تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس30%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82028 / تحميل: 5957
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

١

٢

تقديم آية الله جعفر السبحاني

تسليك النفس

إلى

حظيرة القدس

للعلاّمة الحلّي

أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر

(٦٤٨ - ٧٢٦هـ)

تحقيق

فاطمة رمضاني

مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)

قم - إيران

٣

٤

بسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيم

العباقرة في مرآة التاريخ

بقلم: آية الله جعفر السبحاني

المقدّمة:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أبي القاسم محمد وعلى عترته الطيبين الطاهرين صلاة ما دامت السماوات ذات أبراج والأرض ذات فجاج.

أمّا بعد؛

فإنّ التعرّف على مكانة العلماء البارزين وعظمتهم - الذين خدموا المجتمع الإنساني بأفكارهم وآرائهم وكتبهم وآثارهم -، يَتمُّ من خلال طريقين:

١. الرجوع إلى كلمات العلماء في حقّهم، فإنّها مرآة لشخصياتهم، وطريق لفهم جوانب حياتهم وإدراك منزلتهم العلمية.

٥

٢. الرجوع إلى الآثار التي خلّفوها على الصُّعُد الفكرية والعلمية والثقافية والتربوية.

وبهذين الطريقين يمكن التعرّف على مكانة ودور أي واحد منهم.

الكتاب الذي بين يديك أثر من آثار أحد أعلام الإسلام، والّذي اشتهر بالنبوغ والعبقرية والتقدّم في ميادين العلوم العقلية والنقلية، ألا وهو العلاّمة الحلّي (٦٤٨ - ٧٢٦هـ).

ونحن هنا كباحثين محايدين سنقوم بتحقيق هذه الشهرة الّتي لم نزل نسمعها من المشايخ العظام جيلاً بعد جيل، وذلك بإتباع الطريقين المذكورين.

كلمات في حق المؤلف

إذا ألقينا نظرة على معاجم الرجال وتراجم العلماء سنجد أنّ كلّ من ذكر العلاّمة الحلّي (رحمه الله) أو ترجم له يصفه بما يُوصف به عباقرة العلوم وجهابذة الفنون، وإليك نزراً يسيراً من كلمات الفريقين:

قال الصفدي: الإمام العلاّمة ذو الفنون، عالم الشيعة وفقيههم، صاحب التصانيف الّتي اشتهرت في حياته، وكان يصنّف وهو راكب، وكان ريّض الأخلاق، مشتهر الذكاء، وكان إماماً في الكلام والمعقولات (١) .

وقال ابن حجر: عالِم الشيعة وإمامهم ومصنّفهم، وكان آية في

____________________

(١) الوافي بالوفيات: ١٣/٨٥ برقم ٧٩ بتلخيص.

٦

الذكاء. وكان مشتهر الذكر، حسن الأخلاق (١) .

وقال أيضاً في (الدرر الكامنة): الحسن بن يوسف ابن المطهّر الحلّي الإمامي، جمال الدين الشيعي، ولد في بضع وأربعين وستمائة، ولازم النصير الطوسي مدة واشتغل في العلوم العقلية، فمهر فيها وصنّف في الأُصول والحكمة، وكان رأس الشيعة بالحلّة، واشتهرت تصانيفه، وتخرّج به جماعة، وشرحه على مختصر ابن الحاجب في غاية الحسن في حلّ ألفاظه وتقريب معانيه وصنّف في فقه الإمامية، وكان قيّماً بذلك داعية إليه (٢) .

هذه كلمات أعاظم أهل السنّة في حقّه، وأمّا أقوال علماء الشيعة فهي كثيرة نذكر منها القليل:

فقد عرّفه ابن داود الحلّي بقوله: شيخ الطائفة، وعلاّمة وقته، وصاحب التحقيق والتدقيق، كثير التصانيف، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول (٣) .

وقال الحر العاملي: فاضل عالِم علاّمة العلماء، محقّق، مدقّق، ثقة، فقيه، محدّث، متكلّم، ماهر، جليل القدر، عظيم الشأن رفيع المنزلة، لا نظير له في الفنون والعلوم العقلية والنقلية، وفضائله ومحاسنه أكثر من أن تحصى (٤) .

____________________

(١) لسان الميزان: ٢/٣١٧.

(٢) الدرر الكامنة لابن حجر: ٣/٧١.

(٣) رجال ابن داود: ١١٩ برقم ٤٦١.

(٤) أمل الآمل: ٢/٨٠ - ٨١.

٧

وقال الميرزا عبد الله الأفندي التبريزي: كان (رضي الله عنه) جامعاً لأنواع العلوم، مصنّفاً في أقسامها، حكيماً متكلّماً فقيهاً محدّثاً أُصولياً أديباً شاعراً ماهراً، وقد رأيت بعض أشعاره ببلدة أردبيل، وهي تدلّ على جودة طبعه في أنواع النظم أيضاً. وكان وافر التصنيف متكاثر التأليف، أخذ واستفاد عن جمّ غفير من علماء عصره من العامّة والخاصة، وأفاد وأجاد على جمع كثير من فضلاء دهره الخاصة بل من العامة أيضاً، كما يظهر من إجازات علماء الطريقين (١) .

وهذه الطريق الّذي سلكناه في تعريف المؤلف، يدلّ على أنّ الفريقين اتّفقا على نبوغه وذكائه وعلمه وفقاهته. وهلمّ معي الآن لنسلك الطريق الثاني، الّذي يُرشد إليه مَعْلَمان رئيسيان:

أوّلاً: انثال عليه الأفواج من روّاد العلم من كلّ صوب، وانتهلوا من علمه وأفادوا من محاضراته، حتّى احتلّ فريق منهم مكانة سامية في الفقه والأُصول والكلام وغيرها من المجالات، وإليك أسماء عدد منهم:

١. ولده فخر المحقّقين.

٢. زوج أُخته مجد الدين أبو الفوارس محمد بن علي بن الأعرج الحسيني.

٣. عميد الدين عبد المطّلب بن أبي الفوارس.

٤. ضياء الدين بن أبي الفوارس الحسيني.

____________________

(١) رياض العلماء: ١/٣٥٩.

٨

٥. مهنّا بن سنان بن عبد الوهاب الحسيني المدني.

٦. تاج الدين محمد بن القاسم بن معية الحسني.

٧. ركن الدين محمد بن علي بن محمد الجرجاني.

٨. الحسين بن إبراهيم بن يحيى الاسترآبادي.

٩. الحسين بن علي بن زهرة الحلبي.

١٠. أبو المحاسن يونس بن ناصر الحسيني الغروي المشهدي.

١١. عبد الرحمن بن محمد الحلّي، ابن العتائقي.

١٢. محمد بن محمد قطب الدين أبو عبد الله الرازي.

هؤلاء اثنا عشر عالماً من أكابر تلاميذه أوردنا أسماءهم كمعالم على الطريق إلى الوصول إلى حقيقة شهرة العلاّمة الحلّي، وإلاّ فإنّ المتخرّجين به من الأعلام أكثر من ذلك بكثير، قال صاحب الرياض: كان في الحلّة في عصر العلاّمة أو غيره أربعمائة وأربعين مجتهداً (١) . ومن المعلوم أنّ جلّ هؤلاء ممّن استقوا من نمير علمه ومعين عذبه.

ثانياً: الآثار العلمية الّتي تركها للأجيال، فضعْ يدك على كتبه ومؤلّفاته في شتّى الفنون، ستجده في حقل الفقه والأُصول فقيهاً بارعاً، وأُصوليّاً لامعاً، وفي حقل المعقول والكلام فيلسوفاً ماهراً ومتكلّماً فذّاً، ويكفي في ذلك أنّه ألّف ما يناهز ثلاثين مؤلفاً في الكلام وأُصول الدين والجدل والاحتجاج وآداب البحث والمناظرة (٢) .

____________________

(١) رياض العلماء: ١/٣٦١.

(٢) معجم طبقات المتكلمين: ٣/١٠٥ برقم ٢٨٧. غير أنّ قسماً منها غير موجود.

٩

ونحن وإن ذكرنا في تقديمنا لكتاب (نهاية المرام) أسماء كثير من كتب العلاّمة في حقل الكلام، ولكنّنا نستقصي هنا كلّ ما وقفنا عليه في هذا المضمار، وإليك أسماءها مجرّدة عن التعليق والتوضيح:

١. الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة.

٢. استقصاء النظر في البحث عن القضاء والقدر.

٣. الألفين الفارق بين الصدق والمين.

٤. أنوار الملكوت في شرح الياقوت.

٥. الباب الحادي عشر.

٦. الرسالة السعدية.

٧. كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد.

٨. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.

٩. معارج الفهم في شرح النظم.

١٠. مقصد الواصلين في أُصول الدين.

١١. منهاج الكرامة في معرفة الإمامة.

١٢. مناهج اليقين.

١٣. نظم البراهين في أُصول الدين.

١٤. نهج الحقّ وكشف الصدق.

١٥. نهج المسترشدين في أُصول الدين.

١٠

١٦. واجب الاعتقاد على جميع العباد.

١٧. نهاية المرام في علم الكلام.

١٨. أجوبة المسائل المهنائية.

١٩. منتهى الوصول في علمي الكلام والأُصول.

٢٠. كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام).

٢١. رسالة في جواب سؤالين سألهما الخواجة رشيد الدين.

٢٢. أربعون مسألة في أُصول الدين.

٢٣. تسليك النفس إلى حظيرة القدس

والأخير هو هذا الكتاب الّذي يزفّه الطبع إلى القرّاء الكرام، وقد ألّفه العلاّمة الحلّيّ استجابة لرغبة ولده محمد المعروف بفخر المحقّقين، وخصّصه لأهم المسائل الكلامية، الّتي أفرغها في قوالب فلسفية وبرهانية. وهو أشبه بكتاب (تجريد الاعتقاد) لأُستاذه نصير الدين الطوسي، والّذي شرحه العلاّمة بكتابه (كشف المراد) وقال: وجدنا كتابه الموسوم بتجريد الاعتقاد قد بلغ فيه أقصى المراد وجمع جلّ مسائل الكلام على أبلغ نظام (١) .

غير أنّ المصنّف سلك في كتابه هذا مسلك السهولة في البيان، وهو يغاير مسلك الطوسي في كتاب (تجريد الاعتقاد) الّذي يمتاز بالصعوبة،

____________________

(١) كشف المراد: ٢٤.

١١

ولكنّهما (الأُستاذ والتلميذ) يشتركان في إضفاء الصبغة الفلسفية على المسائل الكلاميّة على نحو صار هذا النمط هو المقبول بين المتأخّرين من المتكلّمين من غير فرق بين السنّة والشيعة. والكتاب كما يصفه المؤلّف في مقدّمته مشتمل على أهم المسائل وأشرفها والنكت العظيمة اللطيفة. فجمع فيه النكات الكلامية وأُصول المطالب العقلية.

وقد قسّم الكتاب إلى مراصد، هي:

الأوّل: في الأُمور العامّة.

الثاني: في تقسيم الموجودات.

الثالث: في البحث عن أقسام الموجودات.

الرابع: في أحكام الموجودات.

الخامس: في إثبات واجب الوجود تعالى وصفاته.

السادس: في العدل.

السابع: في النبوة.

الثامن: في الإمامة.

التاسع: في المعاد.

وكلّ مرصد يشتمل على مطالب كثيرة.

فهذا فهرس إجمالي لمراصد الكتاب.

يُذكر أنّ السيد نظام الدين عبد الحميد بن الأعرج الحلّي ابن أُخت

١٢

العلاّمة شرح هذا الكتاب (٦٨٣هـ -...) وأسماه: (إيضاح اللبس في شرح تسليك النفس).

وفي الحقيقة فإنّ (نهاية المرام) هو الكتاب الأُم من مؤلّفات العلاّمة في علم الكلام. وفي الكتاب الماثل بين أيدينا إرجاعات إلى نهاية المرام.

النسخ المعتمدة

قامت الطالبة فاطمة رمضاني بتحقيق وتصحيح هذا الكتاب القيّم، تحت رعاية الأُستاذين:

١. العلاّمة الحجة الشيخ عبد الله النوراني (الأُستاذ المشرف).

٢. الدكتور نجف قلي الحبيبي (الأُستاذ المساعد).

وقد نالت بذلك شهادة الماجستير بدرجة (امتياز) في علم الإلهيات من كلية الإلهيات - جامعة طهران، عام ١٤٢٦هـ.

وقد اعتمدت المحقّقة - حفظها الله - في عملها على نسخ ثلاث، اتّخذت الأُولى منها نسخة الأصل. وإليك مواصفات هذه النسخ:

١. النسخة (أ) الموجودة في متحف بريطانيا، بالاستناد إلى صورتها المستنسخة الموجودة في (مركز إحياء التراث الإسلامي) في قم المقدسة برقم ١٨٠٤، وكاتب النسخة هو: علي بن الحسن بن الرضي الحسيني، وقد فرغ مِنْ نَسْخِها في ١٨ من شهر صفر من شهور عام ٧١٦هـ، في حياة المؤلّف، وتقع النسخة في ١٦٣ صفحة (١٧ سطر، ٢٦×١٤ سم).

١٣

وهي بخط النسخ، وفي هوامش النسخة إيضاحات بقلم ولد المؤلّف - فخر المحقّقين - ربّما تعين على فهم المراد، ونجد فيها لفظة (صحّ) أو (بلغت قراءته) كلّ ذلك يؤيد صحّة النسخة وقلّة الخطأ فيها.

وقد جاء في آخرها قوله: أنهاه أيده الله تعالى، قولاً وبحثاً وفهماً وضبطاً واستنساخاً في مجالس آخرها سابع عشر رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. وكتب محمد بن الحسن بن المطهّر.

٢. النسخة (ب)، الموجودة في مكتبة آية الله الحكيم (قدّس سره) في النجف الأشرف (برقم ٩٢٩م)، بالاستناد إلى صورتها المستنسخة والموجودة في مركز إحياء التراث الإسلامي في قم المقدسة، برقم ٢/٦٨٩، وهذه النسخة لم يذكر فيها اسم الناسخ، وتمّ استنساخها في ٢٢ من شهر صفر سنة ٧٢٢هـ، وأنّه استنسخها من نسخة المؤلّف. ألحق بهذه النسخة كتاب (مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق) للمؤلف.

وهي غير خالية من الأغلاط لفظاً ومعنى، وجاء في هوامش النسخة (صوابه) و(صحّ).

وجاء في هامش آخر النسخة: قوله: (بلغت قراءته)، و(أيده الله تعالى)، وربّما يكون ذلك قرينة على أنّها قرئت على العلاّمة الحلّيّ.

والنسخة في ١١٥ صفحة (١٧ سطر، ٢٤×١٤ سم).

٣. النسخة (ج)، الموجودة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي برقم

١٤

٦٢٢٨٣، ويوجد فلمها المصغّر في مكتبة جامعة طهران، وتقع في ١٩٨ صفحة (١٥ سطر، ٢٠×١٤ سم) وقد سقط من النسخة المطلب الرابع من المرصد التاسع في ثبوت المعاد إلى آخر الكتاب.

والناسخ غير معلوم، وهي غير مؤرخة.

منهج التحقيق

١. لقد اعتمدت المحقّقة الفاضلة على نسخة (أ) كأصل مع تثبيت الاختلافات مع باقي النسخ في الهامش.

٢. كلّ ما بين معقوفين [ ] فهو من إضافات المحقّقة لضرورة يقتضيها السياق أو للعناوين الاستنتاجية للفصول والمطالب لتسهيل المراجعة للقارئ الكريم.

٣. كلّ ما بين قوسين ( ) فهو من أحد النسخ.

وقد أخذت المحقّقة على عاتقها بذكر جميع الاختلافات الموجودة بين النسخ في الهامش مع أنّ قسماً كثيراً منها ليس بصحيح قطعاً، وإنّما هي هفوات النسّاخ، فكان اللازم الاقتصار على ما يحتمل الصحّة، ولكنّنا أبقيناها على صورتها، لأنّ ذلك هو المنهج الرائج لتصحيح وتحقيق النسخ الخطية من قبل الجامعيّين.

ومع تثميننا لجهود المحقّقة الفاضلة في تصحيح الكتاب وتحقيقه بهذه الدقّة، ولكن كان اللازم عليها أن تورد التعاليق الموجودة في

١٥

هامش النسخة الأُولى والّتي هي من إفادات فخر المحقّقين، لأنّ لها دور الإيضاح.

ختامه مسك

قد وقفت على أسماء الكتب الكلامية الّتي سطرتها يد العلاّمة الحلّيّ والّتي بذل في تأليفها وتصنيفها أوقاتاً ثمينة وأنفاساً قدسية، وشغلت كل أوقاته في الحضر والسفر، وقد ألّف قسماً منها بين عام ٧٠٧ - ٧١٦هـ، أي خلال تواجده في إيران بمعيّة الملك (خدابنده).

عاش العلاّمة (رحمه الله) ثمانية وسبعين عاماً حيث ولد عام ٦٤٨هـ وانتقل إلى جوار ربه في ٢١ محرم الحرام من سنة ٧٢٦هـ، وترك مكتبة ثمينة وغزيرة في أغلب العلوم والمعارف قلّما يتّفق لإنسان أن يأتي بهذا العطاء الثّر، وقد قام العلاّمة الراحل السيد عبد العزيز الطباطبائي باستقصاء جميع ما ألّفه العلاّمة الحلّيّ، وذكر ذلك كلّه في كتاب أسماه (مكتبة العلاّمة الحلّي) فبلغ مجموع ما ذكره ١٢٠ عنواناً.

هذا هو العلاّمة في مواهبه وقابلياته وآثاره الضخمة، وهو قدوة لكلّ الأجيال، إذ أنّه نهض بمسؤوليته الفكرية والعلمية والدينية في عصر ماجت فيه التيارات الفكرية من مختلف الفِرق ولم يكن له بد من سدّ كلّ ثغرة ببيانه وقلمه.

١٦

ونحن إذ نعيش في هذا العصر العصيب الّذي تعدّدت فيه المناهج الكلامية والتيارات الفلسفية الّتي تبتغي نشر الإلحاد وإطفاء نور الإيمان في قلوب الشباب، نهيب بكلّ من ينبض قلبه بحب الإسلام وخدمة المجتمع أن يقتدي بالعلاّمة الحلّي (رحمه الله) في التصدي إلى البحوث الكلامية والفلسفية بشكل يلائم لسان العصر ومنطق الشباب، إذ لكلّ زمان منطق ولسان.

فلو بعث العلاّمة الحلّي وأُستاذه نصير الدين وتلميذه قطب الدين الرازي وغيرهم من الأجلاّء في هذا الزمان، لكان لهم قصب السبق في بيان العقائد الإسلامية والمفاهيم الدينية على مختلف المستويات، ولم يفتروا عن التأليف والتصنيف، ولم يسأموا من الإرشاد والهداية.

رحم الله جميع علمائنا الماضين وحفظ الله الباقين منهم.

وبما أنّ مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) قد اهتمت بتدريس علم الكلام في مستويات عالية، وتخرّج منها جمع من الفضلاء تسلّحوا بمنطق العلم والكلام وانتشروا في البلاد، ولم تزل الدراسات الكلامية مستمرة لنيل شهادات البكلوريوس والماجستير والدكتوراه في معهد علم الكلام التابع للمؤسسة بإشرافنا.

وإتماماً لما قامت به المؤسسة من تحقيق ونشر عدد من مؤلفات العلاّمة الحلّيّ (رحمه الله) في الكلام والأُصول والفقه، أخذنا على عاتقنا طبع ونشر هذه الرسالة الجامعية، شاكرين للمحقّقة الفاضلة وللأفاضل أعضاء لجنة

١٧

الإشراف، جهودهم المضنية الّتي بذلت في تحقيق وتصحيح هذا الأثر القيّم.

داعين الله لهم بالتوفيق والفلاح.

والحمد لله الّذي بنعمته تتم الصالحات.

جعفر السبحاني 

مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)

قم المقدسة     

رابع شهر ذي القعدة الحرام

١٤٢٦هـ         

١٨

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

الحمد لله القديم الأزليّ، الدّائم الأبديّ، الإله القهّار، الواجب الغنيّ، المالك القويّ، القديم الجبّار، الحكيم الكريم، العليّ العظيم الغفّار، العليم الحكيم، الرّؤوف الرّحيم، العطوف السّتّار.

أحمدهُ على إنعامِه المدرار، وأشكره على آلائه المسيلة الغزار، وأسأله التّوفيقَ في هذه الدّار لِحُسن العقبى في دار القرار؛ وصلَّى الله على سيّدنا محمّد النّبيّ المختار وعلى آله الأئمّة الأطهار وعترته الأخيار الأبرار، صلاةً تتعاقبُ عليهم تعاقبَ الأعصار.

أمّا بعدُ، فقد أجبتُ سؤالك، أيّها الولد الصّالح، محمّد - جعلني الله فداك - في تصنيف هذا الكتاب المسمّى بتسليك النّفس إلى حظيرة القدس، مشتملاً على المسائل المهمّة الشّريفة والنّكت العظيمة اللّطيفة، وبيّنتُ لك فيه - وفّقك الله لمراضيه وأعانك على امتثال أوامره ونواهيه - جميعَ لبّ

١٩

النّكت الكلاميّة، وأوضحتُ لك (فيه) - أرشدك الله - أصول المطالب العقليّة، أسعدك الله في الدّارين ورزقك تكميل الرّئاستين بمنّه ولطفه.

وقد رتّبتُ (١) هذا الكتابَ على مراصد تسعة.

____________________

(١) ألف: ترتب.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الصدق مَنجاة

ما أكثر الأفراد الذين التزموا الصدق، في المواقع الحرجة، والمآزق الشديدة؛ وكان ذلك سبب خلاصهم.

لا يجهل أحد، مدى الجرائم التي قام بها الحَجَّاج بن يوسف الثقفي، والدماء التي أراقها بغير حَقٍّ.

وفي يوم مِن الأيَّام، جيء بجماعة مِن أصحاب عبد الرحمان مأسورين، وكان قد صمَّم على قتلهم جميعاً، فقام أحدهم واستأذن الأمير في الكلام، ثمَّ قال:

إنَّ لي عليك حَقَّاً! فأنقذني وفاءً لذلك الحَقَّ.

قال الحَجَّاج: وما هو؟

قال: كان عبد الرحمان يسبُّك في بعض الأيَّام، فقمت ودافعت عنك.

قال الحَجَّاج: ألك شهود؟

فقام أحد الأُسارى وأيَّد دعوى الرجل، فأطلقه الحَجَّاج، ثمَّ التفت إلى الشاهد، وقال له: ولماذا لم تُدافع عنِّي في ذلك المجلس؟

أجاب الشاهد - في أتمِّ صراحة ـ: لأنِّي كنت أكرهك.

فقال الحَجَّاج: أطلقوا سراحه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤١

احِفظ الله يَحفظك

خطب الحَجَّاج مَرَّة فأطال، فقام رجل فقال: الصلاة، فإنَّ الوقت لا ينتظرك، والرَّبَّ لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه، وزعموا أنَّه مجنون، وسألوه أنْ يُخلِّي سبيله، فقال: إنْ أقرَّ بالجنون خلَّيت سبيله.

فقيل له، فقال: مَعاذ الله، لا أزعم أنَّ الله ابتلاني، وقد عافاني.

فبلغ ذلك الحَجَّاج فعفا عنه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤٢

المَنطق السليم

بلغ المنصور الدوانيقي، أنَّ مَبْلغاً ضَخماً مِن أموال بني أُميَّة مُودعة عند رجل، فأمر الربيع بإحضاره.

يقول الربيع: فأحضرت الرجل، وأخذته إلى مجلس المنصور.

فقال له المنصور: بلغني أنَّ أموال بَني أُميَّة مودَعة عندك، ويجب أنْ تُسلِّمني إيَّاها بأجمعها.

فقال الرجل: هل الخليفة وارث الأُمويِّين؟!

فأجاب: كلاَّ.

فقال: هل الخليفة وصيُّ الأُمويِّين؟!

فقال المنصور: كلاَّ.

فقال الرجل: فكيف تُطالبني بأموال بَني أُميَّة؟!

فأطرق المنصور بُرهةً، ثمَّ قال: إنَّ الأُمويِّين ظلموا المسلمين، وانتهكوا حُقوقهم، وغصبوا أموال المسلمين وأودعوها في بيت المال.

فقال الرجل: إنَّ الأُمويِّين امتلكوا أموالاً كثيرة، كانت خاصَّة بهم، وعلى الخليفة أنْ يُقيم شاهداً عدلاً، على أنَّ الأموال التي في يدي لبَني أُميَّة، هي مِن الأموال التي غصبوها وابتزُّوها مِن غير حَقٍّ.

فكَّر المنصور ساعة، ثمَّ قال للربيع: إنَّ الرجل يصدق.

فابتسم بوجهه، وقال له: ألك حاجة؟!

قال الرجل: لي حاجتان:

٤٣

الأُولى: أنْ تأمر بإيصال هذه الرسالة إلى أهلي بأسرع وقت؛ حتَّى يهدأ اضطرابهم، ويذهب رَوعهم.

والثانية: أنْ تأمر بإحضار مَن أبلغك بهذا الخبر؛ فو الله، لا توجد عندي لبَني أُميَّة وديعة أصلاً، وعندما أُحضرت بين يدي الخليفة، وعلمت بالأمر، تصوَّرت أنِّي لو تكلَّمت بهذه الصورة كان خلاصي أسهل.

فأمر المنصور الربيع بإحضار المُخبِر.

وعندما حضر نظر إليه الرجل نظرة، ثمَّ قال: إنَّه عبدي سَرَق مِنِّي ثلاثة آلاف دينار وهرب.

فأغلظ المنصور في الحديث مع الغلام، وأيَّد الغلام كلام سيِّده في أتمِّ الخَجَل، وقال: إنِّي اختلقت هذه التُّهمة لأنجو مِن القَبض عليَّ.

هنا رَقَّ قلب المنصور لحال العبد، وطلب مِن سيِّده أنْ يعفو عنه، فقال الرجل: عفوت عنه، وسأُعطيه ثلاثة آلاف أُخرى، فتعجَّب المنصور مِن كرامة الرجل وعظمته.

وكلَّما ذُكِر اسمه كان يقول: لم أرَ مثل هذا الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٤

النبي أولى بالمسلمين مِن أنفسهم

وزَّع رسول الله غنائم حُنين - تبعاً لمصالح مُعيَّنة - على المُهاجرين فقط، ولم يُعط الأنصار سَهماً واحداً...

ولمَّا كان الأنصار قد بذلوا جهوداً عظيمة، في رُفعة لواء الإسلام، وخدمات جليلة في نُصرة هذا الدين؛ فقد غَضب بعضهم مِن هذا التصرُّف، وحملوه على التحقير والإهانة، فبلغ الخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر بأنْ يُجمع الأنصار في مكان ما، وأن لا يشترك معهم غيرهم في ذلك المجلس، ثمَّ حضر هو وعلي (عليهما السلام)، وجلسا في وسط الأنصار، ثمَّ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم: (أُريد أنْ أسألكم عن بعض الأمور فأجيبوني عليها).

قال الأنصار: سَلْ، يا رسول الله.

قال لهم: (ألم تكونوا في ضَلال مُبين، وهداكم الله بيَّ؟).

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: (ألم تكونوا على شَفا حُفرة مِن الهلاك والنار، والله أنقذكم بيَّ؟).

قالوا: بلى.

قال: (ألم يكن بعضكم عدوَّ بعض، فألَّف الله بين قلوبكم على يديَّ؟).

قالوا: بلى.

فسكت لحظة، ثمَّ قال لهم: (لماذا لا تُجيبونني بأعمالكم؟).

قالوا: ما نقول؟!

قال: (أما لو شِئتم لقُلتم: وأنت قد جئتنا طريداً فآويناك، وجئتنا خائفاً فآمنَّاك، وجئتنا مُكَذَّباً فصدَّقناك...).

هذه الكلمات الصادرة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أفهمت الأنصار

٤٥

أنه لا يُنكَر فضلهم، ولا يُنسى جهودهم، ولم يكن ما صدر منه تِجاههم صادراً عن احتقار أو إهانة...

ولذلك فقد أثَّر فيهم هذا الكلام تأثيراً بالغاً، وارتفعت أصواتهم بالبُكاء، ثمَّ قالوا له: هذه أموالنا بين يديك، فإنَّ شِئت فاقسمها على قومك، وبهذا أظهروا ندمهم على غضبهم واستغفروه.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (اللَّهمَّ اغفر للأنصار، ولأبنا الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار) (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٦

الكريم يَسأل عن الكريم

في إحدى الغزوات، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُصلِّي في مُعسكره، فمَرَّ بالمُعسكر عِدَّة رجال مِن المسلمين، وتوقَّفوا ساعة، وسألوا بعض الصحابة عن حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوا له، ثمَّ اعتذروا مِن عدم تمكُّنهم مِن انتظار النبي حتَّى يفرغ مِن الصلاة فيُسلِّموا عليه؛ لأنَّهم كانوا على عَجلٍ، ومضوا إلى سبيلهم. فانفتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُغضباً، ثم قال لهم: (يقف عليكم الركب ويسألونكم عنِّي، ويُبلِّغوني السلام، ولا تعرضون عليهم الطعام!).

ثمَّ أخذ يتحدَّث عن جعفر الطيار، وعظمة نفسه، وكمال أدبه، واحترامه للآخرين... (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٧

مَن كانت أفعاله كريمة اتَّبعه الناس

ليست فضيلة احترام الناس، وتكريمهم في الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء، خاصَّة بالمسلمين فيما بينهم فقط، فإنَّ غير المسلمين أيضاً، كانوا ينالون هذا الاحترام والتكريم مِن المسلمين، فقد تصاحب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع رجل ذِمِّيٍّ خارج الكوفة، في أيَّام حكومته، وكان الذِمِّيُّ لا يعرف الإمام، فقال له: أين تُريد يا عبد الله؟

قال الإمام علي (عليه السلام): (أُريد الكوفة).

ولمَّا وصلا إلى مُفترق الطُّرق المؤدِّية إلى الكوفة، توجَّه الذِّمِّيِّ إلى الطريق الذي يُريده، وانفصل عن الإمام (عليه السلام)... ولكنَّه لم يَخطُ أكثر مِن بِضع خُطوات، حتَّى شاهد أمراً عَدَّه غريباً؛ فقد رأى أنَّ صاحبه الذي كان قاصداً الكوفة، ترك طريقه وشايعه قليلاً. فسأله ألست تقصد الكوفة؟

قال الإمام: (بلى؟).

قال الذِّمِّيُّ: (ذلك هو الطريق المؤدِّي إلى الكوفة).

قال الإمام: (أعلم ذلك).

سأل الذِّمِّيُّ باستغراب: ولماذا تركت طريقك؟

قال الإمام (عليه السلام): (هذا مِن تمام حُسن الصُّحبة، أنْ يُشيِّع الرجل صاحبه هُنيَّهة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيِّنا).

قال الذِّمِّيُّ: هكذا أمر نبيُّكم؟!

قال الإمام: (أجلْ).

٤٨

قال الذِّمِّيُّ: لا جَرَمَ، أنَّما تبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة.

ثمَّ ترك طريقه الذي كان يقصده، وتوجَّه مع الإمام (عليه السلام) إلى الكوفة، وهما يتحدَّثان عن الإسلام وتعاليمه العظيمة، فأسلم الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٩

انزل عن مِنبر أبي!

زيد بن علي، عن أبيه: (إنَّ الحسين بن علي (عليهما السلام) أتى عمر بن الخطاب، وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال: انزل عن مِنبر أبي، فبكى عمر، ثم قال: صدقت - يا بُني - مِنبر أبيك لا منبر أبي. وقام عليٌّ (عليه السلام).

وقال: ما هو - والله - عن رأيي.

قال: صدقت! والله، ما اتَّهمتك يا أبا الحسن).

هذا دليل على أنَّ عمر أيضاً، كان يعرف أنَّ الحسين ذو شخصيَّة مُمتازة، وله إرادة مُستقلَّة، وليس كلامه صادراً عن تلقين مِن أبيه، بل هو نِتاج فِكره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٠

يَفرُّ مَن أخطأ!

قصد المأمون بغداد بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام)، وخرج يوماً للصيد، فمَرَّ في أثناء الطريق برَهط مِن الأطفال يلعبون، ومحمد بن علي الجواد (عليه السلام) معهم، وكان عمره يومئذٍ إحدى عشرة سنة فما حوله... فلمَّا رآه الأطفال فرُّوا، بينما وقف الجواد (عليه السلام) في مكانه ولم يَفرَّ. مِمَّا أثار تَعجُّب المأمون؛ فسأله:

لماذا لم تلحق بالأطفال حين فرُّوا؟

ـ يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضِيقٌ لأوسِّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظنِّي بك حَسنٌ أنَّك لا تضرب مَن لا ذنب له فوقفت.

تعجَّب المأمون مِن هذه الكلمات الحكيمة، والمنطق الموزون، والنبرات المُتَّزنة للطفل فسأله: ما اسمك؟

ـ محمد.

ـ محمد ابن مَن؟

ابن عليٍّ الرضا...

عند ذاك ترحَّم المأمون على الرضا (عليه السلام)، ثمَّ ذهب لشأنه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥١

رِفقاً بالحسين!

روي عن أُمِّ الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب، مُرضعة الحسين (عليه السلام) أنَّها قالت: أخذ مِنِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسيناً أيَّام رضاعه، فحمله فأراق شيئاً على ثوبه، فأخذتُه بعنف حتَّى بكى. فقال (صلى الله عليه وآله): (مَهلاً يا أُمَّ الفضل، إنَّ هذا مِمَّا يُطهِّره الماء، فأيُّ شيء يُزيل هذا الغبار عن قلب الحسين؟!) (1).

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٢

كرهت أنْ أُعجِّله!

دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى صلاة، والحسن مُتعلِّق، فوضعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جانبه وصلَّى، فلمَّا سجد أطال السجود، فرفعت رأسي مِن بين القوم، فإذا الحسن على كتف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمَّا سلَّم قال له القوم: يا رسول الله، لقد سَجدت في صلاتك هذه سَجدةً ما كنت تسجدها! كأنَّما يوحى إليك؟!

فقال: (لم يوحَ إليَّ، ولكنَّ ابني كان على كتفي، فكرهت أنْ أُعجِّله حتَّى نزل).

هذا العمل مِن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تجاه ولده الصغير، أمام ملأٍ مِن الناس، نموذج بارز مِن سلوكه في تكريم الطفل.

إنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل أقصى ما يُمكن مِن احترام الطفل، في إطالته سجدته، وأرشد الناس ضمناً إلى كيفيَّة بناء الشخصيَّة عند الطفل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٣

تكريم الطفل

عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال: (صلَّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر، فخفَّف في الرَّكعتين الأخيرتين.

فلمَّا انصرف قال له الناس: هل حدث في الصلاة شيء؟!

قال: وما ذاك؟

قالوا: خفَّفت في الرَّكعتين الأخيرتين.

فقال لهم: أما سمعتم صُراخ الصبي؟!).

هكذا نجد النبي العظيم، يُطيل في سجدته تكريماً للطفل تارة، ويُخفِّف في صلاته تكريماً للطفل أيضاً تارة أُخرى، وهو في كلتا الحالتين، يُريد التأكيد في احترام شخصيَّة الصبي، وتعليم المسلمين طريق ذلك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٤

هلاَّ ساويتَ بينهما؟!

نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما وترك الآخر.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (فهلاَّ ساويت بينهما!).

وفي حديث آخر: (اعدلوا بين أولادكم، كما تُحبُّون أنْ يعدلوا بينكم).

إنَّ الأمل الوحيد للطفل، ومبعث فرحه ونشاطه، هو عطف الوالدين وحنانهما، ولا يوجد عامل يُهدِّئ خاطر الطفل، ويبعث فيه الاطمئنان والسكينة، مِثل عَطف الوالدين، كما لا يوجد عامل يبعث فيه القَلق والاضطراب، مِثل فُقدان جزء مِن حَنان الوالدين أو جميعه.

إنَّ حسد الولد تِجاه أخيه الصغير، الذي وِلد حديثاً لا غرابة فيه؛ لأنَّه يشعر بأنَّ قِسماً مِن العناية، التي كانت مُخصَّصة له، قد سُلِبت منه، والآن لا يُستأثر باهتمام الوالدين. بلْ إنَّ الحُبَّ والحنان يجب أنْ يتوزَّع عليه وعلى أخيه الأصغر (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٥

التصابي مع الصبي

عن يعلى العامري: أنَّه خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى طعام دُعي إليه، فإذا هو بحسين (عليه السلام) يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي (صلى الله عليه وآله) أمام القوم، ثمَّ بسط يديه، فطفر الصبي ههنا مَرَّة وههنا مَرَّة أُخرى، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُضاحكه حتَّى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذِقنه، والأُخرى تحت قَفاه، ووضع فاه على فيه وقبَّله.

إنَّ نبيَّ الإسلام العظيم، يُعامل سِبطه بهذه المُعاملة أمام الناس؛ لكي يُرشد الناس إلى ضرورة إدخال السرور على قلوب الأطفال، وأهميَّة اللعب معهم، فضلاً عن قيامه بواجب تربوي عظيم (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٦

أو ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله الرسول؟!

عن أبي رافع، قال: كنت أُلاعب الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو صبيٌّ بالمَداحي، فإذا أصابت مِدحاتي مِدحاته؛ قلت احملني فيقول: (ويحَك! أتركب ظهراً حمله رسول الله؟!)، فأتركه.

فإذا أصابت مُدحاته مُدحاتي قلت: لا أحملك كما لا تحملني!

فيقول: (أوَ ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!)، فأحمله.

مِن هذا الحديث يظهر جليَّاً إباء الحسن (عليه السلام)، وعِزَّة نفسه، وعُظم شخصيَّته.

إنَّ الطفل الذي يُربيه الإسلام في حِجره، ويُحيي شخصيَّته النفسيَّة، يعتقد بسموِّ مقامه، ولا يرضى التكلُّم بذلَّة وحقارة (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٧

وا حيائي مِنك يا أمير المؤمنين!

رأى الإمام علي (عليه السلام) امرأة في بعض الطُّرقات، تحمل قِربة مِن الماء، فتقدَّم لمُساعدتها، وأخذ القِربة وأوصلها إلى حيث تُريد، وفي الطريق سألها عن حالها، فقالت: إنَّ عليَّاً أرسل زوجي إلى إحدى النواحي فقُتِل، وقد خلَّف لي عِدَّة أطفال، لا أقدر على إعالتهم؛ فاضطررت للخدمة في بعض البيوت. فرجع عليٌّ (عليه السلام) وأمضى تلك الليلة في مُنتهى الانكسار والاضطراب، وعند الصباح حمل جِراباً مَملوءاً بالطعام، واتَّجه إلى دار تلك المرأة. وفي الطريق كان بعض الأشخاص يطلبون منه أنْ يَحمل عنه الجراب فيقول لهم: (مَن يحمل عني أوزاري يوم القيامة؟).

وصل إلى الدار، وطرق الباب، فقالت المرأة: مَن الطارق؟

قال: (الرجل الذي أعانك في الأمس على حمل القِربة. لقد جئتك ببعض الطعام لأطفالك).

فتحت الباب وقالت: رضي الله عنك، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب!

فقال لها: (أتخبزين أم تُسكِّتين الأطفال فأخبز؟).

قالت: أنا أقدر على الخبز، فقُم أنت بتسكيت الأطفال.

أخذتْ المرأة تعجن الدقيق، وأخذ عليٌّ (عليه السلام) يخلط اللَّحم بالتمر، ويُطعم الأطفال منه، وكلَّما ألقم طفلاً لقمة قال له برفق ولين: (يا بُني، اجعل علي بن أبي طالب في حِلٍّ).

ولمَّا اختمر العجين، أوقد عليٌّ (عليه السلام) التنور، وفي الأثناء دخلت امرأة تعرفه، وما أنْ رأته حتَّى صاحت بصاحبة الدار ويحَك! هذا أمير المؤمنين!

فبادرته المرأة، وهي تقول: وا حيائي منك يا أمير المؤمنين!

فقال: بلْ وا حيائي منكِ - يا أمة الله - فيما قصَّرت مِن أمرك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٨

لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصِّبيان

ورد في الحديث: أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يُصلِّي يوماً في فِئة، والحسين صغير بالقُرب منه، فكان النبي إذا سجد جاء الحسين (عليه السلام) فركب ظهره، ثمَّ حرَّك رجليه فقال: (حَلٍ، حَلٍ!).

فإذا أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنْ يرفع رأسه، أخذه فوضعه إلى جانبه، فإذا سجد عاد إلى ظهره، وقال: (حَلٍ، حَلٍ!)، فلم يزل يفعل ذلك حتَّى فرغ النبي مِن صلاته.

فقال يهودي: يا محمد، إنَّكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أما لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان).

قال: فإنِّي أؤمن بالله وبرسوله؛ فأسلم لمَّا رأى كرمه مع عظيم قدره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٩

أين الدُّرُّ والذهب مِن سورة الفاتحة؟

كان عبد الرحمان السلمي، يُعلِّم وَلداً للإمام الحسين (عليه السلام) سورة الحمد، فعندما قرأ الطفل السورة كاملة أمام والده مَلأ الإمام فمَ مُعلِّمه دُّرَّاً، بعد أنْ أعطاه نقوداً وهدايا أُخَر. فقيل له في ذلك!

فقال (عليه السلام): (وأين يقع هذا مِن عطائه)، يعني: تعليمه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257