تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس0%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: للعلاّمة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 257
المشاهدات: 77206
تحميل: 5505

توضيحات:

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77206 / تحميل: 5505
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المطلب الثّاني

في وجوب عصمة الإمام

ذهب إليه الإماميّةُ والإسماعيليّةُ، خلافاً لباقي الفرق، وإلاّ لزم التّسلسل؛ إذ وجهُ الوجوب جوازُ الخطأ على الأمّة. فلو كان الرئيسُ كذلك افتقر إلى رئيس آخر، ويتسلسل.

ولأنّه حافظٌ للشّرع، فيجب أن يكونَ معصوماً.

أمّا الأولى فلأنّ الكتابَ والسّنة غيرُ وافيين بالأحكام الشّرعيّة ولوقوع النّزاع فيهما وتناهيهما وعدم تناهي الحوادث.

ولا الاجتماع، لجواز الخطأ، على كلّ واحد، فكذا المجموعُ.

ولا القياسُ، لأنّه ليس حجّة، إذ مبنى شرعنا على اتّفاق المختلفات، كاتّحاد البول والنّوم في الحكم، واختلاف المتّفقات، كإيجاب صوم آخر رمضان وإفطار أوّل شوّال، فلم يبق سوى الإمام؛ فلو جاز الخطأ عليه لم يبق وثوقٌ بقوله، لجواز خطئه وسهوه.

٢٠١

المطلب الثالث

في أنّه يجبُ أن يكونَ أفضلَ [ومنصوصاً]

لأنّه لو كان مساوياً لم يكن أولى بالرّياسة، ولو كان أنقصَ قبح تقديمه على الفاضل عقلاً، ولقوله تعالى: ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلاّ أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) فيكونُ أعلمَ وأشجعَ وأكرمَ وأزهدَ وأورعَ وأحلمَ، إلى غير ذلك من صفات الكمال. ويكونُ منزّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأُمّهات، لئلا يسقط محلّهُ من القلب.

ويجبُ أن يكونَ منصوصاً عليه، لأنَّ العصمة من الأمور الباطنة الّتي لا يعلمُها إلاّ الله تعالى. والنّصُّ إمّا بخلق مُعجزٍ على يده عقيبَ ادّعاء الإمامة، أو بتعيين المعصوم عليه، كنبيّ أو إمام.

____________________

(1) يونس: 10/35.

٢٠٢

المطلب الرّابع

في أنّ الإمام بعدَ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)

هو عليٌّ (عليه السلام)

ذهبت الشّيعة إلى ذلك، لوجوهٍ:

ألف - إن كان الإمام يجبُ أن يكونَ معصوماً فهو عليّ (عليه السلام)، لكنّ المقدّمَ حقٌّ، لما سبق، فالتّالي مثله. وبيانُ الشّرطيّة، الإجماع؛ إذ لا قائل بعصمة غيره.

ب - تواترُ النّصّ من النّبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تنقله الشّيعة خَلفاً عن سلف - في قوله: ((سَلّموا عليهِ بإمرة المؤمنين)) (1) ، و((اسمَعوا وأطيعوا له)) (2) ، و((أنتَ الخليفةُ مِن بَعدي)) (3) .

ج - قوله تعالى: ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ... ) (4) الآية ولفظة ( إنّما ) للحصر بالنّقل، ولبقاء الوضع وامتناع توارد النّقيضين على محلّ واحد، وورود النّفي على المذكور فتعيّن العكس.

____________________

(1) الغدير: 1/9 - 12.

(2) معاني الأخبار: 352.

(3) الصوارم المهرقة: 188.

(4) المائدة: 5/55.

٢٠٣

والمراد بالـ(وليّ) هو الأولى بالتّصرّف عرفاً ووضعاً. والمرادُ: (البعضُ)، لاتّصافه بوصف خاصّ. فهو عليّ (عليه السلام) لانتفاء الوصف عن غيره، وثبوته فيه لمّا تصدّق بخاتمه (1) حال ركوعه.

د - تواتر النّقل عنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يومَ الغدير في قوله: ((ألستُ أولى منكم بأنفسكم،)) قالوا بَلى، قال: ((فَمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مَولاه، اللّهُمَّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداهُ، وانصُر مَن نصَرَه، واخذُل مَن خَذَله)). (2) والمراد بالمولى: (الأولى). لسبق تمهيد القاعدة به ولامتناع إرادة غيره من معانيها، لاستحالة أن يجمع النّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الأُمّة وقتَ الهِجّير وينصبَ شبه المنبر ويأخذَ بعَضُد عليّ (عليه السلام) ويريدُ ((مَن كنتُ)) ابن عمّه، فهذا عليّ ابن عمّه؛ أو من كنت خليفتَه فهذا خليفته، أو من كنتُ ناصره فهذا ناصرُه. مع قوله تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (3) .

هـ - قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((أنتَ منّي بمنزلة هارونَ من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)) (4) ، والاستثناء يقتضي التّعميمَ. (5)

ومن جملة منازله أنّه لو عاش بعده لكان باقياً على الخلافة، وإلاّ لزم هبوطُ منزلته، ولأنّه معصوم يستحقّ خلافته.

____________________

(1) ج: بخاتم.

(2) عيون أخبار الرضا: 2/58.

(3) التوبة: 9/71.

(4) الكافي: 8/107، الحديث 80.

(5) ج: العموم.

٢٠٤

و - عليّ (عليه السلام) أفضل، فهو الإمام. أمّا الملازمةُ، فلِما تقدّم من قُبح تقديم المفضول. وأمّا صدقُ (الأولى)، فلانتساب العلماء بأسرهم إليه. وقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((أقضاكم عليٌّ)) (1) وهو مشروط بالعلم والزّهد، ولرجوع الصّحابة في وقائعهم إليه؛ وقول عمر في عدّة مواطن (لو لا عليّ لهلك عمر). (2)

ولقضاياه الغريبة (كوزن قيد (3) العبد بالماء) (4) وقسمة ثمانية دراهم في قضيّة (الأرغفة الثّمانية) (5) وإعطاء صاحب الثّلاثة درهماً والباقي للآخر، وغير ذلك من غرائب القضايا.

ولإجماع المفسّرين على أنّ المراد بقول ( وَأَنْفُسَنَا ) (6) عليّ (عليه السلام)؛ والاتّحادُ مُحالٌ، فالمرادُ، المُساوي؛ ولخبر الطائر حين قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((اللهمّ إئت بأحبّ خَلقِك إليك يأكلُ معي من هذا الطائر)) (7) .

واتّخذه أخاً لنفسه دونَ غيره من الصّحابة. وقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((مَن أرادَ أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى يوشع (8) في تقواه وإلى إبراهيم في

____________________

(1) الغدير: 3/95 - 98.

(2) ذخائر العقبى: 80 و82.

(3) ج: كوزن المقيدة الماء وضمّ.

(4) راجع بحار الأنوار: 40/280 - 281.

(5) راجع مناقب ابن شهر آشوب: 1/329؛ كنز العمال: 5/835 برقم 14512.

(6) آل عمران: 3/61.

(7) أمالي الصدوق: 753، الحديث 3، المجلس 94؛ إرشاد المفيد: 1/38؛ مستدرك الحاكم: 3/132؛ المعجم الأوسط: 2/207 وج6/90 وج7/267.

(8) ج: نوح.

٢٠٥

حمله (1) وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب)) (2) ، وقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((عليّ خيرُ البشر، فمَن أبى فقد كفر)) (3) ، وغير ذلك من الآثار والآيات مذكورٌ في كتاب النّهاية.

ز - الإجماع على أنّ أبا بكر والعبّاس كانا كافرين، فلا يصلحان للإمامة، لقوله تعالى: ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (4) وعليّ (عليه السلام) لم يسبق له كفرٌ، فتعيّن للإمامة.

____________________

(1) ج: فحكمه.

(2) روضة الواعظين: 28؛ الغدير: 3/358.

(3) من لا يحضره الفقيه: 3/493؛ تاريخ مدينة دمشق: 42/372.

(4) البقرة: 2/124.

٢٠٦

المطلب الخامس

في إمامة باقي الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام)

يدلّ عليه ما سبق في إمامة عليّ (عليه السلام) من وجوب العصمة والنّصّ والنّقل المتواتر (1) خَلفاً عن سَلفٍ بأنّ كلّ واحدٍ منهم نصّ على مَن بعده، وتواتر النّقل عن النّبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) - في قوله للحسين (عليه السلام): ((هذا ابني، إمامٌ، ابنُ إمام، أخو إمام، أبو أئمّة تسعة، تاسعُهم قائمُهم)) (2) . وغيبةُ الإمام (عليه السلام) مُستندةٌ إلى منع المكلّفين أنفسهم اللّطفَ أو لمصلحة خفيّة (3) استأثر الله - تعالى - بعلمها؛ ولا يُنافي اللّطف، لأنّ تجويزَ ظهوره في كلّ آنٍ زاجرٌ عن القبائح.

خاتمةٌ

يجب الأمرُ بالمعروف والنّهيُ عن المنكر إجماعاً، سمعاً على الأشهر، وإلاّ لما ارتفع معروفٌ ولما وقع منكرٌ، أو كان الله - تعالى - مُخلاًّ بالواجب، لأنّ الأمرَ بالمعروف هو الحملُ عليه، والنّهيَ هو المنعُ من المنكر. فلو وجبا

____________________

(1) ج: البقاء المنزلة.

(2) دلائل الإمامة: 240؛ إثبات الهداة: 3/617 ح174؛ كشف اليقين: 118.

(3) ج: المصلحة خيفيّة.

٢٠٧

بالعقل لوجبا على الله تعالى، لأنّ كلّ واجبٍ عقليّ فهو واجبٌ على من حصل له (1) وجهُ الوجوب. ولهما شرائط: أن يعلمَ المعروفَ معروفاً والمنكرَ منكراً، وتجويز تأثير الإنكار وانتفاء المفاسد عنه وعن بعض المؤمنين.

____________________

(1) ج: على من قصده به.

٢٠٨

المرصدُ التّاسعُ

في المعاد

وفيه مطالب

٢٠٩

٢١٠

[المطلب] الأوّل

في إمكان خلق عالم آخر

اتّفق المليّون (1) عليه، خلافاً للفلاسفة، لتساوي المثلين (2) في الأحكام، والإمكانُ من لوازم الماهيّة وللإجماع، ولقوله تعالى: ( أَوَلَيْسَ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ ) (3) الآية.

احتجّوا بأنّ العالمَ كرةٌ، ويلزمُ الخلأ من وجود أخرى.

والصّغرى ممنوعةٌ ونمنع استحالةَ الخلأ ولزومه.

____________________

(1) ب، ج: المسلمون.

(2) ج: المسلمين.

(3) يس: 36/81.

٢١١

المطلب الثّاني

في إمكان عدم العالم

اتفق المليّون (1) إلاّ الكراميّة عليه، خلافاً للفلاسفة، لأنّه ممكنٌ ومُحدثٌ فجاز عدمُه، ويجوزُ عدمُ الزّمان لا يفتقرُ إلى زمان، كما في تقدّم بعض أجزائه على بعض. واحتجاج الكراميّة بأنّ عدمه ليس بالفاعل، لأنّ الأعدام إن كان وجوديّاً لم يكن عين عدم العالم، بل مفضياً له، فيكون أعداماً بالضّدّ، وإن لم يكن وجوديّاً امتنع إسناده إلى المؤثّر، إذ لا فرقَ بينَ لا أثر له وبين أثر العدم، ولا بالضّد، لأنّ حدوثه متوقفٌ على انتفاء الضّدّ الآخر.

فلو علّل انتفاء الضّدّ بحدوث هذا دار، ولأنّه ليس انتفاء أحدهما بالآخر أولى من العكس، وقوّة الحادث لتعلّق السّبب مشتركة، ولا بعدم (2) الشّرط إذ ليس إلاّ العرض، فيكون الجوهرُ محتاجاً إلى العرض. وهو دورٌ باطلٌ؛ لأنّ الأعدام ليس وجوديّاً.

____________________

(1) ب: المسلمون.

(2) ب: لعدم/ ج: العدم.

٢١٢

والفرق بين نفي الفعل وفعل العدم ظاهرٌ، فإنّ الأوّل حكم بعدم صدور شيء البتة، وأنّ الحال مستمرّ على ما كان، والثّاني حكمٌ بصدوره عن الفاعل.

وبتجدد العدم بعد أن لم يكن والعدمان يتمايزان: إمّا بالانتساب إلى وجودين أو بانتساب أحدهما خاصّةً. والحادث لا يتوقفُ على عدم الباقي، بل عدم الباقي معلولُ الحادث والحاجة، وإن اشتركت إلاّ أنّ الموجد أقوى من المبقيّ.

لأنّ الإيجاد إعطاء الوجود الّذي لم يكن أصلاً. والتّبقية حفظ الوجود الحاصل. ولكونه أقوى يترجّح الحادث ويُعدم المرجوح ويمنعُ انحصار الشّرط في العرض، (1) لجواز أن يكون عدميّاً.

سلّمنا، لكن جهة الاحتياج مختلفةٌ، فإنّ الجوهر المعيّن (2) محتاجٌ إلى عرض مّا، لا بعينه، والعرض المُعيّن محتاج إلى جوهر معيّن.

تذنيبٌ

ذهب جمهورُ المتكلّمين إلى أنّ العالم يُعدم، لقوله تعالى: ( كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ) (3) ، ( كُلّ شي‏ءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ ) (4) ، ( هُوَ الْأَوّلُ

____________________

(1) ج: العوض.

(2) ج: للعين.

(3) الرحمن: 55/26.

(4) القصص: 28/88.

٢١٣

وَالْآخِرُ ) (1) ، ( كَمَا بَدَأْنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) (2) ولمّا كان الابتداء عن عدم فكذا الإعادةُ.

وقال أبو الحسين البصريّ: إنّه لا يُعدم بل يتفرقُ أجزاؤه؛ لأنّه (3) لو عُدم لم يَعُد، والتّالي باطلٌ فالمقدّم مثله. أمّا الشّرطيّة، فلما يأتي. وأمّا بطلان اللازم؛ فلأنّ المكلّف يستحقّ الثّواب. فلو لم يعد لزم الظلم، وللعلم الضّروريّ من دين محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وتواتر الآيات الدّالّة عليه.

____________________

(1) الحديد: 57/3.

(2) الأنبياء: 21/104.

(3) ج: إلاّ أنّه.

٢١٤

المطلبُ الثّالث

في إمكان إعادة المعدوم

اختلف النّاسُ في ذلك، فذهب الجمهورُ إليه؛ لأنّ ماهيّته قابلةٌ للوجود والعدم، فأمكن تعاقبُهما (1) عليه، وإلاّ لانقلب (2) الإمكان الصّرف إلى أحد قسيميه، وهو باطلٌ بالضّرورة.

وذهبت الفلاسفة وأبو الحسين البصريُّ والكراميّةُ إلى امتناع إعادته لأنّه نفيٌ محضٌ، فلا يصحّ الحكمُ عليه بصحّة العود، ولأنّه لو وجد لم يتميّز عن مثله، ولأنّه لو أعيد لأعيد وقته، فيكون مبتدأً معاداً.

والجوابُ: لو لم يصح الحكم عليه بإمكان العود لامتنع الحكم عليه بامتناعه، ولأنّ الحكمَ يستدعي الثّبوت الذّهنيّ، وعدمُ الامتياز عندنا لا يقتضي عدمه في نفس الأمر، ويصحّ الحكمُ عليه بالإعادة والابتداء باعتبارين.

____________________

(1) ج: يعاقها.

(2) ج، ب: لانتقل.

٢١٥

المطلب الرّابع

في ثبوت المعاد

اتفق المسلمون كافّةً على إثبات المعاد البدنيّ. أمّا من جوّز إعادة المعدوم فظاهرٌ؛ لأنّه ممكنٌ، والله - تعالى - أخبر بوقوعه. وأمّا من منع من إعادة المعدوم فإنّه يقول: الإعادةُ بمعنى جمع الأجزاء بعدَ تفريقها. وهو في نفسه ممكنٌ أيضاً. أمّا بالنّظر إلى القابل، فلأنّ الجسمَ قابلٌ للأعراض القائمة به، وهذا القبول (1) ذاتيّ؛ وأمّا بالنّظر إلى الفاعل، فلأنّه - تعالى - عالمٌ بكلّ المعلومات، فيعلمُ أجزاء كلّ شخص، وهو قادرٌ على جميع المقدورات فيجمعُ أجزاء كل بدن، ويخلقُ فيها (2) الحياةَ.

ومنع الأوائل من المعاد البدنيّ، لأنّ حدوثَ المزاج يقتضي حدوثَ نفس، فيتعلقُ نفسان ببدن واحد، ولأنّ إنساناً لو أكل آخر ضاع أحدهما.

والجوابُ ما تقدّم من المنع من وجود النّفس ومن تعلّقها ببدن مستعدّ لنفس ثانية، والمأكول أجزاء فاضلة (3) بالنّسبة إلى الآكل.

____________________

(1) ألف: لقبول.

(2) ب: فيه.

(3) ألف: فاصلة.

٢١٦

تنبيهٌ

كلُّ مَن له حقّ على الله - تعالى - وعلى غيره يجبُ إعادتُه للانتصاف منه، وقد أجمع المسلمون على إعادة الكفّار وأطفال المؤمنين وإن لم يستحقّوا عوضاً ولا يستحقّ عليهم عوضٌ.

تذنيبٌ

سائر السّمعيات من عذاب القبر، والصّراط، والميزان، وتطاير الكتب، وإنطاق الجوارح، وأحوال الجنّة والنّار، أُمورٌ ممكنةٌ، وقد أخبر الصّادقُ بوقوعها، فتقعُ.

٢١٧

المطلب الخامس

في الوعد والوعيد

اتّفق أهل العدل إلاّ الكعبيّ على أنّ المطيعَ يستحقٌّ بطاعته الثّوابَ، خلافاً للأشعريّة، وإلاّ لكان التّكليفُ قبيحاً، لما مرّ (1) من المشقّة من غير عوض. وذلك العوض إن صحّ الابتداء بمثله كان التّكليف عبثاً، فهو ممّا لا يصحّ الابتداء به، وهو الثّواب.

احتجّوا: بأنّ الطاعة لو أوجبت الثّوابَ لأثيب المرتدّ لو (2) مات على ردّته ثوابَ المؤمن، والتّالي باطلٌ إجماعاً، فكذا المقدّم.

بيانُ الشّرطيّة: أنّه بإيمانه يستحقّ الثّوابَ، فلابُدّ من إيصاله إليه.

والجوابُ: أنّ استحقاق الثّواب يتوقّف على الموافاة، واتّفق أهلُ العدل على أنّ العاصي يستحقّ بمعصيته العقاب، خلافاً للأشعريّة، فعند المُرجئة وبعض الإماميّة أنّ العلم به مُستفادٌ من السّمع. وعند المعتزلة وبعض الإماميّة أنّه مُستفادٌ من العقل، لما فيه من اللّطف، لأنّ العلمَ بالعقاب

____________________

(1) ب: فيه.

(2) ب: إذا.

٢١٨

على ترك الطاعة وفعل المعصية يُقرّبُ إلى فعل الطاعة وترك المعصية، فلابُدّ من العلم بالعقاب؛ ولأنّه - تعالى - أوجب أفعالاً فإمّا لما فيها من النّفع. وهو باطلٌ بالنّوافل أو لما في تركها من الضّرر، وهو المطلوب.

فائدةٌ

ذهبت المعتزلة ومن وافقها من الاماميّة إلى أنّ العلمَ بدوام الثّواب والعقاب عقليّ، لأنّ المكلّفَ معه يكون أقربَ إلى فعل الطاعة وترك القبيح، فيكونُ أدخلَ في باب اللّطف، فيكونُ أدخلَ في باب الوجوب، ولأنّ المقتضي للثّواب والعقاب والمدح والذّمّ هو الطاعةُ والمعصية، فلمّا كان المدحُ والذّمُّ دائمين وجب دوام الآخرين، لاستلزام دوام المعلول دوامَ علّتها المستلزم لدوام معلولها.

ذهبت المرجئةُ ومن وافقها من الإماميّة إلى أنّه سمعيّ.

تنبيهٌ

يجوزُ توقّف الثّواب على شرط، وإلاّ لكان مَن عرف اللهَ تعالى، ولم ينظر في أمر النبيّ فلم يعرفه، مُستحقّاً للثّواب، والتّالي باطلٌ إجماعاً، فالمقدّمُ مثله.

بيانُ الشّرطيّة: أنّ معرفةَ الله - تعالى - طاعةٌ مستقلّةٌ بنفسها. فلو لم يكن الاستحقاقُ مشروطاً لزم إثابةُ المكذّب للنّبيّ، وهو باطلٌ.

٢١٩

تذنيبٌ

استحقاقُ الثّواب مشروط بالموافاة أو ساقطٌ بالعقاب، لقوله تعالى: ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ ) (1) ، وليس لأنّ العمل وقع باطلاً لتعليق البطلان بالشّرك، فإن كان الاستحقاقُ ثابتاً كان معنى البطلان سقوط الثّواب المستحقّ بالشّرك المتجدّد، وإن لم يكن كان معنى بطلان العمل عدمَ الإتيان بشرط الاستحقاق الّذي هو الموافاةُ، فلم يستحقّ الثّواب، فيكون العملُ باطلاً.

____________________

(1) الزمر: 39/65.

٢٢٠