تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس0%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: للعلاّمة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 257
المشاهدات: 77167
تحميل: 5505

توضيحات:

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77167 / تحميل: 5505
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأمّا ثالثاً، فلأنّ إمكانَ الحركة لا يستلزمُ وجوبَ الميل، إلاّ إذا تمّ الاستعداد، وهو ممنوعٌ.

وأمّا رابعاً، فلأنَّ الميول لو لم تجتمع لتساوت الحركتان عن ضعيف وقويّ.

وأمّا خامساً، فلم لا يجوزُ وجود ميلين في وقتين عندَ حالتين، كالمتحرّك يوجدُ فيه الميل عندَ مفارقة مكانه وعدمُه عندَ حصوله فيه.

وباقي الاعتراضات ذكرناها في كتاب نهاية المرام (1) .

ي - بسائطُ العناصر أربعةٌ: (الأرض)، وهي في الوسط، مركزها مركزُ العالم، ولها كيفيّتان: فعليّةٌ هي البرودةُ، وانفعاليّةٌ هي اليبوسةُ.

ويحيطُ بها (الماء) إلاّ ربعاً واحداً معموراً، انكشف عن الماء، لحكمةِ نشو الحيوان. وله كيفيّتان: فعليّةٌ هي البرودةُ، وانفعاليّةٌ هي الرّطوبةُ.

و(الهواء) محيطُ بالماء، وله كيفيّتان: فعليّةٌ هي الحرارة، وانفعاليّةٌ هي الرّطوبة بمعنى قبول الأشكال، لا البلّة.

و(النّار) محيطةٌ بالهواء ولها كيفيّتان: فعليّةٌ هي الحرارة وانفعاليّة هي اليبوسةُ.

وهي قابلةُ للكون والفساد، لصيرورةِ النّار هواءً عندَ الانطفاء

____________________

(1) انظر: الجزء الثالث: 243 - 246.

١٢١

وبالعكس عندَ النّفخ؛ والهواء عندَ تبرّده (1) ماءً، كما يجتمعُ قطرات الماء على طرف الإناء الحاوي للجمد وبالعكس عندَ الإسخان؛ والأرضِ ماءً، كما يفعله أصحاب الإكسير وبالعكس؛ فإنّ كثيراً من مياه العيون ينعقد حجارةً صلدةً.

ومن هذه العناصر تتركّب المركّبات المعدنيّة والنباتيّة والحيوانيّة.

يا - العناصر إذا امتزجت انكسرت صرافة كلّ كيفيّة؛ (2) فإنّ النّار لا تبقى على صرافة حرارتها، ولا الماءَ على صرافة برودته، ولا الهواءَ على صرافة لطافته، ولا الأرضَ على صرافة يبسها، بل تحدث كيفيّةٌ متوسّطةٌ بين هذه الكيفيّات على النّسبة وهي المزاج.

وفيه إشكالٌ؛ فإنّ الكاسر والمنكسرَ إن اقترن فعلاهما كان المغلوب حال كونه مقهوراً غالباً. وهو محالٌ؛ فإن تقدّم فعل أحدهما كان المغلوبُ بعدَ انكساره غالباً، وهو محالٌ.

أجابوا بأنّ الفاعل، الصّورةُ والمنفعل، الكيفيّةُ.

ويشكلُ: بأنّ الصّورةَ إنّما تفعلُ بواسطة الكيفيّة وينتقَضُ أيضاً بالماء الحارّ الممتزج بالبارد.

____________________

(1) ج، ب: برودة.

(2) ب: صرافتها إلى كيفيّة.

١٢٢

الفصل الثالث

في أحكام الجواهر المجرّدة

وفيه [عشرةُ] مباحث

ألف - نفاها أكثرُ المتكلّمين وإلاّ لشاركت واجبَ الوجود - تعالى - في ذاته، وهو غلطٌ: فإنّ المساواة في الصّفات الثّبوتيّة لا تقتضي المساواة في الذّات؛ فكيف السّلبيّة؟

نعم أدلّةُ ثبوتها ضعيفةٌ.

أما النّفسُ، فاستدلّوا على ثبوتها بأنّ هنُا معلوماتٍ غيرَ منقسمة، كواجب الوجود والوحدة والنّقطة؛ فالعلم بها غيرُ منقسم، وإلاّ فجزؤه إمّا أن يكونَ علماً بكلّ المعلوم فيتساوى الجزء والكلّ في الحقيقة، أو ببعضه، فينقسمُ البسيط؛ أو لا يكونَ علماً، فعندَ الاجتماع إن لم يحصل زائدٌ، فالعلم غيرُ علم؛ أو يحصل، فيكون هو العلم، فالتّركيبُ في فاعله أو قابله، لا فيه، فمحلّ العلم غيرُ منقسم؛ وإلاّ فإن قام بكلّ جزء منه جزء من العلم انقسم وقد فرضناه غيرَ منقسم وإن قام ببعض الأجزاء نقلنا الكلام فيه، وإن لم يقم بشيء منه لم يكن محلاًّ؛ فكلّ جسم وجسمانيّ منقسمٌ، فمحلّ العلم الّذي هو النّفس شيءٌ مجرّدٌ.

١٢٣

وهو ضعيفٌ، لأنّ التّساوي في المتعلّق (1) بالمعلوم لا يستلزمُ التّساوي في الماهيّة، لأنّها نسبة خارجة عن الماهيّة وإذا حصل زائدٌ عندَ الاجتماع لم يحصل (2) انتفاء التّركيب عنه، لعوده في كلّ مركّب ولا يلزم من انقسام المحلّ انقسامُ الحالّ، كما يذهبون إليه في الوحدة والنقطة وغيرهما؛ ونمنع انقسامَ الجسم إلى ما لا يتناهى.

وأمّا العقلَ فاستدلّوا عليه: بأنّه - تعالى - بسيطٌ، لا يصدرُ عنه أكثرُ من واحد؛ ولا يجوز أن يكون جسماً، لتركّبه ولا مادّةً، لامتناع كون القابل فاعلاً، ولا صورةً وإلاّ كانت مستغنيةً في فاعليّتها عن المادّة، فتكون مستغنيةً في وجودها عنها. ولا نفساً، وإلاّ لاستغنت عن البدن.

وهو ضعيف لإمكان صدور أكثر من واحد عن البسيط، على ما تقدّم؛ ثمّ هذا في الموجَب، أمّا المختار فلا، ونمنع تركّب الجسم، وقد أبطلنا الهيولى؛ والقابل جاز أن يكونَ فاعلاً، كما تقدّم، سلّمنا، لكن بالاستقبال أو مطلقاً، ممنوعٌ وكذا الصّورة جاز أن تكونَ متوسّطةً بذاتها وكذا النّفسُ.

ب - لمّا أبطلنا دليل النّفس النّاطقة ولم يقم برهانٌ على استحالتها بقي القولُ بالجواز، فإن قلنا بها، فالإنسان المكلّف هو هي، وإلاّ فهو أجزاءٌ أصليّةٌ في هذا البدن، لا يتطرّق إليها التّغيّرُ ولا الفناء، باقية من أوّل العمر إلى آخره. والتّغذية والتّنمية والتحلّل في الأجزاء الفاضلة.

____________________

(1) ج: التعلّق.

(2) ج: لم يلزم.

١٢٤

ج - اختلف مثبتو النّفس في أنّها واحدة بالنّوع أو لا، فبعضهم على الأوّل، لاتّفاقها في حدّ؛ وهو ضعيفٌ إذ التّحديدُ راجعٌ إلى التّصوّر، وبعضهم على الثّاني لاختلافها في الذّكاء والرّحمة وضدّهما، ولا يلزم من اختلافِ الصّفات اختلاف الماهيّة.

د - النّفسُ إن قلنا بها فهي حادثةٌ. وعليه أكثر الأوائل، لأنَّ الأبدانَ حادثةٌ بالضّرورة، فلو كانت سابقةً عليها لكانت إمّا واحدةً أو كثيرةً، والقسمان باطلان. أمّا الأوّلُ، فلأنّها إن بقيت واحدةً بعدَ التّعلّق اتّحدت الأشخاصُ البشريّةُ بالشّخص، وهو باطلٌ بالضّرورة، وإن تكثّرت كانت جسماً، إذ المنقسم هو الجسمُ. وأمّا الثّاني فلامتناع تكثّرها بالذّاتيات واللّوازم، لاتّحادها في النوّع، وبالعوارض، لأنّ اختصاصَ بعض جزئيّات النّوع بعارضٍ دونَ غيره إنّما هو بسبب المادّة، ومادّةُ النّفس، البدن، فقبله لا مادّة.

هـ - التّناسخ باطلٌ. أمّا عندنا، فظاهرٌ، لحدوث النّفس إن أثبتناها. وأمّا [عند] أكثر الأوائل، فلأنّ الحادث ينتهي إلى مبدأ قديم عامّ الفيض والحدوث إنّما هو بواسط استعداد القابل، وقابل النّفس البدن فحدوثه يوجبُ فيضانَ نفس متعلّقةٍ به؛ فلو انتقلت إليه نفسٌ أُخرى اجتمع نفسان على بدن واحد، وهو محالٌ.

و - عند الأوائل، النّفس لا تفنى بفناء البدن، وإلاّ لكان إمكانُ العدم مفتقراً إلى المحلّ، وليس هو النّفس، لامتناع كون الشّيء محلاًّ لإمكان

١٢٥

عدمه، لوجوب اجتماع القابل والمقبول، فلابدّ من شيء آخر هو المادّة، فتكونُ ماديّةً، فتكون جسماً. ونمنعُ افتقار الإمكان إلى محلّ؛ سلّمنا، لكنّ القبول صفة القابل فلا يحلّ في غيره، وإلاّ لزم نفي الإمكان مطلقاً، ولا يلزمُ من كونها مادّيةً كونها جسماً، خصوصاً، وعندكم، أنّها مندرجةٌ تحتَ جنس الجوهر، فتكون لها فصلٌ، فتكون مركّبةٌ.

ز - النّفس تدرك الكلّيّاتِ بذاتها، أمّا الجزئيّاتُ فمنع الأوائل منه إلاّ بواسطة القوى الجسمانيّة، فإنّا إذا تخيّلنا مُربّعاً مُجنّحاً بمربّعين فلابدّ من مايز بينهما، وليس بالذّاتيّات واللّوازم، لتساويهما نوعاً، ولا بالعوارض وليس في الخارج، لفرضهما ذهنيّتين، فليس إلاّ مغايرةَ المحلّين ذهناً، ونمنعُ الحصر.

ح - أثبت الأوائل قوىً حسّاسةً باطنةً، وهي خمسٌ:

الحسّ المشترك، وهي قوّةٌ مرتبةٌ في مقدّم البطن الأوّل من الدّماغ، يؤدّي إليها جميعُ الحواسّ ما أدركته، للحكم بأنّ صاحبَ هذا اللّون هو صاحبُ هذا الطّعم. فلو لا وحدة القوّة لما أمكن هذا الحكمُ. ويبطلُ: بأنّ الحكمَ للنّفس باعتبار الحواسّ وينتقض بالحكم بالكلّيّ على الجزئيّ.

والخيال، وهو خزانة الحسّ المشترك، وهو حافظ، لا مُدرك، للمغايرة بينَ الحافظ والقابل، كالماء ولا يوجب الكليّةَ. ثمّ الحفظ لابُدّ فيه من القبول فيتّصف بهما القوّة الواحدة.

والمتخيّلةُ، وتسمّى المفكّرةَ، لكن باعتبارين، وشأنها التّركيب

١٢٦

والتّحليل. وليس ذلك للقوى المدركة، لأنّ الواحدَ لا يكونَ علّةً لأمرين. ويبطل: بأنّ التّصرّف (1) يستدعي العلم، والوهميّة وهي مدركةُ المعاني الجزئيّة، كالصّداقة والعداوة الجزئيّتين.

وأكثرُ الأفعال البشريّة مستندةٌ إليها، وهي مغايرةٌ للقوى الّتي لا يدرك المعاني، وللنّفس الّتي لا تدرك الجزئيّات بذاتها. ويبطلُ: بأنّ العداوة المتعلّقة بهذا الشّخص لا تعقل إلاّ متعلّقةً به، فالمدرك لهما واحدٌ.

والحافظةُ، وهي خزانةُ الوهم ويسمّى متذكّرة، لقوّتها على الاسترجاع بعدَ الغيبوبة، والكلام فيه كالخيال.

ط - أثبت الأوائل للنّفس النّباتيّة ثلاثَ قوى:

الغاذيةَ، وهي قوّةٌ حالَة في المغتذي، تحيلُ الغذاء إلى مشابهه ليخلفَ بدلَ ما يتحلّلُ.

والنّامية، وهي الّتي تزيدُ في أقطار الجسم على تناسب طبيعيّ ليبلغَ إلى تمام النّشو.

والمولّدةَ، وهي الّتي تفصلُ جزءاً من فضل الهضم الأخير للمغتذي وتودعه قوّةً من مشيجه. (2)

فالغاذيةَ تخدمها أربعُ قوى: الجاذبةُ للغذاء، والماسكةُ له حتى تهضمه، الهاضمةُ، والدّافعةُ.

____________________

(1) ج: التصديق.

(2) ج: شبحه.

١٢٧

وفعلُ الغاذية يتمّ بأمور ثلاثة: تحصيلِ الخلط المشابه للمغتذي بالقوّة وتصييره جزءاً للعضو، وتشبيهه به في قوامه ولونه، فإذا انتقصت الرّطوبةُ الغريزيّةُ بعدَ سنّ الوقوف انحلّت، فانطفت الحرارةُ الغريزيّة وبطل عملُها.

ويشكلُ: بأنّ المحتاجَ إلى البدل ليس مجموعَ الزّائل (1) والباقي، لأنّه غيرُ موجود بعدَ زوال الزّائل، ولا الزّائلَ وحده، ولا مجموع الباقي والآتي، ولا الآتي؛ بل إن كان فالباقي، وهو مساوٍ للآتي، فلا يصحّ احتياجُه إليه، ولأنّ مداخلة الغذاء، توجبُ التّفريقُ الموجب للألم. وأمّا الباقي فلابُدّ من بقاء شيء فيه (2) وليس الصّورة ولا المادّةَ؛ لأنّ البدنَ دائماً في التّحلّل، وليس البعضُ أولى من الباقي، فيكونُ النّموُّ إحداثاً.

وأمّا المصوّرةُ، فالضّرورة (3) حاكمة بإسناد التّشكّلات مختلفة (4) والأعضاء الغريبة إلى فاعل مختار، لا إلى قوّة لا حسَّ لها ولا إدراكَ.

ي - الملائكة والجنُّ والشّياطينُ أجسامٌ قادرةٌ على التّشكّلات المختلفة. وأثبت الأوائل النّفوس الفلكيّةَ مجرّداتٍ هي الملائكة. وأنكر أوائل المعتزلةِ الجنَّ، لأنّها إن كانت لطيفةً لم تكن قادرةً على شيء من الأفعال وإن كانت كثيفةً وجب أن نشاهدَها. ويُحتمل أن تكونَ لطيفةً بمعنى الشّفافيّة.

____________________

(1) ألف: الزائد.

(2) ج: منه.

(3) ألف: فالصورة.

(4) ب، ج: العجيبة.

١٢٨

الفصل الرّابع

في أحكام الأعراض

وهي أربعةُ مباحثٍ:

ألف - الأعراضُ لا يصحّ عليها الانتقالُ عندَ الأوائل والمتكلّمين؛ لأنّ علّة تشخّصه المحلُّ، وإلاّ لكان مستغنياً بموجده ومشخّصه (1) عن المحلّ، فلا يحلّ فيه؛ والملازمةُ ممنوعةٌ.

ب - لا يمكن قيامُ العرض بمثِله المتكلّمين، خلافاً للأوائل ومعمّر، إذ لابدّ من الانتهاء إلى الجوهر، فهو المحلّ. وهو ممنوعٌ، لجواز اشتراط المتوسّط، كالحركة، والسّرعة. والمرادُ من القيام هنا، الاختصاصُ النّاعتُ.

ج - الأعراض منها ما يصحّ عليه البقاء، خلافاً للأشاعرة. وادّعى أبو الحسين الضروةَ في ذلك، فإنّا نعلمُ بالضرّورة بقاء السّواد في القار والبياض في القّطن، كما نعلمُ بقاء الجسم المشاهد زمانين، ولأنّها ممكنةٌ في الزمان الأوّل وإلاّ لما وجدت، فكذا في الثّاني، وإلاّ لزم انتقال الشّيء من الإمكان الذّاتيّ إلى الامتناع الذّاتيّ.

____________________

(1) ب، ج: تشخّصه.

١٢٩

واعترضناه في النّهاية (1) : بأنّ إمكان البقاء مغايرٌ لإمكان الوجود المطلق. (2) والثّاني ثابتٌ دونَ الأوّل، ولا يلزمُ استحالةُ الممكن. (3)

احتجّوا: بأنّ البقاء عرض، فلا يقوم بالعرض، وبأنّ بقاءه يستلزمُ امتناع عدمه؛ إذ لا يُعدَم لذاته وإلاّ لصار ممتنعاً؛ ولا لطريان ضدّ، لأنّ شرطَ طريانه عدمُ الأوّل، فلو عُلّل به دار. (4)

ولا للفاعل المختار؛ لأنّ الإعدامَ نفيُ أثر، لا إيجادٌ، فعندَ ذلك النّفي إن لم يتجدد شيء لم يكن للفاعل أثرٌ (5) البتة، وإن تجدّد فهو وجوديّ، فيكون إيجاداً، لا إعداماً.

ولا لانتفاء الشّرط، لأنّ شرطه الجوهرُ، وهو باق. والكلامُ في عدمه كالكلام في عدم العرض.

ونمنع كونَ البقاء عرضاً، ويجوز قيامُ العرض بمثله، وجاز استنادُ عدمه إلى ذاته في الزّمن الثّالث، كما تجوّزونه (6) في الثّاني.

ونمنع اشتراط الطّريان بانتفاء السّابق، ويجوز استناد الإعدام إلى الفاعل، والصّادرُ لا يجبُ أن يكونَ وجوديّاً، ونفيُ الوجود أثرٌ، كما أنّ

____________________

(1) الجزء الأوّل: 300 - 301.

(2) ج: والنطق.

(3) ج: التمكن.

(4) الاحتجاج للأشاعرة كما في النهاية للمصنّف: 1/301.

(5) ج: إيراد إليه.

(6) ج: يجوّزونه.

١٣٠

تحصيله أثرٌ. ونمنع انحصار الشّرط في الجوهر، بل جاز اشتراط الباقية بأعراض لا تبقى. فإذا انقطع إيجادُها عدمت.

د - لا يمكنُ حلول عرض واحد في محلّين، خلافاً لأبي هاشم في التأليف ولبعض الأوائل في الإضافات المتّفقة، وإلاّ لجاز حلولُ الجسم في مكانين.

والنّقضُ بامتناع حلول الجسمين في مكان واحد بخلاف العرضين باطلٌ، لأنّ الامتناع هناك للحجميّة المنفيّة (1) عن العرض.

قيل: حلولُ عرض في محلّين (2) - بمعنى أنّ الحالّ في محلّ هو بعينه حالّ في آخر - باطلٌ، وإلاّ لاستغنى بكلّ منهما عن الآخر، فيكون محتاجاً إلى كلّ واحد منهما حال غناه عنه؛ وبمعنى حلوله في مجموع شيئين صارا باجتماعهما محلاًّ واحداً له، ممكنٌ، كالعشريّة القائمة بالآحاد لما انضمّت وقامت بها وحده. والكلام في الوحدة كالكلام في العشريّة.

____________________

(1) ب: منتفيّة.

(2) ج: مجلسين.

١٣١

١٣٢

المرصد الخامس

في إثبات واجب الوجود تعالى وصفاته

وفيه مقاصد

١٣٣

١٣٤

[المقصد] الأوّل

في إثبات واجب الوجود تعالى

ويستدلّ عليه إمّا بالإمكان أو الحدوث، إمّا في الذّات أو الصّفات، فلأقسام أربعة:

ألف - العالمُ ممكنٌ لتغيّره وكثرته، وسيأتي أنّ الواجب واحدٌ، باق، وكلّ ممكن فلابدّ له من مؤثّر، فإن انتهى إلى الواجب فالمطلوب، وإلاّ تسلسل أو دار؛ وهما باطلان بما تقدّم.

ب - الأجسامُ متساوية في الجسميّة على ما مرّ، فاختصاصُ كلّ واحد منها بعرضه القائم به أمرٌ ممكنٌ فلابدّ له من مؤثّر.

ج - الأجسام حادثة، على ما تقدّم، فلابدّ لها من مُحدِث بالضّرورة، وهي طريقة الخليل (عليه السلام) فالمُحدث إن كان قديماً واجباً فالمطلوبُ، وإلاّ تسلسل.

د - النّطفةُ تنقلبُ علقةً ثمّ مضغةً، ثمّ لحماً وعظماً ودماً؛ فلابدّ له من مؤثّر، وليس هو الإنسانَ، ولا أبواه بالضّرورة، فلابدّ من مؤثّر حكيم. ويمتنعُ مؤثّر، وليس هو الإنسانَ، ولا أبواه بالضّرورة، فلابدّ من مؤثّر حكيم. ويمتنعُ استناد هذه الآثار الغريبة إلى القوّة المولّدة، فإنّه لا شعورَ لها ولا اختيارَ،

١٣٥

فكان يصدر عنها شيءٌ واحدٌ ويكونُ شكله الكرةَ.

والطريق الأوّل أقواها، فإنّه كما يدلّ على إثبات الصّانع يدلّ على وجوبه، بخلاف باقي الطرق، لافتقارها في الدّلالة على الوجوب إلى الأوّل.

واعلم أنّ ثبوتَ الواجب قريبٌ من البديهة، لأنّ هنا موجوداً بالضّرورة، فإن كان واجباً فالمطلوبُ، وإلاّ كان ممكناً. فإن تسلسل فمجموعُ الأمور الممكنة ممكنٌ لابدّ له من علّة.

ولا يكفي في وجود الممكن مطلقُ العلّة، بل لابدّ من علّة تامّة يصيرُ معها واجباً، وبدونها ممتنعاً.

فالعلّةُ التّامّةُ لمجموع الممكنات يجبُ أن تكونَ واجبةً، لأنّها لو كانت ممكنةً، فإن كانت علّةً تامّةً لكلّ واحد من الممكنات كانت علّةً لنفسها، لأنّها من جملة الممكنات، وإن كانت علّةً لبعض الممكنات دونَ بعض كانت جزءاً من العلّة التامّة لمجموع الممكنات، وهي بعينها علّةٌ لمجموع الممكنات، فيلزمُ كونُ الشّيء جزءاً من نفسه، ولما تقدّم من إبطال التّسلسل والدّور.

١٣٦

المقصد الثّاني

في صفاته تعالى

وفيه فصلان

[الفصل] الأوّل

في الصّفات الثّبوتيّة

وفيه مطالب

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - موجود

قد تقدّم إثباتُ واجب الوجود تعالى. والثّبوت الوجود بالضّرورة، ولأنّه لو لم يكن موجوداً لكان معدوماً، إذ لا واسطةَ بينُهما، والعدمُ لا يصلحُ للمبدائيّة.

والملاحدةُ قالوا: إنّه - تعالى - مبدأ للمتقابلات، كالوجود والعدم، والوجوب وقسيميه، والوحدة والكثرة؛ ومبدأ المتقابلات لا يتّصفُ بأحدها، فهو ليس بموجودٍ بالمعنى المقابل للعدم، ولا بواحدٍ (1) بالمعنى

____________________

(1) ب: ولا واجب.

١٣٧

المقابل للكثرة، ولا واجب بالمعنى المقابل للإمكان، بل ولا مبدأ بالمعنى المقابل لعدم المبدائيّة، ولا مُبدع بالمعنى المقابل لنقيضه، وهو موجودٌ وواحدٌ ومُبدعٌ من حيثُ كونه مبدأً للوحدة والكثرة، ومبدع للوجود والعدمَ المتصوّر (1) بإزاء الوجود. وهذا الكلام لا فائدةَ فيه محصّلةً.

المطلب الثاني: في أنّه - تعالى - قادرٌ

والمرادُ منه هو أنّه - تعالى - يفعلُ مع جواز ألاّ يفعل، بل إذا شاء أن يفعل فعل، وإذا شاء أن يترك ترك، لأنّه لو لم يكن كذلك لكان موجَباً. والتّالي باطلٌ، وإلاّ لزم قِدَمُ العالم أو حدوثُه تعالى، وهما باطلان.

لا يُقال: العالمُ إن كان صحيحَ الوجود في الأزل التزمنا القِدَمَ، وإلاّ لم يجب القدرةُ، لتوقّف الأثر على القابل كالفاعل، ولإمكان الواسطة، ولأنّ الفاعل إن استجمع جميعَ جهات المؤثريّة امتنع التّرك وإلاّ امتنع الفعل، فلا قدرةَ، ولأنّ التّرك غيرُ مقدور، لأنه عدمٌ، فكذا الفعل.

لأنّا نقول العالمُ صحيحُ الوجود في الأزل إن استند إلى الموجب، مستحيلٌ إن استند إلى القادر. سلّمنا استحالته مطلقاً، لكن وجوده قبل أن وجد لا يُخرجُه عن الحدوث، فكان يجبُ أن يوجد قبل وجوده، لوجود العلّة التّامّة وانتفاء المانع، والواسطة باطلةُ بالإجماع، ولأنّها ممكنةٌ، فتكون من العالم، فلا تعقَلُ واسطة بينَ الواجب والعالم.

____________________

(1) ألف: المتصرر.

١٣٨

وامتناعُ التّرك باعتبار استجماع الشّرائط لا تُخرجُ الفاعلَ عن القدرة، لأنّ المختار إذا أخذ مع قدرته تساوى الطرفان بالنّسبة إليه، وإن ضمّ إليه الدّاعي وجب. ومعنى الاختيار استواء الطرفين بالنّسبة إلى القدرة وحدها. والقادر هو الّذي يصحّ أن يفعل وأن لا يفعل، لا أن يفعل التّرك.

المطلب الثالث: في أنّه - تعالى - عالمٌ

اتّفق العقلاء إلاّ قدماء الفلاسفة عليه؛ لأنّه - تعالى - فعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكلّ من كان كذلك فهو عالمٌ. والمقدّمتان ضروريّتان ولأنّه - تعالى - مختارٌ. فيكون عالماً؛ لأنّ المختار هو الّذي يفعل بواسطة القصد.

لا يقالُ: المُحكم قد يصدرُ مرّةً اتفاقاً عن الجاهل، فجاز التّعدد، ولأنّ كثيراً من الحيوانات تفعلُ أفعالاً مُحكمةً، وليست عالمةً، كالزّنبور، والمحتذى ولأنّ العلم نسبة، فتغاير الذات، فيكون الله - تعالى - محلاًّ للأمور الكثيرة.

لأنّا نقول: الضّرورة قاضيةٌ بالفرق بينَ وقوع المحكم ندرةً ودائماً. والحيوانات عالمةٌ بما يفعله من الأُمور المحكمة (1) ، وكذا المحتذى، والنّسب عدميّةٌ والحلول اعتباريٌّ.

____________________

(1) ألف: الأُمور المحكم.

١٣٩

المطلب الرابع: في أنّه - تعالى - حيٌّ

اتّفق العقلاء عليه، واختلفوا في معناه. فعند أبي الحسين والأوائل، أنّ معناه: أنّه لا يستحيلُ أن يقدرَ ويعلمَ، وقد ثبت أنّه - تعالى - قادرٌ عالمٌ، فيكونُ حيّاً بالضّرورة.

وعندَ الأشاعرة وجماعة من المعتزلة أنّه من كان على صفةٍ لأجلها يصحّ أن يعلمَ ويقدرَ لأنه لو لا ذلك لم يكن حصول هذه الصّحة أولى من عدم حصولها؛ وهو باطلٌ، لأنّ المقتضي للصحّة ذاتُه المخالفةُ لغيرها من الذّوات بحقيقتها.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - مريدٌ

اتّفق العلماء (1) عليه واختلفوا في معناه، فعندَ أبي الحسين أنّه نفسُ الدّاعي، وهو علمُه - تعالى - بما في الفعل من المصلحة الدّاعية إلى الإيجاد أو المفسدة الدّاعية إلى التّرك.

وعند النّجار أنّه عبارةٌ عن كونه غيرَ مغلوب ولا مستكره. وعند الكعبيّ أنّ معناه في أفعال نفسه كونُه عالماً بها، وفي أفعال غيره كونُه آمِراً بها.

وعند الأشاعرة وأبي هاشم أنّه من كان على صفة لأجلها يصحّ منه

____________________

(1) ب، ج: العقلاء.

١٤٠