• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68327 / تحميل: 6723
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 7

مؤلف:
العربية

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه‌السلام )

(المرتضى من سيرة المرتضى)

الجزء السابع

السيد جعفر مرتضى العاملي

١

٢

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٣

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه‌السلام )

(المرتضى من سيرة المرتضى)

الجزء السابع

السيد جعفر مرتضى العاملي

٤

الفصل الرابع: تبليغ سورة براءة

٥

٦

إرسال أبي بكر إلى مكة:

قلنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): إن أبا بكر حج بالناس في سنة تسع بأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

ثم بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) على أثر أبي بكر ليأخذ سورة براءة منه، ويقرأها هو على الناس، فأدركه بالعرج في قول ابن سعد، أو في ضجنان(1) كما قاله ابن عائذ. وكان علي (عليه‌السلام ) على العضباء ناقة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فزعموا: أن أبا بكر لما رآه قال: أميراً أو مأموراً؟!

قال: لا بل مأمور. ثم مضيا(2) .

وحسب نص آخر: بعث أبا بكر على إقامة الحج سنة تسع، وبعث في أثره علياً يقرأ على الناس سورة براءة.

____________

1- العرج: قرية تبعد عن المدينة نحو ثمانية وسبعين ميلاً. وضجنان: جبل يبعد عن مكة اثني عشر ميلاً.

2- راجع: سبل الهدى والرشاد ج12 ص73 و 74 والدرر لابن عبد البر ص250 وإمتاع الأسماع ج14 ص322.

٧

فقيل: لأن أولها نزل بعد أن خرج أبو بكر إلى الحج(1) .

وقيل: بل لأن عادة العرب كانت أنه لا تحل العقود والعهود ويعقدها إلا المطاع، أو رجل من أهل بيته، فلهذا بعث علياً (عليه‌السلام ) في أثره(2) .

وقيل: أردفه به عوناً له ومساعداً، ولهذا قال له الصدِّيق: أأميراً أو مأموراً؟!

قال: بل مأموراً.

وقالوا: وأما أعداء الله الرافضة، فيقولون: عزله بعلي، وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم(3) .

وقيل: كان في سورة براءة الثناء على الصدِّيق، فأحب أن يكون على لسان غيره، قال في الهدى: لأن السورة نزلت بعد ذهاب أبي بكر إلى

____________

1- راجع: الدرر لابن عبد البر ص250 وإمتاع الأسماع ج14 ص321 و 322.

2- راجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص338 وج12 ص75 ودلائل الصدق ج2 ص245 و 246 عن الفضل بن روزبهان، والجامع لأحكام القرآن ج8 ص61 وبحار الأنوار ج30 ص319 عن الجبائي، والمغني للقاضي عبد الجبار ج20 ص351 وتفسير الرازي ج15 ص218 والكشاف للزمخشري ج2 ص172 وتفسير البيضاوي ج1 ص405 وشرح التجريد للقوشجي ص372 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص345.

3- راجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص338.

٨

الحج(1) .

ونقول:

لا بد من ملاحظة ما يلي:

وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ:

إن هذا العرض لما جرى لأبي بكر في تبليغ مضامين سورة براءة في موسم الحج يمثل أنموذجاً لمكر الماكرين، وجحود الجاحدين، وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(2) ..

مع أن أحداث هذه القضية كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، ولم يزل العلماء يتداولونها، ويستدلون بها في قضايا الإمامة، ولا يجد الآخرون مناصاً عن البخوع لمقتضيات مضامينها، والتسليم بدلالاتها، ولو وجدوا أي مجال للتأويل أو التحوير لما ترددوا في اللجوء إليه، والتعويل عليه.

ونحن نوضح هنا الحقيقة في هذه القضية، فنقول:

حقيقة ما جرى:

عن الحارث بن مالك: أنه سأل سعد بن أبي وقاص (أو: سعد بن مالك): هل سمعت لعلي منقبة؟!

____________

1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج12 ص75.

2- الآية 46 من سورة إبراهيم.

٩

قال: قد شهدت له أربعاً، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا، أُعمّر فيها مثل عمر نوح: إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة. ثم قال لعلي: اتبع أبا بكر فخذها وبلغها.

فَرَدَّ عليٌّ أبا بكر، فرجع يبكي، فقال: يا رسول الله، أنزل فيَّ شيء؟!

قال: لا، إلا خيراً، إنه ليس يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني.

أو قال: من أهل بيتي الخ..)(1) .

وكان مع أبي بكر، قبل أن يرجع ثلاث مائة رجل(2) .

خلاصات ضرورية:

ولتوضيح هذه القضية نحتاج إلى إيراد خلاصة جامعة لما جرى فيها، وهي كما يلي:

يظهر من النصوص المتوافرة لدينا: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر أبا بكر أن يسير إلى مكة ليقيم للناس حجهم في سنة تسع، وليبلغ الناس عنه صدر

____________

1- كفاية الطالب ص287 وبحار الأنوار ج35 ص285 عن علل الشرايع ص74 ومقام الإمام علي "عليه‌السلام " لنجم الدين العسكري ص36 والغدير للشيخ الأميني ج1 ص40 وج6 ص346 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص445 وج15 ص661 وج22 ص429 عن مختصر تاريخ دمشق (ط إسلامبول) ج17 ص130.

2- بحار الأنوار ج35 ص309 عن الكامل لابن الأثير.

١٠

سورة براءة، بالإضافة إلى قرارات أخرى يريد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يلزم الناس بمراعاتها.

ويستفاد من مجموع الروايات: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كتب عشر آيات، أو ثلاثين أو أربعين آية من سورة براءة، وكتب أيضاً:

1 ـ أن لا يطوفنَّ بالبيت عريان.

2 ـ لا يجتمع المسلمون والمشركون.

3 ـ ومن كان بينه وبين رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عهد، فأجله إلى مدته، ومن لم يكن بينه وبينه عهد فأجله إلى أربعة أشهر.

4 ـ إن الله بريء من المشركين وَرَسُولُهُ.

5 ـ لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (أو إلا من كان مسلماً).

6 ـ لا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا.

7 ـ أن هذه أيام أكل وشرب.

8 ـ أن يرفع الخمس من قريش، وكنانة وخزاعة إلى عرفات(1) .

والخمس: هي أحكام كانوا قد قرروها لأنفسهم: هي ترك الوقوف بعرفات والإفاضة منها(2) .

____________

1- تفسير فرات ص161 وبحار الأنوار ج35 ص300 عنه، وراجع: تفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج8 ص87.

2- راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص199.

١١

فلما كان أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وإذا هو علي (عليه‌السلام )، فأخذ الكتاب من أبي بكر ومضى.

ويبدو أن الكتب كانت ثلاثة:

أحدها: ما أشير إليه آنفاً.

والثاني: كتاب يشتمل على سنن الحج، كما روي عن عروة.

والكتاب الثالث: كتبه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الى أبي بكر وفيه: أنه استبدله بعلي (عليه‌السلام ) لينادي بهذه الكلمات في الموسم، ويقيم للناس حجهم.

وعند المفيد: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لعلي: (وخيِّر أبا بكر أن يسير مع ركابك، أو يرجع إليَّ).

فاختار أبو بكر أن يرجع إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فلما دخل عليه قال: (يا رسول الله، إنك أهلتني لأمر طالت الأعناق فيه إليَّ، فلما توجهت له رددتني عنه؟! ما لي؟! أنزل فيَّ قرآن؟!

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): لا، الخ..)(1) .

وفي نص آخر: فأخبره النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن جبرئيل جاءه وقال له: إنه لا يبلغ عنه إلا هو أو رجل منه، وهو علي (عليه‌السلام ).

____________

1- الإرشاد ج1 ص65 و 66 وبحار الأنوار ج21 ص275 وج35 ص303 عنه، وعن المناقب ج1 ص326 و 327 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص55 ونهج الإيمان لابن جبر ص247 وكشف اليقين ص173.

١٢

فقرأ علي (عليه‌السلام ) في موقف الحج سورة براءة حتى ختمها كما عن جابر.

وعن عروة: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر علياً (عليه‌السلام ) أن يؤذّن بمكة وبمنى، وعرفة، وبالمشاعر كلها: بأن برئت ذمة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من كل مشرك حج بعد العام، أو طاف بالبيت عريان الخ..

ولهذا الحديث مصادر كثيرة جداً، فراجعه في مظانه(1) .

____________

1- راجع هذا الحديث في المصادر التالية: الدر المنثور ج3 ص209 و 210 عن أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وابن حبان، والطبراني، والتراتيب الإدارية ج1 ص72 ورسالات نبوية ص72 وبحار الأنوار ج21 ص266 و 267 و 274 و 275 وج35 ص285 ـ 309 والجامع لأبي زيد القيرواني ص396 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص66 والرياض النضرة ج3 ص118 و 119 وذخائر العقبى ص69 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص91 وعن تاريخ الأمم والملوك ج3 ص122 و 123 و (ط أخرى) ص152 والكفاية للخطيب ص313 والسنة لابن أبي عاصم ص589 وكنز العمال ج2 ص422 و 417 و 431 وج13 ص109 ومجمع الزوائد ج7 ص29 وتفسير المنار ج10 ص157 و 156 والعمدة لابن البطريق ص160 وكشف اليقين ص172 والبداية والنهاية ج5 ص38 وج7 ص357 وعمدة القاري ج18 ص260 وج4 ص78 ووسيلة المآل ص122 والجمل للمفيد ص219 والكامل لابن عدي (ط دار الفكر) ج3 ص256 و 413 وابن زنجويه ج1 ص663 والمعجم الكبـير ج11 = = ص400 وفتح القدير ج2 ص334 والمناقب للخوارزمي ص99 و 165 و 164 وزوائد المسند ص353 وفرائد السمطين ج1 ص61 وأنساب الأشراف ج1 ص383 وجامع البيان ج10 ص44 ـ 47 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص333 والصواعق المحرقة ص32 وتفسير أبي حيان ج5 ص6 وإمتاع الأسماع ص499 والإصابة ج2 ص509 وخصائص الإمام علي بن أبي طالب للنسائي ص92 و 93 والأموال لأبي عبيد ص213 و 215 وتيسير الوصول ج1 ص158 وعن الكشاف ج2 ص243 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص203 والسنن الكبرى ج5 ص128 ح8461 وج9 ص224 وكفاية الطالب ص255 و 254 و 285 عن أحمد، وابن عساكر، وأبي نعيم، وتشييد المطاعن ج1 ص164 و 165 ونور الثقلين ج2 ص177 و 182 وتهذيب تاريخ دمشق ج3 ص89 ومسند أحمد ج1 ص3 و 151 و 150 وج3 ص212 و 283 وإرشاد الساري ج10 ص283 وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج10 ص36 وتذكرة الخواص ص37 وترجمة الإمام علي "عليه‌السلام " من تاريخ مدينة دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص376 و 390 والمستدرك على الصحيحين ج2 ص361 وج3 ص52 وينابيع المودة ص89 والطرائف ص38 و 39 وعن فتح الباري ج8 ص318 ومختصر تاريخ دمشق ج18 ص6 وج20 ص68 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص257 و 256 وتفسير النسفي ج2 ص115 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص168 وتفسير البيضاوي ج1 ص394 ومطالب السؤل ص17 وشرح نهج البلاغة للـمـعتـزلـي ج12 ص46 وج7 ص288 وسنن الـدارمي ج2 ص67 و 237 = وصحيح ابن خزيمة ج4 ص319 والروض الأنف ج7 ص374 والكامل في التاريخ ج1 ص644 والتفسير الكبير للرازي ج15 ص218 والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج5 ص19 وج15 ص16 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص44 والمواهب اللدنية ج1 ص640 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص140 وروح المعاني ج10 ص44 و 45 وتاريخ الخميس ج2 ص141 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص128 وج2 ص407 وعن ابن خزيمة، وأبي عوانة، والدارقطني في الإفراد، وابن أبي حاتم، وتفسير البغوي (مطبوع مع تفسير الخازن) ج3 ص49 وتفسير الخازن ج2 ص203 والإرشاد للمفيد ج1 ص65 و 66 والبرهان (تفسير) ج2 ص100 و 101 وإعلام الورى ص132 وعن علل الشرايع ص74 وعن الخصال ج2 ص16 و 17 ومسند علي ص741.

١٣

١٤

وقد نظم الشعراء هذه المنقبة شعراً، فقال شمس الدين المالكي المتوفى سنة 780هـ:

وأرسله عنه الرسول مبلغاً وخُص بهذا الأمر تخصيص مفردِ

وقال: هل التبليغ عني ينبغي لمن ليس من بيتي من القوم فاقتدِ(1)

استمرار أبي بكر في مسيره إلى مكة:

اختلفت روايات غير الرافضة! في مسير أبي بكر إلى مكة، أو رجوعه إلى المدينة، فهي على ثلاثة أقسام:

الأول: لم يتعرض للنفي، ولا للإثبات..

____________

1- الغدير ج6 ص58 و 338 عن نفح الطيب ج10 ص244.

١٥

الثاني: صرح بمواصلة مسيره إلى مكة، وحج مع علي (عليه‌السلام )، رووا ذلك عن أبي هريرة، وابن عباس، ونسب إلى أبي جعفر أيضاً.

الثالث: تحدث عن رجوع أبي بكر إلى المدينة، وهو المروي عن علي (عليه‌السلام )، وابن عباس، وأبي هريرة والسدي(1) ، وزيد بن بثيع، وأبي بكر نفسه.

وتعبير بعض روايات هؤلاء: بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعث (براءة) أولاً مع أبي بكر، ثم دعاه فبعث بها علياً (عليه‌السلام )(2) .

فيلاحظ: أن أصحاب الرأي الثاني هم ثلاثة فقط، وهم أنفسهم رووا رجوعه إلى المدينة، ووافقهم عليه آخرون، حتى أبو بكر نفسه.

فلا يصح ما ادعاه ابن روزبهان، من أن علياً لم يكن أمير الحج، لأنه كان مكلفاً فقط بتبليغ الآيات، مع تواتر الأخبار بأن أبا بكر قد حج في تلك

____________

1- مكاتيب الرسول ج1 ص268.

2- راجع: مسند أحمد ج3 ص283 ونحوه في سنن الترمذي في تفسير سورة التوبة. وقال: هذا حديث حسن. وكنز العمال ج2 ص422 وراجع: الغدير ج6 ص345 وشواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص309 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص344 وكشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد (بتحقيق الآملي) للعلامة الحلي ص509 و (بتحقيق السبحاني) ص204 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج22 ص422.

١٦

السنة(1) . انتهى.

ولا يصح أيضاً ما ادعاه القاضي عبد الجبار: من أن ولاية أبي بكر على الموسم والحج في تلك السنة قد ثبت بلا خلاف بين أهل الأخبار، ولم يصح أنه عزله..

قال: ولا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مستفهماً عن القصة على العزل(2) .

نعم، لا يصح ذلك.

أولاً: لأنه قد ظهر مما ذكرناه آنفاً، أن الأخبار متواترة في رجوع أبي بكر إلى المدينة.. ولم يرو عندهم مضي أبي بكر مع علي (عليه‌السلام ) إلى مكة سوى ما نسبوه إلى أبي جعفر..

أما رواية أبي هريرة، وابن عباس ذهابه إلى مكة فهي مشكوكة، لمعارضتها بروايتهما رجوعه إلى المدينة..

ثانياً: إن مهمة أبي بكر أولاً كانت إقامة الحج وتبليغ الآيات، فما الذي يمنع من أن يتولى علي (عليه‌السلام ) ـ بعد رجوع أبي بكر ـ تبليغ الآيات،

____________

1- دلائل الصدق ج3 ق1 ص18 و 19 عن فضل بن روزبهان، وشرح إحقاق الحق (الأصل) ص222.

2- بحار الأنوار ج3 ص314 وج30 ص416 والمغني لعبد الجبار ج20 ص350 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص195 والشافي في الإمامة ج4 ص153.

١٧

وإقامة الحج أيضاً؟! فلماذا يريد ابن روزبهان أن يشكك في هذا الأمر..

ثالثاً: لا إجماع على تولية أبي بكر الحج في تلك السنة كما ظهر من رواية علي (عليه‌السلام )، وابن عباس، وابن بثيع، وأبي هريرة وأبي بكر نفسه، وغيرهم.

وتقدم: أن راوي مواصلة أبي بكر مسيره إلى مكة واحد.

يضاف إلى ذلك: قول الطبرسي عن علي (عليه‌السلام ): (روى أصحابنا أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ولاه أيضاً الموسم، وأنه حين أخذ البراءة من أبي بكر رجع أبو بكر(1) .

رابعاً: إن إجماع بعض أهل الأخبار على مسير أبي بكر إلى مكة مع روايتهم رجوعه إلى المدينة عمن ذكرناهم عن قريب، يؤكد التهمة لهؤلاء الناس، في أنهم يسعون لتحسين صورة أبي بكر، وإبعاد الظنون والشبهات عنه.

والقول بأن الرجوع إلى المدينة رجوع بهدف الاستفهام، ولا يدل على عدم استئناف سفر جديد إلى مكة، لإنجاز مهمة الحج بالناس.. مجازفة ظاهرة.. فإن القائلين بذلك لم يدعوا استئناف السفر إلى مكة وتولي الحج من جديد، بل هم يقولون: إنه رجع إلى المدينة بصورة نهائية.

____________

1- مجمع البيان ج5 ص9 وبحار الأنوار ج21 ص266 وج30 ص417 والصافي (تفسير) ج2 ص321 والتبيان للطوسي ج5 ص169 ونور الثقلين ج2 ص182.

١٨

تبدل آراء الأنبياء:

وقد يتساءل البعض فيقول:

كيف يتبنى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) رأياً، ويباشر بتنفيذه ثم يعدل عنه؟!

هل لأنه ظهر له خطؤه؟!

ألا يضعف ذلك ثقة الناس بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ويخل بمكانته في نفوسهم؟!

ونجيب:

ليست القضية قضية خطأ في الرأي قد بان صوابه، بل كان هناك أمران لا بد من ملاحظتهما، وهما:

1 ـ أن المطلوب كان إرسال أبي بكر إلى المكان الذي أرسل إليه، وأن يرى الناس ذلك.

2 ـ ثم إرسال علي (عليه‌السلام ) في أثره ليأخذ الكتاب، وأن يرى الناس ذلك أيضاً.

وقد كان الأمران كلاهما بوحي من الله، لا برأي بان خطؤه، لأننا نعلم: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(1) .

وأما المصلحة في ذلك فسيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى.

____________

1- الآيتان 3 و4 من سورة النجم.

١٩

لماذا يتبرع أبو بكر؟!:

إذا كان أبو بكر يرغب في جمع الدلائل على أهليته للخلافة، فمن المتوقع: أن يتبرع هو بالذهاب إلى مكة، لا أن ينزعج من اختياره لها، إلا إن كانت خشيته على حياته هي التي أوجبت له هذا الانزعاج..

وحينئذ نقول:

لقد كان علي (عليه‌السلام ) أولى بهذه الخشية منه، فإنه هو الذي وتر قريشاً، وأسقط هيبتها.

ومن جهة أخرى: إذا كان أبو بكر يخاف على نفسه من أهل مكة، فلماذا ينزعج من إرجاعه؟! لا سيما بعد التوضيح له: بأن سبب إرجاعه هو أن الذي يبلغ عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) شخص له أوصاف لا تنطبق عليه..

سبب إرجاع أبي بكر:

لعل من أسباب إرجاع أبي بكر عن تبليغ رسالة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وآيات سورة براءة لأهل مكة الأمور التالية:

1 ـ قد يقال: إن من أهداف ذلك بيان أن أبا بكر لا يصلح للنيابة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في أمر الإبلاغ.. ربما لأنه لا يؤدي الأمر بحرفيته التامة، بل يراعي أموراً تجعله يقدم على التغيير والتبديل، وربما تكون هذه الأمور مصالح شخصية، تعود إليه.. ككونه لا يريد جرح مشاعر قومه، ولا إزعاجهم، ولا تصعيب علاقته بهم، أو غير ذلك..

والخلاصة: النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يريد تعريف الناس بأن أبا بكر

٢٠