الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١٠

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
١ ـ قول علي (عليهالسلام ) لأبي بكر: (فأنشدك بالله، أنا المولى لك ولكل مسلم، بحديث النبي (صلىاللهعليهوآله ) يوم الغدير، أم أنت)؟!
قال: بل أنت.
٢ ـ قالت فاطمة (عليهاالسلام ) للذين اجتمعوا على بابها وأرادوا إحراقه: (ولم تروا لنا حقاً، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء).
٣ ـ ورد في كلام المقداد قوله لأبي بكر: ( فقد علمت ما عقده رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في عنقك من بيعته). أي بيعة علي (عليهالسلام ).
٤ ـ قال أبو الهيثم بن التيهان: (وأنا أشهد ـ يا أبا بكر ـ على نبينا (صلىاللهعليهوآله ) أنه أقام علياً ـ يعني في يوم غدير خم ـ فقالت الأنصار: ما أقامه إلا للخلافة.
وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس: أنه مولى من كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) مولاه، وكثر الخوض في ذلك، فبعثنا رجالاً منا إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) فسألوه عن ذلك. فقال:
قولوا لهم: علي ولي المؤمنين بعدي).
علي (عليهالسلام ) يجلد بعمر الأرض:
واللافت هنا: أن علياً (عليهالسلام )، بمجرد أن رأى عمر بن الخطاب بصدد التعدي على سلمان الفارسي، وثب إليه، وأخذ بمجامع ثوبه، وجلد به الأرض.. وتهدده.. ثم أمر أصحابه بالإنصراف..
لقد فعل به هذا في الوقت الذي كان عمر يرى أنه في أقصى درجات القوة، حيث كان معه أربعة آلاف مقاتل، فلم تغن عنه شيئاً..
وعرف أن علياً (عليهالسلام ) لو أراد أن يقضي عليه، فلا شيء يقف في وجهه.. فلم يكن له بد من السكوت.
عمر بن الخطاب في قريش:
وقد أعلن خالد بن سعيد: أن قريشاً تعلم: أن عمر من ألأمها حسباً، وأدناها منصباً، وأخسها قدراً، وأخملها ذكراً، وأقلها غناء عن الله ورسوله، وإنه لجبان في الحروب، وبخيل بالمال، لئيم العنصر، ما له في قريش من فخر، ولا في الحروب من ذكر الخ..
ولم نجد أحداً ناقشه في ذلك، أو اعترض عليه فيه، حتى عمر نفسه.. وهذا أمر غير معهود، إلا في الحالات التي يكون الإعتراض فيها، من موجبات تأكيد الفضيحة، واتساع الخرق على الراقع..
محاولات التحوير والتزوير:
وقد أظهر النص الذي أورده أبو الهيثم بن التيهان (رحمهالله ) أموراً:
أحدها: أن الأنصار كانوا موافقين لعلي (عليهالسلام )، راضين به إماماً وخليفة بعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).. وقد فهموا واقعة الغدير بصورة صحيحة.
فلا وجه لعدم فهم غيرهم لها، إلا إن كانت السياسة التي قضت بضرب الزهراء (عليهاالسلام )، وإسقاط جنينها، وأخذ فدك منها هي التي
قضت بتجاهل الواضحات، والإغماض عن أبده البديهيات..
الثاني: إن الذين أثاروا الشبهات حول دلالة كلام رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في يوم الغدير هم غير الأنصار.
الثالث: إن حملة التشكيك، وإيراد الشبهات، والتحوير والتزوير بدأت في وقت مبكر، أي في حياة رسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
الرابع: إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) كان يتصدى لإزالة الشبهة بصورة واضحة وصريحة وحازمة..
الخامس: إن محبي الخلفاء لم يعبأوا بتوضيحات الرسول (صلىاللهعليهوآله )، بل بقوا يثيرون نفس الشبهة. ويروجون نفس الشائعات، وإلى يومنا هذا..
أين الحرس من الخلافة؟!:
وما أحسن، وألطف، وأدق استدلال المقداد على أبي بكر، حيث ذكَّره بتأمير عمرو بن العاص عليه في غزوة ذات السلاسل، وكان عمرو عَلم النفاق، ومعدن الشنآن والشقاق ـ على حد تعبيره ـ فقلد أبا بكر وعمر حرس عسكره، فإين الحرس.. إلى الخلافة؟!
لم يستجب لعلي (عليهالسلام ) سوى أربعة:
وقد بين علي (عليهالسلام ): أن الذين استجابوا له حين توجه إليهم ودار عليهم ومعه فاطمة والحسنان (عليهمالسلام ) كانوا أربعة هم سلمان، وأبو ذر، وعمار، والمقداد. أما بنو هاشم فأبوا ذلك لما علموا من شدة حقد
الناس عليهم.
غير أن ما يثير الإهتمام هنا:
١ ـ أنه (عليهالسلام ) يقول: إن امتناع بني هاشم إنما كان لعلمهم ببغض القوم لله ولرسوله، وأهل بيته..
وهذا أمر عظيم وهائل، أن يكون هؤلاء القوم قد عُرِفُوا ببغض الله والرسول!!..
٢ ـ إن هذا يدل على: أن ذكر الزبير في جملة من استجابوا لأمير المؤمنين (عليهالسلام ) غير صحيح..
ويدل عليه أيضاً: أن الزبير قد انقاد للقوم، وبايع أبا بكر بمجرد أخذ سيفه منه. وكان ذلك قبل أخذ علي الزهراء (عليهماالسلام ) إلى بيوت المهاجرين والأنصار لطلب النصرة..
٣ ـ إن أمير المؤمنين (عليهالسلام ) إنما أخذ الزهراء والحسنين (عليهمالسلام ) ودار بهم على المهاجرين والأنصار، ليتحقق أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) له بأنه إن وجد أعواناً فليجاهدهم، وقد استعان بكل الوسائل للتأثير على الصحابة وإقناعهم بمساعدته، حتى لقد واجههم بالزهراء، وبالحسنين، وما يمثلونه للإنسان المسلم، ويثيرونه فيه، في المجال العاطفي والإيماني.
الباب الثاني: إرث النبي (صلىاللهعليهوآله ).. وفدك
الفصل الأول: فدك.. وما أدراك ما فدك..
تركة رسول الله (صلىاللهعليهوآله ):
عن الحسن بن علي الوشا، قال: سألت مولانا أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهالسلام ): هل خلَّف رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) غير فدك شيئاً؟!
فقال أبو الحسن (عليهالسلام ): إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) خلف حيطاناً بالمدينة صدقة، وخلف ستة أفراس، وثلاث نوق: العضباء، والصهباء، والديباج. وبغلتين: الشهباء، والدلدل، وحماره اليعفور، وشاتين حلوبتين، وأربعين ناقة حلوباً، وسيفه ذا الفقار، ودرعه ذات الفضول، وعمامته السحاب، وحبرتين يمانيتين. وخاتمه الفاضل، وقضيبه الممشوق، وفراشاً من ليف، وعباءتين قطوانيتين، ومخاداً من أدم.
صار ذلك كله إلى فاطمة، ما خلا درعه، وعمامته، وخاتمه، فإنه جعلها لأمير المؤمنين (عليهالسلام )(١) .
____________
١- كشف الغمة ج٢ ص١١٨ وبحار الأنوار ج٢٩ ص٢١٠ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٢٦ ص١٠٢ و (ط دار الإسلامية) ج١٧ ص٤٤٣ واللمعة البيضاء ص٨٠١.
وفي بعض الروايات: أنه (صلىاللهعليهوآله ) أعطى بغلته لأمير المؤمنين (عليهالسلام )، وذلك في حجة الوداع(١) .
ولم يأخذوا هذه الأشياء من الزهراء وعلي (عليهماالسلام )، رغم روايتهم عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): أن الأنبياء لا يورثون، ما تركوه صدقة؟!.
وقد أخذت ابنته (صلىاللهعليهوآله ) ثيابه حين غُسّل. ودفع أبو بكر إلى علي (عليهالسلام ) آلة رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ودابته، وحذاءه(٢) .
أما حجرات النبي، فقد مكّن أبو بكر أزواج النبي (صلىاللهعليهوآله ) منها، مع أن حكمها حكم فدك. واعتذاراتهم عن ذلك غير صحيحة، كما تقدم..
الوصي أعرف بتركة الموصي:
وبعد.. فلا شك في أن علياً (عليهالسلام ) هو وصي رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وقد طفحت كتب المسلمين بالشواهد التي تدل على ذلك
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٦ ص٢٦١ واللمعة البيضاء ص٨٠١.
٢- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٦ ص٢١٤ والسقيفة وفدك للجوهري ص١٠٣ واللمعة البيضاء ص٧٥٨ ومعالم المدرستين ج٢ ص١٣٨ عن: الأحكام السلطانية للماوردي ص١٧١.
وهي تكاد تعد بالمئات، فضلاً عن العشرات.
فهل يعقل: أن يُعْلِمَ النبي (صلىاللهعليهوآله ) أبا بكر: بأن الأنبياء لا يورثون، ولا يعلم بذلك وصيه، وباب مدينة علمه. وعلى أي شيء جعله النبي (صلىاللهعليهوآله ) وصياً.
فإن كان وصياً على الأموال، فالمفروض: أن الأنبياء لا يورثون بحسب دعوى أبي بكر.
وإن كان على الأطفال، فلم يكن للنبي (صلىاللهعليهوآله ) سوى الزهراء (عليهاالسلام )، وهي زوجة علي (عليهالسلام ).
وإن كان على شؤون الأمة، فلماذا يتصدى لها أبو بكر؟!
فدك من مهر خديجة:
وقد روي عن أبي عبد الله (عليهالسلام ): أنه لما أفاء الله فدكاً على رسوله. ورجع إلى المدينة (دخل على فاطمة (عليهالسلام )، فقال: يا بنية، إن الله قد أفاء على أبيك بفدك، واختصه بها. فهي له خاصة دون المسلمين، أفعل بها ما أشاء.
وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك مهر، وإن أباك قد جعلها لك بذلك، ونحلتها تكون لك ولولدك بعدك.
قال: فدعا بأديم (عكاظي)، ودعا علي بن أبي طالب، فقال: اكتب لفاطمة (عليهاالسلام ) بفدك نحلة من رسول الله.
فشهد على ذلك علي بن أبي طالب، ومولى لرسول الله، وأم أيمن.
فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): إن أم أيمن امرأة من أهل الجنة(١) .
ونقول:
أولاً: تضمنت هذه الرواية تصريحاً من رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بأن الله اختصه بفدك، وبأنها ملك له، ثم صرح: بأن المسلمين لا حق لهم فيها. ثم عاد وأكد أن له أن يفعل بها ما يشاء، مما دلّ على أنه إنما يفعل ذلك من موقع مالكيته الحقيقية لها. وذلك لكي يسد أبواب الإحتمالات والتمحلات، والتأويلات الباردة، التي ربما يحاول البعض إثارتها.
ولسنا بحاجة إلى تذكير القارئ الكريم بأن الأحاديث التي تتحدث عن زهد الأنبياء بالدنيا، وأنهم لم يأتوا ليجمعوا ذهباً ولا فضة، لتوريثها لأبنائهم لا تتنافى مع تمليك الله تعالى ما هو أعظم من فدك، ولا ضير في أن يعطي (صلىاللهعليهوآله ) فدكاً للزهراء (عليهاالسلام )، ولا يتنافي ذلك
____________
١- بحار الأنوار ج١٧ ص٣٧٩ وج٢٩ ص١١٥ و ١١٦ و ١١٨ والخرائج والجرائح ج١ ص١١٢ و ١١٣ حديث ١٨٧ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص١٤٢ وراجع: الإحتجاج (ط دار النعمان) ج١ ص١٢١ ونور الثقلين ج٤ ص١٨٦ والخصائص الفاطمية للكجوري ج٢ ص١٧١ واللمعة البيضاء ص٣٠٠ و ٣٠٩ و ٧٤٧ و ٧٨٩ والأنوار العلوية ص٢٩٢ ومجمع النورين ص١١٧ و ١٣٤ وإحقاق الحق (الأصل) ص٢٢٣ وغاية المرام ج٥ ص٣٤٨ وبيت الأحزان ص١٣٣.
مع وراثتها لأبيها إن ترك شيئاً من حطام الدنيا.
ثانياً: إنه (صلىاللهعليهوآله ) قد أعطاها فدكاً بعنوان الوفاء بحق كان لأمها خديجة عليه، وهو بقية مهرها. وبذلك يكون قد سدّ الباب أمام أية محاولة لانتزاعها منها، فإن هذا التصرف لا يمكن أن يكون من باب الترخيص لها بالإستفادة من مال يكون للمسلمين فيه حق، ولو على سبيل كونه من الأملاك العامة.. أو تكون فيه أية شبهة أخرى.
ثالثاً: قول النبي (صلىاللهعليهوآله ) للسيدة فاطمة الزهراء (عليهاالسلام ): (تكون لك ولولدك من بعدك)، ـ وقد تكرر هذا المعنى في روايات أخرى(١) ـ يتضمن إظهار الرغبة في أن لا تتصرف الزهراء (عليهاالسلام ) في أرض فدك، لا ببيع ولا بهبة، ولا بالتصدق بها، ولا بأن تقفها،
____________
١- بحار الأنوار ج١٧ ص٣٧٨ وج٢٥ ص٢٢٥ وج٢٩ ص١٠٦ و ١٢٢ والخرائج والجرائح ج١ ص١١٣ وتفسير فرات ٣٢٢ وعيون أخبار الرضا ج١ ص٢٣٣ و (ط مؤسسة الأعلمي ط١٤٠٤هـ) ج٢ ص٢١١ ومستدرك سفينة البحار ج٨ ص١٥٢ والأمالي للصدوق ص٦١٩ وتحف العقول ص٤٣٠ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٤٣٦ و (ط دار الإسلامية) ج٧ ص٣٢٠ والصافي ج٣ ص١٨٧ ونور الثقلين ج٣ ص١٥٣ وج٥ ص٢٧٥ وبشارة المصطفى ص٣٥٣ وينابيع المودة ج١ ص١٣٨ واللمعة البيضاء ص٣٠٠ و ٣٠٣ و ٧٨٦ ومجمع النورين ص١١٧ وغاية المرام ج٢ ص٣٢٩ وج٣ ص٢٨٥ والأسرار الفاطمية للمسعودي ص٤٤١.
ولا بغير ذلك.. بل عليها أن تحتفظ بها، بحيث تنتقل إلى ولدها من بعدها.. ولعل إظهار هذه الرغبة كان لسببين:
أحدهما: التأكيد على حقيقة كونها ملكاً لها (عليهاالسلام )، بحيث يرثها ولدها من بعدها..
الثاني: استشرافه (صلىاللهعليهوآله ) للغيب، ومعرفته بأن هذه الأرض بالذات سوف تتعرض للإغتصاب، وسيكون لها تأثير في فضح إدعاءات الغاصبين لمقام الخلافة الأهلية لهذا الأمر، حيث ستظهر فدك أنهم ليسو أهلاً لهذا المقام ولا لغيره. وقد أوضحنا ذلك في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآله ).
وقد تضمنت الروايات إشارات صدرت عن: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) إلى غصب فدك من بعده(١) .
رابعاً: إن توثيق أمر فدك بكتاب وشهود، هو الآخر من وسائل التأكيد على هذا الحق، وحفظه. وسد أبواب تعلل الغاصبين، وللإسهام في فضح ما يسعون للتستر عليه..
خامساً: إنه (صلىاللهعليهوآله ) قد عبّر في الكتاب بكلمة (نحلة)؛ لأنها أبعد عن أية شبهة يمكن أن تثار فيما يرتبط بالدلالة.
سادساً: إن إشهاد علي (عليهالسلام )، وهو ممن نزلت فيهم آية التطهير
____________
١- بحار الأنوار ج٢٩ ص١١٨ والمناقب لابن شهرآشوب ج١ ص١٤٢ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص١٢٣ واللمعة البيضاء ص٧٨٩.
يجعل رد شهادته تكذيباً للقرآن، تماماً كما كان الحال بالنسبة لرد دعوى الزهراء (عليهاالسلام ) كما سيأتي.
ثم إنه (عليهالسلام ) قد أشهد أم أيمن، وشهد لها بالجنة، ليكون تكذيبها من موجبات فضح أمر من يدَّعون خلافته من بعده.
ثم إنه (صلىاللهعليهوآله ) إنما قد أشهد رجلين، هما: علي، والمولى الذي معه؛ لكي تتم أركان الشهادة، وتتكامل موجبات الأخذ بها، سداً لأبواب الأعذار والتمحلات.
غصب فدك:
وبعد عشرة أيام من وفاة النبي (صلىاللهعليهوآله ) بادر الخليفة إلى غصب فدك(١) : وإخراج عمال الزهراء (عليهاالسلام ) منها، بعد أن كانوا فيها عدة سنين، فبادرت (عليهاالسلام ) إلى المطالبة بها، وأقامت الحجج، وأتت بالشهود، فلم يسمع أبو بكر منها، ورد شهادتهم، وأبطل دعواها.
كما أن علياً (عليهالسلام ) احتج عليهم حتى ظهر الحق، وأسفر الصبح لذي عينين، وقد ندم الناس وأنكروا ما يجري، ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: صدق ـ والله ـ علي بن أبي طالب، ورجع علي (عليهالسلام ) إلى منزله.
ورجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه، ثم
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٦ ص٢٦٣ واللمعة البيضاء ص٧٥١.
قال له: أما رأيت مجلس علي منا اليوم؟! والله، لئن قعد مقعداً آخر مثله ليفسدن علينا أمرنا، فما الرأي؟!
قال عمر: الرأي أن تأمر بقتله.
قال: فمن يقتله؟!
قال: خالد بن الوليد.
فبعثا إلى خالد، وطلبا منه أن يقتل علياً (عليهالسلام )(١) .
وستأتي هذه القضية بتفاصيلها إن شاء الله تعالى..
رسالة علي (عليهالسلام ) إلى أبي بكر:
ثم أرسل علي (عليهالسلام ) رسالة إلى أبي بكر، فلما قرأها رعب منها رعباً شديداً.. ثم حاول أن يستنصر بالمسلمين، ويلقي عليهم بالمسؤولية عن غصب فدك، وإرث فاطمة (عليهاالسلام ) عليهم، وذكر أنه استقال من موقعه هرباً من نزاع علي، فلم يُقَل.
وقال: ما لي ولابن أبي طالب، هل نازعه أحد ففلج عليه.
____________
١- راجع: الإحتجاج ج١ ص٢٣٤ ـ ٢٤٠ و (ط دار النعمان) ج١ ص١١٩ ـ ١٣٠ وتفسير القمي ج٢ ص١٥٥ ـ ١٥٩ وبحار الأنوار ج٢٩ ص١٢٤ و ١٢٥ و ١٢٧ ـ ١٣٢ وراجع ص١٥٧ ومصباح الأنوار ص٢٤٦ و ٢٤٧ ومدينة المعاجز ج٣ ص١٥١ واللمعة البيضاء ص٧٩٥ ـ ٧٩٧ والأنوار العلوية ص٣١١ ـ ٣١٣ وغاية المرام ج٥ ص٣٤٨ ـ ٣٥٠ وبيت الأحزان ص١٣٥ ـ ١٣٦.
فجعل عمر يلوم أبا بكر ويقرعه.. فبين له أبو بكر أن علياً (عليهالسلام ) قادر على قتلهما لو شاء.. وطلب منه أن لا يغتر بقول خالد: إنه يقتل علياً، فإنه لا يجسر على ذلك، ولو رامه لكان أول مقتول بيد علي (عليهالسلام )(١) . ومن شاء تفصيل ما جرى فليرجع إلى المصادر.
فاطمة (عليهاالسلام ) تطالب، وعلي (عليهالسلام ) يشهد:
وقد ذكروا: أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أعطى فدكاً لابنته فاطمة (عليهاالسلام )، فلما مات (صلىاللهعليهوآله ) استولى عليها أبو بكر، فاحتجت عليه فاطمة، وقالت له: إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) نحلنيها.
قال أبو بكر: أريد لذلك شهوداً(٢) .
قال الطريحي: (كانت لرسول الله (صلىاللهعليهوآله )، لأنه فتحها هو وأمير المؤمنين (عليهالسلام ) لم يكن معهما أحد)(٣) .
____________
١- راجع: الإحتجاج ج١ ص٢٤٣ ـ ٢٥٢ و (ط دار النعمان) ج١ ص١١٩ ـ ١٣٠ وبحار الأنوار ج٢٩ ص١٤٠ ـ ١٤٥ وحلية الأبرار ج٢ ص٤٢٩ ـ ٤٣٠.
٢- معجم البلدان ج٤ ص٢٨٨ و (ط دار إحياء التراث) ص٢٣٨ وراجع: مجمع البحرين ج٥ ص٢٨٣ ولسان العرب ج١٠ ص٢٠٣ والمسترشد ص٥٠١ والإمام علي (عليهالسلام ) لأحمد الرحماني الهمداني ص٧٣٧ وجوامع الجامع ج٢ ص١٠٥.
٣- مجمع البحرين ج٥ ص٢٨٣ ومستدرك سفينة البحار ج٨ ص١٥٢ والأصفى ج١ ص١٧٧ واللمعة البيضاء ص٢٩٣.
وفي نص آخر: (فبعثت إلى علي، والحسن، والحسين، وأم أيمن، وأسماء بنت عميس ـ وكانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة ـ فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادَّعت.
فقال (عمر): أما علي فزوجها.
وأما الحسن والحسين فابناها.
وأما أم أيمن فمولاتها.
وأما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب، فهي تشهد لبني هاشم، وقد كانت تخدم فاطمة، وكل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم.
فقال علي (عليهالسلام ): أما فاطمة فبضعة من رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ومن آذاها فقد آذى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ). ومن كذبها فقد كذب رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
وأما الحسن والحسين، فابنا رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وسيدا شباب أهل الجنة. من كذبهما فقد كذب رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، إذ كان أهل الجنة صادقين.
وأما أنا فقد قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): أنت مني وأنا منك، وأنت أخي في الدنيا والآخرة، والراد عليك هو الراد علي، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني.
وأما أم أيمن فقد شهد لها رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بالجنة، ودعا لأسماء بنت عميس وذريتها.
قال عمر: أنتم كما وصفتم (به) أنفسكم. ولكن شهادة الجار إلى نفسه
لا تقبل.
فقال علي (عليهالسلام ): إذا كنا نحن كما تعرفون (ولا تنكرون)، وشهادتنا لأنفسنا لا تقبل، وشهادة رسول الله لا تقبل، فإنا لله وإنا إليه راجعون. إذا ادَّعينا لأنفسنا تسألنا البينة؟! فما من معين يعين.
وقد وثبتم على سلطان الله وسلطان رسوله، فأخرجتموه من بيته إلى بيت غيره من غير بينة ولا حجة،( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) (٢) .
ونقول:
إنه لم يكن يحق لأبي بكر طلب الشهود من فاطمة (عليهاالسلام )، لأنها كما سنرى مطهرة بنص الكتاب الكريم من كل رجس، فلا يمكن احتمال خلاف ذلك في حقها..
ولأن فدكاً كانت في يدها، وكان أبو بكر هو المدَّعي الذي يطالَب بالبينة، بل لا بد من رد شهادته، لأنها تعارض شهادة القرآن، كما قلناه وسنقوله..
مفارقة ظاهرة:
وقد أشار علي (عليهالسلام ) في آخر كلامه إلى أنهم أخرجوا سلطان
____________
١- الآية ٢٢٧ من سورة الشعراء.
٢- الكشكول فيما جرى على آل الرسول ص٢٠٣ ـ ٢٠٥ وبحار الأنوار ج٢٩ ص١٩٧ ـ ١٩٩ واللمعة البيضاء ص٣١٥.
محمد (صلىاللهعليهوآله ) من بيته إلى بيت غيره من غير بينة ولا حجة.. وذلك ليظهر التناقض الذي اوقع أبو بكر نفسه فيه: فإنه يطلب البينة من الزهراء في قضية فدك، ولا يأتي ببينة على ما يدعيه لنفسه في أمر الخلافة.
الشهادة المردودة:
ومع ذلك كله: فإنها (عليهاالسلام ) جاءته بالشهود، فكانت أم أيمن الشاهد الأول، فقد رووا: أن أبا بكر قال لها (عليهاالسلام ): هاتي على ذلك بشهود.
[قال]: فجاءت بأم أيمن.
فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): أنشدك بالله، ألست تعلم أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) قال: (أم أيمن امرأة من أهل الجنة)؟!
فقال: بلى.
قالت: (فأشهد: أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ):( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) (١) . فجعل فدكاً لفاطمة (فجعل فدكاً لها طعمة) بأمر الله تعالى.
فجاء علي (عليهالسلام )، فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً، ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟!
____________
١- الآية ٣٨ من سورة الروم.