الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
إليه الآخرون، ليمكن اتهامهم بأنهم يدبرون لأمر قد لا يكون لهم الحق به، أو اتهامهم بالسعي لتأييد مفهوم اعتقادي، أو لواقع سياسي، أو الانتصار لجهة أو لفريق بعينه، في صراع ديني، أو اجتماعي، أو غيره..
ويلاحظ: أن الله تعالى قد شق جدار الكعبة لوالدته "عليهالسلام " حين دخلت، وحين خرجت، بعد أن وضعته في جوف الكعبة الشريفة..
وقد جرى هذا الصنع الإلهي له "عليهالسلام " حيث كان لايزال في طور الخلق والنشوء في هذا العالم الجديد.. ليدل دلالة واضحة على اصطفائه تعالى له، وعنايته به..
وذلك من شأنه أن يجعل أمر الإهتداء إلى نور ولايته أيسر، ويكون الإنسان في إمامته أبصر..
ويتأكد هذا الأمر بالنسبة لأولئك الذين سوف تترك لمسات ذباب سيفه "ذي الفقار" آثارها في أعناق المستكبرين والطغاة من إخوانهم، وآبائهم، وعشائرهم، أو من لهم بهم صلة أو رابطة من أي نوع..
الرصيد الوجداني آثار وسمات:
ثم إن هذا الرصيد الوجداني، قد هيأه الله لهم ليختزنوه في قلوبهم وعقولهم من خلال النصوص القرآنية والنبوية التي تؤكد فضل علي "عليهالسلام " وإمامته، ثم جاء الواقع العملي ليعطيها المزيد من الرسوخ والتجذر في قلوبهم وعقولهم من خلال مشاهداتهم، ووقوفهم على ما حباه الله به من ألطاف إلهية، وإحساسهم بعمق وجدانهم بأنه وليد مبارك، وبأنه من صفوة خلق الله، ومن عباده المخلصين.
وذلك سيجعلهم يدركون: أنه "عليهالسلام "، لا يريد بما بذله من جهد وجهاد في مسيرة الإسلام، إلا رضا الله سبحانه، وإلا حفظ مسيرة الحياة الإنسانية، على حالة السلامة، وفي خط الاعتدال.. لأنها مسيرة سيكون جميع الناس ـ بدون استثناء ـ عناصر فاعلة ومؤثرة فيها، ومتأثرة بها..
وبذلك يصبح الذين يريدون الكون في موقع المخاصم له "عليهالسلام "، أو المؤلب عليه، أمام صراع مع النفس ومع الوجدان، والضمير، وسيرون أنهم حين يحاربونه إنما يحاربون الله ورسوله.. ويسعون في هدم ما شيده للدين من أركان، وما أقامه من أجل سعادتهم، وسلامة حياتهم، من بنيان..
ولادة علي(عليهالسلام) في الكعبة لطف بالأمة:
فولادة الإمام علي "عليهالسلام "، في الكعبة المشرفة، لطف إلهي، بالأمة بأسرها، حتى بأولئك الذين وترهم الإسلام، وهو سبيل هداية لهم ولها، وسبب انضباط وجداني، ومعدن خير وصلاح، ينتج الإيمان، والعمل الصالح، ويكف من يستجيب لنداء الوجدان، عن الإمعان في الطغيان، والعدوان، وعن الإنسياق وراء الأهواء، والعواطف، من دون تأمل وتدبر..
وغني عن البيان، أن مقام الإمام علي "عليهالسلام " وفضله، أعظم وأجل من أن تكون ولادته "عليهالسلام "، في الكعبة سبباً أو منشأً لإعطاء المقام والشرف له.. بل الكعبة هي التي تعتز، وتزيد قداستها، وتتأكد
حرمتها بولادته فيها صلوات الله وسلامه عليه..
وأما رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، فإن معجزته الظاهرة التي تهدي الناس إلى الله تعالى، وإلى صفاته، وإلى النبوة، وتدلهم على النبي، وتؤكد صدقه، وتلزم الناس كلهم بالإيمان به، وتأخذ بيدهم إلى التسليم باليوم الآخر ـ إن هذه المعجزة ـ هي هذا القرآن العظيم، الذي يهدي إلى الرشد من أراده، والذي لا بد أن يدخل هذه الحقائق إلى القلوب والعقول أولاً، من باب الاستدلال، والانجذاب الفطري إلى الحق بما هو حق.. من دون تأثر بالعاطفة، وبعيداً عن احتمالات الإنبهار بأية مؤثرات أخرى مهما كانت..
إذ إن القضية هي قضية إيمان وكفر، وحق وباطل، لا بد لإدراكهما من الكون على حالة من الصفاء والنقاء، وتفريغ القلب من أي داع آخر، قد يكون سبباً في التساهل في رصد الحقيقة، أو في التعامل مع وسائل الحصول عليها، والوصول إليها..
فالله لا يريد أن تكون مظاهر الكرامة، سبباً في إعاقة العقل عن دوره الأصيل في إدراك الحق، وفي تحديد حدوده، وتَلَمُّس دقائقه، وحقائقه والتبيُّن لها إلى حد تصير معه أوضح من الشمس، وأبين من الأمس..
ولذلك فإن الله تعالى لم يصنع لرسوله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، ما يدعوهم إلى تقديسه كشخص، ولا ربط الناس به قبل بعثته بما هو فرد بعينه، لا بد لهم من الخضوع والبخوع له، وتمجيد مقامه، لأن هذا قد لا يكون هو الأسلوب الأمثل، ولا الطريقة الفضلى، في سياسية الهداية الإلهية
إلى الأمور الإعتقادية، التي هي أساس الدين، والتي تحتاج إلى تفريغ النفس، وإعطاء الدور، كل الدور، للدليل وللبرهان، وللآيات والبينات، وإلى أن يكون التعاطي مع الآيات والدلائل بسلامة تامة، وبوعي كامل، وتأمل عميق، وملاحظة دقيقة..
وهذا هو ما نلاحظه في إثارات الآيات القرآنية لقضايا الإيمان الكبرى، خصوصاً تلك التي نزلت في الفترة المكية للدعوة. فإنها إثارات جاءت بالغة الدقة، رائعة في دلالاتها وبياناتها، التي تضع العقل والفطرة أمام الأمر الواقع الذي لا يمكن القفز عنه، إلا بتعطيل دورهما، وإسقاط سلطانهما، لمصلحة سلطان الهوى، ونزوات الشهوات، والغرائز..
وهذا الذي قلناه، لا ينسحب ولا يشمل إظهار المعجزات والآيات الدالة على الرسولية، وعلى النبوة، فإنها آيات يستطيع العقل أن يتخذ منها وسائل وأدوات ترشده إلى الحق، وتوصله إليه.. وتضع يده عليه.. وليست هي فوق العقل، ولا هي من موجبات تعطيله، أو إضعافه.
نشـأة علي (عليهالسلام )..
علي(عليهالسلام) في كنف الرسول(صلىاللهعليهوآلهوسلم) :
ورد في رواية يزيد بن قعنب: أن فاطمة بنت أسد ولدت علياً "عليهالسلام " ولرسول الله"صلىاللهعليهوآلهوسلم " ثلاثون سنة، فأحبه رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حباً شديداً. وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي.
وكان "صلىاللهعليهوآلهوسلم " يلي أكثر تربيته، وكان يطهّر علياً "عليهالسلام " في وقت غسله، ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويجعله على صدره، ويقول: هذا أخي، ووليي، وناصري، وصفيي، وذخري، وكهفي، وصهري، ووصيي، وزوج كريمتي، وأميني على وصيتي، وخليفتي.
وكان يحمله دائماً، ويطوف به جبال مكة، وشعابها، وأوديتها(1) .
____________
1- بحار الأنوار ج35 ص9 و 10وكشف اليقين ص19ـ 21 وبشارة المصطفى ص7 و 8 وكشف الغمة ج1 ص126و 127و (ط دار الأضواء) ص61 وكتاب الأربعين ص61 وحلية الأبرار ج2 ص29 وشجرة طوبى ج2 ص219 وخصائص الوحي المبين ص25 وأعيان الشيعة ج1 ص372 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص92 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص57.
وقال المعتزلي: "عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين "عليهالسلام ": سمعت زيداً ـ أبي ـ يقول: كان رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " يمضغ اللحمة والثمرة حتى تلين، ويجعلهما في فم علي "عليهالسلام "، وهو صغير في حجره"(1) .
وفي خطبته "عليهالسلام " المسماة بالقاصعة يقول عن رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم ": "وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه. وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل..".
إلى أن قال: "ولقد كنت أتبعه اتِّباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالإقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري".
ونقول:
لاحظ ما يلي:
لماذا في غار حراء؟!:
وقد ذكر "عليهالسلام " أنه كان مع النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حين
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص200 وبحار الأنوار ج38 ص323 و 324 وشرح أصول الكافي ج2 ص298 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص92.
يكون في حراء فيراه ولا يراه غيره، لم يكن "عليهالسلام " مجرد متفرج على رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، بل كان يشاركه في تعبده وتخشعه.
والذي نراه: أن تعبده "صلىاللهعليهوآلهوسلم " هو وعلي "عليهالسلام " بحراء لم يكن عفوياً، بل كان له سبب هام جداً، وهو أن الأصنام قد وضعت حول الكعبة وفيها وعليها، فلم يكن يتعبد عندها أو فيها كراهة أن يتخيل أحد أنه إنما يسجد للأصنام، أو يخضع لها، أو أنه يُكِنُّ لها في نفسه شيئاً من الإحترام الذي يزعمونه.
ويلاحظ: أن بني هاشم وعلى رأسهم عبد المطلب وأبو طالب لا يُذْكَرُون في جملة المترددين على الكعبة، أو في جملة الذين يجلسون عندها، أو في جملة من كان يعظم تلك الأصنام، ربما لأنهم كانوا أيضاً على دين الحنيفية، ويريدون أن ينأوا بأنفسهم عن أن يتوهم في حقهم أي تقديس لتلك الأصنام.
لو ولدت الزهراء( عليهاالسلام ) قبل البعثة!!:
وقال "عليهالسلام ": "ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام، غير رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة"(1)
____________
1- نهج البلاغة (بشرح عبده) الخطبة القاصعة رقم 192 ج2 ص157 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص180 والطرائف لابن طاووس ص414 ـ 415 وشرح مئة كلمة لأمير المؤمنين لابن ميثم البحراني ص220 وكتاب الأربعين للشيرازي ص223 وحلية الأبرار ج2 ص30 وبحـار الأنـوار ج14 ص475 وج15 = = ص361 وج38 ص320 وكتاب الأربعين للماحوزي ص436 والأنوار البهية ص35 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص68 والغدير ج3 ص240 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص331 وسنن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " للسيد الطباطبائي ص403 والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص531 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص197 وأعيان الشيعة ج1 ص335 ونهج الإيمان لابن جبر ص532.
ويدل هذا الكلام على: أن فاطمة الزهراء "عليها السلام" قد ولدت بعد البعثة، إذ لو كانت قد ولدت قبل البعثة بخمس سنين ـ كما يزعمون ـ لم يصح قوله "عليهالسلام ": لم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وخديجة وأنا ثالثهما.
كما أن قوله "عليهالسلام ": إنه سمع رنة الشيطان حين البعثة يدل على عدم صحة قولهم: إن الوحي نزل على النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وهو في حراء، وكان وحده، فرجع إلى خديجة يرجف.
العلاقة بين النبي(صلىاللهعليهوآلهوسلم) وعلي(عليهالسلام) :
وعن الفضل بن عباس: سألت أبي عن ولد رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " الذكور: أيهم كان رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " له أشد حباً؟!
فقال: علي بن أبي طالب "عليهالسلام ".
فقلت له: سألتك عن بنيه؟!
فقال: إنه كان أحب إليه من بنيه جميعاً وأرأف. ما رأيناه زايله يوماً من الدهر، منذ كان طفلاً، إلا أن يكون في سفر لخديجة. وما رأينا أباً أبر بابن منه لعلي "عليهالسلام "، ولا أبناً أطوع لأب من علي له(1) .
وروى جبير بن مطعم، قال: قال أبي مطعم بن عدي لنا، ونحن صبيان بمكة: ألا ترون حب هذا الغلام ـ يعني علياً "عليهالسلام " ـ لمحمد "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، واتَّباعه له دون أبيه؟! واللات والعزى، لوددت أنه أبني بفتيان بني نوفل جميعاً(2) .
إن جبير بن مطعم يود أن علياً "عليهالسلام " ولده، حتى لو خسر جميع فتيان بني نوفل.
ولادة علي(عليهالسلام) قبل زواج خديجة:
اتضح مما سبق: أن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حين ولادة علي "عليه
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص200 وبحار الأنوار ج38 ص323 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص95 ومناقب أهل البيت "عليهم السلام" للشيرواني ص46.
2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص201 وبحار الأنوار ج38 ص324 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص95.
السلام" كان لا يزال في بيت أبي طالب، وقد طلب من فاطمة بنت أسد أن تجعل مهده بقرب فراشه، فكان هو "صلىاللهعليهوآلهوسلم " يتولى أكثر تربيته..
وهذا يعني: أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لم يكن قد تزوج بخديجة، إذ لو كان قد تزوجها لكان فراشه في بيته، لا في بيت أبي طالب.. ولكان من غير الطبيعي أن يتولى هو أكثر تربية علي "عليهالسلام ".
وهذا يعطي: أن الرواية الصحيحة في تاريخ زواج النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " بخديجة هي تلك التي تقول: إنه قد تزوجها وهو في سن الخامسة أو الثالثة والثلاثين، أي بعد ولادة علي "عليهالسلام " بخمس أو ثلاث سنوات، فراجع(1) .
خصني بالنظر وخصصته بالعلم:
قال ابن شهراشوب: "وسمعت مذاكرة: أنه لما ولد علي "عليهالسلام " لم يفتح عينيه ثلاثة أيام، فجاء النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، ففتح عينيه، ونظر إلى النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، فقال صلوات الله عليه: خصني بالنظر، وخصصته بالعلم"(2) . أي أنه "عليهالسلام " لا يريد أن يفتح عينيه إلا على مصدر الخير والبركات.. كما أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حباه بالخير كله حين
____________
1- راجع: كتابنا: الصحيح من سيرة النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " (الطبعة الرابعة) ج2 ص114 و (الطبعة الخامسة) ج2 ص199.
2- مناقب آل أبي طالب ج2 ص179 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص27 وبحار الأنوار ج38 ص294 والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص146.
خصه بالعلم.
ولعل ذلك قد حصل في الأيام التالية للولادة بأن يكون "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قد غاب عنه، فلم يفتح عينيه في وجه أحد إلا في وجه رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم ".
النبي(صلىاللهعليهوآلهوسلم) يخبر بالغيب عن علي(عليهالسلام) :
ثم إن ما ورد على لسان النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " من أن علياً "عليهالسلام " وصيه وزوج ابنته، وناصره، وخليفته يؤكد ما قلناه أكثر من مرة، من أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " كان نبياً منذ صغره، إذ لا سبيل إلى معرفة هذه الأمور إلا بالوحي الإلهي.. لا سيما وأن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لم يكن قد تزوج بعد، وإن كان قد تزوج بالفعل، فإن الزهراء "عليها السلام" لم تكن قد ولدت أصلاً بالإتفاق..
علي (عليهالسلام ) يشير إلى معنى العصمة:
وفي قول أمير المؤمنين "عليهالسلام " في خطبته القاصعة: "وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل" إشارة إلى عصمته "عليهالسلام " منذ صغره.. وهذا يؤكد كمال عقله، وتحليه بالكمالات التي تفرض سلامة الفكر، والقول، والعمل. ويدل أيضاً على أن طفولته لم تكن طفولة طيش، وهوى، بل هي محض الاتزان، والحكمة، والوعي، والإلتزام..
النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) تولى تغذية علي (عليهالسلام ):
قال برهان الدين الحلبي: "فلم يزل علي "عليهالسلام " مع رسول الله
"صلىاللهعليهوآلهوسلم "..".
وفي خصائص العشرة للزمخشري: أن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " تولى تسميته بعلي، وتغذيته أياماً من ريقه المبارك، يمص لسانه، فعن فاطمة بنت أسد، أم علي "رضي الله تعالى عنها" قالت: "لما ولدته سماه علياً، وبصق في فيه. ثم إنه ألقمه لسانه، فما زال يمصه حتى نام.
فلما كان من الغد طلبنا له مرضعة، فلم يقبل ثدي أحد، فدعونا له محمداً "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، فألقمه لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله"(1) .
وفي نص آخر عن فاطمة بنت أسد: كنت مريضة فكان محمد "صلىاللهعليهوآلهوسلم " يمص علياً "عليهالسلام " لسانه في فيه، فيرضع بإذن الله(2) .
أحب الناس إلى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم ):
روي عن عائشة وابن العاص: أنهما سألا رسول الله: أي الناس أحب إليك؟!
فقال: أبو بكر.
____________
1- السيرة الحلبية (مطبوع مع السيرة النبوية لدحلان) ج1 ص268 و (ط دار المعرفة سنة 1400هـ) ج1 ص432 والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية)، والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص532.
2- مناقب آل أبي طالب ج2 ص169 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص18 وبحار الأنوار ج38 ص318 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص378 والأنوار العلوية ص38.
قالا: ثم من؟!
قال: عمر.
فقال فتى من الأنصار: يا رسول الله، فما بال علي؟!
فقال له النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم ": ما ظننت أن أحداً يُسْأَل عن نفسه(1) .
مع أن عائشة تروي عن رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " أنه قال: إن أحب الناس إليه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " فاطمة "عليها السلام" من النساء، وعلي "عليهالسلام " من الرجال(2) .
____________
1- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج2 ص272 وعن: السيوطي في كتاب اللآلي المصنوعة (ط1) ج1 ص198 بطرق ثلاثة أو أربعة وروى بعضها أيضاً تحت الرقم: (361) من باب فضائل علي "عليهالسلام " من كنز العمال (ط2) ج15 ص125.
2- راجع المصادر التالية: المسترشد للطبري ص449 و 450 وشرح الأخبار ج1 ص140 و 429 وج3 ص55 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص111 والفضائل ص169 والطرائف ص157 وذخائر العقبى ص35 ص62 وبحار الأنوار ج32 ص272 وج37 ص78 وج38 ص313 وج43 ص38 و 53 وج3 ص157 ومناقب أهل البيت "عليهم السلام" للشيرواني ص145 و 146 و 151 و 233 وخلاصة عبقات الأنوار ج2 ص302 والغدير ج10 ص86 ومكاتيب الرسول ج3 ص672 وسنن الترمذي ج5 ص362 والمستدرك للحاكم ج3 ص157 ونظم درر السمطين ص102 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص109 وتاريخ بغداد ج11 ص428 وكنز العمال ج13 ص145 = = وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص261 و 263 و 264 وتهذيب الكمال ج5 ص126 وسير أعلام النبلاء ج2 ص125 و 131 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله "عليهم السلام" للبري ص17 وإعلام الورى ج1 ص295 والمناقب للخوارزمي ص79 وكشف الغمة ج1 ص94 وج2 ص90 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي "عليهالسلام " ج1 ص53 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج2 ص39 و 55 و 151 و 320 واللمعة البيضاء للتبريزي ص179 والنصائح الكافية لمحمد بن عقيل ص50.
فأيهما نصدق؟! عائشة في قولها الثاني؟! أم عمرو بن العاص وعائشة في القول الأول؟!
وعن شريح بن هاني عن أبيه، عن عائشة قالت: ما خلق الله خلقاً كان أحب إلى رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " من علي بن أبي طالب(1).
كفالة النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) لعلي (عليهالسلام ):
ورووا: "أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب في عيال كثير، فقال رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لعمه العباس ـ وكان (من) أيسر بني هاشم ـ:
____________
1- راجع: تاريخ مدينة دمشق ج42 ص260 وعن كفاية الطالب ص184 وقال: هذا حديث حسن رواه ابن جرير في مناقبه، وأخرجه ابن عساكر في ترجمته.
يا أبا الفضل، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه نخفف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً، فنكفلهما عنه.
فقال العباس: نعم.
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيه.
فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً، فاصنعا ما شئتما.
فأخذ رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " علياً "عليهالسلام "، فضمه إليه، وأخذ العباس جعفراً، فضمه إليه، فلم يزل علي "عليهالسلام " مع رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، حتى بعثه الله نبياً، فاتَّبعه وصدقه.
ولم يزل جعفر مع العباس حتى أسلم، واستغنى عنه(1) .
____________
1- المستدرك على الصحيحين ج3 ص567 الحديث رقم (6463)، وبحار الأنوار ج18 ص208 و 209 وج35 ص24 و 25 وج35 ص43 وج38 ص237 وراجع ص294 و 315 وج42 ص115و 43 و 44 و 24 و 25 وراجع ما يلي: الطرائف لابن طاووس ص17 وكنز الفوائد للكراجكي ص117 و (ط دار الذخائر) ص255 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص198 و 199 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص57 والكامل لابن الأثير ج2 ص58 وكشف الغمة ج1 ص152 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص181 و 182 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص41 و 42 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص429 ونور الأبصار ص77 ومجالس ثعلب ج1 ص29 وتاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص136 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص346 = = ومقاتل الطالبيين ص26 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص162 وسبل الهـدى والرشاد ج2 ص301 ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص162 والمناقب للخوارزمي ص51 ومطالب السؤول ص58 وعيون الأثر ج1 ص124 والبداية والنهاية ج3 ص25 و (ط دار إحياء التراث العربي سنة 1408هـ) ج3 ص34 وعلل الشرائع ج1 ص201 و 202 و (ط المكتبة الحيدرية سنة 1385هـ) ج1 ص169 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص179 و 180 و (ط المكتبة الحيدرية) ص27 عن الطبري، والبلاذري، والواحدي، وتفسير الثعلبي، وشرف النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وأربعين الخوارزمي، ودرجات محفوظ البستي، ومغازي محمد بن إسحاق، ومعرفة أبي يوسف الفسوي، وتفسير الثعلبي ج5 ص84 وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص148 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله للبري ص10 وإعلام الورى ج1 ص105 و 106 وروضة الواعظين ص86 ونزهة المجالس للصفوري الشافعي (ط سنة 1310 هـ) ج1 ص164 والعمدة لابن البطريق ص63 وذخائر العقبى ص58 وحلية الأبرار ج2 ص27 و 47 ومناقب أهل البيت "عليهم السلام" للشيرواني ص37 والسيرة الحلبية (مطبوع مع السيرة النبوية لدحلان) ج1 ص268 و (ط دار المعرفة سنة 1400هـ) ج1 ص432 وغاية المرام ج5 ص154.
وقد صرحت بعض نصوص الرواية: بأن ذلك قد حصل، وكان عمر
علي "عليهالسلام " ست سنين(1) .
ونقول:
أولاً: هناك اختلاف واضح في نصوص الرواية، فلاحظ ما يلي:
ألف: في الرواية: أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قال للعباس ما قال، فوافقه، وأخذ العباس جعفراً.
وفي رواية أخرى: أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قال ذلك للحمزة والعباس، وأن الذي أخذ جعفراً هو الحمزة. وأما العباس، فأخذ طالباً. وكان معه إلى يوم بدر، ثم فقد(2) .
ب: الرواية المتقدمة ذكرت: أن العباس أخذ جعفراً، لكن رواية أخرى
____________
1- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج2 ص179 و (ط المكتبـة الحيدريـة) = = ص27 وبحار الأنوار ج38 ص294 و 295 والأنوار العلوية ص38 وينابيع المودة ج1 ص456.
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج2 ص179 و (ط المكتبة الحيدرية) ص27 وبحار الأنوار ج38 ص294 و 295 ومقاتل الطالبيين ص15 وحلية الأبرار ج2 ص29 وموسوعة التاريخ الإسلامي لليوسفي ج1 ص353 و 354 وينابيع المودة ج1 ص456 وعقيل ابن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص22 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص93 وج8 ص100 وج9 ص122 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج17 ص75.