المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية0%

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 260

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الصفحات: 260
المشاهدات: 107861
تحميل: 6618

توضيحات:

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107861 / تحميل: 6618
الحجم الحجم الحجم
المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كلّه فهو مشروعٌ ربّانيٌّ حتميٌّ قد بشَّرَ به جميعُ الأنبياء عليهم السلام وكلُّ الكتب السماوية المقدَّسة ويطلقُ عليه عند الربانيين بـ (دولة العدل الإلهي) في آخر الزمان. والمصدر الأول والأخير لهذه الفكرة هو الله عزَّ وجلَّ، وهو مُشَرّع الحكومة العالمية الواحدة.(1)

ومن بين العلماء والفلاسفة الغربيين الذين نادوا وبشّروا بـ (الحكومة العالمية الواحدة): الفيلسوف اليونانيّ زيو (350) قبل الميلاد، والمؤرّخ اليونانيّ بلوتاك (46 - 120) ميلادية، وولتر ليمبيس في كتابه: (الفلسفة الإجتماعية)، ص213.

ويقول الفيلسوف الكبير (برتراند رسل) في كتابه (الآمال الجديدة): (... وربما يستطيع المجتمع الإنساني - بما لديه من تجاربٍ مرة - أن يتعلَّم شيئاً جديداً من كلّ تلك الأحزان، إذا لم يُصَب بلوثة عقليّة وجنون، ولكن هناك الكثيرين الذين يحتفظون بعقولهم سليمةً وآمالهم إيجابيةً. وعلى هذا فطالما كان هناك مفكرون وقادة سياسيون وعسكريون؛ فانَّ الأمل في حكومة عالمية واحدة،يبقى يراودُ تلك العقول والقلوب).(2)

ومن البديهي أنَّ الحكومة العالمية الواحدة العادلة المرجوَّة والتي أشاروا اليها؛ إنّما تستلزمُ مجيء قائد رباني عظيم، للقيام بهذه المهمة الكبرى، وهذا ما صرَّح به وأشار اليه مبشّراً، الفيلسوف (نيتشه) إذ يقول: (من الممكن أن يستطيع أُولئك الذين يحسنون الإدراك أن يكونوا مبشّرين

____________________

(1) انظر: المصلح الغيبي والحكومة العالمية الواحدة، ص 20-23، بايجاز وتصرف.

(2) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 213-214، بايجاز وتصرف يسير.

٢٠١

لفردٍ - ونحنُ لسنا سبيلاً للوصول الى حلقة سُلَّمه - ويمهّدون الطريق لظهوره).(1)

وتسمى هذه الدولة العالمية الكبرى الناتجة عن ذلك في الأخبار الشريفة الواردة عن النبيّ الأعظم محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليه أجمعين بـ (دولة الدول، والدولة البيضاء، و الدولة الزهراء...).(2)

ويوجد هناك عدد غير قليلٍ من العلماء والكتّاب الغربيين الذين تعرَّضوا لذكر وسيرة الإمام الغائب(3) ، ومن بينهم نوستر اداموس في تنبُّؤاته(4) ، وللوقوف على أسماء ومؤلفات عددٍ منهم يراجع كتاب: موسوعة العتبات المقدَّسة(5) ، حيث جاء فيه أيضاً: الإمام المهدي المنتظر: لقد كتب عن الإمام المهدي أبي القاسم (ع) عدد غير يسير من كتّاب الغرب، لاسيما عند البحث عن المهدي والمهدوية بوجهٍ عام...الخ)، ويورد الكتاب أسماء عدد من كتاب الغرب الذين تطرَّقوا لسيرة الإمام الغائب (ع).(6)

____________________

(1) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 214، بايجاز وتصرف.

(2) انظر: الزام الناصب:ج1 ص482 و ص486. ط أُخرى ج 1 ص 430. والحاشية على أُصول الكافي، رفيع الدين محمد بن حيدر، ص590. والبحار، ج52 ص355، وج 26 ص 148. للمزيد انظر: جولةٌ في حكومة الإمام المهدي(ع)، ص 201-203.

(3) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 252، بايجاز وتصرف. والغائب: هو الإمام المهدي (عليه السلام) عند المسلمين وهو المنقذ والمخلّص عندهم.

(4) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 228-247، في موضوع المهدي المنتظر في تنبّؤات نوستر اداموس.

(5) موسوعة العتبات المقدَّسة،الجزء الثاني عشر، قسم سامراء ص6، (بحثٌ حول سامرا قديماً)، كتبهُ الدكتور مصطفى جواد: سامرّا اسمٌ آراميّ... الخ.

(6) نفس المصدر، ص276. انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خرافة،ص 252 وما بعدها. بايجاز.

٢٠٢

النواةُ الأُولى للدولة العالمية:

تعتبرُ النواة الأُولى لدولة منقذ العالم هي: (الأُمَّةُ البارَّةُ حافظةُ الأمانة)، وهذا ماركّزت عليه (التوراة)، وحثَّت وأمرت باستقبال تلك الأُمة والإذن لها بالدخول؛ حيث قالت:

(إفتحوا الأبواب لتدخلَ الأُمَّةُ البارَّةُ حافظةُ الأمانة).(1)

وهذه الأمة المبشّر بها، همُ القلّةُ المظلومة بجميع أنواع الظلم!،كما وصفتهم التوراة بقولها:

(شعبٌ منهوبٌ مسلوبٌ، أُوقعَ بهمَ في الحفر، وخُبّئوا كُلُّهم في الحبوس، يُنهبون وما من مُنقذٍ، ويُسلبونَ ولا يُرَدُّ سَلبُهُم).(2)

أو قُل بحسب المصطلحات الحديثة: أُمَّةٌ مستعمرةٌ لازالَ يمتصُّ خيراتها المستكبرون العالميون، وقد خطَّطوا لها خُطَطاً ومكائدَ غادرةً فَأَوقعوها في فخِّهم، وزُجُّوا كلُّهم في السجون حتى ربما غَدى بلداً بأكمله سجناً كبيراً لأهلهِ وهم يعذَّبونَ فيه آناءَ الليلِ والنهار، ويجري كُلُّ ذلك بمرءً ومسمعٍ من كُلِّ الدنيا ولاأحدَ يقول لِمَ وعلامَ؟، فضلاً عن أن يُحقَّ حقّاً أو يُبطلَ باطلاً.(3)

____________________

(1) سفر أشعيا 26: 2، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 938. العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 26، الفقرة، 2، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. مع إختلاف في الألفاظ. وانظر في: مزمور 101: 6 (أُمناء الأرض). وأشعيا 30: 18 (منتظروا الربّ). ومزمور 47: 9-10 (شعبُ إله إبراهيم). ومزمور 111: 6 (شعبُ الله)... الخ. انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 142-143.

(2) سفر أشعيا 42: 22،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 961. العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 42، الفقرة، 22، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. مع إختلاف في الألفاظ. انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 143.

(3) للمزيد انظر: ماقبل نهاية التأريخ، ص165 وما بعدها في موضوع: الظلم الذي يصيب المسلمين جراء الإنحراف العالمي.

٢٠٣

وعلى ما مرَّ من بيان، فمن تكونُ هذه الأُمةُ التي وُصفت بالبرِّ وحفظ الأمانة الإلهية المقدَّسة؟. ولقد بشَّرت الكتب المقدَّسة أعداء هذه الأُمة المذكورة بالقصاص منهم في الدنيا والآخرة وهدَّدتهم تهديداً مرعباً.(1)

جمعُ الإرث الإلهي في الدولة العالمية وتوحيده:

أنَّ منقذ العلم باعتباره الوارث الشرعي والقانوني، لكلِّ الأنبياء والرسل عليهم الصلاةُ السلام، لذا فهو وعبرَ المعونةِ الالهية سيأتي بكُلِّ مواريث الأنبياء بما فيها التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء والقرآن الكريم بخطِّ الأنبياء وأوصيائهم الصدّيقين وتواقيعهم وتفاسيرهم لكلام الله تعالى فيها، وأن ليسَ هناك إختلاف ولو يسير بين الأنبياء عموماً ولا بين كتبهم المقدَّسة، وعندها يتيقَّن البشر عموماً أنَّهم لو أجمعواَ مائة وأربعة وعشرين ألفَ نبيٍّ في مكانٍ واحدٍ لما إختلفوا على مسألةٍ واحدةٍ أبداً ولما وجدَوا بيهم تهافتاً في شيءٍ أبداً؛ ومنها أيضاً مايخصُّ الأنبياء (ع) مثل درعِ وسيفِ وعمامةِ النبيِّ محمد (ص) وعصا موسى وخاتم سليمان (عليهم السلام)...الخ!.(2)

الدولةُ العالمية والإرث الإلهيّ في القرآن والعهدين

ولكلّ ما تقدّم في موضوع الدولة العالميّة الواحدة وجمعُ الإرث الإلهيّ فيها، يمكن أن نقول: أنَّ الآيات المباركةِ المشيرةِ الى توريث المؤمنين الأرضَ في آخر الزمان، هي بذاتها أدلَّةٌ قرآنيَّة على ذلك وعلى رأسها قولهُ

____________________

(1) للمزيد انظر: نهاية صراع الأديان بظهور المهدي في آخر الزمان، ص 269 وما بعدها.

(2) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 754 وما بعدها تحت عنوان: إستخراج الكتب السماوية.

٢٠٤

عزَّ وجلَّ: -( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ‌ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ‌ أَنَّ الْأَرْ‌ضَ يَرِ‌ثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿105﴾ إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴿106﴾ وَمَا أَرْ‌سَلْنَاكَ إِلَّا رَ‌حْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) .(1)

( ونريدُ أن نَمُنَّ على الذين استُضِعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين ) .(2)

وغيرها من الآيات المباركة، وقد مرَّ الكلامُ فيها فلا نُطيل.

وأما في الكتاب المقدس (العهدين):

فهذا المعنى كثيراً ما وردَ في الأسفار المقدسة، ولو أردنا الوقوف عليها لتطلَّلبَ ذلك رسالةً مستقلَّةً، ولكن على نحو الإشارة والإجمال نقول: وردت تلك المعاني في سفر اشعياء النبي (ع) في الإصحاح (65) في باب (خليقةٌ جديدة)؛ وفي سفر يوئيل في الإصحاح الأول والثاني والثالث والرابع؛ وفي سفر ميخا، الإصحاح الخامس؛ وفي سفر زكريا، الإصحاح العاشر والحادي عشر؛ وفي سفر ملاخي، الإصحاح الثالث في باب (مجيء يوم الربّ)؛ وغير ذلك كثير؛ ولمن أراد المزيد، مراجعةُ الكتاب المقدس، طبعة اولى، بيروت، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، العهد القديم، الإصدار الثاني 1995.والعهد الجديد، طبعة اولى، الإصدار الرابع 1993 م، فهو مبوَّبٌ ومرتَّبٌ بطريقةٍ حضارية جيّدة.

____________________

(1) سورةُ الأنبياء: 105-107.

(2) سورةُ القصص: 5.

٢٠٥

٢٠٦

الفصل الخامس: قواعد ومتبنَّيات ثورة المنقذ

في القرآن والعهدين

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الأسس الشرعيّة والتأريخيّة لثورة المصلح العالميّة

المبحث الثاني: المنتقم من الظالمين صنيعةُ ربّ العالمين

٢٠٧

٢٠٨

المبحث الأول: «الأسس الشرعيّة والتأريخيّة لثورة المصلح العالميّة»

إنَّ للثورةِ الإلهيَّةِ العالميةِ التي سيقودها رجلُ الله المقدَّس الموعود في آخر الزمان وفي يوم الله الأعظم قواعِدَ متينةٍ وأُسُسٍ رصينةٍ ممتدَّةٍ عبر التأريخ الطويل لعموم البشريَّة، ثابتة في أعماق قلوب الأنبياء والرسلِ وأتباعهم من المؤمنين، مسطَّرة بأحرفٍ من نور في كتبِ الله المقدَّسةِ؛ وتبتني تلكَ الثورةِ المباركةِ الكبرى على لَبِناتٍ مبنيَّةٍ سَلَفاً وهيَ غاية في الصلابةِ والأصالة والأحقيَّةِ والمشروعيَّة والقانونيَّة الواضحةِ التي ليسَ عليها أَيّ غبار ولا يلحقها شكٌّ ولاريبٌ، ولعلَّنا في هذين المبحثين التاليين نقفُ على شيءٍ من ذلك.

إنّ الثورة الالهية العظمى التي سيقودها المنقذ الموعود (قرّب الله يومه الشريف) لم تكن ثورة إبتدائيّة إجتهاديّة تأتي ردّاً على واقع فاسد معاصر لها لتغيّر تغييراً محدوداً في أمّة من الأمم أو شعب من الشعوب فحسب(1) ، بل لها جذور شرعيّة وتاريخيّة عميقة جدّاً، ولها إرثٌ حقوقيّ وقانونيّ مميّز! فهي امتداد طبيعيّ شرعيّ لثورة الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) ومكملة لها والجانية لثمارها.

____________________

(1) انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 31، تحت عنوان: ضروب الثورة العالمية: ان الثورة العالمية ضد الظلم هي ثورةٌ لم تدعُ اليها الأديان فقط، بل توصَّل اليها الفكر الإنساني عن طريق معاينة أطوار التأريخ ودراسة سننه. و: ماريا لويزا برنيري، Jourmey theough Utopia ، ترجمة عطيات أبو السعود في عالم المعرفة، وقد لخَّص الكتاب آراء الطوباويات منذ العصر اليوناني القديم حتى يومنا الحاضر، رقم 225 عدد أيلول/سبتمبر 1997 م.

٢٠٩

فكانت ثورة سبط رسول الله (ص) وسيّد شباب أهل الجنّة ألإلهيّة الكبرى ضدّ الشياطين المتفرعنين ثورة مُؤَسِّسة!، وجاءت ضمن تخطيط وتقدير ربّانيّ عجيب، وكان بتقدير الله سبحانه وتعالى أن تبقى جذوتها مستعرة في الأرض لاتطفأ ولاتهدأ أبداً برغم الإبادة الجماعيّة لآل رسول الله (ص) وثقله وعائلته الشريفة المقدّسة ورحله المبارك وأتباعهم الأبرار.

ومن خلال الإطّلاع على خصائص ومزايا الثورتين المباركتين يبدو واضحاً أنّ ثورة السبط المستشهد والمصلح الأعظم في آخر الزمان هما كالشيء الواحد، وهما امتداد للخطّ الإلهيّ المقدّس في هذا العالم.

و يتّضح من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة عندّ المسلمين، والنصوص المقدسة في العهدين، ان الذين ذبحوا الحسين واهل بيته الأطهار (عليهم السلام) وصحبه الميامين (رض ) وأتباعهم، والذين اصرّوا على عِدائهم واستمروا في ظلمهم واجتهدوا في ايذائهم الى حين ظهور وقيام منقذ العالمين المنتقم من الظالمين المهدي (عج )، هم اعداء الله تبارك وتعالى، وسينتقمُ الله منهم بصورة مرعبة.

اولاً: في القرآن الكريم

1: قوله تعالى:( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) .(1)

- عن الحسن بياع الهروي يرفعه عن أحدهما عليهما السلام في قوله:( فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) قال: إلا على ذرية قتلة الحسين عليه السلام.(2)

____________________

(1) سورة البقرة: آية 193.

(2) العياشي، 1/86، ح 214. وسائل الشيعة، ج16، ص 142. البحار، 45 /298 ح 8. تفسير الصافي، 1/210. البرهان، 1/191 ح3. العوالم (الامام الحسين ع)، ص 609.

٢١٠

- وعن إبراهيم، عمن رواه، عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت:( فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) قال: لا يعتدي الله على أحد إلا على نسل ولد قتلة الحسين عليه السلام.(1)

- حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: يا بن رسول الله ما تقول في حديث روى عن الصادق عليه السلام: أنه قال: إذا خرج القائم عليه السلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائهم؟ فقال عليه السلام: هو كذلك فقلت: وقول الله عز وجل:( وَلَا تَزِرُ‌ وَازِرَ‌ةٌ وِزْرَ‌ أُخْرَ‌ىٰ ) ما معناه؟ قال: صدق الله في جميع أقواله ولكن ذراري قتله الحسين عليه السلام يرضون بأفعال آبائهم ويفتخرون بها ومن رضى شيئاً كان كمن اتاه ولو أن رجلاً قتل بالمشرق فرضى بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عز وجل شريكُ القاتل وإنما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم قال: فقلت له: بأي شئ يبدأ القائم عليه السلام منكم إذا قام؟ قال: يبدأ ببني شيبه فيقطع أيديهم لأنهم سراق بيت الله عز وجل.(2)

ـ وعن محمد بن الأرقط، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قال لي: تنزل الكوفة؟ فقلت: نعم، فقال: ترون قتلة الحسين عليه السلام بين أظهركم؟ قال:

____________________

(1) العياشي، 1/87، ح 216. البحار، 45 /298 ح 9. تفسير الصافي، 1/210. البرهان، 1/191ح 4.

(2) عيون أخبار الرضا (ع)، ج 2، ص 247. علل الشرائع، 229. وسائل الشيعة، ج 11، ص 410. بحار الأنوار، ج45 ص 295 ح1، وج52 ص 313 ح6.

٢١١

قلت: جعلت فداك ما بقي منهم أحد، قال: فأنت إذا لا ترى القاتل إلا من قتل، أو من ولى القتل؟! ألم تسمع إلى قول الله:( قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُ‌سُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) فأي رسول قتل الذين كان محمد صلى الله عليه وآله بين أظهرهم، ولم يكن بينه وبين عيسى رسول، وإنما رضوا قتل أولئك فسموا قاتلين.

- وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ‌ عَلَىٰ قَرْ‌يَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُ‌وشِهَا ) قال: إن الله بعث إلى بني إسرائيل نبياً يقالُ له: إرميا (إلى أن قال) فأوحى الله إليه أن قل لهم ان البيت بيت المقدس، والغرس بنو إسرائيل، عملوا بالمعاصي فلأسلطن عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم، فان بكوا إلي لم أرحم بكاءهم وإن دعوني لم أستجب دعاءهم ثم لأخربنها مأة عام، ثم لأعمرنها، فلما حدثهم اجتمع العلماء فقالوا: يا رسول الله ما ذنبنا نحن ولم نكن نعمل بعملهم؟ فعاود لنا ربك (إلى أن قال) ثم أوحى الله قل لهم: لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فسلط الله عليهم بخت نصر فصنع بهم ما قد بلغك الحديث(1) .

____________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 412-413.

٢١٢

- في عقاب الأعمال: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن محمد ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: القائم والله يقتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها.(1)

- روي عن الصادق (ع) قال:

«لما كان من امر الحسين ما كان، ضجّت الملائكة وقالوا: يا ربّنا هذا الحسين صفيّك وابن بنت نبيّك قال: فأقام الله ظل القائم (ع) وقال: بهذا أنتقم لهذا».(2)

كما ان روح الله المسيح(ع) كان يخبر بقتل الحسين (ع) مراراً وتكراراً وفي مناسبات عديدة، ويلعن قاتليه ويأمر بني اسرائيل بلعنهم ويقول:

(من ادرك ايامه فليقاتل معه، فانه كالشهيد مع الانبياء مقبلاً غير مدبر وكأني انظر الى بقعته، وما من نبيّالا وزارها، وقال: إنّكِ لبقعةٌ كثيرة الخير، فيك يدفن القمر الزاهر)(3) .

____________________

(1) العوالم، الإمام الحسين (ع)، ص609.وروى المفيد في الإرشاد، ص361ـ 362: الفضل بن شاذان عن محمد بن عليّ الكوفي عن وهب بن حفص عن ابي بصيرقال: قال ابو عبد الله عليه السلام: (ينادى باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشوراء، وهواليوم الذي قتل فيه الحسين بن عليّ عليهما السلام، لكأني في يوم السبت العاشرمن المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل عليه السلام عن يمينه ينادي البيعة لله،فتصير إليه شيعته من اطراف الارض تطوى لهم طيّاً حتى يبايعوه فيملا الله به الارض عدلاً كما ملئت جوراً وظلما).

(2) الملهوف على قتلى الطفوف، ص176-177.

(3) كامل الزيارات: ص67.

٢١٣

وذكر الصدوق (رض ): ان عيسي (ع) مرّ بأرض كربلاء، وتوقف فوق مطارح الطف ولعن قاتلي الحسين ومهدري دمه الطاهر فوق الثري(1) .

2: قوله تعالى:( وَنُرِ‌يدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْ‌ضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِ‌ثِينَ ) .(2)

- حدثنا أحمد بن محمد الهيثم العجلي - رضي الله عنه - قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى علي والحسن والحسين عليهم السلام فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي. قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدي، إن الله عز وجل يقول:( وَنُرِ‌يدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْ‌ضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِ‌ثِينَ ) فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة.(3)

ثانياً: في العهدين

فقد جاء في (سفر ارميا): ان التوراة قد اخبرت بانتقام صاحب الزمان (عج ) من قتلة الحسين سيد الشهداء عليه السلام، حيث قالت: « اعدّوا المجن

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة، ص295.

(2) سورةُ القصص: آية 5.

(3) معاني الأخبار، ص79. كنز الدقائق، 10 ح 3. البحار، ج24، ص168 ح1. الميزان، ج16 ص 14. البرهان، ج 3، ص 217 ح2. نور الثقلين، ج 4، ص 110.

٢١٤

والترس وتقدموا للحرب اسرجوا الخيل، واصعدوا ايها الفرسان وانتضبوا بالخوذ اصقلوا الرماح البسوا الدروع، لماذا أراهم مرتعبين ومدبرين الى الوراء، وقد تحطمت

ابطالهم وفرّوا هاربين ولم يلتفتوا. الخوف حواليهم يقول الرب. الخفيف لا ينوص والبطل لا ينجو. في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. من هذا الصاعد كالنيل كانهار تتلاطم امواجها... »

الى ان تقول:

«... اصعدي ايتها الخيل وهيجي المركبات ولتخرج الابطال، كوش وفوط القابضان المجن واللوديون القابضون القوس. فهذا اليوم للسيد ربّ الجنود يوم نقمة للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم ».

ثم تذكر التوراة ان السبب في هذا الانتقام من الاعداء هو ما يلي:

«ان للسيّد ربّ الجنود ذبيحة في ارض الشمال عند نهر الفرات »(1)

وقد اورد صاحب كتاب (البحث عن الحقيقة ) ص 49 بالانجليزية هذا النص أيضاً كأحد ادلّة التوراة على خروج صاحب الزمان، وقتل اعداء الله فراجع(2) .

وأما في مجال الاخبار بالملحمة الالهية العظمى في كربلاء وما يرافقها من فواجع وأنّ المذبوح فيها له شأنٌ عظيم وأنّه استشهد من أجل إنقاذ الشعوب وألأمم.

____________________

(1) سفر ارميا 46: 3-10، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 3-10، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155. سفر إرميا 46: 3-10،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 1060. مع فرقٍ يسير بين عبارات المترجمين.

(2) الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155.

٢١٥

فقد اخبر (يوحنا): بان الحسين(ع) قدم دمه الطاهر قرباناً لله تبارك وتعالى وانه جسدالبطولة والتضيحة باعلى مراتبها. فقد جاء في سفر يوحنا:

(انك الذي ذُبحت، وقدمت دمك الطاهر قرباناً للرب،من اجل انقاذ الشعوب والامم، وسينال هذا الذبيح المجد والعزة والكرامة والى الابد لأنَّهُ جسّد البطولة والتضحية بأعلي مراتبها)(1) .

وأخبر (ارميا): بمعركة كربلاء الدامية قرب نهر الفرات، فقد جاء في سفر (ارميا):

(في ذلك اليوم يسقط القتلي في المعركة، قرب نهر الفرات،وتشبع الحرب والسيوف وترتوي من الدماء التي تسيل في ساحة المعركة، بسبب مذبحة رب الجنود في الارض تقع شمال نهر الفرات)(2) .

ولابدَّ أن نشير هنا الى مسئلةٍ مهمَّةٍ وتستحقُّ الوقوف عندها ولكننا نذكرها بالإشارة خوف الإطالة وهي: أنَّهُ قد أجمعت الأسفار المقدَّسة في العهدين على حقيقةٍٍ مهمَّةٍ وهي من القضايا المحوريَّةِ، وقد وردَ ذكرها كثيراً بطرقِ ومناسباتٍ متعدِّدةٍ، ويَبدو أنَّ لها شأناً ومنزلةً عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ألا وهي قضيَّةُ:(الكبشِ المذبوح) !.

وهذا الكبشِ المذبوح بحسب الأسفار المقدَّسة: هو من قدَّمَ دمهُ الطاهر الزكي قرباناً للربِّ تبارك وتعالى من أجلِ انقاذ الشعوب والأُمم، وأنَّهُ هو الذي أُريقَ دمُهُ من أجلِ كلمةِ الربِّ وشهادتهِ للحقِّ سبحانهُ وتعالى، وأنَّهُ

____________________

(1) يوحنا-5: 9-12، ص463 (ألأصل العبرى)، العهد الجديد. للوقوف على النصيين العبري والعربي ومعاينة الترجمه، انظر: (أهل البيت في الكتاب المقدس) ص113-115. رؤيا يوحنا، 5: 9-12،العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 400. مع تقديمٍ وتأخيرٍ في كلمات المترجمين لاتضر بالمعنى.

(2) سفر (ارميا): 46: 6 -10 ص782 (الأصل العبرى)، العهد القديم. وللوقوف على النصيين بالعبريه والعربية، انظر: (أهل البيت في الكتاب المقدس) ص116-118.سفر إرميا 46: 10،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 1060. مع فرقٍ يسير في عبارات الترجمة.

٢١٦

هو الوحيد الذي فكَّ السفر الإلهي المقدَّس وحلَّ رموزَهُ ونظرَ الى مافيهِ(1) وذلكَ حسب استعداده المدهش العجيب لفداء الله ودينهِ وشرائعهِ بكُلِّ مايملك بما في ذلك نفسهُ المقدَّسة العزيزة، وأنَّهُ نالَ بذلكَ الذبحِ المجد والعزَّة والكرامة الى أبد الآبدين، لأنَّه ضَحّى للربِّ بأعلى وأعظم تضحيةٍ والتي ليسَ فوقها تضحيةٌ قط، وأنه يجلس عن يمين العرش...الخ.

وقد فسَّر أهلُ الكتاب أنَّ المعنيّ بذلك كلِّهِ هو (النبيُّ إسحاق -ع-) لاغير، ووافقهم على ذلك بعضُ المسلمين لاستنادهم الى بعض الروايات في هذا المجال(2) ، فيما فسَّرَ الأعمُّ الأغلب من علماء المسلمين ذلكَ بكونهِ (النبيُّ إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام-)بحسبِ ماعندهم(3) . ولكنَّنا لو أمعنّا النظر وتحقَّقنا من الأمر، لوجدنا أنَّ كلا النَّبيَّينِ الكريمين المشار اليهما، لم يُذبحا حقيقةً، ولم يراق دمهما، ولم يذوقا أَلَمَ السكينِ أو الخنجرِ...الخ.

وكذلك ما جاء في القرآن الكريم، في قوله تعالى:( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) (4) ، فهو يدعو للوقوف عنده والتأمُّل فيهُ!

فأيَّةُ عظمةٍ ومقامٍ لذلك الكبش المقصود، جعلتهُ يذكرُ في الأسفار المقدّسةِ أكثرَ من ذكرِ خاتمِ النبيين وسيّد المرسلين محمد (ص)؟، فقد

____________________

(1) انظر: رؤيا يوحنا، الإصحاح الخامس، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس،ص 339-400.

(2) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج7 ص 232 وماقبلها ومابعدها: أنَّ روايات أهل السنة انقسمت الى قسمين، فنصفٌ قال: أنه اسحاق (ع) ونصفٌ قال: أنه اسماعيل (ع).

(3) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج7 ص232 وماقبلها ومابعدها، اجماع مذهب أهل البيت (ع) وكثير من اهل السنة.

(4) سورة الصافات: آية 107.وتفسير ذلك في:تفسير مجمع البيان، ج8 ص324. تفسير الميزان، ج17ص153. ولمَ سمّيَ عظيماً في: تفسير الثعلبي، ج8 ص157. وانظر: تأويل الآية والأخذ والردِّ في ذلك، في الإنتصار، العاملي، ج2 ص326-328.

٢١٧

ورد ذكر هذا (الكبش المذبوح) في سفر الرؤيا ليوحنا (ع) لوحدهِ فقط، في أكثر من أربعةٍ وعسرين موضعاً!. فهل يُعقَلُ ذلكَ كلَّه في (خروفٍ) كما سمَّتهُ بعضُ الترجمات، وإذا كان رمزاً، فمن عنت تلكَ البشارات في الكتاب المقدّس(1) ؟. لذا فإنَّ هذا الموضوع جديرٌ بالبحثِ ويستحقُّ أن تُكتبَ فيهِ رسائلَ علميّة.

____________________

(1) للمزيد انظر: الخصال ص59. عيون أخبار الرضا (ع)، ج2ص187- 190. مسند الإمام الرضا (ع)،ج1ص56.وروايات أهل البيت (ع) في ذلك وعلاقته بشهادة الامام الحسين(ع).

٢١٨

المبحث الثاني: المنتقم من الظالمين صنيعةُ ربّ العالمين

يبدو واضحاً أن الله تبارك وتعالى قد كتب على نفسه المقدّسة ان ينتقم من اعداءه المجرمين بواسطة القائم المنتصر في آخر الزمان، وبشّر انبياءه ورسله واهل الكرامة عليه منذُ أمدٍ بعيدٍ جداً وفي مناسباتٍ مختلفةٍ بهذا الامر، وثبّت ذلك في كتبه المنزلة المباركة وأوضحَ ذلك لعموم البشرية على مدى مسيرة حياتها الطويلة.

لذا فان هذا الموضوع، هو عهدٌ ووعدٌ الهيّ حتميّ وقطعيّ، لا يختلف ولا يتخلّف طرفةَ عينٍ أبداً، فان تَخَلَّفَ كان الاحكامُ ناقصاً، والوجود عبثاً، والقضاءُ والحكمُ الالهيّ غير تامٍّ، وذلك لخلوِّ الارضِ من خليفتهِ، وهو ممتنعٌ على ساحةِ قُدسِهِ عزَّ وجلَّ. وقد أوجَبَ ذلكَ الامرَ على نفسهِ القُدسيَّةِ المباركةِ بلطفهِ وفيضهِ ومنِّهِ بقوله عزَّ من قائل:( وَإِذْ قَالَ رَ‌بُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْ‌ضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) .(1)

____________________

(1) البقرة: 30، وقد أحضر جميع ملائكته وأخبرهم بهذا الأمر الإلهيّ الكبيروالخطير، وذلك واضحٌ في تفاسير المسلمين، انظر مثلاً: التفسيرألكبير:ج2 ص152.

٢١٩

وسنبين ذلك: في القرآن الكريم والروايات الشريفة اولاً، وفي العهدين ثانياً.

اولاً: في القرآن والروايات الشريفة

في قوله تعالى:( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِ‌ف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورً‌ا ) (1) .

(عن الحجال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (ع) قال: سألتهُ عن قول الله عزَّ وجلَّ: ومن قُتلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنَّهُ كان منصورً: قال: نزلت في الحسين (ع)، لو قتلَ وليُّهُ أهلَ الأرض بهِ ما كان سرفاً)(2) .

- روي عن الصادق (ع) قال:

(لماّ كان من أمرِ الحسين ما كان، ضجّت الملائكة وقالوا: يا ربّنا هذا الحسين صفيّك وابن بنت نبيّك قال: فأقام الله ظل القائم (ع) وقال: بهذا أنتقم لهذا).(3)

وروى هلال بن نافع قال:

اني لواقف مع اصحاب عمر بن سعد اذ صرخ صارخ: أبشر أيها الامير، فهذا شمرقد قتل الحسين (ع). قال: فخرجت بين الصفّين، فوقفت عليه، فانه ليجود بنفسه، فوالله ما رأيت قتيلاًمضمّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيأته عن الفكر في قتله. فاستسقىِ في تلك

____________________

(1) سورة الإسراء: آية 33.

(2) الكافي، ج8 ص255. ومثله: تأويل الآيات، ج1 ص 280.

(3) الملهوف على قتلى الطفوف، ص176-177.

٢٢٠