• البداية
  • السابق
  • 334 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18996 / تحميل: 5946
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 10

مؤلف:
العربية

1 ـ قول علي (عليه‌السلام ) لأبي بكر: (فأنشدك بالله، أنا المولى لك ولكل مسلم، بحديث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يوم الغدير، أم أنت)؟!

قال: بل أنت.

2 ـ قالت فاطمة (عليها‌السلام ) للذين اجتمعوا على بابها وأرادوا إحراقه: (ولم تروا لنا حقاً، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء).

3 ـ ورد في كلام المقداد قوله لأبي بكر: ( فقد علمت ما عقده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في عنقك من بيعته). أي بيعة علي (عليه‌السلام ).

4 ـ قال أبو الهيثم بن التيهان: (وأنا أشهد ـ يا أبا بكر ـ على نبينا (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه أقام علياً ـ يعني في يوم غدير خم ـ فقالت الأنصار: ما أقامه إلا للخلافة.

وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس: أنه مولى من كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مولاه، وكثر الخوض في ذلك، فبعثنا رجالاً منا إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فسألوه عن ذلك. فقال:

قولوا لهم: علي ولي المؤمنين بعدي).

علي (عليه‌السلام ) يجلد بعمر الأرض:

واللافت هنا: أن علياً (عليه‌السلام )، بمجرد أن رأى عمر بن الخطاب بصدد التعدي على سلمان الفارسي، وثب إليه، وأخذ بمجامع ثوبه، وجلد به الأرض.. وتهدده.. ثم أمر أصحابه بالإنصراف..

٦١

لقد فعل به هذا في الوقت الذي كان عمر يرى أنه في أقصى درجات القوة، حيث كان معه أربعة آلاف مقاتل، فلم تغن عنه شيئاً..

وعرف أن علياً (عليه‌السلام ) لو أراد أن يقضي عليه، فلا شيء يقف في وجهه.. فلم يكن له بد من السكوت.

عمر بن الخطاب في قريش:

وقد أعلن خالد بن سعيد: أن قريشاً تعلم: أن عمر من ألأمها حسباً، وأدناها منصباً، وأخسها قدراً، وأخملها ذكراً، وأقلها غناء عن الله ورسوله، وإنه لجبان في الحروب، وبخيل بالمال، لئيم العنصر، ما له في قريش من فخر، ولا في الحروب من ذكر الخ..

ولم نجد أحداً ناقشه في ذلك، أو اعترض عليه فيه، حتى عمر نفسه.. وهذا أمر غير معهود، إلا في الحالات التي يكون الإعتراض فيها، من موجبات تأكيد الفضيحة، واتساع الخرق على الراقع..

محاولات التحوير والتزوير:

وقد أظهر النص الذي أورده أبو الهيثم بن التيهان (رحمه‌الله ) أموراً:

أحدها: أن الأنصار كانوا موافقين لعلي (عليه‌السلام )، راضين به إماماً وخليفة بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. وقد فهموا واقعة الغدير بصورة صحيحة.

فلا وجه لعدم فهم غيرهم لها، إلا إن كانت السياسة التي قضت بضرب الزهراء (عليها‌السلام )، وإسقاط جنينها، وأخذ فدك منها هي التي

٦٢

قضت بتجاهل الواضحات، والإغماض عن أبده البديهيات..

الثاني: إن الذين أثاروا الشبهات حول دلالة كلام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في يوم الغدير هم غير الأنصار.

الثالث: إن حملة التشكيك، وإيراد الشبهات، والتحوير والتزوير بدأت في وقت مبكر، أي في حياة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

الرابع: إن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يتصدى لإزالة الشبهة بصورة واضحة وصريحة وحازمة..

الخامس: إن محبي الخلفاء لم يعبأوا بتوضيحات الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، بل بقوا يثيرون نفس الشبهة. ويروجون نفس الشائعات، وإلى يومنا هذا..

أين الحرس من الخلافة؟!:

وما أحسن، وألطف، وأدق استدلال المقداد على أبي بكر، حيث ذكَّره بتأمير عمرو بن العاص عليه في غزوة ذات السلاسل، وكان عمرو عَلم النفاق، ومعدن الشنآن والشقاق ـ على حد تعبيره ـ فقلد أبا بكر وعمر حرس عسكره، فإين الحرس.. إلى الخلافة؟!

لم يستجب لعلي (عليه‌السلام ) سوى أربعة:

وقد بين علي (عليه‌السلام ): أن الذين استجابوا له حين توجه إليهم ودار عليهم ومعه فاطمة والحسنان (عليهم‌السلام ) كانوا أربعة هم سلمان، وأبو ذر، وعمار، والمقداد. أما بنو هاشم فأبوا ذلك لما علموا من شدة حقد

٦٣

الناس عليهم.

غير أن ما يثير الإهتمام هنا:

1 ـ أنه (عليه‌السلام ) يقول: إن امتناع بني هاشم إنما كان لعلمهم ببغض القوم لله ولرسوله، وأهل بيته..

وهذا أمر عظيم وهائل، أن يكون هؤلاء القوم قد عُرِفُوا ببغض الله والرسول!!..

2 ـ إن هذا يدل على: أن ذكر الزبير في جملة من استجابوا لأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) غير صحيح..

ويدل عليه أيضاً: أن الزبير قد انقاد للقوم، وبايع أبا بكر بمجرد أخذ سيفه منه. وكان ذلك قبل أخذ علي الزهراء (عليهما‌السلام ) إلى بيوت المهاجرين والأنصار لطلب النصرة..

3 ـ إن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) إنما أخذ الزهراء والحسنين (عليهم‌السلام ) ودار بهم على المهاجرين والأنصار، ليتحقق أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) له بأنه إن وجد أعواناً فليجاهدهم، وقد استعان بكل الوسائل للتأثير على الصحابة وإقناعهم بمساعدته، حتى لقد واجههم بالزهراء، وبالحسنين، وما يمثلونه للإنسان المسلم، ويثيرونه فيه، في المجال العاطفي والإيماني.

٦٤

الباب الثاني: إرث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. وفدك

٦٥

٦٦

الفصل الأول: فدك.. وما أدراك ما فدك..

٦٧

٦٨

تركة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

عن الحسن بن علي الوشا، قال: سألت مولانا أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه‌السلام ): هل خلَّف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) غير فدك شيئاً؟!

فقال أبو الحسن (عليه‌السلام ): إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خلف حيطاناً بالمدينة صدقة، وخلف ستة أفراس، وثلاث نوق: العضباء، والصهباء، والديباج. وبغلتين: الشهباء، والدلدل، وحماره اليعفور، وشاتين حلوبتين، وأربعين ناقة حلوباً، وسيفه ذا الفقار، ودرعه ذات الفضول، وعمامته السحاب، وحبرتين يمانيتين. وخاتمه الفاضل، وقضيبه الممشوق، وفراشاً من ليف، وعباءتين قطوانيتين، ومخاداً من أدم.

صار ذلك كله إلى فاطمة، ما خلا درعه، وعمامته، وخاتمه، فإنه جعلها لأمير المؤمنين (عليه‌السلام )(1) .

____________

1- كشف الغمة ج2 ص118 وبحار الأنوار ج29 ص210 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج26 ص102 و (ط دار الإسلامية) ج17 ص443 واللمعة البيضاء ص801.

٦٩

وفي بعض الروايات: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أعطى بغلته لأمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وذلك في حجة الوداع(1) .

ولم يأخذوا هذه الأشياء من الزهراء وعلي (عليهما‌السلام )، رغم روايتهم عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أن الأنبياء لا يورثون، ما تركوه صدقة؟!.

وقد أخذت ابنته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ثيابه حين غُسّل. ودفع أبو بكر إلى علي (عليه‌السلام ) آلة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ودابته، وحذاءه(2) .

أما حجرات النبي، فقد مكّن أبو بكر أزواج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) منها، مع أن حكمها حكم فدك. واعتذاراتهم عن ذلك غير صحيحة، كما تقدم..

الوصي أعرف بتركة الموصي:

وبعد.. فلا شك في أن علياً (عليه‌السلام ) هو وصي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقد طفحت كتب المسلمين بالشواهد التي تدل على ذلك

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص261 واللمعة البيضاء ص801.

2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص214 والسقيفة وفدك للجوهري ص103 واللمعة البيضاء ص758 ومعالم المدرستين ج2 ص138 عن: الأحكام السلطانية للماوردي ص171.

٧٠

وهي تكاد تعد بالمئات، فضلاً عن العشرات.

فهل يعقل: أن يُعْلِمَ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أبا بكر: بأن الأنبياء لا يورثون، ولا يعلم بذلك وصيه، وباب مدينة علمه. وعلى أي شيء جعله النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وصياً.

فإن كان وصياً على الأموال، فالمفروض: أن الأنبياء لا يورثون بحسب دعوى أبي بكر.

وإن كان على الأطفال، فلم يكن للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سوى الزهراء (عليها‌السلام )، وهي زوجة علي (عليه‌السلام ).

وإن كان على شؤون الأمة، فلماذا يتصدى لها أبو بكر؟!

فدك من مهر خديجة:

وقد روي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ): أنه لما أفاء الله فدكاً على رسوله. ورجع إلى المدينة (دخل على فاطمة (عليه‌السلام )، فقال: يا بنية، إن الله قد أفاء على أبيك بفدك، واختصه بها. فهي له خاصة دون المسلمين، أفعل بها ما أشاء.

وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك مهر، وإن أباك قد جعلها لك بذلك، ونحلتها تكون لك ولولدك بعدك.

قال: فدعا بأديم (عكاظي)، ودعا علي بن أبي طالب، فقال: اكتب لفاطمة (عليها‌السلام ) بفدك نحلة من رسول الله.

فشهد على ذلك علي بن أبي طالب، ومولى لرسول الله، وأم أيمن.

٧١

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): إن أم أيمن امرأة من أهل الجنة(1) .

ونقول:

أولاً: تضمنت هذه الرواية تصريحاً من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن الله اختصه بفدك، وبأنها ملك له، ثم صرح: بأن المسلمين لا حق لهم فيها. ثم عاد وأكد أن له أن يفعل بها ما يشاء، مما دلّ على أنه إنما يفعل ذلك من موقع مالكيته الحقيقية لها. وذلك لكي يسد أبواب الإحتمالات والتمحلات، والتأويلات الباردة، التي ربما يحاول البعض إثارتها.

ولسنا بحاجة إلى تذكير القارئ الكريم بأن الأحاديث التي تتحدث عن زهد الأنبياء بالدنيا، وأنهم لم يأتوا ليجمعوا ذهباً ولا فضة، لتوريثها لأبنائهم لا تتنافى مع تمليك الله تعالى ما هو أعظم من فدك، ولا ضير في أن يعطي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فدكاً للزهراء (عليها‌السلام )، ولا يتنافي ذلك

____________

1- بحار الأنوار ج17 ص379 وج29 ص115 و 116 و 118 والخرائج والجرائح ج1 ص112 و 113 حديث 187 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص142 وراجع: الإحتجاج (ط دار النعمان) ج1 ص121 ونور الثقلين ج4 ص186 والخصائص الفاطمية للكجوري ج2 ص171 واللمعة البيضاء ص300 و 309 و 747 و 789 والأنوار العلوية ص292 ومجمع النورين ص117 و 134 وإحقاق الحق (الأصل) ص223 وغاية المرام ج5 ص348 وبيت الأحزان ص133.

٧٢

مع وراثتها لأبيها إن ترك شيئاً من حطام الدنيا.

ثانياً: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أعطاها فدكاً بعنوان الوفاء بحق كان لأمها خديجة عليه، وهو بقية مهرها. وبذلك يكون قد سدّ الباب أمام أية محاولة لانتزاعها منها، فإن هذا التصرف لا يمكن أن يكون من باب الترخيص لها بالإستفادة من مال يكون للمسلمين فيه حق، ولو على سبيل كونه من الأملاك العامة.. أو تكون فيه أية شبهة أخرى.

ثالثاً: قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للسيدة فاطمة الزهراء (عليها‌السلام ): (تكون لك ولولدك من بعدك)، ـ وقد تكرر هذا المعنى في روايات أخرى(1) ـ يتضمن إظهار الرغبة في أن لا تتصرف الزهراء (عليها‌السلام ) في أرض فدك، لا ببيع ولا بهبة، ولا بالتصدق بها، ولا بأن تقفها،

____________

1- بحار الأنوار ج17 ص378 وج25 ص225 وج29 ص106 و 122 والخرائج والجرائح ج1 ص113 وتفسير فرات 322 وعيون أخبار الرضا ج1 ص233 و (ط مؤسسة الأعلمي ط1404هـ) ج2 ص211 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص152 والأمالي للصدوق ص619 وتحف العقول ص430 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص436 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص320 والصافي ج3 ص187 ونور الثقلين ج3 ص153 وج5 ص275 وبشارة المصطفى ص353 وينابيع المودة ج1 ص138 واللمعة البيضاء ص300 و 303 و 786 ومجمع النورين ص117 وغاية المرام ج2 ص329 وج3 ص285 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص441.

٧٣

ولا بغير ذلك.. بل عليها أن تحتفظ بها، بحيث تنتقل إلى ولدها من بعدها.. ولعل إظهار هذه الرغبة كان لسببين:

أحدهما: التأكيد على حقيقة كونها ملكاً لها (عليها‌السلام )، بحيث يرثها ولدها من بعدها..

الثاني: استشرافه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للغيب، ومعرفته بأن هذه الأرض بالذات سوف تتعرض للإغتصاب، وسيكون لها تأثير في فضح إدعاءات الغاصبين لمقام الخلافة الأهلية لهذا الأمر، حيث ستظهر فدك أنهم ليسو أهلاً لهذا المقام ولا لغيره. وقد أوضحنا ذلك في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وقد تضمنت الروايات إشارات صدرت عن: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى غصب فدك من بعده(1) .

رابعاً: إن توثيق أمر فدك بكتاب وشهود، هو الآخر من وسائل التأكيد على هذا الحق، وحفظه. وسد أبواب تعلل الغاصبين، وللإسهام في فضح ما يسعون للتستر عليه..

خامساً: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد عبّر في الكتاب بكلمة (نحلة)؛ لأنها أبعد عن أية شبهة يمكن أن تثار فيما يرتبط بالدلالة.

سادساً: إن إشهاد علي (عليه‌السلام )، وهو ممن نزلت فيهم آية التطهير

____________

1- بحار الأنوار ج29 ص118 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص142 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص123 واللمعة البيضاء ص789.

٧٤

يجعل رد شهادته تكذيباً للقرآن، تماماً كما كان الحال بالنسبة لرد دعوى الزهراء (عليها‌السلام ) كما سيأتي.

ثم إنه (عليه‌السلام ) قد أشهد أم أيمن، وشهد لها بالجنة، ليكون تكذيبها من موجبات فضح أمر من يدَّعون خلافته من بعده.

ثم إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إنما قد أشهد رجلين، هما: علي، والمولى الذي معه؛ لكي تتم أركان الشهادة، وتتكامل موجبات الأخذ بها، سداً لأبواب الأعذار والتمحلات.

غصب فدك:

وبعد عشرة أيام من وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بادر الخليفة إلى غصب فدك(1) : وإخراج عمال الزهراء (عليها‌السلام ) منها، بعد أن كانوا فيها عدة سنين، فبادرت (عليها‌السلام ) إلى المطالبة بها، وأقامت الحجج، وأتت بالشهود، فلم يسمع أبو بكر منها، ورد شهادتهم، وأبطل دعواها.

كما أن علياً (عليه‌السلام ) احتج عليهم حتى ظهر الحق، وأسفر الصبح لذي عينين، وقد ندم الناس وأنكروا ما يجري، ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: صدق ـ والله ـ علي بن أبي طالب، ورجع علي (عليه‌السلام ) إلى منزله.

ورجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه، ثم

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص263 واللمعة البيضاء ص751.

٧٥

قال له: أما رأيت مجلس علي منا اليوم؟! والله، لئن قعد مقعداً آخر مثله ليفسدن علينا أمرنا، فما الرأي؟!

قال عمر: الرأي أن تأمر بقتله.

قال: فمن يقتله؟!

قال: خالد بن الوليد.

فبعثا إلى خالد، وطلبا منه أن يقتل علياً (عليه‌السلام )(1) .

وستأتي هذه القضية بتفاصيلها إن شاء الله تعالى..

رسالة علي (عليه‌السلام ) إلى أبي بكر:

ثم أرسل علي (عليه‌السلام ) رسالة إلى أبي بكر، فلما قرأها رعب منها رعباً شديداً.. ثم حاول أن يستنصر بالمسلمين، ويلقي عليهم بالمسؤولية عن غصب فدك، وإرث فاطمة (عليها‌السلام ) عليهم، وذكر أنه استقال من موقعه هرباً من نزاع علي، فلم يُقَل.

وقال: ما لي ولابن أبي طالب، هل نازعه أحد ففلج عليه.

____________

1- راجع: الإحتجاج ج1 ص234 ـ 240 و (ط دار النعمان) ج1 ص119 ـ 130 وتفسير القمي ج2 ص155 ـ 159 وبحار الأنوار ج29 ص124 و 125 و 127 ـ 132 وراجع ص157 ومصباح الأنوار ص246 و 247 ومدينة المعاجز ج3 ص151 واللمعة البيضاء ص795 ـ 797 والأنوار العلوية ص311 ـ 313 وغاية المرام ج5 ص348 ـ 350 وبيت الأحزان ص135 ـ 136.

٧٦

فجعل عمر يلوم أبا بكر ويقرعه.. فبين له أبو بكر أن علياً (عليه‌السلام ) قادر على قتلهما لو شاء.. وطلب منه أن لا يغتر بقول خالد: إنه يقتل علياً، فإنه لا يجسر على ذلك، ولو رامه لكان أول مقتول بيد علي (عليه‌السلام )(1) . ومن شاء تفصيل ما جرى فليرجع إلى المصادر.

فاطمة (عليها‌السلام ) تطالب، وعلي (عليه‌السلام ) يشهد:

وقد ذكروا: أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أعطى فدكاً لابنته فاطمة (عليها‌السلام )، فلما مات (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) استولى عليها أبو بكر، فاحتجت عليه فاطمة، وقالت له: إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نحلنيها.

قال أبو بكر: أريد لذلك شهوداً(2) .

قال الطريحي: (كانت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لأنه فتحها هو وأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لم يكن معهما أحد)(3) .

____________

1- راجع: الإحتجاج ج1 ص243 ـ 252 و (ط دار النعمان) ج1 ص119 ـ 130 وبحار الأنوار ج29 ص140 ـ 145 وحلية الأبرار ج2 ص429 ـ 430.

2- معجم البلدان ج4 ص288 و (ط دار إحياء التراث) ص238 وراجع: مجمع البحرين ج5 ص283 ولسان العرب ج10 ص203 والمسترشد ص501 والإمام علي (عليه‌السلام ) لأحمد الرحماني الهمداني ص737 وجوامع الجامع ج2 ص105.

3- مجمع البحرين ج5 ص283 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص152 والأصفى ج1 ص177 واللمعة البيضاء ص293.

٧٧

وفي نص آخر: (فبعثت إلى علي، والحسن، والحسين، وأم أيمن، وأسماء بنت عميس ـ وكانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة ـ فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادَّعت.

فقال (عمر): أما علي فزوجها.

وأما الحسن والحسين فابناها.

وأما أم أيمن فمولاتها.

وأما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب، فهي تشهد لبني هاشم، وقد كانت تخدم فاطمة، وكل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم.

فقال علي (عليه‌السلام ): أما فاطمة فبضعة من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ومن آذاها فقد آذى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). ومن كذبها فقد كذب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وأما الحسن والحسين، فابنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وسيدا شباب أهل الجنة. من كذبهما فقد كذب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، إذ كان أهل الجنة صادقين.

وأما أنا فقد قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أنت مني وأنا منك، وأنت أخي في الدنيا والآخرة، والراد عليك هو الراد علي، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني.

وأما أم أيمن فقد شهد لها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالجنة، ودعا لأسماء بنت عميس وذريتها.

قال عمر: أنتم كما وصفتم (به) أنفسكم. ولكن شهادة الجار إلى نفسه

٧٨

لا تقبل.

فقال علي (عليه‌السلام ): إذا كنا نحن كما تعرفون (ولا تنكرون)، وشهادتنا لأنفسنا لا تقبل، وشهادة رسول الله لا تقبل، فإنا لله وإنا إليه راجعون. إذا ادَّعينا لأنفسنا تسألنا البينة؟! فما من معين يعين.

وقد وثبتم على سلطان الله وسلطان رسوله، فأخرجتموه من بيته إلى بيت غيره من غير بينة ولا حجة،( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (1) (2) .

ونقول:

إنه لم يكن يحق لأبي بكر طلب الشهود من فاطمة (عليها‌السلام )، لأنها كما سنرى مطهرة بنص الكتاب الكريم من كل رجس، فلا يمكن احتمال خلاف ذلك في حقها..

ولأن فدكاً كانت في يدها، وكان أبو بكر هو المدَّعي الذي يطالَب بالبينة، بل لا بد من رد شهادته، لأنها تعارض شهادة القرآن، كما قلناه وسنقوله..

مفارقة ظاهرة:

وقد أشار علي (عليه‌السلام ) في آخر كلامه إلى أنهم أخرجوا سلطان

____________

1- الآية 227 من سورة الشعراء.

2- الكشكول فيما جرى على آل الرسول ص203 ـ 205 وبحار الأنوار ج29 ص197 ـ 199 واللمعة البيضاء ص315.

٧٩

محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من بيته إلى بيت غيره من غير بينة ولا حجة.. وذلك ليظهر التناقض الذي اوقع أبو بكر نفسه فيه: فإنه يطلب البينة من الزهراء في قضية فدك، ولا يأتي ببينة على ما يدعيه لنفسه في أمر الخلافة.

الشهادة المردودة:

ومع ذلك كله: فإنها (عليها‌السلام ) جاءته بالشهود، فكانت أم أيمن الشاهد الأول، فقد رووا: أن أبا بكر قال لها (عليها‌السلام ): هاتي على ذلك بشهود.

[قال]: فجاءت بأم أيمن.

فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أنشدك بالله، ألست تعلم أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال: (أم أيمن امرأة من أهل الجنة)؟!

فقال: بلى.

قالت: (فأشهد: أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) (1) . فجعل فدكاً لفاطمة (فجعل فدكاً لها طعمة) بأمر الله تعالى.

فجاء علي (عليه‌السلام )، فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً، ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟!

____________

1- الآية 38 من سورة الروم.

٨٠