• البداية
  • السابق
  • 334 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19000 / تحميل: 5946
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 10

مؤلف:
العربية

الخصمين. إلا إذا علم أن الحق معه، فيجوز له ذلك..

أما غير القاضي، فيجوز له ذلك، مع علمه بصحة دعواه.

وعلي (عليه‌السلام ):

أولاً: لم يكن هو القاضي..

ثانياً: لقد كان (عليه‌السلام ) عالماً بصحة دعوى الزهراء (عليها‌السلام )، فلا يصح اعتراض عمر مطلقاً..

ولأجل ذلك قالت (عليها‌السلام ) لعمر: (وإن كنت معلمة، فإنما علمني ابن عمي وبعلي)(1) . أي لم يعلمني القاضي..

ومن جهة أخرى: إن تعليم علي (عليه‌السلام ) للسيدة الزهراء (عليها‌السلام ) لا يدل على جهلها بهذا الحكم البديهي.. وإنما هو قد أشار عليها بأن تعاود الكرّة في الإحتجاج عن هذا الطريق، فإن في ذلك مصلحة ظاهرة، من حيث إنها تؤدي إلى فضح هذا الإصرار على اغتصاب حقها.. من جهة.

كما أنه من جهة ثانية يدفع التسويلات المغرضة، التي يمكن أن تزعم: بأنها (عليها‌السلام ) قد اقتنعت بحجة أبي بكر، وأن الحق كان معه.

____________

1- الإختصاص ص183 وبحار الأنوار ج29 ص189 وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم‌السلام ) للنجفي ج8 ص422 واللمعة البيضاء ص310 ومجمع النورين للمرندي ص121 وبيت الأحزان ص157.

١٠١

شهادة عائشة وعمر:

وقد استشهد أبو بكر لصحة ما ينسبه إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعائشة وعمر..

وقد علمنا كما في هذه الرواية، وفي الروايات الأخرى أيضاً: أن أبا بكر وعمر قد ردّا شهادة علي (عليه‌السلام )، وأم أيمن بحجة: أن أم أيمن امرأة، ولا يجيز شهادة امرأة وحدها..

فكيف جازت شهادة عائشة لأبي بكر، مع أنها ابنته وهي امرأة وتجر النار إلى قرصها، وقرض أبيها؟! وكيف جازت شهادة عمر، وهو يجر إلى قرصه وقرض أبي بكر أيضاً؟!

ويدل على ذلك قول علي (عليه‌السلام ) لعمر: احلب يا عمر، حلباً لك شطره، اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غداً(1) .

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص11 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص18 و (تحقيق الشيري) ج1 ص29 والإحتجاج ج1 ص183 و (ط دار النعمان) ج1 ص96 وبحار الأنوار ج28 ص185 و 348 و 388 وج29 ص626 ومناقب أهل البيت (عليهم‌السلام ) للشيرواني ص400 والسقيفة للمظفر ص89 والغدير ج5 ص371 وج7 ص80.

وراجع: نهج السعادة للمحمودي ج1 ص45 والسقيفة وفدك للجوهري ص62 والصراط المستقيم ج2 ص225 وكتاب الأربعين للشيرازي ص153 والوضاعـون وأحاديثهم ص493 والشـافي في الإمامـة ج3 ص240 وغايـة = = المرام ج5 ص305 وسفينة النجاة للتنكابني ص347 وبيت الأحزان ص81 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج2 ص351.

١٠٢

على أن الروايات الأخرى قد ذكرت أيضاً شهادة أحد موالي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) للزهراء (عليها‌السلام ) أيضاً.. فلماذا لم يعتد به أبو بكر؟!

هذا.. ولا ريب في أن فاطمة وعلياً، والحسن والحسين (عليهم‌السلام ) كلهم من مصاديق آية التطهير، المتضمنة للشهادة الإلهية بتطهيرهم من كل رجس، ومنه: الكذب، وهو معنى العصمة.. كما أن أم أيمن امرأة من أهل الجنة.

وفي المقابل لا شيء يشهد أو يدل على عصمة أبي بكر، فضلاً عن عائشة، وعمر بن الخطاب.

ثم إن نفس أن يكتب لها في بعض المرات كتاباً بفدك، ثم ينتزعه عمر منها ويمزقه، يدل على أن حديث عدم توريث الأنبياء، وكذلك سائر ما ادعاه أبو بكر لرد دعوى الزهراء (عليها‌السلام ) لا أساس له، ويصبح

____________

1- الخرائج والجرائح ج1 ص113 وبحار الأنوار ج17 ص379 وج29 ص116 واللمعة البيضاء ص300 و 789 ومجمع النورين ص117 والنص والإجتهاد للسيد شـرف الـدين ص69 ومستـدرك سفينة البحـار ج8 ص152 وتفسير الرازي ج29 ص284 وفلك النجاة في الإمامة والصلاة، لعلي محمد فتح الدين الحنفي ص162.

١٠٣

ساقطاً، وغير ذي قيمة..

ويشهد على ذلك أيضاً: أن أبا بكر وعمر وعثمان لم ينتزع أي منهم الحُجَرَ من نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فإن قيل: إن الحُجَرَ لهن بنص القرآن حيث قال تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (1) .

وقيل في الجواب: تصح نسبة البيوت إليهن لأدنى ملابسة، وهي هنا كونهنَّ قد سكنَّ في تلك البيوت، يضاف إلى ذلك: أن الحُجَرَ قد نسبت إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نفسه بعد تلك الآية أيضاً.

فقد قال تعالى:( لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (2) .

ويدل على تراجعه أيضاً: وصيته أن يدفن إلى جوار النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )؛ لأن ذلك الموضع إن كان صدقة للمسلمين، فلا يصح تصرف أبي بكر فيه.

وإن كان إرثاً لعائشة، فقد بطل حديث عدم إرث الأنبياء.

وإن كانت الحجرة لفاطمة (عليها‌السلام )، فلماذا لم يستأذن من ورثة فاطمة؟!

كما أن ابنته عائشة قد رجعت عن شهادتها له بحديث عدم توريث الأنبياء حين أذنت له ولعمر بأن يدفنا مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

1- الآية 33 من سورة الأحزاب.

2- الآية 53 من سورة الأحزاب.

١٠٤

مدَّعية أن الحجرة لها.

كما أنها قد منعت من دفن الإمام الحسن مع جده قائلة: ما لي ولكم؟! تريدون أن تُدخلوا بيتي من لا أحب(1) .

مع أن حديث عدم توريث الأنبياء يدل على أن البيت ليس بيتها..

وأي سبب آخر تدَّعيه لملكية البيت يحتاج إلى إثبات. ولا تكفي فيه مجرد الدعوى.

أول شهادة زور في الإسلام:

ثم إنها (عليها‌السلام ) حكمت على شهادة عائشة وعمر: بأنها أول شهادة زور شهد بها في الإسلام(2) . وإطلاق هذا الحكم بصورة يقينية،

____________

1- راجع: روضة الواعظين ص168 والإرشاد للمفيد ج2 ص18 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص149 وبحار الأنوار ج44 ص154 و 157 والأنوار البهية ص92 والدرجات الرفيعة ص125 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص300 وأعيان الشيعة ج1 ص576 والجمل للمفيد ص234 وكشف الغمة ج2 ص209.

2- الإختصاص للمفيد ص183 وبحار الأنوار ج29 ص190 وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم‌السلام ) للنجفي ج8 ص422 والخصائص الفاطمية للكجوري ج2 ص171 واللمعة البيضاء ص310 ومجمع النورين للمرندي ص122 وبيت الأحزان ص157.

١٠٥

يعطي: أنها كانت تعلم بعدم صدور الحديث عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لا في السر، ولا في العلن.

إذ لو كانت لا تعلم بذلك لم يصح منها اعتبار قولهما شهادة زور.

وهذا يجعلنا نتيقن بوجود مستند معصوم لهذا النفي القاطع، لعله هو إخبار النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لها بهذا الأمر، حين أسرّ إليها بحديث في مرض موته ولعله غير ذلك..

ويلاحظ هنا: أننا لم نلحظ وجود أية ردة فعل على قولها هذا، كما أن أحداً لم يطالبها بمستندها فيه.. ولا عتب عليها بأنها قالت ذلك من غير علم. ولا قيل لها: لا يحق لك توجيه هذه التهمة الخطيرة لهؤلاء القوم.

ثم إن المعتزلي اعترف بتفرد أبي بكر بحديث: عدم توريث الأنبياء.

فقال: (صدق المرتضى (رحمه‌الله ) فيما قال، أما عقيب وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ومطالبة فاطمة (عليها‌السلام ) بالإرث، فلم يرو الخبر إلا أبو بكر وحده.

وقيل: إنه رواه معه مالك بن أوس بن الحدثان.. وأما المهاجرون الذين ذكرهم قاضي القضاة، فإنما شهدوا بالخبر في خلافة عمر)(1) .

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص245 وراجع ص221 و 227 وراجع: بحار الأنوار ج29 ص370 واللمعة البيضاء ص821 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص456.

١٠٦

دليل أعلمية أبي بكر:

وقد اعتُبِرت رواية أبي بكر عن عدم توريث الأنبياء دليل أعلميته على سائر الصحابة، لأن هذا الأمر لم يعلمه سواه، كما ذكره ابن حجر(1) .

لكنه هو نفسه عاد فذكر بعد صفحات يسيرة: أن هذه الرواية رواها: علي (عليه‌السلام )، والعباس، وعثمان، وعبد الرحمان بن عوف، والزبير، وسعد، وأمهات المؤمنين..

ثم زعم: أن أبا بكر قد استحضر ذلك أولاً، ثم استحضره الباقون.

مع أن الإستحضار السريع ليس من مظاهر الأعلمية، ولا من مواردها..

إني أخاف العيلة:

وقد ذكرت الرواية المتقدمة: أن فاطمة الزهراء (عليها‌السلام ) قالت لأبيها: (إني أخاف العيلة والحاجة من بعدك، فصدق بها عليّ الخ..)(2) .

ونقول: إن هذا لا يصح لما يلي:

1 ـ قولهم: إن الزهراء (عليها‌السلام ) تخاف العيلة والحاجة، إهانة لها،

____________

1- الصواعق المحرقة ص35.

2- الإختصاص ص184 وبحار الأنوار ج29 ص191 وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم‌السلام ) للنجفي ج8 ص423 والخصائص الفاطمية للكجوري ج2 ص171 واللمعة البيضاء ص311 ومجمع النورين للمرندي ص122 وبيت الأحزان ص158.

١٠٧

وانتقاص من مقامها، فإن ظنها بالله أحسن من هذا بلا ريب. بل إن هذا الكلام لا يصدر عن أي إنسان صحيح أو كامل الإيمان، فإن من أبسط قواعد الإيمان هو التوكل على الله، واللجوء إليه في الحاجات، واعتباره هو الرزاق والمعطي، والكافي والمعين.

2 ـ روي عن فاطمة (عليها‌السلام ) قالت: أتيت النبي، فقلت: السلام عليك يا أبه.

فقال: وعليك السلام يا بنية.

فقلت: والله، ما أصبح يا نبي الله في بيت علي حبة طعام، ولا دخل بين شفتيه طعام منذ خمس، ولا أصبحت له ثاغية ولا راغية، ولا أصبح في بيته سفة ولا هفّة.

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أدني مني.

فدنوت.

فقال: ادخلي يدك بين ظهري وثوبي، فإذا حجر بين كتفي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مربوط إلى صدره.

فصاحت فاطمة صيحة، فقال لها: ما أوقدت في بيوت آل محمد نار منذ شهر.. إلخ(1) .

____________

1- راجع: أهل البيت لتوفيق أبي علم ص130 ودلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص69 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج18 ص171. وراجع: كشف اليقين للعلامة الحلي ص455.

١٠٨

وثمة روايات أخرى بهذا المعنى فلتراجع.

3 ـ يضاف إلى ذلك: أن المتوقع من النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يبادر إلى توجيه موعظة قوية لابنته، وأن تتضمن لوماً لها على عدم ثقتها بالله تبارك وتعالى. وأن يوجهها نحو الزهد بالدنيا، والرضا بما قسمه الله تعالى، ويصر عليها بأن تتخذ من واقع سائر الناس أمثولة لها.. بل أن تكون هي أسوة وقدوة لهم في ذلك.

4 ـ على أن هذه الرواية لا تتوافق مع تلك الرواية التي تقول: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أعطى فدكاً لفاطمة (عليها‌السلام ) عوضاً عن بعض مهر أمها كما تقدم.

وإن كنا نعتقد: أن مهر أمها قد أدي إليها كاملاً من قبل أبي طالب (عليه‌السلام )، ولكنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أراد أن يبين عظمة حقها، وأن يكرمها بما جعله الله تعالى له، وأن يبر بها من خلال ابنتها (عليها‌السلام )، علماً بأن قيمة خديجة (عليها‌السلام ) لا تقدر بالمال، ولا بالعقار.

ولعل ما يزيد في أهمية هذا البر والتكريم، أن خديجة بذلت مالها كله في سبيل هذا الدين. وبذلت مهرها أيضاً، فأراد الله أن يشكر لها هذه التضحيات الجِسام، وينوه بها، فأعطى فدكاً لإبنتها، والمرء إنما يكرم في ولده. وفدك لا تكفي للتعبير عن مقامها عند الله، فلا بد أن يزيدها من فضله في رفع درجاتها في الآخرة على قاعدة كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مئة حبة، والله يضاعف لمن يشاء..

وبذلك يظهر: أن ادعاء فدك أنها من مهر خديجة لا يعني أن مهرها

١٠٩

كان بهذه الكثرة والضخامة، كما هو ظاهر..

معاذ وابنه:

وذكرت الرواية: أن ابن معاذ اتخذ من أبيه موقفاً قوياً وحاسماً، لأنه لم يجب السيدة فاطمة الزهراء (عليها‌السلام )، حينما اسنتصرته..

مع أننا رأينا كيف أن معاذاً كان من أعوان أبي بكر في سعيه لإقصاء علي (عليه‌السلام ) عن مقامه. وكان أيضاً مع المهاجمين لبيت الزهراء (عليها‌السلام )، فور العودة من سقيفة بني ساعدة، وكان في جملة الذين نصروا أبا بكر في مقابل الاثني عشر الذين احتجوا عليه، بل تذكر الرواية: أنه جاء يقود ألف رجل لمواجهة علي (عليه‌السلام )، ومن معه، ولوقف حركتهم، وإخماد صوتهم.. فلماذا لم يتخذ منه ابنه أي موقف في كل تلكم المواقف؟!..

إسقاط المحسن في قصة فدك:

وذكرت الرواية المتقدمة: أن عمر بن الخطاب إنما رفس فاطمة (عليها‌السلام ) برجله، فأسقطت محسناً، حين أخذ منها الكتاب برد فدك.

مع أن سائر الروايات تقول: إنها أسقطت محسناً، حين هجوم عمر ومن معه على بيتها (عليها‌السلام )، حيث عصروها بين الباب والحائط..

إلا أن يقال: إن ما جرى في البيت هو ابتداء نفاسها بالمحسن، حيث أصيب ومات وهو في بطنها، واستمرت تعاني الآلام بسبب ذلك بضعة أيام، حتى كانت رفسة عمر لها، في موضوع فدك، فكان الإسقاط الفعلي للمحسن.. والله هو العالم بالحقائق..

١١٠

تريد الوصية لابن الزبير:

ذكرت الرواية المتقدمة: أن الزهراء (عليها‌السلام ) دعت علياً (عليه‌السلام ) حين وفاتها، وقالت له: إما تضمن، وإلا أوصيت إلى ابن الزبير..

مع أنه لم يظهر من علي (عليه‌السلام ) ما يدعو إلى التهديد بخيار كهذا، وليس ثمة ما يوحي أو يدل على أنه (عليه‌السلام ) متردد أو سوف يتردد في تنفيذ وصيتها..

كما أنه لا معنى لاختيار ابن الزبير لهذه المهمة ـ والمقصود به هو عبد الله ابن الزبير ابن عبد المطلب ـ دون علي (عليه‌السلام ) لأن ذلك يعد إهانة منها لسيد الأوصياء وهي منزهة عن ذلك، وكذا يقال بالنسبة لسائر بني هاشم، والخلَّص من الصحابة، أمثال: سلمان، وعمار، وأبي ذر، والمقداد، وأبي الهيثم بن التيهان، وقيس بن سعد، وغيرهم.

مطالبة الزهراء (عليها‌السلام ) بحقها بأمر علي (عليه‌السلام ):

وقد ذكرت بعض الروايات التي تقدمت: أن علياً أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) هو الذي طلب من الزهراء (عليها‌السلام ) أن تبادر للمطالبة بإرثها ونحلتها.. ولعله لأنه (عليه‌السلام ) يريد بذلك أن يحرج الغاصبين، من حيث إن صاحب الحق الشرعي هو الذي انبرى للمطالبة بحقه.. فلا مجال لاتهام علي (عليه‌السلام ) بأنه يثير أموراً من عند نفسه، لتكون وسيلته إلى غيرها.

كما أن المطالب بهذا الحق هو الزهراء (عليها‌السلام )، التي تعيش

١١١

ويعيش الناس معها أجواء الفجيعة برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). وهي تثير في الناس معاني الأسى والحزن، كما أنها تمثل الحنان والرقة والعاطفة، والمحبة والصفاء.

ولا يمكن اتهامها بأنها تريد إثارة أجواء حرب أو نزاع. خصوصاً بعد أن أعلن (عليه‌السلام ) أنه ملتزم بتوجيهات الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعدم مواجهة الغاصبين، إلا إذا توفرت له القوة الكافية والقادرة على حسم الأمور.. والتي يكفي نفس وجودها لردع من يريد التعدي على الحقوق المادية وغيرها.

فإذا ظهر للناس الحق من خـلال مطالبة الزهـراء (عليها‌السلام ) واستدلالاتها وبراهينها النيرة، فإنهم سوف يدركون أن من يتصدى لمقام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يفقد المواصفات المطلوبة لهذا المقام، من جهات عدة..

منها: أنه قد خالف النصوص الصريحة: القرآنية والنبوية.

ومنها: أنه لم يمتثل لحكم الله سبحانه حين ظهر له الحق، بل اكتفى بتسطير بعض الكلمات العاطفية التي لا ربط لها بأصل الموضوع..

عمر يمزق كتاب أبي بكر:

وقد ذكرت الرواية المتقدمة: أن عمر بن الخطاب أخذ الكتاب من السيدة الزهراء (عليها‌السلام ) عنوة ومزّقه.

ونشير هنا: إلى أن سبب هذا الموقف من عمر هو ما يلي:

١١٢

1 ـ ما نقل عن عمر من أنه دخل على أبي بكر، وقد كتب أبو بكر كتاباً لفاطمة (عليها‌السلام ) بميراثها من أبيها (والمقصود هو فدك) فقال له عمر: ماذا تنفق على المسلمين، وقد حاربتك العرب كما ترى؟! ثم أخذ الكتاب فشقه(1) .

ولعل عمر قد نسي: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حاربته العرب، ولم يستعن بفدك للإنفاق على المسلمين.

2 ـ عن المفضل بن عمر قال: قال مولاي جعفر الصادق (عليه‌السلام ): لما ولي أبو بكر بن أبي قحافة، قال عمر: إن الناس عبيد هذه الدنيا، لا يريدون غيرها، فامنع عن علي وأهل بيته الخمس، والفيء، وفدكاً، فإن شيعته إذا علموا ذلك، تركوا علياً، وأقبلوا إليك، رغبة في الدنيا، وإيثاراً، ومحاباة عليها.

ففعل أبو بكر ذلك، وصرف عنهم جميع ذلك(2) .

____________

1- شرج نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص234 و 235 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة سنة 1400) ج3 ص488 و (ط أخرى) ج3 ص363 عن سبط ابن الجوزي، والغدير ج7 ص194 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص427 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج25 ص542 وأعيان الشيعة ج1 ص318.

2- بحار الأنوارج29 ص194 عن الكشكول فيما جرى على آل الرسول ص203 ومستدرك الوسائل ج7 ص290 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص572 واللمعة البيضاء ص305 ومجمع النورين للمرندي ص126.

١١٣

3 ـ وقال علي بن تقي النيلي: (وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها (أي عن فدك) إلا ألّا يتقوى علي بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة، ولهذا اتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني عبد المطلب حقهم في الخمس، فإن الفقير الذي لا مال له تضعف همته، ويتصاغر عند نفسه، ويكون مشغولاً بالإحتراف والإكتساب عن طلب الملك والرياسة)(1) .

4 ـ إن نفس أن يظهروا أبا بكر ـ بصورة عملية ـ: أنه في موقع الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأنه يمارس صلاحياته، حتى على أصحاب الحق الشرعيين، بأبشع الصور، واقسى أنواع الظلم والتعدي مع أن أصحاب الحق هم علي والزهراء (عليهما‌السلام ).

نعم.. إن هذا الأمر مطلوب للغاصبين، ويرون أنفسهم بحاجة ماسة له.

5 ـ قال علي بن مهنـا: عن السبب في منع فـدك: (أرادا ألّا يظهرا لعلي ـ وقد اغتصباه الخلافة ـ رقة وليناً وخذلاناً، ولا يرى عندهما خوراً، فأتبعا القرح بالقرح)(2) .

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص236 و 237 واللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري ص306 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص510.

2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص236 واللمعة البيضاء ص306.

١١٤

ولذلك منع فاطمة وبني هاشم سهم ذوي القربى(1) .

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص231.

وراجع: الإمام علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) للهمداني ص739 والسقيفة وفدك للجوهري ص118 واللمعة البيضاء ص844.

١١٥

١١٦

الفصل الثاني: مأزق أبي بكر بين خطبة الزهراء (عليها‌السلام ) ومطالبات علي (عليه‌السلام )

١١٧

١١٨

بـدايـة:

وبما أن خطبة السيدة الزهراء في مناسبة غصب فدك، تتضمن الكثير مما يرتبط بأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) فقد آثرنا الإلماح إليها، لدفع ما قد يتوهمه المتوهمون حول ما قصدته في بعض فقراتها.

فنقول:

الخطبة العظيمة:

عن عبد الله بن الحسن، عن آبائه: (لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدك، وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة فجلست، ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت (عليها‌السلام ):

الحمد لله على ما أنعم..

١١٩

إلى أن قالت:

كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه.

مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، مشمراً ناصحاً، مجداً، كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم.

وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال.

فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، واطلع الشيطان رأسه من مغرزة هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحشمكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير مشربكم.

هذا.. والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وأني تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلاً، ومن يبتع غير الإسلام ديناً فلن يقبل

١٢٠