• البداية
  • السابق
  • 334 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19002 / تحميل: 5946
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 10

مؤلف:
العربية

ب: لا دليل على أن الخصومة بينهما كانت في قسمة النظر، فإن ذلك مجرد تبرع بلا دليل.

ج: قول الهيثمي: إن الميراث واضح، فإن لعلي سهماً بسبب زوجته، والسهم الآخر للعباس. لا معنى له، لأن العم لا يرث مع وجود البنت، لبطلان التعصيب، الذي نظن أنهم قالوا به لأجل تصحيح موقف أبي بكر هنا من إرث فاطمة (عليها‌السلام ).

فلعل العباس ظن أن له نصيباً في الميراث، فجاء يطالب به..

أو لعلهما أرادا: أن يعرفا عمر بن الخطاب بأن حقهما في ميراث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ثابت..

أو أرادا أن يعرفا الناس بأن عدم ارجاع فدك إنما هو لإصرار الحكام على حرمانهم منها لا لأاجل عدم ثبوت هذا الحق لهم، لأن هذا الحق ثابت لهم بنص القرآن الكريم.. وهذا هو الأقرب والأصوب.

د: قال الشوكاني: لكن في رواية النسائي، وعمر بن شبة، من طريق أبي البختري ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث، ولفظه في آخره: ثم جئتماني الآن تختصمان، يقول هذا: أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا: أريد نصيبي من امرأتي الخ..(1) .

____________

1- نيل الأوطار ج6 ص198 وفتح الباري ج6 ص145 وتحفة الأحوذي ج5 ص194 وراجع: تاريخ المدينة ج1 ص206 وبحار الأنوار ج29 ص370 والسقيفة وفدك ص114 وشرح معاني الآثار ج3 ص307 واللمعة البيضاء ص764.

٢٠١

مانعة خلو:

هذا.. وقد ذكر العلامة الحلي (رحمه‌الله )(1) : أن عمر بن الخطاب أخبر أن علياًعليه‌السلام والعباس (رحمه‌الله ) كانا يريان أبا بكر وعمر، كاذبين، آثمين، خائنين، غادرين. فان كان ذلك حقاً، فهما لا يصلحان للخلافة..

وإن كان كذباً، لزمه تطرق الذم إلى علي (عليه‌السلام ) والعباس، فكيف استصلحوا علياً للخلافة بعد ذلك؟! كما أن عمر نفسه قد جعله في الشورى.. مع أن الله تعالى قد نزهه من الكذب وطهره..

وإن كان عمر قد نسب إلى العباس (رحمه‌الله ) وعلي (عليه‌السلام ) ما لا أصل له، تطرق الذم إلى عمر نفسه، لأنه ينسب إليهما الباطل.

ولم نجد علياً اعترض على عمر في ذلك، ولا وجدنا أحداً من الحاضرين برأ ساحة أبي بكر من هذا الأمر..

بل إن نفس عودة العباس وعلي (عليه‌السلام ) إلى الترافع في هذه القضية مع سبق حكم أبي بكر فيها يدل على أنهما لم يصدقاه فيما نسبه إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، من نفي إرث الأنبياء.

المعتزلي وحديث الترافع إلى عمر:

وقد علق المعتزلي على حديث: أن العباس وعلياً (عليه‌السلام )، قد

____________

1- راجع: دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص33.

٢٠٢

ترافعا إلى عمر في موضوع الميراث(1) ..

بقوله:

(هذا من المشكلات، لأن أبا بكر حسم المادة أولاً، وقرر عند العباس وعلي، وغيرهما: أن النبي لا يورث، وكان عمر من المساعدين له على ذلك. فكيف يعود العباس وعلي بعد وفاة أبي بكر يحاولان أمراً قد فرغ منه، ويئس من حصوله؟!

اللهم إلا أن يكونا ظنا: أن عمر ينقض قضاء أبي بكر، وهذا بعيد، لأن علياً والعباس كانا في هذه المسـألة يتهمان عمر بممالأة أبي بكر على ذلك..

ألا تراه يقول: نسبتماني ونسبتما أبا بكر إلى الظلم والخيانة؟! فكيف يظنان أنه ينقض قضاء أبي بكر ويورثهما؟!(2) .

ونقول:

أولاً: إن هدف علي (عليه‌السلام ) والعباس (رحمه‌الله ) إن كان هو الحصول على فدك، فكلام المعتزلي له وجه، ولكن من قال: إن هذا هو هدفهما من المطالبة.

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص229 و 226 و 227 والسقيفة وفدك للجوهري ص116 والدرجات الرفيعة ص94 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص208 واللمعة البيضاء ص766 وسفينة النجاة للتنكابني ص165.

2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص229 و 230 والدرجات الرفيعة ص94 و 95 واللمعة البيضاء ص766.

٢٠٣

بل الهدف منها هو إبقاء موضوع غاصبية فدك حياً في أذهان الناس.. وتعريفهم، وتعريفنا: بأن سكوت علي (عليه‌السلام ) وبني هاشم عن هذا الأمر طيلة هذه المدة لم يكن عن قناعة بصحة كلام أبي بكر، ولا لأنهما اكتشفا صحة الحديث الذي نسبه أبو بكر إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن عدم توريث الأنبياء. كما ربما كان يتوقع من أنصار أبي بكر وعمر أن يروجوا له.

ثانياً: إن عمر قد ناقض نفسه في العديد من الموارد، وخصوصاً في الأحكام.. فلماذا لا يتوقعون، أو لا يحتملون أن يناقض نفسه في هذه القضية أيضاً، بعد أن استحكمت له الأمور، وثبتت دعائم حكمه، فقد يرى: أن من المصلحة التقرب إلى علي (عليه‌السلام )، وإظهار إنصافه له..

وقد فعل الخلفاء ذلك عبر التاريخ، ولا سيما المأمون حتى قال الشاعر:

أصبح وجهُ الزمانِ قد ضَحِكَ بِرَدِّ مَأمونِ هاشِمٍ فَدَكَا(1)

غير أن هذه الرواية قد دس فيها الكثير مما يتضمن الطعن على علي

____________

1- ديوان دعبل الخزاعي (ط الأعلمي) ص141 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص217 ومعجم البلدان ج4 ص239 وإحقاق الحق (الأصل) ص225 واللمعة البيضاء ص838 وبحار الأنوار ج29 ص347 و السقيفة وفدك للجوهري ص107 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص147 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص153 والإمام علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) للهمداني ص737.

٢٠٤

والزهراء (عليهما‌السلام )، فقد تضمنت: أن عمر ناشد علياً (عليه‌السلام ) والعباس إن كانا يعلمان بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال: لا نورث، ما تركناه صدقة.

فقالا: نعم.

فكيف يعلمان ذلك، ثم يطالبان بالإرث؟!

وكيف يوافق علي فاطمة (عليهما‌السلام ) على أن تطالب بما يعلم أنها لا حق لها به؟!

وإذا كانا يعلمان ذلك، فكيف يزعمان: أن أبا بكر وعمر كانا ظالمين فاجرَين في هذه القضية؟!

الإنتصار للرسول أم لعمر؟!:

قال العقيلي: (سمعت علي بن عبد الله بن المبارك الصنعاني يقول: كان زيد بن المبارك لزم عبد الرزاق، فأكثر عنه، ثم خرق كتبه، ولزم محمد بن ثور، فقيل له في ذلك، فقال: كنا عند عبد الرزاق، فحدثنا بحديث معمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان الحديث الطويل؛ فلما قرأ قول عمر لعلي والعباس:

(فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك، وجاء هذا يطلب ميراث امرأته من أبيها).

قال عبد الرزاق: انظروا إلى الأنوك يقول: تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ألا يقول: رسول الله

٢٠٥

(صلى‌الله‌عليه‌وآله )؟!.

قال زيد بن المبارك: فقمت، فلم أعد إليه، ولا أروي عنه.

قال الذهبي: (لا اعتراض على الفاروق فيها، فإنه تكلم بلسان قسمة التركات)(1) .

وقال: (إن عمر إنما كان في مقام تبيين العمومة والبنوة، وإلا.. فعمر أعلم بحق المصطفى وبتوقيره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وتعظيمه من كل متحذلق متنطع.

بل الصواب أن نقول عنك: انظروا إلى هذا الأنوك الفاعل ـ عفا الله عنه ـ كيف يقول عن عمر هذا، ولا يقول: قال أمير المؤمنين الفاروق)؟!(2) .

ونقول:

1 ـ إن بيان العمومة والبنوة ليس ضرورياً هنا، وذلك لوضوحهما لكل أحد.

2 ـ إن بيانهما والتكلم بلسان قسمة التركات لا يمنع من الإتيان بعبارة تفيد توقير رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) واحترامه.

____________

1- راجع: الضعفاء الكبير ج3 ص110 وميزان الإعتدال ج2 ص611 وسير أعلام النبلاء ج9 ص572 ودلائل الصدق ج3 قسم 2 ص127 وتفسير القرآن للصنعاني ج1 ص20 وتاريخ مدينة دمشق ج36 ص187 ومعجم البلدان ج3 ص429.

2- سير أعلام النبلاء ج2 ص572.

٢٠٦

3 ـ إن التكلم بلسان قسمة التركات في غير محله، لأن العباس لا يرث؛ لبطلان التعصيب..

4 ـ إذا صح: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يورث، فلا حاجة إلى التحدث بلسان قسمة التركات، لا سيما وأن المطلوب ـ حسب ما يدَّعون ـ هو قسمة النظر، كما زعموا. وقد قلنا لهم نحن: إنه باطل أيضاً.

5 ـ إن زيد بن المبارك لا يعود إلى عبد الرزاق، لأنه رآه ينتصر لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولا يرضى من اقدام عمر على عدم توقير النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). وهذا من ابن المبارك عجيب!! وعجيب جداً!!

6 ـ وأعجب منه أن الذهبي، وغيره يغضبون لعمر، ويشتمون عبد الرزاق لتوهينه عمر، ولا يغضبون لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولا يقبلون حتى بانتقاد عمر بسبب إهانته له (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

7 ـ إنهم يطلبون من عبد الرزاق أن يذكر عمر بألقابه، ولا يطلبون من عمر أن يذكر النبي بألقابه التي شرَّفه الله تعالى بها، مع أن عبد الرزاق تكلم بلسان المنتقد الغاضب، الذي لا يتوقع منه هذا التوقير لمن أهان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ـ بنظره ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الوقائع ترد الأقوال:

ونلاحظ هنا: أن الوقائع لا تتلاءم مع الأقوال، فإن الوقائع تثبت الإرث، والأقوال الحريصة على تأييد قول أبي بكر تنفيها.. فلاحظ ما يلي:

٢٠٧

ألف: إن الحكام بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد دفعوا الحجر في مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى زوجاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

كما أن خلفاء بني العباس قد تداولوا البردة والقضيب(2) .

وقد قال ابن المعتز مخاطباً العلويين:

ونحن ورثنا ثياب النبي فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته ولكن بنو العم أولى بها(3)

فأجابه الصفي الحلي بقوله:

وقلت ورثنا ثياب النبي فكم تجذبون بأهدابها

وعندك لا يورث الأنبياء فكيف حظيتم بأثوابها(4)

____________

1- راجع: تلخيص الشافي ج3 ص129 و 130 ودلائل الصدق ج3 قسم 2 ص129 ونهج الحق ص366.

2- تلخيص الشافي ج3 ص147 و 148 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص129 وحياة الإمام الرضا (عليه‌السلام ) للقرشي ج2 ص233.

وراجع: العبر وديوان المبتدأ والخبر ج1 ص266 والكامل في التاريخ ج7 ص167 وج8 ص421 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج11 ص237.

3- ديوان ابن المعتز ص29 وراجع: تلخيص الشافي هامش ج3 ص148 والغدير ج6 ص52 والوافي بالوفيات ج17 ص243 وفوات الوفيات للكتبي ج1 ص595 وأعيان الشيعة ج8 ص23.

4- راجع: ديوان الصفي الحلي، وراجع: تلخيص الشافي هامش ج3 ص148 والغدير = = ج6 ص53 والوافي بالوفيات ج17 ص244 وفوات الوفيات للكتبي ج1 ص595 وأعيان الشيعة ج8 ص23.

٢٠٨

وقال الشريف الرضي (رحمه‌الله ):

ردوا تراث محمد ردوا ليس القضيب لكم ولا البرد(1)

كما أنهم دفعوا آلته، وبغلته، وحذاءه، وخاتمه، وقضيبه إلى علي (عليه الصلاة والسلام)(2) .

وعليه فيرد ما أورده المعتزلي الشافعي هنا حيث قال: (إذا كان (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يورث؛ فقد أشكل دفع آلته ودابته، وحذائه إلى علي (عليه‌السلام )، لأنه غير وارث في الأصل، وإن كان إعطاؤه ذلك لأن زوجته بعرضة أن ترث لولا الخبر، فهو أيضاً غير جائز؛ لأن الخبر قد منع أن يرث منه شيئاً، قليلا كان أو كثيراً).

ب: إعترض ابن طاووس على دعوى أن علياً (عليه‌السلام ) قد غلب العباس على أرض بني النضير، وقال: إن ذلك غير صحيح.

(لاستمرار يد علي (عليه‌السلام ) وولده على صدقات نبيهم، وترك

____________

1- ديوان الشريف الرضي ج1 ص407 وتلخيص الشافي ج3 هامش ص148.

2- راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص262 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص224 و 214 والسقيفة وفدك للجوهري ص103 واللمعة البيضاء ص758 ومعالم المدرستين ج2 ص138 عن: الأحكام السلطانية للماوردي ص171 وراجع: تلخيص الشافي ج3 ص147 وفي هامشه أيضاً عن: الرياض النضرة.

٢٠٩

منازعة بني العباس لهم، مع أن العباس ما كان ضعيفاً عن منازعة علي، ولا كان أولاد العباس ضعفاء عن المنازعة لأولاد علي في الصدقات المذكورة).

ثم ذكر (رحمه‌الله ) روايتين عن قثم وعن عبد الله ابني عباس، يقرَّان فيها: بأن الحق في إرث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام )(1) .

ويجب أن لا ننسى مدى حرص الحكام على كسر شوكة علي (عليه‌السلام )، وإبطال قوله وقول أهل بيته (عليهم‌السلام ) في ذلك، سواء في ذلك أولئك الذين استولوا على تركة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، أو الذين أتوا بعدهم من الأمويين أو العباسيين.

علي (عليه‌السلام ) لا يسترد فدكاً، ولا غيرها:

وقد ذكرت الروايات أسباب عدم استرجاع أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) أيام خلافته، ما كان قد أخذ منهم، ويمكن تلخيص ما ورد فيها كما يلي:

____________

1- الطرائف لابن طاووس ص284 و 285 وراجع: المستدرك للحاكم ج3 ص125 والمراجعات ص299 وأجوبة مسائل جار الله للسيد شرف الدين ص136 ونهج السعادة ج2 ص496 و 497 وخصائص أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) للنسائي ص107 والمعجم الكبير للطبراني ج19 ص40 وأسد الغابة ج4 ص197 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص509 وج23 ص317.

٢١٠

1 ـ إن الظالم والمظلوم كانا قد قدما على الله عز وجل، وأثاب الله المظلوم، وعاقب الظالم؛ فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب الله عليه غاصبه، وأثاب عليه المغصوب (عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ))(1) .

2 ـ للإقتداء برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما فتح مكة وقد باع عقيل بن أبي طالب داره؛ فقيل له: يا رسول الله، ألا ترجع إلى دارك؟!

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): وهل ترك عقيل لنا داراً، إنَّا أهل بيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منا ظلماً.

فلذلك لم يسترجع فدكاً لما ولي (عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ))(2) .

لكن هذه الرواية تنسب الظلم إلى عقيل.. وهذا لا يتلاءم مع ما عرف عن عقيل (رحمه‌الله ) الذي كان يحبه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

إلا أن يقال: إنه إنما فعل ذلك قبل أن تشمله الألطاف.. أو أنه فعل ذلك بعد إسلامه، وقبل أن يهتم ويستجيب للهدايات الإلهية بمراعاة أحكام الشريعة والدين.

وفي نص آخر: لأنَّا أهل بيت لا يأخذ حقوقنا ممن ظلمنا إلا هو (يعني:

____________

1- الطرائف لابن طاووس ص251 وعلل الشرائع ص154 و 155 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص325 وبحار الأنوار ج29 ص395 واللمعة البيضاء ص829.

2- الطرائف لابن طاووس ص251 وعلل الشرائع ص155 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص270 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص232 والصوارم المهرقة ص165 وبحار الأنوار ج29 ص396 واللمعة البيضاء ص829.

٢١١

إلا الله)، ونحن أولياء المؤمنين، إنما نحكم لهم، ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم، ولا نأخذ لأنفسنا (عن أبي الحسن (عليه‌السلام ))(1) .

وغير خاف على احد أن مسألة فدك كانت بالغة الحساسية بالنسبة لمناوئي علي (عليه‌السلام )، فلعل استرجاعها يعطي ذريعة لتعديات على المدى الطويل، لا حاجة إلى اعطائهم المبرر لها.. وربما يحفز ذلك إلى القيام بحملة إعلامية مسمومة، تحمل في طياتها الكثير من الشبهات والأضاليل، والشائعات الباطلة.. التي لا بد من تجنبها في تلك الظروف الحساسة..

____________

1- الطرائف لابن طاووس ص251 و252 وعلل الشرائع ص155 وعيون أخبار الرضا ج1 ص92 وسنن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للطباطبائي ص337 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص136 وفضائل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لابن عقدة ص41 واللمعة البيضاء ص829 وحياة الإمام الرضا للقرشي ج2 ص63.

٢١٢

الفصل الخامس: أحداث وتوقعات.. مسار الأحداث: من حجة الوداع.. إلى غصب فدك..

٢١٣

٢١٤

بداية توضيحية:

هناك سلسلة من الأحداث، تتابعت في غضون أقل من ثلاثة أشهر، كان لكل منها دوره القوي في توضيح معالم الصراع بين خطين: أحدهما يريد حفظ الدين، وتثبيت دعائمه، وتوطيد أركانه، وتشييد بنيانه.. والآخر يريد أن يستفيد من هذا الدين، ويستأثر لنفسه بكل ما يمكنه الحصول عليه، على قاعدة: (احلب حلباً لك شطره). أو: (لشد ما تشطرا ضرعيها)..

وقد بذل النبي والوصي صلوات الله عليهما وعلى آلهما أعظم الجهد في حفظ أساس الدين، وإماطة كل أذى عنه، ولا سيما فيما يرتبط بالإمامة.. التي كانت محور طموح أهل الأطماع الذين يبذلون أقصى الجهد في جلب المنافع، والإستئثار بالمناصب والمواقع..

وكنا قد أشرنا إجمالاً لهذين المسارين، في الجزء الثامن عشر من كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. وقد رأينا أن نورده هنا مع بعض التقليم، والتطعيم، فنقول:

1 ـ في حجة الوداع:

لقد بذل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ـ وفقاً للتوجيهات والأوامر الإلهية ـ جهداً يرمي إلى تحصين أمر الإمامة، بالتأكيد والنص عليها بمختلف الأساليب

٢١٥

البيانية: قولاً، وعملاً، وتصريحاً، وتلميحاً، وكناية، وإشارة، وسراً، وجهراً، وما إلى ذلك..

وكان الفريق الطامع والطامح ـ وهم قريش ـ يسعون إلى إحباط هذه المساعي، والتشكيك في تلك البيانات ومحاصرتها، وإبطال آثارها..

وقد اتجهت الأمور نحو التصعيد في الأشهر الثلاثة الأخيرة من حياته (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، بصورة قوية وحاسمة. ونحن نذكر هنا سبعة مفاصل أساسية وشاخصة، ظهرت في هذه الفترة بالذات، فنقول:

كان أول مفصل هام وحساس وأساسي، في يوم عرفة، في حجة الوداع؛ حيث بادر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى إبلاغ إمامة علي (عليه‌السلام ) للناس، في موسم الحج هذا، الذي يجتمع فيه الناس من كل الأجناس، والفئات والمستويات ومن مختلف البلاد، يجتمعون في صعيد واحد، يظهرون التوبة والندم، ويجأرون بالدعاء لله تعالى بأن يتوب عليهم، ويتقبل منهم..

فأراد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يخطبهم، ويبلِّغهم ما أمره الله تعالى بتبليغه، فلما انتهى إلى الحديث عن الإمامة والأئمة، تصدى له الفريق القرشي الطامح، ليفسد عليه تدبيره، وليمنعه من القيام بما أمره الله سبحانه به، فصاروا يقومون ويقعدون، وضجوا إلى حد لم يعد للحاضرين المحيطين به (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مجال لسماع كلامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

ولعلهم قد ظنوا أنهم نجحوا فيما أرادوه، كما توحي به ظواهر الأمور.

ولكن الحقيقة هي العكس من ذلك تماماً.. فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٢١٦

كان يعلم: أنهم سوف يغتصبون الخلافة على كل حال.. ولكنه يريد أن يعرِّف الأجيال إلى يوم القيامة ذلك.. وأن لا يمكِّنهم من التشكيك في أحقية أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) بها، وفي النص عليه، ونصبه لهذا الأمر من قبل الله ورسوله..

ولأجل ذلك: فإن الخطة النبوية كانت ترمي إلى التأكيد على هذا الأمر، وفضح الذين يريدون أن يتخذوا من التظاهر بالدين والتقوى ذريعة إلى مآربهم..

وقد تحقق ذلك له (صلى‌الله‌عليه‌وآله )في هذا الموقف بالذات، في أقدس البقاع، وهو عرفة وأجل مناسبة عامة وهي الحج، وأفضل الأزمنة ـ يوم عرفة ـ وهم يؤدون فريضة عظيمة، وركناً من أركان الشريعة.

وهم محرمون لله تعالى، يجهرون بتلبية النداء الإلهي: (لبيك اللهم لبيك).

ثم يعلنون اعترافهم بوحدانيته (لبيك لا شريك لك لبيك)، وبمالكيته، وسلطانه وبنعمته وفواضله (إن الحمد والنعمة لك والملك..) ويقفون في أحد المشاعر المعظمة، ولا همَّ لهم إلا الدعاء، والإستغفار، وطلب الحاجات من الله تعالى.. والإجتهاد في الحصول على رضاه لكي يستجيب لهم، ويكون معهم.

نعم، وفي هذا الموقف بالذات ظهر للناس جميعاً: أنه رغم أمر الله تعالى لهم بأن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لكي لا تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون، صاروا يضجون إلى حد أنهم أصموا الناس، فلا يستطيع أحد أن يسمع شيئاً من كلامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وصاروا

٢١٧

يقومون ويقعدون الخ..

وحمل الناس، الذين أتوا من كل حي وبلد وقبيلة، في قلوبهم هذه الذكرى المرة، معهم إلى بلادهم، التي يعودون إليها من سفر طويل وشاق، وفيه أخطار الامراض والتعديات، ويتلهف من يستقبلهم ليسألهم عما رأوه أو سمعوه من أفضل البشر، وأكرم الأنبياء (عليه‌السلام )، وأشرف المخلوقات، الذي لم يره الكثيرون منهم إلا هذه المرة اليتيمة، وسيموت (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعدها، وتبقى ذكراه في قلوب هؤلاء كأعز شيء عليهم، وأثمنه عندهم.

ولا بد أن ينقلوا ذلك للناس دائماً بحزن، وأسى، ومرارة، بعد أن اتضح لهم أمر عجيب وغريب، وهو: أن صحابته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يوقرون نبيهم الأعظم، والخاتم، ولا يطيعونه.

2 ـ غدير خم:

وربما يمكن لهم أن يعتذروا للناس، ويقولوا لهم: لقد حاسبنا أنفسنا، وندمنا على ما بدر منا، فإنها كانت هفوة عابرة، وقد اعتذرنا، وقبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عذرنا..

ثم يزعمون لهم: أنه قد استجدت أمور قبل وفاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أوجبت أن يعدل (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن أمر الإمامة الأئمة، فأعاد الأمر شورى بين المسلمين..

وقد يجدون من طلاب اللبانات، ومن عبيد الدنيا، من يرغب في تصديق مزاعمهم هذه، فجاءت قضية غدير خم لتقول للناس: لا تقبلوا

٢١٨

أمثال هذه الأعذار.

وذلك لأن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بمجرد أن انقضت مراسم الحج، ترك مكة ولم يزر البيت!! وخرج مع الحجيج العائد إلى بلاده قبل أن يتفرقوا في الطرقات إليها.

وكان رؤوس هؤلاء الطامعين والطامحين يرافقونه، ليعودوا معه إلى المدينة، وبقي في مكة والطائف، وفي كل هذا المحيط أنصار هؤلاء ومحبوهم.. وها هم يبتعدون شيئاً فشيئاً عن المناطق التي تدين لهم بالولاء، وأصبحوا غير قادرين على الإقدام على أية إساءة للرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. لأنهم يعجزون عن مواجهة عشرات الألوف، وهم بضع عشرات من الأفراد، فإن جماهيرهم في مكة وما والاها لم يأتوا، ولن يستطيعوا أن يأتوا معهم..

فلما بلغ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) غدير خم، نزلت الآيات الآمرة له بلزوم إنجاز المهمة التي كلفه الله تعالى بها من جديد، ومعها تهديد صريح لأولئك المعاندين: بأن استمرار اللجاج والعناد سوف يعيد الأمور إلى نقطة الصفر( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ.. ) (1) ، أي أن ذلك يعني أنه مستعد للدخول معهم في حرب طاحنة، كحرب بدر وأحد، أو قد ينزل بهم العذاب، كما جرى لبعض الأمم السالفة.. فاضطر هذا الفريق المناوئ، والطامح، والطامع، إلى السكوت، والانحناء أمام العاصفة، ولو إلى حين.

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

٢١٩

وبلَّغ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إمامة علي (عليه‌السلام ) في غدير خم، وتظاهر ذلك الفريق بالطاعة، وقدم البيعة لعلي (عليه‌السلام )، حتى قال له أحدهم: بخ بخ لك يا علي، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن..

ولا ندري إن كانت هذه البخبخة أيضاً انحناءً أمام العاصفة؟! أم أنها جاءت لتعبِّر عن حسرة وألم، وعن أمور أخرى لا نحب التصريح بها!

3 ـ تجهيز جيش أسامة:

ولكن الباب قد بقي مفتوحاً أمام هذا الفريق للخروج من هذا المأزق، إذ يمكن أن يقول هؤلاء للناس: صحيح أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نصب علياً (عليه‌السلام ) في غدير خم، وقد بايعناه، وبخبخنا له.. ولكن قد استجدت أمور بعد ذلك جعلته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعدل عن قراره هذا، والله على ما نقول وكيل، فإننا صحابته المحبون، المطيعون، المأمونون، على ما يأمرنا به.

أو يقولون: إن هذه الأمور جعلت علياً (عليه‌السلام ) نفسه يستقيل من هذا الأمر.. (وقد سرت شائعة بهذا المضمون فعلاً، وتركت لها آثاراً حتى على اجتماع السقيفة نفسه كما تقدم).

فجاءت قضية تجهيز جيش أسامة، لتبين بالفعل لا بالقول: أنهم لا يطيعون أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حتى مع إصراره عليهم، والتصريح بغضبه منهم، فهو يأمرهم بالخروج في جيش أسامة، ويلعن من يتخلف عن ذلك الجيش، ولكنهم يصرون على رفض الخروج معه، ويتعللون بأنهم يخافون على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من أن يحدث له

٢٢٠