المخوف* 32 و يكون ان كل من يدعو باسم الرب ينجو...*).(1) ومن المؤسف حقَّاً أنَّ الترجمات قد

____________________

(1) العهد القديم، سفر يوئيل، الإصحاح 2، الفقرات كما مبيَّنة في النص.

١١٢

شوَّهت هذا النصَّ كغيرهِ الى حدٍّ كبيرٍ، وقد تسامحَ المترجمون في إطلاقِ بعضِ العبارات في غير محلِّها ومن دون مناسبةٍ فغَدت تعني شيئاً آخرَ، فلو أَنا نظرنا الى فقرةٍ واحدة وتأمَّلنا فيها لشعرنا بمظلوميّة الكتاب المقدس، فلنأخذ على سبيل المثال، الفقرة السادسة من هذا الإصحاح، فقد جاءت في ترجمة الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، الإصدار الثاني، فبراير 2002 م، في مصر، كالآتي: (6 منهُ تَرتَعِدُ الشعوبُ كلّ الوجوه تجمع حمرة *)، بينما جاء في ترجمة الكتاب المقدّس الإصدار الثاني 1995، الطبعة الأولى، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، كالآتي: (6 أمامهم تجبُنُ الشعوب، ومن الخوفِ تصفرُّ جميعُ الوجوهِ)! ولعلَّ المطَّلع يسأَل ألهذا الحدُّ يُغيَّرُ المعنى؟

وفي معرض الجواب نقول: كلاّ، بل الى أبعد من ذلك بكثير!، بل صُرِفَ النصُّ كاملاً عن شكلِهِ الجميلِ الجذّابِ، فماذا لو أنَّنا استعنّا بمترجمين من ذوي الإختصاص والعقائدِ الحقَّةِ ولاندَّعي لهمُ العصمةَ في ذلكَ أَيضاً،لكنَّهم راعوا الدِّقَّة والإختصار قَدَرَ الإمكان، فبدا النصُّ المقدَّس كما يلي:

(ان ارفعوا اصواتكم في جبلي المقدس،لانه الى يوم الصاحب وقرب يوم الظلمة،ويوم تموج الهواء ويوم العجاج والمطر،وفيه تنتشر كثير من الامة والشجعان، لم يكن مثلهم في الاولين ولايأتي كمثلهم في الآخرين، ينتشرون في الجبال، وتكون بين اعينهم نار محرقة، من

١١٣

ورائهم نار موقدة ذات شفير وشهيق، وتكون بين عينيه الارض كالبساتين المخضرة، ومن وراءه الفقراء ولا يقدر احد على الانهزام منه، ويتراكض جنده كالخيل القوي المسرع، واصواتهم يرى كصوت الجنود العظيمة المرتفعة في قلل الجبال، وهم كالنار المحرقة للقشاش، وهم مستعدون للحرب بين يديه كالامة القوية والشجعان العلية، وتبتلي الامم بغضبه، وتسود به الوجوه، وامة الصاحب يركضون كالشجعان ويعلون الحيطان،آخذون طريقهم نصب اعينهم غير تاركيه، يوم يفر المرأ من اخيه ولا ينجيه، وتتزلزل به الاراضي وتترك به السموات وتظلم الشمس والقمر... الى ان يقول:

فيصيح الصاحب قبالة جنده،لانهم كثيرون وهم الشجعان وهم مطيعوه، فيوم الصاحب يوم عظيم مهول، ومن يطيق على ذلك اليوم).(1)

واشارة(الصاحب ) في هذه الترجمة، هي غايةٌ في الروعة والدقة، لانها من الألقاب المخصوصة لمنقذ العالم والمصلح الأعظم في آخر الزمان كما تواترت بذلك الأخبار الشريفة: فهو الصاحب، وصاحب الكرة البيضاء، وصاحب الدار، وصاحب الرجعة، وصاحب الغيبة، وصاحب الناحية: وهذا يطلق عليه وعلى جده وابيه، وصاحب الزمان، وصاحب الامر، وصاحب

____________________

(1) الزام الناصب في إثبات الحجة الغائب:ج1 ص148 - 149، البشاره الثانيه والعشرون، حيث جاء في الفصل الثاني من كتاب حورل النبي (ع):...الخ.وقد وُضعت كلمة (حورل) بدل (يوئيل) ولعلَّهُ تصحيفٌ أوسهوٌ...والأمر واضح.

١١٤

العصر، وصاحب الدولة البيضاء، وصاحب الدولة الزهراء.(1) وما دمنا في ذكر المنقذ بلسان الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، دعونا نستمعُ الى انشودة العشاق الوالهين، التي كتبها احد أعاظم أنبياء الله السابقين، حيث يُسلّي نفسه المقدسة بذكر حبيبه الموعود،ويبثّ إليه الشكوى والالم، ويخبره بأنّ عشاقه يلهجون بذكره في الشدّة والرخاء،ويتفحصون عنه في كل مكان وزمان، ذلك لانّ المحب الواله لا تهدأ ثورته إلاّ بلقاء محبوبة الاوحد، لتنكشف همومه وغمومه باشراقةِ نور وجه المبارك،كما في النقطة التالية.

2: العشقُ والإنتظارُ لحبيبهم المنقذ

حيث قال شعيا(2) النبي (ع) في كتابه:

(2 افتحوا الابواب لتدخل الامة البارة الحافظة الامانة* 3 ذو الراي الممكن تحفظه سالماً سالماً لانه عليك متوكل* 4 توكلوا على الرب الى الابد...* 5 لانه يخفض سكان العلاء يضع القرية المرتفعة يضعها الى الارض يلصقها بالتراب* 6 تدوسها... اقدام المساكين*...

8 ففي طريق احكامك يا رب انتظرناك الى اسمك و الى ذكرك شهوة النفس* 9 بنفسي اشتهيتك في الليل ايضاً بروحي في داخلي اليك ابتكر لانه حينما تكون احكامك في الارض يتعلم سكان المسكونة العدل* 10

____________________

(1) انظر: اليزدي الحائري، الزام الناصب في إثبات الحجة الغائب:ج1 ص482 و ص486.

(2) شعيا: أشعيا: أشعياء: إشعيا: وإشعياء، النبّىّ(ع): من أعاظم أنبياء بنى اسرائيل.

١١٥

يرحم المنافق و لا يتعلم العدل في ارض الاستقامة يصنع شراً و لا يرى جلال الرب* 11 يا رب ارتفعت يدك و لا يرون يرون و يخزون من الغيرة على الشعب و تاكلهم نار اعدائك* 12 يا رب تجعل لنا سلاماً... * 13 ايها الرب الهنا قد استولى علينا سادةٌ سواك بك وحدك نذكر اسمك* 14 هم اموات لا يحيون اخيلة لا تقوم لذلك عاقبت و اهلكتهم و ابدت كل ذكرهم* 15 زدت الامة يا رب زدت الامة تمجدت وسعت كل اطراف الارض* 16 يا رب في الضيق طلبوك سكبوا مخافتة عند تاديبك اياهم* 17 كما ان الحبلى التي تقارب الولادة تتلوى و تصرخ في مخاضها هكذا كنا قدامك يا رب* 18 حبلنا تلوينا كاننا ولدنا ريحا لم نصنع خلاصاً في الارض و لم يسقط سكان المسكونة* 19 تحيا امواتك تقوم الجثث استيقظوا ترنموا يا سكان التراب لان طلك طل اعشاب و الارض تسقط الاخيلة* 20 هلم يا شعبي ادخل مخادعك و اغلق ابوابك خلفك اختبئ نحو لحيظة حتى يعبر الغضب* 21 لانه هُوَ ذا الرب يخرج من مكانه ليعاقب إثمَسُكان الارض فيهم فتكشف الارض دماءها و لا تغطي قتلاها في ما بعد*).(1)

____________________

(1) العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 26، الفقرة 2-21، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. سفر أشعيا 26: 2-21،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 938-939.والنصُّ كصاحبه المتقدّم إذ يلاحظ الفرق الواضح في عبارت الترجمة التي قد تشوّش النص، ولكن بالرجوع الى ترجمة أهل الخبرة والعقائد الحقة يظهر جمال ودقة النص، فانظر: الزام الناصب: ج1 ص153-156: عن شعيا النبى (ع): فى السيمان السادس والعشرون (الإصحاح 26)، فى بيان اخباره بالمهدى (عج)، حيث جاء فيه: « يا نور الله! ان ذكرك واسمك اقصى مقاصدنا، وظهورك لنا في الليالي أسنى مرامنا، ولاجله استيقظت في طلوع الصبح أرواحنا. يا نور الله! اذ قلعت من على الارض المجانين، تعلم العدل منك ساكنيها، ولذلك لم ترحم المنافق، لانه حينئذٍ لا يتعلم العدل منك، مع ذلك لمعصية في ارض تسكنها المقدسون. فيانور الله! تعلوا يدك =

١١٦

فلو نظرنا الى هذا الرجل الالهي العظيم عن قربٍ وتأمّلنا في عشقه المقدس،ولنرمي وراءَنا ماصنعتهُ آفات الترجمة وأيادي العبث، لأنَّهُ

____________________

= القاهرة انشاء الله، فلا يرون ويرون، وتندم حسادك وتحرق اعاديك نار غضبك. فيانور الله!كنا في غيبتك، وعدم حضورك، واستتارك مأسوراً متصرفاً، ومع ذلك كنا نسلّي قلوبنا بذكرك،فلا ترجع اهل النار، فتنكسر وتنعدم، من كنا في تصرفه واذاه حيث يمحي عن الارض ذكره واسمه. يا نور الله! ليست جلالتك بديعة،بل انما هي قديمة، وتابعوك تفحصوا عنك في ضيقهم، وحديثك دينهم وطريقتهم في الشدة،وسيقولون في رخائهم: انا كنا في غيبتك كالمرأة الحامل، المتحملة لضيق المخاض ووجع الارتياض، ونقر بسوء اعمالنا، وان بسببه وادبارنا عن العدل أصابنا ما أصابنا، ولم ينقطع اثار الجبارين عنا، فلو أنا سمعنا ما اقرعت اسماعنا من كلام ربنا ووعينا، لقطعت عنا اذى الجبارين من قبل، ولأدركنا زمان الفرج والراحة، فما جرعناها من أذاهم ليست إلاّ بما كسبت ايدينا، فانا لم نخلص اعمالنا، فأخّرنا ظهورك فنحن السبب في استتارك...الى قوله (ع) في السيمان السادس والعشرين (إصحاح 26) من خطاب شعيا لقومه: « يا قوم ادخلوا مساكنكم، واغلقوا عليكم ابوابكم مدة انقضاء الغضب،فان هذا نور الله، سيظهر لديوان العاصين، وقلعهم من الارض، راداً عصيانهم اليهم، وستظهرالارض حينئذٍ دمائها وقتلاها، وسينتقم يومئذٍ نور الله عنهم، اي الجبابرة والقتلة بسيفه القوي الشديد...». فلننظر الى هذا الرجل الالهي العظيم عن قرب ولنتأمّل في عشقه المقدس، فهو ينظربنور الله ويسمع بسمعه،لذا فهو يشير الى منقذ العالم عن قرب اذ يقول: (...هذا نور الله سيظهر...)، وكأنه يعيش في عصرنا هذا ويتكلم بلغتنا اليوم، بل وكأنه يلقي علينا قصيدة في الحبّ العذري، منظومة كنظم الدرر. ورغم الزمن والترجمات المتعاقبة ورغم كل شيء وصلت الينا غضة طريّة. وهذا ليس بعجيب، لان الله بالغ امره، ولان انبياءه واهل كرامته قد كُشفت لهم الحجب ونظروا الى عالم الملكوت الاعلى كنظرهم الى هذا العالم الأدنى!. ألا ترى انه يخاطب معشوقه وهو في عالم الاشباح، ويتلذذ بمناجاته، ويعرفه المعرفة الحقّة؟.

١١٧

ينظر بنور الله ويسمع بسمعه، لذا فهو يشير الى منقذ العالم في أكثر من مكانٍ في هذا الإصحاح، فهو يأمرُ في البدءِباستقبال (الأُمَّة البارَّة حافظة الأمانة) والإذن لها بالدخول، فمن يعني بهذه العبارات(1) ؟، ثمَّ يشرعُ بذكرِ وقائع في آخر الزمان، وقد توهَّم المفسِرون من أهل الكتاب، وكذلك المترجمون بوضع كلمة (الربّ) أو مايشاكلها بدلَ الأوصاف الخاصة بمنقذ العالم أو لأمرٍ آخر والله العالم.

3: أَنَّهُ المقيمُ لمملكةِ العدل والسلام الإلهيّة الكبرى

قال شعيا النبيُّ (ع) أيضاً مبشراً بأمل الإنسانيّة:

« ان نور الله يقوم لديوان المساكين، وينتقم للمظلومين،متحزّمٌ بالايمان، ومستظهربالعدل، يرعى في زمانه الذئب والشاة على المرعى، والنمر والمعز يتراكضان معاً، والاسد والبقر يأكلان معاً، ويدخل الرضيع يده في جحر الحشرات والحيات ».(2)

وقال (ع) أيضاً:

« ألا انبئكم بحديث الاخبار، واعلمكم بها قبل وقوعها،ستقرّون وتثنون لنور الله ثناء جديداً، ومنتهى الارض في البحر والجزائر عند

____________________

(1) وسنقفُ عندها في موضوع: (النواةُ الأُولى للدولة العالمية). وللمزيد انظر: مزمور 101: 6 (أُمناء الأرض). وأشعيا 30: 18 (منتظروا الربّ). ومزمور 47: 9-10 (شعبُ إله إبراهيم). ومزمور 111: 6 (شعبُ الله)... الخ.

(2) انظر: سفر أشعيا 11:4، 6، 8، تحت عنوان مملكة السلام، والنصُّ أعلاه كما في ترجمة: الزام الناصب:ج1 ص156، عن كتاب شعيا النبى (ع):آخر السيمان الحادى عشر.

١١٨

سكنة تلك الجزائر » .(1)

4: أَنَّهُ القائمُ المنتظرُ المطلوبُ بالضرورة

وقد ذكرهُ أشعيا النبيّ (ع) بأحد أهمّ القابه المخصوصة وهو (القائم) وأنهُ هو المنتظرُ والمطلوبُ من قبل الشعوب والأُمم بالضرورة حيث قال:

(وفي ذلك اليوم سيرفع «القائم » رايةً للشعوب والامم التي تطلبه وتنتظره ويكون محله مجداً) .(2)

وسيأتي تفصيل ذلك في محلّه إنشاء الله تعالى.

5: أنَّهُ هو المدعو لهُ في صلاةِ الأنبياء (ع)

وجاء في سفر حبقوق النبيّ (ع):

1 وأنشدَ حبقوقُ النبيّ هذه الصلاةَ 2 يا ربُّ، سمعتُ بما عملتَ فَخفتُ، أعدهُ في أيامنا وعرّف به، وفي غضَبكَ أذكر رَحمتكَ 3 الله يَجيءُ من تيمان، القدوس من جبل فاران. غطّى جلالُهُ السماوات و امتلات الارضُ من التهلّلُ لهُ 4 يجيءُ كلمعان البرق ومن يده يسطعُ النورُ وفيها تستترُ عزَّتُهُ 5 قدام وجهه يسيرُ الوباء ووراء قدميه الموت 6

____________________

(1) سفر أشعيا 42: 9، 10، تحت عنوان مملكة السلام.

(2) فقد أردف كلمة (يسّي) بالقائم، فقال: يسّي القائم...الخ.سفر أشعيا 11: 10،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 924. وقد تُركت كلمة (يسَّي) على حالها دون ترجمة. ولاحظ النصيين العبري والعربي وترجمة أُستاذ اللغة العبرية المتخصّص في جامعة بغداد (الشيخ كاظم النصيري الواسطي) في: (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص123-127، وكيفيّة حلّه العلمي لهذه المشكلة.

١١٩

يقفُ فتهتزُّ الأرضُ، وينظرُ فترتعدُ الاممُ.تَتَحطَّمُ جبال الدهر و تنخسفُ تلالُ الأزَل، حيثٌ سارَ في قديم الزمن 7 رايتُ البلاءَ في خيام كوشَ ولإضطرابَ في مساكن مديان 8 أعَلى الانهار يتَّحدُ غَضَبُك؟ أعلى البحار غيظُك ياربُّ؟ حينَ ركبتَ خيلكَ ياربُّ ومركباتكَ المنتصرةَ 9 وشَدَدتَ قوسَكَ شَدّاً، وسدَّدتَ سهامكَ، شّقَّت بُروقُكَ الأرضَ ياربُّ 10 وانحلَّت الجبالُ لرؤياكَ، المياهُ انهمرت وطَمَت والغمرُ أطلَقَ صوتَهُ وارتفعت أمواجُهُ الى العلاء 11 الشمسُ والقمرُ في بُرجيهما وَقَفا لتَطاير سهامكَ وضياء بريق رمحكَ 12 وَطئتَ الأرضَ بسُخطٍ، وبغضبٍ دَعَستَ الأُمم 13 خَرَجتَ لخلاص شعبكَ، لخلاص الملك مسيحكَ، فَهَدَمتَ دَعامةَ بيت الشّرّير وعَرَّيتَ أساسهُ الى الصّخر 14 طَعَنتَ برماحكَ رُؤُوسَ قادَته حينَ جاؤُوا كالزَّوبعَة لتَشتيتنا كَمن يغدُرُ بالمسكين في الخفيَة 15 دُستَ البحرَ ياربُّ بخَيلكَ ورُكامَ المياه الغزيرة 16 سَمعتُ هذا فَخَفَقَت أحشائي وَرَجَفَت شَفَتايَ عندَ سماعه. عظامي دخلها النخرُ، ورَجَفت قدمايَ تحتي. بهُدوءٍ أنتظرُ يومَ الضيق ليحلَّ بالمعتدينَ علينا....(1)

____________________

(1) سفر حبقوق، 3: 1 - 16،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 1224. انظر: العهد القديم، سفر حبقوق النبيّ، الإصحاح 3، الفقرات، 1-16، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. وانظر الى آثار الترجمة كيفَ تلعبُ دورها حيث جاء فيه مايلي وعلى نحو الإختصار:

(3 الله جاء من تيمان و القدوس من جبل فاران... جلاله غطى السماوات و الارض امتلات من تسبيحه 4 و كان لمعان كالنور له من يده شعاع و هناك استتار قدرته 5 قدامه ذهب الوبا =

١٢٠