الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١٠

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
الفصل الأول: لا حاجة لنا بمصحف علي (عليهالسلام )
علي (عليهالسلام ) يجمع القرآن :
قالوا:
فلما رأى علي (عليهالسلام ) غدر الناس، وقلة وفائهم، ونكث العهود والعقود، وعدم وفائهم بمقتضيات البيعة، وذهابهم في التيه، وعصيان أمر الله ورسوله، وعدم اطاعتهم إمامهم المنصوص عليه.. لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كله، فكتبه على تنزيله، وكتب الناسخ والمنسوخ، والتفسير والتأويل، وغير ذلك..
فبعث إليه أبو بكر: أن اخرج فبايع.
فبعث إليه: إني مشغول، فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلوات حتى أؤلف القرآن وأجمعه.
(وفي الروايات: أنه أرسل إليه مرتين، فيجيبه بنحو ذلك، فأرسل إليه في الثالثة قنفذاً، ثم ذكرت حديث الإحراق)(١) .
فجمعه في ثوب (واحد)، وختمه.
____________
١- بحار الأنوار ج٢٨ ص٢٣١ وتفسير العياشي ج٢ ص٣٠٧ ونور الثقلين ج٣ ص١٩٩ وغاية المرام ج٥ ص٣٣٧ والبرهان (تفسير) ج٢ ص٤٣٤.
ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فنادى (عليهالسلام ) بأعلى صوته:
(أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) مشغولاً بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثوب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وعلمني تأويلها.
فقالوا: لا حاجة لنا به، عندنا مثله.
ثم دخل بيته. (وهو يتلو( فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) (١) )(٢) .
وفي نص آخر؛ عن أبي ذر الغفاري: أنه (عليهالسلام ) جاءهم بالقرآن الذي جمعه وعرضه عليهم، لما قد أوصاه بذلك رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده، فلا حاجة لنا فيه، فأخذه (عليهالسلام ) وانصرف.
ثم أحضروا زيد بن ثابت ـ وكان قارياً للقرآن ـ فقال له عمر: إن علياً (عليهالسلام ) جاءنا بالقرآن، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن
____________
١- الآية ١٨٧ من سورة آل عمران.
٢- الإحتجاج ج١ ص٢٠٧ و (ط دار النعمان) ج١ ص١٠٧ وكتاب سليم ج٢ ص٥٨١ ـ ٥٨٣ وبحار الأنوار ج٢٨ ص٢٦٥ و ٢٦٦ وج٨٩ ص٤٠ ومجمع النورين ص٩٦ و ٩٧ وغاية المرام ج٥ ص٣١٦ وبيت الأحزان ص١٠٦.
نؤلف القرآن، ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتكاً للمهاجرين والأنصار.
فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال لهم: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم، وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل كل ما عملتم؟!
ثم قال عمر: فما الحيلة؟!
قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة.
فقال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك (وسيأتي شرح ذلك).
فلما استخلف عمر، سأل علياً (عليهالسلام ) أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه.
فقال (عليهالسلام ): هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة: إنَّا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به.
إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي.
فقال له عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم.
فقال علي (عليهالسلام ): نعم، إذا قام القائم من ولدي، يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة به عليه صلوات الله عليه(١) .
____________
١- الإحتجـاج ج١ ص٣٦٠ و ٣٦١ و (ط دار النعـمان) ج١ ص٢٢٥ و ٢٢٨ = = وبحار الأنوار ج٨٩ ص٤٢ و٤٣ والأنوار النعمانية ج٢ ص٣٦٠ وكتاب سليم بن قيس ج٢ ص٥٨١ و ٥٨٢ والصافي ج١ ص٤٣ وج٥ ص١٢٩ وج٧ ص١٠٠ ونور الثقلين ج٥ ص٢٢٦ ومكيال المكارم ج١ ص٦١. وراجع بصائر الدرجات ص١٩٦ وبحر الفوائد ص٩٩.
علي ( عليهالسلام ) أول من جمع القرآن :
لا شك في أن علياً (عليهالسلام ) أول من جمع القرآن، جمعه أولاً على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).. ثم جمعه بعد وفاته (صلىاللهعليهوآله ) مباشرة.. وقد ذكرنا ذلك مع مصادره في كتابنا: (حقائق هامة حول القرآن الكريم).
ونحن نذكر هنا طرفاً مما ذكرناه هناك حول جمع علي (عليهالسلام ) القرآن، فنقول:
قال المعتزلي: إنه (عليهالسلام ) أول من جمع القرآن(١) .
وعن أبي جعفر (عليهالسلام ) قال: (ما أحد من هذه الأمة جمع القرآن،
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١ ص٢٧. وراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليهالسلام ) للكوفي ج١ ص٢٩٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٤٢٢ وبحار الأنوار ج٤١ ص١٤٩ ومناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص٢٠٠ والصافي ج١ ص١ والقرآن في الإسلام للطباطبائي ص١٣٧ وأسد الغابة ج٣ ص٢٢٤.
إلا وصي محمد (صلىاللهعليهوآله )(١) .
وكان قد جمعه على ترتيب النزول(٢) .
وقال البعض: الصحيح: أن أول من صنف في الإسلام أمير المؤمنين علي (عليهالسلام )، جمع كتاب الله جلّ جلاله(٣) !!
وعن أبي جعفر (عليهالسلام ): (ما ادّعى أحد من الناس: أنه جمع القرآن كما أنزل إلا كذاب. وما جمعه، وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب، والأئمة بعده)(٤) .
____________
١- تفسير القمي ج٢ ص٤٥١ وبحار الأنوار ج٨٩ ص٤٨ عنه، والوافي ج٥ ص٢٧٤ عنه أيضاً، والصراط المستقيم ج١ ص٣٦٦ (الهامش). وتفسير أبي حمزة الثمالي ص١٠٣ ونور الثقلين ج٥ ص٧٢٧.
٢- راجع: الإتقان للسيوطي ج١ ص٧٢ و (ط دار الفكر) ج١ ص١٧١ و ١٩٥ عن ابن أبي داود، وسبل الهدى والرشاد ج١١ ص٣٣٥ وتاريخ الخلفاء ص١٨٥ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج٤ (الذيل ص٢٨ و ٢٩ هامش) وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص٣١٧ و ٣١٦ وفتح الباري ج٩ ص٤٧ والصافي ج١ ص١ والقرآن في الإسلام للطباطبائي ص١٣٤ و ١٣٧ والميزان ج١٢ ص١٢٨.
٣- معالم العلماء ص٢ و (ط قم) ص٣٨ ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص٢٣٣ ومرآة الكتب للتبريزي ص٢٥ و ٣٠ وأعيان الشيعة ج١ ص٨٩ وج٤ ص٥٩٨.
٤- بصائر الدرجات ص١٩٣ والكافي ج١ ص٢٢٨ والبرهان ج١ ص٢٠ و ١٥ = = وشرح أصول الكافي ج٥ ص٣١٢ والصافي ج١ ص٢٠ ونور الثقلين ج٥ ص٤٦٤ والبيان لآية الله الخوئي ص٢٤٢ و ٢٤٣ و (ط دار الزهراء سنة ١٣٩٥) ص٢٢٣ وتأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج١ ص٢٣٩ والوافي ج٢، كتاب الحجة، باب ٧٦ ص١٣٠. وراجع: كنز العمال ج٢ ص٣٧٣، وفواتح الرحموت (بهامش المستصفى) ج٢ ص١٢.
علي ( عليهالسلام ) جمع القرآن في عهد النبي ( صلىاللهعليهوآله ) :
ومما يدل صراحة على أنه (عليهالسلام ) كان قد جمع القرآن في عهد الرسول، ما روي عنه (عليهالسلام ): (.. ما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها، وأملاها علي؛ فكتبتها بخطي. وعلمني تأويلها، وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها إلخ..)(١) .
____________
١- كتاب سليم بن قيس ص٩٩ و (ط النجف) ص١٠٦ و (ط أخرى) ص١٨٣ وبصائر الدرجات ص١٩٨ و (منشورات الأعلمي سنة ١٤٠٤) ص٢١٨ والكافي ج١ ص٦٤ والخصال ص٢٥٧ وكمال الدين ج١ ص٢٨٤ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٢٧ ص٢٠٦ و ٢٠٧ و (ط دار الإسلامية) ج١٨ ص١٥٢ و ١٥٣ وتحف العقول ص١٩٦ والمسترشد ص٢٣٥ وبحار الأنوار ج٢ ص٢٣٠ وج٣٦ ص٢٧٥ وج٤٠ ص١٣٩ وج٨٩ ص٤١ و ٩٩ والإحتجاج ج١ ص٢٢٣ وشواهد التنزيل ج١ ص٤٨ والوافية للتوني ص١٣٨ والأصول الأصيلة ص٢٧ والفوائد المدنية والشواهد المكية ص٢٢٢ وتفسير العياشي ج١ ص٢٥٣ والصافي ج١ ص١٩ ونور الثقلين ج١ ص٣١٨ وكنز = = الدقائق ج٢ ص٢٧ والبرهان في تفسير القرآن ج١ ص١٦ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج١ ص٣٢٧ والصراط المستقيم ج٣ ص٢٥٨ ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص٥ وجامع أحاديث الشيعة ج١ ص١٦ و ١٤٣ ونهج السعادة ج٧ ص١٤٤ والمعيار والموازنة ص٣٠٠ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٣٠٩ وشرح أصول الكافي ج٢ ص٣٠٦ والتمهيد في علوم القرآن ج١ ص٢٢٩ عنه، وأكذوبة تحريف القرآن، عن بعض من تقدم.
وعن علي (عليهالسلام ): لو ثنيت لي الوسادة؛ لأخرجت لهم مصحفاً، كتبته، وأملاه عليّ رسول الله (صلىاللهعليهوآله )(١) .
علي (عليهالسلام ) يجمع القرآن بعد الرسول (صلىاللهعليهوآله ):
ومن النصوص الدالة على جمعه فور وفاته، ما رواه أبو العلاء العطار، والموفق خطيب خوارزم، في كتابيهما، بالإسناد: عن علي بن رباح: (أن النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) أمر علياً (عليهالسلام ) بتأليف القرآن ؛ فألفه، وكتبه)(٢) .
بل قد يدل هذا النص على أن ذلك كان في عهد النبي (صلىاللهعليهوآله ) نفسه.
____________
١- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص٤١ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٣٢٠ وبحار الأنوار ج٤٠ ص١٥٥ وج٨٩ ص٥٢.
٢- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص٤١ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٣٢٠ وبحار الأنوار ج٤٠ ص١٥٥ وج٨٩ ص٥٢ وأعيان الشيعة ج١ ص٨٩ وج٤ ص٥٩٨.
هذا.. وقد أمره النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) بأن يتسلم القرآن الذي عنده، وأن يجمعه، وقد كان في الصحف، والجريد، والقرطاس، في بيته (صلىاللهعليهوآله ) خلف فراشه، حتى لا يضيع، كما ضُيِّعَ التوراة، والإنجيل.
فجمعه علي (عليهالسلام ) في ثوب أصفر، ثم ختم عليه في بيته، وقال: لا أرتدي حتى أجمعه..
قال: (.. كان الرجل ليأتيه؛ فيخرج إليه بغير رداء، حتى جمعه..)(١) .
زاد البعض: (فكان أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه..)(٢) .
____________
١- راجع: بحار الأنوار ج٨٩ ص٤٨ وراجع ص٥٢ وتفسير القمي ج٢ ص٤٥١ والصافي ج١ ص٤٠ ونور الثقلين ج٥ ص٧٢٦ ومقدمة تفسير البرهان ص٣٦ والمحجة البيضاء ج٢ ص٢٦٤ ومجمع البحرين ج١ ص٣٩٩. وراجع: الإتقان ج١ ص٥٧، والوافي ج٥ ص٢٧٤، وتاريخ القرآن للزنجاني ص٤٤ و ٤٥ و ٦٤ وتاريخ القرآن للأبياري ص٨٤ و ١٠٦ وعمدة القاري ج٢٠ ص١٦ وأكذوبة تحريف القرآن ص١٧ عنه، وعن المصاحف للسجستاني. وراجع: فتح الباري ج٩ ص١٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج٢ ص٤١.
٢- راجع: شواهد التنزيل ج١ ص٣٦ والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص٥٠٣ وتاريخ القرآن للأبياري ص٨٤ والفهرست لابن النديم ص٣٠ وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص٣١٧ و ٣١٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٧ ص٥٢٧ وأعيان الشيعة ج١ ص٨٩ وج٤ ص٥٩٨ وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهمالسلام ) للنجفي ج١ ص٧.
وقيل: إنه جمعه بعد موت النبي (صلىاللهعليهوآله ) بستة أشهر(١) .
وهذا بعيد.. فهناك أحداث عديدة جرت في تلك الفترة كان علي (عليهالسلام ) حاضراً وناظراً، ومؤثراً فيها.
وحلفه (عليهالسلام ): أن لا يرتدي رداء حتى يجمع القرآن، ثم تخلفه ليجمعه، ثم عتاب عمر له على تخلفه عن بيعة أبي بكر، قد ذكر في مصادر أخرى أيضاً(٢) .
____________
١- المناقب لابن شهرآشوب ج٢ ص١٤٠ و ١٤١ و (ط دار النعمان) ج١ ص٣١٩ وبحار الأنوار ج٤٠ ص١٥٥ وج٨٩ ص٥١ وأعيان الشيعة ج١ ص٨٩ وج٤ ص٥٩٨.
٢- المصنف لعبد الرزاق ج٥ ص٤٥٠ وفي هامشه عن أنساب الأشراف ج١ ص٥٨٧ وشواهد التنزيل ج١ ص٣٧ و ٣٨ وراجع: والإستيعاب ج٣ ص٩٧٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص٣٣٨ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٣٩٨ و ٣٩٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٣ ص٦٣٧ والوافي بالوفيات ج١٧ ص١٦٧ ونهج الإيمان ص٥٧٩ وينابيع المودة ج٢ ص٤٠٨ وأعيان الشيعة ج١ ص٨٩ و ٥٩٧ وحياة الصحابة ج٣ ص٣٥٥ وحلية الأولياء ج١ ص٦٧ وكنز العمال ج٢ ص٣٧٣ و (ط مؤسسة الرسالة) ج٢ ص٥٨٨ وج١٣ ص١٢٨ وتاريخ الخلفاء ص١٨٥ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٤١ عن أبي نعيم، وعن الخطيب في الأربعين، وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص٣١٧ و ٣١٦ وراجع: الإحتجاج ج١ ص٩٨ و ٢٨١ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٢٣٨ وبحار الأنوار ج٢٨ ص١٩١ وج٢٩ ص٤١٩ وجامع أحاديث الشيعة ج١٣ ص٤٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٧ ص٥٢٧ وج١٨ ص٢٥٤.
وهذه الروايات تفسر لنا بشكل واضح ما ورد: من أنه صلوات الله وسلامه عليه، قد جمع القرآن بعد وفاة النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) بثلاثة أيام(١) .
فإن المقصود: أنه بدأ جمعه في الأيام الثلاثة الأولى، أو أنه الف القرآن الذي كان خلف فراش النبي (صلىاللهعليهوآله ) ورتبه ونسقه ونظمه، وجمعه في خيط واحد.. وكان فيه الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه.. وغير ذلك مما تضمنه مصحف علي (عليهالسلام )..
إذ يبعد أن يكون المقصود: أنه (عليهالسلام )، قد كتب القرآن في ثلاثة أيام، إلا على سبيل الاعجاز، ولا يمكن أن يكون المقصود: أنه حفظه، كما يقوله البعض(٢) ، لأنه كان حافظاً له منذ بدء نزوله.
____________
١- الفهرست لابن النديم ص٣٠ والأوائل للعسكري ج١ ص٢١٤ و ٢١٥ وتاريخ القرآن للأبياري ص٨٤ وأعيان الشيعة ج١ ص٨٩ وج٤ ص٥٩٨ ومقدمة تفسير البرهان ص٣٧ وتفسير فرات ص٣٩٩. وأكذوبة تحريف القرآن ص٦٢ عن بعض من تقدم، وعن المصنف لابن أبي شيبة ج١ ص٥٤٥ وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهمالسلام ) للنجفي ج١ ص٧ وعلوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم ص٢١. وراجع: بحار الأنوار ج٢٣ ص٢٤٩.
٢- راجع: أكذوبة تحريف القرآن ص١٦ عن تاريخ القرآن لعبد الصبور شاهين ص٧١.
مواصفات مصحف علي ( عليهالسلام ):
وقد صرحت الروايات والنصوص بميزات كانت لمصحف علي (عليهالسلام )، فقد قال المفيد (رحمهالله ) وغيره: إن علياً كتب في مصحفه تأويل بعض الآيات، وتفسيرها بالتفصيل(١) .
وقال هذا الشيخ الجليل حول المصحف الموجود، ومقايسته بمصحف أمير المؤمنين (عليهالسلام ).
(..ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين (عليهالسلام )، من تأويله، وتفسير معانيه، على حقيقة تنزيله. وذلك كان ثابتاً، منزلاً، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى، الذي هو القرآن المعجز، وقد سمي تأويل القرآن قراناً. قال تعالى:( وَلاَ تَعْجَلْ بِالقرآن مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) (٢) ؛ فسمى تأويل القرآن قرآناً)(٣) .
وقال المفيد أيضاً: قدم المكي على المدني، والمنسوخ على الناسخ، ووضع كل شيء منه في محله(٤) .
____________
١- عن المفيد في الإرشاد، والمسائل السروية، راجع: تاريخ القرآن ص٤٨ وأعيان الشيعة ج١ ص٨٩، عن عدة الرجال للأعرجي.
٢- الآية ١٤٤ من سورة طه.
٣- أوائل المقالات ص٥٥ و (ط دار المفيد) ص٨١ وبحر الفوائد ص٩٩ عنه، وتفسير شبر ص١٧.
٤- عدّة رسائل للمفيد ص٢٢٥ والمسائل السروية ص٧٩ وبحار الأنوار ج٨٩ ص٧٤.
وعن علي (عليهالسلام ): (ولقد أُحضِروا الكتاب كَمَلاً، مشتملاً على التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ، والمنسوخ، لم يسقط منه حرف ألف، ولا لام؛ فلما وقفوا على ما بينه الله، من أسماء أهل الحق والباطل، وأن ذلك إن أُظهِر نقص(١) ، ما عهدوه، قالوا: لا حاجة لنا فيه..)(٢) .
وقال الأبياري: (ويروي غير واحدٍ: أن مصحف علي، كان على ترتيب النزول، وتقديم المنسوخ على الناسخ..)(٣) .
وقال الشيخ الصدوق: (قال أمير المؤمنين (عليهالسلام )، لما جمعه؛ فلما جاء به؛ فقال لهم:
هذا كتاب الله ربكم، كما أنزل على نبيكم، لم يزد فيه حرف، ولم ينقص منه حرف.
____________
١- لعل الصحيح: نقض.
٢- الإحتجاج ج١ ص٣٨٣ و (ط دار النعمان) ج١ ص٣٨٣ وبحار الأنوار ج٩٠ ص١٢٥ ومجمع البيان ج٦ ص٥٤ وكنز الدقائق ج٢ ص٣١٢ ونور الثقلين ج١ ص٤٢١ والصافي ج١ ص٤٧ والبيان في تفسير القرآن ص٢٤٢ وبحر الفوائد ص٩٩.
٣- تاريخ القرآن للأبياري ص٨٥ عن تاريخ القرآن للزنجاني ص٢٦. وراجع: أعيان الشيعة ج١ ص٨٩ عن السيوطي في الإتقان، عن ابن أبي داود، وراجع: تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص٣١٧ والمدخل إلى فقه الإمام على لمحمد عبد الرحيم محمد (ط دار الحديث ـ القاهرة) ص٣٨.
فقالوا: لا حاجة لنا فيه، عندنا مثل الذي عندك.
فانصرف، هو يقول: (فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً؛ فبئس ما يشترون)(١) .
وتقدم: أن أول صفحة فتح عليها أبو بكر، وجد فيها فضائح القوم، أعني: المهاجرين والأنصار؛ فخافوا فأرجعوه إليه، ثم أمروا زيد بن ثابت بجمع القرآن لهم..
وقال ابن سيرين: إن علياً كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ.
وعنه: تطلّبت ذلك الكتاب، وكتبت فيه إلى المدينة ؛ فلم أقدر عليه(٢) .
وعنه أنه قال: فبلغني: أنه كتبه على تنزيله؛ ولو أصيب ذلك الكتاب
____________
١- الإعتقادات في دين الإمامية للصدوق، باب: الإعتقاد في مبلغ القرآن ص٨٦ وراجع: المناقب لابن شهرآشوب ج٢ ص٤١ وبصائر الدرجات ص٢١٣ والكافي ج٢ ص٦٣٣ وج٦ ص٢٢١ وتهذيب الأحكام ج٩ ص٤ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٢٤ ص١٣٨ و (ط دار الإسلامية) ج١٦ ص٣٣٧ والإحتجاج ج١ ص٣٨٣ وبحار الأنوار ج٩٠ ص١٢٦.
٢- الإتقان في علوم القرآن ج١ ص٥٨ و (ط دار الفكر) ج١ ص١٦٢ ومناهل العرفان ج١ ص٢٤٧ وتاريخ القرآن للزنجاني ص٤٨ والصواعق المحرقة ص١٢٦ والطبقات الكبرى لابن سعد (ط صادر) ج٢ ص٣٣٨ وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص٣١٧ وأعيان الشيعة ج٤ ص٥٩٧.
لوجد فيه علم كثير(١) .
أو قال: لو أصيب ذلك الكتاب؛ لكان فيه العلم(٢) .
وعن ابن جزي: لو وجد مصحفه (عليهالسلام )؛ لكان فيه علم كثير(٣) .
وعن الزهري: لو وجد لكان أنفع، وأكثر علماً(٤) .
هذا.. ولا نستبعد: أن يكون هذا المصحف هو نفس المصحف، الذي دفعه أبو الحسن الرضا (عليهالسلام ) إلى البزنطي، وقال له: لا تنظر فيه.
____________
١- الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج٢ ص٢٥٣ و (ط دار الجيل) ج٣ ص٩٧٤ والتمهيد ج٨ ص٣٠١ والوافي بالوفيات ج١٧ ص١٦٧ وراجع: الصواعق المحرقة ص١٢٦.
٢- راجع: تاريخ الخلفاء ص١٨٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ق٢ ص١٠١ وأعيان الشيعة ج١ ص٨٩ والبرهان (المقدمة) ص٤١ عن سمط النجوم العوالي. وكنز العمال ج٢ ص٣٧٣ عن ابن سعد، والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج٢ ص٢٥٣. وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص٣١٦ وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه للسيد مير محمدي زرندي ص١٢٨ و ١٤٠.
٣- التمهيد في علوم القرآن ج١ ص٢٢٦ عن التسهيل لعلوم التنزيل ج١ ص٤ وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص١٤٠.
٤- فواتح الرحموت، بهامش المستصفى ج٢ ص١٢.
قال: ففتحته، وقرأت فيه:( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (١) ؛ فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش، بأسمائهم، وأسماء آبائهم.
قال: فبعث إلي: أن ابعث إليّ بالمصحف(٢) .
وليس في رواية الكشي: أنه قال له: لا تنظر فيه.. وهو الصواب؛ إذ لا معنى لأن يعطيه إياه، ثم يمنعه من القراءة فيه، إلا إذا كان يريد أن يختبره بذلك.. فيكون البزنطي قد سقط في الإختبار!!
وفي أخبار أبي رافع: أن النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) قال في مرضه، الذي توفي فيه لعلي: (يا علي، هذا كتاب الله خذه إليك.
فجمعه في ثوب، فمضى إلى منزله؛ فلما قبض النبيّ (صلىاللهعليهوآله ) جلس علي؛ فألفه كما أنزل الله، وكان به عالماً)(٣) .
____________
١- الآية ١ من سورة الكافرون.
٢- البرهان (المقدمة) ص٣٧ ومناهل العرفان ج١ ص٢٧٣ والكافي ج٢ ص٦٣١ والصافي ج١ ص٤١ ونور الثقلين ج٥ ص٦٤٢ ومسند الإمام الرضا (عليهالسلام ) للعطاردي ج١ ص٣٨٥ وج٢ ص٤٢٧ وشرح أصول الكافي ج١١ ص٨٢ والمحجة البيضاء ج٢ ص٢٦٢ ـ ٢٦٣ وبحار الأنوار ج٨٩ ص٥٤ وإختيار معرفة الرجال ص٥٨٩ و (ط مؤسسة آل البيت) ج٢ ص٨٥٣ والوافي ج٥ ص٢٧٣.
٣- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص٤١ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٣١٩ وبحار الأنوار ج٤٠ ص١٥٥ وج٨٩ ص٥٢ عنه، وأعيان الشيعة ج١ ص٨٩ وج٤ ص٥٩٨.
أين هو مصحف علي (عليهالسلام )؟!:
قد يمكن أن نستظهر من رواية البزنطي السابقة: أن ذلك المصحف، الذي دفعه إليه الإمام الرضا (عليهالسلام )، كان هو مصحف علي (عليهالسلام ).
ولكن ذلك لا يكفي لإثبات ذلك، كما هو ظاهر..
ولكن ثمة نصوص أخرى، تفيد: أن هذا المصحف موجود الآن عند الإمام الحجة المنتظر، قائم آل محمد (صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطاهرين)، وسيخرجه حين ظهوره، إن شاء الله تعالى..(١) .
ولعله هو القرآن الذي ورد في الروايات: أنه يعلّمه للناس، وأنه يخالف التأليف المعروف للمصحف..
خصائص مصحف علي (عليهالسلام ):
ويتضح من النصوص الآنفة الذكر: أن مصحف عليّ (عليهالسلام )، يمتاز بما يلي:
____________
١- الكافي ج٢ ص٤٦٢ وبصائر الدرجات ص١٩٣ والإحتجاج ج١ ص٢٢٨ و (ط دار النعمان) ج١ ص٢٢٥ وبحار الأنوار ج٨٩ ص٤٢ ـ ٤٣ وراجع: المحجة البيضاء ج٢ ص٢٦٣، ومصباح الفقيه (كتاب الصلاة) ص٢٧٥ والصافي ج١ ص٤٣ وج٥ ص١٢٩ وج٧ ص١٠٠ ونور الثقلين ج٥ ص٢٢٦ ومكيال المكارم ج١ ص٦١.
١ ـ إنه كان مرتباً على حسب النزول.
فنتج عن ذلك ان:
٢ ـ قدّم فيه المنسوخ على الناسخ.
٣ ـ كتب فيه تأويل بعض الآيات بالتفصيل.
٤ ـ كتب فيه تفسير بعض الآيات بالتفصيل، على حقيقة تنزيله. ولعله كتب فيه التفاسير المنزلة تفسيراً من قبل الله سبحانه على حد الأحاديث القدسية.
٥ ـ فيه المحكم والمتشابه.
٦ ـ لم يسقط منه حرف ألف، ولا لام. ولم يزد فيه حرف، ولم يسقط منه حرف.
٧ ـ فيه أسماء أهل الحق والباطل.
٨ ـ كان بإملاء رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) وخط عليّ (عليهالسلام ).
٩ ـ كان فيه فضائح القوم ـ أعني: المهاجرين والأنصار ـ من الشخصيات التي لم تتفاعل مع الإسلام، كما يجب. ومنه ذِكر المنافقين بأسمائهم ونحو ذلك.
أمران لابدّ من التنبيه عليهما:
الأول: إن ما ذكر من خصائص وميزات في مصحف عليّ (عليهالسلام )، يوضح لنا السر في صعوبة تعلمه في زمن ظهور الحجة (عليهالسلام ) ؛ فقد روي عن أبي جعفر (عليهالسلام )، قوله:
(إذا قام القائم من آل محمد (صلىاللهعليهوآله )، ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزله الله عزّ وجلّ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم؛ لأنه يخالف فيه التأليف)(١) .
الثاني: اتضح: أن مصحف عليّ (عليهالسلام )، لا يفترق عن القرآن الموجود بالفعل، إلا فيما ذكر.. وقد اعترف بهذه الفوارق، علماء أهل السنة، ومؤلفوهم، ومحدثوهم، كما يظهر من ملاحظة النصوص المتقدمة، ومصادرها..
فمحاولة البعض اعتبار ذلك من المآخذ على الشيعة، على اعتبار: أن قرآناً آخر، يخرجه الإمام الحجة (عليهالسلام )، يختلف عن القرآن الفعلي..(٢) .
إن هذه المحاولة بعيدة عن الإنصاف، وليس لها ما يبررها على الإطلاق ؛ فالقرآن هو القرآن، وإضافة بعض التفسير والتأويل، وترتيبه حسب النزول، لا يوجب اختلافاً في أصله وحقيقته..
____________
١- روضة الواعظين ص٢٦٥ وراجع: الغيبة للنعماني ص٣١٨ و ٣١٩ والإرشاد للشيخ المفيد ص٣٦٥ وبحار الأنوار ج٥٢ ص٣٣٩ والأنوار البهية ص٣٨٤ ونور الثقلين ج٥ ص٢٧ وكشف الغمة ج٣ ص٢٦٥ وإلزام الناصب ج٢ ص٢٤٧ ومكيال المكارم ج١ ص٦٠.
٢- راجع: الشيعة والسنة ص١٣٨.
وراجع: كذبوا على الشيعة للسيد محمد الرضي الرضوي ص١٩ ووركبت السفينة لمروان خليفات ص٦٠٤ عن كتاب دفاع عن العقيدة والشريعة.