الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١٠
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
ونقول:
إن لنا مع هذا الحديث وقفات، هي التالية:
تحريف الحديث الشريف:
إننا نعتقد: أن هذا الحديث قد تعرض للتلاعب والتحريف، كما يدل عليه نفس متنه، لأن ما نقله أبو بكر عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) إنما تضمن ذكر خلافة علي (عليهالسلام ) للنبي (صلىاللهعليهوآله ) في أهله، وليس في الأمة.
وقول العباس لأبي بكر: فما أقعدك في مجلسك هذا. إنما يتم لو كان
(صلىاللهعليهوآله ) قد جعله خليفة في أمته، أو خليفته من بعده على الإطلاق..
إلا إذا قلنا: أن خلافته في أهله لا تنفصل عن خلافته في أمته من حيث هو نبي وولي، إذ لا أهل للنبي بعد وفاته غير الزهراء، وهي زوجة علي (عليهالسلام ).
فاستدلال العباس بهذه الفقرة على أحقية علي (عليهالسلام ) بموقع الخلافة من أبي بكر، وقبول أبي بكر بهذا الإستدلال، وخشيته من أن يكون بنو هاشم بصدد استرجاع هذا الأمر منه، لأنهم هم الأحق به، يدل على أن كلمة (في أهلي) إما زيدت في الرواية للتشويه والتمويه، أو انها تدل على الولاية العامة حسبما ذكرناه..
أيهما المحق؟! وأيهما المبطل؟!:
وقد سأل يحيى بن خالد البرمكي هشام بن الحكم بمحضر الرشيد، فقال: أخبرني يا هشام، هل يكون الحق في جهتين مختلفتين؟!
قال هشام: الظاهر لا..
إلى أن قال يحيى: فأخبرني عن علي والعباس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث، أيهما كان المحق من المبطل؟! إذ كنت لا تقول إنهما كانا محقين، ولا مبطلين!!
قال هشام: فنظرت، فإذا إنني إن قلت: إن علياً (عليهالسلام ) كان مبطلاً كفرت، وخرجت من مذهبي.
وإن قلت: إن العباس كان مبطلاً ضرب الرشيد عنقي. ووردت علي مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك الوقت، ولا أعددت لها جواباً.
فذكرت قول أبي عبد الله (عليهالسلام ): يا هشام، لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك. فعلمت أني لا أخذل، وعنّ لي الجواب في الحال، فقلت له:
لم يكن لأحدهما خطأ حقيقة، وكانا جميعاً محقين، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود (عليهالسلام )، يقول الله عز وجل:( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ) .
إلى قوله تعالى:( خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ) (1) . فأي الملكين كان مخطئاً، وأيهما كان مصيباً؟!
أم تقول: إنهما كانا مخطئين؟! فجوابك في ذلك جوابي.
فقال يحيى: لست أقول: إن الملكين أخطئا، بل أقول: إنهما أصابا، وذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة، ولم يختلفا في الحكم. وإنما أظهرا ذلك لينبها داود (عليهالسلام ) في الخطيئة، ويعرفاه الحكم، ويوقفاه عليه.
قال هشام: قلت له: كذلك علي (عليهالسلام ) والعباس لم يختلفا في الحكم، ولم يختصما في الحقيقة، وإنما أظهرا الإختلاف والخصومة لينبها أبا بكر على خطئه، ويدلا على أن لهما في الميراث حقاً، ولم يكونا في ريب من أمرهما، وإنما كان ذلك منهما على حد ما كان من الملكين.
____________
1- الآيتان 21 و 22 من سورة ص.
فاستحسن الرشيد ذلك الجواب(1) .
أبو بكر يناقض نفسه:
روى المدائني عن هشام بن سعد، عن عيسى بن عبد الله بن مالك قال: خاصم العباس علياً إلى أبي بكر، فقال: العم أولى أو ابن العم؟!
قال: العم.
قال: ما بال درع النبي (صلىاللهعليهوآله )، وبغلته دلدل، وسيفه عند علي؟!
فقال أبو بكر: هذا شيء وجدته في يده، فأنا أكره نزعه منه، وتركه العباس(2) .
____________
1- بحار الأنوار ج10 ص293 وج29 ص69 و 70 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص49 والفصول المختارة للمرتضى ص49 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص545 وإحقاق الحق (الأصل) ص228 وهشام بن الحكم للشيخ عبد الله نعمة ص227 وقال في هامشه: الفصول المختارة ج1 ص24 ـ 25 وقارن ما نقله في ضحى الإسلام ج3 ص262 ـ 269، فإنه اختصر هذه المناظرة، وانظر بحار الأنوار ج4 ص159. وعيون الأخبار لابن قتيبة ج5 ص150 والعقد الفريد ج1 ص270.
2- إمتاع الأسماع ج7 ص148 وراجع: مسند أحمد ج1 ص13 ومجمع الزوائد ج4 ص207 ومسند أبي يعلى ج1 ص34 والتمهيد لابن عبد البر ج8 ص159 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج5 ص586.
فنلاحظ:
1 ـ كان بإمكان أبي بكر أن يسأل علياً (عليهالسلام ) عن هذا الذي تحت يده كيف وصل إليه.. فإن كان بنحو مملك تركه له، وإن كان على سبيل الإستيلاء والتعدي فلماذا لا ينتزعه منه؟!
2 ـ لماذا انتزع أبو بكر فدكاً من يد فاطمة (عليهاالسلام ) وطرد وكلاءَها منها.. ولا ينتزع بغلة النبي (صلىاللهعليهوآله ) من علي (عليهالسلام )؟!
3 ـ إن السؤال الصحيح ليس هو عن كون ابن العم أولى من العم، بل السؤال هو: هل العم أولى من البنت؟!
إذ إن علياً (عليهالسلام ) لم يدَّعِ أنه هو الوارث للمال، بل هو يقول: إن فاطمة هي التي ترث دون العم.
أنا ولي رسول الله (صلىاللهعليهوآله ):
قال العلامة: (كيف يجوز لأبي بكر أن يقول: أنا ولي رسول الله، وكذا لعمر، مع أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) مات وقد جعلهما من جملة رعايا أسامة بن زيد)(1) .
وأجاب البعض: بأن المراد بالولي: من تولى الخلافة، فإنه يصبح
____________
1- نهج الحق ص364 وراجع: دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص124 والطرائف لابن طاووس ص272 وإحقاق الحق (الأصل) ص302.
المتصرف في أمور رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بعده، وتأمير أسامة عليهما لا يجعلهما من رعاياه، بل هم جميعاً من رعايا النبي (صلىاللهعليهوآله )(1) .
وهو جواب لا يصح: فقد قال الشيخ محمد حسن المظفر (رحمهالله )، ما حاصله: إن الولي للشخص هو المتصرف في أموره؛ لسلطانه عليه ولو في الجملة، كالمتصرف في أمور الطفل والغائب. ولا يصدق على الوكيل أنه ولي، مع أنه متصرف في أمور غيره. فلا أقل من أن ذلك إساءة أدب معه (صلىاللهعليهوآله ).
ولو سلم اعتبار السلطنة في معنى الولي، فدعواهما أنهما وليا رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) غير صحيحة، لأن النبي (صلىاللهعليهوآله ) لم يستصلحهما حين وفاته إلا لأن يكونا في جملة رعايا أسامة، فكيف صلحا بعده للإمامة على الناس عامة ومنهم أسامة؟!
على أن إضافة الولي إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، من دون اعتبار السلطنة في معنى الولي، تقتضي ظاهراً: أن تكون الولاية مجعولة من النبي (صلىاللهعليهوآله )، لأنها من إضافة الصفة إلى الفاعل، لا إلى المفعول، وذلك باطل بالاتفاق.
____________
1- هذا كلام ابن روزبهان في كتابه المسمى: (إبطال نهج الباطل) فراجع دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص125.
وإنكار إطلاق الرعية على مثل تأمير أسامة في غير محله(1) .
عثمان رسول نساء النبي (صلىاللهعليهوآله ) إلى أبي بكر:
وقال المجلسي أيضاً والمعتزلي روي عن عائشة: إن أزواج النبي (صلىاللهعليهوآله ) أرسلن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن من رسول الله (صلىاللهعليهوآله )(2) .
____________
1- دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص126.
2- بحار الأنوار ج29 ص71 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص223 و 228 وفتوح البلدان للبلاذري ج1 ص34 وأنساب الأشراف ج1 ص520 ومسند ابي عوانة ج4 ص145 وراجع ص143 وطبقات ابن سعد ج2 ص315 والمصنف للصنعاني ج5 ص471 و472 والصواعق المحرقة ص36 وتلخيص الشافي ج3 ص150 والموطأ (مطبوع مع تنوير الحوالك) ج3 ص154 والبداية النهاية ج4 ص203 وج5 ص288 والإيضاح لشاذان ص257 ـ 262 وراجع هوامشه، وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص24 وتركة النبي (صلىاللهعليهوآله ) للبغدادي ص84 ومسند الشاميين ج4 ص199 لكن في صحيح مسلم ج3 ص1379 حديث51: إنهن أردن أن يرسلن عثمان إلى أبي بكر، فاعترضت عائشة عليهن بحديث أبي بكر: إن النبي لا يورث. وراجع: سنن أبي داود ج3 ص144 و 145 وراجع: السقيفة وفدك للجوهري ص113 و 115 ومعجم البلدان ج4 ص239 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص205 و 207 و201 وعمـدة القـاري ج17 ص130 و 131 واللمـعـة البيضاء ص762 = والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص299.
فهل جهل نساء رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بأن النبي لا يورث؟!
وكيف يذهب عثمان بهذه المهمة، مع أن عمر قد أقسم على جماعة فيهم عثمان: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) قال: لا نورث، ما تركناه صدقة.
فقالوا: نعم؟!(1) .
وكيف لم يصدق عثمان أبا بكر فيما رواه عن رسول الله من أن الأنبياء لا يورثون؟!
وكيف دفع عمر صدقة النبي (صلىاللهعليهوآله ) بالمدينة إلى علي (عليهالسلام ) إذا كان النبي لا يورث أصلاً؟!
وكيف دفع عمر سهم النبي (صلىاللهعليهوآله ) بخيبر، وما أفاءه الله عليه إلى علي وحده، أو إلى علي (عليهالسلام ) والعباس؟!
وكيف ترك أبو بكر سيف رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) وبغلته وعمامته إلى علي (عليهالسلام )؟! فإن كان لأجل احتمال أن يكون قد منحه النبي (صلىاللهعليهوآله ) إياهما قبل وفاته.. فلماذا لم يحتمل مثل الاحتمال في فدك أيضاً مع وجود الشهود، وسائر الدلائل والشواهد على ذلك، وإن كان لأجل أن الوارث هو الزهراء (عليهاالسلام ).. فلماذا يمنع الزهراء
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص223 و 222 واللمعة البيضاء ص762 ونيل الأوطار للشوكاني ج6 ص196 وأضواء البيان للشنقيطي ج3 ص361 وعن الرياض النضرة ج2 ص124.
إرثها؟!
وكيف، ولماذا إذن.. يروي أبو بكر عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أنه قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة؟!.
وأيضاً تناقضات أبي بكر:
1 ـ ورد في النصوص: أن أبا بكر قال: سمعت رسول الله يقول: إنَّا معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة، ولا أرضاً، ولا عقاراً، ولكنا نورث الإيمان، والحكمة، والعلم، والسنة(1) .
وهو كلام يدل على أن الأنبياء لم يأتوا إلى الدنيا لجمع الأموال..
ولا يدل على أنهم لو تركوا شيئاً كان لغير ورثتهم، وهذه الإختلافات في نقل حديث عدم توريث الأنبياء قد تكررت في كلام أبي بكر، ولعله لأنه
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص214 و 252 و 224 والسقيفة وفدك للجوهري ص103 واللمعة البيضاء ص758 و 687 وراجع: الإحتجاج (ط دار النعمان) ج1 ص142 وبحار الأنوار ج29 ص231 ومناقب علي بن أبي طالب (عليهالسلام ) ومـا نـزل من القرآن في عـلي لابن مردويـه الأصفهاني ص203 والخصائص الفاطمية للكجوري ج2 ص17 ومجمع النورين للمرندي ص133 والشافي في الإمامة للمرتضى ج4 ص76 وسفينة النجاة للتنكابني ص173 وبيت الأحزان ص147 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج33 ص359 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص493.
كرر كلامه في أكثر من موقف ومناسبة.
2 ـ وقد ذكر الشيخ الطوسي وغيره: أن أبا بكر قد ناقض نفسه في موضوع الإرث بصورة لا يمكن معالجتها، فهو قد روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله ) أنه قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث.
ثم دفع سيف رسول الله وبغلته، وعمامته وغير ذلك (وفي نص آخر: دفع آلة رسول الله ودابته وحذاءه(1) ) إلى أمير المؤمنين (عليهالسلام ). وقد نازعه العباس فيها، فحكم بها لعلي (عليهالسلام ).
إما لأن ابن العم ـ إذا كان عم الميت ـ من الأب والأم، أولى من العم إذا كان من جانب الأب فقط(2) ، لأن المتقرب إلى الميت بسببين أولى من
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص214 والسقيفة وفدك للجوهري ص103 واللمعة البيضاء ص758 ومعالم المدرستين ج2 ص138 عن: الأحكام السلطانية للماوردي ص171.
2- البداية والنهاية ج6 ص9 والرياض النضرة ج2 ص17 وبحار الأنوار ج29 ص70 وج101 ص394 وإحقاق الحق (الأصل) للتستري ص226 والمقنعة للشيخ المفيد ص692 وراجع: الخلاف للشيخ الطوسي ج4 ص20 والمراسم العلوية لسلار ص225 والمهذب لابن البراج ج2 ص145 والنهاية للطوسي ص653 وشرائع الإسلام للمحقق الحلي ج4 ص831 وقواعد الأحكام للعلامة الحلي ج3 ص370 ومختلف الشيعة ج9 ص24 وإيضاح الفوائد ج4 ص227 ومسالك الأفهام ج13 ص158وكشف اللثام (ط.ق) ج2 ص297= = و (ط.ج) ج9 ص446 والقواعد والفوائد ج2 ص291 وفقه الرضا ص289 ونضد القواعد الفقهية للمقداد السيوري ص450 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص129 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص225 والإحتجاج.
المتقرب إليه بسبب واحد..
وإما لأن العم لا يرث مع وجود البنت، كما هو مذهب أهل البيت (عليهمالسلام )(1) .
دفاع الأتباع:
و قد دافع أتباع أبي بكر وعمر عنهما في موضوع إرث النبي (صلىاللهعليهوآله ) بما لا يصلح ولا يفيد، فقالوا:
1 ـ بالنسبة لما أعطاه لعلي (عليهالسلام ) من تركة النبي (صلىاللهعليهوآله ):
لا شك في أن أبا بكر لم يدفع هذه الاشياء ذلك إلى علي (عليهالسلام ) بعنوان أنها إرث، لأن ذلك لا ينسجم مع حديث نحن معاشرالأنبياء لا نورث.
كما أنه لا إرث لعلي (عليهالسلام ) مع العم، لأنه عصبة.. فإن كانت فاطمة (عليهاالسلام ) قد ورثت شيئاً، فالعباس شريكها، وأزواج النبي
____________
1- تلخيص الشافي ج3 ص147 و 148 وبحار الأنوار ج29 ص70 وإحقاق الحق (الأصل) ص226 وراجع ص458.
(صلىاللهعليهوآله ) شركاؤها أيضاً.
ولوجب أن يكون ذلك ظاهراً مشهوداً، ليعرف أنهم أخذوا نصيبهم من غير ذلك، أو بدله..
وذكروا أيضاً: أن عدم أخذ الشيء بالإرث لا يعني عدم الحصول عليه أصلاً، إذ قد يحصل عليه عن طريق النحلة، أو قد يعطيه إياه أبو بكر، ليكون في يده لمصلحة يراها، كتقوية الدين.. (ثم يتصدق أبو بكر ببدله).
وأما البردة والقضيب، فلعل أبا بكر لم يتصدق بهما، بل جعلهما عدة في سبيل الله، تقوية على المشركين، فتداولته الأئمة.
هذا إن ثبت أنه (صلىاللهعليهوآله ) لم ينحله أحداً في حال حياته..
ونقول:
أولاً: إذا جاز أن يكون كل ذلك مما نحله الرسول (صلىاللهعليهوآله ) في حال حياته.. لأحد من الناس، فلماذا لم يصدقوا الزهراء (عليهاالسلام ) في أمر فدك، فإنها كانت نحلة لها من رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، في حال حياته وكانت في يدها، وعمالها فيها لعدة سنوات في حياته (صلىاللهعليهوآله )..
إلا إذا فرض ـ والعياذ بالله ـ: أن أبا بكر يكذّب السيدة الزهراء (عليهاالسلام )، التي طهرها الله تطهيراً..
ثانياً: لقد أوجب هذا المدافع: أن يكون ما وصل إلى فاطمة (عليهاالسلام ) معروف الجهة، هل هو نحلة؟! أو على سبيل الإرث؟! أو غير ذلك؟! وأن يكون ذلك ظاهراً مشهوداً.
ولكنه يعود فيدَّعي لأجل تصحيح فعل أبي بكر بالبردة والقضيب، وإعطائه سيف وبغلة وعمامة الرسول (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ) ـ يدعي ـ: أنه قد يكون ذلك ملك علي من جهة أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) قد نحله إياه، وقد يكون (صلىاللهعليهوآله ) قد أعطى البردة والقضيب لأحد على سبيل النحلة.
مع أنه لا بد أن يكون ذلك ظاهراً مشهوداً أيضاً حسب قوله. إلا إذا كان هذا المدافع يشترط الظهور والشهرة في نحلة الزهراء (عليهاالسلام ) دون غيرها!!
مع أن كون فدك نحلة للزهراء (عليهاالسلام ) أيضاً كالنار على المنار، وكالشمس في رائعة النهار.
2 ـ أما بالنسبة لتنازع علي (عليهالسلام ) والعباس، وكذلك بالنسبة لطلب الأزواج الميراث، فقد أجاب المدافعون عن أبي بكر، بأن من الممكن أن يكون العباس، وعلي (عليهالسلام )، وكذلك الأزواج غير عالمين بحديث: نحن معاشر الأنبياء لا نورث..
ونجيب:
بأن هذا الإحتمال غريب وعجيب، فإن علياً (عليهالسلام ) وكذلك سائر الصحابة، قد شهدوا ما جرى بين أبي بكر والزهراء (عليهاالسلام )، وسمعوا خطبتها المشهورة حول هذا الموضوع.
وعرفوا ورأوا كيف استدل أبو بكر بهذا الحديث ناسباً له إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).. فمتى نسوا هذا الحديث؟! وهل يمكن أن ينسى
العباس وعلي (عليهالسلام ) هذا الحديث، وقد انتزع أبو بكر بسببه من يدهم تلك الأراضي والأموال؟!
والحال أن هذه المنازعة بين العباس وعلي (عليهالسلام ) قد جرت بعد استشهاد الزهراء (عليهاالسلام ).
الفصل الثالث: مطالبات.. في نفس السياق: العباس وفاطمة (عليهماالسلام )..
نماذج أخرى على طريق الخيبة:
ورغم كل مزاعمهم الرامية إلى تخفيف حدة النقد الموجه إلى أبي بكر، وتحاشى ما يمكن تحاشيه من المؤاخذات له. فإن نفس تلك المزاعم قد حفلت بالتناقضات التي تحبط مسعاهم، وتسقط مكرهم.. ونذكر نماذج يسيرة وقصيرة من ذلك هنا للتذكير، فقط وهي التالية:
أموال بني النضير:
عن عمر بن الخطاب قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله (صلىاللهعليهوآله ) خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنتهم، ثم يجعل ما بقي منها في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله(1) .
____________
1- صحيح البخاري ج3 ص227 وج6 ص58 وصحيح مسلم ج5 ص151 وسنن أبي داود ج2 ص22 وسنن الترمذي ج3 ص131 وسنن النسائي ج7 ص132 ومسند أحمد ج1 ص25 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص296 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص633 والدر المنثور ج6 ص284 و (ط دار المعرفة) ج6 ص192 عن البخاري، ومسلم، وأحمد، وابن داود، والترمذي، = = والنسائي، وابن المنذر. وبحار الأنوار ج29 ص348 عن جامع الأصول، وكنز العمال ج4 ص522 واللمعة البيضاء ص785 وعون المعبود ج8 ص159 ونيل الأوطار ج8 ص230 وأحكام القرآن لابن العربي ج2 ص407 وإمتاع الأسماع ج2 ص294 وج13 ص147 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص443 وكتاب المسند للشافعي ص322 وشرح مسلم للنووي ج12 ص70 وفتح الباري ج6 ص69 و 143 وعمدة القاري ج14 ص185 وج19 ص224 والسنن الكبرى للنسائي ج3 ص46 وج5 ص377 وج6 ص848 ومسند أبي حنيفة ص258 و معرفة السنن والآثار للبيهقي ج5 ص112 والتمهيد لابن عبد البر ج8 ص169 وأحكام القرآن لابن إدريس الشافعي ج1 ص154 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص14 وج18 ص11 و تفسير القرآن العظيم ج4 ص359 وفتح القدير ج5 ص199 و تفسير الآلوسي ج28 ص44 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص208 وفتوح البلدان للبلاذري ج1 ص20 والبداية والنهاية ج4 ص91 وج6 ص61 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص153 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص89.
ونقل القرطبي عن عمر: قال: (إنها كانت خالصة لرسول الله (صلىاللهعليهوآله )، يعني: بني النضير، وما كان مثلها)(1) .
____________
1- الجامع لأحكام القرآن ج18 ص11 و (ط دار إحياء التراث العربي سنة 1405) ج18 ص13 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص214 وفتح القدير ج5 ص197 و 198.
ونقول:
ان ملاحظة الفصول السابقة تعطي:
أن الكلام عن فدك قد كثر وتنامى، لأنها كانت نحلة من رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) لابنته فاطمة (عليهاالسلام ) في حال حياته. فأخذوها منها ـ كما بيناه أكثر من مرة، ـ فاحتجت على أبي بكر، وطالبته بنحلتها، فمنعها إياها.
وطالبته أيضاً بإرثها في بني النضير، وفي سائر ما تركه رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فمنعها إياه أيضاً.. فإن عمر يقر أن بني النضير كانت خالصة للنبي (صلىاللهعليهوآله ).. ولكنه يعود فيقول: إنه (صلىاللهعليهوآله ) كان يأخذ قوت سنته ويجعل الباقي في الكراع والسلاح، ليوهم السامع أو القارئ أن هذا هو مصرف ما كان للنبي (صلىاللهعليهوآله )، مع أن الأمر ليس كذلك، فإنه (صلىاللهعليهوآله ) إذا كان يضع الباقي في الكراع والسلاح فإنما كان يفعل ذلك على سبيل التطوع. كان انسان يبذل ماله في سبيل الخير..
وما نريد أن نشير إليه هنا هو: أن أموال بني النضير كانت ملكاً شخصياً للنبي (صلىاللهعليهوآله ).. وإذا كان قد جعل باقي غلتها في الكراع والسلاح فإنما كان ذلك على سبيل التطوع والإستحباب.. لا لأن ذلك هو حكم الله أمثال هذه الأموال..
وقد رأينا: أن علياً (عليهالسلام ) قد بلغت زكاة أمواله أربعة آلاف
(أو أربعون ألف) دينار في كل سنة(1) .
وقد وقف على الحُجاج مئة عين استنبطها في ينبع(2) .
____________
1- راجع: كشف المحجة ص134 وبحار الأنوار ج41 ص26 و 43 وأنساب الأشراف ج2 ص117 ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج5 ص560 ومسند أحمد ج1 ص159 وينابيع المودة ص372 عن فصل الخطاب لخواجة پارسا، وأسد الغابة ج4 ص23 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص199 ومجمع الزوائد ج9 ص123 والتراتيب الإدارية ج1 ص407 وتهذيب الأسماء ج1 ص346 وصيد الخاطر ص26 وشرح إحقاق الحق (ملحقات) ج8 ص574 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص72 وترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص450 و 451 وحلية الأولياء ج1 ص86 وكنز العمال ج15 ص159 عن أحمد، وأبي نعيم، والدورقي، والضياء في المختارة، والسيرة الحلبية ج2 ص207 والرياض النضرة ج4 ص208 وعن أرجح المطالب ص166 وعن ربيع الأبرار، وراجع: أصول مالكيت للأحمدي ج2 ص74 وراجع: الصراط المستقيم ج3 ص95 ومناقب الإمام أمير المؤمنـين (عليهاالسلام ) للكـوفي ج2 ص66 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص478 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص632 ونظم درر السمطين ص191 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص375 والبداية والنهاية ج7 ص368.
2- أصول مالكيت ج2 ص79 عن المناقب ج2 ص123 وراجع: البحار ج41 ص32 وراجع حول ثورته (عليهالسلام ) أيضاً ج41 ص125 ففيه قصة طريفة حول هذا الموضوع وراجع: الوسائل ج12 ص225.