تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس0%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: للعلاّمة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 257
المشاهدات: 77175
تحميل: 5505

توضيحات:

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77175 / تحميل: 5505
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المرصدُ الأوّل

في الأُمور العامّة

وفيه فصول

٢١

٢٢

الفصل الأوّل

في المقدمات

المقدّمة الأُولى: [في التّصور والتّصديق]

العلم إمّا تصوّرٌ، وهو حصولُ صورة الشّيء في العقل من غير حكم؛ وإمّا تصديقٌ، وهو الحكمُ ببعض المتصوّرات على بعض إيجاباً أو سلباً. وكلٌّ منهما ضروريٌّ ومكتسبٌ:

فالضّروريّ من التّصوّرات، ما لا يتوقّف حصوله على طلب وكسب، كتصوّر الحرارة والبرودة؛ والمكتسبُ، ما يتوقّف، كتصوّر الجوهر والعرض.

والضّروريّ من التّصديقات ما يكفي تصوّرُ طرفيه في الحكم، كالتّصديق بأنّ (الكلّ أعظمُ من الجزء)؛ والمكتسبُ ما لا يكفي، كالحكم بحدوث العالم.

وكاسبُ التّصوّر: الحدُّ، وهو التّعريفُ بالأجزاء؛ أو الرّسمُ، وهو التّعريفُ بالأعراض الخارجيّة (1) .

____________________

(1) ألف: الخارجة.

٢٣

وكاسبُ التّصديق هو الحجّةُ؛ وهي (1) إمّا قياسٌ، إن استدلّ بالعامّ على الخاصّ؛ وإمّا استقراءٌ، إن كان بالعكس؛ وإمّا تمثيلٌ، إن استدلّ بالمُساوي على المُساوي (2) .

والأوّلُ يقينيٌّ والأخيران (3) ظنّيان.

المقدّمةُ الثّانيةُ: [في التعريف]

اعلم أنّ المعلوم من كلّ وجه، والمجهول من كلّ وجه، لا يمكنُ طلبهما لاستحالة تحصيل الحاصل؛ وعدم الاشتياق إلى ما لا شعورَ به البتّةَ؛ فلابُدّ وأن يكونَ معلوماً من وجه ومجهولاً من آخر. والوجهان متغايران، والمطلوبُ ليس كلّ واحد منهما، بل معروضُهما، وهو الماهيّة ذاتُ الوجهين.

والماهيّة إن كانت مركّبةً جاز تحديدُها وإلاّ عُرِّفت بالرّسم (4) لا غير؛ وإن (5) كانت جزءاً من غيرها جاز التّحديدُ بها وإلاّ فلا.

والحدُّ إن اشتمل على جميع المقوّمات فهو التّامّ، وإلاّ فهو النّاقصُ.

والرسم إن أفاد تمييز الماهية عن جميع ما عداها فهو التّام وإلاّ فهو الناقص؛ والحدُّ إنّما يتألّفُ من الجنس والفصل.

____________________

(1) ج: هو.

(2) ألف، ج: مثله.

(3) ب: الآخران.

(4) ألف: بالرّسوم.

(5) ألف: فإن.

٢٤

والجنسُ هو كمالُ الجزء (1) المشترك، وهو الكلّيّ المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو؟

والفصل هو الجزء المميّز، وهو الكلي المقول على كثيرين في جواب أيُّما هو في جوهره.

والمركّبُ منهما هو النّوعُ.

وتترتبُ (2) الأجناسُ بعضُها فوقَ بعض إلى أن ينتهي إلى جنس لا جنسَ فوقه، ويُسمّى جنس الأجناس، وفي التّنازل إلى جنس لا جنسَ تحته، وهو الجنسُ السّافلُ، والأنواعُ كذلك.

والخارج عن الماهيّة إن اختصّ بها فهو الخاصّةُ، وإلاّ فهو العرضُ العامُّ.

فالكليّاتُ هي هذه الخمسةُ لا غير: الجنسُ والفصلُ والنّوعُ والخاصّةُ والعرض العامُّ.

المقدّمةُ الثّالثةُ: [في القياس]

اعلم أنّ كلّ قياس إنّما يتركّبُ من مقدّمتين لا أزيدَ ولا أقلّ، ويشترك المقدّمتان في حدّ (واحد) هو أوسط، وتتباينان بجزأين (3) آخرين هما الأصغر والأكبر.

____________________

(1) ب: الحد.

(2) ب: ترتيب/ ج: يتربَّت.

(3) ج: في جزأين.

٢٥

وهذا المشترك إن كان محمولاً في الصّغرى موضوعاً في الكبرى فهو الشّكل الأوّل؛ وعكسهُ الرّابعُ؛ وإن كان محمولاً فيهما فهو الثّاني؛ وإن كان موضوعاً فيهما فهو الثّالثُ.

ويشترط: في الأوّل: إيجابُ الصّغرى وكلّيّةُ الكبرى.

وفي الثّاني: اختلافُ المقدّمتين بالإيجاب والسّلب، وكلّيّة الكبرى.

وفي الثّالث: إيجابُ الصّغرى وكلّيّة إحداهما.

وفي الرّابع: عدمُ اجتماع الخِسّتين (1) إلاّ إذا كانت الصّغرى موجبة جزئيّة واستعمال السّالبة الكليّة الكبرى مع الموجبة الجزئيّة الصّغرى لا غير.

المقدّمةُ الرّابعةُ: [في مواد الأقيسة وصورها]

مقدّمتا الدّليل إن كانتا قطعيّتين فالنّتيجة كذلك، وإن كانتا ظنّيتين أو إحداهما فالنّتيجة ظنّيّة؛ لأنّها تتبعُ أخسّ المقدّمتين (2) .

والضّروريّاتُ ستّةٌ: الأوّلياتُ والمشاهداتُ والمجرّباتُ والحدسيّاتُ والمتواترات وقضايا قياساتُها معها.

ولا يكفي حصول المقدّمتين في اكتساب (3) النّتيجة، بل لابُدَّ

____________________

(1) ب: الحيثيتين.

(2) ب: الأخس من المقدّمتين.

(3) ب: في النتيجة.

٢٦

من ترتيب مخصوص بينهما، وهو الجزء الصّوريّ للنّظر، والمقدّمتان أجزاءٌ مادّيّةٌ، وبصحّتهما يصحّ النّظرُ، وبفسادهما أو فساد إحداهما يكون فاسداً.

فهذه إشارةٌ مختصرةٌ إلى كيفيّة اكتساب المطالب، والتّفريعُ مذكورٌ في كتبنا العقليّة.

٢٧

الفصل الثّاني

في مباحث الوجود والعدم

وهي أربعةٌ:

[البحثُ] الأوّل: [تصوّر الوجود والعدم]

تصوّرُ الوجود والعدم بديهيٌّ، إذ لا تصوّر أجلى (1) منهما. وقد يذكرُ على سبيل التّعريف اللّفظيّ: أنَّ الوجود هو الثّابتُ العين، والمعدومَ هو المنفيُّ العين.

والوجود قد يكون ذهنيّاً وقد يكون خارجيّاً.

وكلّ من الوجود والعدم إمّا أن يكونَ واجباً للماهيّة لذاتها أو ممكناً.

فواجبُ الوجود لذاته هو اللهُ تعالى؛ وممكنُ الوجود لذاته هو ما عداه؛ وواجبُ العدم لذاته هو الممتنعُ؛ ولغيره هو الممكنُ؛ فكلّ ماهيّة إذا نُسِبَ الوجودُ إليها إمّا أن تكونَ واجبة الوجود لذاته أو ممكنة أو ممتنعَةُ.

____________________

(1) ب: أعلى/ ج: أصلاً.

٢٨

البحثُ الثاني: في أنّ الوجودَ معنىً مشترك (بينَ الموجودات)

(المشهور أنَّ الوجود معنى مشترك بين الموجودات) وقال أبو الحسين البصريّ (1) وأبو الحسن الأشعريّ (2) إنّه مشترك لفظاً لا معنىً، ووجودُ كلّ شيء نفسُ حقيقته.

والحقُّ: الأوّلُ.

لنا: أنّا نُقسّمُ الوجودَ إلى الواجب والممكن، وموردُ التّقسيم مشترك فيه.

ولأنَّ العدمَ واحدٌ، لاستحالة التّميّز والاختلاف (3) والتماثل (4) في العدم، فيكونُ مقابلُهُ، وهو الوجود، [واحداً] (5) ، وإلاّ لبطل الحصرُ في الموجود والمعدوم.

احتجّوا: بأنّ محلّ الوجود إن كان معدوماً لزم اتّصاف المعدوم بالوجود، وهو باطلٌ بالضّرورة؛ وإن كان موجوداً لزم الدّورُ أو التّسلسلُ.

والجواب: المحلُّ الماهيّةُ لا باعتبار القيدين.

____________________

(1) هو أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، المتوفّى 436هـ، صاحب كتاب المعتمد في أُصول الفقه.

(2) هو أبو الحسن علي بن إسماعيل شيخ أهل السنّة والجماعة إمام الأشاعرة، كان معتزلياً وتاب من ذلك بعد أن أقام على عقيدتهم أربعين سنة، توفّي 324هـ. وفيات الأعيان: 1/464.

(3) ألف: لاختلاف.

(4) ب: التمكن.

(5) ألف، ب: واحدٌ.

٢٩

تذنيبٌ

لمّا ثبت أنّ الوجودَ مشترك ثبت أنّه زائدٌ على الماهيّات، لاستحالة أن يكونَ نفسَها، وإلاّ لزم اشتراك الحقائق المختلفة في تمام الماهيّة؛ وأن يكونَ جزءاً منها، وإلاّ لكان جنساً، لكونه أعم الأجزاء (1) المشتركة، فيفتقرُ إلى فصل، وفصل الوجود موجود، فيكونُ الجنسُ داخلاً في الفصل ويتسلسلُ.

البحث الثالث: [ما هو المعدوم؟]

ذهب المحقّقون إلى أنّ المعدومَ نفيٌ محضٌ؛ وليس بشيءٍ. وذهب جماعةٌ من المعتزلة إلى أنّه شيءٌ ثابتٌ خارجَ الذّهن ولا تأثيرَ للفاعل فيه، بل في جَعْلِ الذات موجودةً؛ وتلك المعدومات متباينة بأشخاصها. والثّابتُ من كلّ نوع عددٌ غيرُ متناه، وإنّها بأسرها متّفقةٌ في كونها ذواتاً، وإنّما تتباينُ بالصّفات.

لنا : أنّ المفهوم من الثّبوت إنّما هو الوجود؛ فلو كان المعدوم ثابتاً في العدم كان موجوداً، وهو محال؛ ولأنّه إذا أوجد اللهُ - تعالى - منها شيئاً، فإن بقيت كما كانت كان الشّيءُ مع غيره كهو (2) لا مع غيره وهو باطلٌ بالضّرورة؛

____________________

(1) ب: أتمّ الأجزاء.

(2) ج: كما هو.

٣٠

وإن نقصت تناهت، فيتناهى مقدوراتُ الله تعالى، وهو محال؛ ولأنّه يلزمُ الاستغناء عن الفاعل، إذ الذّواتُ أزليّة، فلا تكونُ مقدورةً.

والوجود من قبيل الأحوال عندهم فلا يكون مقدوراً، والاتّصاف ليس أمراً زائداً على الماهيّة والصّفة، وإلاّ لزم التّسلسلُ فتكون الذّاتُ الموجودة غنيّةً عن الفاعل، هذا خلفٌ.

احتجّوا: بأنَّ المعدومَ متميّزٌ. وكلّ متميّزٍ ثابتٌ.

أمّا الصّغرى فلأنّ المعدوم معلوم؛ لأنّا نعلمُ طلوعَ الشّمس غداً من المشرق، وكلّ معلوم متميّزٌ؛ ولأنّ الحركة المقدورة لنا متميّزةٌ عن الممتنعة وإن كانتا معدومتين؛ ولأنّ بعض المعدومات يرادُ وقوعها كاللّذات، وبعضها لا يرادُ، فتكونُ متميّزةً.

وأمّا الكبرى، فلأنّ المتميّز هو الموصوفُ بصفةٍ لا يُشاركه فيها غيرُه، وذلك يستدعي كونه متعيّناً في نفسه متحقّقاً (1) . ولا نعني بالثّابت إلاّ ذلك.

والجواب: التّميّز قد يكون ذهنيّاً وقد يكون خارجيّاً؛ والمعدوم متميّزٌ بالاعتبار الأوّل دون الثّاني، كما يتصوّرُ الممتنعاتُ والمركّباتُ والوجود، وليس شيءٌ منها بثابتٍ (2) .

____________________

(1) ج: محققاً.

(2) ج: ثابتاً.

٣١

البحث الرّابع: [لا واسطة بين الموجود والمعدوم]

لا واسطةَ بين الموجود والمعدوم؛ لأنّ العقلَ قاضٍ بالضّرورة بأنَّ قولنا: (الشّيء إمّا أن يكون موجوداً أو معدوماً) حاصرٌ، فالواسطةُ غير معقولة.

وأثبت أبو هاشم واسطةً بينهما وهي صفة لموجود لا موجودةٌ ولا معدومةٌ ولا معلومةٌ، وسمّاها بـ (الحال).

واحتجّ بأنّ الوجودَ لا يوصفُ بالوجود، أمّا أولاً، فلاستحالة التّسلسل، وأمّا ثانياً، فلأنّ الموجودَ كلّ ذاتٍ لها صفةُ الوجود، والوجود ليس بذات، فلا يوصف بالوجود ولا يوصف بالعدم للتّغاير (1) بين الوجود والعدم، فإنّ المعدوم (2) كلّ ذات ليس لها صفةُ الوجود.

والجوابُ: الغلطُ نشأ من تخصيص الموجود والمعدوم بالذّوات، (3) ولا يلزمُ من عدم اتّصاف الشّيء بنفسه ونقيضه ثبوتُ واسطة بينه وبين نقيضه.

____________________

(1) ب: للتعاند.

(2) ب: فالمعدوم.

(3) ج: بالذات.

٣٢

الفصل الثالث

في مباحث الوجوب وقسيميه

وهي ثلاثة:

(البحث) الأوّل: [الوجوب والإمكان والامتناع]

الوجوب والإمكان والامتناع من التّصوّرات البديهيّة، لا شيء منها بثابتٍ، وإلاّ لزم التّسلسلُ ووجود المعدوم، ولأنّها أُمورٌ نسبيّة، فتتوقف على وجود المنتسبين.

والوجوب (1) والإمكان متأخّران عن (هذا) الوجود، هذا، خلفٌ.

والامتناع يتوقّفُ على ما لا يوجد، فلا يكونُ موجوداً.

وأثبت الأوائل الإمكانَ في الخارج، وإلاّ لم يبق فرقٌ بين نفي الإمكان والإمكان المنفيّ.

وهو خطأ؛ لأنّ التمايز (2) يقعُ في الأحكام العقليّة كما يقعُ في الأُمور العينيّة. ولو اقتضى ذلك الثّبوتَ لزم كون الامتناع ثبوتيّاً.

____________________

(1) ب: فالوجوب.

(2) ب: المائز.

٣٣

[البحث] الثاني: [في خواص الواجب]

الشّيء الواحد لا يكونُ واجباً لذاته ولغيره، لأنّ الواجبَ لذاته مستغنٍ عن الغير، والواجبَ لغيره غيرُ مستغنٍ عن ذلك الغير، فيجتمع النّقيضان.

والواجبُ لذاته بسيطٌ، لافتقار كلّ مركّب إلى جزئه، وجزؤه غيرُه.

ووجوده نفسُ حقيقته؛ لأنّه لو كان زائداً عليه (1) لكان ممكناً؛ لأنّه حينئذٍ يكونُ صفةً له وكلّ صفة مفتقرةٌ إلى الموصوف؛ والتّالي باطلٌ، لأنّ المؤثّر فيه إن كان غير الله تعالى لزم افتقاره إلى غيره، فيكونُ ممكناً، وإن كان هو الله - تعالى - لزم تأثيرُ المعدوم في الموجود أو وجودُ الماهيّة مرّتين أو الدّورُ.

البحث الثالث: [في عروض الإمكان للماهيّة]

الإمكانُ واجبُ للماهيّة، وإلاّ جاز انتقالُها منه إلى الوجوب أو الامتناع، وهو مُحال.

وكلّ ممكن الوجود فإنّه لا يوجَدُ ولا يُعدَمُ إلاّ بسبب منفصل، لاستحالة ترجيح أحد الطرفين المتساويين على الآخر لا لمرجّحٍ؛ ثمّ مع ذلك السّبب يجبُ، وإلاّ فإن بقي الاستواء افتقر إلى غيره؛ وإن ترجّح أمكن

____________________

(1) ب: عليها.

٣٤

وقوع المرجوح مع الأولويّة في وقتٍ وعدمِه في آخر: فاختصاصُ أحد الوقتين بالوجود يقتضي الاحتياجَ إلى سبب غير الأوّل، فلا يجوزُ أن يكونَ أحد الطرفين أولى.

والإمكانُ علّةُ الاحتياج إلى المؤثّر، لقضاء العقل به (1) عنده وبانتفائه عند عدمه.

ولا يجوز أن يكونَ هي الحدوثَ، كما ذهب إليه بعضُ قدماء المتكلّمين، لأنّه كيفيّة للوجود، فيتأخّرُ عنه، والوجودُ متأخّرٌ عن الإيجاد المتأخّر عن الاحتياج المتأخّر عن علّة الاحتياج؛ فلو كانت هي الحدوث لزم تقدّمُ الشّيء على نفسه بمراتب.

تذنيبٌ

لمّا ثبت أنّ علّة الاحتياج (2) هي الإمكان وهو ثابتٌ للباقي ثبت معلولُه، وهو الاحتياج إلى المؤثّر. وذهب بعض قدماء المتكلّمين إلى استغنائه.

واحتجّوا: بأنّ المؤثّر إن لم يكن له فيه أثرٌ كان مستغنياً قطعاً؛ وإن كان له أثرٌ فإن كان هو الوجود الحاصل أوّلاً (3) لزم تحصيلُ الحاصل، وهو

________________________

(1) ج: - به

(2) ب، ألف: الحاجة .

(3) ج: وإلاّ / ب: - أوّلاً.

٣٥

مُحال؛ وإن كان أمراً جديداً كان التّأثير في الجديد لا في الباقي، فيكون الباقي مستغنياً.

والجوابُ: المنعُ من الملازمة الأخيرة، لأنّ الباقي مفتقرٌ إلى البقاء الجديد.

٣٦

المرصد الثّاني

في تقسيم الموجودات

وفيه مقصدان

٣٧

٣٨

[المقصد] الأوّل

في التّقسيم على رأي المتكلّمين

قالوا: الموجود إمّا أن يكونَ قديماً أو مُحدثاً، لأنّه إن لم يكن لوجوده أوّل، فهو القديمُ وهو اللهُ تعالى، وإن كان لوجوده أوّلُ فهو المحدثُ، وهو ما عداه.

وقد يفسّرون القديمَ بأنّه: الّذي لا يسبقه العدمُ، والمُحدَث بما سبقه العدم. فهاهُنا مباحث ثلاثةٌ:

[البحث] الأوّل: في مباحث القديم

معنى قولنا: (الله - تعالى - قديم) هو أنّا لو قدّرنا أزمنةً لا نهاية لها في جانب الماضي لكان الله (1) - تعالى - مصاحباً لها. ولا يعتبر في القدم والحدوث الزّمان وإلاّ لكان للزّمان زمان آخر ويتسلسل. وليس القدم والحدوث من الصّفات الثّبوتيّة، بل من الاعتبارات الذّهنيّة، وإلاّ لزم التّسلسل؛ خلافاً لعبد الله بن سعيد من الأشعريّة في الأوّل، والكرّاميّة في الثّاني.

____________________

(1) ألف: إنّه تعالى.

٣٩

البحث الثاني: في خواصّ القديم

لا يمكن إسناد (1) القديم إلى المؤثّر المختار، لأنّ الفاعل بالاختيار إنّما يفعل بواسطة القصد والاختيار، وإنّما يصحّ توجّه القصد إلى معدوم ليوجده ولا يصحّ توجّهه إلى موجود. نعم يصحّ إسناده (2) إلى المُوجَب؛ والتّنازع بين الحكماء والمتكلّمين يرتفع بهذا التّفصيل.

والقديمُ لا يصحّ عليه العدم؛ لأنّه إمّا واجب لذاته أو معلول له مطلقاً أو بشرطٍ قديم؛ وعلى كلّ تقدير يستحيل عدم علّته (3) ، فيستحيل عدمُه.

لا يقال: لم لا يتوقّف على شرط عدميّ أزليّ، ويجوز زوال الشّرط الأزليّ، لكونه عدميّاً، فيعدم القديم لعدم شرطه.

لأنّا نقول: المقتضي لوجود ملكة ذلك العدم ليس هو القديم ولا معلوله، للتّنافي بينهما؛ ولا علّته، لاستحالة صدور المتنافيين عن علّة واحدة.

والقديم لا يجوز أن يكون أكثر من واحد؛ لأنّ واجب الوجود واحدٌ مختارٌ، على ما يأتي، فباقي الموجودات محدثة.

____________________

(1) ج: استناد.

(2) ج: استناده.

(3) ج، ب: عليه.

٤٠