المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية23%

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 260

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112826 / تحميل: 7166
الحجم الحجم الحجم
المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهذه النظرية اختارها ابن البطريق (ت ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ)(١) ، ووافقه عليها غيره .

وإذا ثبت أنّ معنى المولى هو الأولى بالشيء ، يكون ذلك هو المراد من آية الولاية ؛ لأنّه المعنى الوحداني والأصل للفظ الولي ، وتختلف الموارد بحسبها ، فيكون مفاد آية الولاية مفاد قوله تعالى :( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (٢) ، الأولى بالتصرّف ، ويشهد لذلك ما نقله ابن منظور في لسان العرب ، عن ابن الأثر قوله : ( وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي )(٣) ، وقريب من هذا المعنى ما ذكره بعض اللغويين في معاجمهم اللغوية .

الاستدلال على المستوى القرآني :

إنّ الآية المباركة :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) تضمّنت دلالات وافرة لإثبات المطلوب ، ومراعاة للاختصار نكتفي بالإشارة المفهمة لبعض منها :

١ – إنّ صيغة التعبير في الآية الشريفة جعلت الولاية بمعنى واحد ، حيث قال :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ و ) فلو كانت ولاية الله تعالى تختلف عن ولاية( الّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لكان الأنسب في التعبير أن تفرد بالذكر ولاية أخرى للمؤمنين ؛ لكي تحول

ـــــــــــــ

(١) عمدة عيون الأخبار ، ابن البطريق : ص ١١٤ ـ ١١٥ .

(٢) الأحزاب : ٦ .

(٣) لسان العرب : ابن منظور : ج ١٥ ص ٤٠٧ ؛ النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ٢٢٧ .

٦١

دون وقوع الالتباس ، نظير قوله تعالى :( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) ، فكرّر لفظ الإيمان في الموضعين ؛ بسبب تكرّر معنى الإيمان وتغايره فيهما .

إذن لابد أن تكون الولاية في الآية المباركة بمعنى واحد في جميع الموارد التي ذكرت فيها ، وهي الأصالة لله تعالى ، وبالتبع لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .

وولاية الله تعالى في الآية المباركة ولاية عامّة وشاملة لولاية التصرف ، والتدبير ، والنصرة وغيرها ، قال تعالى حكاية عن نبيّه يوسفعليه‌السلام :( أنت وليّي في الدّنيا والآخرة ) (٢) ، وقال عزّ وجلّ :( فَمَا لَهُ مِن وَلِيّ مِن بَعْدِهِ ) (٣) ، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك .

٢ ـ إنّ الولاية التي هي بالأصل لله عزّ وجلّ جعلها لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبع ، فلرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولاية العامّة على الأمة ، من الحكم فيهم ، والقضاء في جميع شؤونهم ، وعلى الأمة التسليم والطاعة المطلقة بلا ضيق أو حرج ، كما في قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥) .

خصوصاً وإنّنا لا نجد القرآن يعدّ النبي ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٦١ .

(٢) يوسف : ١٠١ .

(٣) الشورى : ٤٤ .

(٤) النساء : ٥٩ .

(٥) الأحزاب : ٣٦ .

٦٢

وهذا المعنى من الولاية الثابتة لله تعالى ورسوله ، عُطفت عليه ولاية :( الذين آمنوا ) ، وهذا يعني أنّ الولاية في الجميع واحدة ؛ لوحدة السياق وهي ثابتة لله عزّ وجلّ بالأصالة ، ولرسوله وللذين آمنوا بالتبع والتفضّل والامتنان .

إذن الولاية الثابتة في الآية لعليعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وإنّ معنى الولي في الآية تعني الأولى بالتصرّف ، وممّا يؤكّد ذلك مجيء لفظ ( وليّكم ) مفرداً ونسب إلى الجميع بمعنى واحد ، والوجه الذي ذكره المفسّرون لذلك هو أنّ الولاية ذات معنى واحد ، لله تعالى أصالة ولغيره بالتبع .

الاستدلال على المستوى الروائي :

هناك عدّة من القرائن والشواهد الروائية لإثبات المطلوب :

أوّلاً : لو كانت الولاية الثابتة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى النصرة ، لما وجد فيها مزيد عناية ومزيّة ومدح لعليعليه‌السلام ؛ لأنّها موجودة بين جميع المؤمنين :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، وعليعليه‌السلام كان متصفاً بهذه المحبّة والنصرة للمؤمنين منذ أن رضع ثدي الإيمان مع صنوه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن لو أمعنّا النظر في الروايات الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقيب

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٧١ .

٦٣

نزول آية الولاية ، لوجدنا أنها تثبت مويّة ومنقبة عظيمة لعليعليه‌السلام ، ففي الرواية أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول الآية :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه ) (١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية أيضاً :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (٢) ، إذاً في الآية الكريمة مزيد عناية تفترق عن تولّي المؤمنين بعضهم لبعض ، وليس تلك المزيّة العظيمة إلاّ ولاية التصرّف والإمرة .

ثانياً : إنّ الولاية التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، هي ولاية تدبير وتصرّف ؛ لأنّها نفس ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه من كيفية إعلان الولاية من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث قال :( ألست أولى بكم من أنفسكم ) ، وهذه الولاية ـ التي هي ولاية تصرّف ـ هي نفسها الولاية التي تثبتها الآية الشريفة :( إنّما وليّكم ... ) لعليعليه‌السلام .

من هنا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقّب ـ بعد نزول آية الولاية في حقّ عليعليه‌السلام ـ بقوله :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) ،

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٦ .

(٢) مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ص ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ، سنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٤٣ ح ١١٦ ؛ الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ـ ص ١٠٨ ص ١٦٤ ؛ وقال فيه : ( عن سعيد بن وهب رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً ؛ فراجع .

٦٤

وهذا يكشف عن كون الولاية ولاية تصرّف ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار ذلك الحشد المتنوع من الروايات الذي يؤكّد على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقرن طاعته بطاعة الله ورسوله ، كل ذلك يكشف عن أن ولايتهعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وأنّه الأولى بالتصرّف ؛ لذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليعليه‌السلام :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاعك فقد أطاعني ، ومَن عصاك فقد عصاني ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ؛ فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ) ، قال الحاكم أيضاً : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٢) .

وعن عبد الرحمان بن عثمان قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب ، وهو يقول : (هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَن نصره مخذول مَن خذله ، ثم مدّ بها صوته ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

وغيرها الكثير من الروايات التي تشاركها بالمضمون ذاته .

ثالثاً : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب من الله تعالى أن يشدّ عضده بأخيه

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر : ٤٢ : ص ٣٠٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٣) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٩ .

٦٥

عليعليه‌السلام ، كما شدّ الله تعالى عضد موسىعليه‌السلام بأخيه هارونعليه‌السلام ، فنزلت الآية :( إنّما وليّكم ) بشرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بجعل عليعليه‌السلام وليّاً وخليفة من بعده ، وهذا يدلل على أنّ الولاية لعليعليه‌السلام لم تكن مجرّد نصرة ومحبّة ، بل كانت ولاية أولوية بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الحال في هارونعليه‌السلام ، باعتبار أولويته بالأمر والإمرة بعد موسىعليه‌السلام ، عندما خلّفه في قومه .

رابعاً : احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أولويته بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآية الولاية ، حيث قالعليه‌السلام مخاطباً لجمع من الصحابة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنشدكم الله : أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وحيث نزلت : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) ، قال الناس : يا رسول الله : أخاصّة في بعض المؤمنين ، أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم ، وزكاتهم ، وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم ) (١) وهذا يكشف عن كون المراد بالآية هو الأولى .

وبذلك يتحصّل أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، وأنّ الآية بصدد جعل الولاية لعليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ص ٢٢٢ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي : ج ١ ص ٣٤٦ ، شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٢٩٥ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ .

٦٦

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟

الشبهة :

الشيعة يستدلّون بشأن نزول آية الولاية على الإمامة ؟

الجواب :

بعد أن أطبقت الأمّة وأجمع المحدّثون والمفسّرون على نزول الآية المباركة في الإمام عليعليه‌السلام مع صراحة الآية في إثبات الولاية ، ومباركة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليعليه‌السلام بقوله :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي النعمة ) ، لا يبقى أي مجال لمثل هذه التشكيكات والشبهات ، سواء كان الاستدلال بالآية استدلالاً مباشراً ، أم كان عن طريق شأن النزول ، الذي هو عبارة عن الأحاديث المتواترة والصحيحة والصريحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أمرنا الله تعالى بالتمسّك بها بقوله :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، وعليه فلا ينبغي التهاون والتقليل من شأن هذه الأحاديث القطعيّة ، كما يظهر ذلك من كلام صاحب الشبهة .

ويمكن أن نحقق استيعاباً جيداً لمسألة ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ وذلك من خلال الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تعرّضت لبيان هذا المعنى ، فضلاً عمّا أشاعته آية الولاية من مناخ سائد حيال هذه المسألة ، من تقديم التهاني والتبريكات من قِبل الصحابة إلى عليعليه‌السلام الصحابة وإنشاد الشعر والمديح بهذه المناسبة العظيمة ، وهذا يكفي لسدّ كل منافذ الريب والتشكيك ، ومعالجة ما يطرأ على الأذهان من التباسات .

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

٦٧

الخلاصة

لا مجال لمثل هذه التشكيكات ، بعد أن أجمعت الأمة على نزول الآية في شأن عليعليه‌السلام ، وسواء كان الاستدلال بالآية ذاتها أم من طريق شأن النزول الثابت قطعاً كونه بخصوص عليعليه‌السلام فهو يثبت المطلوب ، ولا معنى للإصغاء لمثل هذه الأوهام .

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

الشبهة :

إنّ علياً كان فقيراً فكيف يتصدّق بالخاتم إيتاءً للزكاة ؟

الجواب :

ما أكثر المدّعيات التي تُرفع من دون أي دليل ولا برهان يدعمها ، ومن أغرب المدّعيات التي تُثار للتشكيك في صحّة نزول آية الولاية في الإمام عليعليه‌السلام هذا الإشكال الآنف الذكر ، إلا أنّنا توخّياً لدرء مثل هذه التشكيكات التي تطرأ على بعض الأذهان نقول :

أوّلاً : إنّ لفظ الزكاة لغةً شامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى ، ونلمس هذا المعنى في عدّة من الآيات المباركة ، وكقوله تعالى:( وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً ) (١) ، وكذا ما قاله القرآن بحق إبراهيم وإسحاق ويعقوبعليهم‌السلام :( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ ) (٢) ، وغيرها من الآيات التي تشاركها في المضمون ، ومن المعلوم أنّه ليس في شرائعهمعليهم‌السلام الزكاة المالية المصطلحة في الإسلام .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٣١ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

٦٨

ومن هنا فقد استعمل القرآن لفظ الزكاة في الآية الشريفة بمعناها اللغوي الشامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى أي الزكاة المستحبّة ( زكاة تطوّع ) ؛ ولذا نرى أنّ الجصاص ـ في أحكام القرآن ـ فهم أنّ المراد بالزكاة في الآية ، هي زكاة التطوّع ، حيث قال : ( قوله تعالى :( وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ، وهو نظير قوله تعالى :( وَما آتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (١) .

ثانياً : لو فرضنا أنّ المراد من الزكاة في الآية هي الزكاة الواجبة ، فليس من الغريب أن يمتلك الإمام عليعليه‌السلام أوّل نصاب من مال الزكاة وهو مقدار (٢٠٠ درهم) ، ومَن ملك ذلك لا يعدّ غنيّاً ، ولا يُطلق عليه اسم الغني شرعاً .

ثالثاً : بعد أن ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بإجماع الأمة واتفاق المفسّرين والمحدّثين ، ولم ينكر أحد على الإمام عليعليه‌السلام تصدّقه بالخاتم ، وإنّما الكل فهم المزيّة والكرامة لهعليه‌السلام لا يبقى أي مجال للإنكار والتشكيك .

ومن هنا نلاحظ أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بادر المباركة للإمام عليعليه‌السلام عقيب نزول الآية الكريمة ، وقام الشعراء بإنشاء القصائد الطافحة بالمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، كل ذلك نتيجة طبيعية للمناخ الذي أشاعته الآية في أوساط المسلمين ، من إثبات الولاية للإمام عليعليه‌السلام ، فإذا ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بالدلائل والبيّنات القاطعة لا معنى للاستنكار والتشكيك ، خصوصاً وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمد الله على هذه النعمة التي اتمّها لعليعليه‌السلام ، وبارك الصحابة بأقوالهم وأشعارهم للإمام عليعليه‌السلام تلك المنقبة .

ـــــــــــــ

(١) أحكام القرآن ، الجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ .

٦٩

الخلاصة

١ – إنّ لفظ الزكاة شامل لكلّ إنفاق لوجه الله تعالى واستعملها القرآن بذلك .

٢ ـ لو سلّمنا أنّ لفظ الزكاة في الآية استعمل في الزكاة الواجبة التي هي أقلّ نصابها ٢٠٠ درهم ، فإنّ مَن يملك هذا المبلغ لا يُعدّ غنيّاً شرعاً .

٣ – قام الإجماع على نزول آية الولاية في حق الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينكر أحد آنذاك ما استنكره صاحب الشبهة ، بل أنشد الشعر والمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، مع مباركة الصحابة .

آية البلاغ تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

الشبهة :

إنّ استدلال الشيعة بآية البلاغ على الإمامة يبطل كل الاستدلالات السابقة التي يستدلّون بها ؛ لأنّ آية البلاغ مدنية ، فتدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً .

الجواب :

أوّلاً : لابد أن نفهم كيفية تعاطي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم والمبادئ الإسلامية المهمّة التي تمثّل الأساس في منظومة الدين الإسلامي ، والتي ينبغي التأكيد عليها من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من غيرها ، ومن جملة المفاهيم الأساسية هي الإمامة ، حيث نلمس غاية الانسجام ومنتهى الملائمة بين جميع البيانات السابقة لإثبات الإمامة والتنصيص عليها ، فكل تلك المواقف والبيانات كانت تتناسب مع خطورة وأهميّة مبدأ كمبدأ الإمامة والولاية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلابد من تأسيسه وتشييد أركانه وجعله وعياً إسلامياً عاماً ، وآية البلاغ جاءت ضمن ذلك السياق وتلك الخلفية ، فهي نزلت في ذلك الظرف لتحمل في طيّاتها العديد من الأمور المهمّة التي تتعلّق بحقيقة الإمامة ، منها :

٧٠

١ ـ أنّها جاءت لتصرّح بقضية مهمة جداً ، وهي أنّ ترك تنصيب علي بن أبي طالبعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأكملها ، وهذا ما يتجلّى واضحاً عند التأمّل في الآية :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١) ، وعلى ضوء ذلك تعرف السر في نزول هذه الآية المباركة في أواخر حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث تكشف عن أهمية الإمامة والولاية في المنظومة الدينية ، ومن هذا المنطلق يظهر لك سبب ذلك الحشد المتنوّع من النصوص القرآنية والروائية التي تؤكّد على ضرورة وأهمية موقع الإمامة في الإسلام بأجمعه ؛ ذلك لكي ينطلق الإسلام في قيادة جديدة تكون في جميع مجالاتها وآفاقها امتداداً للقيادة النبوية ، لتبقى المسيرة مستمرة والرسالة محفوظة .

وممّا يؤكّد أهمية الإمامة والولاية هو ما نجده واضحاً في أقوال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تبليغ مقام الولاية وتعيين الولي للناس ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فليبلّغ الشاهد الغائب ) (٢) ، فإنّ اهتمامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشديد في إيصال خطابه الشريف إلى جميع المسلمين يكشف عن خطورة الأمر ، وأنّه ممّا تتوقّف عليه ديمومة الإسلام .

بالإضافة إلى ما يكتنف الآية المباركة من القرائن الحالية الكثيرة والواضحة الدالة على أهمية هذا الأمر ، وتأثيره المباشر على مسيرة الإسلام ، كنزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرّ الهجير والسماء صافية ، والمسلمون واقفون على الحصباء والرمضاء التي كادت تتوقّد من حرارة الشمس ، حتى أنّه نقل الرواة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحر وضع بعض الناس ثوبه على رأسه ، وبعضهم استظلّ بمركبه ، وبعضهم استظلّ بالصخور ، ونحو ذلك .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٦٧ .

(٢) كما جاء ذلك في أكثر المصادر الروائية والتفسيرية التي نقلت حديث الغدير ، وقد ذكر ابن حجر أنها (قد بلغت التواتر) ، لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني : ج ١ ص ٣ .

٧١

وكذلك أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع مَن تقدّم ، وتقدّم مَن تأخّر .

مضافاً إلى حضور ذلك الجمع الغفير من الصحابة والمسلمين الذين حضروا لأداء مناسك الحج من سائر أطراف البلاد الإسلامية ، وغير ذلك من الأمور التي تدل على خطورة الأمر وأهميته .

٢ ـ إنّ آية البلاغ التي بلّغها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر حياته ، جاءت تحمل في طيّاتها الإشارة إلى قضية مهمة جداً في الدين الإسلامي ، وهي تحديد معالم أطروحة الإمامة في الإسلام ، مؤكّدة على أنّ الإمامة شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية منها والحكومية والمرجعية وغيرها ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو موضع النزاع مع أتباع مدرسة الخلفاء ، حيث إنّهم يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط ، فإذا لم يستلم الحكومة لا يكون إماماً ، على خلاف معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، التي تعتقد أنّ منصب الحاكمية يمثّل أحد أبعاد الإمامة لا جميعها .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاء تبليغها بصيغة الإعلان الرسمي للولاية والإمامة والتتويج العام للإمام عليعليه‌السلام أمام المسلمين ، ويشهد لذلك كيفية التبليغ ، حيث جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس وأمر أن يردّ مَن تقدم منهم ومَن تأخّر عنهم في ذلك المكان ، وجمعت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقتاب الإبل وارتقاها آخذاً بيد أخيه عليعليه‌السلام معمّماً له أمام الملأ صادعاً بإبلاغ الولاية ، ثم إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب بنفسه البيعة من الناس لعليعليه‌السلام ، وبادر الناس لبيعتهعليه‌السلام وسلّموا عليه بإمرة

٧٢

المؤمنين ، وهنّأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّاًعليه‌السلام ، وأوّل مَن تقدّم بالتهنئة والبخبخة ، أبو بكر ثم عمر بن الخطاب وعثمان و...(١) ، وقد روى الطبري في كتابه الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤدّيه إلى أولادنا وأهلنا لا نبتغي بذلك بدلا ) (٢) .

ثم استئذان حسان بن ثابت من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنظم أبيات في الواقعة تدل على أنّه لم يفهم من الحديث غير معنى الخلافة والولاية .

وكذلك يؤكّد كل ما قلناه احتجاج أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بحديث الغدير في مواضع عديدة ، حيث كان يحتج على أولئك الذين تركوا وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهعليه‌السلام : (أنشدكم بالله أمنكم مَن نصّبه رسول الله يوم غدير خُم للولاية غيري ؟ قالوا : اللهم ، لا ) ، وفي موضع آخر ( قال :أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، ليبلغ الشاهد الغائب ، غيري ؟ قالوا : اللّهمّ ، لا )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ٢٠٣ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ح ١٢٠ ؛ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص ٣٦ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٥ ص ٨ ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ؛ وغيرها .

(٢) كتاب الولاية : محمد بن جرير الطبري : ص ٢١٤ ـ ٢١٦ .

(٣) انظر : مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ؛ ج ٤ ص ٣٧٠ ؛ ج ٥ ص ٣٧٠ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٤ ، ص ١٠٧ ؛ المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٤٩٩ ؛ كتاب السنّة : عمرو بن أبي عاصم : ص ٥٩١ ، ص ٥٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٩٦ ؛ مسند أبي يعلى : ج ١ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٥٦٧ ؛ ج ١١ ص ٣٠٧ ح ٦٤٢٣ ؛ المعجم الصغير : الطبراني : ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٥ ؛ المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٣٢٤ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٧١ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٣٣٢ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٩٥ ؛ وغيرها .

٧٣

٤ ـ لم يكتف الله تبارك وتعالى بكل البيانات السابقة من النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنزل في ولاية عليعليه‌السلام تلك الآيات الكريمة تتلى على مرّ الأجيال بكرةً وعشيّاً ؛ ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين ، وليعرفوا رشدهم والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم ويتبعوه في قيادته .

٥ ـ لو اقتصر في تبليغ الإمامة على تلك البيانات الخاصة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصرة على حضور بعض الصحابة ؛ لضاعت وأصبحت روايات ضعافاً ، ولما وصلت إلينا بشكل واضح ومتواتر كما جاءتنا آيات وروايات البلاغ ؛ وذلك بسبب منع تدوين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهد الخلفاء ، ولتولّي بني أمية وأعداء أهل البيتعليه‌السلام تدوين الحديث فيما بعد .

الخلاصة

أوّلاً : إنّ تعاطي القرآن الكريم والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم الأساسية في الإسلام ـ كالإمامة ـ يختلف عن غيرها من المفاهيم الأخرى ؛ ولذا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكّد عليها مراراً وشيّد أركانها ، مستثمراً كل مناسبة يمكن استثمارها في ذلك ، ومن هنا نلتمس أسباب كثرة البيانات والتصريحات المتكرّرة من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذلك لكي يكون الاهتمام والتبليغ متناسباً مع أهمية ذلك الأمر ؛ ولذا نرى الانسجام والملائمة بين التبليغات النبوية ، والآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد ، وبالخصوص آية البلاغ التي جاءت ضمن الاهتمامات القرآنية بمسألة الإمامة ، وقد حملت آية البلاغ العديد من المعطيات المهمة في مسألة الإمامة ، منها:

١ ـ إنّ الآية المباركة جاءت لتبيّن أنّ ترك تنصيب الإمام عليعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأجمعها ، كما هو واضح من قوله تعالى :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ) وممّا يؤكّد أهمية هذا التبليغ للإمامة ملاحظة الظروف التي رافقت عملية التبليغ من شدّة الحرّ ، وأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع المتقدّم ولحوق المتأخّر ، والجمع الغفير الذي حضرها ، كل ذلك يدل على أهمية الأمر وخطورته .

٧٤

٢ ـ إنّ تبليغ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للآية في أواخر حياته جاء مؤكّداً على بيان أطروحة الإمامة في الإسلام ، وأنّها شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية والدينية والحقوقية والقضائية ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو محل النزاع بين السنّة والشيعة ، حيث إنّ السنّة يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاءت بصيغة الإعلان الرسمي لولاية الإمام عليعليه‌السلام كما هو واضح من خلال عملية التنصيب وطريقته ومباركة الصحابة له بالولاية وإنشاء الشعر ونحوها ، وكذلك احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير في مناسبات عديدة على أحقّيّتهعليه‌السلام في الخلافة .

ثانياً : إنّ الله تعالى لم يقتصر على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبليغ لولاية الإمام عليعليه‌السلام ، بل هنالك عدّة من الآيات جاءت مؤكّدة لتلك الولاية لتتلى بكرةً وعشياً على مرّ الأجيال ، وتكون شاهدة وحجّة عليهم .

ثالثاً : لو اقتصر في تبليغ الولاية على البيانات الخاصة المقتصرة على حضور بعض الصحابة ، سوف يُعرّضها ذلك للضياع ، لا سيّما مع ملاحظة منع تدوين السنّة ، أو تكون من الأخبار الضعاف ، ولذا كان تبليغها في واقعة الغدير كفيلاً بأن يجعلها تصل إلى حدّ التواتر وإجماع المسلمين ، الذي لا يمكن تجاوزه .

لا وجود لاسم علي في القرآن

الشبهة :

إنّ القرآن الكريم لم ينص على إمامة عليعليهم‌السلام وإلاّ لذكر اسمه فيه .

٧٥

تمهيد:

لكي تكون الإجابة واضحة لابد من الالتفات إلى نقطتين أساسيتين ، هما :

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء

لا ريب أن القرآن هو الكتاب المنزل لهداية الناس فيه تبيان كل شيء ، والسنّة النبوية مفصّلة ومبيّنة له ، قال تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) (١) ، فأحدهما مكمّل للآخر ، والإسلام كلّه ، من عقائد وأحكام وسائر علومه وأُصوله موجود في القرآن الكريم ، أمّا شرحه وتفسيره وتجسيده ، فنجده في سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال حديثه وسيرته المباركة ؛ ولذا نجد أنّ الله تعالى قرن طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، وكذلك قرن معصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعصيته تعالى ، حيث

ـــــــــــــ

(١) النحل : ٤٤ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٧٦

قال :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فَيهَا أَبَداً ) (١) ، وقوله تعالى :( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِي‏ءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال تعالى أيضاً :( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) ، وغيرها من الآيات الكريمة .

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الله تعالى لم يجعل الخيرة للمؤمنين فيما يقضي الله ورسوله به ، كما في قوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٤) ، وبيّن الله تعالى أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة على الخلق في قوله وفعله ، وأنّ الله جعله إماماً يقتدى به ، فقال تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٥) ، وقال أيضاً :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٦) ، وهذه مفردة مهمة جداً يجب الالتفات إليها جيداً .

وهناك روايات كثيرة متضافرة تؤكّد وتحث على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنهى عن الإعراض عن سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاكتفاء بالقرآن وحده ، وكان ذلك رائجاً ومعرفاً في أقوال الصحابة وتعاملهم ، من ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن علقمة ، عن عبد الله قال : ( لعن الله الواشمات

ـــــــــــــ

(١) الجن : ٢٣ .

(٢) الشعراء : ٢١٦ .

(٣) النساء : ٦٥ .

(٤) الأحزاب : ٣٦ .

(٥) الحشر : ٧ .

(٦) النجم : ٣ ـ ٤ .

٧٧

الموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيّرات خلق الله ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنّه بلغني أنّك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن مَن لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأت :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ؟ قالت : بلى ، قال : فإنّه قد نهى عنه )(٢) ، وكذا وردت هذه الرواية بنصها في صحيح مسلم(٣) .

ومن الروايات التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال ، ما جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ، ومسند أحمد عن أبي عبد الله بن أبي رافع عن أبيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) (٤) ، وفي مسند أحمد بلفظ( ما أجد هذا في كتاب الله ) (٥) .

ومنها ما ورد في مسند أحمد أيضاً ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا أعرفنّ أحداً منكم أتاه عنّي حديث وهو متكئ في أريكته ،

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٨٤ ح ٤٨٨٦ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٦٧٨ ح ٢١٢٥ باب تحريم فعال الواصلة والمستوصلة .

(٤) انظر : سنن أبي داود السجستاني ، باب لزوم السنّة : ج ٤ ص ٢٠٥ ح ٤٦٠٥ ؛ سنن الترمذي : ج ٤ ص ١٤٤ ح ٢٨٠١ ، كتاب العلم ؛ باب ما نهى عنه ؛ سنن ابن ماجه ، المقدّمة : ج ١ ص ٦ ـ ٧ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٥) مسند أحمد : ج ٦ ص ٨ .

٧٨

فيقول : أتلوا عليّ به قرآناً ) (١) ، وقال حسان بن ثابت ، كما في مقدّمة الدارمي : ( كان جبريل ينزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن )(٢) ، إلى غير ذلك من الروايات والأقوال ، وإنّما هذه نبذة عمّا ورد في الحثّ على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنهي عن مخالفته والتشديد على مَن يهمل السنّة بحجة الاكتفاء بكتاب الله .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم ، إلاّ أنّه لا يمكن معرفة تفاصيلها والوقوف على حقائقها من دون الرجوع إلى سنّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّنا في إقامة الصلاة ـ مثلاً ـ لا نعرف كيف نصلّي من دون أن نأخذ من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفيّتها وشروطها وعدد ركعاتها وسجداتها وأذكارها ومبطلاتها ، وكذلك في الحج ، حيث لا يمكن أداء مناسكه من دون الرجوع إلى سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيضاح شروطه وواجباته ومواقيته وأشواط الطواف وصلاته ، وتفاصيل السعي والتقصير وسائر مناسك الحج الأخرى .

إذن لابدّ من الرجوع إلى القرآن والسنّة النبوية معاً لأخذ تعاليم الإسلام منهما ، أمّا مَن أراد الاكتفاء بالقرآن وحده دون السنّة ، فأدنى ما نقول بحقّه : إنّه جاهل بما ورد في القرآن نفسه ، الذي يدعو لإطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ، وقد قال الألباني في هذا المجال : ( فحذار أيّها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٢ ص ٣٦٧ ؛ سنن ابن ماجه ، المقدمة : ج ١ ص ٩ ـ ١٠ ح ٢١ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٢) سنن الدارمي ، المقدّمة : ج ١ ص ١٤٥ ، باب السنّة قاضية على كتاب الله .

(٣) الحشر : ٧ .

٧٩

عن السنّة ، فإنّك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك )(١) ، فمقولة حسبنا كتاب الله مقولة مخالفة لصريح القرآن الكريم .

الجواب :

بعد تلك الإطلالة السريعة نقول لصاحب الشبهة بأنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يرجع إلى الأسباب التالية :

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة

إنّ عدم ذكر اسم علي في القرآن لعلّه لحكمة إلهية خفيت علينا ، إذ ما قيمة عقولنا كي تحيط بكل جوانب الحكم والمصالح الإلهية ، فكم من الأمور التي قد خفيت أو أُخفيت علينا مصالحها ، قال تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) ، والاعتراض على حكم الله تعالى خلاف التسليم والخضوع لأمره عزّ وجلّ .

ثانياً : الرسول الأكرم نصّ على إمامة عليعليه‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام باسمه الصريح كما في حديث الغدير المتواتر ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وغيرها في مواطن كثيرة جداً ، فإذا ثبت هذا بشكل قاطع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد أقام الحجّة علينا بأنّ الإمام بعده عليعليه‌السلام تثبت إمامته بلا ريب ، وإذا لم يذكر القرآن اسم عليّ

ـــــــــــــ

(١) صفة صلاة النبي ، الألباني : ص ١٧١ .

(٢) المائدة : ١٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

فإنَّ الذي جاء من جبل فاران ليسَ إلاّ النبيُّ محمد (ص) لاغيرهُ كما سنُبيّن ذلك، لذا يكون هذا النصُّ دلالةً واضحةً على إنتصار دين الله في آخر الزّمان وكما هوَ واضحٌ من عبارات النصّ لكلّ متأملٍ، حيثُ أنَّ النصَّ بعدَ كلمة (فاران) يبدأ برسم صورةٍ مستقبليَّةٍ غاية في الروعة(١) ، ولعلَّ نظير هذا النصّ قوله تعالى في القرآن الكريم:

( هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْمُشْرِ‌كُونَ ) (٢) .

____________________

= و عند رجليه خرجت الحمى ٦ وقف و قاس الارض نظر فرجف الامم و دكت الجبال الدهرية و خسفت اكام القدم مسالك الازل له...مركباتك مركبات الخلاص ٩ عريت قوسك تعرية سباعيات سهام كلمتك...شققت الارض انهارا ١٠ ابصرتك ففزعت الجبال سيل المياه طما اعطت اللجة صوتها رفعت يديها الى العلاء١١ الشمس و القمر وقفا في بروجهما لنور سهامك الطائرة للمعان برق مجدك ١٢ بغضب خطرت في الارض بسخط دست الامم ١٣ خرجت لخلاص شعبك لخلاص مسيحك سحقت راس بيت الشرير معريا الاساس حتى العنق... ١٦ سمعت فارتعدت احشائي من الصوت رجفت شفتاي دخل النخر في عظامي و ارتعدت في مكاني لاستريح في يوم الضيق عند صعود الشعب الذي يزحمنا ١٧ فمع انه لا يزهر التين و لا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة و الحقول لا تصنع طعاما ينقطع الغنم من الحظيرة و لا بقر في المذاود ١٨ فاني ابتهج بالرب و افرح باله خلاصي ١٩ الرب السيد قُوتي....

(١) ومنها ما أشار النصُّ اليه من تدمير إبليس وجنده بقوله: فَهَدَمتَ دَعامةَ بيت الشّرّير وعَرَّيتَ أساسهُ الى الصّخر. وسنشير الى بعض ماعناهُ هذا النص حسبَ موقعه من البحث.

(٢) سورة الصف: ٩.

١٢١

فإنَّ الله تباركَ وتعالى لم يظهر دينهُ على الدين كلّه ويُرغمَ المشركين والمستكبرين في العالم منذُ أن بعث نبيّهُ الخاتم محمد (ص) وحتى هذه اللحظة، لذا فهي دالةٌ على أنَّ هذا الأمر يكون في آخر الزمان، كما تواترت بذلكَ الأخبار الشريفة.

فقدجاء في التوراة المتداولة: ( وهذه هي البركةُ التي باركَ بها موسي رجلُ الله بني اسرائيل قبل موته، فقال: جاءالربُّ من سيناء، واشرف لهم من ساعير، وتلألأَ من جبل فاران ).(١)

فالمجيء من سيناء كناية عن تكليم الله لموسى (ع) في سيناء، وساعير هي جبال فلسطين، وهو اشارة لعيسى (ع) وفاران اسم قديم لارض مكة(٢) ، التي لم يظهر فيها إلا نَبيُّنا الاعظم محمد (ص) الذي انزل عليه القرآن.(٣)

وقال العلامة العسكري: وجاء هذا النص في طبعة(٤) جامعة اكسفورد بلندن، دون تاريخ، ص ١٨٤:

)CHAPTER ٣٣ (

and this is theblessing, where with moese the man of god

____________________

(١) سفر التثنيه: الاصحاح ٣٣، الفقره ١- ٤، الأصل العبري، العهد القديم.

(٢) معجم البلدان: ج٤ ص٢٢٥.

(٣) الصحيح من سيرة النبى ألأعظم (ص):ج٢ ص٢١٩ بايجاز يسير.

(٤) امتازت بطبع اللون الأحمر مع الأسودللكلمات-فى العهدالجديد فقط-وسميت بـ. ( RED LETTER EDITION )

١٢٢

blessed the children of Israel before his death

And he said, The Loro from sinai, and rose up from seir unto them, he shined forth from mount paran, and he came with ten thousands of saints:from his right hand went a fiery law for them ٣ yea ، he loved the people: all his saints are in they hand: and they sat down at they feet, every one shall receive of the words

moses commanded us a law, even the inheritanceof the congregation of Jacob

وترجمة النصيّن(١) : الى العربية كالآتي: (وهذا دعاءُ الخير الذي تلاهُ موسى رجلُ الله، قبلَ موته على بني اسرائيل وقال: انّ اللهَ استعلى من سيناءَ، وظَهَرَ من ساعير ونَشَرَ النورَ من فاران، وجاءَ مع عشرة آلاف من المقرّبين، وجاءهم من يمينه شريعة ناريّه.

أحبَّ القبائلَ، وجميع مقدساته في يمينك ومقرّبون الى رجليك وتيقبّلون تعاليمك. موسى أَمَرنا بشريعةٍ هي ميراثٌ لجماعة بني يعقوب).

في هذا النص:

(وجاء مع عشرة آلاف من المقرّبين ) مع تعيين عدد الالوف وفي النصّ

____________________

(١) قَصَدَ العلامة العسكري: النص الانكليزى،والنص الفارسى فى ط: رجارد واطس، بلندن١٨٣٩م.

(٣) الذى ذكره العلامه السيد العسكرى، فى كتابه: عقائد الاسلام: الكتاب الأول ص٣٠٨ عن الاصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنيه: ط،رجارد واطس بلندن ١٨٣١م. سفر التثنية ٣٣: ١-٤، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٢٨٩. مع فرقٍ يسيرٍ في بعض عبارات المترجمين. وفي سفر التثنية ٣٣: ١-٤، العهد القديم، مصر، مانصُّهُ:

(١ و هذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني اسرائيل قبل موته ٢ فقال جاء الرب من سيناء و اشرق لهم من سعير و تلالا من جبل فاران و اتى من ربوات القدس و عن يمينه نار شريعة لهم ٣ فاحب الشعب جميع قديسيه في يدك و هم جالسون عند قدمك يتقبلون من اقوالك ٤ بناموس اوصانا موسى ميراثا لجماعة يعقوب ٥).

(٤) عقائد الاسلام من القرآن الكريم: الكتاب الأول، ص٣٠٩.

١٢٣

الاول(١) (ومعه الوف الاطهار) مع عدم تعيين عدد الالوف لانَّ الذي ظهر من غار حراء بفاران ثم جاء الى ارض فاران مكّة مع عشرة آلاف هو خاتم الانبياء محمد (ص) فبادروا الى تحريف هذا النص في عصرنا الحاضر كي يكتموا ما جاء فيه من بشارات ببعثة خاتم الانبياء...(٢) ، وهناك المزيد من هكذا أدلَّةٍ لكنا نكتفي بهذا القدر رعايةً للإختصار.

____________________

(١) الذى ذكره العلامه السيد العسكرى، فى كتابه: عقائد الاسلام: الكتاب الأول ص٣٠٨ عن الاصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنيه: ط،رجارد واطس بلندن ١٨٣١م. مانصُّهُ:

(١ و هذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني اسرائيل قبل موته ٢ فقال جاء الرب من سيناء و اشرق لهم من سعير و تلالا من جبل فاران و اتى من ربوات القدس و عن يمينه نار شريعة لهم ٣ فاحب الشعب جميع قديسيه في يدك و هم جالسون عند قدمك يتقبلون من اقوالك ٤ بناموس اوصانا موسى ميراثا لجماعة يعقوب ٥).

(٢) عقائد الاسلام من القرآن الكريم: الكتاب الأول، ص٣٠٩.

١٢٤

الفصل الثالث:

حوادث ماقبل ظهور منقذ العالم

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: حالة العالم قبل ظهور المنقذ

المبحث الثاني:آيات وعلامات ما قبل ظهور منقذ العالم

١٢٥

١٢٦

المبحث الأول: حالة العالم قبل ظهور المنقذ

اولاً: الفتنة الكونيّة الكبرى قبل ظهور مدرك الثأر الإلهي

لقد تواترت النّبوءآت والأخبار في القرآن الكريم وفي الكتاب المقدّس (العهدين)، وأثبتت بشكل قاطع حتميّة نضوج فتنة عالميّة كبرى تسود كلّ المجتمعات في العالم، ويكون في الأرض اضطراب كبير وفساد شامل وإستهتار بكلّ القيم والمثل والأخلاق والأعراف والقوانين(١) ، حتى يجعل الظالمون من الحقِّ باطلاً ومن الباطلِ حقاً، ومن المعروف منكراً ومن المنكرِ معروفاً، لذا فحريٌّ بنا أن نقف على شيءٍ منها في القرآن والعهدين.

١: في القرآن والحديث

قوله تعالى:( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَ‌اتِ وَبَشِّرِ‌ الصَّابِرِ‌ينَ ) .(٢)

في كتاب كمال الدين وتمام النعمة:

(باسناده الى محمد بن سالم قال: سمعتُ ابا عبد الله (ع) يقول:«ان لقيام القائم (ع) علامات تكون من الله عز وجل للمؤمنين . قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال:ذلك قول الله عزوجل ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم ) يعني المؤمنين قبل خروج القائم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين.

____________________

(١) انظر: المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي، ص١٣٤-١٣٥، تحت عنوان: الفتنة العالمية.

(٢) البقره: ١٥٥.

١٢٧

قال:نبلونكم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء اسعارهم، «ونقصٍ من الاموال » قال:كساد التجارات وقلة الفضل ، «ونقصٍ من الانفس » قال:موتٌ ذريع ، «ونقصٍ من الثمرات »لقلة ريع ما يزرع ، «وبشر الصابرين »عند ذلك بتعجيل الفرج ، ثم قال لي،يا محمد هذا تأويله، ان الله عزّوجل يقول :( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّ‌اسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) .(١)

وفي تفسير العياشي:

عن الثمالي قال: سألت أبا جعفر(ع) عن قول الله( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَـيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) قال: «ذلك جوع خاص وجوع عام، فاما بالشام فانه عام، واما الخاص بالكوفة يخصُّ ولا يعم، ولكنه يخصُّ بالكوفة اعداء آل محمد (عليهم السلام) فيهلكهم الله بالجوع، واما الخوف فانه عام بالشام، وذلك الخوف اذا قام القائم (ع)، واما الجوع فقبل قيام القائم (ع) وذلك قوله :( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) »(١) .

٢: في العهدين

جاء في سفر الرؤيا:

(٨ فنظرت وإذا فرس أخضر، والجالس عليه اسمه الموت، والهاوية تتبعه، واعطيا سلطاناً على ربع الأرض،أن يقتلا بالسيف والجوع والموت

____________________

(١) تفسير نور الثقلين: ج١ ص١٤٢.

(٢) تفسير نور الثقلين: ج١ ص١٤٢-١٤٣.

(٢) سفر الرؤيا ٦: ٨،العهد الجديد، الأصل العبري. رؤيا يوحنا اللاهوتي تحت رقم (٢٧): الإصحاح ٦: الفقرة: ٨، العهد الجديد، الكتاب المقدس باللغة العربية، مصر. والقول بأنَّ النص يدل على الفترة الزمنية المستقبلية المشار اليها، مثلهُ قد تقدَّم دليلهُ في آخر موضوع: دعاء الأنبياء الملحّ لمنقذ العالم واستجابته، من هذا البحث. وهو جلّيُّ المعنى خاصَّةً إذا قورِنَ مع الآيات التي ذكرناها الخاصة بهذا الموضوع.

١٢٨

وبوحوش الأرض).(١)

وأوضح يوحنا المعمدان في كتابه المقدّس كيفيةإنتقام الله (عزّ وجلّ) من قتلة الأنبياء والقديسين (ع) كما يلي:

(١ و سمعت صوتاً عظيماً من الهيكل قائلاً للسبعة الملائكة امضوا و اسكبوا جامات غضب الله على الارض ٢ فمضى الاول و سكب جامه على الارض فحدثت دمامل خبيثة و ردية على الناس الذين بهم سمة الوحش و الذين يسجدون لصورته ٣ ثم سكب الملاك الثاني جامه على البحر فصار دما كدم ميت و كل نفس حية ماتت في البحر ٤ ثم سكب الملاك الثالث جامه على الانهار و على ينابيع المياه فصارت دماً ٥ و سمعت ملاك المياه يقول عادل انت ايها الكائن و الذي كان و الذي يكون لانك حكمت هكذا ٦ لانهم سفكوا دم قديسين و انبياء فاعطيتهم دما ليشربوا لانهم مستحقون ٧ و سمعت اخر من المذبح قائلا نعم ايها الرب الاله القادر على كل شيء حق و عادلة هي احكامك ٨ ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس فاعطيت ان تحرق الناس بنار ٩ فاحترق الناس احتراقاً عظيماً و جدفوا على اسم الله الذي له سلطان على هذه الضربات و لم يتوبوا ليعطوه مجداً ١٠ ثم سكب الملاك الخامس جامه على عرش الوحش فصارت مملكته مظلمة و كانوا

____________________

(١) سفر الرؤيا ٦: ٨، والقول بأنَّ النص يدل على الفترة الزمنية المستقبلية المشار اليها، مثلهُ قد تقدَّم دليلهُ في آخر موضوع: (دعاء الأنبياء الملحّ لمنقذ العالم واستجابته)، من هذا البحث. وهو جلّيُّ المعنى خاصَّةً إذا قورِنَ مع الآيات التي ذكرناها الخاصة بهذا الموضوع.

١٢٩

يعضون على السنتهم من الوجع ١١ و جدفوا على اله السماء من اوجاعهم و من قروحهم و لم يتوبوا عن اعمالهم ١٢ ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير الفرات فنشف ماؤه لكي يعد طريق الملوك الذين من مشرق الشمس ١٣و رايت من فم التنين و من فم الوحش و من فم النبي الكذاب(١) ثلاثة ارواح نجسة شبه ضفادع ١٤ فانهم ارواح شياطين صانعة ايات تخرج على ملوك العالم و كل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء ١٥ ها انا اتي كلص طوبى لمن يسهر و يحفظ ثيابه لئلا يمشي عريانا فيروا عريته ١٦ فجمعهم الى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون ١٧ ثم سكب الملاك السابع جامه على الهواء فخرج صوت عظيم من هيكل السماء من العرش قائلا قد تم ١٨ فحدثت اصوات و رعود و بروق و حدثت زلزلة عظيمة لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الارض زلزلة بمقدارها عظيمة هكذا ١٩و صارت المدينة العظيمة ثلاثة اقسام و مدن الامم سقطت و بابل العظيمة ذكرت امام الله ليعطيها كاس خمر سخط غضبه ٢٠ و كل جزيرة هربت و جبال لم توجد ٢١ و برد عظيم نحو ثقل وزنة نزل من السماء على الناس فجدف الناس على الله من ضربة البرد لان ضربته عظيمة جدا).(٢)

____________________

(١) وهو إشارة الى المسيح الدجال في عصر ظهور المنقذ،والنصُّ واضح المعنى من حيث تعلّقه بآخر الزمان.

(٢) سفر الرؤيا:الأصحاح رقم ١٦: ١-٢١، العهد الجديد، الأصل العبري.

١٣٠

هذا وقد أشار يوحنا (ع) الى دمار العراق قبل ظهور منقذ العالم وكيفية إحتلاله وإحراقه وهذا يعَدُّ بدايةَ الفتنة العالمية، وأثبت ذلك في سفره المقدّس بقوله:

(١ ثم بعد هذا رايت ملاكاً اخر نازلاً من السماء له سلطان عظيم و استنارت الارض من بهائه ٢ و صرخ بشدة بصوت عظيم قائلاًسقطت سقطت بابل العظيمة وصارت مسكناً لشياطين و محرساً لكل روح نجس و محرساً لكل طائر نجس وممقوت...، ٨ من اجل ذلك في يوم واحد ستاتي ضرباتها موت و حزن و جوع و تحترق بالنار لان الرب الاله الذي يدينها قوي ٩و سيبكي و ينوح عليها ملوك الارض الذين زنوا و تنعموا معها حينما ينظرون دخان حريقها ١٠ واقفين من بعيد لاجل خوف عذابها قائلين ويل ويل المدينة العظيمة بابل المدينة القوية لانه في ساعة واحدة جاءت دينونتك ١١ و يبكي تجار الارض و ينوحون عليها لان بضائعهم لا يشتريها احد في ما بعد ١٢ بضائع من الذهب و الفضة و الحجر الكريم و اللؤلؤ والبز و الارجوان و الحرير و القرمز و كل عود ثيني و كل اناء من العاج و كل اناء من اثمن الخشب و النحاس و الحديد و المرمر ١٣ و قرفة و بخورا و طيبا و لبانا وخمرا و زيتا و سميذا و حنطة و بهائم و غنما و خيلا و مركبات و اجسادا و نفوس الناس ١٤ و ذهب عنك جنى شهوة نفسك و ذهب عنك كل ما هو مشحم و بهي ولن تجديه في ما بعد ١٥تجار هذه الاشياء الذين استغنوا منها سيقفون من بعيد من اجل خوف عذابها يبكون و ينوحون ١٦ و يقولون ويل ويل المدينة العظيمة المتسربلة ببز و ارجوان و قرمز و المتحلية بذهب و حجر

١٣١

كريم ولؤلؤ ١٧ لانه في ساعة واحدة خرب غنى مثل هذا و كل ربان و كل الجماعة في السفن و الملاحون و جميع عمال البحر وقفوا من بعيد ١٧ و صرخوا اذ نظروا دخان حريقها قائلين اية مدينة مثل المدينة العظيمة ١٩و القوا ترابا على رؤوسهم و صرخوا باكين و نائحين قائلين ويل ويل المدينة العظيمة التي فيها استغنى جميع الذين لهم سفن في البحر من نفائسها لانها في ساعة واحدة خربت...

الى أن يقول:

٢٤ و فيها وجد دم انبياء و قديسين و جميع من قتل على الارض).(١)

هذا وقد أخبر أشعياء (ع) في باب سقوط بابل، بما يصيبها من خرابٍ ونهبٍ ودمارٍ ومايقعُ على أهلها من ظلمٍ وجورٍ:

(١ وحيٌ على بابل: كالزَّوابع تجتاحُ الصحراءَ يجيءُ الخرابُ من أرضٍ مخيفةٍ! ٢ رأيتُ رؤياً قاسيةً: الناهبُ ينهبُ والمدمّرُ يدمّرُ...

الى أن يقول:

٩... ثمّ عادَ الحارسُ وصاحَ: (سقطت، سقطت بابلُ وتحطَّمت الى الأرض جميعُ أصنام آلهتها ١٠ فياشعبيَ الـمُداسَ كالحنطة على البيادر! ما سمعتُهُ من الربّ القدير إله إسرائيلَ أخبرتكم به).(٢)

____________________

(١) سفر الرؤيا، الأصحاح رقم ١٨: ١-١٩،و ٢٤ العهد الجديد، الأصل العبري. ولعلَّ الإشارة واضحة لاسيما في الفقرة الأخيرة الى إدراك ثأر جميع المظلومين الذين سُفك دمهم ظلماً وعدواناً بواسطة منقذ العالم الذي تكون عاصمته الكوفة، وهذا ماجاءت به الأخبار الشريفة.

(٢) سفر أشعيا ٢١: ١، ٢، ٩، ١٠،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان.

١٣٢

وكما هو معلومٌ فإنَّ (بابل) تطلَقُ في النبؤآت القديمة ويُرادُ بها (العراق) في العصر الحديث، لأن بابل معقلُ حضارته الكبرى وهي معروفةٌ لدى جميعُ البشر آنذاك بهذا الإسم.

وروى المفيد:

عن الحسين بن سعيد عن المنذر الجوزي عن ابي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:«يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلّل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في اهلها وشمول أهل العراق خوفاً لا يكون لهم معه قرار» .(١)

ثانياً: دعاء الأنبياء الملحّ لمنقذ العالم واستجابته

ويحدث ذلك اثرَ الأحداث المريرة التي تقع في الفتنة الكونية الكبرى والتي تسود العالم بأسره، وإن كان هذا يحدث دوماً من الأنبياء (ع) كما سيتبيَّن، ولكن هناك وقتٌ محدَّد ويوم معلوم وساعة معيَّنة يكون فيها الدعاء منهم على أشُدّه واستجابتهُ محتَّمة، كما في القرآن والحديث والعهدين.

١: في القرآن والحديث

ومن ذلك المطالبة بتحقّقِ وَعد الله تعالى في الآية الشريفة:

( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي

____________________

(١) الارشاد: ص٣٦٠-٣٦١.

١٣٣

ارْ‌تَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِ‌كُونَ بِي شَيْئًا ) (١) .

فقد رويَ عن يونس بن ظبيان عن ابي عبد الله (ع) قال:

«اذا كان ليلةُ الجمعة لأهبط الربُّ تبارك وتعالى ملائكته الى السماء الدنيا، فاذا طلع الفجر نصب لمحمد وعليّ والحسن والحسين منابر من نور عند البيت المعمور، فيصعدون عليها ويجمع الله لهم الملائكة والنبيين والمؤمنين، ويفتح أبواب السماء، فاذا زالت الشمس قال رسول الله (ص): يا رب ميعادك الذي وعدت في كتابك وهو هذه الآية:( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) الاية ويقول الملائكة والنبيّون مثل ذلك، ثم يخرُّ محمد وعلي والحسن والحسين سجّداً ويقولون:

يا ربّ اغضب فانه قد هُتِكَ حريمك، وقُتِلَ اصفياؤك، واذلّ عبادك الصالحون، فيفعل ما يشاء وذلك وقت معلوم، وهذا شأنهم ودعاؤهم في كل يوم جمعة الى ان ينجز وعده ويظهر وليّه، فاذا خرج وليّ الله وظهر حجّة الله...»(٢) .

٢: في العهدين

حيث جاء في سفر الرؤيا:

____________________

(١) سورة النور: آية ٥٥.

(٢) بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٢٩٧ بإيجاز.

١٣٤

(٩ ولما فتح الختم الخامس، رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم ١٠ وصرخوا بصوت عظيم قائلين: حتّى متى أيّها السيد القدّوس والحق! لاتقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض. ١١فاعطوا كلّ واحد ثياباً بيضاً، وقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً أيضاً... الى أن يقول:

١٥وملوك الأرض، والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء، وكلّ عبد وكلّ حرّ، أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال١٦ وهم يقولون للجبال والصخور: اسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف ١٧ لأنّه قد جاء يوم غضبه العظيم، ومن يستطيع الوقوف).(١)

ولو أمعنّا النظر في النصّين(٢) لوجدنا أنّ كلٌ منهما يصدّق الآخر، ويحكي تلك الصورة الجميلة ليوم الفرج الأعظم الموعود والذي جاءَ دعاءُ الأنبياءِ والمقدّسين كأحد الأسباب المهمّة لتعجيل ذلك اليوم.

وربما قد يقال إنَّ هذا النص من سفر الرؤيا قد لايتعلَّق أو لايدلُّ على أنَّهُ بخصوصِ بيان حالةٍ مهمَّةٍ تقعُ قبل ظهور ومجيء منقذ العالم!؟. وفي معرض الجواب على مثل هكذا طرح يجب أن نؤكِّد على مايلي:

١: إنَّ كُلَّ ماوردَ في سفر الرؤيا لايتعلَّق بزمن صدوره قطعاً، وإنَّما

____________________

(١) رؤيا يوحنا اللاهوتي تحت رقم (٢٧): الإصحاح ٦: الفقرات ٩، ١٠،١١،١٥، ١٦، ١٧، العهد الجديد.

(٢) الأوّل في القرآن الكريم والرواية الشريفة، والثاني في سفر الرؤيا.

١٣٥

هو: (بشاراتٌ وتحذيراتٌ وعلومٌ وأحداثٌ مستقبليَّةٍ) وهي تخصُّ جميعَ البشر، وهذا واضحٌ لكلِّ مُطَّلع، ويكفي إلقاء نظرةٍ على أولِّ السفر المقدّس لإثبات ذلك، حيث جاء فيه:

(١ إعلانُ يسوع المسيح الذي اعطاه اياه الله ليُرِيَ عَبيدَهُ ما لا بد ان يكون عن قريبٍ و بَيَّنهُ مُرسلاً بيدِ مَلاكِهِ لعبدِهِ يوحنا* ٢ الذي شهد بكلمة الله و بشهادة يسوع المسيح بكل ما راه* ٣ طوبى للذي يقرا و للذين يسمعون اقوال النبوة و يحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب*... الى أن يقول:

٧ هوذا ياتي مع السحاب(١) و ستنظرهُ كل عين و الذين طعنوه و ينوح عليه جميع قبائل الارض نعم امين* ٨ انا هو الالف و الياء البداية و النهاية يقول الرب الكائن و الذي كان و الذي ياتي القادر على كل شيء* ٩ انا يوحنا اخوكم و شريككم في الضيقة و في ملكوت(٢) يسوع المسيح و صبره كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس من اجل كلمة الله و من اجل شهادة يسوع المسيح* ١٠ كنت في الروح في يوم الرب و سمعت ورائي صوتاً عظيماًكصوت بوق* ١١ قائلا انا هو الالف و الياء الاول و الاخر و الذي تراه اكتب في كتاب و ارسل الى... الى أن يقول:

____________________

(١) إشارة الى رجوع عيسى بن مريم (ع) ونزوله الى الأرض من السماء بأمرِ الله تعالى.

(٢) وقد أشرنا الى موضوع الملكوت عند عيسى (ع) والذي يعني حكمُ الله في هذا العالم في بحثنا هذا، وهنا أيضاً إشارة واضحة لرجوع يحيى ابن زكريا (ع) حيّاً من قبره في ذلك الزمن وهو مايُسمّى بزمن الرجعة عند المسلمين.

١٣٦

١٢ التفتُّ لانظرَ الصوت الذي تكلَّمَ معي و لما التفت رايتُ سبعَ مناير من ذهب* ١٣ و في وسط السبع المناير شبهُ ابن انسان(١) متسربلاً بثوبٍ الى الرجلين ومتمنطقاً عند ثدييه بمنطقةٍ من ذهب* ١٤ و اما راسه و شعره فابيضان كالصوف الابيض كالثلج و عيناه كلهيب نار* ١٥ و رجلاه شبه النحاس النقي كانهما محميتان في اتون و صوته كصوت مياه كثيرة* ١٦ ومعه في يده اليمنى سبعةُ كواكبٍ و سيفٌ ماضٍ ذو حدين(٢) يخرج من فمه و وجهه كالشمس و هي تضيء في قوتها* ١٧ فلما رايته سقطت عند رجليه كميتٍ فوضع يده اليمنى علي قائلاً لي: لا تخف انا هو الاول و الاخر* ١٨ و الحي و كنت ميتاً و ها انا حي الى ابد الابدين امين و لي مفاتيح الهاوية و الموت* ١٩ فاكتب ما رايت و ما هو كائن و ما هو عتيدٌ ان يكون بعد هذا*...).(٣)

____________________

(١) لقب (ابن الإنسان) يطلقُ على عيسى (ع) للردِّ على الذين إدَّعوا أنه إله وهو كثيرٌ في الكتاب المقدس، ولعلَّ المعنى: إن هذا الرجلُ المـُشار اليه شبيهٌ بعيسى بن مريم (ع) الى حدٍّ كبير، ولعلَّ هذا ما تواترت به الأخبار من كون منقذ العالم من حيث الشكل والهيئة كأنُّه إسرائيلي... الخ.

(٢) يشيرُ بعضُ الباحثين أنَّ هذا إشارةٌ واضحة الى منقذ العالم الذي يأتي بمواريث الأنبياء (ع) ومن بينها سيف رسول الله (ص) ذو الفقار، والذي هو ذو حدّين، الذي أعطاهُ لـ (عليّ بن أبي طالب ع ) ليدافع به عن دين الله الحنيف، وهو مذخورٌ عندهم، وهذا ماجاءت به الروايات الشريفة، وأثبتهُ عدد غير قليلٍ من أهل العلم والتحقيق.

(٣) العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح ١، الفقرات كما مشار اليها في ترقيم النص.

١٣٧

٢: أنّهُ رأى - حسب الإطلاق - نفوسَ جميع الشهداء وعلى رأسهم الأنبياء (ع)، وليس النص خاص بشهداء فترة معيَّنةٍ، بل حتى آخر شهيد يسقطُ قبل مجيء منقذ العالم.

٣: ثمَّ أنَّ خوف جميع ملوك الأرض ، والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء، وكلّ عبد وكلّ حرّ، الذين أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال وهم يتمنَّونَ الموت بدلَ أنَّهم يشهدون يوم الله الموعود، كُلُّ ذلكَ لم ولن يحدث على وجهِ الأرض إلاّ عندَ مجيء منقذ العالم في يومه الموعود، حيث عبِّرَ عنهُ بيومِ الغضبِ العظيم.

١٣٨

المبحث الثاني: آيات وعلامات ما قبل ظهور منقذ العالم

لقد بيَّنَ اللهُ سبحانهُ وتعالى في الكتب السماوية المقدّسة آياتٍ وعلاماتٍ مهمّةٍ تقعُ قبل مجيء يومِهِ المبارك الموعود، وسنذكرُ منها على التوالي نزراً يسيراً مراعاةً للإختصار(١) :

أوّلاً: نداء السماء باتّباع منقذ البشريّة

النداء السماوي: هو من العلامات الحتميّة(٢) التي بشّر بها القرآن الكريم والنبيّ الأعظم (ص) وآله الطيبين الطاهرين (ع) وصحبه المنتجبين(رض) بالتّبع(٣) ؛ الذي يتزامن مع ظهور أمل الانسانية ومُغيثها؛ ويكون مبشّراً وحاثّاً على إتّباعه، ويكون بواسطة أعظم الملائكة المقرَّبين ألا وهو أمين الوحي جبرئيل (ع) وهو دلالةٌ على عظَم ومكانة المهمَّةِ المرسل بها عند الله تباركَ وتعالى. وكذا فقد بشّرت بذلك الكتب المقدسّة والأنبياء والرسل (ع) منذ قديم الزمان كما سيأتي لاحقاً بإذنه تعالى.

حدثني الفضل بن شاذان عمن رواه عن ابي حمزة الثمالي قال:

قلت لابي جعفر (ع)خروج السفياني من المحتوم؟ قال: نعم والنداء

____________________

(١) لأنّ ما ورد في الكتب المقدسة في هذا المجال يدعو الى تأليف كتب ورسائل مطوَّلة.

(٢) انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص ١٨٥-١٩٠ في موضوع: النداء من السماء باسم المهدي بواسطة جبرئيل.

(٣) انظر: ماقبل نهاية التأريخ، ص ١٦٥، وما بعدها في موضوع: النداء السماوي باسم المهدي (عج). الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر، ص ٨٥-٨٦.

١٣٩

من المحتوم وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم، وقتل النفس الزكيّة محتوم، وخروج القائم من آل محمد صلّى الله عليه وآله محتوم.

قلت: وكيف يكون النداء؟

قال: ينادي من السماء أول النهار: ألا أنّ الحقّ مع عليّ وشيعته ثم ينادي ابليس في آخر النهار من الارض: الا ان الحقّ مع عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون.(١)

١: في القرآن الكريم

فقد جاء في القرآن الكريم، قوله تعالى:( إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ) (٢) .

وقوله (عزوجل):( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِ‌يبٍ ﴿٤١﴾ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُ‌وجِ ) .(٣)

في ينابيع المودة لذوي القربى:

عن الحسن بن خالد قال: قال علي بن موسى الرضا (رض): «لا دين لمن لا ورع له، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم: أي أعملكم بالتقوى . ثم قال:إن الرابع من ولدي ابن سيدة يطهر الله به الارض من كل جور وظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة، فإذا خرج

____________________

(١) الارشاد: ص٣٥٨.

(٢) سورة الشعراء: آية ٤.

(٣) سورة ق: ٤١ـ ٤٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260