رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين0%

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 164

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

مؤلف: الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي
تصنيف:

الصفحات: 164
المشاهدات: 88224
تحميل: 9111

توضيحات:

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 164 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88224 / تحميل: 9111
الحجم الحجم الحجم
رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

مؤلف:
العربية

رسالة ماجستير

الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

رسالة ماجستير

الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي

٣

المركز العالمي للدراسات الاسلامية‌

جامعة آل البيت (ع) العالمية

رسالة ماجستير‌

الإعتقادُ بمنجي العالم في القرآن والعهدين

الأستاذُ المشرف

حُجَّةُ الإسلام والمسلمين

الشيخ الدكتور محمد علي أسدي نسب

الأستاذ المشاور

حُجَّةُ الإسلام والمسلمين الشيخ علي الشيخ

إعداد: كاظم مزعل جابر الأسدي

تاريخ الدفاع: صيف ٢٠٠٥

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الاهداء:

اليك يا نورَ الله !

الذي يهتدي به المهتدونَ ويفرّجُ به عن المؤمنين

اليك‌! يا أملَ المحروميَن والمظلومينَ والمضطهدينَ في العالم

اليك‌! يا حُلُمَ الانبياء والصدّقين والصالحيناليك‌! أيُّها القائم‌ المنجي والمخلِّص

اتقدّم‌ُ الى‌ ساحة‌ قُدسك المطهّرة

لأهديَك‌َ بضاعتي ‌التي أحملها بين يديَّ المقصّرتين

ولساني‌ يردّدُ ويقول‌ُ :(يا أيّها العزيزُ مسّنا وأهلنا الضّرُّ وجئنا ببضاعةٍ ٍ‌ مزجاة‌ٍفأوف‌ِ لنا الكيل‌ وتصدّق ‌علينا ان‌ّ الله يجزي‌ المتصدّقين‌ )

سيّدي! يا بقيّة‌ الله في‌ أرضهاشفع‌ لنا عند الله، ليغفر لنا ويرحمنا ويقبلنا ،ويكشف‌ عنا وعن‌ أهلنا الضّرَّ والبلاءَ ،ويأخذ بأيدينا الى عالم الحقّ والحقيقةبلطفه ورحمته التي وَسعت كُلَّ شيء ٍ فهو ارحم الراحمين.

٥

كلمةُ شكرٍ وتقدير

أتقدم بالشكر الجزيل وخالص الإمتنان إلى الأساتذة الأعزّاء والمسؤولين الكرام في المركز العالمي للدراسات الإسلامية وفي جامعة آل البيت (ع) العالميّة، لجهودهم الكبيرة التي يبذلونها في سبيل نشر الثقافة الإسلامية الأصيلة المتمثلة بعلوم أهل البيت(عليهم الصلاة والسلام) والبحث العلميّ الدقيق عن الحقّ والحقيقة أينما كانت وحيثما وجدت.

وكذلك اتقدم بالشكر الجزيل وعظيم التقدير إلى أساتذتي الأفاضل الذين أعانوني في كتابة هذا البحث، وبذلوا قصارى جُهدَهم في سبيل إنجاح هذا العمل وأخص بالذكر الأستاذ المشرف: سماحة الشيخ حجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد علي أسدي نسب، وكذلك سماحة الشيخ حجة الإسلام والمسلمين: الأستاذ علي الشيخ، والذين أبدوا سعةَ صدرٍ كبيرةٍ، وأخذوا بيدي في كل صغيرة وكبيرة، لينتهي هذا البحث الى ما انتهى اليه بحلّتِهِ الأخيرة. وكذلك شكراً خاصّاً الى سماحة الأُستاذ الشيخ حجة الإسلام والمسلمين كاظم النصيري، أُستاذ اللغة العبريَّة في جامعة بغداد سابقاً، لجهودهِ الخيِّرةِ في ترجمة النصوص من أصلها العبري الى اللغة العربية، ووقوفه على العديد من المعاني الدقيقة والمهمّة، والتي مرَّت على بعضِ المترجمين مَرَّ الكرام.

كما لا يفوتني أن أقدم شكري للأخوة الذين ساهموا بأي شكل كان، من قريب أو بعيد، في اكمال هذا البحث وانجاحه. سائلا المولى تبارك وتعالى للجميع العافية والموفقيّة والعمر المديد، لخدمة دين الله الحنيف وعموم الانسانيّة، انّه قريب مجيب.

٦

خُلاصةُ البحث:

أُحاولُ في هذا البحث بإذنه تباركَ وتعالى الاجابةَ على السؤال المهم المرتبط بالاعتقاد بمنجي ومخلص العالم وضرورة وجود هكذا شخصية مقدسة مباركة، وقد قسمت البحث إلى خمسة فصول:

الأول: في الكليات (حول القرآن والعهدين)، ويتناول نظرة في القرآن الكريم وكذلك العهدين،إذ كان لابُدَّ قبل الدخول في البحث من أن أقدم مقدمة حولهما لأنّهما أعظمُ المصادرالمقدّسة في هذا العالم لإثبات تلك الحقيقة الإلهيّة الدامغة والعقيدة الراسخة ل- ( منجي العالم ) والتي تهمُّ جميعَ البشر. فقد تطرّقتُ في المبحث الأوّل وهو: نظرةٌ في القرآن الكريم الى مواضيع مهمةٍ تشملُ، أولاً: التعريفَ بالقرآن الكريم ومن ذلكَ :نزولَ القرآن، واعجاز القرآن وبلاغته، وثانياً: في خصائصه وامتيازاته عمَّن سواه من الكتب السماوية، ومن ذلك، كون بلاغته معجزة الهية، والقرآن والمعارف، والقرآن والاتقان في المعاني، والقرآن والاخبار بالغيب، والقرآن وأسرار الخليقة؛ ثم بيَّنتُ باختصار مقام القرآن الكريم وأهميّتهُ وخصائصه.وأما في المبحث الثاني وهو: نظرة في العهدين ( الكتاب المقدّس )، فقد وضعتُ بحثأً مختصراً ومناسباً ل- ( العهد القديم والعهد الجديد )، ثمّ وضعتُ بعد ذلك كلمةُ إنصافٍ في العهدين، وذكرت شيئاً عن آفات الترجمة وما يرتبطُ بها، والفرق بين مترجمي العهدين.

وفي الفصل الثاني بحثتُ فيه عن: قدسيّة ومقام منجي العالم وضرورة وجود منجٍ ومخلّصٍ لهذا العالم. فقد تطرّقتُ في المبحث ألأول: الى ضرورة وجود المنجي وبيّنتُ شيئاً من العقائد العامة لجميع البشر بمنجي العالم وحتميّة مجيء يومه الموعود اولاً، ثم ذكرتُ لذلكَ آياتٍ من القرآن الكريم والروايات الشريفة ثانياً، ونصوصٍ وفقراتٍ من العهدين ثالثاً. وتطرّقتُ في المبحث الثاني: الى موضوع قدسيّةِ ومقام منجي العالم بلسان الأنبياءعليهم‌السلام في القرآن الكريم اولاً، وفي العهدين ثانياً.

وخصصت الفصل الثالث للبحث في: حوادث ماقبل ظهور منجي العالم. فقدتطرّقتُ في المبحث الأول الى: حالة العالم قبل ظهور المنجي. وتطرّقتُ فيه الى الفتنة الكونية الكبرى قبل الظهور اولاً، ثم ذكرتُ دعاء الأنبياء الملحّ لمنجي العالم اثرَ ذلك واستجابته من قبل الله تبارك وتعالى ثانياً.وبيّنتُ كلَّ ذلك في القرآن والحديث وفي العهدين.وأما المبحث الثاني فقد بحثتُ فيه عن :آيات وعلامات ما قبل ظهور منجي العالم في القرآن والعهدين.

٧

وخصّصتُ الفصل الرابع للبحث في: أحداث ظهور منجي العالم ومابعد الظهور.فقد تطرّقتُ في المبحث الأول الى: حالة العالم قُبَيلَ الظهور وعند الظهور وبعدَهُ وكيفية الظهور. وبيّنت كيفيّة طلب الشعوب وإنتظارهم للقائم وحالة الضيق والحرج والعسر وتضرُّر المؤمنين. وأماالمبحث الثاني فقد خصّصتهُ للبحث في: أوصاف القائم المنجي وذكرتُ شيئاً من علمه وشدَّته وقوّته الربانية التي يتمتّعُ بها بفضل الله تعالى في القرآن الكريم والروايات الشريفة وفي العهدين.وذكرتُ في المبحث الثالث: أوصاف حكومة منجي العالم وبيّنتُ كيف يكون حكمهُ بالعدل والإنصاف وكيف سينتقمُ من كلّ الظالمين وكيفية حلول السلام في عهده وسموّ المعارف والعلوم في عهده المبارك في القرآن الكريم والروايات الشريفة، وفي العهدين كذلك.

وقد خصّصتُ الفصل الخامس للبحث في: قواعد ومتبنّيات ثورة المنجي في القرآن والعهدين وعلامَ ترتكزُ هذه الثورة الإلهية الكبرى.وقد تطرّقتُ في المبحث الأول الى: الأُسس الشرعيّة والتأريخيّة لثورة المصلح العالميّة وبيّنت في المبحث الثاني كون المنتقم من الظالمين صنيعة‌ٌ لربّ العالمين تقدّست أسماؤهُ.وفي الختام: ذكرتُ نتيجةَ البحث، وما توصَّلتُ إليه من نقاطٍ مشتركةٍ بين القرآن الكريم والعهدين (الكتاب المقدَّس)، وأنَّهُ لابُدَّ من إنصافِ العهدين والنظر اليهما بعينِ العدلِ والدقّةِ، لكونهما إرثاً دينيّاً وأخلاقيّاً وتأريخيّاً وحضاريّاً كبيراً ؛وأنَّ بعضَ ما وردَ فيهما هو بلا شكٍّ ولاريبٍ ترجمةٌ أو نقلٌ شفاهيٌّ أو تواترٌ لوحيٍ موحى. وأنَّ للترجمة آفاتٌ خطيرةٌ قد صبَّتها وطَلَت بها الكتاب المقدّس ( العهدين ) ؛ وقد لعبت الترجمات دوراً مهماً في التشويش وإخفاءِ الحقائقِ والأعم الأغلب منها جاءت عن غير قصدٍ ولا عمدٍ.وأنَّ القرآن الكريم والعهدين كلاهما يصدِّقُ الآخر في هذا المجال، وأنَّ الكتب السماوية أجمعت على مجيء منجي العالم وقد ذكرهُ الأنبياء بكلِّ جميلٍ وحَلُموا بهِ وذابوا اليه شوقاً وحنّوا الى يومه المبارك وهو يوم الله الموعود والأكبر، وأنَّ الأملَ الرباني لجميع الإنسانية لم ينقطع وهو سارٍ ومُثبتٍ ويجري بدقّةٍ.وأنَّ منجي العالم ليس ملكاً لشعبٍ من الشعوب أو أُمةٍ من الأُمم بل هو أملُ الإنسانية وملكٌ لعموم البشرية.وأنَّ عالم الإنسان سينتصرُ إنتصاراً إلهيَّاً ساحقاً لاهزيمة بعدَهُ بمجيء المصلح الأعظم روحي فداه.

٨

المقدّمة

إنّ من لطف الله تبارك وتعالى بعموم البشر، والعناية التربويّة الالهيّة بالانسان، للأخذ بيده الى أعلى مراتب الكمال والرقيّ؛ حتّمت عدم انقطاع الأمل عنه ولو للحظة واحدة، وأن يكون للبشر في كلّ زمان أملاً حقيقيّاً منشوداً، وحلماً ورجاءاً واقعيّاً منتظراً على مدى تعاقب العصور ومرّ الدهور.ومعنى هذا: أن تكون هناك بشارة إلهية كبرى في كلّ عصر وزمان محتّمَةَ التَّحقُّق والوقوع لكونها وعداً ربّانيّاً محضاً، قد قطعه الله تبارك وتعالى على نفسه المقدّسة، كما في قوله تعالى بخصوص ظهور المنجي الموعود:

(وعد الله الذين‌ آمنوا منكم‌ وعملوا الصالحات‌ ليستخلفنّهم‌ في‌ الارض‌ كما استخلف‌ الذين‌ من‌ قبلهم‌ وليمكنّن‌ّ لهم‌ دينهم‌ الذي‌ ارتضى لهم‌ وليبدّلنّهم‌ من‌ بعدِ خوفهم‌ أمناً يعبدونني‌ لا يشركون‌ بي‌ شيئاً.).(١)

وقول رسوله الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لو لم‌ يبق‌ من‌ الدنيا الاّ يوم‌ واحد لطوّل‌ الله ذلك‌ اليوم‌ حتى‌ يخرج‌ رجل‌ من‌اهل‌ بيتي‌ يواطي‌ء اسمه‌ اسمي‌ وكنيته‌ كنيتي‌ يملا الارض‌ عدلاً وقسطا كماملئت‌ جوراً وظلما».(٢)

____________________

(١) سورة النور: آية ٥٥.

(٢) الرسائل العشرة: ص ٩٩. الطوسي، الغيبة :ص٤٦. الامامة والتبصرة: ص١٥٣.عيون أخبار الرضا (ع): ص٢٩٧. كمال الدين وتمام النعمة: ص٢٨٠، وص ٣٧٢، وص ٣٧٧. كفاية الأثر: ص٢٦٦، وص٢٨١. روضة الواعظين: ص٢٦١. دلائل الامامة: ص٤٦٩. شرح الأخبار: ص٣٥٢, وص ٣٥٦، وص ٣٩١. النكت الاعتقادية: ص٤٣.الارشاد: ص٣٤٠. العمدة ،ص٤٣٣. ذخائر العقبى: ص ١٣٦.بحار الأنوار: ج ١٤، ص٣٣، وج ٢٨ ص٤٦. الغدير: ج٧ ص١٢٥. التفسيرالكبير، ج٢، ص٢٧. وهو حديثٌ نبويٌّ شريفٌ صحيحٌ ومتواترٌ ومشهورٌ عند المسلمين.

٩

ولهذا الوعد الربّاني الصادقُ دورٌ كبيرٌ في حفظ وصون الخطّ الالهيّ المقدّس وامتداده وبقائه غضَّاً طريّاً، وهو بحدّ ذاته علاجاً روحيّاً ناجعاً لعموم البشر(١) ، فضلاً عن العطاء والأجر والثواب الجزيل من الله عزّ وجلّ لكون المُنتظر قد صدّقَ فعلاً بغيب الله تبارك وتعالى والذي هو من أشرف العبادات العالية القدر عند الباريء سبحانه وتعالى حيث قدّمها على الصلاة والزكاة في قوله تبارك وتعالى :

(الم. ذلك‌ الكتاب‌ لا ريب‌ فيه‌ هدى للمتّقين‌. الذين‌ يؤمنون‌ بالغيب ‌ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون).(٢) وقد ثبت يقينا أنّ العالم بأسره، وما توصّلت اليه جهود البشر من خلال فترات حياتها الطويلة من علوم واسعة، وأبعاد فكر شاسعة، وتكنلوجيا محيّرة، وصناعات متطوّرة ؛ لكننا نجد أنّ هذا العالم الكبير بأسره يعاني الظلم والجور، ومصادرة أبسط حقوق الانسان، ويحنّ الى السعادة التي يجهلها الكثير ‍‍!ٍحنين الطفل الى محالب أمّه، ويحلم أن يعيش يوماً ما الطمأنينةَ الحقّةَ ببعديها المادّي والمعنوي، وأصبحت فكرة (المجتمع السعيد ) مستحيلة التحقق إلاّ بتدخّل الهي كبير وتغيير ربّانيّ جذري.(٣) وما نراه من انهيار وانهزام كبير على المستوى الديني و الأخلاقي والإجتماعي، بل وحتّى على مستوى بديهيّات الفطرة الانسانيّة ؛ الاّ دليلاً دامغاً وبرهاناً ساطعاً لامحيص عنه لحتميّة التدخّل الالهيّ المؤمّل بواسطة المنقذ والمنجي للعالم وشعوب الأرض كافّة (قرّب الله يومه المقدّس) واحقاق الحقّ على يديه وازهاق الباطل الذي ملأ الدنيا، وربط الانسان بالسماء ربطا وثيقاً بعد الخلود الى الأرض.(٤)

____________________

(١) انظر: سيكلوجية الأنتظار، موضوع الأبعاد النفسية والإيجابية في عقيدة المهدي المنتظر، ص١٨٨ - ٢٦٠.

(٢) سورة البقرة :الآيات ١ - ٣.

(٣) انظر: نهاية صراع الأديان بظهور المهدي في آخر الزمان، ص ٢٥٦ وما بعدها، تحت عنوان: الإمام المنتظر لحدوث التغيير العالمي.

(٤) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ١٩٣وما بعدها تحت عنوان: عقائد الأمم في المهدي، في موضوع: عند المسيحيين، أن عموم المسيحيين الغربيين يعتقدون ب- ( FOTORISM ): وتعني الإعتقاد بمرحلة آخر الزمان، وترقب ظهور منقذ. الخ، و انظر: الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، ص٥١. ومجلة مجموعة الحكمة، السنة الثالثة، العدد ١ - ٢، مقال السيد هادي الخسروشاهي.

١٠

لذا نجد أنّ الأنبياءعليهم‌السلام ومن عهد آدمعليه‌السلام الى روح الله عيسى بن مريمعليهما‌السلام قد بلّغوا وبشّروا أممهم مراراً وتكراراً وبشتّى الوسائل والسبل بحتميّة تشرّف الأرض وتتويج الخلافة الالهية العظمى ب- ( محمد وآل محمد ) صلوات الله عليهم أجمعين؛ كمرحلة اولى على طريق سعادة جميع البشر، كما وقد بشّروا أيضا بتشرّف الأرض بالمصلح الأعظم والمنجي والمخلّص والصاحب والقائم (ع ) كمرحلة ثانية على ذات الطريق وبها يكون الحكم لله وحده بواسطة خليفته المدّخر وعندها يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

وبعد تحقق المرحلة الأولى على وجه الأرض بمجيء محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين نجد أنّ القرآن الكريم والرسول الخاتم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين يبشّرون العالم أجمع بحتميّة مجيء المنقذ المهدي ( عج) وهي المرحلة الثانية التي أشرنا اليها ؛ وبشّروا بمرحلة ثالثة أيضا وهي ( مرحلة الرجعة ) التي لها قوانينها الغير طبيعيّة وخصائصها المختصّة بها ووقتها وظرفها وأسبابها.

وهكذا نجد أنّ ألأمل لم ينقطع من حياة البشر ولو لفترة قصيرة، ولكلّ عصر وزمان بشائره وآماله وأحلامه الخاصة به.

ولقد عاش‌ جميع الانبياء ( عليهم الصلاة والسلام ) في كلّ العصور والأزمنة واتباعهم‌ من‌ المؤمنين‌ والصالحين‌ و الذين لازالوا يعيشون‌ أملاً عظيماً وشوقاً‌ كبيراً وانتظاراً جميلاً‌، آملين تحقّق‌ البشارة الالهيّة المقدّسة، وذلك بتتويج‌ الخلافة ‌الالهية‌ على الأرض بالقائم‌ المهدي‌ (عج‌) من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طاووس‌ اهل‌الجنة‌.

ومن‌ نعم المولى عزّ وجلّ علينا والطافه‌ بنا‌، ان‌ نشاركهم‌ نحن‌ هذا‌ الأمل والانتظار ونعيشه معهم‌، بل‌ تشاركهم‌جميع‌ الاديان‌ والملل‌ والنحل‌ والعوالم‌، وكل‌ّ يحمل‌ علوماً وقصصاً وحكايات‌ٍتخص‌ّ المصلح‌ الاعظم‌ وما يكون‌ من‌ أمره‌، وصلاح‌ الكون‌ على يديه‌ المباركتين‌، وتأسيسه‌ لدولة‌ العدل‌ الالهي‌، التي‌ حَلُم‌َ بها البشر جميعاً. لذا فقد ضمّت‌ بشارات‌ الانبياء وأوصيائهم وأتباعهم الربانيين عشقاً ابديّاً وذوباناً كلّياً بهذا الرجل‌الالهي‌ المقدس‌ على مدى العصور.

ونحن في بحثنا هذا نحاول الوصول إن شاء الله تعالى الى أعماق العقائد الحقّة لموضوع (منجي العالم) سواء فيما ينسب الى الأنبياء السابقين وما يرتبط بهم من آثار مهمة، أوفي القرآن الكريم وبعضِ ما جاء على لسان النبي ّالصادق الأمين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله الطيبيين (ع) وصحبه المنتجبين (رض).

١١

واما ضرورة وأهمية مثل هكذا بحث فهي تكمنُ في أنَّ هذا الموضوع هو (موضوعٌ عالميٌّ ) وغير مختص بشعبٍ من الشعوب أو أُمّةٍ من الأُمم، ولهُ جذورهُ العميقة الممتدّدة بقدمِ الإنسانية، وله أثرهُ النفسي والتربوي على الأعم الأغلب من البشر، ولهُ تراثهُ الدّينيّ والعلمي والتأريخيّ والأخلاقيّ، ويملكُ حظّاً وفيراً من القدسيّةِ والإهتمام لدى كلِّ الديانات والفلسفات - لاسيما السماوية منها بشكلٍ خاصّ - والشعوب والأُمم، فيُعدُّ البحث فيه واثبات حقائقه واجباً علميّاً مهماً يخدمُ الجميع.واما أهداف البحث فهي اظهار العقائد الحقّة لموضوع (منجي العالم) بثَوبِها الجميل البهيّ في القرآن الكريم وفي الكتب السماوية المقدّسة الأُخرى، وفي غيرها ان وجد ولكن على نحو الإشارة والإجمال، لإثبات أّنَّ تلك العقائد لها من الحقِّ والصدقِ والعمق والأثر البالغ الشيءَ الكثير وإلاّ لما تواترت في جميع الكتب السماوية وصحفِ الأنبياء (ع) وأقوالهم وما تخلَّفَ عنهم من تراثٍ مقدَّس.واما في مجال سابقة هكذا بحث، فقد تطرّقَ اليه العديد من الأعلام والفضلاء والباحثين، ولكن على نحوٍ جزئيٍّ، وليسَ بمعمَّقٍ في أغلب الأحيان، بل وسطحيٍّ في بعضها، ويفتقرُ الى الإبتكار والتجديد في بعض آخر، وعلى سبيل المثال، فانَّ من بين من أجاد في هذا المجال هو صاحب كتاب ( أهلُ البيت في الكتاب المقدّس ) حيث عقد بحثاً هناك بعنوان: الإمام المهدي(عج) في بشارات العهدين. وصاحب كتاب ( البحث عن الحقيقة) باللغة الإنكليزية، عقد بحثاً خاصاً ب- (منقذ العالم المنتقم) على ضوء ما جاءَ في التوراة. وكذلك صاحب كتاب ( الكتاب المقدس تحت المجهر) فيه بحثٌ عن المنقذ العالمي، وصاحب كتاب (الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين)، وصاحب كتاب(المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري)، وصاحب كتاب(المسيح الموعود والمهدي المنتظر)، وصاحب كتاب (سيكلوجية الانتظار)، وصاحب كتاب (المصلح الغيبي والحكومة العالمية الواحدة) وصاحب كتاب (الامام المهدي (عج) المصلح العالمي المنتظر) وصاحب كتاب (المسيح المنتظر ونهاية العالم).الخ، وكلُّ تلك المصادر وغيرها قد اعتمدناها في بحثنا، لأنَّ فيها عظيم الفائدة وللهِ درُّ مؤلِّفيها.

واما بشأن الهيكليّة التي اعتمدناها في هذا البحث، فقد راعينا فيها الإختصار و السهولة والسلاسة، مبتعدين بذلك عن التطويل والتعقيد، لذا وضعنا هذه الدراسةِ في خمسة فصول تحتوي على مجموعةٍ من المباحث، آملين المنفعة، واللهُ وليُّ التوفيق.

١٢

الفصل الأوّل: الكليّات (حول القرآن والعهدين)

المبحث الأوّل: نظرة في القرآن الكريمأوَّلاً: تعريفٌ بالقرآن الكريم

ثانياً: خصائصُ القرآن وامتيازاته عَمَّن سواه من الكتب السماويَّة

- مقام القرآن الكريم وأهميَّته وخصائصهُ

المبحث الثاني: نظرة في الكتاب المقدّس (العهدين)

أوَّلاً: التعريفُ بالكتاب المقدّس (العهدين)

١ - العهدُ القديمُ.

٢ - العهدُ الجديدُ.

ثانياً :التقييم العلميّ الحديث للعهدين

- كلمةُ إنصاف في العهدين.

- آفات الترجمة وما يرتبط بها.

- الفروقات بين مترجمي العهدين.

١٣

المبحث الأوّل: نظرة في القرآن الكريم

لقد تجلّى الله سبحانهُ وتعالى في كتابه العزيز (القرآن الكريم )، فهو بحقٍّ معجزةُ المعاجز، والمصدِّقُ والمهيمن على كُلِّ ماسبقهُ من كتبٍ سماويَّةٍ مقدسةٍ، فهو كما قالَ فيه النبيُّ الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (. كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به اجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم.)(١) . ولابدَّ لنا هنا من وقفةٍ للتعريفِ بهِ أوَّلاً، ومعرفةُ خصائصهِ وامتيازاته عَمَّن سواه ثانياً.

____________________

(١) البيان في تفسير القرآن، ص ١٨ - ١٩.وهكذا في سنن الدارمي ج ٢ ص ٤٣٥، كتاب فضائل القرآن ومع اختلاف يسير في ألفاظه في صحيح الترمذي ج ١١ ص ٣٠ أبواب فضائل القرآن. وفي بحار الأنوار ج ٩ ص ٧ عن تفسير العياشي. من حديث أخذنا منه موضع الحاجة: روى الحارث الهمداني،قال: (دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث فدخلت على علي فقلت: ألا ترى أن أناساً يخوضون في الأحاديث في المسجد ؟ فقال: قد فعلوها ؟ قلت: نعم، قال: أما إني قد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها ؟ قال: كتاب الله، كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم.).

١٤

أوَّلاً: تعريفٌ بالقرآن الكريم نزول القرآن الكريم :

قال تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان )(١) . وشهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور القمرية العربية بين شعبان وشوال ولم يذكر اسم شئ من الشهور في القرآن الا شهر رمضان. والن-زول هو الورود على المحلّ من العلوّ، والفرق بين الانزال والتن-زيل أن الانزال دفعي والتن-زيل تدريجي(٢) ، والقرآن اسم للكتاب المنزل على نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتبار كونه مقرؤاً كما قال تعالى:( انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)(٣) . ويطلق على مجموع الكتاب وعلى ابعاضه.والآية تدل على نزول القرآن في شهر رمضان.

وأمّا قوله تعالى: ( والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين)(٤) ، وقوله: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر )(٥) ، فإن ظاهر هذه الآيات لا يلائم كون المراد من إنزال القرآن أوّل إنزاله أو إنزال أول بعض من أبعاضه ولا قرينة في الكلام تدل على ذلك كما أدّعى البعض. والذي يعطيه التدبر في آيات الكتاب أمر آخر فإن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنما عبرت عن ذلك بلفظ الانزال الدال على الدفعة دون التنزيل كقوله تعالى :( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن )(٦) ، وقوله تعالى: ( حم. والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة)(٧) ، وقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)(٨) ، واعتبار الدفعة أما بلحاظ اعتبار المجموع في الكتاب أو البعض النازل منه كقوله تعالى: ( كماء انزلناه من السماء )(٩) ، فإن المطر إنما ين-زل تدريجاً لكن النظر هيهنا معطوف إلى اخذه مجموعاً واحداً،ولذلك عبر عنه بالانزال دون التن-زيل، وكقوله تعالى: ( كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته )(١٠) ، وإما لكون الكتاب ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضى فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج هو المصحح لكونه واحدا غير تدريجي ونازلاً بالانزال دون التن-زيل. وهذا الاحتمال الثاني هو اللائح من الآيات الكريمة كقوله تعالى: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)(١١) .

وأمّا قوله تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ضمير( أنزلناه ) للقرآن وظاهره جملة الكتاب العزيز لا بعض آياته ويؤيده التعبير بالانزال الظاهر في اعتبار الدفعة دون التن-زيل الظاهر في التدريج. وفي معنى الآية قوله تعالى:( والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة)(١٢) .

____________________

(١) سورة لالبقرة: آية ١٨٥.

(٢) الميزان في تفسير القرآن، ج ٢ ص١٥. انظر :تاج العروس، ج ١٥ ص ٧٢٩. تفسير الأمثل، ج ١٤ ص ١٥.

(٣) سورة الزخرف: آية ٣.

(٤) سورة الدخان: آية ٣.

(٥) سورة القدر: آية ١.

(٦) سورة البقرة: آية ١٨٥.

(٧) سورة الدخان: آية ٣.

(٨) سورة القدر: آية ١.

(٩) سورة يونس: آية ٢٤.

(١٠) سورة ص: آية ٢٩.

(١١) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج٢، ص١٤ - ١٧، بإيجاز وتصرف.

(١٢) سورة الدخان: آية ٣.

١٥

وظاهره الاقسام بجملة الكتاب المبين ثم الاخبار عن إنزال ما اقسم به جملة. فمدلول الآيات أن للقرآن نزولاً جمليّاً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير نزوله التدريجي الذي تم في مدة ثلاث وعشرين سنة كما يشير إليه قوله: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً)(١) ، وقوله: ( وقال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا )(٢) . فلا يعبأ بما قيل: إن معنى قوله: (أنزلناه ) ابتدأنا بإنزاله والمراد إنزال بعض القرآن.وليس في كلامه تعالى ما يبين ان الليلة أية ليلة هي غير ما في قوله تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)(٣) فإن الآية بانضمامها إلى آية القدر تدل على أن الليلة من ليالي شهر رمضان. وأما تعيينها أزيد من ذلك فمستفاد من الاخبار.وقد سماها الله تعالى ليلة القدر، والظاهر أن المراد بالقدر التقدير فهي ليلة التقدير يقدر الله فيها حوادث السنة من الليلة إلى مثلها من قابل من حياة وموت ورزق وسعادة وشقاء وغير ذلك كما يدل عليه قوله في سورة الدخان في صفة الليلة: ( فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك )(٤) ، فليس فرق الامر الحكيم إلا إحكام الحادثة الواقعة بخصوصياتها بالتقدير.(٥)

____________________

(١) سورة الإسراء: آية ١٠٦.

(٢) سورة الفرقان: آية ٣٢.

(٣) سورة البقرة: آية ١٨٥.

(٤) سورة الدخان: آية ٦.

(٥) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج ٢٠، ص٣٣٠ - ٣٣١بإيجاز وتصرف.

١٦

إعجاز القرآن وبلاغته:

قد ذكر للاعجاز في اللغة عدة معان: الفوت. وجدان العجز. إحدائه كالتعجيز. فيقال: أعجزه الامر الفلاني أي فاته، ويقال: أعجزت زيداً أي وجدته عاجزاً، أو جعلته عاجزاً. وهو في الاصطلاح أن يأتي المدعي لمنصب من المناصب الالهية بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره شاهدا على صدق دعواه(١) . وإنما يكون المعجز شاهداً على صدق ذلك المدعي إذا أمكن أن يكون صادقا في تلك الدعوى. وأما إذا امتنع صدقه في دعواه بحكم العقل، أو بحكم النقل الثابت عن نبي، أو إمام معلوم العصمة، فلا يكون ذلك شاهدا على الصدق، ولا يسمى معجزا في الاصطلاح وإن عجز البشر عن أمثاله: مثال الاول: ما إذا ادعى أحد أنه إله، فإن هذه الدعوى يستحيل أن تكون صادقة بحكم العقل، للبراهين الصحيحة الدالة على استحالة ذلك.

ومثال الثاني: ما إذا ادعى أحد النبوة بعد نبي الاسلام، فإن هذه الدعوى كاذبة قطعاً بحكم النقل المقطوع بثبوته الوارد عن نبي الاسلام، وعن خلفائه المعصومين بأن نبوته خاتمة النبوات، وإذا كانت الدعوى باطلة قطعاً، فماذا يفيد الشاهد إذا أقامه المدعي ؟ ولا يجب على الله جل شأنه أن يبطل ذلك بعدحكم العقل باستحالة دعواه،أو شهادة النقل ببطلانها.(٢)

ولذلك اقتضت الحكمة أن يُخَصّ نبي الاسلام بمعجزة البيان، وبلاغة القرآن، فعلم كل عربي أن هذا من كلام الله، وأنه خارج ببلاغته عن طوق البشر، واعترف بذلك كل عربي غير معاند. ويدل على هذه الحقيقة ما روي عن ابن السكيت أنه قال لابي الحسن الرضاعليه‌السلام : (لماذا بعث الله موسى بن عمرانعليه‌السلام بالعصا، ويده البيضاء، وآلة السحر ؟ وبعث عيسى بآلة الطب ؟ وبعث محمداً -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى جميع الانبياء - بالكلام والخطب؟. فقال أبو الحسنعليه‌السلام : إن الله لما بعث موسىعليه‌السلام كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به`الحجة عليهم. وإن الله بعث عيسىعليه‌السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى، وأبرأ الاكمه والابرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم.وإن الله بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال: الشعر - فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجة عليهم )(٣) .

____________________

(١) البيان في تفسير القرآن، ص٣٣.انظر: لسان العرب، ج٥ ص ٣٧. مجمع البحرين، ج٣ ص ١٢٤.

(٢) البيان في تفسير القرآن، ص ٣٣.

(٣) اصول الكافي، كتاب العقل والجهل، الرواية ٢٠.

١٧

وقد كانت للنبي معجزات اخرى غير القرآن، كشق القمر، وتكلم الثعبان، وتسبيح الحصى، ولكن القرآن أعظم هذه المعجزات شأناً، وأقومها بالحجة، لان العربي الجاهل بعلوم الطبيعة وأسرار التكوين، قد يشك في هذه المعجزات، وينسبها إلى أسباب علمية يجهلها. وأقرب هذه الاسباب إلى ذهنه هو السحر فهو ينسبها إليه، ولكنه لا يشك في بلاغة القرآن وإعجازه، لانه يحيط بفنون البلاغة، ويدرك أسرارها. على أن تلك المعجزات الاخرى موقتة لا يمكن لها البقاء فسرعان ما تعود خبراً من الاخبار ينقله السابق للاحق، وينفتح فيه باب التشكيك. أما القرآن فهو باقٍ إلى الابد، وإعجازه مستمر مع الاجيال.

ثانياً: خصائصُ القرآن وامتيازاته عَمَّن سواه من الكتب السماويَّة

بلاغة القرآن معجزة إلهية :

قد علم كلُّ عاقل بلغة الدعوة الاسلامية،أن محمداً (ص ) بشَّرَ جميع الامم بدعوتهم إلى الاسلام، وأقام الحجة عليهم بالقرآن، وتحدّاهم بإعجازه، وطلب منهم أن يأتوا بمثله وإن كان بعضهم لبعض ظهيراً(١) ، ثم تنزّل عن ذلك فطلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثله مُفتريات(٢) ، ثم تحدّاهم إلى الاتيان بسورة واحدة. وكان من الجدير بالعرب - وفيهم الفصحاء النابغون في الفصاحة - أن يجيبوه إلى ما يريد، ويسقطوا حجته بالمعارضة، لو كان ذلك ممكناً غير مستحيل.

____________________

(١) فقال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) سورة الإسراء: آية ٨٨.

(٢) فقال تعالى: ( أم يقولون افتراهُ قُل فأتوا بعشر سورٍ مثلهِ مفتريت وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ) سورة هود: آية ١٣.

١٨

نعم كان من الجدير بهم أن يعارضوا سورة واحدة من سور القرآن، ويأتوا بنظيرها في البلاغة، فيسقطوا حجة هذا المدعي الذي تحدّاهم في أبرع كمالاتهم، وأظهر ميزاتهم، ويسجلوا لانفسهم ظهور الغلبة وخلود الذكر. ولكن العرب فكرت في بلاغة القرآن فأذعنت لإعجازه، وعلمت أنها مهزومة إذا أرادت المعارضة، فخضعوا لدعوة القرآن، وفازوا بشرف الاسلام، وركب آخرون جادة العناد، فاختاروا المقابلة بالسيوف على المقاومة بالحروف، وآثروا المبارزة بالسنان على المعارضة في البيان، فكان هذا العجز والمقاومة أعظم حجة على أن القرآن وحي إلهي خارج عن طوق البشر. ولو ادَّعى مدَّعٍ: أن العرب قد أتت بمثل القرآن وعارضته بالحجة، وقد اختفت علينا هذه المعارضة لطول الزمان ؛ وجواب ذلك :

أن هذه المعارضة لو كانت حاصلة لأعلنتها العرب في أنديتها، وشهرتها في مواسمها وأسواقها. ولاخذ منه أعداء الاسلام نشيداً يوقعونه في كل مجلس، وذكراً يردّدونه في كلّ مناسبة، وللقنه السلف للخلف، وتحفظوا عليه تحفظ المدعي على حجته، وكان ذلك أقرّ لعيونهم من الاحتفاظ بتاريخ السلف، وأشعار الجاهلية التي ملأت كتب التاريخ، وجوامع الادب، مع أنّا لا نرى أثراً لهذه المعارضة، ولا نسمع لها بذكر. على أن القرآن الكريم قد تحدى جميع البشر بذلك، بل جميع الانس والجن، ولم يحصر ذلك بجماعة خاصة. فقال عزّ من قائل :(قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)(١) . ونحن نرى أعداء الاسلام، يبذلون الاموال الطائلة في الحط من كرامة هذا الدين، والنيل من نبيه الاعظم، وكتابه المقدس، ويتكرر هذا العمل منهم مراراً. فلو كان من الميسور لهم أن يعارضوا القرآن، ولو بمقدار سورةٍ منه، لكانَ هذا أعظم لهم في الحجة، وأقرب لحصول الامنية، ولما احتاجوا إلى صرف هذه الاموال، وإتعاب النفوس.

____________________

(١) سورة الإسراء: آية ٨٨.

١٩

القرآن معجزة خالدة :

قد عرفنا أن طريق التصديق بالنبوة والايمان بها، ينحصر بالمعجز الذي يقيمه النبي شاهداً لدعواه، ولما كانت نبوءات الانبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم، كان مقتضى الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد، ومحدودة، لانها شواهد على نبوءات محدودة، فكان البعض من أهل تلك الازمنة يشاهد تلك المعجزات فتقوم عليه الحجة، والبعض الاخر تنقل إليه أخبارها من المشاهدين على وجه التواتر، فتقوم عليه الحجة أيضاً. أما الشريعة الخالدة، فيجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضاً، لان المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد لم يشاهدها البعيد، وقد تنقطع أخبارها المتواترة، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة،فإذا كلفه الله بالايمان بها كان من التكليف بالممتنع، والتكليف بالممتنع مستحيل على الله تعالى، فلا بد للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة دائمة.وهكذا أنزل الله القرآن معجزة خالدة ليكون برهاناً على صدق الرسالة الخالدة، وليكون حجةً على الخلف كما كان حجة على السلف. وقد نتج لنا عما قدمناه أمران :الاول: تفوق القرآن على جميع المعجزات التي ثبتت للانبياء السابقين، وعلى المعجزات الاخرى التي ثبتت لنبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكون القرآن باقياً خالداً، وكون إعجازه مستمراً يُسمِعُ الاجيال ويحتجُّ على القرون.الثاني: إن الشرائع السابقة منتهية منقطعة، والدليل على انتهائها هو انتهاء أمد حجتها وبرهانها، لأنقطاع زمان المعجزة التى شهدت بصدقها.ثم ان القرآن يختص بخاصيّة اخرى، وبها يتفوّق على جميع المعجزات التي جاء بها الانبياء السابقون، وهذه الخاصة هي تكفله بهداية البشر، وسوقهم إلى غاية كمالهم. فإن القرآن هو المرشد الذي أرشد العرب المعتنقين أقبح العادات والعاكفين على الاصنام، والمشتغلين بالحروب الداخلية، والمفاخرات الجاهلية، فتكونت منهم أمةٌ ذات عظمةٍ في تاريخها، وذات سموٍ في معارفها وعاداتها. ومن نظر في تاريخ الاسلام وسبر تراجم أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستشهدين بين يديه، ظهرت له عظمة القرآن في بليغ هدايته، وكبير أثره، فإنه هو الذي أخرجهم من حضيض الجاهلية إلى أعلى مراتب العلم والكمال، وجعلهم يتفانون في سبيل الدين وإحياء الشريعة.ولمّا عرفنا أن القرآن معجزة إلهية، في بلاغته وأسلوبه، لذا يجب علينا أن نعلم أيضاً أن اعجازه لا ينحصر في ذلك، بل هو معجزة ربّانيّة، وبرهان صدق على نبوة من انزل إليه من جهات شتى، فيحسن بنا أن نتعرض إلى شيء منها على نحو الاختصار :

٢٠