تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس23%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82088 / تحميل: 5963
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهذه النظرية اختارها ابن البطريق (ت ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ)(١) ، ووافقه عليها غيره .

وإذا ثبت أنّ معنى المولى هو الأولى بالشيء ، يكون ذلك هو المراد من آية الولاية ؛ لأنّه المعنى الوحداني والأصل للفظ الولي ، وتختلف الموارد بحسبها ، فيكون مفاد آية الولاية مفاد قوله تعالى :( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (٢) ، الأولى بالتصرّف ، ويشهد لذلك ما نقله ابن منظور في لسان العرب ، عن ابن الأثر قوله : ( وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي )(٣) ، وقريب من هذا المعنى ما ذكره بعض اللغويين في معاجمهم اللغوية .

الاستدلال على المستوى القرآني :

إنّ الآية المباركة :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) تضمّنت دلالات وافرة لإثبات المطلوب ، ومراعاة للاختصار نكتفي بالإشارة المفهمة لبعض منها :

١ – إنّ صيغة التعبير في الآية الشريفة جعلت الولاية بمعنى واحد ، حيث قال :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ و ) فلو كانت ولاية الله تعالى تختلف عن ولاية( الّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لكان الأنسب في التعبير أن تفرد بالذكر ولاية أخرى للمؤمنين ؛ لكي تحول

ـــــــــــــ

(١) عمدة عيون الأخبار ، ابن البطريق : ص ١١٤ ـ ١١٥ .

(٢) الأحزاب : ٦ .

(٣) لسان العرب : ابن منظور : ج ١٥ ص ٤٠٧ ؛ النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ٢٢٧ .

٦١

دون وقوع الالتباس ، نظير قوله تعالى :( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) ، فكرّر لفظ الإيمان في الموضعين ؛ بسبب تكرّر معنى الإيمان وتغايره فيهما .

إذن لابد أن تكون الولاية في الآية المباركة بمعنى واحد في جميع الموارد التي ذكرت فيها ، وهي الأصالة لله تعالى ، وبالتبع لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .

وولاية الله تعالى في الآية المباركة ولاية عامّة وشاملة لولاية التصرف ، والتدبير ، والنصرة وغيرها ، قال تعالى حكاية عن نبيّه يوسفعليه‌السلام :( أنت وليّي في الدّنيا والآخرة ) (٢) ، وقال عزّ وجلّ :( فَمَا لَهُ مِن وَلِيّ مِن بَعْدِهِ ) (٣) ، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك .

٢ ـ إنّ الولاية التي هي بالأصل لله عزّ وجلّ جعلها لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبع ، فلرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولاية العامّة على الأمة ، من الحكم فيهم ، والقضاء في جميع شؤونهم ، وعلى الأمة التسليم والطاعة المطلقة بلا ضيق أو حرج ، كما في قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥) .

خصوصاً وإنّنا لا نجد القرآن يعدّ النبي ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٦١ .

(٢) يوسف : ١٠١ .

(٣) الشورى : ٤٤ .

(٤) النساء : ٥٩ .

(٥) الأحزاب : ٣٦ .

٦٢

وهذا المعنى من الولاية الثابتة لله تعالى ورسوله ، عُطفت عليه ولاية :( الذين آمنوا ) ، وهذا يعني أنّ الولاية في الجميع واحدة ؛ لوحدة السياق وهي ثابتة لله عزّ وجلّ بالأصالة ، ولرسوله وللذين آمنوا بالتبع والتفضّل والامتنان .

إذن الولاية الثابتة في الآية لعليعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وإنّ معنى الولي في الآية تعني الأولى بالتصرّف ، وممّا يؤكّد ذلك مجيء لفظ ( وليّكم ) مفرداً ونسب إلى الجميع بمعنى واحد ، والوجه الذي ذكره المفسّرون لذلك هو أنّ الولاية ذات معنى واحد ، لله تعالى أصالة ولغيره بالتبع .

الاستدلال على المستوى الروائي :

هناك عدّة من القرائن والشواهد الروائية لإثبات المطلوب :

أوّلاً : لو كانت الولاية الثابتة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى النصرة ، لما وجد فيها مزيد عناية ومزيّة ومدح لعليعليه‌السلام ؛ لأنّها موجودة بين جميع المؤمنين :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، وعليعليه‌السلام كان متصفاً بهذه المحبّة والنصرة للمؤمنين منذ أن رضع ثدي الإيمان مع صنوه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن لو أمعنّا النظر في الروايات الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقيب

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٧١ .

٦٣

نزول آية الولاية ، لوجدنا أنها تثبت مويّة ومنقبة عظيمة لعليعليه‌السلام ، ففي الرواية أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول الآية :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه ) (١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية أيضاً :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (٢) ، إذاً في الآية الكريمة مزيد عناية تفترق عن تولّي المؤمنين بعضهم لبعض ، وليس تلك المزيّة العظيمة إلاّ ولاية التصرّف والإمرة .

ثانياً : إنّ الولاية التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، هي ولاية تدبير وتصرّف ؛ لأنّها نفس ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه من كيفية إعلان الولاية من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث قال :( ألست أولى بكم من أنفسكم ) ، وهذه الولاية ـ التي هي ولاية تصرّف ـ هي نفسها الولاية التي تثبتها الآية الشريفة :( إنّما وليّكم ... ) لعليعليه‌السلام .

من هنا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقّب ـ بعد نزول آية الولاية في حقّ عليعليه‌السلام ـ بقوله :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) ،

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٦ .

(٢) مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ص ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ، سنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٤٣ ح ١١٦ ؛ الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ـ ص ١٠٨ ص ١٦٤ ؛ وقال فيه : ( عن سعيد بن وهب رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً ؛ فراجع .

٦٤

وهذا يكشف عن كون الولاية ولاية تصرّف ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار ذلك الحشد المتنوع من الروايات الذي يؤكّد على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقرن طاعته بطاعة الله ورسوله ، كل ذلك يكشف عن أن ولايتهعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وأنّه الأولى بالتصرّف ؛ لذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليعليه‌السلام :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاعك فقد أطاعني ، ومَن عصاك فقد عصاني ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ؛ فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ) ، قال الحاكم أيضاً : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٢) .

وعن عبد الرحمان بن عثمان قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب ، وهو يقول : (هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَن نصره مخذول مَن خذله ، ثم مدّ بها صوته ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

وغيرها الكثير من الروايات التي تشاركها بالمضمون ذاته .

ثالثاً : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب من الله تعالى أن يشدّ عضده بأخيه

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر : ٤٢ : ص ٣٠٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٣) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٩ .

٦٥

عليعليه‌السلام ، كما شدّ الله تعالى عضد موسىعليه‌السلام بأخيه هارونعليه‌السلام ، فنزلت الآية :( إنّما وليّكم ) بشرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بجعل عليعليه‌السلام وليّاً وخليفة من بعده ، وهذا يدلل على أنّ الولاية لعليعليه‌السلام لم تكن مجرّد نصرة ومحبّة ، بل كانت ولاية أولوية بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الحال في هارونعليه‌السلام ، باعتبار أولويته بالأمر والإمرة بعد موسىعليه‌السلام ، عندما خلّفه في قومه .

رابعاً : احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أولويته بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآية الولاية ، حيث قالعليه‌السلام مخاطباً لجمع من الصحابة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنشدكم الله : أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وحيث نزلت : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) ، قال الناس : يا رسول الله : أخاصّة في بعض المؤمنين ، أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم ، وزكاتهم ، وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم ) (١) وهذا يكشف عن كون المراد بالآية هو الأولى .

وبذلك يتحصّل أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، وأنّ الآية بصدد جعل الولاية لعليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ص ٢٢٢ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي : ج ١ ص ٣٤٦ ، شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٢٩٥ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ .

٦٦

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟

الشبهة :

الشيعة يستدلّون بشأن نزول آية الولاية على الإمامة ؟

الجواب :

بعد أن أطبقت الأمّة وأجمع المحدّثون والمفسّرون على نزول الآية المباركة في الإمام عليعليه‌السلام مع صراحة الآية في إثبات الولاية ، ومباركة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليعليه‌السلام بقوله :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي النعمة ) ، لا يبقى أي مجال لمثل هذه التشكيكات والشبهات ، سواء كان الاستدلال بالآية استدلالاً مباشراً ، أم كان عن طريق شأن النزول ، الذي هو عبارة عن الأحاديث المتواترة والصحيحة والصريحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أمرنا الله تعالى بالتمسّك بها بقوله :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، وعليه فلا ينبغي التهاون والتقليل من شأن هذه الأحاديث القطعيّة ، كما يظهر ذلك من كلام صاحب الشبهة .

ويمكن أن نحقق استيعاباً جيداً لمسألة ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ وذلك من خلال الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تعرّضت لبيان هذا المعنى ، فضلاً عمّا أشاعته آية الولاية من مناخ سائد حيال هذه المسألة ، من تقديم التهاني والتبريكات من قِبل الصحابة إلى عليعليه‌السلام الصحابة وإنشاد الشعر والمديح بهذه المناسبة العظيمة ، وهذا يكفي لسدّ كل منافذ الريب والتشكيك ، ومعالجة ما يطرأ على الأذهان من التباسات .

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

٦٧

الخلاصة

لا مجال لمثل هذه التشكيكات ، بعد أن أجمعت الأمة على نزول الآية في شأن عليعليه‌السلام ، وسواء كان الاستدلال بالآية ذاتها أم من طريق شأن النزول الثابت قطعاً كونه بخصوص عليعليه‌السلام فهو يثبت المطلوب ، ولا معنى للإصغاء لمثل هذه الأوهام .

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

الشبهة :

إنّ علياً كان فقيراً فكيف يتصدّق بالخاتم إيتاءً للزكاة ؟

الجواب :

ما أكثر المدّعيات التي تُرفع من دون أي دليل ولا برهان يدعمها ، ومن أغرب المدّعيات التي تُثار للتشكيك في صحّة نزول آية الولاية في الإمام عليعليه‌السلام هذا الإشكال الآنف الذكر ، إلا أنّنا توخّياً لدرء مثل هذه التشكيكات التي تطرأ على بعض الأذهان نقول :

أوّلاً : إنّ لفظ الزكاة لغةً شامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى ، ونلمس هذا المعنى في عدّة من الآيات المباركة ، وكقوله تعالى:( وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً ) (١) ، وكذا ما قاله القرآن بحق إبراهيم وإسحاق ويعقوبعليهم‌السلام :( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ ) (٢) ، وغيرها من الآيات التي تشاركها في المضمون ، ومن المعلوم أنّه ليس في شرائعهمعليهم‌السلام الزكاة المالية المصطلحة في الإسلام .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٣١ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

٦٨

ومن هنا فقد استعمل القرآن لفظ الزكاة في الآية الشريفة بمعناها اللغوي الشامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى أي الزكاة المستحبّة ( زكاة تطوّع ) ؛ ولذا نرى أنّ الجصاص ـ في أحكام القرآن ـ فهم أنّ المراد بالزكاة في الآية ، هي زكاة التطوّع ، حيث قال : ( قوله تعالى :( وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ، وهو نظير قوله تعالى :( وَما آتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (١) .

ثانياً : لو فرضنا أنّ المراد من الزكاة في الآية هي الزكاة الواجبة ، فليس من الغريب أن يمتلك الإمام عليعليه‌السلام أوّل نصاب من مال الزكاة وهو مقدار (٢٠٠ درهم) ، ومَن ملك ذلك لا يعدّ غنيّاً ، ولا يُطلق عليه اسم الغني شرعاً .

ثالثاً : بعد أن ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بإجماع الأمة واتفاق المفسّرين والمحدّثين ، ولم ينكر أحد على الإمام عليعليه‌السلام تصدّقه بالخاتم ، وإنّما الكل فهم المزيّة والكرامة لهعليه‌السلام لا يبقى أي مجال للإنكار والتشكيك .

ومن هنا نلاحظ أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بادر المباركة للإمام عليعليه‌السلام عقيب نزول الآية الكريمة ، وقام الشعراء بإنشاء القصائد الطافحة بالمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، كل ذلك نتيجة طبيعية للمناخ الذي أشاعته الآية في أوساط المسلمين ، من إثبات الولاية للإمام عليعليه‌السلام ، فإذا ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بالدلائل والبيّنات القاطعة لا معنى للاستنكار والتشكيك ، خصوصاً وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمد الله على هذه النعمة التي اتمّها لعليعليه‌السلام ، وبارك الصحابة بأقوالهم وأشعارهم للإمام عليعليه‌السلام تلك المنقبة .

ـــــــــــــ

(١) أحكام القرآن ، الجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ .

٦٩

الخلاصة

١ – إنّ لفظ الزكاة شامل لكلّ إنفاق لوجه الله تعالى واستعملها القرآن بذلك .

٢ ـ لو سلّمنا أنّ لفظ الزكاة في الآية استعمل في الزكاة الواجبة التي هي أقلّ نصابها ٢٠٠ درهم ، فإنّ مَن يملك هذا المبلغ لا يُعدّ غنيّاً شرعاً .

٣ – قام الإجماع على نزول آية الولاية في حق الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينكر أحد آنذاك ما استنكره صاحب الشبهة ، بل أنشد الشعر والمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، مع مباركة الصحابة .

آية البلاغ تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

الشبهة :

إنّ استدلال الشيعة بآية البلاغ على الإمامة يبطل كل الاستدلالات السابقة التي يستدلّون بها ؛ لأنّ آية البلاغ مدنية ، فتدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً .

الجواب :

أوّلاً : لابد أن نفهم كيفية تعاطي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم والمبادئ الإسلامية المهمّة التي تمثّل الأساس في منظومة الدين الإسلامي ، والتي ينبغي التأكيد عليها من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من غيرها ، ومن جملة المفاهيم الأساسية هي الإمامة ، حيث نلمس غاية الانسجام ومنتهى الملائمة بين جميع البيانات السابقة لإثبات الإمامة والتنصيص عليها ، فكل تلك المواقف والبيانات كانت تتناسب مع خطورة وأهميّة مبدأ كمبدأ الإمامة والولاية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلابد من تأسيسه وتشييد أركانه وجعله وعياً إسلامياً عاماً ، وآية البلاغ جاءت ضمن ذلك السياق وتلك الخلفية ، فهي نزلت في ذلك الظرف لتحمل في طيّاتها العديد من الأمور المهمّة التي تتعلّق بحقيقة الإمامة ، منها :

٧٠

١ ـ أنّها جاءت لتصرّح بقضية مهمة جداً ، وهي أنّ ترك تنصيب علي بن أبي طالبعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأكملها ، وهذا ما يتجلّى واضحاً عند التأمّل في الآية :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١) ، وعلى ضوء ذلك تعرف السر في نزول هذه الآية المباركة في أواخر حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث تكشف عن أهمية الإمامة والولاية في المنظومة الدينية ، ومن هذا المنطلق يظهر لك سبب ذلك الحشد المتنوّع من النصوص القرآنية والروائية التي تؤكّد على ضرورة وأهمية موقع الإمامة في الإسلام بأجمعه ؛ ذلك لكي ينطلق الإسلام في قيادة جديدة تكون في جميع مجالاتها وآفاقها امتداداً للقيادة النبوية ، لتبقى المسيرة مستمرة والرسالة محفوظة .

وممّا يؤكّد أهمية الإمامة والولاية هو ما نجده واضحاً في أقوال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تبليغ مقام الولاية وتعيين الولي للناس ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فليبلّغ الشاهد الغائب ) (٢) ، فإنّ اهتمامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشديد في إيصال خطابه الشريف إلى جميع المسلمين يكشف عن خطورة الأمر ، وأنّه ممّا تتوقّف عليه ديمومة الإسلام .

بالإضافة إلى ما يكتنف الآية المباركة من القرائن الحالية الكثيرة والواضحة الدالة على أهمية هذا الأمر ، وتأثيره المباشر على مسيرة الإسلام ، كنزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرّ الهجير والسماء صافية ، والمسلمون واقفون على الحصباء والرمضاء التي كادت تتوقّد من حرارة الشمس ، حتى أنّه نقل الرواة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحر وضع بعض الناس ثوبه على رأسه ، وبعضهم استظلّ بمركبه ، وبعضهم استظلّ بالصخور ، ونحو ذلك .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٦٧ .

(٢) كما جاء ذلك في أكثر المصادر الروائية والتفسيرية التي نقلت حديث الغدير ، وقد ذكر ابن حجر أنها (قد بلغت التواتر) ، لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني : ج ١ ص ٣ .

٧١

وكذلك أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع مَن تقدّم ، وتقدّم مَن تأخّر .

مضافاً إلى حضور ذلك الجمع الغفير من الصحابة والمسلمين الذين حضروا لأداء مناسك الحج من سائر أطراف البلاد الإسلامية ، وغير ذلك من الأمور التي تدل على خطورة الأمر وأهميته .

٢ ـ إنّ آية البلاغ التي بلّغها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر حياته ، جاءت تحمل في طيّاتها الإشارة إلى قضية مهمة جداً في الدين الإسلامي ، وهي تحديد معالم أطروحة الإمامة في الإسلام ، مؤكّدة على أنّ الإمامة شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية منها والحكومية والمرجعية وغيرها ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو موضع النزاع مع أتباع مدرسة الخلفاء ، حيث إنّهم يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط ، فإذا لم يستلم الحكومة لا يكون إماماً ، على خلاف معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، التي تعتقد أنّ منصب الحاكمية يمثّل أحد أبعاد الإمامة لا جميعها .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاء تبليغها بصيغة الإعلان الرسمي للولاية والإمامة والتتويج العام للإمام عليعليه‌السلام أمام المسلمين ، ويشهد لذلك كيفية التبليغ ، حيث جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس وأمر أن يردّ مَن تقدم منهم ومَن تأخّر عنهم في ذلك المكان ، وجمعت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقتاب الإبل وارتقاها آخذاً بيد أخيه عليعليه‌السلام معمّماً له أمام الملأ صادعاً بإبلاغ الولاية ، ثم إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب بنفسه البيعة من الناس لعليعليه‌السلام ، وبادر الناس لبيعتهعليه‌السلام وسلّموا عليه بإمرة

٧٢

المؤمنين ، وهنّأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّاًعليه‌السلام ، وأوّل مَن تقدّم بالتهنئة والبخبخة ، أبو بكر ثم عمر بن الخطاب وعثمان و...(١) ، وقد روى الطبري في كتابه الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤدّيه إلى أولادنا وأهلنا لا نبتغي بذلك بدلا ) (٢) .

ثم استئذان حسان بن ثابت من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنظم أبيات في الواقعة تدل على أنّه لم يفهم من الحديث غير معنى الخلافة والولاية .

وكذلك يؤكّد كل ما قلناه احتجاج أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بحديث الغدير في مواضع عديدة ، حيث كان يحتج على أولئك الذين تركوا وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهعليه‌السلام : (أنشدكم بالله أمنكم مَن نصّبه رسول الله يوم غدير خُم للولاية غيري ؟ قالوا : اللهم ، لا ) ، وفي موضع آخر ( قال :أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، ليبلغ الشاهد الغائب ، غيري ؟ قالوا : اللّهمّ ، لا )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ٢٠٣ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ح ١٢٠ ؛ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص ٣٦ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٥ ص ٨ ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ؛ وغيرها .

(٢) كتاب الولاية : محمد بن جرير الطبري : ص ٢١٤ ـ ٢١٦ .

(٣) انظر : مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ؛ ج ٤ ص ٣٧٠ ؛ ج ٥ ص ٣٧٠ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٤ ، ص ١٠٧ ؛ المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٤٩٩ ؛ كتاب السنّة : عمرو بن أبي عاصم : ص ٥٩١ ، ص ٥٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٩٦ ؛ مسند أبي يعلى : ج ١ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٥٦٧ ؛ ج ١١ ص ٣٠٧ ح ٦٤٢٣ ؛ المعجم الصغير : الطبراني : ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٥ ؛ المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٣٢٤ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٧١ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٣٣٢ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٩٥ ؛ وغيرها .

٧٣

٤ ـ لم يكتف الله تبارك وتعالى بكل البيانات السابقة من النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنزل في ولاية عليعليه‌السلام تلك الآيات الكريمة تتلى على مرّ الأجيال بكرةً وعشيّاً ؛ ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين ، وليعرفوا رشدهم والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم ويتبعوه في قيادته .

٥ ـ لو اقتصر في تبليغ الإمامة على تلك البيانات الخاصة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصرة على حضور بعض الصحابة ؛ لضاعت وأصبحت روايات ضعافاً ، ولما وصلت إلينا بشكل واضح ومتواتر كما جاءتنا آيات وروايات البلاغ ؛ وذلك بسبب منع تدوين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهد الخلفاء ، ولتولّي بني أمية وأعداء أهل البيتعليه‌السلام تدوين الحديث فيما بعد .

الخلاصة

أوّلاً : إنّ تعاطي القرآن الكريم والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم الأساسية في الإسلام ـ كالإمامة ـ يختلف عن غيرها من المفاهيم الأخرى ؛ ولذا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكّد عليها مراراً وشيّد أركانها ، مستثمراً كل مناسبة يمكن استثمارها في ذلك ، ومن هنا نلتمس أسباب كثرة البيانات والتصريحات المتكرّرة من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذلك لكي يكون الاهتمام والتبليغ متناسباً مع أهمية ذلك الأمر ؛ ولذا نرى الانسجام والملائمة بين التبليغات النبوية ، والآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد ، وبالخصوص آية البلاغ التي جاءت ضمن الاهتمامات القرآنية بمسألة الإمامة ، وقد حملت آية البلاغ العديد من المعطيات المهمة في مسألة الإمامة ، منها:

١ ـ إنّ الآية المباركة جاءت لتبيّن أنّ ترك تنصيب الإمام عليعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأجمعها ، كما هو واضح من قوله تعالى :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ) وممّا يؤكّد أهمية هذا التبليغ للإمامة ملاحظة الظروف التي رافقت عملية التبليغ من شدّة الحرّ ، وأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع المتقدّم ولحوق المتأخّر ، والجمع الغفير الذي حضرها ، كل ذلك يدل على أهمية الأمر وخطورته .

٧٤

٢ ـ إنّ تبليغ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للآية في أواخر حياته جاء مؤكّداً على بيان أطروحة الإمامة في الإسلام ، وأنّها شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية والدينية والحقوقية والقضائية ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو محل النزاع بين السنّة والشيعة ، حيث إنّ السنّة يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاءت بصيغة الإعلان الرسمي لولاية الإمام عليعليه‌السلام كما هو واضح من خلال عملية التنصيب وطريقته ومباركة الصحابة له بالولاية وإنشاء الشعر ونحوها ، وكذلك احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير في مناسبات عديدة على أحقّيّتهعليه‌السلام في الخلافة .

ثانياً : إنّ الله تعالى لم يقتصر على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبليغ لولاية الإمام عليعليه‌السلام ، بل هنالك عدّة من الآيات جاءت مؤكّدة لتلك الولاية لتتلى بكرةً وعشياً على مرّ الأجيال ، وتكون شاهدة وحجّة عليهم .

ثالثاً : لو اقتصر في تبليغ الولاية على البيانات الخاصة المقتصرة على حضور بعض الصحابة ، سوف يُعرّضها ذلك للضياع ، لا سيّما مع ملاحظة منع تدوين السنّة ، أو تكون من الأخبار الضعاف ، ولذا كان تبليغها في واقعة الغدير كفيلاً بأن يجعلها تصل إلى حدّ التواتر وإجماع المسلمين ، الذي لا يمكن تجاوزه .

لا وجود لاسم علي في القرآن

الشبهة :

إنّ القرآن الكريم لم ينص على إمامة عليعليهم‌السلام وإلاّ لذكر اسمه فيه .

٧٥

تمهيد:

لكي تكون الإجابة واضحة لابد من الالتفات إلى نقطتين أساسيتين ، هما :

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء

لا ريب أن القرآن هو الكتاب المنزل لهداية الناس فيه تبيان كل شيء ، والسنّة النبوية مفصّلة ومبيّنة له ، قال تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) (١) ، فأحدهما مكمّل للآخر ، والإسلام كلّه ، من عقائد وأحكام وسائر علومه وأُصوله موجود في القرآن الكريم ، أمّا شرحه وتفسيره وتجسيده ، فنجده في سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال حديثه وسيرته المباركة ؛ ولذا نجد أنّ الله تعالى قرن طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، وكذلك قرن معصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعصيته تعالى ، حيث

ـــــــــــــ

(١) النحل : ٤٤ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٧٦

قال :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فَيهَا أَبَداً ) (١) ، وقوله تعالى :( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِي‏ءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال تعالى أيضاً :( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) ، وغيرها من الآيات الكريمة .

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الله تعالى لم يجعل الخيرة للمؤمنين فيما يقضي الله ورسوله به ، كما في قوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٤) ، وبيّن الله تعالى أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة على الخلق في قوله وفعله ، وأنّ الله جعله إماماً يقتدى به ، فقال تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٥) ، وقال أيضاً :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٦) ، وهذه مفردة مهمة جداً يجب الالتفات إليها جيداً .

وهناك روايات كثيرة متضافرة تؤكّد وتحث على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنهى عن الإعراض عن سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاكتفاء بالقرآن وحده ، وكان ذلك رائجاً ومعرفاً في أقوال الصحابة وتعاملهم ، من ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن علقمة ، عن عبد الله قال : ( لعن الله الواشمات

ـــــــــــــ

(١) الجن : ٢٣ .

(٢) الشعراء : ٢١٦ .

(٣) النساء : ٦٥ .

(٤) الأحزاب : ٣٦ .

(٥) الحشر : ٧ .

(٦) النجم : ٣ ـ ٤ .

٧٧

الموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيّرات خلق الله ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنّه بلغني أنّك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن مَن لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأت :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ؟ قالت : بلى ، قال : فإنّه قد نهى عنه )(٢) ، وكذا وردت هذه الرواية بنصها في صحيح مسلم(٣) .

ومن الروايات التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال ، ما جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ، ومسند أحمد عن أبي عبد الله بن أبي رافع عن أبيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) (٤) ، وفي مسند أحمد بلفظ( ما أجد هذا في كتاب الله ) (٥) .

ومنها ما ورد في مسند أحمد أيضاً ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا أعرفنّ أحداً منكم أتاه عنّي حديث وهو متكئ في أريكته ،

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٨٤ ح ٤٨٨٦ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٦٧٨ ح ٢١٢٥ باب تحريم فعال الواصلة والمستوصلة .

(٤) انظر : سنن أبي داود السجستاني ، باب لزوم السنّة : ج ٤ ص ٢٠٥ ح ٤٦٠٥ ؛ سنن الترمذي : ج ٤ ص ١٤٤ ح ٢٨٠١ ، كتاب العلم ؛ باب ما نهى عنه ؛ سنن ابن ماجه ، المقدّمة : ج ١ ص ٦ ـ ٧ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٥) مسند أحمد : ج ٦ ص ٨ .

٧٨

فيقول : أتلوا عليّ به قرآناً ) (١) ، وقال حسان بن ثابت ، كما في مقدّمة الدارمي : ( كان جبريل ينزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن )(٢) ، إلى غير ذلك من الروايات والأقوال ، وإنّما هذه نبذة عمّا ورد في الحثّ على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنهي عن مخالفته والتشديد على مَن يهمل السنّة بحجة الاكتفاء بكتاب الله .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم ، إلاّ أنّه لا يمكن معرفة تفاصيلها والوقوف على حقائقها من دون الرجوع إلى سنّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّنا في إقامة الصلاة ـ مثلاً ـ لا نعرف كيف نصلّي من دون أن نأخذ من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفيّتها وشروطها وعدد ركعاتها وسجداتها وأذكارها ومبطلاتها ، وكذلك في الحج ، حيث لا يمكن أداء مناسكه من دون الرجوع إلى سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيضاح شروطه وواجباته ومواقيته وأشواط الطواف وصلاته ، وتفاصيل السعي والتقصير وسائر مناسك الحج الأخرى .

إذن لابدّ من الرجوع إلى القرآن والسنّة النبوية معاً لأخذ تعاليم الإسلام منهما ، أمّا مَن أراد الاكتفاء بالقرآن وحده دون السنّة ، فأدنى ما نقول بحقّه : إنّه جاهل بما ورد في القرآن نفسه ، الذي يدعو لإطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ، وقد قال الألباني في هذا المجال : ( فحذار أيّها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٢ ص ٣٦٧ ؛ سنن ابن ماجه ، المقدمة : ج ١ ص ٩ ـ ١٠ ح ٢١ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٢) سنن الدارمي ، المقدّمة : ج ١ ص ١٤٥ ، باب السنّة قاضية على كتاب الله .

(٣) الحشر : ٧ .

٧٩

عن السنّة ، فإنّك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك )(١) ، فمقولة حسبنا كتاب الله مقولة مخالفة لصريح القرآن الكريم .

الجواب :

بعد تلك الإطلالة السريعة نقول لصاحب الشبهة بأنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يرجع إلى الأسباب التالية :

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة

إنّ عدم ذكر اسم علي في القرآن لعلّه لحكمة إلهية خفيت علينا ، إذ ما قيمة عقولنا كي تحيط بكل جوانب الحكم والمصالح الإلهية ، فكم من الأمور التي قد خفيت أو أُخفيت علينا مصالحها ، قال تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) ، والاعتراض على حكم الله تعالى خلاف التسليم والخضوع لأمره عزّ وجلّ .

ثانياً : الرسول الأكرم نصّ على إمامة عليعليه‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام باسمه الصريح كما في حديث الغدير المتواتر ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وغيرها في مواطن كثيرة جداً ، فإذا ثبت هذا بشكل قاطع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد أقام الحجّة علينا بأنّ الإمام بعده عليعليه‌السلام تثبت إمامته بلا ريب ، وإذا لم يذكر القرآن اسم عليّ

ـــــــــــــ

(١) صفة صلاة النبي ، الألباني : ص ١٧١ .

(٢) المائدة : ١٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

المطلب الثّاني

في وجوب عصمة الإمام

ذهب إليه الإماميّةُ والإسماعيليّةُ، خلافاً لباقي الفرق، وإلاّ لزم التّسلسل؛ إذ وجهُ الوجوب جوازُ الخطأ على الأمّة. فلو كان الرئيسُ كذلك افتقر إلى رئيس آخر، ويتسلسل.

ولأنّه حافظٌ للشّرع، فيجب أن يكونَ معصوماً.

أمّا الأولى فلأنّ الكتابَ والسّنة غيرُ وافيين بالأحكام الشّرعيّة ولوقوع النّزاع فيهما وتناهيهما وعدم تناهي الحوادث.

ولا الاجتماع، لجواز الخطأ، على كلّ واحد، فكذا المجموعُ.

ولا القياسُ، لأنّه ليس حجّة، إذ مبنى شرعنا على اتّفاق المختلفات، كاتّحاد البول والنّوم في الحكم، واختلاف المتّفقات، كإيجاب صوم آخر رمضان وإفطار أوّل شوّال، فلم يبق سوى الإمام؛ فلو جاز الخطأ عليه لم يبق وثوقٌ بقوله، لجواز خطئه وسهوه.

٢٠١

المطلب الثالث

في أنّه يجبُ أن يكونَ أفضلَ [ومنصوصاً]

لأنّه لو كان مساوياً لم يكن أولى بالرّياسة، ولو كان أنقصَ قبح تقديمه على الفاضل عقلاً، ولقوله تعالى: ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلاّ أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) فيكونُ أعلمَ وأشجعَ وأكرمَ وأزهدَ وأورعَ وأحلمَ، إلى غير ذلك من صفات الكمال. ويكونُ منزّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأُمّهات، لئلا يسقط محلّهُ من القلب.

ويجبُ أن يكونَ منصوصاً عليه، لأنَّ العصمة من الأمور الباطنة الّتي لا يعلمُها إلاّ الله تعالى. والنّصُّ إمّا بخلق مُعجزٍ على يده عقيبَ ادّعاء الإمامة، أو بتعيين المعصوم عليه، كنبيّ أو إمام.

____________________

(١) يونس: ١٠/٣٥.

٢٠٢

المطلب الرّابع

في أنّ الإمام بعدَ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)

هو عليٌّ (عليه السلام)

ذهبت الشّيعة إلى ذلك، لوجوهٍ:

ألف - إن كان الإمام يجبُ أن يكونَ معصوماً فهو عليّ (عليه السلام)، لكنّ المقدّمَ حقٌّ، لما سبق، فالتّالي مثله. وبيانُ الشّرطيّة، الإجماع؛ إذ لا قائل بعصمة غيره.

ب - تواترُ النّصّ من النّبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تنقله الشّيعة خَلفاً عن سلف - في قوله: ((سَلّموا عليهِ بإمرة المؤمنين)) (١) ، و((اسمَعوا وأطيعوا له)) (٢) ، و((أنتَ الخليفةُ مِن بَعدي)) (٣) .

ج - قوله تعالى: ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ... ) (٤) الآية ولفظة ( إنّما ) للحصر بالنّقل، ولبقاء الوضع وامتناع توارد النّقيضين على محلّ واحد، وورود النّفي على المذكور فتعيّن العكس.

____________________

(١) الغدير: ١/٩ - ١٢.

(٢) معاني الأخبار: ٣٥٢.

(٣) الصوارم المهرقة: ١٨٨.

(٤) المائدة: ٥/٥٥.

٢٠٣

والمراد بالـ(وليّ) هو الأولى بالتّصرّف عرفاً ووضعاً. والمرادُ: (البعضُ)، لاتّصافه بوصف خاصّ. فهو عليّ (عليه السلام) لانتفاء الوصف عن غيره، وثبوته فيه لمّا تصدّق بخاتمه (١) حال ركوعه.

د - تواتر النّقل عنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يومَ الغدير في قوله: ((ألستُ أولى منكم بأنفسكم،)) قالوا بَلى، قال: ((فَمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مَولاه، اللّهُمَّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداهُ، وانصُر مَن نصَرَه، واخذُل مَن خَذَله)). (٢) والمراد بالمولى: (الأولى). لسبق تمهيد القاعدة به ولامتناع إرادة غيره من معانيها، لاستحالة أن يجمع النّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الأُمّة وقتَ الهِجّير وينصبَ شبه المنبر ويأخذَ بعَضُد عليّ (عليه السلام) ويريدُ ((مَن كنتُ)) ابن عمّه، فهذا عليّ ابن عمّه؛ أو من كنت خليفتَه فهذا خليفته، أو من كنتُ ناصره فهذا ناصرُه. مع قوله تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (٣) .

هـ - قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((أنتَ منّي بمنزلة هارونَ من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)) (٤) ، والاستثناء يقتضي التّعميمَ. (٥)

ومن جملة منازله أنّه لو عاش بعده لكان باقياً على الخلافة، وإلاّ لزم هبوطُ منزلته، ولأنّه معصوم يستحقّ خلافته.

____________________

(١) ج: بخاتم.

(٢) عيون أخبار الرضا: ٢/٥٨.

(٣) التوبة: ٩/٧١.

(٤) الكافي: ٨/١٠٧، الحديث ٨٠.

(٥) ج: العموم.

٢٠٤

و - عليّ (عليه السلام) أفضل، فهو الإمام. أمّا الملازمةُ، فلِما تقدّم من قُبح تقديم المفضول. وأمّا صدقُ (الأولى)، فلانتساب العلماء بأسرهم إليه. وقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((أقضاكم عليٌّ)) (١) وهو مشروط بالعلم والزّهد، ولرجوع الصّحابة في وقائعهم إليه؛ وقول عمر في عدّة مواطن (لو لا عليّ لهلك عمر). (٢)

ولقضاياه الغريبة (كوزن قيد (٣) العبد بالماء) (٤) وقسمة ثمانية دراهم في قضيّة (الأرغفة الثّمانية) (٥) وإعطاء صاحب الثّلاثة درهماً والباقي للآخر، وغير ذلك من غرائب القضايا.

ولإجماع المفسّرين على أنّ المراد بقول ( وَأَنْفُسَنَا ) (٦) عليّ (عليه السلام)؛ والاتّحادُ مُحالٌ، فالمرادُ، المُساوي؛ ولخبر الطائر حين قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((اللهمّ إئت بأحبّ خَلقِك إليك يأكلُ معي من هذا الطائر)) (٧) .

واتّخذه أخاً لنفسه دونَ غيره من الصّحابة. وقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((مَن أرادَ أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى يوشع (٨) في تقواه وإلى إبراهيم في

____________________

(١) الغدير: ٣/٩٥ - ٩٨.

(٢) ذخائر العقبى: ٨٠ و٨٢.

(٣) ج: كوزن المقيدة الماء وضمّ.

(٤) راجع بحار الأنوار: ٤٠/٢٨٠ - ٢٨١.

(٥) راجع مناقب ابن شهر آشوب: ١/٣٢٩؛ كنز العمال: ٥/٨٣٥ برقم ١٤٥١٢.

(٦) آل عمران: ٣/٦١.

(٧) أمالي الصدوق: ٧٥٣، الحديث ٣، المجلس ٩٤؛ إرشاد المفيد: ١/٣٨؛ مستدرك الحاكم: ٣/١٣٢؛ المعجم الأوسط: ٢/٢٠٧ وج٦/٩٠ وج٧/٢٦٧.

(٨) ج: نوح.

٢٠٥

حمله (١) وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب)) (٢) ، وقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((عليّ خيرُ البشر، فمَن أبى فقد كفر)) (٣) ، وغير ذلك من الآثار والآيات مذكورٌ في كتاب النّهاية.

ز - الإجماع على أنّ أبا بكر والعبّاس كانا كافرين، فلا يصلحان للإمامة، لقوله تعالى: ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٤) وعليّ (عليه السلام) لم يسبق له كفرٌ، فتعيّن للإمامة.

____________________

(١) ج: فحكمه.

(٢) روضة الواعظين: ٢٨؛ الغدير: ٣/٣٥٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ٣/٤٩٣؛ تاريخ مدينة دمشق: ٤٢/٣٧٢.

(٤) البقرة: ٢/١٢٤.

٢٠٦

المطلب الخامس

في إمامة باقي الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام)

يدلّ عليه ما سبق في إمامة عليّ (عليه السلام) من وجوب العصمة والنّصّ والنّقل المتواتر (١) خَلفاً عن سَلفٍ بأنّ كلّ واحدٍ منهم نصّ على مَن بعده، وتواتر النّقل عن النّبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) - في قوله للحسين (عليه السلام): ((هذا ابني، إمامٌ، ابنُ إمام، أخو إمام، أبو أئمّة تسعة، تاسعُهم قائمُهم)) (٢) . وغيبةُ الإمام (عليه السلام) مُستندةٌ إلى منع المكلّفين أنفسهم اللّطفَ أو لمصلحة خفيّة (٣) استأثر الله - تعالى - بعلمها؛ ولا يُنافي اللّطف، لأنّ تجويزَ ظهوره في كلّ آنٍ زاجرٌ عن القبائح.

خاتمةٌ

يجب الأمرُ بالمعروف والنّهيُ عن المنكر إجماعاً، سمعاً على الأشهر، وإلاّ لما ارتفع معروفٌ ولما وقع منكرٌ، أو كان الله - تعالى - مُخلاًّ بالواجب، لأنّ الأمرَ بالمعروف هو الحملُ عليه، والنّهيَ هو المنعُ من المنكر. فلو وجبا

____________________

(١) ج: البقاء المنزلة.

(٢) دلائل الإمامة: ٢٤٠؛ إثبات الهداة: ٣/٦١٧ ح١٧٤؛ كشف اليقين: ١١٨.

(٣) ج: المصلحة خيفيّة.

٢٠٧

بالعقل لوجبا على الله تعالى، لأنّ كلّ واجبٍ عقليّ فهو واجبٌ على من حصل له (١) وجهُ الوجوب. ولهما شرائط: أن يعلمَ المعروفَ معروفاً والمنكرَ منكراً، وتجويز تأثير الإنكار وانتفاء المفاسد عنه وعن بعض المؤمنين.

____________________

(١) ج: على من قصده به.

٢٠٨

المرصدُ التّاسعُ

في المعاد

وفيه مطالب

٢٠٩

٢١٠

[المطلب] الأوّل

في إمكان خلق عالم آخر

اتّفق المليّون (١) عليه، خلافاً للفلاسفة، لتساوي المثلين (٢) في الأحكام، والإمكانُ من لوازم الماهيّة وللإجماع، ولقوله تعالى: ( أَوَلَيْسَ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ ) (٣) الآية.

احتجّوا بأنّ العالمَ كرةٌ، ويلزمُ الخلأ من وجود أخرى.

والصّغرى ممنوعةٌ ونمنع استحالةَ الخلأ ولزومه.

____________________

(١) ب، ج: المسلمون.

(٢) ج: المسلمين.

(٣) يس: ٣٦/٨١.

٢١١

المطلب الثّاني

في إمكان عدم العالم

اتفق المليّون (١) إلاّ الكراميّة عليه، خلافاً للفلاسفة، لأنّه ممكنٌ ومُحدثٌ فجاز عدمُه، ويجوزُ عدمُ الزّمان لا يفتقرُ إلى زمان، كما في تقدّم بعض أجزائه على بعض. واحتجاج الكراميّة بأنّ عدمه ليس بالفاعل، لأنّ الأعدام إن كان وجوديّاً لم يكن عين عدم العالم، بل مفضياً له، فيكون أعداماً بالضّدّ، وإن لم يكن وجوديّاً امتنع إسناده إلى المؤثّر، إذ لا فرقَ بينَ لا أثر له وبين أثر العدم، ولا بالضّد، لأنّ حدوثه متوقفٌ على انتفاء الضّدّ الآخر.

فلو علّل انتفاء الضّدّ بحدوث هذا دار، ولأنّه ليس انتفاء أحدهما بالآخر أولى من العكس، وقوّة الحادث لتعلّق السّبب مشتركة، ولا بعدم (٢) الشّرط إذ ليس إلاّ العرض، فيكون الجوهرُ محتاجاً إلى العرض. وهو دورٌ باطلٌ؛ لأنّ الأعدام ليس وجوديّاً.

____________________

(١) ب: المسلمون.

(٢) ب: لعدم/ ج: العدم.

٢١٢

والفرق بين نفي الفعل وفعل العدم ظاهرٌ، فإنّ الأوّل حكم بعدم صدور شيء البتة، وأنّ الحال مستمرّ على ما كان، والثّاني حكمٌ بصدوره عن الفاعل.

وبتجدد العدم بعد أن لم يكن والعدمان يتمايزان: إمّا بالانتساب إلى وجودين أو بانتساب أحدهما خاصّةً. والحادث لا يتوقفُ على عدم الباقي، بل عدم الباقي معلولُ الحادث والحاجة، وإن اشتركت إلاّ أنّ الموجد أقوى من المبقيّ.

لأنّ الإيجاد إعطاء الوجود الّذي لم يكن أصلاً. والتّبقية حفظ الوجود الحاصل. ولكونه أقوى يترجّح الحادث ويُعدم المرجوح ويمنعُ انحصار الشّرط في العرض، (١) لجواز أن يكون عدميّاً.

سلّمنا، لكن جهة الاحتياج مختلفةٌ، فإنّ الجوهر المعيّن (٢) محتاجٌ إلى عرض مّا، لا بعينه، والعرض المُعيّن محتاج إلى جوهر معيّن.

تذنيبٌ

ذهب جمهورُ المتكلّمين إلى أنّ العالم يُعدم، لقوله تعالى: ( كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ) (٣) ، ( كُلّ شي‏ءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ ) (٤) ، ( هُوَ الْأَوّلُ

____________________

(١) ج: العوض.

(٢) ج: للعين.

(٣) الرحمن: ٥٥/٢٦.

(٤) القصص: ٢٨/٨٨.

٢١٣

وَالْآخِرُ ) (١) ، ( كَمَا بَدَأْنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) (٢) ولمّا كان الابتداء عن عدم فكذا الإعادةُ.

وقال أبو الحسين البصريّ: إنّه لا يُعدم بل يتفرقُ أجزاؤه؛ لأنّه (٣) لو عُدم لم يَعُد، والتّالي باطلٌ فالمقدّم مثله. أمّا الشّرطيّة، فلما يأتي. وأمّا بطلان اللازم؛ فلأنّ المكلّف يستحقّ الثّواب. فلو لم يعد لزم الظلم، وللعلم الضّروريّ من دين محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وتواتر الآيات الدّالّة عليه.

____________________

(١) الحديد: ٥٧/٣.

(٢) الأنبياء: ٢١/١٠٤.

(٣) ج: إلاّ أنّه.

٢١٤

المطلبُ الثّالث

في إمكان إعادة المعدوم

اختلف النّاسُ في ذلك، فذهب الجمهورُ إليه؛ لأنّ ماهيّته قابلةٌ للوجود والعدم، فأمكن تعاقبُهما (١) عليه، وإلاّ لانقلب (٢) الإمكان الصّرف إلى أحد قسيميه، وهو باطلٌ بالضّرورة.

وذهبت الفلاسفة وأبو الحسين البصريُّ والكراميّةُ إلى امتناع إعادته لأنّه نفيٌ محضٌ، فلا يصحّ الحكمُ عليه بصحّة العود، ولأنّه لو وجد لم يتميّز عن مثله، ولأنّه لو أعيد لأعيد وقته، فيكون مبتدأً معاداً.

والجوابُ: لو لم يصح الحكم عليه بإمكان العود لامتنع الحكم عليه بامتناعه، ولأنّ الحكمَ يستدعي الثّبوت الذّهنيّ، وعدمُ الامتياز عندنا لا يقتضي عدمه في نفس الأمر، ويصحّ الحكمُ عليه بالإعادة والابتداء باعتبارين.

____________________

(١) ج: يعاقها.

(٢) ج، ب: لانتقل.

٢١٥

المطلب الرّابع

في ثبوت المعاد

اتفق المسلمون كافّةً على إثبات المعاد البدنيّ. أمّا من جوّز إعادة المعدوم فظاهرٌ؛ لأنّه ممكنٌ، والله - تعالى - أخبر بوقوعه. وأمّا من منع من إعادة المعدوم فإنّه يقول: الإعادةُ بمعنى جمع الأجزاء بعدَ تفريقها. وهو في نفسه ممكنٌ أيضاً. أمّا بالنّظر إلى القابل، فلأنّ الجسمَ قابلٌ للأعراض القائمة به، وهذا القبول (١) ذاتيّ؛ وأمّا بالنّظر إلى الفاعل، فلأنّه - تعالى - عالمٌ بكلّ المعلومات، فيعلمُ أجزاء كلّ شخص، وهو قادرٌ على جميع المقدورات فيجمعُ أجزاء كل بدن، ويخلقُ فيها (٢) الحياةَ.

ومنع الأوائل من المعاد البدنيّ، لأنّ حدوثَ المزاج يقتضي حدوثَ نفس، فيتعلقُ نفسان ببدن واحد، ولأنّ إنساناً لو أكل آخر ضاع أحدهما.

والجوابُ ما تقدّم من المنع من وجود النّفس ومن تعلّقها ببدن مستعدّ لنفس ثانية، والمأكول أجزاء فاضلة (٣) بالنّسبة إلى الآكل.

____________________

(١) ألف: لقبول.

(٢) ب: فيه.

(٣) ألف: فاصلة.

٢١٦

تنبيهٌ

كلُّ مَن له حقّ على الله - تعالى - وعلى غيره يجبُ إعادتُه للانتصاف منه، وقد أجمع المسلمون على إعادة الكفّار وأطفال المؤمنين وإن لم يستحقّوا عوضاً ولا يستحقّ عليهم عوضٌ.

تذنيبٌ

سائر السّمعيات من عذاب القبر، والصّراط، والميزان، وتطاير الكتب، وإنطاق الجوارح، وأحوال الجنّة والنّار، أُمورٌ ممكنةٌ، وقد أخبر الصّادقُ بوقوعها، فتقعُ.

٢١٧

المطلب الخامس

في الوعد والوعيد

اتّفق أهل العدل إلاّ الكعبيّ على أنّ المطيعَ يستحقٌّ بطاعته الثّوابَ، خلافاً للأشعريّة، وإلاّ لكان التّكليفُ قبيحاً، لما مرّ (١) من المشقّة من غير عوض. وذلك العوض إن صحّ الابتداء بمثله كان التّكليف عبثاً، فهو ممّا لا يصحّ الابتداء به، وهو الثّواب.

احتجّوا: بأنّ الطاعة لو أوجبت الثّوابَ لأثيب المرتدّ لو (٢) مات على ردّته ثوابَ المؤمن، والتّالي باطلٌ إجماعاً، فكذا المقدّم.

بيانُ الشّرطيّة: أنّه بإيمانه يستحقّ الثّوابَ، فلابُدّ من إيصاله إليه.

والجوابُ: أنّ استحقاق الثّواب يتوقّف على الموافاة، واتّفق أهلُ العدل على أنّ العاصي يستحقّ بمعصيته العقاب، خلافاً للأشعريّة، فعند المُرجئة وبعض الإماميّة أنّ العلم به مُستفادٌ من السّمع. وعند المعتزلة وبعض الإماميّة أنّه مُستفادٌ من العقل، لما فيه من اللّطف، لأنّ العلمَ بالعقاب

____________________

(١) ب: فيه.

(٢) ب: إذا.

٢١٨

على ترك الطاعة وفعل المعصية يُقرّبُ إلى فعل الطاعة وترك المعصية، فلابُدّ من العلم بالعقاب؛ ولأنّه - تعالى - أوجب أفعالاً فإمّا لما فيها من النّفع. وهو باطلٌ بالنّوافل أو لما في تركها من الضّرر، وهو المطلوب.

فائدةٌ

ذهبت المعتزلة ومن وافقها من الاماميّة إلى أنّ العلمَ بدوام الثّواب والعقاب عقليّ، لأنّ المكلّفَ معه يكون أقربَ إلى فعل الطاعة وترك القبيح، فيكونُ أدخلَ في باب اللّطف، فيكونُ أدخلَ في باب الوجوب، ولأنّ المقتضي للثّواب والعقاب والمدح والذّمّ هو الطاعةُ والمعصية، فلمّا كان المدحُ والذّمُّ دائمين وجب دوام الآخرين، لاستلزام دوام المعلول دوامَ علّتها المستلزم لدوام معلولها.

ذهبت المرجئةُ ومن وافقها من الإماميّة إلى أنّه سمعيّ.

تنبيهٌ

يجوزُ توقّف الثّواب على شرط، وإلاّ لكان مَن عرف اللهَ تعالى، ولم ينظر في أمر النبيّ فلم يعرفه، مُستحقّاً للثّواب، والتّالي باطلٌ إجماعاً، فالمقدّمُ مثله.

بيانُ الشّرطيّة: أنّ معرفةَ الله - تعالى - طاعةٌ مستقلّةٌ بنفسها. فلو لم يكن الاستحقاقُ مشروطاً لزم إثابةُ المكذّب للنّبيّ، وهو باطلٌ.

٢١٩

تذنيبٌ

استحقاقُ الثّواب مشروط بالموافاة أو ساقطٌ بالعقاب، لقوله تعالى: ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ ) (١) ، وليس لأنّ العمل وقع باطلاً لتعليق البطلان بالشّرك، فإن كان الاستحقاقُ ثابتاً كان معنى البطلان سقوط الثّواب المستحقّ بالشّرك المتجدّد، وإن لم يكن كان معنى بطلان العمل عدمَ الإتيان بشرط الاستحقاق الّذي هو الموافاةُ، فلم يستحقّ الثّواب، فيكون العملُ باطلاً.

____________________

(١) الزمر: ٣٩/٦٥.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257