تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس23%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82085 / تحميل: 5963
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وأمّا ثالثاً، فلأنّ إمكانَ الحركة لا يستلزمُ وجوبَ الميل، إلاّ إذا تمّ الاستعداد، وهو ممنوعٌ.

وأمّا رابعاً، فلأنَّ الميول لو لم تجتمع لتساوت الحركتان عن ضعيف وقويّ.

وأمّا خامساً، فلم لا يجوزُ وجود ميلين في وقتين عندَ حالتين، كالمتحرّك يوجدُ فيه الميل عندَ مفارقة مكانه وعدمُه عندَ حصوله فيه.

وباقي الاعتراضات ذكرناها في كتاب نهاية المرام (١) .

ي - بسائطُ العناصر أربعةٌ: (الأرض)، وهي في الوسط، مركزها مركزُ العالم، ولها كيفيّتان: فعليّةٌ هي البرودةُ، وانفعاليّةٌ هي اليبوسةُ.

ويحيطُ بها (الماء) إلاّ ربعاً واحداً معموراً، انكشف عن الماء، لحكمةِ نشو الحيوان. وله كيفيّتان: فعليّةٌ هي البرودةُ، وانفعاليّةٌ هي الرّطوبةُ.

و(الهواء) محيطُ بالماء، وله كيفيّتان: فعليّةٌ هي الحرارة، وانفعاليّةٌ هي الرّطوبة بمعنى قبول الأشكال، لا البلّة.

و(النّار) محيطةٌ بالهواء ولها كيفيّتان: فعليّةٌ هي الحرارة وانفعاليّة هي اليبوسةُ.

وهي قابلةُ للكون والفساد، لصيرورةِ النّار هواءً عندَ الانطفاء

____________________

(١) انظر: الجزء الثالث: ٢٤٣ - ٢٤٦.

١٢١

وبالعكس عندَ النّفخ؛ والهواء عندَ تبرّده (١) ماءً، كما يجتمعُ قطرات الماء على طرف الإناء الحاوي للجمد وبالعكس عندَ الإسخان؛ والأرضِ ماءً، كما يفعله أصحاب الإكسير وبالعكس؛ فإنّ كثيراً من مياه العيون ينعقد حجارةً صلدةً.

ومن هذه العناصر تتركّب المركّبات المعدنيّة والنباتيّة والحيوانيّة.

يا - العناصر إذا امتزجت انكسرت صرافة كلّ كيفيّة؛ (٢) فإنّ النّار لا تبقى على صرافة حرارتها، ولا الماءَ على صرافة برودته، ولا الهواءَ على صرافة لطافته، ولا الأرضَ على صرافة يبسها، بل تحدث كيفيّةٌ متوسّطةٌ بين هذه الكيفيّات على النّسبة وهي المزاج.

وفيه إشكالٌ؛ فإنّ الكاسر والمنكسرَ إن اقترن فعلاهما كان المغلوب حال كونه مقهوراً غالباً. وهو محالٌ؛ فإن تقدّم فعل أحدهما كان المغلوبُ بعدَ انكساره غالباً، وهو محالٌ.

أجابوا بأنّ الفاعل، الصّورةُ والمنفعل، الكيفيّةُ.

ويشكلُ: بأنّ الصّورةَ إنّما تفعلُ بواسطة الكيفيّة وينتقَضُ أيضاً بالماء الحارّ الممتزج بالبارد.

____________________

(١) ج، ب: برودة.

(٢) ب: صرافتها إلى كيفيّة.

١٢٢

الفصل الثالث

في أحكام الجواهر المجرّدة

وفيه [عشرةُ] مباحث

ألف - نفاها أكثرُ المتكلّمين وإلاّ لشاركت واجبَ الوجود - تعالى - في ذاته، وهو غلطٌ: فإنّ المساواة في الصّفات الثّبوتيّة لا تقتضي المساواة في الذّات؛ فكيف السّلبيّة؟

نعم أدلّةُ ثبوتها ضعيفةٌ.

أما النّفسُ، فاستدلّوا على ثبوتها بأنّ هنُا معلوماتٍ غيرَ منقسمة، كواجب الوجود والوحدة والنّقطة؛ فالعلم بها غيرُ منقسم، وإلاّ فجزؤه إمّا أن يكونَ علماً بكلّ المعلوم فيتساوى الجزء والكلّ في الحقيقة، أو ببعضه، فينقسمُ البسيط؛ أو لا يكونَ علماً، فعندَ الاجتماع إن لم يحصل زائدٌ، فالعلم غيرُ علم؛ أو يحصل، فيكون هو العلم، فالتّركيبُ في فاعله أو قابله، لا فيه، فمحلّ العلم غيرُ منقسم؛ وإلاّ فإن قام بكلّ جزء منه جزء من العلم انقسم وقد فرضناه غيرَ منقسم وإن قام ببعض الأجزاء نقلنا الكلام فيه، وإن لم يقم بشيء منه لم يكن محلاًّ؛ فكلّ جسم وجسمانيّ منقسمٌ، فمحلّ العلم الّذي هو النّفس شيءٌ مجرّدٌ.

١٢٣

وهو ضعيفٌ، لأنّ التّساوي في المتعلّق (١) بالمعلوم لا يستلزمُ التّساوي في الماهيّة، لأنّها نسبة خارجة عن الماهيّة وإذا حصل زائدٌ عندَ الاجتماع لم يحصل (٢) انتفاء التّركيب عنه، لعوده في كلّ مركّب ولا يلزم من انقسام المحلّ انقسامُ الحالّ، كما يذهبون إليه في الوحدة والنقطة وغيرهما؛ ونمنع انقسامَ الجسم إلى ما لا يتناهى.

وأمّا العقلَ فاستدلّوا عليه: بأنّه - تعالى - بسيطٌ، لا يصدرُ عنه أكثرُ من واحد؛ ولا يجوز أن يكون جسماً، لتركّبه ولا مادّةً، لامتناع كون القابل فاعلاً، ولا صورةً وإلاّ كانت مستغنيةً في فاعليّتها عن المادّة، فتكون مستغنيةً في وجودها عنها. ولا نفساً، وإلاّ لاستغنت عن البدن.

وهو ضعيف لإمكان صدور أكثر من واحد عن البسيط، على ما تقدّم؛ ثمّ هذا في الموجَب، أمّا المختار فلا، ونمنع تركّب الجسم، وقد أبطلنا الهيولى؛ والقابل جاز أن يكونَ فاعلاً، كما تقدّم، سلّمنا، لكن بالاستقبال أو مطلقاً، ممنوعٌ وكذا الصّورة جاز أن تكونَ متوسّطةً بذاتها وكذا النّفسُ.

ب - لمّا أبطلنا دليل النّفس النّاطقة ولم يقم برهانٌ على استحالتها بقي القولُ بالجواز، فإن قلنا بها، فالإنسان المكلّف هو هي، وإلاّ فهو أجزاءٌ أصليّةٌ في هذا البدن، لا يتطرّق إليها التّغيّرُ ولا الفناء، باقية من أوّل العمر إلى آخره. والتّغذية والتّنمية والتحلّل في الأجزاء الفاضلة.

____________________

(١) ج: التعلّق.

(٢) ج: لم يلزم.

١٢٤

ج - اختلف مثبتو النّفس في أنّها واحدة بالنّوع أو لا، فبعضهم على الأوّل، لاتّفاقها في حدّ؛ وهو ضعيفٌ إذ التّحديدُ راجعٌ إلى التّصوّر، وبعضهم على الثّاني لاختلافها في الذّكاء والرّحمة وضدّهما، ولا يلزم من اختلافِ الصّفات اختلاف الماهيّة.

د - النّفسُ إن قلنا بها فهي حادثةٌ. وعليه أكثر الأوائل، لأنَّ الأبدانَ حادثةٌ بالضّرورة، فلو كانت سابقةً عليها لكانت إمّا واحدةً أو كثيرةً، والقسمان باطلان. أمّا الأوّلُ، فلأنّها إن بقيت واحدةً بعدَ التّعلّق اتّحدت الأشخاصُ البشريّةُ بالشّخص، وهو باطلٌ بالضّرورة، وإن تكثّرت كانت جسماً، إذ المنقسم هو الجسمُ. وأمّا الثّاني فلامتناع تكثّرها بالذّاتيات واللّوازم، لاتّحادها في النوّع، وبالعوارض، لأنّ اختصاصَ بعض جزئيّات النّوع بعارضٍ دونَ غيره إنّما هو بسبب المادّة، ومادّةُ النّفس، البدن، فقبله لا مادّة.

هـ - التّناسخ باطلٌ. أمّا عندنا، فظاهرٌ، لحدوث النّفس إن أثبتناها. وأمّا [عند] أكثر الأوائل، فلأنّ الحادث ينتهي إلى مبدأ قديم عامّ الفيض والحدوث إنّما هو بواسط استعداد القابل، وقابل النّفس البدن فحدوثه يوجبُ فيضانَ نفس متعلّقةٍ به؛ فلو انتقلت إليه نفسٌ أُخرى اجتمع نفسان على بدن واحد، وهو محالٌ.

و - عند الأوائل، النّفس لا تفنى بفناء البدن، وإلاّ لكان إمكانُ العدم مفتقراً إلى المحلّ، وليس هو النّفس، لامتناع كون الشّيء محلاًّ لإمكان

١٢٥

عدمه، لوجوب اجتماع القابل والمقبول، فلابدّ من شيء آخر هو المادّة، فتكونُ ماديّةً، فتكون جسماً. ونمنعُ افتقار الإمكان إلى محلّ؛ سلّمنا، لكنّ القبول صفة القابل فلا يحلّ في غيره، وإلاّ لزم نفي الإمكان مطلقاً، ولا يلزمُ من كونها مادّيةً كونها جسماً، خصوصاً، وعندكم، أنّها مندرجةٌ تحتَ جنس الجوهر، فتكون لها فصلٌ، فتكون مركّبةٌ.

ز - النّفس تدرك الكلّيّاتِ بذاتها، أمّا الجزئيّاتُ فمنع الأوائل منه إلاّ بواسطة القوى الجسمانيّة، فإنّا إذا تخيّلنا مُربّعاً مُجنّحاً بمربّعين فلابدّ من مايز بينهما، وليس بالذّاتيّات واللّوازم، لتساويهما نوعاً، ولا بالعوارض وليس في الخارج، لفرضهما ذهنيّتين، فليس إلاّ مغايرةَ المحلّين ذهناً، ونمنعُ الحصر.

ح - أثبت الأوائل قوىً حسّاسةً باطنةً، وهي خمسٌ:

الحسّ المشترك، وهي قوّةٌ مرتبةٌ في مقدّم البطن الأوّل من الدّماغ، يؤدّي إليها جميعُ الحواسّ ما أدركته، للحكم بأنّ صاحبَ هذا اللّون هو صاحبُ هذا الطّعم. فلو لا وحدة القوّة لما أمكن هذا الحكمُ. ويبطلُ: بأنّ الحكمَ للنّفس باعتبار الحواسّ وينتقض بالحكم بالكلّيّ على الجزئيّ.

والخيال، وهو خزانة الحسّ المشترك، وهو حافظ، لا مُدرك، للمغايرة بينَ الحافظ والقابل، كالماء ولا يوجب الكليّةَ. ثمّ الحفظ لابُدّ فيه من القبول فيتّصف بهما القوّة الواحدة.

والمتخيّلةُ، وتسمّى المفكّرةَ، لكن باعتبارين، وشأنها التّركيب

١٢٦

والتّحليل. وليس ذلك للقوى المدركة، لأنّ الواحدَ لا يكونَ علّةً لأمرين. ويبطل: بأنّ التّصرّف (١) يستدعي العلم، والوهميّة وهي مدركةُ المعاني الجزئيّة، كالصّداقة والعداوة الجزئيّتين.

وأكثرُ الأفعال البشريّة مستندةٌ إليها، وهي مغايرةٌ للقوى الّتي لا يدرك المعاني، وللنّفس الّتي لا تدرك الجزئيّات بذاتها. ويبطلُ: بأنّ العداوة المتعلّقة بهذا الشّخص لا تعقل إلاّ متعلّقةً به، فالمدرك لهما واحدٌ.

والحافظةُ، وهي خزانةُ الوهم ويسمّى متذكّرة، لقوّتها على الاسترجاع بعدَ الغيبوبة، والكلام فيه كالخيال.

ط - أثبت الأوائل للنّفس النّباتيّة ثلاثَ قوى:

الغاذيةَ، وهي قوّةٌ حالَة في المغتذي، تحيلُ الغذاء إلى مشابهه ليخلفَ بدلَ ما يتحلّلُ.

والنّامية، وهي الّتي تزيدُ في أقطار الجسم على تناسب طبيعيّ ليبلغَ إلى تمام النّشو.

والمولّدةَ، وهي الّتي تفصلُ جزءاً من فضل الهضم الأخير للمغتذي وتودعه قوّةً من مشيجه. (٢)

فالغاذيةَ تخدمها أربعُ قوى: الجاذبةُ للغذاء، والماسكةُ له حتى تهضمه، الهاضمةُ، والدّافعةُ.

____________________

(١) ج: التصديق.

(٢) ج: شبحه.

١٢٧

وفعلُ الغاذية يتمّ بأمور ثلاثة: تحصيلِ الخلط المشابه للمغتذي بالقوّة وتصييره جزءاً للعضو، وتشبيهه به في قوامه ولونه، فإذا انتقصت الرّطوبةُ الغريزيّةُ بعدَ سنّ الوقوف انحلّت، فانطفت الحرارةُ الغريزيّة وبطل عملُها.

ويشكلُ: بأنّ المحتاجَ إلى البدل ليس مجموعَ الزّائل (١) والباقي، لأنّه غيرُ موجود بعدَ زوال الزّائل، ولا الزّائلَ وحده، ولا مجموع الباقي والآتي، ولا الآتي؛ بل إن كان فالباقي، وهو مساوٍ للآتي، فلا يصحّ احتياجُه إليه، ولأنّ مداخلة الغذاء، توجبُ التّفريقُ الموجب للألم. وأمّا الباقي فلابُدّ من بقاء شيء فيه (٢) وليس الصّورة ولا المادّةَ؛ لأنّ البدنَ دائماً في التّحلّل، وليس البعضُ أولى من الباقي، فيكونُ النّموُّ إحداثاً.

وأمّا المصوّرةُ، فالضّرورة (٣) حاكمة بإسناد التّشكّلات مختلفة (٤) والأعضاء الغريبة إلى فاعل مختار، لا إلى قوّة لا حسَّ لها ولا إدراكَ.

ي - الملائكة والجنُّ والشّياطينُ أجسامٌ قادرةٌ على التّشكّلات المختلفة. وأثبت الأوائل النّفوس الفلكيّةَ مجرّداتٍ هي الملائكة. وأنكر أوائل المعتزلةِ الجنَّ، لأنّها إن كانت لطيفةً لم تكن قادرةً على شيء من الأفعال وإن كانت كثيفةً وجب أن نشاهدَها. ويُحتمل أن تكونَ لطيفةً بمعنى الشّفافيّة.

____________________

(١) ألف: الزائد.

(٢) ج: منه.

(٣) ألف: فالصورة.

(٤) ب، ج: العجيبة.

١٢٨

الفصل الرّابع

في أحكام الأعراض

وهي أربعةُ مباحثٍ:

ألف - الأعراضُ لا يصحّ عليها الانتقالُ عندَ الأوائل والمتكلّمين؛ لأنّ علّة تشخّصه المحلُّ، وإلاّ لكان مستغنياً بموجده ومشخّصه (١) عن المحلّ، فلا يحلّ فيه؛ والملازمةُ ممنوعةٌ.

ب - لا يمكن قيامُ العرض بمثِله المتكلّمين، خلافاً للأوائل ومعمّر، إذ لابدّ من الانتهاء إلى الجوهر، فهو المحلّ. وهو ممنوعٌ، لجواز اشتراط المتوسّط، كالحركة، والسّرعة. والمرادُ من القيام هنا، الاختصاصُ النّاعتُ.

ج - الأعراض منها ما يصحّ عليه البقاء، خلافاً للأشاعرة. وادّعى أبو الحسين الضروةَ في ذلك، فإنّا نعلمُ بالضرّورة بقاء السّواد في القار والبياض في القّطن، كما نعلمُ بقاء الجسم المشاهد زمانين، ولأنّها ممكنةٌ في الزمان الأوّل وإلاّ لما وجدت، فكذا في الثّاني، وإلاّ لزم انتقال الشّيء من الإمكان الذّاتيّ إلى الامتناع الذّاتيّ.

____________________

(١) ب، ج: تشخّصه.

١٢٩

واعترضناه في النّهاية (١) : بأنّ إمكان البقاء مغايرٌ لإمكان الوجود المطلق. (٢) والثّاني ثابتٌ دونَ الأوّل، ولا يلزمُ استحالةُ الممكن. (٣)

احتجّوا: بأنّ البقاء عرض، فلا يقوم بالعرض، وبأنّ بقاءه يستلزمُ امتناع عدمه؛ إذ لا يُعدَم لذاته وإلاّ لصار ممتنعاً؛ ولا لطريان ضدّ، لأنّ شرطَ طريانه عدمُ الأوّل، فلو عُلّل به دار. (٤)

ولا للفاعل المختار؛ لأنّ الإعدامَ نفيُ أثر، لا إيجادٌ، فعندَ ذلك النّفي إن لم يتجدد شيء لم يكن للفاعل أثرٌ (٥) البتة، وإن تجدّد فهو وجوديّ، فيكون إيجاداً، لا إعداماً.

ولا لانتفاء الشّرط، لأنّ شرطه الجوهرُ، وهو باق. والكلامُ في عدمه كالكلام في عدم العرض.

ونمنع كونَ البقاء عرضاً، ويجوز قيامُ العرض بمثله، وجاز استنادُ عدمه إلى ذاته في الزّمن الثّالث، كما تجوّزونه (٦) في الثّاني.

ونمنع اشتراط الطّريان بانتفاء السّابق، ويجوز استناد الإعدام إلى الفاعل، والصّادرُ لا يجبُ أن يكونَ وجوديّاً، ونفيُ الوجود أثرٌ، كما أنّ

____________________

(١) الجزء الأوّل: ٣٠٠ - ٣٠١.

(٢) ج: والنطق.

(٣) ج: التمكن.

(٤) الاحتجاج للأشاعرة كما في النهاية للمصنّف: ١/٣٠١.

(٥) ج: إيراد إليه.

(٦) ج: يجوّزونه.

١٣٠

تحصيله أثرٌ. ونمنع انحصار الشّرط في الجوهر، بل جاز اشتراط الباقية بأعراض لا تبقى. فإذا انقطع إيجادُها عدمت.

د - لا يمكنُ حلول عرض واحد في محلّين، خلافاً لأبي هاشم في التأليف ولبعض الأوائل في الإضافات المتّفقة، وإلاّ لجاز حلولُ الجسم في مكانين.

والنّقضُ بامتناع حلول الجسمين في مكان واحد بخلاف العرضين باطلٌ، لأنّ الامتناع هناك للحجميّة المنفيّة (١) عن العرض.

قيل: حلولُ عرض في محلّين (٢) - بمعنى أنّ الحالّ في محلّ هو بعينه حالّ في آخر - باطلٌ، وإلاّ لاستغنى بكلّ منهما عن الآخر، فيكون محتاجاً إلى كلّ واحد منهما حال غناه عنه؛ وبمعنى حلوله في مجموع شيئين صارا باجتماعهما محلاًّ واحداً له، ممكنٌ، كالعشريّة القائمة بالآحاد لما انضمّت وقامت بها وحده. والكلام في الوحدة كالكلام في العشريّة.

____________________

(١) ب: منتفيّة.

(٢) ج: مجلسين.

١٣١

١٣٢

المرصد الخامس

في إثبات واجب الوجود تعالى وصفاته

وفيه مقاصد

١٣٣

١٣٤

[المقصد] الأوّل

في إثبات واجب الوجود تعالى

ويستدلّ عليه إمّا بالإمكان أو الحدوث، إمّا في الذّات أو الصّفات، فلأقسام أربعة:

ألف - العالمُ ممكنٌ لتغيّره وكثرته، وسيأتي أنّ الواجب واحدٌ، باق، وكلّ ممكن فلابدّ له من مؤثّر، فإن انتهى إلى الواجب فالمطلوب، وإلاّ تسلسل أو دار؛ وهما باطلان بما تقدّم.

ب - الأجسامُ متساوية في الجسميّة على ما مرّ، فاختصاصُ كلّ واحد منها بعرضه القائم به أمرٌ ممكنٌ فلابدّ له من مؤثّر.

ج - الأجسام حادثة، على ما تقدّم، فلابدّ لها من مُحدِث بالضّرورة، وهي طريقة الخليل (عليه السلام) فالمُحدث إن كان قديماً واجباً فالمطلوبُ، وإلاّ تسلسل.

د - النّطفةُ تنقلبُ علقةً ثمّ مضغةً، ثمّ لحماً وعظماً ودماً؛ فلابدّ له من مؤثّر، وليس هو الإنسانَ، ولا أبواه بالضّرورة، فلابدّ من مؤثّر حكيم. ويمتنعُ مؤثّر، وليس هو الإنسانَ، ولا أبواه بالضّرورة، فلابدّ من مؤثّر حكيم. ويمتنعُ استناد هذه الآثار الغريبة إلى القوّة المولّدة، فإنّه لا شعورَ لها ولا اختيارَ،

١٣٥

فكان يصدر عنها شيءٌ واحدٌ ويكونُ شكله الكرةَ.

والطريق الأوّل أقواها، فإنّه كما يدلّ على إثبات الصّانع يدلّ على وجوبه، بخلاف باقي الطرق، لافتقارها في الدّلالة على الوجوب إلى الأوّل.

واعلم أنّ ثبوتَ الواجب قريبٌ من البديهة، لأنّ هنا موجوداً بالضّرورة، فإن كان واجباً فالمطلوبُ، وإلاّ كان ممكناً. فإن تسلسل فمجموعُ الأمور الممكنة ممكنٌ لابدّ له من علّة.

ولا يكفي في وجود الممكن مطلقُ العلّة، بل لابدّ من علّة تامّة يصيرُ معها واجباً، وبدونها ممتنعاً.

فالعلّةُ التّامّةُ لمجموع الممكنات يجبُ أن تكونَ واجبةً، لأنّها لو كانت ممكنةً، فإن كانت علّةً تامّةً لكلّ واحد من الممكنات كانت علّةً لنفسها، لأنّها من جملة الممكنات، وإن كانت علّةً لبعض الممكنات دونَ بعض كانت جزءاً من العلّة التامّة لمجموع الممكنات، وهي بعينها علّةٌ لمجموع الممكنات، فيلزمُ كونُ الشّيء جزءاً من نفسه، ولما تقدّم من إبطال التّسلسل والدّور.

١٣٦

المقصد الثّاني

في صفاته تعالى

وفيه فصلان

[الفصل] الأوّل

في الصّفات الثّبوتيّة

وفيه مطالب

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - موجود

قد تقدّم إثباتُ واجب الوجود تعالى. والثّبوت الوجود بالضّرورة، ولأنّه لو لم يكن موجوداً لكان معدوماً، إذ لا واسطةَ بينُهما، والعدمُ لا يصلحُ للمبدائيّة.

والملاحدةُ قالوا: إنّه - تعالى - مبدأ للمتقابلات، كالوجود والعدم، والوجوب وقسيميه، والوحدة والكثرة؛ ومبدأ المتقابلات لا يتّصفُ بأحدها، فهو ليس بموجودٍ بالمعنى المقابل للعدم، ولا بواحدٍ (١) بالمعنى

____________________

(١) ب: ولا واجب.

١٣٧

المقابل للكثرة، ولا واجب بالمعنى المقابل للإمكان، بل ولا مبدأ بالمعنى المقابل لعدم المبدائيّة، ولا مُبدع بالمعنى المقابل لنقيضه، وهو موجودٌ وواحدٌ ومُبدعٌ من حيثُ كونه مبدأً للوحدة والكثرة، ومبدع للوجود والعدمَ المتصوّر (١) بإزاء الوجود. وهذا الكلام لا فائدةَ فيه محصّلةً.

المطلب الثاني: في أنّه - تعالى - قادرٌ

والمرادُ منه هو أنّه - تعالى - يفعلُ مع جواز ألاّ يفعل، بل إذا شاء أن يفعل فعل، وإذا شاء أن يترك ترك، لأنّه لو لم يكن كذلك لكان موجَباً. والتّالي باطلٌ، وإلاّ لزم قِدَمُ العالم أو حدوثُه تعالى، وهما باطلان.

لا يُقال: العالمُ إن كان صحيحَ الوجود في الأزل التزمنا القِدَمَ، وإلاّ لم يجب القدرةُ، لتوقّف الأثر على القابل كالفاعل، ولإمكان الواسطة، ولأنّ الفاعل إن استجمع جميعَ جهات المؤثريّة امتنع التّرك وإلاّ امتنع الفعل، فلا قدرةَ، ولأنّ التّرك غيرُ مقدور، لأنه عدمٌ، فكذا الفعل.

لأنّا نقول العالمُ صحيحُ الوجود في الأزل إن استند إلى الموجب، مستحيلٌ إن استند إلى القادر. سلّمنا استحالته مطلقاً، لكن وجوده قبل أن وجد لا يُخرجُه عن الحدوث، فكان يجبُ أن يوجد قبل وجوده، لوجود العلّة التّامّة وانتفاء المانع، والواسطة باطلةُ بالإجماع، ولأنّها ممكنةٌ، فتكون من العالم، فلا تعقَلُ واسطة بينَ الواجب والعالم.

____________________

(١) ألف: المتصرر.

١٣٨

وامتناعُ التّرك باعتبار استجماع الشّرائط لا تُخرجُ الفاعلَ عن القدرة، لأنّ المختار إذا أخذ مع قدرته تساوى الطرفان بالنّسبة إليه، وإن ضمّ إليه الدّاعي وجب. ومعنى الاختيار استواء الطرفين بالنّسبة إلى القدرة وحدها. والقادر هو الّذي يصحّ أن يفعل وأن لا يفعل، لا أن يفعل التّرك.

المطلب الثالث: في أنّه - تعالى - عالمٌ

اتّفق العقلاء إلاّ قدماء الفلاسفة عليه؛ لأنّه - تعالى - فعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكلّ من كان كذلك فهو عالمٌ. والمقدّمتان ضروريّتان ولأنّه - تعالى - مختارٌ. فيكون عالماً؛ لأنّ المختار هو الّذي يفعل بواسطة القصد.

لا يقالُ: المُحكم قد يصدرُ مرّةً اتفاقاً عن الجاهل، فجاز التّعدد، ولأنّ كثيراً من الحيوانات تفعلُ أفعالاً مُحكمةً، وليست عالمةً، كالزّنبور، والمحتذى ولأنّ العلم نسبة، فتغاير الذات، فيكون الله - تعالى - محلاًّ للأمور الكثيرة.

لأنّا نقول: الضّرورة قاضيةٌ بالفرق بينَ وقوع المحكم ندرةً ودائماً. والحيوانات عالمةٌ بما يفعله من الأُمور المحكمة (١) ، وكذا المحتذى، والنّسب عدميّةٌ والحلول اعتباريٌّ.

____________________

(١) ألف: الأُمور المحكم.

١٣٩

المطلب الرابع: في أنّه - تعالى - حيٌّ

اتّفق العقلاء عليه، واختلفوا في معناه. فعند أبي الحسين والأوائل، أنّ معناه: أنّه لا يستحيلُ أن يقدرَ ويعلمَ، وقد ثبت أنّه - تعالى - قادرٌ عالمٌ، فيكونُ حيّاً بالضّرورة.

وعندَ الأشاعرة وجماعة من المعتزلة أنّه من كان على صفةٍ لأجلها يصحّ أن يعلمَ ويقدرَ لأنه لو لا ذلك لم يكن حصول هذه الصّحة أولى من عدم حصولها؛ وهو باطلٌ، لأنّ المقتضي للصحّة ذاتُه المخالفةُ لغيرها من الذّوات بحقيقتها.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - مريدٌ

اتّفق العلماء (١) عليه واختلفوا في معناه، فعندَ أبي الحسين أنّه نفسُ الدّاعي، وهو علمُه - تعالى - بما في الفعل من المصلحة الدّاعية إلى الإيجاد أو المفسدة الدّاعية إلى التّرك.

وعند النّجار أنّه عبارةٌ عن كونه غيرَ مغلوب ولا مستكره. وعند الكعبيّ أنّ معناه في أفعال نفسه كونُه عالماً بها، وفي أفعال غيره كونُه آمِراً بها.

وعند الأشاعرة وأبي هاشم أنّه من كان على صفة لأجلها يصحّ منه

____________________

(١) ب، ج: العقلاء.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

محمّد البدر، آخر أئمة الزيديّة، فليرجع إلى كتابنا (بحوث في الملل والنحل). (1)

فكما قامت للزيديّة دولة في المغرب واليمن، فهكذا قامت دولة زيديّة في طبرستان بين الأعوام (250 - 360هـ)؛ حيث ظهر الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين في طبرستان أيّام المستعين الله، وتمكّن من بسط نفوذه على طبرستان وجُرجان، وقام بعده أخوه محمّد بن زيد، ودخل بلاد الديلم عام 277هـ، ثُمَّ ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحق الحسن بن عليّ المعروف بالأطروش، وجاء بعده الحسن بن القاسم، وبعده محمّد بن الحسن بن القاسم المتوفّى 360هـ.

هذه إلمامة موجزة وضعتها أمام القارئ عن ثوّارهم ودولهم.

عقائد الزيديّة

لم يكن زيد الشهيد صاحب نهج كلامي ولا فقهي، فلو كان يقول بالعدل والتوحيد ويكافح الجبر والتشبيه، فلأجل أنّه ورثهما عن آبائه (عليهم السّلام)، وإن كان يفتي في مورد أو موارد، فهو يصدر عن الحديث الّذي يرويه عن آبائه.

نعم، جاء بعد زيد مفكّرون وعاة، وهم بين دعاة للمذهب، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيدي، متفتّحين في الأُصول والعقائد مع المعتزلة، وفي الفقه وكيفيّة الاستنباط مع الحنفيّة، ولكن الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الأُصول والفروع وما أرساه

____________________

(1) بحوث في الملل والنحل: 7/371 - 386.

٢٤١

هؤلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلاّ في القليل منهما.

ولا أُغالي إذا قلت: إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة، ساقتهم إلى ذلك الظروف السائدة عليهم، وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد، وإن لم يكن له صلة بزيد إلاّ في القسم القليل.

ومن ثَمَّ التقت الزيديّة في العدل والتوحيد مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ شعارهم في جميع الظروف والأدوار رفض الجبر والتشبيه، والجميع في التديّن بذينك الأصلين عيال على الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، كما أنّهم التقوا في الأُصول الثلاثة: ـ

1 - الوعد والوعيد.

2 - المنزلة بين المنزلتين.

3 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الأُصول في مذهبهم ورتّبوا عليه:

1 - خلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة؛ لأنّها للعدول دون الفسّاق.

2 - الشفاعة؛ بمعنى ترفيع الدرجة، لا الحطّ من الذنوب.

3 - الفاسق في منزلة بين المنزلتين؛ فهو عندهم لا مؤمن ولا كافر بل فاسق.

فاستنتجوا الأمرين الأوّلين من الأصل الأوّل، والثالث من الأصل الثاني.

٢٤٢

وأمّا الأصل الثالث، فهو ليس من خصائص الاعتزال، ولا الزيديّة، بل يشاركهم الإماميّة. هذه عقائدهم في الأُصول.

وأمّا الفروع فقد التفّت الزيديّة حول القياس والاستحسان والإجماع، وجعلوا الثالث بما هو هو حجّة، كما قالوا بحجيّة قول الصحابي وفعله، وبذلك صاروا أكثر فِرق الشيعة انفتاحاً على أهل السنّة.

ولكن العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة الّتي تميّز هذا المذاهب عمّا سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى الانفتاح على الإماميّة والإسماعيليّة، هو القول بإمامة عليّ والحسنين بالنصّ الجليّ أو الخفيّ عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والقول بأنّ تقدّم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلاً.

وها نحن نأتي برؤوس عقائدهم الّتي يلتقون في بعضها مع المعتزلة والإماميّة:

1 - صفاته سبحانه عين ذاته، خلافاً للأشاعرة.

2 - إنّ الله سبحانه لا يُرى ولا تجوز عليه الرؤية.

3 - العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها.

4 - الله سبحانه مريد بإرادة حادثة.

5 - إنّه سبحانه متكلّم بكلام، وكلامه سبحانه فعله: وهو الحروف والأصوات.

6 - أفعال العباد ليست مخلوقة لله سبحانه.

7 - تكليف ما يطاق قبيح، خلافاً للمجبّرة والأشاعرة.

8 - المعاصي ليس بقضاء الله.

٢٤٣

9 - الإمامة تجب شرعاً لا عقلاً، خلافاً للإمامية.

10 - النصّ على إمامة زيد والحسنين عند الأكثريّة.

11 - القضاء في فدك صحيح، خلافاً للإماميّة.

12 - خطأ المتقدّمين على عليّ في الخلافة قطعيّ.

13 - خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعيّ.

14 - توبة الناكثين صحيحة.

15 - معاوية بن أبي سفيان فاسق لبغيه لم تثبت توبته.

هذه رؤوس عقائد الزيديّة استخرجناها من كتاب (القلائد في تصحيح الاعتقاد)، المطبوع في مقدّمة البحر الزخّار. (1)

فرق الزيديّة:

قد ذكر مؤرّخو العقائد للزيديّة فِرقاً، بين مقتصر على الثلاث، وإلى مفيض إلى ست، وإلى ثمان، منهم: الجاروديّة والسليمانيّة والبتريّة والنعيميّة، إلى غير ذلك من الفِرق، وبما أنّ هذه الفِرق كلّها قد بادت وذهبت أدراج الريح، مع بقاء الزيديّة في اليمن، ولا يوجد اليوم في اليمن بين الزيديّة من المفاهيم الكلاميّة المنسوبة إلى الفِرق كالجاروديّة أو السليمانيّة أو البتريّة أو الصالحيّة إلاّ مفهوم واحد، وهو المفهوم العام الّذي تعرفت عليه، وهو القول بإمامة زيد والخروج

____________________

(1) البحر الزخّار: 52 - 96.

٢٤٤

على الظلمة، واستحقاق الإمامة بالطلب والفضل، لا بالوراثة، مع القول بتفضيل عليّ - كرم الله وجهه - وأولويتّه بالإمامة، وقصرها من بعده في البطنين الحسن والحسين.

وأمّا أسماء تلك الفِرق والعقائد المنسوب إليهم، فلا توجد اليوم إلاّ في بطون الكتب والمؤلَّفات في الفِرق الإسلاميّة كالمِلل والنحل ونحوها، فإذا كان الحال في اليمن كما ذكره الفضيل شرف الدين، فالبحث عن هذه الفِرق من ناحية إيجابيّاتها وسلبيّاتها ليس مهمّاً بعد ما أبادهم الدهر، وإنّما اللاّزم دراسة المفهوم الجامع بين فِرقهم.

٢٤٥

15

الإسماعيليّة

الإسماعيليّة فِرقة من الشيعة القائلة بأنّ الإمامة بالتنصيص من النبيّ أو الإمام القائم مقامه، غير أنّ هناك خلافاً بين الزيديّة والإماميّة والإسماعيليّة في عدد الأئمّة ومفهوم التنصيص.

فالأئمّة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبيّ عند الزيديّة لا يتجاوز عن الثلاثة: عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام)، والسبطين الكريمين: الحسن والحسين (عليهما السّلام)، وبشهادة الأخير أغلقت دائرة التنصيص وجاءت مرحلة الانتخاب بالبيعة كما تقدم.

وأمّا الأئمّة المنصوصون عند الإماميّة فاثنا عشر إماماً آخرهم غائبهم يظهره الله سبحانه عندما يشاء، وقد حوّل أمر الأُمّة - في زمان غيبته - إلى الفقيه العارف بالأحكام والسنن والواقف على مصالح المسلمين على النحو المقرّر في كتبهم وتآليفهم.

وأمّا الإمامة عند الإسماعيليّة فهي تنتقل عندهم من الآباء إلى الأبناء، ويكون انتقالها عن طريق الميلاد الطبيعي، فيكون ذلك بمثابة نصّ من الأب بتعيين الابن، وإذا كان للأب عدّة أبناء فهو بما أُوتي من معرفة خارقة للعادة يستطيع أن يعرف من هو الإمام الّذي وقع عليه النص، فالقول بأنّ الإمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصيص.

٢٤٦

وعلى كلّ حال فهذه الفِرقة منشقّة عن الشيعة، معتقدة بإمامة إسماعيل بن جعفر بن الإمام الصادق (عليه السّلام)، وإليك نبذة مختصرة عن سيرة إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (110 - 145هـ).

الإمام الأوّل للدعوة الإسماعيليّة:

إنّ إسماعيل هو الإمام الأوّل والمؤسّس للمذهب، فوالده الإمام الصادق (عليه السّلام) غنيّ عن التعريف وفضله أشهر من أن يُذكر، وأُمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن الحسين الّتي أنجبت أولاداً ثلاثة هم:

1 - إسماعيل بن جعفر.

2 - عبد الله بن جعفر.

3 - أُم فروة.

وكان إسماعيل أكبرهم، وكان أبو عبد الله (عليه السّلام) شديد المحبّة له والبرَّ به والإشفاق عليه، مات في حياة أبيه (عليه السلام) (بالعريض) وحمل على رقاب الرّجال إلى أبيه بالمدينة حتّى دفنه بالبقيع. (1)

استشهاد الإمام الصادق (عليه السّلام) على موته:

كان الإمام الصادق حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الإمامة لم تُكتب لإسماعيل، فليس هو من خلفاء الرسول الاثني عشر الّذين كُتبت لهم الخلافة والإمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الأعظم.

____________________

(1) إرشاد المفيد: 284.

٢٤٧

ومن الدواعي الّتي ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشكّ في نفوس الشيعة في ذلك اليوم؛ هو ما اشتهر من أنّ الإمامة للولد الأكبر، وكان إسماعيل أكبر أولاده، فكانت أماني الشيعة معقودة عليه، ولأجل ذلك تركّزت جهود الإمام الصادق (عليه السّلام) على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهة وأنّ الإمامة لغيره، فتراه تارة ينصّ على ذلك، بقوله وكلامه، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعيل وأنّه قد انتقل إلى رحمة الله ولن يصلح للقيادة والإمامة.

وإليك نموذجاً يؤيّد النهج الّذي انتهجه الإمام لتحقيق غرضه في إزالة تلك الشبهة.

روى النعماني عن زرارة بن أعين، أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السّلام) وعند يمينه سيّد ولده موسى (عليه السّلام) وقدّامه مرقد مغطّى، فقال لي: «يا زرارة جئني بداود بن كثير الرقي وحمران وأبي بصير» ودخل عليه المفضّل بن عمر، فخرجت فأحضرت من أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد حتّى صرنا في البيت ثلاثين رجلا.

فلمّا حشد المجلس قال: «يا داود اكشف لي عن وجه إسماعيل»، فكشف عن وجهه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا داود أحيٌّ هو أم ميّت؟» ، قال داود: يا مولاي هو ميّت، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل، حتّى أتى على آخر من في المجلس، وانتهى عليهم بأسرهم، وكل يقول: هو ميّت يا مولاي، فقال: «اللّهم اشهد» ثُمَّ أمر بغسله وحنوطه، وإدراجه في أثوابه.

فلمّا فرغ منه قال للمفضّل: (يا مفضّل أحسر عن وجهه)، فحسر عن وجهه، فقال: «أحيُّ هو أم ميّت؟» فقال له: ميّت، قال(عليه السّلام): «اللّهم اشهد عليهم» ، ثُمَّ

٢٤٨

حمل إلى قبره، فلمّا وضع في لحده، قال: «يا مفضّل اكشف عن وجهه»، وقال للجماعة: (أحيّ هو أم ميّت؟)، قلنا له: ميّت، فقال: «اللّهم اشهد، واشهدوا فانّه سيرتاب المبطلون، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم - ثُمَّ أومأ إلى موسى - والله متمّ نوره ولو كره المشركون»، ثُمَّ حثونا عليه التراب، ثُمَّ أعاد علينا القول، فقال: «الميّت، المحنّط، المكفّن المدفون في هذا اللحد من هو؟» قلنا: إسماعيل، قال: «اللّهم اشهد». ثُمَّ أخذ بيد موسى (عليه السّلام) وقال: «هو حقّ، والحقّ منه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». (1)

هل كان عمل الإمام تغطية لستره؟

إنّ الإسماعيليّة تدّعي أنّ ما قام به الإمام الصادق (عليه السّلام) كان تغطية؛ لستره عن أعين العباسيّين، الّذين كانوا يطاردونه بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم الّتي اعتبرتها الدولة العباسيّة منافية لقوانينها. والمعروف أنّه توجّه إلى سلمية ومنها إلى دمشق فعلم به عامل الخليفة، وهذا ما جعله يغادرها إلى البصرة ليعيش فيها متستّراً بقيّة حياته.

مات في البصرة سنة 143هـ، وكان أخوه موسى بن جعفر الكاظم حجاباً عليه، أمّا وليّ عهده محمّد فكان له من العمر أربع عشرة سنة عند موته. (2)

ما ذكره أُسطورة حاكتها يدُ الخيال، ولم يكن الإمام الصادق (عليه السّلام) ولا أصحابه الأجلاّء، ممّن تتلمذوا في مدرسة الحركات السريّة، حتّى يفتعل موت ابنه بمرأى ومسمع من الناس وهو بعد حيّ يرزق، ولم يكن عامل الخليفة

____________________

(1) غيبة النعماني: 327، الحديث 8، ولاحظ؛ بحار الأنوار: 48/21.

(2) عارف تامر: الإمامة في الإسلام: 180.

٢٤٩

بالمدينة المنوّرة بليداً، يكتفي بالتمويه، حتّى يتسلّم المحضر ويبعث به إلى دار الخلافة العبّاسيّة.

والظاهر أنّ إصرارهم بعدم موت إسماعيل في حياة أبيه جعفر الصادق (عليه السّلام)، لأجل تصحيح إمامة ابنه عبد الله بن إسماعيل؛ حتّى يتسنّى له أخذ الإمامة من أبيه الحيّ بعد حياة الإمام الصادق (عليه السّلام).

لكن الحقّ أنّه توفّي أيّام حياة أبيه، بشهادة الأخبار المتضافرة الّتي تعرّفت عليها، وهل يمكن إغفال أُمّة كبيرة وفيهم جواسيس الخليفة وعمّالها؟!، وستْر رحيل إسماعيل إلى البصرة بتمثيل جنازة بطريقة مسرحيّة يُعلن بها موته، فإنّه منهج وأُسلوب السياسيّين المخادعين، المعروفين بالتخطيط والمؤامرة، ومن يريد تفسير فعل الإمام عن هذا الطريق فهو من هؤلاء الجماعة (وكلّ إناء بالّذي فيه ينضح). وأين هذا من وضع الجنازة مرّات وكشف وجهه والاستشهاد على موته وكتابة الشهادة على كفنه؟!

والتاريخ يشهد على أنّه لم يكن لإسماعيل ولا لولَده الإمام الثاني، أيّة دعوة في زمان أبي جعفر المنصور ولا ولَده المهدي العبّاسي، بشهادة أنّ ابن المفضّل كتب كتاباً ذكر فيه صنوف الفِرق، ثُمَّ قرأ الكتاب على الناس، فلم يذكر فيه شيئاً من تلك الفِرقة مع أنّه ذكر سائر الفِرق الشيعيّة البائدة.

والحق إنّ إسماعيل كان رجلاً ثقة، محبوباً للوالد، وتوفّي في حياة والده وهو عنه راض، ولم تكن له أي دعوة للإمامة، ولم تظهر أي دعوة باسمه أيّام خلافة المهدي العبّاسي الّذي توفّي عام 169هـ، وقد مضى على وفاة الإمام الصادق (عليه السّلام) إحدى وعشرون سنة.

٢٥٠

الخطوط العريضة للمذهب الإسماعيلي

إنّ للمذهب الإسماعيلي آراء وعقائداً:

الأُولى: انتماؤهم إلى بيت الوحي والرسالة:

كانت الدعوة الإسماعيليّة يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى: إمامة المسلمين، وخلافة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) واستلام الحكم من العباسيّين بحجة ظلمهم وتعسّفهم، غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يُكتب لها البقاء إلاّ باستخدام عوامل تضمن لها البقاء، وتستقطب أهواء الناس وميولهم.

ومن تلك العوامل الّتي لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة وكونهم من ذريّة الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام)، وكان المسلمون منذ عهد الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ، وقد كانت محبّتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.

وممّا يشير إلى ذلك أنّ الثورات الّتي نشبت ضد الأُمويّين كانت تحمل شعار حبّ أهل البيت (عليهم السّلام) والاقتداء بهم والتفاني دونهم، ومن هذا المنطلق صارت الإسماعيليّة تفتخر بانتماء أئمّتهم إلى النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، حتّى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم اشتهروا بالفاطميّين، وكانت التسمية يومذاك تهزّ المشاعر وتجذب العواطف بحجّة أنّ الأبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر، وأنّ

٢٥١

تكريم ذريّة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تكريم له (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فشتّان ما بين بيت أُسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه وبيت أُسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.

الثانية: تأويل الظواهر:

إنّ تأويل الظواهر وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الإسماعيليّة، وهي إحدى الدعائم الأساسيّة؛ بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر لم تتميّز عن سائر الفِرق الشيعيّة إلاّ بصرف الإمامة عن الإمام الكاظم (عليه السّلام) إلى أخيه إسماعيل بن جعفر، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة، وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الإمامة وتصنيفها إلى أصناف.

إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالأهواء والميول جعل المذهب الإسماعيلي يتطوّر مع تطوّر الزمان، ويتكيّف بمكيّفاته، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشارع أو الضرورة الدينيّة.

الثالثة: تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفيّة:

إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد، كانت من أهم ميّزات العصر العبّاسي، هذه الظاهرة ولّدت رد فعل عند أئمّة الإسماعيليّة، فانجرفوا في تيّارات المسائل الفلسفيّة وجعلوها من صميم

٢٥٢

الدّين وجذوره، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلاميّة عيناً ولا أثراً.

يقول المؤرّخ الإسماعيلي المعاصر مصطفى غالب: إنّ كلمة (إسماعيليّة) كانت في بادئ الأمر تدلّ على أنّها من إحدى الفِرق الشيعيّة المعتدلة، لكنّها صارت مع تطوّر الزمن حركة عقليّة تدلّ على أصحاب مذاهب دينيّة مختلفة، وأحزاب سياسيّة واجتماعيّة متعدّدة، وآراء فلسفيّة وعلميّة متنوّعة. (1)

الرابعة: تنظيم الدعوة:

ظهرت الدعوة الإسماعيليّة في ظروف ساد فيها سلطان العبّاسيّين شرق الأرض وغربها، ونشروا في كلِّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الأخبار إلى مركز الخلافة الإسلاميّة، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يُكتب النجاح لكلّ دعوة تقوم ضدّ السلطة إلاّ إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارها، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.

وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف، وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم، وبلغوا فيه الذروة؛ بحيث لو قُورنت مع أحدث التنظيمات الحزبيّة العصريّة، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار، وقد ابتكروا أساليب دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.

____________________

(1) تاريخ الدعوة الإسماعيليّة: 14.

٢٥٣

الخامسة: تربية الفدائيّين للدفاع عن المذهب:

إنّ الأقلّية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيّين مضحّين بأنفسهم في سبيل الدعوة؛ لصيانة أئمتهم ودعاتهم من تعرّض الأعداء، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام، والشجاعة النادرة، والجرأة الخارقة ويكلّفون بالتضحيات الجسديّة، وتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه، وإليك هذا النموذج:

في سنة 500 هـ فكّر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر، أن يُهاجم قلاع الإسماعيليّة، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائيّيه فقتله بطعنة خنجر، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيّين.

السادسة: كتمان الوثائق:

إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنيّة السرّيّة وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها الّتي تنير الدرب لاستجلاء كنهها، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها، ولكن للأسف الشديد أنّ الإسماعيليّة كتموا وثائقهم وكتاباتهم ومؤلّفاتهم وكلّ شيء يعود لهم، ولم يبذلوها لأحد سواهم، فصار البحث عن الإسماعيليّة بطوائفها أمراً مستعصياً، إلاّ أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم، ومن المعلوم أنّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم خارج عن أدب البحث النزيه.

٢٥٤

السابعة: الأئمّة المستورون والظاهرون:

إنّ الإسماعيليّة أعطت للإمامة مركزاً شامخاً، وصنّفوا الإمامة إلى رُتب ودرجات، وزوّدوها بصلاحيّات واختصاصات واسعة، غير أنّ المهمَّ هنا الإشارة إلى تصنيفهم الإمام إلى مستور دخل كهف الاستتار، وظاهر يملك جاهاً وسلطاناً في المجتمع، فالأئمّة المستورون هم الّذين نشروا الدعوة سرّاً وكتماناً، وهم:

1 - إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (110 - 145هـ).

2 - محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الحبيب) (132 - 193هـ)، ولد في المدينة المنوّرة وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء. ولقّب بالإمام المكتوم لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية.

3 - عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الوافي) (179 - 212هـ)، ولد في مدينة محمّد آباد، وتولّى الإمامة عام 193هـ بعد وفاة أبيه، وسكن السلمية عام 194هـ مصطَحباً بعدد من أتباعه؛ وهو الّذي نظّم الدعوة تنظيماً دقيقاً.

4 - أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (التقي) (198 - 265هـ)، وتولّى الإمامة عام 212هـ، سكن السلمية سرّاً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة.

5 - الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الرضي) (212 - 289هـ) تولّى الإمامة عام 265هـ، ويقال أنّه اتّخذ عبد الله بن ميمون القدّاح حجّة له وحجاباً عليه.

٢٥٥

الأئمّة الظاهرون:

6 - عبيد الله المهدي (260 - 322هـ) والمعروف بين الإسماعيليّة أنّ عبيد الله المهدي الّذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطميّة كان ابتداءً لعهد الأئمّة الظاهرين الّذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار.

7 - محمّد بن عبيد الله القائم بأمر الله (280 - 334هـ)، ولد بالسلمية، ارتحل مع أبيه عبيد الله المهدي إلى المغرب وعهد إليه بالإمامة من بعده.

8 - إسماعيل المنصور بالله (303 - 346هـ)، ولد بالقيروان، تسلّم شؤون الإمامة بعد وفاة أبيه سنة 334هـ.

9 - معد بن إسماعيل المعزّ لدين الله (319 - 365هـ)، مؤسس الدولة الفاطميّة في مصر.

10 - نزار بن معد العزيز بالله (344 - 386هـ)، ولي العهد بمصر سنة 365هـ، واستقلّ بالأمر بعد وفاة أبيه، وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفاً.

11 - منصور بن نزار الحاكم بأمر الله (375 - 411هـ)، بويع بالخلافة سنة 386هـ وكان عمره أحد عشر عاماً ونصف العام، وهو من الشخصيّات القليلة الّتي لم تتجلّ شخصيّته بوضوح، وقام بأعمال إصلاحيّة زعم مناوئوه أنّها من البدع.

وأمّا عن مصير الحاكم، فمجمل القول فيه أنّه فُقد في سنة 411هـ، ولم يُعلم مصيره، وحامت حول كيفيّة اغتياله أساطير لا تتلاءم مع الحاكم المقتدر.

٢٥٦

وبعد اختفائه انشقّت فِرقة من الإسماعيليّة ذهبت إلى إلوهيّة الحاكم وغيبته، وهم المعروفون اليوم بـ (الدروز) يقطنون لبنان.

12 - عليّ بن منصور الظاهر لإعزاز دين الله (395 - 427هـ)، بويع بالخلافة وعمره ستة عشر عاماً، وشنّ حرباً على الدروز محاولاً إرجاعهم إلى العقيدة الفاطميّة الأصيلة.

13 - معد بن عليّ المستنصر بالله (420 - 487هـ)، بويع بالخلافة عام 427هـ، وكان له من العمر سبعة أعوام، وقد ظلّ في الحكم ستّين عاماً، وهي أطول مدّة في تاريخ الخلافة الإسلاميّة.

إلى هنا تمّت ترجمة الأئمّة الثلاثة عشر الّذين اتّفقت كلمة الإسماعيليّة على إمامتهم وخلافتهم، ولم يشذّ منهم سوى الدروز الّذين انشقوا عن الإسماعيليّة في عهد خلافة الحاكم بأمر الله، وصار وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق آخر وظهور طائفتين من الإسماعيليّة، بين مستعلية تقول بإمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ونزاريّة تقول بإمامة نزار بن المستنصر.

وسنأتي بالحديث عن الإسماعيليّة المستعلية والنزاريّة فيما يلي.

٢٥٧