الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
تقول: إن حمزة هو الذي أخذه، وبقي معه في الجاهلية والإسلام إلى أن قتل حمزة(1) .
ج: قد اقتصرت الرواية المتقدمة على استثناء أبي طالب ولده عقيلاً. لكن رواية أخرى ذكرت أنه استثنى طالباً وعقيلاً(2) .
ثانياً: إن عيال أبي طالب لم تكن أكثر من عيال النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " نفسه، فإنه كان مسؤولاً عن إعالة بنات ثلاث هنَّ: زينب، ورقية، وأم كلثوم ـ حيث تدل الشواهد والأدلة: على أنهن فقدن الكفيل، فأخذهن "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وتولى تربيتهن ـ بالإضافة إلى زوجته، وربما أختها أيضاً..
أما عيال أبي طالب، فهم: ولده علي "عليهالسلام " وزوجته. وربما أم
____________
1- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج2 ص179 و 180 و (ط المكتبة الحيدرية) ص27 وبحار الأنوار ج38 ص295 وحلية الأبرار ج2 ص29.
2- الفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص181 وكنز الفوائد للكراجكي ص117 وبحار الأنوار ج35 ص44 و 118 وكتاب الأربعين للماحوزي ص197 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص162 ومطالب السؤول ص59 وعيون الأثر ج1 ص124 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص301 والسيرة الحلبية (مطبوع مع السيرة النبوية لدحلان) ج1 ص268 و (ط دار المعرفة سنة 1400هـ) ج1 ص432 والأنوار العلوية ص15 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص525 وج33 ص215.
هاني وجمانة.
وذلك يدل: على أن أخذ النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لعلي "عليهالسلام " ليس لأجل التخفيف عن أبي طالب، بل لغرض آخر أعلى وأسمى وأوفق بالصلة الروحية بينهما.. وإنما يريدون طرح الموضوع بهذا الشكل لتضييع هذه الفضيلة لعلي"عليهالسلام ".
ثالثاً: لقد كان جعفر، وعقيل، وطالب، رجالاً، قادرين على إعالة أنفسهم، لأن جعفر كان له من العمر آنئذٍ ستة عشر عاماً، وكان عمر عقيل ستة وعشرين، وعمر طالب ستة وثلاثين سنة..
مع تصريح الرواية نفسها: بأن العباس يأخذ رجلاً، والنبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " يأخذ رجلاً.
فما معنى حاجة الرجال إلى المعيل والكافل؟!
ولماذا يحتاج جعفر إلى إعالة العباس له، فهو قادر على العمل، كالبيع والشراء، والزراعة، ورعي الماشية، وممارسة الحرف، والأعمال، وغير ذلك؟!
فما بالك بما ذكرته الرواية الأخرى عن كفالة طالب، الذي كان عمره ستاً وثلاثين سنة؟!
رابعاً: ذكرت بعض نصوص الرواية المتقدمة: أن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " أخذ علياً "عليهالسلام " وهو ابن ست سنين، كسنه يوم أخذه أبو طالب(1) .
____________
1- مناقب آل أبي طالب لابن ج2 ص179 ـ 180 و (ط المكتبة الحيدرية) ص27 وبحار الأنوار ج38 ص295 وحلية الأبرار ج2 ص29 وموسوعة التاريخ الإسلامي لليوسفي ج1 ص352 و 356.
ومن الواضح: أن أبا طالب إنما كفل النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " بعد موت عبد المطلب، وكان عمره ثمان سنين لا ست(1) .
مع العلم بأن الروايات تصرح بأنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " أخذ علياً "عليهالسلام " إليه منذ الولادة أو بعدها بيسير..
خامساً: إن ما رآه أبو طالب في علي "عليهالسلام " من كرامة إلهية، ومن ألطاف وأسرار، وما عرف عن أبي طالب من ارتباط بالله تبارك وتعالى، يمنع من أن نتصوره مهتماً بغير علي "عليهالسلام " مطلقاً، أو أكثر من اهتمامه بعلي "عليهالسلام ".
كما أن عقيلاً لم يكن أفضل من جعفر في مزاياه، فلماذا يقدِّم أبو طالب عقيلاً عليه؟!
وما هي المزايا التي وجدها في عقيل، وفقدها في جعفر أو في علي "عليهالسلام "؟! لا سيما مع ما رأيناه من تعلق له شديد برسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لأجل مزاياه، وما يراه من كرامات له وأسرار..
____________
1- راجع: تذكرة الخواص ج1 ص136 وشرح الأخبار ج1 ص181 والخرائج والجرائح للراوندي ج1 ص21 وتفسير السمعاني ج6 ص244 ومشارق أنوار اليقين للبرسي ص112 وبحار الأنوار ج22 ص.530 وراجع: أسد الغابة لابن الأثير ج1 ص15 وكشف الغمة للإربلي ج1 ص15 وإعلام الورى ج1 ص52 وتاج المواليد (المجموعة) للطبرسي ص5.
فلماذا لا يكترث بعلي "عليهالسلام " صنو النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، وحبيبه، ونجيَّه. ويمحض كل حبه واهتمامه لعقيل؟!
سادساً: لماذا بقي جعفر مع العباس كل هذه السنوات حتى أسلم؟!
ولماذا بقي علي "عليهالسلام " مع النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حتى بعث رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "؟! مع أن سنوات الجدب قد انقضت؟!
ولماذا لم يسترجع أبو طالب أبناءه بعد انفراج الأزمة؟!
ألم يكن الأجدر بجعفر أن يتفقد أباه، ويسأله عن رأيه في العودة، ويبادر هو نفسه إليها، ليكون معه وإلى جانبه، ليعينه، ويقضي حوائجه؟!
ويتأكد هذا الإعتراض إذا أخذنا بالرواية التي تقول: إن طالباً بقي مع العباس إلى بدر، وإن جعفر بقي مع حمزة إلى أن استشهد حمزة. مع أن جعفراً قد هاجر إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة، وبقي هناك إلى حين فتح خيبر بعد الهجرة!!
الرواية الصحيحة:
ولعل الرواية الصحيحة: هي تلك التي ذكرها "أبو القاسم من ثلاثة طرق: أن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب: إني أحب أن تدفع إليَّ بعض ولدك، يعينني على أمري، ويكفيني. وأشكر لك بلاك عندي.
فقال أبو طالب: خذ أيهم شئت.
فأخذ علياً "عليهالسلام ".."(1) .
فإن هذه الرواية هي الأوفق بأخلاق رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، وبوفائه لعمه أبي طالب. والأوفق بأخلاق أبي طالب، وما ظهر من محبته لرسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، وتفانيه في كل ما يرضيه..
وقد تجلى في هذه الراوية أدب الخطاب النبوي مع عمه العظيم والكريم.. كما أنها قد أظهرت إيثار أبي طالب لرسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " بولده على نفسه..
على أننا لا نجد غضاضة في أن يستثني أبو طالب ـ وهو شيخ قد يزيد عمره على ستين سنة ـ عقيلاً، لأنه يحتاج إلى من يخدمه، ويقضي له الحاجات التي يتولى الشباب عادة قضاءها..
أما إذا أريد الإستفادة من هذا الإستثناء التعريض بالطعن بجعفر وبأمير المؤمنين علي "عليهالسلام "، فلا نرى لذلك أي مبرر معقول أو مقبول.
____________
1- مناقب آل أبي طالب ج2 ص180 و (ط مطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة 1376هـ ـ 1956م) ج2 ص28 وبحار الأنوار ج38 ص295 والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص151 و 523 وحلية الأبرار ج2 ص29.
هذا التجني لماذا؟!:
ولعل الهدف من هذا التجني أمران:
أحدهما: إظهار زهد أبي طالب بعلي "عليهالسلام "، إما لعدم وجود مبررات في علي "عليهالسلام " لحب أبي طالب له.. وإما لفقدان الإتزان المطلوب في شخصية أبي طالب.. وكلاهما هدف لأعداء علي "عليهالسلام "..
الثاني: الإيحاء بأن تربية النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لعلي "عليهالسلام " لم تكن لأجل حبه له. بل هو أمر فرضته الظروف، وساقت إليه الحاجة.
علي (عليهالسلام ) في زواج خديجة:
وذكروا: أن علياً "عليهالسلام " كان حاضراً حين تزوج النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " خديجة بنت خويلد، وأنه هو الذي ضمن لها المهر.
وقالوا: وهو غلط، لأن علياً "عليهالسلام " لم يكن ولد على جميع الأقوال في مقدار عمره(1) .
ونقول:
أولاً: إن كان المعيار في الصحة والفساد هو وجود القول وعدمه، فقد
____________
1- السيرة الحلبية ج1 ص139 و (ط دار المعرفة) ج1 ص226 عن الفسوي في كتاب: ما روى أهل الكوفة مخالفاً لأهل المدينة. وراجع: سيرة مغلطاي ص12 والأوائل ج1 ص161.
نجد أن ثمة من يقول: إن علياً "عليهالسلام " قد ولد قبل البعثة بعشرين أو بثلاث وعشرين سنة. حتى لقد قال مغلطاي: "وهو غلط، كان علي إذ ذاك صغيراً، لم يبلغ سبع سنين"(1) .
غير أننا بدورنا نغلِّط هذه الأقوال، فإن علياً "عليهالسلام " قد استشهد وعمره ثلاث وستون سنة، والروايات المعتبرة تؤكد على أنه قد أسلم، وهو ابن عشر سنين، وقد ذكرنا مصادر ذلك حين الحديث عن تاريخ ميلاده صلوات الله وسلامه عليه.
ثانياً: إن الكلام كل الكلام هو في تاريخ زواج خديجة، فإن البعض، وإن ذكر أنها تزوجت بالنبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قبل البعثة بخمس عشرة سنة..
لكن الأقوال الأخرى تقول: إن هذا الزواج قد حصل قبل البعثة بخمس سنين كما جزم به البيهقي(2) .
وعن ابن جريج: أن هذا الزواج كان قبل البعثة بثلاث سنوات فقط(3) .
____________
1- سيرة مغلطاي ص12 وراجع: السيرة الحلبية ج1 ص139 و (ط دار المعرفة) ج1 ص226.
2- دلائل النبوة (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص72 والبداية والنهاية ج2 ص295 وراجع: الإصابة ج8 ص99.
3- راجع: تاريخ الخميس ج1 ص264 ومجمع الزوائد ج9 ص219 والمعجم الكبير للطبراني ج22 ص449 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص184 وذكرت بعض الأقوال في التبيين في أنساب القرشيين ص62 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص20 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص275 قيل: تزوجها وهو ابن ثلاثين سنة، وكذا = = في الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص288 وسيرة مغلطاي ص12 ومثله في المواهب اللدنية ج1 ص38 و 202 والروض الأنف ج1 ص216 والأوائل ج1 ص161.
فالظاهر هو: أنه "عليهالسلام " قد قال شيئاً من ذلك، وهو طفل صغير، فاستحسنوه منه، ونقلوه عنه.
فقد ذكر أبو هلال العسكري: أنه لما قيل: من يضمن المهر؟!
قال علي "عليهالسلام " وهو صغير: أبي.
فلما بلغ الخبر أبا طالب جعل يقول: بأبي أنت وأمي(1) .
ولعله قال: أنا بدل أبي. بدليل نسبة الضمان إليه في أقوال بعض المؤرخين.. فأمضاه أبو طالب له على سبيل التكريم والإعزاز.
لمن الدواء؟! لعقيل أم لعلي(عليهالسلام) ؟!:
ورووا عن أمير المؤمنين "عليهالسلام " أنه قال: ما زلت مظلوماً منذ ولدتني أمي. حتى إن كان عقيل ليصيبه رمد، فيقول: لا تذرّوني حتى تذرّوا علياً "عليهالسلام "، فيذرّوني، وما بي من رمد(2) .
____________
1- الأوائل ج1 ص161 وروضة الواعظين ص84.
2- الإعتقادات في دين الإمامية ص105 وعلل الشرائع ج1 ص61 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص45 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج12 ص124 و (ط دار الإسلامية) ج8 ص486 وبحار الأنوار ج27 ص62 و 208 و 209 = = وج29 ص31 وج41 ص5 وج64 ص228 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص96 وأعيان الشيعة ج5 ص434 وعقيل بن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص78 والأمالي للشيخ الطوسي ص350 ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج2 ص122 و (ط مطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة 1376هـ) ج1 ص387.
وقال ابن الحجاج:
وقديــماً كان العقيـل تـداوى |
وسـوى ذلـك العـلـيـل عليـل |
|
حين كــانت تـذر عـين عـلي |
كلما التـاث أو تـشـكى عقيل(1) |
ونقول:
إن هذه الرواية لا يمكن قبولها، لما يلي:
أولاً: لم يكن عقيل طفلاً حين طفولة علي "عليهالسلام "، بل كان رجلاً كاملاً وعاقلاً، حيث إنه كان يكبر علياً "عليهالسلام " بعشرين سنة، فهل يعقل أن يقدم على أمر من هذا القبيل؟! إلا إذا فرضناه مختل العقل، أو يعاني من مرض نفسي بلغ به إلى هذا الحد..
والشواهد الكثيرة تدل على خلاف هذا. فهي تدل على كمال الإستقامة،
____________
1- مناقب آل أبي طالب ج2 ص122 و (ط مطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة 1376هـ ـ 1956م) ج1 ص387 وأعيان الشيعة ج5 ص434.
والإتزان ودقة النظر، وقوة الحجة، والصلابة في الموقف لدى عقيل.
ثانياً: لنفترض: أن عقيلاً أصر على عدم أخذ الدواء إلا إذا أخذه علي "عليهالسلام "، فلماذا يطيعه أبواه في ذلك؟! فإن أبوي عقيل كانا من أعقل العقلاء، فلا يعقل أن يوافقوه على طلبه هذا، فضلاً عن أن يشاركا في تنفيذه.. فإن ذلك مرفوض من جهتين:
إحداهما: أنه من موارد الظلم القبيح لصغير لا يستطيع الدفاع عن نفسه..
الثانية: إن ذلك من موجبات استهانة الناس بكل من يوافق على ذلك، فضلاً عن أن يمارسه فعلاً..
علي(عليهالسلام) يقتل الحية وهو في المهد:
عن أنس، عن عمر بن الخطاب: أن علياً "عليهالسلام " رأى حية تقصده وهو في المهد، وقد شدت (وشدت) يداه في حال صغره.
فحول نفسه، وأخرج يده، فأخذ بيمينه عنقها، وغمزها غمزة(1) ، حتى أدخل أصابعه فيها، و أمسكها حتى ماتت.
فلما رأت ذلك أمه نادت واستغاثت، فاجتمع الحشم، ثم قالت: كأنك حيدرة [حيدرة] اللبوة، إذا غضبت، من قبل أذى أولادها(2) .
____________
1- غمزه: حبسه وكبسه باليد، أي شدها وضغطها.
2- مدينة المعاجز ج2 ص35 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص287 و 288 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص120 وبحار الأنوار ج41 ص274 والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص611.
ونقول:
1 ـ قد يقال: إن هذه الحادثة غير صحيحة، فقد روى شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن العباس بن عبد المطلب. والحسن بن محبوب عن عبد الله بن غالب، عن الصادق "عليهالسلام " في خبر، قالت فاطمة بنت أسد:
فشددته وقمطته بقماطٍ، فنتر القماط، ثم جعلته قماطين، فنترهما. ثم جعلته ثلاثة، وأربعة، وخمسة، وستة، منها أديم، وحرير. فجعل ينترها. ثم قال: يا أماه، لا تشدي يدي، فإني أحتاج أن أبصبص لربي بإصبعي(1) .
ويجاب: بأن هذه الرواية لا تنافي تلك، إذ المطلوب في هذه الرواية هو: أن لا تشد يده في القماط، بحيث يمنعه ذلك من البصبصة بإصبعه إلى ربه. والرواية الأولى اكتفت بذكر: أن يديه كانتا مشدودتين، فربما يكون شدهما بنحو لا يمنعه من البصبصة بإصبعه.
2 ـ إن رواية العباس "رحمهالله "، والإمام الصادق "عليهالسلام " تضمنت كرامة لأمير المؤمنين "عليهالسلام " من ثلاث جهات.
الأولى: هذه القوة التي حبا الله بها علياً "عليهالسلام "، حتى كان يقطع
____________
1- مناقب آل أبي طالب ج2 ص287 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص120 ومدينة المعاجز ج1 ص49 وبحار الأنوار ج41 ص274 وشجرة طوبى ج2 ص218 وغاية المرام ج1 ص54.
القماط والإثنين، حتى يبلغ الستة، مع أن منها ما يكون قطعه صعباً للغاية.
الثانية: إنه "عليهالسلام " حتى وهو في القماط كان مشغولاً بمناجاة ربه تبارك وتعالى وعبادته. وهو ما لا يتوقعه أحد من مثله، من الأطفال الذين بهذا السن.
الثالثة: إنه "عليهالسلام " قد تكلم في المهد صبياً، تماماً كما كان الحال بالنسبة لعيسى عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام.
3 ـ إن رواية عمر بن الخطاب تضمنت أيضاً الإشارة إلى فضله "عليهالسلام " من ناحيتين:
إحداهما: ظهور قوته "عليهالسلام "، وهو في المهد، حتى إنه يأخذ بعنق الحية ويغمزها غمزة، فتدخل أصابعه فيها.
الثانية: إنه "عليهالسلام " بقي ممسكاً بالحية حتى ماتت. بعد أن اختار الأخذ بعنقها، الأمر الذي يمنعها من أن تلحق به أي أذى، ثم هو قد تحرك بالطريقة المناسبة التي تمكنه من تحقيق غرضه، وهذا يدل على كمال الوعي، وكمال التنبه لما يجري، وعلى أنه واقف على الأمور بصورة دقيقة، وعارف بتداعيات ونتائج ما يصدر عنه.
4 ـ إنه "عليهالسلام " قال في مواجهة مرحب اليهودي: "أنا الذي سمتني أمي حيدرة". فربما يكون السبب في تسمية أمه له بحيدرة هو هذه القضية بالذات.
ويشير إلى ذلك: قول أمه: كأنك حيدرة (وهي) اللبوة إذا غضبت إلخ.. إذ لو كان قد سمي بحيدرة من قبل أمه، فالمناسب هو أن تقول له: أنت حيدرة حقاً كما سميتك.. تماماً كما قال الإمام الحسين "عليهالسلام " للحر بن يزيد
الرياحي: أنت حر كما سمتك أمك، حر في الدنيا، وسعيد في الآخرة(1) .
من مظاهر قوة علي(عليهالسلام) في صغره:
عن جابر، قال: كانت ظئرة علي التي أرضعته امرأة من بني هلال، خلفته في خبائها مع أخ له من الرضاعة، وكان أكبر منه سناً بسنة. وكان عند الخباء قليب (أي بئر). فمر الصبي نحو القليب، ونكس رأسه فيه، فتعلق بفرد قدميه، وفرد يديه. أما اليد ففي فمه، وأما الرجل ففي يديه.
فجاءت أمه فأدركته، فنادت في الحي: يا لَلحي من غلام ميمون، أمسك عليَّ ولدي، فمسكوا الطفل من رأس القليب، وهم يعجبون من قوته، وفطنته، فسمته أمه مباركاً(2) .
وكان أبو طالب يجمع ولده، وولد أخوته، ثم يأمرهم بالصراع. وذلك خلق في العرب، فكان "عليهالسلام " يحسر عن ذراعيه، وهو طفل،
____________
1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص325 واللهوف ص104 و (ط سنة 1417هـ) ص62 وبحار الأنوار ج45 ص14 ومقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص11 وكتاب الفتوح لابن أعثم ج5 ص102 والعوالم ج17 ص257 وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج1 ص604 وج4 ص614 ومقتل الحسين "عليهالسلام " لأبي مخنف الأزدي ص122.
2- مناقب آل أبي طالب ج2 ص288 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص120 ومعاني الأخبار ص60 والمحتضر للحلي ص87 وبحار الأنوار ج35 ص47 وج41 ص275 والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص245 ونهج الإيمان ص631.
ويصارع كبار أخوته وصغارهم، وكبار بني عمه وصغارهم، فيصرعهم، فيقول أبوه: ظهر علي، فسماه ظهيراً(1) .
فلما ترعرع "عليهالسلام " كان يصارع الرجل الشديد، ويعلق بالجبار(2) بيده، ويجذبه فيقتله.
وربما قبض على بطنه ورفعه في الهواء.
وربما يلحق للحصان الجاري، فيصدمه، فيرده على عقبيه.
وكان يأخذ من رأس الجبال حجراً، ويحمله بفرد يديه، ثم يضعه بين الناس، فلا يقدر الرجل، والرجلان، وثلاثة على تحريكه، حتى قال أبو جهل:
يـا أهـل مكة إن الذبـح عندكـم |
هـذا عـلي الـذي قـد جلّ في النظرِ |
|
مـا إن لـه مشبه في النـاس قاطبـة |
كـأنـه النـار تـرمـي الخلق بالشررِ |
|
كـونـوا على حـذر منـه فـإن لـه |
يـومـاً سيظهره في البـدو والحـضرِ |
وإنه "عليهالسلام " لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه، فلم يستطع يتنفس(3) .
____________
1- راجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص288 و 289 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص121 وبحار الأنوار ج41 ص275 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص269.
2- الجبار: الرجل القوي.
3- راجع ما تقدم في: مناقب آل أبي طالب ج3 ص289 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص121 وبحار الأنوار ج41 ص275 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص636.
ونقول:
1 ـ إن ما جرى لولد تلك المرأة التي يحتمل أن تكون مرضعة لعلي "عليهالسلام "، أو أنها كانت تعيش معهم وبجوارهم يشير أولاً إلى: إدراك علي "عليهالسلام " ـ وهو في المهد الخطر الـذي يتهدد أخاه من الرضـاعـة، ـ حسب زعمهم ـ لو أنه أفلت من يده، وأن عليه أن يواصل الإمساك به إلى أن يأتي من يخرجه من مأزقه..
هذا.. ولا ندري ما الحاجة إلى المرضعة مع وجود الأم الحقيقية، فهل هي أطهر منها لبناً، أو أنصح منها جسداً، أو هي أكثر بركة، أم ماذا؟!
ويشير ثانياً: إلى القدرة التي منحه الله إياها وهو في هذا السن، وقد أدرك الناس هذين الأمرين فيه، كما صرحت به الرواية، حيث قالت: "وهم يعجبون من قوته وفطنته".
وقد تركت هذه الحادثة أثرها في الناس حيث قالت ظئره: يا للحي من غلام ميمون، حيث عرفت أن هذا التصرف ليس أمراً عارضاً ولم يأت صدفة، بل هو نتيجة اليمن الذي لا يأتي إلا من الله تبارك وتعالى، لأنه تعبير عن عناياته وألطافه بهذا الطفل، الذي استحق منه ذلك، ولأجل ذلك سمته مباركاً.
كما أن تلك المرأة قد اعتبرت أن هذا اليمن سيترك أثره وبركاته على الحي كله.. ولم تحصره في بيتها. ولذلك قالت: "يا للحي من غلام ميمون".
2 ـ لقد كان من الطبيعي أن يثير كل هذا الذي يفعله "عليهالسلام " في صغره من استعراض للقوة اهتمام الناس.. لا سيما، وأنه يسجل له تقدماً
عليهم في أمر يعنيهم كلهم، كأفراد، يسعى كل واحد منهم ليكون له حضوره ودوره اللافت في خصوص هذه المجالات..
أما تميزه عليهم في العلم، والإدراك، وفي سائر الفضائل والكمالات التي اختصه الله بها دونهم، فربما لم يكن يعنيهم كثيراً.. ولم يكن لديهم الكثير من الطموح للتحلي به، أو للمنافسة فيه.
3 ـ إن أبيات أبي جهل قد أوضحت لنا الأمور التالية:
ألف: إنه أعلن عن أنه يعتبر أن ظهور قدرة علي "عليهالسلام " مصدر خطر كبير، لا بد من التنبه له، والحذر منه.. مع أن علياً "عليهالسلام " كان منهم، فالمفترض أن يكون كل فضل حبا الله به علياً "عليهالسلام " مصدر شعور بالأمن والسكينه لهم، ومن موجبات اعتزازهم، ودواعي فخرهم.
ولكن الحقيقة هي: أن الذين لا يؤمنون بالله لا يحبون المؤمنين والصالحين، بل هم لا يحب بعضهم بعضاً أيضاً، وهم كما قال الله سبحانه:) تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ( (1) لأنهم لم يجعلوا الله في قلوبهم، ليجمع تلك القلوب على حبه، ويكون هو المحور للحب والبغض، والإلتقاء والإفتراق، والإتفاق والإختلاف.
ولأجل ذلك يخاف الأب من ابنه، وكذلك العكس، والأخ من أخيه. فكيف إذا كان اخوه أو قريبه من أهل الإيمان والصلاح!! فإنه لا يكون بينهم وبينه جامع، ولا عن العدوان على أي كان من الناس، وسائر
____________
1- الآية 14 من سورة الحشر.
المخلوقات رادع..
ب: إن أبا جهل يعترف لعلي بأنه قد احتل ـ رغم صغر سنه ـ مكانة خاصة، وأصبح له مقام جليل بنظر الناس.. بل هو يعترف بأنه لا نظير له في الناس قاطبة.
ج: إنه يصف علياً "عليهالسلام ": بأنه بمثابة نار ترمي الخلق بالشرر.. مع أن هذا التوصيف لا مبرر له إلا في الذهنية الجاهلية التي تنظر إلى الأمور بمنظار أسود، وإلا فإن علياً "عليهالسلام " لم يستعمل قوته هذه ضد أحد.
وقد كان الأولى بأبي جهل: أن ينظر إلى هذه المنحة الإلهية لعلي على أنها لخير الناس، ولصلاحهم، ومن أسباب النجاح والفلاح لهم، ودفع العوادي والآفات والمضار عنهم. لا سيما وأنه "عليهالسلام " يتربى ويترعرع في بيوت الشرف والكرامة والإستقامة، والخير والصلاح.
د: لنفترض: أن هذه القدرة قد تكون مضرة، ولكن لماذا هذا التهويل بها، والتضخيم لها؟!
ولماذا يفترض أن هذا الضرر سيعم الخلق بأجمعهم، ولا يعتبره مقتصراً على فئة بعينها؟!
الأسماء والألقاب والكنى..
تسمية علي(عليهالسلام):
قيل: سمي مولود أبي طالب وفاطمة بنت أسد علياً؛ لأنه علا بقدميه كتفي رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لكسر الأصنام.
وقيل: لعلوه على كل من بارزه.
وقيل: لأن داره في الجنان تعلو حتى تحاذي منازل الأنبياء.
وقيل غير ذلك(1) .
وقيل: سمته أمه يوم ولد علياً.
وقد روي عن فاطمة بنت أسد أنها قالت: إني دخلت بيت الله الحرام، وأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة! سميه علياً، فهو علي، والله العلي الأعلى يقول: إني شققت اسمه من اسمي، وأدبته بأدبي، ووقَّفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي، ويقدسني ويمجدني، فطوبى لمن
____________
1- راجع: معاني الأخبار ص61 وعلل الشرائع ج1 ص136 وبحار الأنوار ج35 ص48 وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهم السلام" للنجفي ج8 ص383 وراجع: تذكرة الخواص ج1 ص112 ـ 113.