الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١٠
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
الفصل الأول: لا حاجة لنا بمصحف علي (عليهالسلام )
علي (عليهالسلام ) يجمع القرآن :
قالوا:
فلما رأى علي (عليهالسلام ) غدر الناس، وقلة وفائهم، ونكث العهود والعقود، وعدم وفائهم بمقتضيات البيعة، وذهابهم في التيه، وعصيان أمر الله ورسوله، وعدم اطاعتهم إمامهم المنصوص عليه.. لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كله، فكتبه على تنزيله، وكتب الناسخ والمنسوخ، والتفسير والتأويل، وغير ذلك..
فبعث إليه أبو بكر: أن اخرج فبايع.
فبعث إليه: إني مشغول، فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلوات حتى أؤلف القرآن وأجمعه.
(وفي الروايات: أنه أرسل إليه مرتين، فيجيبه بنحو ذلك، فأرسل إليه في الثالثة قنفذاً، ثم ذكرت حديث الإحراق)(1) .
فجمعه في ثوب (واحد)، وختمه.
____________
1- بحار الأنوار ج28 ص231 وتفسير العياشي ج2 ص307 ونور الثقلين ج3 ص199 وغاية المرام ج5 ص337 والبرهان (تفسير) ج2 ص434.
ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فنادى (عليهالسلام ) بأعلى صوته:
(أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) مشغولاً بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثوب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وعلمني تأويلها.
فقالوا: لا حاجة لنا به، عندنا مثله.
ثم دخل بيته. (وهو يتلو( فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) (1) )(2) .
وفي نص آخر؛ عن أبي ذر الغفاري: أنه (عليهالسلام ) جاءهم بالقرآن الذي جمعه وعرضه عليهم، لما قد أوصاه بذلك رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده، فلا حاجة لنا فيه، فأخذه (عليهالسلام ) وانصرف.
ثم أحضروا زيد بن ثابت ـ وكان قارياً للقرآن ـ فقال له عمر: إن علياً (عليهالسلام ) جاءنا بالقرآن، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن
____________
1- الآية 187 من سورة آل عمران.
2- الإحتجاج ج1 ص207 و (ط دار النعمان) ج1 ص107 وكتاب سليم ج2 ص581 ـ 583 وبحار الأنوار ج28 ص265 و 266 وج89 ص40 ومجمع النورين ص96 و 97 وغاية المرام ج5 ص316 وبيت الأحزان ص106.
نؤلف القرآن، ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتكاً للمهاجرين والأنصار.
فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال لهم: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم، وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل كل ما عملتم؟!
ثم قال عمر: فما الحيلة؟!
قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة.
فقال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك (وسيأتي شرح ذلك).
فلما استخلف عمر، سأل علياً (عليهالسلام ) أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه.
فقال (عليهالسلام ): هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة: إنَّا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به.
إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي.
فقال له عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم.
فقال علي (عليهالسلام ): نعم، إذا قام القائم من ولدي، يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة به عليه صلوات الله عليه(1) .
____________
1- الإحتجـاج ج1 ص360 و 361 و (ط دار النعـمان) ج1 ص225 و 228 = = وبحار الأنوار ج89 ص42 و43 والأنوار النعمانية ج2 ص360 وكتاب سليم بن قيس ج2 ص581 و 582 والصافي ج1 ص43 وج5 ص129 وج7 ص100 ونور الثقلين ج5 ص226 ومكيال المكارم ج1 ص61. وراجع بصائر الدرجات ص196 وبحر الفوائد ص99.
علي ( عليهالسلام ) أول من جمع القرآن :
لا شك في أن علياً (عليهالسلام ) أول من جمع القرآن، جمعه أولاً على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).. ثم جمعه بعد وفاته (صلىاللهعليهوآله ) مباشرة.. وقد ذكرنا ذلك مع مصادره في كتابنا: (حقائق هامة حول القرآن الكريم).
ونحن نذكر هنا طرفاً مما ذكرناه هناك حول جمع علي (عليهالسلام ) القرآن، فنقول:
قال المعتزلي: إنه (عليهالسلام ) أول من جمع القرآن(1) .
وعن أبي جعفر (عليهالسلام ) قال: (ما أحد من هذه الأمة جمع القرآن،
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص27. وراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليهالسلام ) للكوفي ج1 ص292 وكتاب الأربعين للشيرازي ص422 وبحار الأنوار ج41 ص149 ومناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص200 والصافي ج1 ص1 والقرآن في الإسلام للطباطبائي ص137 وأسد الغابة ج3 ص224.
إلا وصي محمد (صلىاللهعليهوآله )(1) .
وكان قد جمعه على ترتيب النزول(2) .
وقال البعض: الصحيح: أن أول من صنف في الإسلام أمير المؤمنين علي (عليهالسلام )، جمع كتاب الله جلّ جلاله(3) !!
وعن أبي جعفر (عليهالسلام ): (ما ادّعى أحد من الناس: أنه جمع القرآن كما أنزل إلا كذاب. وما جمعه، وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب، والأئمة بعده)(4) .
____________
1- تفسير القمي ج2 ص451 وبحار الأنوار ج89 ص48 عنه، والوافي ج5 ص274 عنه أيضاً، والصراط المستقيم ج1 ص366 (الهامش). وتفسير أبي حمزة الثمالي ص103 ونور الثقلين ج5 ص727.
2- راجع: الإتقان للسيوطي ج1 ص72 و (ط دار الفكر) ج1 ص171 و 195 عن ابن أبي داود، وسبل الهدى والرشاد ج11 ص335 وتاريخ الخلفاء ص185 وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج4 (الذيل ص28 و 29 هامش) وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص317 و 316 وفتح الباري ج9 ص47 والصافي ج1 ص1 والقرآن في الإسلام للطباطبائي ص134 و 137 والميزان ج12 ص128.
3- معالم العلماء ص2 و (ط قم) ص38 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص233 ومرآة الكتب للتبريزي ص25 و 30 وأعيان الشيعة ج1 ص89 وج4 ص598.
4- بصائر الدرجات ص193 والكافي ج1 ص228 والبرهان ج1 ص20 و 15 = = وشرح أصول الكافي ج5 ص312 والصافي ج1 ص20 ونور الثقلين ج5 ص464 والبيان لآية الله الخوئي ص242 و 243 و (ط دار الزهراء سنة 1395) ص223 وتأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج1 ص239 والوافي ج2، كتاب الحجة، باب 76 ص130. وراجع: كنز العمال ج2 ص373، وفواتح الرحموت (بهامش المستصفى) ج2 ص12.
علي ( عليهالسلام ) جمع القرآن في عهد النبي ( صلىاللهعليهوآله ) :
ومما يدل صراحة على أنه (عليهالسلام ) كان قد جمع القرآن في عهد الرسول، ما روي عنه (عليهالسلام ): (.. ما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها، وأملاها علي؛ فكتبتها بخطي. وعلمني تأويلها، وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها إلخ..)(1) .
____________
1- كتاب سليم بن قيس ص99 و (ط النجف) ص106 و (ط أخرى) ص183 وبصائر الدرجات ص198 و (منشورات الأعلمي سنة 1404) ص218 والكافي ج1 ص64 والخصال ص257 وكمال الدين ج1 ص284 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج27 ص206 و 207 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص152 و 153 وتحف العقول ص196 والمسترشد ص235 وبحار الأنوار ج2 ص230 وج36 ص275 وج40 ص139 وج89 ص41 و 99 والإحتجاج ج1 ص223 وشواهد التنزيل ج1 ص48 والوافية للتوني ص138 والأصول الأصيلة ص27 والفوائد المدنية والشواهد المكية ص222 وتفسير العياشي ج1 ص253 والصافي ج1 ص19 ونور الثقلين ج1 ص318 وكنز = = الدقائق ج2 ص27 والبرهان في تفسير القرآن ج1 ص16 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج1 ص327 والصراط المستقيم ج3 ص258 ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص5 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص16 و 143 ونهج السعادة ج7 ص144 والمعيار والموازنة ص300 وكتاب الأربعين للشيرازي ص309 وشرح أصول الكافي ج2 ص306 والتمهيد في علوم القرآن ج1 ص229 عنه، وأكذوبة تحريف القرآن، عن بعض من تقدم.
وعن علي (عليهالسلام ): لو ثنيت لي الوسادة؛ لأخرجت لهم مصحفاً، كتبته، وأملاه عليّ رسول الله (صلىاللهعليهوآله )(1) .
علي (عليهالسلام ) يجمع القرآن بعد الرسول (صلىاللهعليهوآله ):
ومن النصوص الدالة على جمعه فور وفاته، ما رواه أبو العلاء العطار، والموفق خطيب خوارزم، في كتابيهما، بالإسناد: عن علي بن رباح: (أن النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) أمر علياً (عليهالسلام ) بتأليف القرآن ؛ فألفه، وكتبه)(2) .
بل قد يدل هذا النص على أن ذلك كان في عهد النبي (صلىاللهعليهوآله ) نفسه.
____________
1- مناقب آل أبي طالب ج2 ص41 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص320 وبحار الأنوار ج40 ص155 وج89 ص52.
2- مناقب آل أبي طالب ج2 ص41 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص320 وبحار الأنوار ج40 ص155 وج89 ص52 وأعيان الشيعة ج1 ص89 وج4 ص598.
هذا.. وقد أمره النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) بأن يتسلم القرآن الذي عنده، وأن يجمعه، وقد كان في الصحف، والجريد، والقرطاس، في بيته (صلىاللهعليهوآله ) خلف فراشه، حتى لا يضيع، كما ضُيِّعَ التوراة، والإنجيل.
فجمعه علي (عليهالسلام ) في ثوب أصفر، ثم ختم عليه في بيته، وقال: لا أرتدي حتى أجمعه..
قال: (.. كان الرجل ليأتيه؛ فيخرج إليه بغير رداء، حتى جمعه..)(1) .
زاد البعض: (فكان أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه..)(2) .
____________
1- راجع: بحار الأنوار ج89 ص48 وراجع ص52 وتفسير القمي ج2 ص451 والصافي ج1 ص40 ونور الثقلين ج5 ص726 ومقدمة تفسير البرهان ص36 والمحجة البيضاء ج2 ص264 ومجمع البحرين ج1 ص399. وراجع: الإتقان ج1 ص57، والوافي ج5 ص274، وتاريخ القرآن للزنجاني ص44 و 45 و 64 وتاريخ القرآن للأبياري ص84 و 106 وعمدة القاري ج20 ص16 وأكذوبة تحريف القرآن ص17 عنه، وعن المصاحف للسجستاني. وراجع: فتح الباري ج9 ص10 والمناقب لابن شهرآشوب ج2 ص41.
2- راجع: شواهد التنزيل ج1 ص36 والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص503 وتاريخ القرآن للأبياري ص84 والفهرست لابن النديم ص30 وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص317 و 316 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج17 ص527 وأعيان الشيعة ج1 ص89 وج4 ص598 وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهمالسلام ) للنجفي ج1 ص7.
وقيل: إنه جمعه بعد موت النبي (صلىاللهعليهوآله ) بستة أشهر(1) .
وهذا بعيد.. فهناك أحداث عديدة جرت في تلك الفترة كان علي (عليهالسلام ) حاضراً وناظراً، ومؤثراً فيها.
وحلفه (عليهالسلام ): أن لا يرتدي رداء حتى يجمع القرآن، ثم تخلفه ليجمعه، ثم عتاب عمر له على تخلفه عن بيعة أبي بكر، قد ذكر في مصادر أخرى أيضاً(2) .
____________
1- المناقب لابن شهرآشوب ج2 ص140 و 141 و (ط دار النعمان) ج1 ص319 وبحار الأنوار ج40 ص155 وج89 ص51 وأعيان الشيعة ج1 ص89 وج4 ص598.
2- المصنف لعبد الرزاق ج5 ص450 وفي هامشه عن أنساب الأشراف ج1 ص587 وشواهد التنزيل ج1 ص37 و 38 وراجع: والإستيعاب ج3 ص974 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص338 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص398 و 399 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص637 والوافي بالوفيات ج17 ص167 ونهج الإيمان ص579 وينابيع المودة ج2 ص408 وأعيان الشيعة ج1 ص89 و 597 وحياة الصحابة ج3 ص355 وحلية الأولياء ج1 ص67 وكنز العمال ج2 ص373 و (ط مؤسسة الرسالة) ج2 ص588 وج13 ص128 وتاريخ الخلفاء ص185 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص41 عن أبي نعيم، وعن الخطيب في الأربعين، وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص317 و 316 وراجع: الإحتجاج ج1 ص98 و 281 وكتاب الأربعين للشيرازي ص238 وبحار الأنوار ج28 ص191 وج29 ص419 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص43 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج17 ص527 وج18 ص254.
وهذه الروايات تفسر لنا بشكل واضح ما ورد: من أنه صلوات الله وسلامه عليه، قد جمع القرآن بعد وفاة النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) بثلاثة أيام(1) .
فإن المقصود: أنه بدأ جمعه في الأيام الثلاثة الأولى، أو أنه الف القرآن الذي كان خلف فراش النبي (صلىاللهعليهوآله ) ورتبه ونسقه ونظمه، وجمعه في خيط واحد.. وكان فيه الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه.. وغير ذلك مما تضمنه مصحف علي (عليهالسلام )..
إذ يبعد أن يكون المقصود: أنه (عليهالسلام )، قد كتب القرآن في ثلاثة أيام، إلا على سبيل الاعجاز، ولا يمكن أن يكون المقصود: أنه حفظه، كما يقوله البعض(2) ، لأنه كان حافظاً له منذ بدء نزوله.
____________
1- الفهرست لابن النديم ص30 والأوائل للعسكري ج1 ص214 و 215 وتاريخ القرآن للأبياري ص84 وأعيان الشيعة ج1 ص89 وج4 ص598 ومقدمة تفسير البرهان ص37 وتفسير فرات ص399. وأكذوبة تحريف القرآن ص62 عن بعض من تقدم، وعن المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص545 وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهمالسلام ) للنجفي ج1 ص7 وعلوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم ص21. وراجع: بحار الأنوار ج23 ص249.
2- راجع: أكذوبة تحريف القرآن ص16 عن تاريخ القرآن لعبد الصبور شاهين ص71.
مواصفات مصحف علي ( عليهالسلام ):
وقد صرحت الروايات والنصوص بميزات كانت لمصحف علي (عليهالسلام )، فقد قال المفيد (رحمهالله ) وغيره: إن علياً كتب في مصحفه تأويل بعض الآيات، وتفسيرها بالتفصيل(1) .
وقال هذا الشيخ الجليل حول المصحف الموجود، ومقايسته بمصحف أمير المؤمنين (عليهالسلام ).
(..ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين (عليهالسلام )، من تأويله، وتفسير معانيه، على حقيقة تنزيله. وذلك كان ثابتاً، منزلاً، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى، الذي هو القرآن المعجز، وقد سمي تأويل القرآن قراناً. قال تعالى:( وَلاَ تَعْجَلْ بِالقرآن مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) (2) ؛ فسمى تأويل القرآن قرآناً)(3) .
وقال المفيد أيضاً: قدم المكي على المدني، والمنسوخ على الناسخ، ووضع كل شيء منه في محله(4) .
____________
1- عن المفيد في الإرشاد، والمسائل السروية، راجع: تاريخ القرآن ص48 وأعيان الشيعة ج1 ص89، عن عدة الرجال للأعرجي.
2- الآية 144 من سورة طه.
3- أوائل المقالات ص55 و (ط دار المفيد) ص81 وبحر الفوائد ص99 عنه، وتفسير شبر ص17.
4- عدّة رسائل للمفيد ص225 والمسائل السروية ص79 وبحار الأنوار ج89 ص74.
وعن علي (عليهالسلام ): (ولقد أُحضِروا الكتاب كَمَلاً، مشتملاً على التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ، والمنسوخ، لم يسقط منه حرف ألف، ولا لام؛ فلما وقفوا على ما بينه الله، من أسماء أهل الحق والباطل، وأن ذلك إن أُظهِر نقص(1) ، ما عهدوه، قالوا: لا حاجة لنا فيه..)(2) .
وقال الأبياري: (ويروي غير واحدٍ: أن مصحف علي، كان على ترتيب النزول، وتقديم المنسوخ على الناسخ..)(3) .
وقال الشيخ الصدوق: (قال أمير المؤمنين (عليهالسلام )، لما جمعه؛ فلما جاء به؛ فقال لهم:
هذا كتاب الله ربكم، كما أنزل على نبيكم، لم يزد فيه حرف، ولم ينقص منه حرف.
____________
1- لعل الصحيح: نقض.
2- الإحتجاج ج1 ص383 و (ط دار النعمان) ج1 ص383 وبحار الأنوار ج90 ص125 ومجمع البيان ج6 ص54 وكنز الدقائق ج2 ص312 ونور الثقلين ج1 ص421 والصافي ج1 ص47 والبيان في تفسير القرآن ص242 وبحر الفوائد ص99.
3- تاريخ القرآن للأبياري ص85 عن تاريخ القرآن للزنجاني ص26. وراجع: أعيان الشيعة ج1 ص89 عن السيوطي في الإتقان، عن ابن أبي داود، وراجع: تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص317 والمدخل إلى فقه الإمام على لمحمد عبد الرحيم محمد (ط دار الحديث ـ القاهرة) ص38.
فقالوا: لا حاجة لنا فيه، عندنا مثل الذي عندك.
فانصرف، هو يقول: (فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً؛ فبئس ما يشترون)(1) .
وتقدم: أن أول صفحة فتح عليها أبو بكر، وجد فيها فضائح القوم، أعني: المهاجرين والأنصار؛ فخافوا فأرجعوه إليه، ثم أمروا زيد بن ثابت بجمع القرآن لهم..
وقال ابن سيرين: إن علياً كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ.
وعنه: تطلّبت ذلك الكتاب، وكتبت فيه إلى المدينة ؛ فلم أقدر عليه(2) .
وعنه أنه قال: فبلغني: أنه كتبه على تنزيله؛ ولو أصيب ذلك الكتاب
____________
1- الإعتقادات في دين الإمامية للصدوق، باب: الإعتقاد في مبلغ القرآن ص86 وراجع: المناقب لابن شهرآشوب ج2 ص41 وبصائر الدرجات ص213 والكافي ج2 ص633 وج6 ص221 وتهذيب الأحكام ج9 ص4 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج24 ص138 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص337 والإحتجاج ج1 ص383 وبحار الأنوار ج90 ص126.
2- الإتقان في علوم القرآن ج1 ص58 و (ط دار الفكر) ج1 ص162 ومناهل العرفان ج1 ص247 وتاريخ القرآن للزنجاني ص48 والصواعق المحرقة ص126 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط صادر) ج2 ص338 وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص317 وأعيان الشيعة ج4 ص597.
لوجد فيه علم كثير(1) .
أو قال: لو أصيب ذلك الكتاب؛ لكان فيه العلم(2) .
وعن ابن جزي: لو وجد مصحفه (عليهالسلام )؛ لكان فيه علم كثير(3) .
وعن الزهري: لو وجد لكان أنفع، وأكثر علماً(4) .
هذا.. ولا نستبعد: أن يكون هذا المصحف هو نفس المصحف، الذي دفعه أبو الحسن الرضا (عليهالسلام ) إلى البزنطي، وقال له: لا تنظر فيه.
____________
1- الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص253 و (ط دار الجيل) ج3 ص974 والتمهيد ج8 ص301 والوافي بالوفيات ج17 ص167 وراجع: الصواعق المحرقة ص126.
2- راجع: تاريخ الخلفاء ص185 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ق2 ص101 وأعيان الشيعة ج1 ص89 والبرهان (المقدمة) ص41 عن سمط النجوم العوالي. وكنز العمال ج2 ص373 عن ابن سعد، والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص253. وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص316 وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه للسيد مير محمدي زرندي ص128 و 140.
3- التمهيد في علوم القرآن ج1 ص226 عن التسهيل لعلوم التنزيل ج1 ص4 وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص140.
4- فواتح الرحموت، بهامش المستصفى ج2 ص12.
قال: ففتحته، وقرأت فيه:( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (1) ؛ فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش، بأسمائهم، وأسماء آبائهم.
قال: فبعث إلي: أن ابعث إليّ بالمصحف(2) .
وليس في رواية الكشي: أنه قال له: لا تنظر فيه.. وهو الصواب؛ إذ لا معنى لأن يعطيه إياه، ثم يمنعه من القراءة فيه، إلا إذا كان يريد أن يختبره بذلك.. فيكون البزنطي قد سقط في الإختبار!!
وفي أخبار أبي رافع: أن النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) قال في مرضه، الذي توفي فيه لعلي: (يا علي، هذا كتاب الله خذه إليك.
فجمعه في ثوب، فمضى إلى منزله؛ فلما قبض النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) جلس علي؛ فألفه كما أنزل الله، وكان به عالماً)(3) .
____________
1- الآية 1 من سورة الكافرون.
2- البرهان (المقدمة) ص37 ومناهل العرفان ج1 ص273 والكافي ج2 ص631 والصافي ج1 ص41 ونور الثقلين ج5 ص642 ومسند الإمام الرضا (عليهالسلام ) للعطاردي ج1 ص385 وج2 ص427 وشرح أصول الكافي ج11 ص82 والمحجة البيضاء ج2 ص262 ـ 263 وبحار الأنوار ج89 ص54 وإختيار معرفة الرجال ص589 و (ط مؤسسة آل البيت) ج2 ص853 والوافي ج5 ص273.
3- مناقب آل أبي طالب ج2 ص41 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص319 وبحار الأنوار ج40 ص155 وج89 ص52 عنه، وأعيان الشيعة ج1 ص89 وج4 ص598.
أين هو مصحف علي (عليهالسلام )؟!:
قد يمكن أن نستظهر من رواية البزنطي السابقة: أن ذلك المصحف، الذي دفعه إليه الإمام الرضا (عليهالسلام )، كان هو مصحف علي (عليهالسلام ).
ولكن ذلك لا يكفي لإثبات ذلك، كما هو ظاهر..
ولكن ثمة نصوص أخرى، تفيد: أن هذا المصحف موجود الآن عند الإمام الحجة المنتظر، قائم آل محمد (صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطاهرين)، وسيخرجه حين ظهوره، إن شاء الله تعالى..(1) .
ولعله هو القرآن الذي ورد في الروايات: أنه يعلّمه للناس، وأنه يخالف التأليف المعروف للمصحف..
خصائص مصحف علي (عليهالسلام ):
ويتضح من النصوص الآنفة الذكر: أن مصحف عليّ (عليهالسلام )، يمتاز بما يلي:
____________
1- الكافي ج2 ص462 وبصائر الدرجات ص193 والإحتجاج ج1 ص228 و (ط دار النعمان) ج1 ص225 وبحار الأنوار ج89 ص42 ـ 43 وراجع: المحجة البيضاء ج2 ص263، ومصباح الفقيه (كتاب الصلاة) ص275 والصافي ج1 ص43 وج5 ص129 وج7 ص100 ونور الثقلين ج5 ص226 ومكيال المكارم ج1 ص61.
1 ـ إنه كان مرتباً على حسب النزول.
فنتج عن ذلك ان:
2 ـ قدّم فيه المنسوخ على الناسخ.
3 ـ كتب فيه تأويل بعض الآيات بالتفصيل.
4 ـ كتب فيه تفسير بعض الآيات بالتفصيل، على حقيقة تنزيله. ولعله كتب فيه التفاسير المنزلة تفسيراً من قبل الله سبحانه على حد الأحاديث القدسية.
5 ـ فيه المحكم والمتشابه.
6 ـ لم يسقط منه حرف ألف، ولا لام. ولم يزد فيه حرف، ولم يسقط منه حرف.
7 ـ فيه أسماء أهل الحق والباطل.
8 ـ كان بإملاء رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) وخط عليّ (عليهالسلام ).
9 ـ كان فيه فضائح القوم ـ أعني: المهاجرين والأنصار ـ من الشخصيات التي لم تتفاعل مع الإسلام، كما يجب. ومنه ذِكر المنافقين بأسمائهم ونحو ذلك.
أمران لابدّ من التنبيه عليهما:
الأول: إن ما ذكر من خصائص وميزات في مصحف عليّ (عليهالسلام )، يوضح لنا السر في صعوبة تعلمه في زمن ظهور الحجة (عليهالسلام ) ؛ فقد روي عن أبي جعفر (عليهالسلام )، قوله:
(إذا قام القائم من آل محمد (صلىاللهعليهوآله )، ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزله الله عزّ وجلّ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم؛ لأنه يخالف فيه التأليف)(1) .
الثاني: اتضح: أن مصحف عليّ (عليهالسلام )، لا يفترق عن القرآن الموجود بالفعل، إلا فيما ذكر.. وقد اعترف بهذه الفوارق، علماء أهل السنة، ومؤلفوهم، ومحدثوهم، كما يظهر من ملاحظة النصوص المتقدمة، ومصادرها..
فمحاولة البعض اعتبار ذلك من المآخذ على الشيعة، على اعتبار: أن قرآناً آخر، يخرجه الإمام الحجة (عليهالسلام )، يختلف عن القرآن الفعلي..(2) .
إن هذه المحاولة بعيدة عن الإنصاف، وليس لها ما يبررها على الإطلاق ؛ فالقرآن هو القرآن، وإضافة بعض التفسير والتأويل، وترتيبه حسب النزول، لا يوجب اختلافاً في أصله وحقيقته..
____________
1- روضة الواعظين ص265 وراجع: الغيبة للنعماني ص318 و 319 والإرشاد للشيخ المفيد ص365 وبحار الأنوار ج52 ص339 والأنوار البهية ص384 ونور الثقلين ج5 ص27 وكشف الغمة ج3 ص265 وإلزام الناصب ج2 ص247 ومكيال المكارم ج1 ص60.
2- راجع: الشيعة والسنة ص138.
وراجع: كذبوا على الشيعة للسيد محمد الرضي الرضوي ص19 ووركبت السفينة لمروان خليفات ص604 عن كتاب دفاع عن العقيدة والشريعة.